الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام8%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158438 / تحميل: 7002
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

ذلك الإمام أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح، فحُملا على بعير وسُيِّرا إلى الخليفة عن أمره بذلك، وهما مقيدان متعادلان في محمل على بعير واحد.

ولما اقتربا من طرسوس جاءهما الصريخ بموت المأمون، فأعيدا إلى السجن ولبث فيه أحمد ثمانية وعشرين شهراً، وقيل نيفاً وثلاثين شهراً.

وعقد المعتصم مجلساً واستدعى أحمد من السجن، وأحضر ـ الفقهاء فناظروه بحضرته ثلاثة أيام فغلبهم، فحرضوا الخليفة عليه فقال له: لعنك الله، طمعت فيك أن تجيبني فلم تجبني، ثم قال: خذوه واخلعوه واسحبوه.

قال أحمد: فأُخذت وسُحبت، وخُلعت وجئ بالعُقَابين « خشب يثبت به المضروب » والسياط وأنا أنظر، فجعل أحدهم يضربني سوطين ويقول له يعني المعتصم: شدَّ قطع الله يديك، ويجئ الآخر فيضربني سوطين. فذهبَ عقلي فلم أُحِسّ بالضرب، وَأَرْعَبَهُ ذلك من أمري وأمر بي فأطلقت!

ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت، وقد أطلقت الأقياد من رجلي، وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رمضان من سنة إحدى وعشرين ومائتين.

وتولى الخلافة ابنه الواثق، وقد اشتد في عهده القول بخلق القرآن، وقتل بيده أحمد بن نصر الخزاعي لعدم إقراره بخلق القرآن، وكان الإمام أحمد في عهده معتقلاً في منزله، وأرسل إليه الواثق كتاباً يأمره فيه أن لا يجتمع بالناس، ولا يساكنه بأرض ولا مدينة هو فيها ».

٢٠١

وقال أحمد في العلل « ١ / ٦٩ »: « وفي أثناء ذلك كله يتعطف به الخليفة « المعتصم » ويقول: يا أحمد أجبني إلى هذا حتى أجعلك من خاصتي وممن يطأ بساطي، فيقول الإمام: يا أمير المؤمنين، يأتوني بآية من كتاب الله أوسنة عن رسول الله حتى أجيبهم إليها. فلما لم يقم لهم معه حجة عدلوا إلى استعمال جاه الخليفة، فقالوا: يا أمير المؤمنين: هذا كافر ضال مضل. وقال له إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد: يا أمير المؤمنين ليس من تدبير الخلافة أن تخلي سبيله ويغلب خليفتين، فعند ذلك حميَ واشتد غضبه، وكان ألينهم عريكة وهويظن أنهم على شئ.

قال الإمام أحمد: فعند ذلك قال لي: لعنك الله، طمعت فيك أن تجيبني، ثم قال: خذوه واخلعوه واسحبوه. قال الإمام: فأخذت وسُحبت وخُلعت وجئ بالعُقَابَيْن والسياط وأنا أنظر، وكان معي شعرات من شعر النبي مصرورة في ثوبي، فجردوني منه وصرت بين العقابين، فقلت: يا أمير المؤمنين، الله الله، إن رسول الله قال: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث وتلوت الحديث، وإن رسول الله قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم. فبمَ تستحل دمي ولم آت شيئاً من هذا؟ يا أمير المؤمنين أذكر وقوفك بين يدي الله كوقوفي بين يديك. فكأنه أمسك.

ثم لم يزالوا به يقولون له: يا أمير المؤمنين إنه ضال مضل كافر. فأمر بي فقمت بين العقابين وجئ بكرسي فأقمت عليه، وأمرني بعضهم أن آخذ بيدي بأي

٢٠٢

الخشبتين فلم أفهم، فتخلعت يداي، وجئ بالضرابين ومعهم السياط، فجعل أحدهم يضربني سوطين ويقول له: يعني المعتصم: شد قطع الله يديك، ويجئ الآخر فيضربني سوطين ثم الآخر كذلك، فضربوني أسواطاً فأغميَ عليَّ وذهب عقلي مراراً، فإذا سكن الضرب يعود عليَّ عقلي.

وقام المعتصم إليَّ يدعوني إلى قولهم فلم أجبه، وجعلوا يقولون: ويحك، الخليفة على رأسك، فلك إقبل، وأعادوا الضرب ثم عاد إلي فلم أجبه، فأعادوا الضرب ثم جاء إليَّ الثالثة، فدعاني فلم أعقل ما قال من شدة الضرب!

ثم أعادوا الضرب فذهب عقلي فلم أحس بالضرب. وأرعبه ذلك من أمري، وأمرني فأطلقت ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت وقد أطلقت الأقياد من رجلي وكان ذلك في اليوم العشرين من رمضان، سنة إحدى وعشرين ومأتين.

وكان جملة ما ضرب نيفاً وثلاثين سوطاً. وقيل: ثمانين سوطاً، ولكن كان ضرباً مبرحاً شديداً جداً. ويقول أشاباض أحد الجلادين: ضربت أحمد بن حنبل ثمانين سوطاً، لوضربته فيلاً لهدمته ».

٥. تكفي الرواية المتقدمة لسجن أحمد وهي رواية أتباعه، ليحكم الباحث بأن المعتصم أطلقه لأنه أقرَّ له بأن القرآن مخلوق، وتكرار أحمد لقوله: ذهب عقلي، تبريرٌ لإقراره لهم، فهويقول: لقد غبت عن الوعي، ولم أدرِ ماذا قلت لهم!

٢٠٣

وقال ابن كثير في النهاية « ١٠ / ٣٦٨ »: « ثم أمر الخليفة بإطلاقه إلى أهله، وكان جملة ما ضرب نيفاً وثلاثين سوطاً، وقيل ثمانين سوطاً، ولكن كان ضرباً مبرحاً شديداً جداً. وقد كان الإمام أحمد رجلاً رقيقاً أسمر اللون ».

يقصد: كان أحمد أسمر نحيفاً نحيل الجسم، لايتحمل جسمه الضرب!

ونحن نثق بشهادة اليعقوبي المعاصر لأحمد، قال في تاريخه « ٢ / ٤٧٢ »: « وامتحن المعتصم أحمد بن حنبل في خلق القرآن، فقال أحمد: أنا رجل علمت علماً، ولم أعلم فيه بهذا. فأحضر له الفقهاء، وناظره عبد الرحمن بن إسحاق وغيره، فامتنع أن يقول إن القرآن مخلوق، فضرب عدة سياط، فقال إسحاق بن إبراهيم: ولني يا أمير المؤمنين مناظرته، فقال: شأنك به! فقال إسحاق: هذا العلم الذي علمته نزل به عليك ملك أوعلمته من الرجال؟ قال: بل علمته من الرجال. قال: شيئاً بعد شئ أوجملة؟ قال: علمته شيئاً بعد شئ. قال: فبقي عليك شئ لم تعلمه؟ قال: بقي عليَّ. قال: فهذا مما لم تعلمه، وقد علمكه أمير المؤمنين. قال: فإني أقول بقول أمير المؤمنين. قال: في خلق القرآن؟ قال: في خلق القرآن! فأشهد عليه وخلع عليه، وأطلقه إلى منزله ».

كما نصت على ذلك شهادة الجاحظ المعاصر لأحمد، وهو من الأشاعرة المتعصبين ضد الشيعة، قال في رسائله « ٣ / ٢٩٢ » في مناقشته لأتباع أحمد: « فنحن لم نُكفِّر إلا من أوسعناه حجة، ولم نمتحن إلا أهل التهمة، وليس كشف المتهم من التجسس، ولا امتحان الظنين من هتك الأسرار. ولوكان كل كشف هتكاً وكل

٢٠٤

امتحان تجسساً، لكان القاضي أهتك الناس لستر، وأشد الناس كشفاً لعورة. والذين خالفوا في العرش إنما أرادوا نفي التشبيه فغلطوا، والذين أنكروا أمر الميزان إنما كرهوا أن تكون الأعمال أجساماً وأجراماً غلاظاً.

فإن كانوا قد أصابوا فلا سبيل عليهم، وإن كان قد أخطأوا فإن خطأهم لايتجاوز بهم إلى الكفر. وقولهم وخلافهم بعد ظهور الحجة تشبيهٌ للخالق بالمخلوق، فبين المذهبين أبين الفرق. وقد قال صاحبكم للخليفة المعتصم يوم جمع الفقهاء والمتكلمين والقضاة والمخلصين، إعذاراً وإنذاراً: امتحنتني وأنت تعرف ما في المحنة، وما فيها من الفتنة، ثم امتحنتني من بين جميع هذه الأمة!

قال المعتصم: أخطأت، بل كذبت، وجدتُ الخليفة قبلي قد حبسك وقيدك، ولولم يكن حبسك على تهمة لأمضى الحكم فيك، ولولم يَخَفْك على الإسلام ما عَرَض لك، فسؤالي إياك عن نفسك ليس من المحنة، ولا من طريق الإعتساف ولا من طريق كشف العورة، إذ كانت حالك هذه الحال وسبيلك هذه السبيل.

وقيل للمعتصم في ذلك المجلس: ألا تبعث إلى أصحابه حتى يشهدوا إقراره، ويعاينوا انقطاعه، فينقض ذلك استبصارهم فلا يمكنه جحد ما أقر به عندهم؟ فأبى أن يقبل ذلك وأنكره عليهم وقال: لا أريد أن أوتى بقوم إن اتهمتهم ميزتُ فيهم بسيرتي فيهم، وإن بان لي أمرهم أنفذت حكم الله فيهم، وهم ما لم أوتَ بهم كسائر الرعية، وكغيرهم من عوام الأمة، وما من شئ أحب إليَّ من الستر، ولا شئ أولى بي من الأناة والرفق، وما زال به رفيقاً، وعليه رقيقاً، ويقول: لأن

٢٠٥

أستحييك بحق أحب إلي من أن أقتلك بحق! حتى رآه يعاند الحجة، ويكذب صراحاً عند الجواب. وكان آخر ما عاند فيه وأنكر الحق وهو يراه: أن أحمد بن أبي دواد قال له: أليس لا شئ إلا قديم أوحديث؟ قال: نعم. قال: أوليس القرآن شيئاً؟ قال: نعم. قال: أوليس لا قديم إلا الله؟ قال: نعم. قال: فالقرآن إذا حديث؟ قال: ليس أنا متكلم. وكذلك كان يصنع في جميع مسائله، حتى كان يجيبه في كل ما سأل عنه، حتى إذا بلغ المخنق، والموضع الذي إن قال فيه كلمة واحدة برئ منه صاحبه قال: ليس أنا متكلم!

فلا هوقال في أول الأمر: لا علم لي بالكلام، ولا هوحين تكلم فبلغ موضع ظهور الحجة، خضع للحق. فمقته الخليفة وقال عند ذلك: أفٍّ لهذا الجاهل مرة والمعاند مرة. وأما الموضع الذي واجه فيه الخليفة بالكذب، والجماعة بالقحة وقلة الإكتراث وشدة التصميم، فهوحين قال له أحمد بن أبي دواد: تزعم أن الله رب القرآن؟ قال: لوسمعت أحداً يقول ذلك لقلت. قال: أفما سمعت ذلك قط من حالف ولا سائل، ولا من قاص، ولا في شعر، ولا في حديث!

قال: فعرف الخليفة كذبه عند المسألة، كما عرف عنوده عند الحجة.

وأحمد بن أبي دواد حفظك الله أعلم بهذا الكلام، وبغيره من أجناس العلم، من أن يجعل هذا الإستفهام مسألة، ويعتمد عليها في مثل تلك الجماعة. ولكنه أراد أن يكشف لهم جرأته على الكذب، كما كشف لهم جرأته في المعاندة. فعند ذلك ضربه الخليفة. وأية حجة لكم في امتحاننا إياكم، وفي إكفارنا لكم.

٢٠٦

وزعم يومئذ أن حكم كلام الله كحكم علمه، فكما لا يجوز أن يكون علمه محدثاً ومخلوقاً، فكذلك لا يجوز أن يكون كلامه مخلوقاً محدثاً.

فقال له: أليس قد كان الله يقدر أن يبدل آية مكان آية، وينسخ آية بآية، وأن يذهب بهذا القرآن ويأتي بغيره، وكل ذلك في الكتاب مسطور؟

قال: نعم. قال: فهل كان يجوز هذا في العلم، وهل كان جائزاً أن يبدل الله علمه ويذهب به ويأتي بغيره؟ قال: ليس.

وقال له: روينا في تثبيت ما نقول الآثار، وتلونا عليك الآية من الكتاب، وأريناك الشاهد من النقول التي بها لزم الناس الفرائض، وبها يفصلون بين الحق والباطل، فعارضنا أنت الآن بواحدة من الثلاث.

فلم يكن ذلك عنده، ولا استخذى من الكذب عليه في غير هذا المجلس، لأن عدة من حضره أكثر من أن يطمع أحدا أن يكون الكذب يجوز عليه.

وقد كان صاحبكم هذا يقول: لا تقية إلا في دار الشرك. فلوكان ما أقر به من خلق القرآن كان منه على وجه التقية، فقد أعمل التقية في دار الإسلام، وقد أكذب نفسه. وإن كان ما أقر به على الصحة والحقيقة فلستم منه، وليس منكم. على أنه لم ير سيفاً مشهوراً، ولا ضرب ضرباً كثيراً، ولا ضرب إلا ثلاثين سوطاً مقطوعة الثمار، مشعثة الأطراف، حتى أفصح بالإقرار مراراً!

٢٠٧

ولا كان في مجلس ضيق، ولا كانت حاله حال مؤيسة، ولا كان مثقلاً بالحديد ولا خلع قلبه بشدة الوعيد. ولقد كان ينازع بألين الكلام، ويجيب بأغلظ الجواب، ويرزنون ويخف ويحلمون ويطيش.

وعبتم علينا إكفارنا إياكم، واحتجاجنا عليكم بالقرآن والحديث، وقلتم: تكفروننا على إنكار شئ يحتمله التأويل ويثبت بالأحاديث، فقد ينبغي لكم أن لا تحتجوا في شئ من القدر والتوحيد بشئ من القرآن، وأن لا تكفروا أحداً خالفكم في شئ! وأنتم أسرع الناس إلى إكفارنا، وإلى عداوتنا والنصب لنا ».

أقول: هاتان شهادتان على أن أحمد لم يصمد أمام امتحان المعتصم، إحداهما من اليعقوبي الثقة المتثبت، والثانية من الجاحظ وقد واجه بها الحنابلة فلم يردوها.

ويؤيد ذلك أن المسعودي قال إن المعتصم ضرب أحمد ليقول بخلق القرآن، وكأنه قال به. قال في مروج الذهب « ٣ / ٤٦٤ »: « وفيها « سنة ٢١٩ » ضَرَب المعتصم أحمد بن حنبل ثمانية وثلاثين سوطاً ليقول بخلق القرآن ».

وروى ابن العمراني في الإنباء في تاريخ الخلفاء « ١ / ١٠٥ » أن أحمد استعطف المعتصم بأن خالد بن ابراهيم الشيباني من أنصار بني العباس، قال: « وحين أحضره المعتصم بين يديه سلَّمَ وتكلم بكلام أعجب الناس، ثم قال في أثناء كلامه: يا أمير المؤمنين إن لآبائى سبقاً في هذه الدعوة، فليسعني ما وسع أصحاب رسول الله من السكوت والرضا من جميعهم بأن القرآن كلام الله ». وهو يقصد أبا داود

٢٠٨

خالد بن إبراهيم الذهلي. وكان نقيباً وليس من أجداد أحمد، لكن حنبلاً وأولاده كانوا يتقربون به الى السلطة.

ويظهر أنهم أطلقوا أحمد، لأنه أقر بما أرادوا وتشفع اليهم بالذهلي الذي يتقرب اليه أبوه حنبل. ولوأنه لم يقر لهم بخلق القرآن لم يطلق، ولم يسمح له بالتحديث والإفتاء! بل بقي في السجن مع نُعيم بن حماد، فقد بقي بعده في السجن عشر سنين حتى مات، ودفنوه ولم يصلوا عليه!

قال في تاريخ بغداد « ١٣ / ٣١٥ »: « حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: سنة تسع وعشرين ومائتين، فيها مات نعيم بن حماد، وكان مقيداً محبوساً لامتناعه من القول بخلق القرآن، فَجُرَّ بأقياده فألقيَ في حفرة، ولم يُكفن ولم يُصل عليه ».

أما زميله الآخر ابن نصر فبقي ثلاث عشرة سنة: « قال محمد بن إسحاق السراج: قتل أحمد بن نصر بن مالك يوم السبت غرة رمضان سنة إحدى وثلاثين. وأنزل رأسه وأنا حاضر ببغداد يوم الثلاثاء لثلاث خلت من شوال سنة سبع وثلاثين ومائتين ». « تاريخ بغداد: ٥ / ٣٨٣ ».

٤. زعم أحمد أنه كان معه سرٌّ رباني نجَّاه من السجن والألم! مع أنه قال إنه ضرب بضعاً وثلاثين سوطاً، وأغمي عليه مرات من الألم، أو من الخوف.

قال في العلل « ١ / ٧٣ »: « ثم قال: خذوه واخلعوه واسحبوه. فأخذتُ وسحبتُ وخُلعت وجئ بالعُقَابَيْن « خشبتان لتثبيت المجلود » والسياط، وأنا أنظر، وكان معي شعرات من شعر النبي (ص) مصرورة في ثوبي، فجردوني منه ».

٢٠٩

وروى الذهبي في تاريخ « ٥ / ١٠٦٣ » عن حنبل قال: « أعطى بعض ولد الفضل بن الربيع أبا عبد الله وهو في الحبس ثلاث شعرات فقال: هذه من شعر النبي، فأوصى عند موته أن يجعل على كل عين شعرة، وشعرة على لسانه. ففعل به ذلك عند موته ».

وقال في سيره « ١١ / ٢١٢ »: « عبد الله بن أحمد: رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي فيضعها على فيه يقبلها، وأحسب أني رأيته يضعها على عينه يغمسها في الماء ويشربه يستشفي به ».

أقول: الفضل بن الربيع كان حاجب المنصور، وحسب قول أحمد إن بعض ولده أعطاه ثلاث شعرات من شعر النبي (ص)، ولعله يقصد أحد أحفاده، وكان له أولاد كثرة موظفون في الدولة، ولا يمكن إثبات صدق الذي أعطاه الشعرات، وأنها من أثر النبي (ص)!

أحاط ابن حنبل نفسه بهالةٍ من المبالغات!

تجد في حديث أحمد عن نفسه، وحديث أتباعه عنه، كثيراً من المبالغة وغير المعقول، فهوالذي أسس الغلو في شخصه، وربى عليه تلاميذه وأولاده!

ويكفي مبالغته في كتابه المسند وقد اعتبره كله صحيحاً، وقال إنه اختاره من مئات ألوف الأحاديث، وأن ما لايوجد فيه، فهوغير صحيح!

قال الإمام الحنبلي أبوموسى المديني الأصفهاني المتوفى سنة ٥٨١، في كتابه خصائص مسند الإمام أحمد / ١٣، طبعة مكتبة التوبة بالرياض ـ ١٤١٠هجرية: « قال لنا حنبل

٢١٠

بن إسحاق: جمعنا عمي « أحمد » لي ولصالح ولعبد الله، وقرأ علينا المسند وما سمعه منه يعني تاماً، غيرنا، وقال لنا: إن هذا الكتاب قد جمعته وأتقنته من أكثر من سبع مائة وخمسين ألفاً، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه، فإن كان فيه، وإلا فليس بحجة.

سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يقول: كتب أبي عشرة آلاف ألف حديث، ولم يكتب سواداً في بياض إلا قد حفظه!

سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: قلت لأبي رحمه الله تعالى: لم كرهت وضع الكتب وقد عملت المسند؟ فقال: عملت هذا الكتاب إماماً، إذا اختلف الناس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجعوا إليه.

قال الشيخ الحافظ أبوموسى رحمه الله: ولم يخرج إلا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، دون من طُعن في أمانته ».

قال أبو زرعة الرازي « تاريخ بغداد: ٥ / ١٨٥ »: « كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث! فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذَاكَرْتُهُ فأخذت عليه الأبواب ».

فهو إذن، يحفظ مليون حديث، واختار منها سبع مئة وخمسين ألفاً، ثم اختار منها الصحيح، وهومسنده الذي بلغت أحاديثه نحوثلاثين ألفاً!

وهذا الكلام لا يوافقه عليه أحد من المحدثين، حتى علماء الحنابلة أنفسهم!

كما أن مسنده يستحيل أن يكون كله صحيحاً، لكثرة المتناقضات فيه.

٢١١

فإذا تجاوزنا كتابه، وجدنا يغلو في شخصه، وأولاده صالح وحنبل وعبد الله يغلون فيه، وتلاميذه خاصة المروزي. وتبدأ مبالغتهم من طفولته، ونسبه، الى علمه، وزهده في الدنيا، وموته، وقبره، وأن الله تعالى ينزل ويزور قبره!

قالوا عن أصل أحمد: جاءت أمه الى بغداد وهي حاملة به

قالوا: كان حنبل جندياً في بخارى في زمن المنصور، مع المسيب بن زهير، وقد أدبه المسيب هو وإسحاق بن عيسى السعدي، لأنهما حركا الجند للشغب، فضربهما المسيب وحلق رأسيهما، وقد يكون نفاه الى مرو، أورضي عليه وولاه سرخس، لأنهم قالوا وليَ سرخس، وكان من أبناء الدعوة. « تاريخ بغداد: ٥ / ١٨١ ».

والصحيح أن حنبلاً أوغيره من أجداده لم يكونوا من أبناء الدعوة العباسية، بل أحد أقاربهم الهذليين، والمرجح أنه قريبهم بالتحالف أو الولاء.

وذكروا أن محمداً مات في مَرْوخراسان، وخرجت زوجته وهي حامل بأحمد، وجاءت الى بغداد فولدته. ولم يذكروا هل تزوجت بعد ذلك.

وقد تفرد ابن كثيرفقال « النهاية: ١٠ / ٣٥٩ »: « قالوا: وقدم به أبوه من مرو وهوحمل فوضعته أمه ببغداد في ربيع الأول من سنة أربع وستين ومائة، وتوفي أبوه وهوابن ثلاث سنين فكفلته أمه ».

مع أن أحمد نفسه قال إن أمه جاءت به وهوحمل في بطنها، ولم يقل أحدٌ غير ابن كثير إن أباه جاء به! ولعله اخترع ذلك ليرفع المهانة عن إمامه أحمد!

٢١٢

لم يكن أحمد من شيبان وقد يكون حليفهم

لم يَدَّعِ أحمد طول عمره أنه من شيبان، فقد قال يحيى بن معين: « ما سمعت أحمد بن حنبل يقول: أنا من العرب قط محمد بن الفضل يقول: وضع أحمد بن حنبل عندي نفقته، وكان يجئ في كل يوم فيأخذ منه حاجته، فقلت له يوماً: يا أبا عبد الله، بلغني أنك من العرب، فقال: يا أبا النعمان نحن قوم مساكين، فلم يزل يدافعني حتى خرج ولم يقل لي شيئاً ». « تهذيب الكمال: ١ / ٤٤٤ ».

لكن ابنه الصغير صالح كتب نسباً، وقالوا رآه أبوه ولم ينكره. ولم يذكر صالح من أين أخذه! قال ابن كثير في النهاية « ١٠ / ٣٥٩ » « ورويَ عن صالح بن الإمام أحمد قال: رأى أبي هذا النسب في كتاب لي فقال: وما تصنع به؟ ولم ينكر النسب ».

وحرفوا كلام ابنه صالح، فصار النسب في كتاب لأبيه، قال الذهبي في سيره « ١١ / ١٧٨ »: « قال الحافظ أبومحمد بن أبي حاتم في كتاب مناقب أحمد: حدثنا صالح بن أحمد، قال: وجدت في كتاب أبي نسبه، فساقه إلى مازن »!

والنسب كما في كتاب العلل « ١ / ٤٥ »: « أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان ».

٢١٣

وقد تبناه الحنابلة، وقال عنه المزي في تهذيب الكمال « ١ / ٤٤٣ »: « وهكذا قال أبو نصر بن ماكولا، إلا أنه زاد بعد مازن: ابن ذهل بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة. وقال الحافظ أبوبكر الخطيب: قول عباس الدوري وأبي بكر بن أبي داود أن أحمد من بني ذهل بن شيبان غلط، إنما كان من بني شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وذهل بن ثعلبة هذا هوعم ذهل بن شيبان وهذا هوذهل المسن الذي منه دغفل ابن حنظلة، والقعقاع بن شور فينبغي أن يقال: أحمد بن حنبل الذهلي ».

ومع أنه لم يشهد بهذا النسب أحدٌ من خبراء الأنساب، فقد اعتبره الحنابلة صحيحاً، وافتخروا بأن إمامهم عربي، في محيط يفتخر بالعرب ويحتقر الموالي!

أما قولهم إن حنبلاً كان من أبناء الدعوة العباسية، فقد أخذوه من كلام أحمد المتقدم الذي استعطف به المعتصم، كما في كتاب: الإنباء في تاريخ الخلفاء « ١ / ١٠٥ » لابن العمراني قال: « ثم قال في أثناء كلامه: يا أمير المؤمنين إن لآبائي سبقاً في هذه الدعوة فليسعني ما وسع أصحاب رسول الله من السكوت والرضا من جميعهم ».

وهويقصد أبا داود خالد بن إبراهيم الذهلي الذي كان نقيباً، وهومن فرع آخر، وليس من أجداد أحمد، وإن افتخر به حنبل.

كان جده حنبل مجنداً مشاغباً

قالوا إن جده حنبلاً كان مجنداً في بخارى، وكان مشاغباً فأدبه قائده. وقالوا إنه صار والي سرخس، ولم أجد مؤشراً على صحة هذا القول، فلوترقى وصار والياً على محافظة مهمة في خراسان كسرخس، فلماذا كان ابنه محمد في مَرْو فقيراً؟

٢١٤

قال في تاريخ بغداد « ٥ / ١٨١ »: « وجده حنبل بن هلال وليَ سرخس، وكان من أبناء الدعوة. فسمعت إسحاق بن يونس صاحب ابن المبارك يقول: ضرب حنبلَ بن هلال وأبا النجم إسحاق بن عيسى السعدي المسيبُ بن زهير الضبي ببخارى، في دسهم إلى الجند في الشغب، وحلقهما ».

وقلنا إن الذي كان من أبناء الدعوة وتقرب به أحمد الى العباسيين، هوخالد بن إبراهيم الشيباني، وهوبحسب النسب الذي ادعوه لأحمد من أعمام آبائه:

قال ابن حزم في جمهرة أنساب العرب / ٣١٩: « ومن بني عمروبن شيبان بن ذهل بن ثعلبة: أبوداود خالد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن قعبل بن الحارث، أحد النقباء لبنى العباس، وهوولي خراسان بعد أبي مسلم. ومنهم: دغفل النسابة، وهودغفل بن حنظلة بن يزيد بن عبدة بن عبد الله بن ربيعة بن عمروبن شيبان بن ذهل بن ثعلبة. والقعقاع بن شور ومطير بن القعقاع بن شور، حكم بجهة الموصل. والفقيه الجليل أبوعبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وابناه: عبد الله قاضي حمص، وصالح قاضي الثغر وابن ابنه: زهير بن صالح، محدث. وابن أخيه محمد بن أحمد بن صالح، محدث ».

فالنقيب أبو داود الذهلي، كان قائداً عند أبي مسلم، قال ابن خلدون « ٣ / ١٢٤ »: « ثم بعث أبومسلم كعباً من النقباء إلى أبيورد فافتتحها، ثم أبا داود خالد بن إبراهيم من النقباء إلى بلخ، وبها زياد بن عبد الرحمن القشيري، فجمع له أهل بلخ

٢١٥

وترمذ وجند طخارستان، ونزل الجوزجان ولقيهم أبوداود فهزمهم، وملك مدينة بلخ ». وقال في أنساب الأشراف « ٤ / ٢٢٨ »: « لما مات أبوداود خالد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن قعبل بن ثابت بن سالم بن حذلم بن الحارث بن عمروبن سالم بن الحارث بن عمروبن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة، كتب المنصور إلى أبي عصام عبد الرحمن بن سليم بولاية خراسان، ثم عزله بعد أربعين يوماً ».

والنتيجة: أن أحمد لم يقل يوماً إنه عربي، لكن أولاده قالوا ذلك لحاجتهم اليه بعد أن صار أبوهم أحمد مشهوراً. ونسبه الذي ذكروه لايوجب الإطمئنان، ولا ينطبق على ما رووه عن جده حنبل، إلا أن يكون حنبل حليفاً لهلال بن أسد وليس ابنه، أوكان أصله من تميم، وهو يخفيه لأنه من أولاد حرقوص بن زهير.

قال علماءٌ: إن أحمد من ذرية حرقوص رأس الخوارج؟

ألَّفَ الطبري المؤرخ كتاباً في إثبات سند حديث الغدير، سماه: الرد على الحرقوصية، وهو يقصد الحنابلة.

وقد تكون تسميته لهم بالحرقوصية لأن إمامهم ابن حنبل من ذرية رئيس الخوارج حرقوص بن زهير، أولأنهم نواصب كالخوارج أتباع حرقوص.

وقد اختار المستشرق كارل بروكلمان في تاريخ الأدب العربي « ٣ / ٥٠ » في تفسير إسم: الرد على الحرقوصية ، أن الحرقوصية هم الحنابلة، وأن الطبري سماهم بذلك، لأن أحمد بن حنبل من أولاد زهير بن حرقوص!

٢١٦

وقال السيد ابن طاوس (قدس سره) في الإقبال / ٤٥٣: « من ذلك ما رواه محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير، صنفه وسماه كتاب الرد على الحرقوصية، روى فيه حديث الغدير وما نص النبي (ص) على علي بالولاية والمقام الكبير، وروى ذلك من خمس وسبعين طريقاً ».

وقال في الطرائف / ٣٨: « ورأيت في بعض ما صنفه الطبري في صحة خبر يوم الغدير أن إسم الكتاب: الرد على الحرقوصية، يعني الحنبلية، لأن أحمد بن حنبل من ولد حرقوص بن زهير الخارجي، وقيل: إنما سماه الطبري بهذا الإسم، لأن البر بهاري الحنبلي تعرض للطعن في شئ مما يتعلق بخبر يوم غدير خم ».

وجزم به الصدوق في علل الشرائع « ٢ / ٤٦٧ » فروى عن إبراهيم بن سفيان: « إنما كانت عداوة أحمد بن حنبل مع علي بن أبي طالب (ع) أن جده ذا الثدية قتله علي بن أبي طالب يوم النهروان، وكان رئيس الخوارج ». ونحوه المناقب « ٣ / ٢١ و ٢٢٠ ».

وذكر النجاشي الرجالي المعروف / ٣٢٢، كتاب الرد على الحرقوصية، قال: « محمد بن جرير أبوجعفر الطبري عامي، له كتاب الرد على الحرقوصية، ذكر طرق خبر يوم الغدير، أخبرنا القاضي أبوإسحاق إبراهيم بن مخلد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا محمد بن جرير بكتابه الرد على الحرقوصية ».

وعليه، لابد أن يكون انتساب جده حنبل الى بني شيبان بالتحالف، تهرباً من نسبه الى حرقوص التميمي ذي الثدية، لأنه نسبٌ منفورٌ عند جميع المسلمين!

٢١٧

كانت الفارسية اللغة الأم لأحمد بن حنبل

وذلك لأن أمه فارسية من مَرْو، وعاش في بغداد بين المَرْوِيين الخراسانيين، فقد روى الذهبي في سيره « ١١ / ٢١٨ » عن حفيده زهير بن صالح، قال: « وسأل « أحمد » ابن خالته عمن بقي من أهله بخراسان، في خلال الأكل، فربما استعجم عليه فيكلمه جدي بالفارسية، ويضع اللحم بين يديه وبين يدي ».

ومما يشير الى محيطه الفارسي قول تلميذه المروذي في: الرد على الجهمية / ٤٧: « كان أبوعبد الله لا يلحن في الكلام، قال: وأخبرت أنه لما نوظر بين يدي الخليفة لم يتعلق عليه بلحن وقال لي ابن أبي حسان الوراق: طلب مني أبوعبد الله وهو في السجن كتاب حمزة في العربية، فدفعته إليه فنظر فيه قبل أن يُمتحن ».

سبب تناقض ابن حنبل في موقفه من أهل البيت (ع)

يوجد تناقض في أحاديث ابن حنبل وأقواله في أهل البيت النبوي (ع)! ولا نجد سبباً لذلك إلا الجو السياسي الذي كان يميل اليهم في زمن المأمون والمعتصم والواثق، ثم صار جواً معادياً لهم في زمن المتوكل!

ففي طبقات الحنابلة « ١ / ٣٢٠ »: « سمعت محمد بن منصور يقول: كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل: يا أبا عبد الله، ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أن علياً قال: أنا قسيم النار؟ فقال: وما تنكرون من ذا، أليس روينا أن النبي (ص) قال لعلي: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق؟ قلنا: بلى. قال: فأين المؤمن؟ قلنا في الجنة. قال: وأين المنافق؟ قلنا: في النار. قال: فعلي قسيم النار ».

٢١٨

وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي « ١ / ٢٥٧ »: « وحكى جدي أبوالفرج عن القاضي أبي يعلى بن الفراء في كتابه المعتمد في الأصول، بإسناده الى صالح بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي إن قوماً ينسبوننا الى توالي يزيد؟ فقال يا بني، وهل يتوالى يزيد أحد يؤمن بالله؟ فقلت: فلم لاتلعنه؟ فقال: وهل رأيتني لعنت شيئاً يا بني، لم لا تلعن من لعنه الله في كتابه؟ فقلت: وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقال في قوله تعالى: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم . فهل يكون فساد أعظم من القتل ». والمسائل والرسائل المروية عن أحمد: ١ / ٤١٠، والصواعق المحرقة / ٢٢٢.

وقال ابن حجر في فتح الباري « ٧ / ٨١ »: « أخرج ابن الجوزي أيضاً من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي ما تقول في علي ومعاوية؟ فأطرق ثم قال: إعلم أن علياً كان كثير الأعداء، ففتش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا، فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه، كياداً منهم لعلي! فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له! وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة، لكن ليس فيها مايصح من طريق الإسناد. وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما ».

وفي مناقب آل أبي طالب « ١ / ٢٢٥ »: « وسأل المعتصم أحمد بن حنبل: كان أبوبكر أفضل الصحابة أم علي؟ قال: أبو بكر أفضل الصحابة وعلي أفضل أهل البيت، قال: أترجح ابن العم على العم؟ قال: إن حمزة والعباس قالا ذلك لرسول الله يوم أمر بسد الأبواب ».

٢١٩

أقول: كان كلام ابن حنبل في تفضيل علي وأهل البيت (ع) وفي ذم معاوية ويزيد وبني أمية، قبل أن يؤسس المتوكل حزب أهل الحديث والأثر، ويجعله إماماً لهم، ويتبنى بغض علي (ع) وحب معاوية وأحاديث التشبيه والرؤية!

أما بعد ذلك، فصار مذهب ابن حنبل مدح بني أمية، وبغض عليٍّ لكن قليلاً، وانتبه أن لا تبغضه كثيراً فتخرج عن السنة!

روى البياضي في الصراط المستقيم « ٣ / ٢٢٤ »: « قال أحمد: لا يكون الرجل سنياً حتى يبغض علياً قليلاً ». وفي علل الشرائع « ٢ / ٤٦٨ »: « سمعت علي بن خشر ـ م يقول كنت في مجلس أحمد بن حنبل فجرى ذكر علي بن أبي طالب (ع) فقال: لايكون الرجل سنياً حتى يبغض علياً قليلاً! قال علي بن خشرم: فقلت لا يكون الرجل سنياً حتى يحبه كثيراً. وفي غير هذه الحكاية قال علي بن خشرم: فضربوني وطردوني »!

من غلوالحنابلة ومبالغاتهم في إمامهم وأنفسهم

مَلَك ( بحري ) يبشر أحمد:

في تاريخ بغداد « ٥ / ١٨٦ »: « حدثنا سلمة بن شبيب قال: كنا عند أحمد بن حنبل فجاءه رجل فدق الباب، وكنا قد دخلنا عليه خفياً، فظننا أنه قد غَمز بنا، فدق ثانية وثالثة، فقال أحمد: أدخل. قال: فدخل فسلم وقال: أيكم أحمد؟ فأشار بعضنا إليه، قال: جئت إلى البحر من مسيرة أربع مائة فرسخ، أتاني آتٍ في منامي فقال: إئت أحمد بن حنبل وسل عنه فإنك تُدل عليه، وقل له: إن الله

٢٢٠

عنك راض وملائكة سماواته عنك راضون، وملائكة أرضه عنك راضون. قال: ثم خرج فما سأله عن حديث ولا مسألة ».

أحمد حجة الله في أرضه:

في النهاية لابن كثير « 10 / 370 »: « قال لي علي بن المديني بعدما امتحن أحمد وقيل قبل أن يمتحن: يا ميمون ما قام أحد في الإسلام ما قام أحمد بن حنبل. فعجبت من هذا عجباً شديداً، وذهبت إلى أبي عبيد القاسم بن سلام فحكيت له مقالة علي بن المديني فقال: صدق، إن أبا بكر وجد يوم الردة أنصاراً وأعواناً، وإن أحمد بن حنبل لم يكن له أنصار ولا أعوان. ثم أخذ أبوعبيد يطري أحمد ويقول: لست أعلم في الإسلام مثله.

وقال إسحاق بن راهويه: أحمد حجة بين الله وبين عبيده في أرضه. وقال علي بن المديني: إذا ابتليت بشئ فأفتاني أحمد بن حنبل لم أبال إذا لقيت ربي كيف كان.

وقال أيضاً: إني اتخذت أحمد حجة فيما بيني وبين الله عز وجل، ثم قال: ومن يقوى على ما يقوى عليه أبوعبد الله ».

فقد أحمد كفقد النبي (ص):

قال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 20 »: « كانت وفاة أحمد بن حنبل في خلافة المتوكل بمدينة السلام، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين، ودفن بباب حرب في الجانب الغربي، وصلى عليه محمد بن طاهر، وحضر جنازته خلق من الناس لم يُرَ مثل ذلك اليوم والإجتماع في جنازة من سلف قبله،

٢٢١

وكان للعامة فيه كلام كثير جرى بينهم بالعكس والضد في الأمور: منها أن رجلًا منهم كان ينادي: إلعنوا الواقف عند الشبهات، وهذا بالضد عما جاء عن صاحب الشريعة (ع) في ذلك. وكان عظيم من عظمائهم ومقدم فيهم يقف موقفاً بعد موقف أمام الجنازة وينادي بأعلى صوته:

وأظلمت الدنيا لفقد محمد

وأظلمت الدنيا لفقدابن حنبل

يريد بذلك أن الدنيا أظلمت عند وفاة محمد (ع)، وأنها أظلمت عند موت ابن حنبل، كظلمتها عند موت الرسول (ص) ».

من لم يحبه فليس بسني:

في تاريخ دمشق « 5 / 293 »: « سمعت ابن أبي حاتم يقول سمعت أبي يقول: إذا رأيتم الرجل يحب أحمد بن حنبل، فاعلموا أنه صاحب سنة ».

أجاب في سبعة أيام عن سبعين ألف مسألة:

في طبقات الحنابلة « 1 / 12 »: « وقال إسماعيل بن حرب: أحصي ما رد أحمد بن حنبل حين جئ به إلى العسكر، فإذا هوسبعون ألفاً ».

أي بلغ عدد المسائل التي أجاب عليها في سامراء سبعين ألف مسألة، وقد بقي فيها نحوأسبوع! فيكون أجاب في اليوم عن عشرة آلاف!

أحمد يزوره الله في قبره:

في مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي / 454: « حدثني أبوبكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي، وكان شيخاً صالحاً قال: كان قد جاء في بعض السنين مطرٌ كثير جداً قبل دخول رمضان بأيام، فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأني قد جئت على

٢٢٢

عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره، فرأيت قبره قد التصق بالأرض حتى بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف أوسافين، فقلت: إنما تم هذا على قبرالإمام أحمد من كثرة الغيث! فسمعته من القبر وهويقول: لا، بل هذا من هيبة الحق عز وجل لأنه عز وجل قد زارني! فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام فقال عز وجل: يا أحمد، لأنك نصرت كلامي فهوينشر ويتلى في المحاريب. فأقبلت على لحده أقبله ثم قلت: يا سيدي ما السر في أنه لا يقبل قبر إلا قبرك؟ فقال لي: يا بني، ليس هذا كرامة لي ولكن هذا كرامة لرسول الله! لأن معي شعرات من شعره! ألا ومن يحبني يزورني في شهر رمضان. قال ذلك مرتين »!

هكذا هكذا، وإلا فلا، لا:

قال ابن عربي في الفتوحات « 1 / 247 »: « رُوِيَ عن الإمام أحمد بن حنبل، المتبع، المقتدي، سيد وقته، في تركه أكل البطيخ، لأنه ما ثبت عنده كيف كان يأكله رسول الله (ص)! فدل ذلك على قوة اتباعه كيفيات أحوال الرسول (ص) في حركاته وسكناته، وجميع أفعاله وأحواله. وإنما عرف هذا منه، لأنه كان في مقام الوراثة في التبليغ والإرشاد، بالقول والعمل والحال، لأن ذلك أمكن في نفس السامع فهو « أي ابن حنبل » وأمثاله، حفاظ الشريعة على هذه الأمة ».

وقال في الفتوحات « 4 / 457 »: « ولقد بلغني عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه ما أكل البطيخ، فقيل له في ذلك فقال: ما بلغني كيف كان رسول الله (ص) يأكله! فلما لم تبلغ إليه الكيفية في ذلك تركه. وبمثل هذا تقدم علماء هذه

٢٢٣

الأمة على سائر علماء الأمم. هكذا هكذا، وإلا فلا، لا. فهذا الإمام علم وتحقق معنى قوله تعالى عن نبيه: فاتبعوني يحببكم الله. وقوله: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة »! ونحوه في الفتوحات « 4 / 84 ».

أقول: هذا استحمارٌ للناس! بأن هذا الإمام أحمد كان ملتزماً حرفياً بـ « سنة » النبي (ص) حتى في تفاصيل المستحبات والمباحات! وأنه بلغ من تقواه أنه لم يأكل البطيخ لأنه يريد أن يقتدي فيه برسول الله (ص)، وحيث لم يبلغه كيف كان يأكله، فقد تركه!

ثم افتخر ابن عربي بفعله وقال: هكذا هكذا، وإلا فلا، لا. أي هكذا فليكن التدين والإقتداء برسول الله (ص)، وإلا فلا!

وعلى هذا يجب على ابن حنبل وابن عربي وتلاميذهم، أن يتركوا أكثر الأعمال والتصرفات من أكل وشرب ورواح ومجئ ونوم ويقظة وتعلم وتعليم، إلا ما ثبت لهم فيه السنة وفي تفاصيله، فيقتدوا به!

هذا، وفي تاريخ بغداد « 5 / 187 » أن أحمد مات سنة 241، وعمره سبع وسبعون سنة.

٢٢٤

الفصل العاشر:

الإمام الهادي (ع) ينقض مذهب أحمد والمتوكل

المأمون عالمُ الخلفاء والمتوكل من جهالهم

اتفق المؤرخون على أن المأمون أعلم الخلفاء العباسيين والأمويين. وقد ورد وصفه في حديث اللوح الذي أهداه الله تعالى الى الزهراء (ع)، وفيه أسماء الأئمة من أبنائها (ع)، فقال عن الثامن منهم: « يقتله عفريت مستكبر، يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح « ذوالقرنين » إلى جنب شر خلقي. حقَّ القولُ مني لأسرِّنَّهُ بمحمد ابنه، وخليفته من بعده ووارث علمه ». « الكافي: 1 / 527 ».

أما مسألة أن القرآن مخلوق أوغير مخلوق، فأخذها المأمون من متكلمي المسلمين قبله، ورفعها شعاراً فقال: من قال إنه غير مخلوق فمعناه أنه قديمٌ مع الله تعالى فيكون شريكاً لله، أويكون كلام الله جزءً منه فيكون الله مركباً. وهذا يخالف قوله تعالى: وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ.

وبدأ المأمون في سنة 212 بامتحان العلماء والمحدثين، فكان يحبس من لم يقل إن القرآن مخلوق، ويُحَرِّم عليه أن يكون قاضياً، أوموظفاً في الدولة.

واستمر الإمتحان عشرين سنة في زمن المأمون والمعتصم والواثق، حتى تولى المتوكل سنة 232 فأوقفه، وتعصب للرأي الآخر، وقال إن القرآن قديمٌ غير مخلوق، وتبنى أحاديث رؤية الله تعالى بالعين.

٢٢٥

وقد اتفق المؤرخون على أن المتوكل لم يكن له بضاعة من العلم، وأنه كان يتزيا بزي المخنثين فحبسه أخوه الواثق ليمنعه من التخنث. ولم يَدَّعِ ولا ادعى له أحدٌ أنه كان عالماً، وأنه اختار مذهباً بموازين علمية، بل كان يعيش في مجتمع فيه صراع بن اتجاهين: اتجاه يؤكد على تنزيه الله تعالى عن الجسم والشبيه، ويقول بفضائل أهل البيت (ع)، واتجاه يميل الى التجسيم، ويكره أهل البيت النبوي بشكل صريح أومبطن، فتبنى هذا الإتجاه.

ومن الظواهر العجيبة أن القول بالتشبيه توأمٌ دائماً مع عداوة أهل البيت (ع). فأينما وجدت مُجسماً فهوناصبي، وأينما وجدت ناصيباً فهومُجسم أو مُشبِّه! لذلك يترجح عندنا أن المتوكل كان مبغضاً لعلي (ع) من نشأته، وعندما صار خليفة تجمع عليه أشكاله فعلموه التشبيه وأحاديث رؤية الله تعالى بالعين!

جواب أهل البيت (ع) على مقولة خلق القرآن

كان موقف الأئمة (ع) النهي عن الإنشغال بأن القرآن مخلوق أو غير مخلوق.

فقد سئل الإمام الصادق (ع) قبل المأمون بخمسين سنةً: « يا ابن رسول الله، ما تقول في القرآن؟ فقال: هوكلام الله، وقول الله، وكتاب الله، ووحي الله وتنزيله وهوالكتاب العزيز الذي: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ». « أمالي الصدوق / 638 ».

٢٢٦

وسئل الإمام الكاظم (ع): « يا ابن رسول الله، ما تقول في القرآن، فقد اختلف فيه من قبلنا، فقال قوم إنه مخلوق، وقال قوم إنه غير مخلوق؟ فقال (ع): أما إني لا أقول في ذلك ما يقولون، ولكني أقول إنه كلام الله عز وجل ». « أمالي الصدوق / 647 ».

وكذلك موقف الإمام الرضا (ع) وهومعاصر للمأمون، ففي أمالي الصدوق / 639: « عن الحسين بن خالد، قال: قلت للرضا (ع): يا ابن رسول الله، أخبرني عن القرآن، أخالق أومخلوق؟ فقال: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله ».

الإمام الهادي (ع) يشرح مسألة خلق القرآن

وعندما تفاقمت مقولة القرآن مخلوق في زمن الإمام الهادي (ع) كتب الى بعض شيعته ببغداد: « بسم الله الرحمن الرحيم، عصمنا الله وإياك من الفتنة، فإن يفعل فَأَعْظِمْ بها نعمة، وإلا يفعل فهي الهلكة. نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليس له، وتكلف المجيب ما ليس عليه. وليس الخالق إلا الله وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله. لاتجعل له إسماً من عندك فتكون من الضالين. جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب، وهم من الساعة مشفقون ». « أمالي الصدوق / 639 ».

فقد أعطى الإمام (ع) القاعدة بأن كل ما سوى الله تعالى مخلوق، لكنه مَنَعَ من وصف كلامه تعالى بأنه مخلوق، حتى لايتسرب الى الذهن حدوثٌ للمتكلم.

ومعنى قوله (ع): تكلف المجيب ما ليس عليه: أنه أجاب بغير علم وهو لايعرف مفهوم وجود القرآن، ولا مفهوم المخلوق وغير المخلوق.

٢٢٧

وأما قوله (ع): فتعاطى السائل ما ليس له، فقد يشكل عليه بأنه كيف يصح المنع من السؤال، وتقسيم المسائل الى ما ينبغي طرحه وما لاينبغي.

والجواب: لأنه لايصح السؤال إلا إذا كان واضحاً محدداً، وهذا في مسألتنا يتوقف على فهم السائل لمعنى القرآن ومعنى الخلق، وإلا فلا يحق له السؤال.

والسائل في نظر الإمام (ع) لايفقه معنى القرآن، وأنواع وجوده، قبل نزوله الى جبرئيل، ثم نزول جبرئيل به الى الرسول (ص) ثم عندنا، الى أن يتجسد بصورة إنسان في يوم القيامة!

أما معنى الخلق فالسائل أشد جهلاً به، فهو أنواع، ونحن لا نعرف كيفية خلق المطر وتكوين ذرَّاته الأولى مع أنه يتم أمام أعيننا. ولا كيفية خلق أنفسنا من عدم ولا كيفية تسويتها بعد ذلك ولا القوى التي سواها الله بها، وأقسم بها!

وما دام السائل لايفقه جوهر سؤاله ولا مغزاه، فهويتعاطى أمراً لايفقهه، ولا يعرف لغته التي تستعمل فيه، فيفرض ألفاظه على الموضوع، كالذي يسأل عن مسألة رياضية معقدة بألفاظ عامية، لا تصلح للتعبير عنها.

قال الشريف المرتضى في رسائله « 1 / 152 »: « وسأل أحسن الله توفيقه عن القرآن هل هومخلوق أوغير مخلوق؟ الجواب، وبالله التوفيق: إن القرآن مُحدثٌ لا محالة، وأمارات الحدث في الكلام أبين وأظهر منها في الأجسام وكثير من الأعراض، لأن الكلام يعلم تجدده بالإدراك، ونقيضه بفقد الادراك، والمتجدد لا يكون إلا محدثاً، والنقيض لا يكون قديماً، وما ليس بقديم وهوموجود محدث، فكيف لا

٢٢٨

يكون القرآن محدثاً وله أول وآخر وقد وصف الله تعالى القرآن بأنه محدث مصرحاً غير ملوح، ولا يجوز أن يصفه بغير ما يستحقه من الأوصاف.

فأما الوصف للقرآن بأنه مخلوق، فالواجب الإمتناع منه والعدل عن إطلاقه، لأن اللغة العربية تقتضي فيما وصف من الكلام بأنه مخلوق أومختلق أنه مكذوب مضاف إلى غير فاعله، ولهذا قال الله عز وجل: إن هذا إلا اختلاق. وتخلقون إفكاً . ولا فرق بين قول العربي لغيره كذبت، وبين قوله خلقت كلامك واختلقته.

وقد ورد عن أئمتنا (ع) في هذا المعنى أخبار كثيرة تمنع من وصف القرآن بأنه مخلوق، وأنهم (ع) قالوا: لا خالق ولا مخلوق.

وروي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال في قصة التحكيم: إنني ما حكمت مخلوقاً وإنما حكمت كتاب الله عز وجل. ويشبه أن يكون الوجه في منع أئمتنا (ع) من وصف القرآن بأنه مخلوق ما ذكرناه، وإن لم يصرحوا (ع) به ».

وقال الشيخ الطوسي في كتابه الخلاف « 6 / 119 »: « كلام الله تعالى: فعله، وهو محدث، وامتنع أصحابنا من تسميته بأنه مخلوق لما فيه من الإيهام بكونه منحولاً. وقال أكثر المعتزلة إنه مخلوق، وفيهم من منع من تسميته بذلك، وهوقول أبي عبد الله البصري وغيره. وقال أبوحنيفة وأبويوسف ومحمد: إنه مخلوق. قال محمد: وبه قال أهل المدينة. قال الساجي: ما قال به أحد من أهل المدينة.

قال أبويوسف: أول من قال بأن القرآن مخلوق أبوحنيفة. قال سعيد بن سالم: لقيت إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة في دار المأمون، فقال: إن القرآن مخلوق هذا

٢٢٩

ديني ودين أبي وجدي. وروي عن جماعة من الصحابة الإمتناع من تسميته بأنه مخلوق. وبه قال جعفر بن محمد الصادق (ع) فإنه سئل عن القرآن فقال: لا خالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله، وبه قال أهل الحجاز ..

ولم يُرْوَ عن واحد من هؤلاء أنه قال: القرآن قديم، أوكلام الله قديم. وأول من قال بذلك الأشعري ومن تبعه على مذهبه، ومن الفقهاء من ذهب مذهبه.

دليلنا على ما قلناه: ما ذكرناه في الكتاب في الأصول ليس هذا موضعها، فمنها قوله: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ ، فسماه محدثاً. وقال: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا، وقال: بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُبِينٍ. فسماه عربياً والعربية محدثة. وقال: نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وقال: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ، فوصفه بالتنزيل. وهذه كلها صفات المحدث. ومن وصفه بالقدم فقد أثبت مع الله تعالى قديماً آخر »!

الإمام الهادي (ع) يوضح أصول التوحيد

1. ردَّ الإمام (ع) ما نسبه المجسمة الى رسول الله (ص) من أحاديث عن رؤية الله تعالى بالعين. قال أحمد بن إسحاق الأشعري وهومن كبار علماء قم: « كتبت إلى أبي الحسن الثالث (ع) أسأله عن الرؤية وما اختلف فيه الناس فكتب: لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواءٌ ينفذه البصر، فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئي لم تصح الرؤية، وكان في ذلك الإشتباه، لأن الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الإشتباه، وكان ذلك التشبيه. لأن الأسباب لابد من اتصالها بالمسببات ». « الكافي: 1 / 97 ».

٢٣٠

2. في الإحتجاج « 2 / 250 »: « سئل أبوالحسن (ع) عن التوحيد فقيل له: لم يزل الله وحده لا شئ معه ثم خلق الأشياء بديعاً، واختار لنفسه الأسماء، ولم تزل الأسماء والحروف له معه قديمة؟

فكتب: لم يزل الله موجوداً ثم كَوَّنَ ما أراد، لا رادَّ لقضائه ولا مُعقب لحكمه، تاهت أوهام المتوهمين، وقصر طُرُف الطارفين، وتلاشت أوصاف الواصفين، واضمحلت أقاويل المبطلين، عن الدَّرْكِ لعجيب شأنه، أوالوقوع بالبلوغ على عُلُوِّ مكانه، فهو بالموضع الذي لايتناهى، وبالمكان الذي لم تقع عليه عيون بإشارة ولا عبارة. هيهات هيهات »!

3 . وفي التوحيد للصدوق / 61: « عن الفتح بن يزيد الجرجاني، قال: لقيته (ع) على الطريق عند منصرفي من مكة إلى خراسان وهوسائر إلى العراق فسمعته يقول: من اتقى الله يُتقى، ومن أطاع الله يطاع. فتلطفت في الوصول إليه فوصلت فسلمت فرد علي السلام، ثم قال: يا فتح من أرضى الخالق لم يبالِ بسخط المخلوق، ومن أسخط الخالق فَقَمِنٌ أن يُسلط عليه سخط المخلوق، وإن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحده، والأبصار عن الإحاطة به. جلَّ عما وصفه الواصفون، وتعالى عما ينعته الناعتون، نأى في قربه، وقرب في نأيه، فهو في بُعده قريب، وفي قربه بعيد، كيَّف الكيف فلا يقال له: كيف. وأيَّن الأينَ فلا يقال له أين، إذ هومبدع الكيفوفية والأينونية.

٢٣١

يا فتح: كل جسم مُغَذَّى بغذاء إلا الخالق الرزاق، فإنه جَسَّمَ الأجسام، وهوليس بجسم ولا صورة، لم يتجزأ، ولم يتناه، ولم يتزايد، ولم يتناقص، مبرأٌ من ذات، ما رُكب في ذاتٍ من جسمه.

وهواللطيف الخبير، السميع البصير، الواحد الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، منشئ الأشياء، ومجسم الأجسام، ومصور الصور.

لوكان كما يقول المشبهة، لم يعرف الخالق من المخلوق، ولا الرازق من المرزوق ولا المنشئ من المنشأ، لكنه المنشئ، فرق بين من جَسَّمَهُ وصَوَّرَه وشَيَّأَه وبيَّنه، إذ كان لا يشبهه شئ.

قلت: فالله واحد والإنسان واحد، فليس قد تشابهت الوحدانية؟

فقال: أَحَلْتَ ثبتك الله، إنما التشبيه في المعاني، فأما في الأسماء فهي واحدة، وهي دلالة على المسمى، وذلك أن الإنسان وإن قيل واحد، فإنه يخبر أنه جثة واحدة وليس باثنين، والإنسان نفسه ليس بواحد، لأن أعضاءه مختلفة، وألوانه مختلفة غير واحدة، وهوأجزاء مجزأة ليس سواء، دمه غير لحمه، ولحمه غير دمه، وعصبه غير عروقه، وشعره غير بشره، وسواده غير بياضه، وكذلك سائر جميع الخلق، فالإنسان واحد في الإسم، لا واحد في المعنى، والله جل جلاله واحد لا واحد غيره، ولا اختلاف فيه، ولا تفاوت، ولا زيادة، ولا نقصان.

فأما الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف، فمن أجزاء مختلفة وجواهر شتى، غير أنه بالإجتماع شئ واحد.

٢٣٢

قلت: فقولك: اللطيف فسره لي، فإني أعلم أن لطفه خلاف لطف غيره للفصل غير أني أحب أن تشرح لي، فقال: يا فتح إنما قلت: اللطيف للخلق اللطيف ولعلمه بالشئ اللطيف، ألا ترى إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف وفي الخلق اللطيف من أجسام الحيوان من الجرجس والبعوض وما هوأصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأنثى، والمولود من القديم، فلما رأينا صغر ذلك في لطفه واهتدائه للسفاد والهرب من الموت، والجمع لما يصلحه بما في لجج البحار، وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار، وإفهام بعضها عن بعض منطقها، وما تفهم به أولادها عنها، ونقلها الغذاء إليها، ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة وبياض مع حمرة، علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف، وأن كل صانعِ شئ فمن شئ صنع، والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شئ.

قلت: جعلت فداك وغير الخالق الجليل خالق؟ قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: ( تبارك الله أحسن الخالقين ) . فقد أخبر أن في عباده خالقين منهم عيسى بن مريم، خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله، فنفخ فيه فصار طائراً بإذن الله، والسامري خلق لهم عجلاً جسداً له خوار.

قلت: إن عيسى خلق من الطين طيراً دليلاً على نبوته، والسامري خلق عجلاً جسداً لنقض نبوة موسى، وشاء الله أن يكون ذلك كذلك، إن هذا لهوالعجب!

٢٣٣

فقال: ويحك يا فتح إن لله إرادتين ومشيتين إرادة حتم وإرادة عزم، ينهى وهو يشاء، ويأمر وهولا يشاء، أوما رأيت أنه نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة وهوشاء ذلك، ولولم يشأ لم يأكلا، ولوأكلا لغلبت مشيتهما مشية الله. وأمر إبراهيم يذبح ابنه إسماعيل (ع)، وشاء أن لا يذبحه، ولولم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشية إبراهيم مشيئة الله عز وجل!

قلت: فَرَّجْتَ عني فَرَّجَ الله عنك، غير أنك قلت: السميع البصير، سميع بالأذن وبصير بالعين؟ فقال: إنه يسمع بما يبصر، ويرى بما يسمع، بصير لا بعين مثل عين المخلوقين، وسميع لا بمثل سمع السامعين، لكن لما لم يخف عليه خافية من أثر الذرة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء تحت الثرى والبحار، قلنا: بصير، لا بمثل عين المخلوقين. ولما لم يشتبه عليه ضروب اللغات، ولم يشغله سمع عن سمع، قلنا: سميع، لا مثل سمع السامعين.

قلت: جعلت فداك قد بقيت مسألة، قال: هات لله أبوك.

قلت: يعلم القديم الشئ الذي لم يكن أن لوكان كيف كان يكون؟

قال: ويحك إن مسائلك لصعبة، أما سمعت الله يقول: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتَا. وقوله: وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ . وقال يحكي قول أهل النار: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ. وقال: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ، فقد علم الشئ الذي لم يكن أن لوكان كيف كان يكون.

٢٣٤

فقمت لأقبل يده ورجله، فأدنى رأسه فقبلت وجهه ورأسه، وخرجت وبي من السرور والفرح ما أعجز عن وصفه، لما تبينت من الخير والحظ.

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: إن الله تبارك وتعالى نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة، وقد علم أنهما يأكلان منها، لكنه عز وجل شاء أن لا يحول بينهما وبين الأكل منها بالجبر والقدرة، كما منعهما من الأكل منها بالنهي والزجر، فهذا معنى مشيته فيهما، ولوشاء عز وجل منعهما من الأكل بالجبر، ثم أكلا منها لكانت مشيتهما قد غلبت مشيته، كما قال العالم (ع) ».

4. ورواه المسعودي في إثبات الوصية « 1 / 235 »، بلفظ آخر وفيه: « كيَّفَ الكيفَ فلا يقال كيف، وأيَّنَ الأينَ فلا يقال أين، إذ هومنقطع الكيفية والأينية، الواحد الأحد جل جلاله. بل كيف يوصف بكنهه محمد (ص) وقد قرنَ الخليل إسمه باسمه، وأشركه في طاعته وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته، فقال: وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ . وقال تبارك اسمه يحكى قول من ترك طاعته: يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا. أم كيف يوصف من قَرَنَ الجليل طاعتَه بطاعة رسول الله (ص) حيث يقول: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ.

يا فتح: كما لا يوصف الجليل جل جلاله، ولا يوصف الحجة، فكذلك لا يوصف المؤمن المُسَلِّمُ لأمرنا، فنبينا (ص) أفضل الأنبياء، ووصينا (ع) أفضل الأوصياء. ثم قال لي بعد كلام: فأوردِ الأمر إليهم وَسَلِّمْ لهم.

٢٣٥

ثم قال لي: إن شئت. فانصرفت منه. فلما كان في الغد تلطفت في الوصول إليه فسلمت فرد السلام فقلت: يا ابن رسول الله تأذن لي في كلمة اختلجت في صدري ليلتي الماضية؟ فقال لي: سل وأَصِخْ الى جوابها سمعك، فإن العالم والمتعلم شريكان في الرشد، مأموران بالنصيحة، فأما الذي اختلج في صدرك فإن يشأ العالم أنبأك. إن الله لم يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول، وكل ما عند الرسول فهو عند العالم، وكل ما اطلع الرسول عليه، فقد اطلع أوصياؤه عليه.

يا فتح: عسى الشيطان أراد اللبس عليك فأوهمك في بعض ما أوردت عليك وأشكَّك في بعض ما أنبأتك، حتى أراد إزالتك عن طريق الله وصراطه المستقيم فقلت: متى أيقنتُ أنهم هكذا: فهم أرباب! معاذ الله، إنهم مخلوقون مربوبون مطيعون داخرون راغمون!

فإذا جاءك الشيطان بمثل ما جاءك به، فاقمعه بمثل ما نبأتك به!

قال فتح: فقلت له: جعلني الله فداك فرجت عني، وكشفت ما لبس الملعون عليَّ، فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب. قال: فسجد (ع) فسمعته يقول في سجوده: راغماً لك يا خالقي داخراً خاضعاً. ثم قال: يا فتح كدت أن تهلك! وما ضرَّ عيسى أن هلك من هلك. إذا شئت رحمك الله. قال: فخرجت وأنا مسرور بما كشف الله عني من اللبس.

٢٣٦

فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه وهومتكئ، وبين يديه حنطة مقلوَّة يعبث بها، وقد كان أوقع الشيطان لعنه الله في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا ولا يشربوا فقال: أجلس يا فتح فإن لنا بالرسل أسوة، كانوا يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق، وكل جسم متغذٍّ إلا خالق الأجسام الواحد الأحد، منشئ الأشياء ومجسم الأجسام، وهوالسميع العليم. تبارك الله عما يقول الظالمون، وعلا علواً كبيراً. ثم قال: اذا شئت رحمك الله.

وقدم به (ع) بغداد، وخرج إسحاق بن إبراهيم وجملة القواد فتلقوه ».

وينفي عن الله تعالى الجسم والصورة

« عن الصقر بن دلف عن أبي الحسن الثالث (ع) قال: يا ابن دلف، إن الجسم محدث والله محدثه ومجسمه ». « الفصول المهمة: 1 / 147 ».

عن حمزة بن محمد قال: « كتبت إلى أبي الحسن (ع) أسأله عن الجسم والصورة فكتب: سبحان من ليس كمثله شئ، لا جسمٌ ولا صورة ». « الكافي: 1 / 102 ».

وكتب اليه أيوب بن نوح يسأله عن الله عز وجل: « أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكونها، أولم يعلم ذلك حتى خلقها، وأراد خلقها وتكوينها فعلم ما خلق عندما خلق وما كون عندما كون؟ فوقع بخطه: لم يزل الله عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء، كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء ». « الكافي: 1 / 108 ».

٢٣٧

وكتب اليه إبراهيم بن محمد الهمداني: « إن من قِبَلَنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد، فمنهم من يقول جسم ومنهم من يقول صورة. فكتب (ع) بخطه: سبحان من لايُحد ولايُوصف ليس كمثله شئ وهوالسميع البصير ». « الكافي: 1 / 102 ».

وفي الكافي « 1 / 105 »: « عن محمد بن الفرج الرخجي قال: كتبت إلى أبي الحسن أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم، وهشام بن سالم في الصورة فكتب: دع عنك حيرة الحيران، واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان ».

أقول: كان هشام بن الحكم رضي الله عنه أقوى المناظرين في بغداد، وكان هارون الرشيد يعقد له مجالس المناظرة مع كبار علماء المذاهب والأديان، ويجلس خلف الستار يستمع. ويظهر أن هشاماً قال ذات مرة عن الله تعالى إنه جسم لا كالأجسام، بدل أن يقول شئ لا كالأشياء، فطار بها خصومه وقالوا هومجسم!

أما هشام بن سالم الجواليقي رضي الله عنه، فربما روى حديث أن الله على صورة الإنسان، وقد يكون قَبِلَه، فطار بها خصومه وحرفوا كلامه أيضاً!

قال الشهرستاني في الملل والنحل « 1 / 185 »: « وقال هشام بن سالم: إنه تعالى على صورة إنسان، أعلاه مُجَوَّفٌ وأسفله مصمت، وهو نور ساطعٌ يتلألأ، وله حواسٌّ خمسٌ ويد ورجلٌ وأنفٌ وأذنٌ وفمٌ. وله وَفْرَةٌ سوداءُ هي نورٌ أسود، لكنه ليس بلحم ولا دم ».

٢٣٨

وقال الأميني في الغدير « 2 / 284 » عن كتاب الملل والنحل: « هذا الكتاب وإن لم يكن يضاهي الفِصَل في بذاءة المنطق، غير أن في غضونه نسباً مفتعلة وآراء مختلقة وأكاذيب جمة، لا يجد القارئ ملتحداً عن تفنيدها، فإليك نماذج منها:

1 ـ قال: قال هشام بن الحكم متكلم الشيعة: إن الله جسم ذوأبعاض في سبعة أشبار بشبر نفسه، في مكان مخصوص وجهة مخصوصة.

2 ـ قال في حق علي: إنه إلهٌ واجب الطاعة.

3 ـ وقال هشام بن سالم: إن الله على صورة إنسان، أعلاه مجوف وأسفله مصمت وهو نور ساطع يتلألأ، وله حواس خمس، ويد ورجل وأنف وأذن وعين وفم، وله وفرة سوداء، وهونور أسود، لكنه ليس بلحم ولا دم. وإن هشام هذا أجاز المعصية على الأنبياء، مع قوله بعصمة الأئمة.

4 ـ وقال زرارة بن أعين: لم يكن الله قبل خلق الصفات عالماً، ولا قادراً ولا حياً ولا بصيراً ولا مريداً ولا متكلماً.

5 ـ قال محمد بن النعمان: إن الله نورٌ على صورة إنسان، ويأبى أن يكون جسماً.

6 ـ وزعم يونس بن عبد الرحمن القمي أن الملائكة تحمل العرش، والعرش تحمل الرب، وهومن مشبهة الشيعة، وصنف لهم في ذلك كتباً ». انتهى.

أقول: وكل ذلك مكذوباتهم على الشيعة أوتحريفٌ لكلامهم، وقد نشروا هذه الأكاذيب يومها، فسأل الشيعة عنها الأئمة (ع) فنفوا مقولة الجسم والصورة.

٢٣٩

المتوكل يمتحن علم الإمام الهادي (ع)

وفي مناقب آل أبي طالب « 3 / 507 »: « قال المتوكل لابن السكيت: إسأل ابن الرضا مسأله عوصاء بحضرتي، فسأله فقال: لم بعث الله موسى بالعصا، وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وبعث محمداً بالقرآن والسيف؟

فقال أبوالحسن (ع): بعث الله موسى بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السحر، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم، وأثبت الحجة عليهم. وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله، في زمان الغالب على أهله الطب، فأتاهم من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله فقهرهم وبهرهم. وبعث محمداً بالقرآن والسيف في زمان الغالب على أهله السيف والشعر، فأتاهم من القرآن الزاهر والسيف القاهر، ما بهر به شعرهم وقهر سيفهم، وأثبت الحجة عليهم.

فقال ابن السكيت: فما الحجة الآن؟ قال: العقل يعرف به الكاذب على الله فيكذب. فقال يحيى بن أكثم: ما لابن السكيت ومناظرته، وإنما هوصاحب نحو وشعر ولغة، ورفع قرطاساً فيه مسائل فأملى علي بن محمد على ابن السكيت جوابها، وأمره أن يكتب: سألت عن قول الله تعالى: قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ ، فهوآصف بن برخيا ولم يعجز سليمان عن معرفة ما عرفه آصف، ولكنه أحب أن يعرف أمته من الجن والإنس أنه الحجة من بعده، وذلك من علم سليمان (ع) أودعه آصف بأمر الله، ففهمه ذلك لئلا يختلف في إمامته وولايته من بعده، ولتأكيد الحجة على الخلق.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477