الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام12%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158839 / تحميل: 7025
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل السادس

التوثيقات العامة

1 ـ أصحاب الاجماع.

2 ـ مشايخ الثقات.

3 ـ العصابة التي لا يروون إلا عن ثقة.

4 ـ رجال أسانيد « نوادر الحكمة ».

5 ـ رجال أسانيد « كامل الزيارات ».

6 ـ رجال اسانيد « تفسير القمّي ».

7 ـ أصحاب « الصادق » عليه‌السلام .

8 ـ شيخوخة الإجازة.

9 ـ الوكالة عن الإمام عليه‌السلام .

10 ـ كثرة تخريج الثقة عن شخص.

١٦١
١٦٢

1 ـ أصحاب الاجماع

* ما هو الاصل في ذلك.

* « أصحاب الاجماع » اصطلاح جديد.

* عددهم وما نظمه السيد بحر العلوم.

* كيفية تلقي الاصحاب هذا الاجماع وحجيته.

* مفاد « تصحيح ما يصح عنهم ».

١٦٣
١٦٤

قد وقفت على الطُّرق التي تثبت بها وثاقة راو معيَّن وهناك طرق تثبت بها وثاقة جمع كثير تحت ضابطة خاصة ، وإليك هذه الطرق واحداً بعد واحد. وأهمّها مسألة أصحاب الاجماع المتداولة في الألسن وهم ثمانية عشر رجلاً على المشهور.

إن البحث عن أصحاب الاجماع من أهمّ أبحاث الرجال ، وقد اشار اليه المحدّث النوري وقال : « إنه من مهمّات هذا الفنّ ، إذ على بعض التقادير تدخل آلاف من الاحاديث الخارجة عن حريم الصحة إلى حدودها أو يجري عليها حكمها »(1) .

ولتحقيق الحال يجب البحث عن أمور :

الأول : ما هو الاصل في ذلك؟

الأصل في ذلك ما نقله الكشّي في رجاله في مواضع ثلاثة نأتي بعبارته في تلك المواضع.

1 ـ « تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللهعليهما‌السلام : اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر

__________________

1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 757.

١٦٥

عليه‌السلام وأصحاب أبي عبداللهعليه‌السلام وانقادوا لهم بالفقه فقالوا : أفقه الأولين ستّة : زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد ، وأبو بصير الاسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي ، قالوا : أفقه الستّة زرارة ، وقال بعضهم مكان أبي بصير الاسدي ، ابو بصير المرادي وهو ليث بن البختري »(1) .

2 ـ « تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون ، وأقرّوا لهم بالفقه من دون اُولئك الستّة الذين عددناهم وسمَّيناهم(2) وهم ستّة نفر : جميل بن درّاج ، وعبدالله بن مسكان ، وعبدالله بن بكير ، وحمّاد بن عثمان ، وحمّاد بن عيسى ، وأبان بن عثمان ، قالوا : وزعم أبو اسحاق الفقيه وهو ثعلبة بن ميمون(3) أن أفقه هؤلاء جميل بن درّاج وهم أحداث أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام »(4) .

3 ـ « تسمية الفقهاء من اصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسنعليهما‌السلام : أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم ، وهم ستّة نفر أُخر دون ستّة نفر الذين ذكرناهم(5) في أصحاب أبي عبداللهعليه‌السلام منهم : يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري ، ومحمد بن أبي عمير ، وعبدالله بن مغيرة ، والحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، وقال بعضهم مكان الحسن بن

____________

1 ـ رجال الكشي : 206.

2 ـ يريد بذلك العبارة المتقدمة التي نقلناها آنفاً.

3 ـ قال النجاشي ( في الرقم 302 ) : « كان وجهاً في أصحابنا قارئاً فقيهاً نحوياً لغوياً راوية وكان حسن العمل ، كثير العبادة والزهد ، روى عن أبي عبدالله وأبي الحسنعليهما‌السلام ».

4 ـ رجال الكشي : 322 ، والمراد من الاحداث : الشبان.

5 ـ يريد العبارة الثانية التي نقلناها عن رجاله.

١٦٦

محبوب ، الحسن بن علي بن فضال ، وفضالة بن أيوّب(1) وقال بعضهم مكان فضالة بن أيوّب ، عثمان بن عيسى ، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمان وصفوان بن يحيى »(2) .

ويظهر من ابن داود في ترجمة « حمدان بن أحمد » أنه من جملة من اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ منهم والاقرار لهم بالفقه(3) ونسخ الكشي خالية منه ، ولعله أخذه من الاُصول ، لا من منتخب الشيخ ، كما احتمله المحدّث النوري ، لكن التأمل يرشدنا إلى خلاف ذلك وأن العبارة كانت متعلقة بـ « حمّاد بن عيسى » المذكور قبل حمدان. وقد سبق قلمه الشريف فخلط هو أو النسّاخ ووجه ذلك أنه عنون أربعة اشخاص بالترتيب الآتي :

1 ـ حمّاد بن عثمان النّاب. 2 ـ حمّاد بن عثمان بن عمرو. 3 ـ حمّاد بن عيسى. 4 ـ حمدان بن أحمد وصرّح في ترجمة حمّاد بن عثمان الناب أنه ممّن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم وأتى بهذا المضمون في ترجمة حمدان ، مع أن اللازم عليه أن يأتي به في ترجمة ابن عيسى ولعل الجميع كان مكتوباً في صفحة واحدة فزاغ البصر ، فكتب ما يرجع إلى ابن عيسى في حق حمدان(4) .

أضف إلى ذلك أن ابن داود نفسه خصّ الفصل الأول من خاتمة القسم الأول من كتابه بذكر أصحاب الاجماع ـ كما سيوافيك عبارته ـ وذكر أسماءهم

__________________

1 ـ الظاهر أن « الواو بمعنى « أو » أي أحد هذين ، ويحتمل كونها بمعناها فيزداد العدد.

2 ـ رجال الكشي : الرقم 1050.

3 ـ رجال ابن داود : 84 ، الرقم 524.

4 ـ والجدير بالذكر ان تغاير « حمّادين » الاولين محلّ نظر. بل استظهر جمع من أئمة الرجال اتحادهما ولعله الاصح. راجع قاموس الرجال : 3 / 397 ـ 398 ؛ ومعجم رجال الحديث : 6 / 212 ـ 215.

١٦٧

مصّرحاً بكون حمّاد بن عيسى منهم من دون أن يذكر حمدان بن أحمد.

والعجب أنّه ذكر الطبقة الثّالثة بعنوان الطبقة الثانية وقال : إنّهم من أصحاب أبي عبداللهعليه‌السلام مع أنّه صرح في ترجمة كل منهم أنّهم كانوا من أصحاب الرضاعليه‌السلام وبعضهم من أصحاب أبي إبراهيم وأبي جعفر الثانيعليهما‌السلام (1) .

هذا ، مضافاً إلى أنه لا اعتبار بما انفرد به داود مع اشتمال رجاله على كثير من الهفوات.

الثاني : « أصحاب الاجماع » اصطلاح جديد

إن التّعبير عن هذه الجماعة بـ « أصحاب الاجماع » أمر حدث بين المتأخرين ، وجعلوه أحد الموضوعات التّي يبحث عنها في مقدمات الكتب الرجالية أو خواتيهما ، ولكنّ الكشّي عبر عنهم بـ « تسمية الفقهاء من أصحاب الباقرينعليهما‌السلام » أو « تسمية الفقهاء من أصحاب الصادقعليه‌السلام » أو « تسمية الفقهاء من اصحاب الكاظم والرضاعليهما‌السلام » فهورحمه‌الله كان بصدد تسمية الفقهاء من أصحاب هؤلاء الأئمّة ، الذين لهم شأن كذا وكذا ، والهدف من تسميتهم دون غيرهم ، هو تبيين أنّ الأحاديث الفقهية تنتهي إليهم غالباً ، فكأنّ الفقه الإماميّ مأخوذ منهم ، ولو حذف هؤلاء وأحاديثهم من بساط الفقه ، لما قام له عمود ، ولا اخضرّ له عود ، ولتكن على ذكر من هذا المطلب ، فأنّه يفيدك في المستقبل.

الثالث : في عددهم

قد عرفت أنه لا اعتبار بما هو الموجود في رجال ابن داود من عدّ « حمدان بن أحمد » من أصحاب الإجماع ، فلابدّ من الرجوع إلى عبارة

__________________

1 ـ الرجال : طبعة النجف ، الرقم : 118 ، 442 ، 454 ، 782 ، 909 و 1272.

١٦٨

الكشي فقد نقل الكشي اتفاق العصابة على ستة نفر من أصحاب الصادقينعليهما‌السلام وهم : 1 ـ زرارة أعين ، 2 ـ معروف بن خربوذ ، 3 ـ بريد بن معاوية ، 4 ـ أبو بصير الأسدي ، 5 ـ الفضيل بن يسار ، 6 ـ محمد بن مسلم الطائفي.

ونقل أيضاً اتّفاقهم على ستة من أحداث أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام فقط وهم : 7 ـ جميل بن دراج ، 8 ـ عبد الله بن مسكان ، 9 ـ عبد الله بن بكير ، 10 ـ حماد بن عثمان ، 11 ـ حماد بن عيسى ، 12 ـ أبأن بن عثمان.

كما نقل اتفاقهم على ستة نفر من أصحاب الامامين الكاظم والرضاعليهما‌السلام وهم : 13 ـ يونس بن عبد الرحمان ، 14 ـ صفوان بن يحيى بيّاع السابري ، 15 ـ محمد بن أبي عمير ، 16 ـ عبد الله بن مغيرة ، 17 ـ الحسن بن محبوب ، 18 ـ أحمد بن محمّد بن نصر.

هذا ما اختار الكشي في من اجمعت العصابة عليهم ، ولكن نقل في حق الستة الأولى أن بعضهم قال مكان أبي بصير الأسدي ، أبو بصير المرادي ، فالخمسة من الستة الأولى موضع اتّفاق من الكشي وغيره ، كما أن الستة الثانية موضع اتفاق من الجميع ، وأما الطبقة الثالثة فخمسة منهم مورد اتفاق بينه وبين غيره حيث قال : « ذكر بعضهم مكان الحسن بن محبوب ، الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب ، وذكر بعضهم مكان فضالة بن أيوب ، عثمان بن عيسى » فيكون خمسة من الطبقة الثالثة مورد اتفاق بينه وبين غيره وبالنتيجة يكون ستة عشر شخصاً موضع اتفاق من الكل ، وانفرد الكشي بنقل الإجماع على شخصين وهما أبو بصير الأسدي من الطبقة الأولى ، والحسن بن محبوب من الثالثة ونقل الاخرون ، الاتفاق على أربعة وهم : أبو بصير المرادي من الستة الأولى والحسن بن علي بن فضال ، وفضالة بن أيوب وعثمان بن عيسى من الثالثة ، فيكون المجموع : اثنين وعشرين شخصاً ، بين ما اتفق الكل على

١٦٩

كونهم من أصحاب الاجماع ، أو قال به الكشي وحده أو غيره فالمتيقن هو 16 شخصاً ، والمختلف فيه هو 6 اشخاص.

ثم إن المتتبع النوري قد حاول رفع الاختلاف قائلاً : « إنه لا منافاة بين الإجماعين في محل الانفراد لعدم نفي أحد الناقلين ما أثبته الآخر وعدم وجوب كون العدد في كل طبقة ستة ، وأنما اطلع كل واحد على ما لم يطلع عليه الاخر ، والجمع بينهما ممكن ، فيكون الجميع مورداً للاجماع.

ونقل عن بعض الأجلة الاشكال عليه ، بأنّ الكشّي جعل الستّة الأولى أفقه الأوّليين وقال : « فقالوا أفقه الأوّين ستة » ومعناه هؤلاء أفقه من غيرهم ومنهم أبو بصير المرادي. وعليه فالأسدي الّذي هو جزء من الستة أفقه من أبي بصير المرادي وعلى القول الآخر يكون المرادي من أفراد الستة ويكون أفقه من أبي بصير الاسدي ، فيحصل التكاذب بين النقلين ، فواحد منهم يقول : الأفقه هو الأسدي ، والآخر يقول : الأفقه هو المرادي »(1) .

وفيه أولاً : أنه يتم في القسم الأول من هذه الطّبقات الثلاث ، حيث اشتمل على جملة « أفقه الأولين ستة » دون سائر الطبقات ، فهي خالية عن هذا التعبير.

وثانياً أنه يحتمل أن يكون متعلق الاجماع هو التصديق والانقياد لهم بالفقه ، لا الأفقهيّة من الكلّ ، فلاحظ وتأمّل.

الرابع : فيما نظمه السيد بحر العلوم

إن السيد الجليل بحر العلوم جمع أسماء من ذكره الكشي في المواضع الثلاثة في منظومته وخالفه في أشخاص من الستة الأولى ، قالقدس‌سره :

قد أجمع الكل على تصحيح ما

يصح عن جماعة فليعلما

__________________

1 ـ خاتمة مستدرك الوسائل : 3 / 757 ، الفائدة السابعة.

١٧٠

وهم أولو نجابة ورفعة

أربعة وخمسة وتسعة

فالستة الأولى من الأمجاد

أربعة منهم من الأوتاد

زرارة كذا بريد(1) قد أتى

ثم محمد(2) وليث(3) يافتى

كذا الفضيل(4) بعده معروف(5)

وهو الذي ما بيننا معروف

والستة الوسطى اولو الفضائل

رتبتهم أدنى من الأوائل

جميل الجميل(6) مع أبان(7)

والعبدلان(8) ثم حمّادان(9)

والستة الاخرى هم صفوان(10)

ويونس(11) عليهما الرضوان

ثم ابن محبوب(12) كذا محمد(13)

كذاك عبدالله(14) ثم أحمد(15)

وما ذكرناه الأصحّ عندنا

وشذّ قول من به خالفنا(16)

قوله : « وما ذكرناه الأصح » إشارة إلى الاختلاف الذي حكاه الكشي في عبارته حيث اختار الكشي ان أبا بصير الاسدي منهم ، واختار غيره أن أبا

__________________

1 ـ المراد بريد بن معاوية.

2 ـ المراد محمد بن مسلم.

3 ـ ابو بصير المرادي وهو ليث بن البختري ، وقد خالف فيه مختار الكشي.

4 ـ الفضيل بن يسار.

5 ـ معروف بن خربوذ.

6 ـ جميل بن دراج.

7 ـ أبان بن عثمان.

8 ـ عبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير.

9 ـ حمّاد بن عثمان وحمّاد بن عيسى.

10 ـ صفوان بن يحيى. المتوفّى عام 220 هـ.

11 ـ يونس بن عبد الرحمن.

12 ـ الحسن بن محبوب.

13 ـ محمد بن أبي عمير.

14 ـ عبد الله بن المغيرة.

15 ـ أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي.

16 ـ قد مضى القولان في عبارة الكشي.

١٧١

بصير المرادي منهم واختار السيد بحر العلوم القول الثاني ونسب القول الأول إلى الشذوذ.

الخامس : في كيفية تلقي الأ صحاب هذا الاجماع

إن المتتبع النوري قد قام بتصفح كلمات الأصحاب حتى يستكشف من خلالها كيفية تلقيهم هذا الإجماع بالقبول وإليك الإشارة إلى بعض الكلمات التي نقلها المحدث النوري في الفائدة السابعة من خاتمة المستدرك بتحرير منّا حسب القرون :

1 ـ إن أول من نقله من الأصحاب هو أبو عمرو الكشي وهو من علماء القرن الرابع وكان معاصراً للكليني ( المتوفّى عام 329 هـ ) وتتلمذ للعياشي صاحب التفسير.

2 ـ ويتلوه في النقل ، الشيخ الطوسي ، وهو من علماء القرن الخامس ( المتوفّى عام 460 هـ ) حيث إنه قام باختصار رجال الكشي بحذف أغلاطه وهفواته ، وأملاه على تلاميذه وشرع بالإملاء يوم الثلاثاء السادس والعشرين من صفر سنة 456 هـ ، بالمشهد الشريف الغري ، ونقل سبط الشيخ ، السيد الأجل « علي بن طاووس » في كتاب « فرج المهموم » عن نفس خط الشيخ في أول الكتاب أنه قال : « هذه الأخبار اختصرتها من كتاب الرجال لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي واخترنا ما فيها »(1) . وظاهر كلامه أن الموجود في الكشي مختاره ومرضيه.

أضف إلى ذلك أنه يقول في العدة : « سوَّت الطائفة بين ما رواه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات ، الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممَّن يوثق به ، وبين ما

__________________

1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 757 ، نقلاً عن فرج المهموم.

١٧٢

أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمرسلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم »(1) .

فان قوله « وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممَّن يوثق به » دليل على أن فيهم جماعة معروفين عند الاصحاب بهذه الفضيلة ، ولا تجد في كتب هذا الفنّ من طبقة الثقات ، عصابة مشتركة في هذه الفضيلة غير هؤلاء.

3 ـ وممَّن تلقّاه بالقبول ، رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب من علماء القرن السادس ( المتوفّى عام 588 هـ ) فقد أتى بما ذكره الكشّي في أحوال الطبقة الاُولى والثانية ، وترك ذكر الثالثة ، ونقل الطبقتين بتغيير في العبارة كما سيوافيك وجهه(2) .

4 ـ وممَّن تلقّاه بالقبول ، فقيه الشيعة ، العلامة الحلي من علماء القرن الثامن ( المتوفّى عام 726 هـ ) وقد أشار بما ذكره الكشّي في خلاصته في موارد كثيرة كما في ترجمة « عبدالله بن بكير » و « صفوان بن يحيى » و « البزنطي » و « أبان بن عثمان ».

5 ـ وقال ابن داود مؤلّف الرجال وهو من علماء القرن الثامن ، حيث ولد عام 648 وألَّف رجاله عام 707 هـ : « أجمعت العصابة على ثمانية عشر رجلا فلم يختلفوا في تعظيمهم غير أنهم يتفاوتون ثلاث درج »(3) .

6 ـ وقال الشهيد الأول ( المستشهد عام 786 هـ ) في « غاية المراد » عند

__________________

1 ـ عدة الاصول : 1 / 386 ، وسيوافيك حق القول في تفسير كلام العدة ، وتقف على أن كلام العدة غير مستنبط من كلام الكشي ، وانما ذكرناه في المقام تبعاً للمحدث النوري.

2 ـ المناقب : 4 / 211 ، أحوال الإمام الباقر ، والإمام الصادقعليهما‌السلام : 280.

3 ـ رجال ابن داود : 209 ، خاتمة القسم الأول ، الفصل الأول ، طبعة النجف والصفحة : 384 ، طبعة جامعة طهران.

١٧٣

البحث عن بيع الثمرة بعد نقل حديث في سنده الحسن بن محبوب : « وقد قال الكشي : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن الحسن بن محبوب ».

نعم ، لم نجد من يذكر هذا الاجماع أو يشير إليه من علماء القرن السّابع كالحسن بن زهرة ( المتوفّى عام 620 هـ ) ونجيب الدين ابن نما ( المتوفّى عام 645 هـ ) ، وأحمد بن طاووس ( المتوفّى عام 673 هـ ) ، والمحقق الحلّي ( المتوفّى عام 676 هـ ) ويحيى بن سعيد ( المتوفّى عام 689 هـ ).

كما لم نجد من يذكره من علماء القرن التّاسع كالفاضل المقداد ( المتوفّى عام 826 هـ ) وابن فهد الحلّي ( المتوفّى عام 841 ).

نعم ذكره الشّهيد الثّاني ( وهو من علماء القرن العاشر وقد استشهد عام 966 هـ ) في شرح الدراية في تعريف الصحيح حيث قال : « نقلوا الاجماع على تصحيح ما يصح عن أبان بن عثمان مع كونه فطحيّاً ، وهذا كلّه خارج عن تعريف الصحيح الّذي ذكروه ».

كما نقل في الروضة البهية ، في كتاب الطلاق عن الشيخ أنه قال : « ان العصابة اجمعت على تصحيح ما يصح عن عبد الله بن بكير وأقرّوا له بالفقه والثقة »(1) .

وأما القرون التالية ، فقد تلقاه عدة من علماء القرن الحادي عشر بالقبول كالشيخ البهائي ( المتوفّى عام 1031 هـ ). والمحقق الداماد ( المتوفّى عام 1041 هـ ) ، والمجلسي الأوّل ، وفخر الدين الطّريحي ( المتوفّى عام 1085 هـ ) والمحقق السبزواري ( المتوفّى عام 1090 هـ ) مؤلّف « ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد ».

كما تلقاه بالقبول كثير من علماء القرن الثاني عشر كالمجلسي الثاني

__________________

1 ـ الروضة البهية : 2 / 131 ، كتاب الطلاق.

١٧٤

( المتوفّى عام 1110 هـ ) وعلماء القرون التالية ولا نرى حاجة في ذكر عبائرهم(1) .

اقول : ان الأصحاب وان تلقوه بالقبول ، لكن ذلك التلقّي لا يزيدنا شيئاً ، لأنهم اعتمدوا على نقل الكشي ولولاه لما كان من ذلك الاجماع أثر ، ولأجل ذلك نرى أن الشيخ لم يذكره في كتابي الرجال والفهرست ، ولا نجد منه اثرا في رجال البرقي ورجال النجاشي ، وذكره ابن شهرآشوب تبعاً للكشي وتصرف في عبارته ، على أن ذكر الشيخ في رجال الكشي لا يدل على كونه مختاراً عنده لأنه هذبه عن الأغلاط ، لا عن كل محتمل للصدق والكذب ، وابقاؤه يكشف عن عدم كونه مردوداً عنده ، لا كونه مقبولاً.

السادس : في وجه حجية ذاك الاجماع

عقد الاصوليون في باب حجية الظنون ، فصلاً خاصاً للبحث عن حجية الاجماع المنقول بخبر الواحد وعدمها ، فذهب البعض إلى الحجّية بادعاء شمول أدلة حجية خبر الواحد له ، واختار المحققون وعلى رأسهم الشيخ الأعظم عدمها ، قائلاً بأن أدلة حجّية خبر الواحد تختص بما إذا نقل قول المعصوم عن حس لا عن حدس ، وناقل الإجماع ينقله حدساً لا حسّاً وذلك من ناحيتين :

الأولى : من ناحية السبب ، وهو الاتفاق الملازم عادة لقول الإمامعليه‌السلام ووجه كونه حدسياً ، لا حسياً ، ان الجل ـ لولا الكل ـ يكتفون في احراز السبب ، باتفاق عدة من الفقهاء لا اتفاق الكل ، وينتقلون من اتفاق عدة منهم إلى اتفاق الجميع.

الثانية : من ناحية المسبب ، وهو قول الإمام ، فإنهم يجعلون اتفاق

__________________

1 ـ لاحظ خاتمة المستدرك : 3 / 758 ـ 759 ، بتحرير وتلخيص واضافات منا.

١٧٥

العلماء دليلاً على موافقة قولهم لقول الإمامعليه‌السلام حدساً لا حساً ، مع ان الملازمة بين ذاك الاتفاق ، وقول الامام غير موجودة ، وعلى ذلك فناقل الاجماع ينقل السبب ( اتفاق الكل ) والمسبب ( قول الامام ) حدساً لا حساً ، وهو خارج عن مورد أدلة الحجية.

والاشكال من ناحية السبب ، مشترك بين المقام وسائر الاجماعات المنقولة ، حيث ان المظنون ان ابا عمرو الكشي لم يتفحص في نقل إجماع العصابة على هؤلاء ، وإنما وقف على آراء معدودة واكتفى ، وهي لا تلازم اتفاق الكل.

وهناك اشكال اخر يختص بالمقام ، وهو ان الاجماع المنقول لو قلنا بحجّيته ، انما هو فيما إذا تعلق على الحكم الشرعي ، لا على الموضوع ، ومتعلق الاجماع في المقام موضوع من الموضوعات لا حكم من الأحكام ، كما تفصح منه عبارة الكشي : « أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن جماعة ».

والاجماع على موضوع ولو كان محصلاً ، ليس بحجة ، فكيف إذا كان منقولاً.

والجواب عن الاشكال الأول مبني على تعيين المفاد من عبارة الكشي في حق هؤلاء الثمانية عشر ، فلو قلنا بأن المراد منها هو تصديق هؤلاء الأعلام في نفس النقل والحكاية الملازم لوثاقتهم ـ كما هو المختار ويظهر من عبارة المناقب أيضاً وغيرها كما ستوافيك ـ فلا يحتاج في إثبات وثاقة هؤلاء إلى اتفاق الكل حتى يقال انه أمر حدسي بل يكفي توثيق شخص أو شخصين أو ثلاثة وقف عليه الكشي عن حس ، ليس الاطلاع على هذا القدر أمراً عسيراً حتى يرمي الكشي فيه إلى الحدس ، بل من المقطوع أنه وقف عليه وعلى أزيد منه.

نعم ، لو كان المراد من عبارة الكشي هو اتفاق العصابة على صحة رواية هؤلاء ، بالمعنى المصطلح عند القدماء اعتماداً على القرائن الخارجية ،

١٧٦

فالإشكال باق بحاله ، لان العلم بالصحة ليس أمراً محسوساً حتى تعمه أدلة حجية خبر الواحد إذا أخبر عنها مخبر ، وليست القرائن الموجبة للعلم بالصحة ، كلها من قبيل عرض الكتاب على الإمامعليه‌السلام وتصديقه إياه ، أو تكرر الحديث في الاصول المعتمدة ، حتى يقال « انها من قبيل الامور الحسية ، وأن المسبب ـ أعني صحة روايات هؤلاء ـ وان كان حدسيّاً ، لكن أسبابه حسّية ، ولا يلزم في حجة قول العادل كون المخبر به أمراً حسياً ، بل يكفي كون مقدمات حسية » ، وذلك لأن القرائن المفيدة لصحة أخبار هؤلاء ليست حسّية دائماً ، وإنما هي على قسمين : محسوس وغير محسوس ، والغالب عليها هو الثاني وقد مر الكلام فيه عند البحث عن شهادة الكليني في ديباجة الكافي على صحة رواياته.

وقد حاول بعض الأجلة الإجابة عنه ( ولو قلنا بأن المراد هو تصحيح روايات هؤلاء ) بأن نقل الكشي ، اتفاق العصابة على تصحيح مرويات هؤلاء بالقرائن الدالة على صدق مفهومها أو صدورها ، وأن لم يكن كافياً في إثبات الاتفاق الحقيقي ، لكنه كاشف عن اتفاق مجموعة كبيرة منهم على تصحيح مرويات هؤلاء ، ومن البعيد أن يكون مصدره ادعاء واحد أو اثنين من علماء الطائفة ، لأن التساهل في دعوى الإجماع شائعاً وأن كان بين المتأخرين ، لكنه بين القدماء ممنوع جداً ، هذا من جانب.

ومن جانب آخر إن اتفاق جماعة على صحة روايات هؤلاء العدة ، يورث الاطمئنان بها ، والقرائن التي تدل على الصحة وإن كانت على قسمين : حسي واستنباطي ، لكن لما كان النظر والاجتهاد في تلك الأيام قليل ، وكان الأساس في المسائل الفقهية وما يتصل بها ، هو الحس والشهود ، يمكن أن يقال باعتمادهم على القرائن العامة التي تورث الاطمئنان لكل من قامت عنده أيضاً ، ككونه من كتاب عرض على الإمام ، أو وجد في أصل معتبر ، أو تكرر في الاصول ، إلى غير ذلك من القرائن المشهورة.

١٧٧

والحاصل ؛ أنه إذا ثبت ببركة نقل الكشي كون صحة روايات هؤلاء ، أمراً مشهوراً بين الطائفة ، يحصل الاطمئنان بها من اتفاق مشاهيرهم ، لكونهم بعداء عن الاعتماد على القرائن الحدسية ، بل كانوا يعتمدون على المحسوسات أو الحدسيات القريبة منها ، لقلة الاجتهاد والنظر في تلك الأعصار.

أقول : لو صحت تلك المحاولة لصحت في ما ادعاه الكليني في ديباجة كتابه ، من صحة رواياته ، ومثله الصدوق في مقدمة « الفقيه » ، بل الشيخ حسب ما حكاه المحدث النوري بالنسبة إلى كتابيه « التهذيب والاستبصار » والاعتماد على هذه التصحيحات ، بحجة ان النظر والاجتهاد يوم ذاك كان قليلاً ، وكان الغالب عليها هو الاعتماد على الامور الحسية مشكل جداً وقد مرَّ اجمال ذلك عند البحث عن أدلة نفاة الحاجة إلى علم الرجال فلاحظ ، على ان احراز القرائن الحسية بالنسبة إلى أحاديث هؤلاء مع كثرتها ، بعيد غايته وسيوافيك بعض الكلام في ذلك عند تبيين مفاد العبارة.

واما الاشكال الثاني فالاجابة عنه واضحة ، لأنه يكفي في شمول الأدلة كون المخبر به مما يترتب على ثبوته اثر شرعي ، ولا يجب ان يكون دائماً نفس الحكم الشرعي ، فلو ثبت بإخبار الكشي ، اتفاق العصابة على وثاقتهم أو صحة اخبارهم ، لكفى ذلك في شمول ادلة الحجية كما لا يخفى.

السابع : في مفاد « تصحيح ما يصح عنهم »

وهذا هو البحث المهم الذي فصل الكلام فيه المتتبع النوري في خاتمة مستدركه ، كما فصل في الامور السابقة ـ شكر الله مساعيه ـ.

والخلاف مبني على ان المقصود من الموصول في « ما يصح » ما هو؟ فهل المراد ، الرواية والحكاية بالمعنى المصدري ، أو ان المراد المروي ونفس الحديث؟

١٧٨

فتعيين أحد المعنيين هو المفتاح لحل مشكلة العبارة ، وأما الاحتمالات الاُخر ، فكلها من شقوق هذين الاحتمالين ، ويتلخص المعنيان في جملتين :

1 ـ المراد تصديق حكاياتهم.

2 ـ المراد تصديق مروياتهم.

وان شئت قلت : هل تعلق الإجماع على تصحيح نفس الحكاية وان ابن ابي عمير صادق في قوله ، بأنّه حدثه ابن اُذينة أو عبدالله بن مسكان أو غيرهما من مشايخه الكثيرة الناهزة إلى أربعمائة شيخ أو تعلق بتصحيح نفس الحديث والمروي ، وان الرواية قد صدرت عنهمعليهم‌السلام .

وبعبارة اخرى ؛ هل تعلق بما يرويه بلا واسطة كروايته عن شيخه « ابن اُذينة » ، أو تعلق بما يرويه مع الواسطة أعني نفس الحديث الذي يرويه عن الإمام بواسطة استاذه.

والمعنى الأول يلازم توثيق هؤلاء ويدل عليه بالدلالة الالتزامية ، فان اتفاق العصابة على تصديق هؤلاء في حكايتهم وتحدثهم ملازم لكونهم ثقات ، فيكون مفاد العبارة هو توثيق هؤلاء لأجل تصديق العصابة حكايتهم ونقولهم عن مشايخهم.

وأما المعنى الثاني فله احتمالات :

1 ـ صحة نفس الحديث والرواية وان كانت مرسلة أو مروية عن مجهول أو ضعيف لأجل كونها محفوفة بالقرائن.

2 ـ صحتها لأجل وثاقة خصوص هؤلاء الجماعة فتكون الصحة نسبية لا مطلقة ، لاحتمال عدم وثاقة من يروون عنه فيتحد مع المعنى الأول.

3 ـ صحتها لأجل وثاقتهم ووثاقة من يروون عنهم حتى يصل إلى الإمامعليه‌السلام فعلى الاحتمال الثالث ، تنسلك مجموعة كبيرة من الرواة ممَّن

١٧٩

لم يوثقوا خصوصاً ، في عداد الثقات ، فإن لمحمد بن ابي عمير مثلا « 645 » حديثاًيرويها عن مشايخ كثيرة(1) .

واليك توضيح هذين المعنيين(2) .

المعنى الأول : وهو ما احتمله صاحب الوافي في المقدمة الثالثة من كتابه : « ان ما يصح عنهم هو الرواية لا المروي »(3) . وعلى هذا تكون العبارة كناية عن الاجماع على عدالتهم وصدقهم بخلاف غيرهم ممن لم ينقل الإجماع على عدالته.

ونقل المحدث النوري عن السيد المحقق الشفتي في رسالته في تحقيق حال « أبان » ان متعلق التصحيح هو الرواية بالمعنى المصدري أي قولهم أخبرني ، أو حدثني ، أو سمعت من فلان ، وعلى هذا فنتيجة العبارة أن أحداً من هؤلاء إذا ثبت أنه قال : حدثني ، فالعصابة أجمعوا على أنه صادق في اعتقاده.

وقد سبقه في اختيار هذا المعنى رشيد الدين ابن شهر آشوب في مناقبه ، حيث اكتفى بنقل المضمون وترك العبارة وقال : « اجتمعت العصابة على تصديق ستة من فقهائه ( الإمام الصادقعليه‌السلام ) وهم جميل بن دراج ، وعبدالله بن مسكان الخ » فقد فهم من عبارة الكشي اتفاق العصابة على تصديق هؤلاء وكونهم صادقين فيما يحكون ، فيدل بالدلالة الالتزامية على وثاقة هؤلاء لا غير ، والتصديق مفاد مطابقي ، والوثاقة مفاد التزامي كما لا يخفى.

__________________

1 ـ لاحظ معجم رجال الحديث : 14 / 303 ـ 304 ، طبعة النجف.

2 ـ وقد ادغمنا الوجه الثاني والثالث من الاحتمال الثاني فبحثنا عنهما بصفقة واحدة ، لان وثاقة هؤلاء ليست مورداً للشك والترديد وانما المهم اثبات وثاقة مشايخهم.

3 ـ الوافي : المقدمة الثالثة ، الصفحة 12 ، وجعل الفيض كونها كناية عن الاجماع على عدالتهم وصدقهم في عرض ذلك الاحتمال ، والظاهر أنه في طوله ، لان تصديق حكايتهم في الموارد المجردة عن القرائن غير منفك عن التصديق بعدالتهم فلاحظ.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

٢٤. وأشهد أنك أوفيت بعهد الله تعالى، وأن الله تعالى موف بعهده لك، وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً: والمقصود به عهد الله الذي أعطاه علي (ع) لرسول الله (ص) في مرض وفاته أن يصبر على ما يرتكب في حقه وحق زوجته وأولاده. من ذلك ما رواه في الكافي « ١ / ٢٨١ »: « فقال أمير المؤمنين: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لقد سمعت جبرئيل يقول للنبي: يا محمد عرفه أنه تنتهك الحرمة، وهي حرمة الله وحرمة رسول الله، وعلى أن تخضب لحيته من رأسه بدم عبيط. قال أمير المؤمنين: فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل حتى سقطت على وجهي، وقلت: نعم قبلت ورضيت، وإن انتهكت الحرمة وعطلت السنن ومُزق الكتاب وهُدمت الكعبة وخُضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط، صابراً محتسباً أبداً، حتى أُقدم عليك ».

٢٥. وأشهد أنك أمير المؤمنين حقاً: فقد ثبت عندنا أن هذا اللقب سمى الله به علياً (ع) ثم أخذه الآخرون، ففي الكافي « ١ / ٤١١ »: أن الإمام الصادق (ع) قال: « ذاك إسمٌ سمى الله به أمير المؤمنين (ع)، لم يُسَمَّ به أحدٌ قبله، ولا يتسمى به بعده إلا كافر ». وقيل إن الكافر في مثل هذا الحديث بمعنى كافر النعمة.

٢٦. الذي نطق بولايتك التنزيل: كقوله تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) . والآية نص في ولاية علي (ع)، لفظها عام ومصداقها خاص، فهوالذي تصدق بخاتمه وهو راكع، والواو في: وهم راكعون، حالية، ولا يصح كونها عاطفة.

٢٨١

٢٧. وأخذ لك العهد على الأمة بذلك الرسول (ص): في مثل قوله (ص): « هذا وليكم من بعدي، فإن أطعتموه رشدتم ». « الكافي: ١ / ١٥٣ ». وقوله (ص) لبريدة: « لا تقع في علي، فإنه مني وأنا منه، وهووليكم بعدي ». « مسند أحمد: ٥ / ٣٥٦ ».

٢٨. وأشهد أنك وعمك وأخاك، الذين تاجرتم الله بنفوسكم فأنزل الله فيكم: ( إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوالْفَوْزُ الْعَظِيمُ. التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الأمرونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ الله وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) .

وفي شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني النيسابوري « ٢ / ٦ »: « عن عبد الله بن عباس في قول الله تعالى: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه: يعني علياً وحمزة وجعفر. منهم من قضى نحبه: يعني حمزة وجعفراً. ومنهم من ينتظر: يعني علياً كان ينتظر أجله والوفاء لله بالعهد والشهادة في سبيل الله ».

٢٩. أشهد يا أمير المؤمنين أن الشاك فيك ما آمن بالرسول الأمين، وأن العادل بك غيرك عادل عن الدين القويم: فمن ثبت عنده أن النبي (ص) أعطى لعلي (ع) هذه المكانة، وأنه لاينطق عن الهوى، فكيف يرد قول رسول الله (ص) ويكفر به.

والذي ينحرف عن ولايته ويتولى غيره من الأنداد، فقد انحرف عن الدين القويم الذي أكمله الله بولايته بحكم قوله: ( اليوم أكملت لكم دينكم ) .

٢٨٢

٣٠. وأشهد أنك المعني بقول العزيز الرحيم: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ: ومعنى هذه الفقرة واضح.

٣١. وأشهد أنك لم تزل للهوى مخالفاً، وللتقى محالفاً، وعلى كظم الغيظ قادراً، وعن الناس عافياً، وإذا عصي الله ساخطاً، وإذا أطيع الله راضياً، وبما عهد الله إليك عاملاً: هذا بيانٌ لحالة الثبات والصمود في موقف أمير المؤمنين (ع) وهي صفة صاحب الدين والمبدأ. وقد عرف بذلك (ع) في الحرب والسلم، والشدة والرخاء.

٣٢. وأشهد أنك ما اتقيتَ ضارعاً، ولا أمسكتَ عن حقك جازعاً: وهذا بيانٌ لسياسته (ع) مع أهل السقيفة، فقد كان يلين وقت اللين ويشتد وقت الشدة، ويقيم الحجة بالبرهان، وهوفي ذلك ينفذ أمر النبي (ص).

قال (ع): « أخبرني رسول الله (ص) بما الأمة صانعة بي بعده، فلم أكُ بما صنعوا حين عاينته بأعلم مني ولا أشد يقيناً مني به قبل ذلك، بل أنا بقول رسول الله (ص) أشد يقيناً مني بما عاينت وشهدت ». « كتاب سليم بن قيس / ٢١٥ ».

٣٣. وأشهد أنك يا أمير المؤمنين جاهدت في الله حق جهاده، حتى دعاك الله إلى جواره: روى النسائي في خصائص علي (ع) / ٤٠، والحاكم: ٣ / ١٢٢، وصححه على شرط الشيخين، عن أبي سعيد الخدري قال: كنا جلوساً ننظر رسول الله (ص) فخرج الينا قد انقطع شسع نعله فرمى به إلى علي (ع) فقال: إن منكم رجلاً يقاتل الناس على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، قال أبوبكر: أنا؟ قال: لا. قال عمر: أنا؟ قال: لا، ولكن خاصف النعل ».

٢٨٣

٣٤. السلام عليك يا أمير المؤمنين، عبدت الله مخلصاً، وجاهدت في الله صابراً لا تحفل بالنوائب، ولا تهن عند الشدائد، ولا تحجم عن محارب. أفِكَ من نسب غير ذلك، وافترى باطلاً عليك: وهذه باقة من صفاته (ع) في الجهاد والسياسة. وقد رد في آخرها ما يحاوله أعداؤه وفي طليعتهم المتوكل أن يفتروا عليه غير ذلك.

٣٥. وأنت أول من آمن بالله وصلى له، وجاهد وأبدى صفحته في دار الشرك، والأرض مشحونةٌ ضلالةً، والشيطانُ يعبد جهرةً: وهذا وصفٌ لشجاعته (ع) في مرحلة مكة قبل إسلام الناس، ثم عندما كانوا يبتعدون بأنفسهم عن النبي (ص)!

ففي السنوات الثلاث الأولى لم يكن أحد مسلماً غير بضعة من بني هاشم، وقد هاجَ زعماء المشركين وعملوا ليل نهار لقتل النبي (ص) فكان عليٌّ (ع) مهموماً في حراسته ليله ونهاره، مع أبيه، وعمه حمزة، وأخيه جعفر.

وبعد الثلاث سنوات كان حصار الشعب، وكان يوجد بعض المسلمين، لكنهم لم يسدوا فراغاً ولا وقفوا في منع خطر أوضرر. وقد ادعوا بعد ذلك لبعضهم بطولات، لكن اعترفوا بأنهم لم يوصلوا صاع حنطة الى النبي (ص) في الشعب! وأن ثقل الأمور طوال كان على عاتق بني هاشم، وأمير المؤمنين (ع) خاصة.

وقد رووا أن أبا بكر أجاره ابن الدغنة سيد الأحابيش، وأن عمر أجاره العاص بن وائل، أما علي (ع) فلم يستجر بأحد، وكان مضرب المثل في خدمته لرسول الله (ص) والدفاع عنه، وتحديه لأعدائه!

٣٦. وأنت القائل لاتزيدني كثرة الناس حولي عزة، ولا تفرقهم عني وحشة، ولو أسلمني الناس جميعاً لم أكن متضرعاً. اعتصمتَ بالله فعززتَ:

٢٨٤

فبَيَّنَ بهذه الفقرة أن سبب شجاعته درجةُ اعتصامه وعبوديته لله تعالى.

٣٧. أشهد شهادة حق، وأقسم بالله قسم صدق أن محمداً وآله صلوات الله عليهم سادات الخلق وأنه القائل لك: والذي بعثني بالحق ما آمن بي من كفر بك:

ويؤيد هذه الشهادة النبوية أحاديث متعددة نص بعضها على أفضلية بني هاشم على غيرهم، ونص بعضها على أن عترة النبي (ص) لا يقاس بهم أحد.

ففي مناقب أحمد لابن الجوزي / ١٦٣: « سمعت عبد الله بن حنبل يقول: حدث أبي بحديث سفينة فقلت: يا أبة ما تقول في التفضيل؟قال: في الخلافة أبوبكر وعمر وعثمان. فقلت فعلي بن أبي طالب؟ قال: يا بني علي بن أبي طالب من أهل البيت لا يقاس بهم أحد ».

وفي الرياض النضرة للطبري « ٢ / ٢٧٥ »: « قال رجل لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن: فعلي كرم الله وجهه؟ قال ابن عمر: علي من أهل البيت لا يقاس بهم، علي مع رسول الله في درجته، إن الله عز وجل يقول: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ، فاطمة مع رسول الله في درجته، وعلي مع فاطمة الزهراء ».

٣٨. مولاي، فضلك لا يخفى، ونورك لا يُطفى، وإن من جحدك الظلوم الأشقى: أهم هذه الصفات أنه (ع) حجة الله على خلقه، وله أدلته من القرآن والسنة. ولعن مستحلي حرمة العترة اقتداء بالنبي (ص) لأنه قال: « خمسة لعنتهم وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله، والتارك لسنتي، والمكذب بقدر الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والمستأثر بالفئ، والمستحل له ». « الكافي: ١ / ٢٩٣ ».

٢٨٥

« ستة لعنتهم ولعنهم الله، وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من أذل الله، والتارك لسنتي، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والمستحل لحرم الله ». « الحاكم: ٢ / ٥٢٥ وصححه ».

٣٩. وأشهد أنك ما أقدمتَ، ولا أحجمت، ولا نطقت، ولا أمسكتَ، إلا بأمر من الله ورسوله (ص): وقد رووا أن خالد بن الوليد بعث بريدة يشتكي على علي للنبي (ص)، قال بريدة: « فوقعت في علي حتى فرغت، ثم رفعت رأسي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب غضباً لم أره غضب مثله إلا يوم قريظة والنضير، فنظر إلى فقال: يا بريدة أحب علياً فإنما يفعل ما أمر به! فقمت وما من الناس أحد أحب إلى منه ». « أوسط الطبراني: ٥ / ١١٧، ومجمع الزوائد: ٩ / ١٢٩، وتاريخ دمشق: ٤٢ / ١٩١، وفي رواية أخرى فيه: « قال له: أنافقت بعدي يا بريدة »!

٤٠. وأنت ولي الله وأخورسوله، والذابُّ عن دينه، والذي نطق القرآن بتفضيله: قال الله تعالى: وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً. دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً . « النساء: ٦٨ ـ ٦٩ ». وجهاد علي (ع) بين يدي رسول الله (ص) كافٍ لتفضيله على كافة الصحابة خاصة الفارين في الحروب، لكن القرشيين عَصَبُوا دماء مشركيهم الذين قتلهم النبي (ص) بعلي (ع) لأنه كبير بني هاشم، وانتقموا من النبي (ص) بشخص علي! ومن انتقامهم أنهم جعلوا الجهاد الدعوة الى الإسلام وليس القتال. فعلي مقاتل وليس مجاهداً، وفلان وفلان مجاهدون ولو لم يقاتلوا! وقد استمات الفخر الرازي لإثبات هذا التزييف القرشي، فقال إن أبا

٢٨٦

بكر جاهد بالدعوة الى الإسلام، وعلي قاتل فقط! قال في تفسيره « ١١ / ٩ »: « وهذا النوع من الجهاد هو حرفة النبي « ص » وأما جهاد علي فإنما كان بالقتل، ولا شك أن الأول أفضل »!

٤١. أشهد أنك المخصوص بمدحة الله، المخلص لطاعة الله، لم تبغ بالهدى بدلاً، ولم تشرك بعبادة ربك أحداً، وإن الله تعالى استجاب لنبيه (ص) فيك دعوته:

ففي كمال الدين / ٢٨٥، قال رسول الله (ص) لعلي (ع): « أخبرني ربي جل جلاله أنه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك، فقلت: يا رسول الله ومن شركائي من بعدي؟ قال: الذين قرنهم الله عز وجل بنفسه وبي، فقال: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. فقلت: يا رسول الله ومن هم؟قال: الأوصياء مني إلى أن يردوا علي الحوض كلهم هاد مهتد، لايضرهم من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه، بهم تنصر أمتي وبهم يمطرون وبهم يدفع عنهم البلاء ويستجاب دعاؤهم ».

٤٢. فلما أشفق من فتنة الفاسقين واتقى فيك المنافقين، أوحى الله رب العالمين: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ. فوضع على نفسه أوزار المسير، ونهض في رمضاء الهجير فخطب فأسمع، ونادى فأبلغ:

ومعنى عصمة الله لنبيه (ص) في الآية أن يعصمه من ارتداد أمته، ولا يصح تفسيرها بغير ذلك، كما بينا في كتاب: تفسير آيات الغدير الثلاث.

٢٨٧

٤٣. فما آمن بما أنزل الله فيك على نبيه إلا قليل، ولا زاد أكثرهم إلا تخسيراً، ولقد أنزل الله تعالى فيك من قبل وهم كارهون: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) ..

٤٤. السلام عليك يا أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأول العابدين ..

٤٥. أنت مطعم الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً لوجه الله لا تريد منهم جزاء ولا شكوراً وأنت الكاظم للغيظ، والعافي عن الناس، والله يحب المحسنين. وأنت الصابر في البأساء والضراء وحين البأس ..

وهذه صفات ثابتةٌ لأمير المؤمنين (ع) دون مخالفيه، وقد روتها مصادر الجميع.

٤٦. والله تعالى أخبر عما أولاك من فضله بقوله: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ. وقد ورد تفسيرها بأمير المؤمنين (ع).

٤٧. وأنت المخصوص بعلم التنزيل، وحكم التأويل، ونصر ـ الرسول، ولك المواقف المشهورة، والمقامات المشهورة، والأيام المذكورة، يوم بدر ويوم الأحزاب:

وقد روى المؤرخون أن المسلمين قتلوا نصف قتلى بدر من عتاة المشركين، وقتل علي (ع) وحده نصفهم. وحاول القرشيون بعدها أن يطمسوا بطولة علي (ع)!

قال عمر بن عبد العزيز كما في شرح النهج: ٤ / ٥٨: « كنت غلاماً أقرأ القرآن على بعض ولد عتبة بن مسعود، فمر بي يوماً وأنا ألعب مع الصبيان، ونحن نلعن علياً، فكره ذلك ودخل المسجد، فتركت الصبيان وجئت إليه لأدرس عليه وردي، فلما رآني قام فصلى وأطال في الصلاة شبه المعرض عني، حتى أحسست

٢٨٨

منه بذلك، فلما انفتل من صلاته كلح في وجهي، فقلت له: ما بال الشيخ؟ فقال لي: يا بنى، أنت اللاعن علياً منذ اليوم؟ قلت: نعم، قال: فمتى علمت أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم! فقلت: يا أبت، وهل كان علي من أهل بدر؟ فقال: ويحك! وهل كانت بدر كلها إلا له! فقلت: لا أعود، فقال: الله أنك لا تعود! قلت: نعم، فلم ألعنه بعدها.

ثم كنت أحضر تحت منبر المدينة وأبي يخطب يوم الجمعة وهوحينئذ أمير المدينة فكنت أسمع أبي يمر في خطبه تهدر شقاشقه، حتى يأتي إلى لعن علي فيجمجم، ويعرض له من الفهاهة والحصر ما الله عالم ».

٤٨. ويوم أُحُد: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ: وأنت تذود المشركين عن النبي (ص) ذات اليمين وذات الشمال:

وقد وصف الله تعالى فرار المسلمين في أحُد في نحو ستين آية إذ تركوا نبيهم (ص) لسيوف المشركين، وثبت معه أول الأمر أبو دجانة ونسيبة بنت عمارة وعلي (ع) فجرح الأولان وبقي عليٌّ (ع) وحده، فقاتل هو والنبي حتى وقع النبي (ص) في حفرة واجتمع المشركون ليقتلوه، فكشفهم علي (ع) وأمر جبرئيل النبي (ص) أن يقعد في ظل الصخرة، وأن يقاتل علي (ع) وحده، فواصل رد حملاتهم عن النبي (ص) حتى نصره الله، وقرر المشركون أن ينسحبوا!

٤٩. ويوم حنين على ما نطق به التنزيل: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ. « التوبة: ٢٥ » والمؤمنون أنت ومن يليك:

٢٨٩

وقد انهزم في حنين جميعاً وكانوا اثني عشر ألفاً! ونكثوا بيعتهم تحت الشجرة في الحديبية على أن لايفروا! وثبت مع النبي (ص) بنوعبد المطلب ومعهم أيمن بن أم أيمن فقط، فقاتل النبي (ص) قتال الأبطال، ورتب علي (ع) بني هاشم لحماية النبي (ص)، وحمل على هوازن وكانوا عشرين ألفاً، وكان يقصد قادتهم واحداً بعد الآخر، حتى قتل أربعين من حمَلَة الرايات! وكان يأسر بعضهم ويأتي بهم فيضعهم عند رسول الله (ص)! وقد أقسم ابن هشام في السيرة « ٤ / ٨٩٦ » فقال: « فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتَّفين عند رسول الله ». وكان علي (ع) هو الذي أسرهم وكتَّفهم !

٥٠. ويوم خيبر إذ أظهر الله خَوَرَ المنافقين، وقطع دابرَ الكافرين، والحمد لله رب العالمين: وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُولاً:

وكان النبي (ص) فتح القسم الأول من خيبر واسمه: النطاة، وترك فيه علياً (ع) يرتب أموره، وجاء الى القسم الآخر واسمه: الكتيبة، والفاصلة بينهما بضعة كيلومترات، فحاصر حصونها وأهمها: القموص، والسلالم والوطيح، حاصرها أكثر من عشرين يوماً، وكان يرسل المسلمين بقيادة الصحابة المعروفين فيرجعون منهزمين، وقد وبخهم الله تعالى بقوله: وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُولاً.

ثم قال الصحابة أرسل الى علي (ع) فأرسل اليه النبي (ص) وجاء وكان أرمد العينين، فشافاه رسول الله (ص) بريقه، وقال فيه كلمته المعروفة.

٢٩٠

قال ابن هشام « ٣ / ٧٩٧ »: « بعث أبا بكر الصديق برايته إلى بعض حصون خيبر، فقاتل فرجع ولم يك فتح، وقد جَهِدَ! ثم بعث الغد عمر بن الخطاب فقاتل ثم رجع ولم يك فتح، وقد جَهِدَ! فقال رسول الله (ص): لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه ليس بفرار! فدعا رسول الله علياً وهو أرمد فتفل في عينه ثم قال: خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك. يقول سلمة: فخرج والله بها يأنج، يهرول هرولة، وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن فما رجع حتى فتح الله على يديه ».

٥١. مولايَ، أنت الحجة البالغة، والمحجة الواضحة، والنعمة السابغة، والبرهان المنير، فهنيئاً لك ما آتاك الله من فضل، وتباً لشانئك ذي الجهل شهدتَ مع النبي (ص) جميع حروبه ومغازيه، تحمل الراية أمامه، وتضرب بالسيف قدامه ...

٥٢. وكم من أمرٍ صدَّك عن إمضاء عزمك فيه التُّقى، واتبع غيرك في نيله الهوى ولقد أوضحت ما أشكل من ذلك لمن توهم وامترى، بقولك صلى الله عليك: قد يرى الحُوَّلُ القُلَّبُ وَجْهَ الحيلة، ودونها حاجزٌ من تقوى الله، فيدعها رأيَ العين، وينتهز فرصتها من لا جريحة له في الدين!صدقتَ وخسر المبطلون:

وهذه ميزة سامية لأمير المؤمنين (ع) على غيره، في إصراره على طهارة الوسي لة والهدف، فهدفه إعادة العهد النبوي، وتثبيت قيم الإسلام، حتى لوكان فيها خسارة سياسية عليه. وقد انتقد سياسة الغدر ومخالفة قيم الإسلام، فقال « نهج البلاغة: ١ / ٩٢ »: « ولقد أصبحنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيساً، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة! ما لهم قاتلهم الله. قد يرى الحُوَّلُ القُلَّبُ وجهَ

٢٩١

الحيلة ودونه مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين ».

وقال (ع) « الكافي: ٨ / ٢٤ »: « وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية تصفية العمل أشد من العمل، وتخليص النية من الفساد، أشد على العاملين من طول الجهاد. هيهات لولا التقى لكنت أدهى العرب ».

٥٣. وإذ ماكرك الناكثان فقالا: نريد العمرة، فقلت لهما: لعمري ما تريدان العمرة لكن الغدرة، وأخذت البيعة عليهما، وجددت الميثاق فجدا في النفاق، فلما نبهتهما على فعلهما أغفلا وعادا، وما انتفعا، وكان عاقبة أمرهما خسرا.

٥٤. ثم تلاهما أهل الشام فسرت إليهم بعد الإعذار ..

٥٥. مولاي، بك ظهر الحق وعدوك عدوالله، جاحدٌ لرسول الله (ص)، يدعو باطلاً ويحكم جائراً، ويتأمر غاصباً، ويدعوحزبه إلى النار ..

٥٦. وعلى من سلَّ سيفه عليك وسللت عليه سيفك يا أمير المؤمنين ..

٥٧. والأمر الأعجب والخطب الأفظع بعد جحدك حقك، غصب الصديقة الزهراء سيدة النساء فدكاً ..

٥٨. قال الله جل وعز: ( إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً إِلا الْمُصَلِّينَ ) ، فاستثنى الله تعالى نبيه المصطفى وأنت يا سيد الأوصياء من جميع الخلق ..

٥٩. ثم أفرضوك سهم ذوي القربى مكراً، وأحادوه عن أهله جوراً ..

٢٩٢

روى النسائي في سننه « ٧ / ١٢٨ »: « أن نجدة الحروري حين خرج في فتنة ابن الزبير أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى لمن تراه؟ قال: هو لنا لقربى رسول الله (ص) قسمه رسول الله لهم، وقد كان عمر عرض علينا شيئاً رأيناه دون حقنا، فأبينا أن نقبله، وكان الذي عرض عليهم أن يعين ناكحهم، ويقضي عن غارمهم، ويعطي فقيرهم، وأبى أن يزيدهم على ذلك ».

٦٠. وأشبهت في البيات على الفراش الذبيح (ع) إذ أجبت كما أجاب ..

٦١. ثم محنتك يوم صفين، وقد رُفعت المصاحف حيلةً ومكراً ..

٦٢. صلوات الله عليك غاديةً ورائحةً، وعاكفة وذاهبة وفي مدح الله تعالى لك غنى عن مدح المادحين وتقريظ الواصفين، قال الله تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً.

٦٣. ولما رأيتَ أنك قد قاتلت الناكثين والقاسطين والمارقين، وصدقك رسول الله وعده (ص) فأوفيت بعهده، قلت: أما آن أن تخضب هذه من هذه ..

٦٤. اللهم العن قتلة أنبيائك وأوصياء أنبيائك بجميع لعناتك، وأصْلِهِمْ حَرَّ نارك، والعن من غصب وليك حقه وأنكر عهده، وجحده بعد اليقين والإقرار ..

٦٥. اللهم صل على محمد خاتم النبيين، وسيد المرسلين وآله الطاهرين، واجعلنا بهم متمسكين وبموالاتهم ».

٢٩٣

الإمام الهادي (ع) يطلق ( إلياذة ) الشيعة في الأئمة (ع)

١. الزيارة الجامعة نَصٌّ فريدٌ أملاه الإمام علي الهادي (ع) على موسى بن عمران النخعي، عندما قال له: علمني يا ابن رسول الله قولاً أقوله بليغاً كاملاً، إذا زرتُ واحداً منكم. فعلمه هذه الزيارة التي عرفت بالزيارة الجامعة.

وتقع في نحوعشر صفحات، وتتضمن أهم صفات الأئمة من أهل البيت (ع) ومكانتهم ومقامهم عند الله تعالى.

ومنذ صدورها، أخذت مكانتها الخاصة عند علماء الشيعة ومتدينيهم، فهم يتلونها في مشاهدهم ومساجدهم وحسينياتهم وبيوتهم، لأنها تعبر عن عقيدتهم في أئمتهم (ع)، فهي بحق ملحمة عقيدة المسلم الشيعي، وأنشودته المحببة الى وجدانه، وقصيدته العصماء التي يحب أن يلقيها في مديحهم.

فهي جديرة بأن يتأملها من أراد معرفة عقيدة الشيعة في أئمتهم (ع)، وأن يدرسها الشيعي ليتفهم مكانة نبيه وأئمته المعصومين (ع) عند الله تعالى.

٢. أملى الإمام الهادي هذه الملحمة بلغةٍ لا يجيدها إلا أهل البيت (ع) الذين هم أفصح من نطق بالضاد، وأقدر من تمكن من قيادها، وأبرع معماريها.

تقرأ في هذه الزيارة مثل هذه الفقرة: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، ومعدن الرسالة، وخزانَ العلم، ومنتهى

٢٩٤

الحلم، وأصولَ الكرم، وقادةَ الأمم، وأولياءَ النعم، وعناصرَ الأبرار، ودعائمَ الأخيار، وساسةَ العباد، وأركانَ البلاد، وأبوابَ الإيمان، وأمناءَ الرحمن، وسلالةَ النبيين، وصفوةَ المرسلين، وعترةَ خِيَرة رب العالمين، ورحمة الله وبركاته.

وهذه الفقرة: السلام على محالِّ معرفة الله، ومساكن بركة الله، ومعادن حكمة الله، وحفظة سر الله، وحملة كتاب الله، وأوصياء نبي الله، وذرية رسول الله ..

فتَبْهُرُك قدرة معمارها على بناء العبارة العربية، وخبرته في انتقاء الكلمات من أسفاطها كما ينتقي الخبير جواهره، وتبهرك خيوط ربطه وحروف التعدية التي يشد بها الأفعال والأسماء والحروف، فتتقابل الكلمات والفقرات وتتناغم.

هذا، ولايتسع المجال لوصف خصائص التعبير والمضمون في الزيارة الجامعة.

٣. في شخصية النبي والإمام سرٌّ وهيام: سِرٌّ هو ارتباط المعصوم بربه، ومدده منه. وهيامُ المؤمنين به، إيماناً وحباً وطاعةً. كما تجد ذلك في سيرتهم (ع) وفي تعامل المؤمنين معهم، وتتعرف عليه في الزيارة الجامعة.

وقد كان ذلك حقيقة من عهد النبي (ص)، ففي أمالي الصدوق / ٤١٤: « قال رسول الله (ص): لايؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه، وأهلي أحب إليه من أهله وعترتي أحب إليه من عترته، وذاتي أحب إليه من ذاته ».

وفي الكافي « ٨ / ٧٨ » قال الإمام الصادق (ع): « كان رجل يبيع الزيت وكان يحب رسول الله (ص) حباً شديداً. كان إذا أراد أن يذهب في حاجته لم يمض حتى ينظر إلى رسول الله (ص)، وقد عرف ذلك منه فإذا جاء تطاول له حتى ينظر إليه ».

٢٩٥

٣. بَلَّغ النبي (ص) أمته أن الله تعالى أعطى الأئمة من عترته (ع) السر من بعده وأمرأمته أن تحبهم معه، لكن قريشاً عملت ضد العترة، لأن خلافة النبي برأيها يجب أن تكون لبطون قريش، وليس لعترة النبي (ص).

واتهمت قريش أنصار العترة النبوية بأنهم يغالون في النبي (ص) وفيهم، ويدَّعون أنهم يعلمون الغيب، وكانو يسمونهم: عُبَّاد محمد (ص)!

وقد قال لهم أبو بكر في المدينة وسهيل بن عمرو في مكة، بعد وفاة النبي (ص): « من كان يعبد محمداً، فإن محمداً قد مات ». « مسند أحمد « ٦ / ٢٢٠ ».

٤. يتصور البعض أن المشكلة في قضية أهل البيت (ع) هي الغلو، لكن الغلو محصور في حفنة ألَّهوا أهل البيت والعياذ بالله، وقد حسم الأئمة (ع) الموقف منهم، وكَفَّرُوا كل من ألَّه مخلوقاً، أوأشركه مع الله تعالى.

بل المشكلة تقصير المسلمين في حق أهل البيت (ع)، وإعراضهم عنهم ورفعهم مخالفيهم وظالميهم مقابلهم! وقد حاربت قريش بعد النبي (ص) من أحبهم وكأنه ارتكب جريمة، ووصفوه بالضلال والغلو، والكفر! كما قال الكميت (رحمه الله):

وطائفةٌ قد كَفَّرَتْنِي بِحُبِّكُمْ

وطائفةٌ قالوا مسئٌ ومذنبُ

فما ساءني تكفيرُ هاتيكَ منهمُ

ولا عيبُ هاتيكَ التي هيَ أعْيَبُ

يعيبونني من خِبِّهم وضلالهمْ

على حبكم بل يسخرون وأعجب

وقالوا ترابيٌّ هواهُ ورأيهُ

بذلك أدعى فيهم وألقب

فلا زلت منهم حيث يتهمونني

ولا زلت في أشياعكم أتقلب

وأحمل أحقاد الأقارب فيكم

ويُنْصَبُ لي في الأبعدين فأنصب

٢٩٦

بخاتمكم غصباً تجوز أمورهم

فلم أرَ غصباً مثله حين يغصب

فقل للذي في ظِلِّ عمياءَ جُونَةٍ

ترى الجور عدلاً أين لا أينَ تذهب

بأيِّ كتابٍ أم بأيةِ سنةٍ

ترى حبهم عاراً عليَّ وتَحْسِبُ

فَمَا لِيَ إلَّا آلَ أحمدَ شيعةٌ

وماليَ إلا مذهبَ الحق مذهبُ

٥. لم تستطع الحكومات القرشية المتعاقبة أن تبعد الأمة عن العترة النبوية، فكانت لهم شيعة يؤمنون بهم، وتنامى وجودهم رغم الإضطهاد.

وكان الناس في كل جيل يشاهدون أنواع الكرامات والمعجزات لأمير المؤمنين والصديقة الزهراء والحسن والحسين وزين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي، والحسن العسكري والإمام المهدي، صلوات الله عليهم. وترويها مصادرهم.

وقد رووا أن عَتَّاباً القائد قال للإمام الهادي (ع): « الناس يقولون إنك تعلم الغيب، وقد تبينتُ من ذلك خَلَّتين ». « مناقب آل أبي طالب: ٣ / ٥١٥ ».

وقال تلميذ الطبيب بختيشوع عن الإمام الهادي (ع): « إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو ». « دلائل الإمامة / ٤١٨ ».

ظاهرة النصب والغلو في أهل البيت (ع)

اختلفت الأمة في عليٍّ والأئمة من عترة النبي (ص)، من تكفيرهم الى تأليههم! قال الشهرستاني في الملل والنحل « ١ / ٢٧ »: « كان علي رضي الله عنه مع الحق والحق معه، وظهر في زمانه الخوارج عليه، مثل الأشعث بن قيس، ومسعود بن فدكي

٢٩٧

التميمي، وزيد بن حصين الطائي، وغيرهم. وكذلك ظهر في زمانه الغلاة في حقه مثل عبد الله بن سبأ، وجماعة معه. ومن الفريقين ابتدأت البدعة والضلالة وصدق فيه قول النبي (ص): يهلك فيه اثنان: محبٌّ غالٍ، ومبغض قالٍ ».

أما الوسطية بين التكفير والتأليه، فهي عند الإمام الهادي (ع) الإيمان بصفاتهم التي نصت عليها الزيارة الجامعة. ولذلك كان موقف الأئمة (ع) شديداً ممن غلوا فيهم وألهوهم، ومن أنقصونهم حقهم، أو صادروه وأعطوه لغيرهم!

فمذهب أهل بيت النبوة (ع) هو الوحي النقي، وهو بنقائه ينفي عنه تقصير المقصرين، وغلو الغالين، وادعاء الكذابين، نفياً بَتاً لا لبسَ فيه!

وقد سجلت المصادر مواقف الأئمة (ع) الحاسمة ممن ادعى لهم الألوهية، أو الشراكة مع الله تعالى، أو النبوة، أو الحلول. فهؤلاء الغلاة أعشت أبصارهم معجزات الأئمة (ع)، وبدل أن تكون سبباً لتعميق إيمانهم بالله تعالى، ضاقت عقولهم عن عظمة الله عز وجل وعطائه لأوليائه، وسوَّل لهم الشيطان أن الله تعالى حلَّ فيهم، معاذ الله!

موقف أمير المؤمنين (ع) من الذين ألَّهُوه

في مناقب آل أبي طالب « ١ / ٢٢٧ »: « أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين هو الله، فبلغ ذلك أمير المؤمنين فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال: أنت هو، فقال له ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب! فلما أبى حبسه واستتابه ثلاثة أيام فأحرقه بالنار! وروي أن سبعين رجلاً

٢٩٨

من الزط أتوه (ع) بعد قتال أهل البصرة يدعونه إلهاً بلسانهم وسجدوا له قال لهم: ويلكم لا تفعلوا إنما أنا مخلوق مثلكم! فأبوا عليه فقال: فإن لم ترجعوا عما قلتم فيَّ وتتوبوا إلى الله لأقتلنكم، قال: فأبوا فخدَّ لهم أخاديد وأوقد ناراً فكان قنبر يحمل الرجل بعد الرجل على منكبه، فيقذفه في النار، ثم قال:

إني إذا أبصرتُ أمراً منكرا

أوقدتُ ناراً ودعوتُ قنبرا

ثم احتفرتُ حُفَراً فحُفَرا

وقنبرٌ يخطم خطماً منكرا ».

والصحيح أنه (ع) حبسهم واستتابهم، فحفر لهم حُفَراً مثقوبة على بعضها ودخَّنَ عليهم، فلم يرجع بعضهم فقتلهم.

قال ابن عبد البر في التمهيد « ٥ / ٣١٧ »: « فاتخذوه رباً وادعوه إلهاً، وقالوا له: أنت خالقنا ورازقنا، فاستتابهم واستأنى وتوعدهم، فأقاموا على قولهم، فحفر لهم حفراً دخن عليهم فيها طمعاً في رجوعهم فأبوا فحرقهم ». ونحوه فتح الباري: ١٢ / ٢٣٨، وتاريخ الذهبي: ٣ / ٦٤٣، وأنساب السمعاني: ٥ / ٤٩٨، ورجال الطوسي: ١ / ٢٨٨.

موقف الإمام الصادق (ع) من الذين ألَّهُوه

في رجال الطوسي « ٢ / ٥٨٧ »: « عن أبي بصير قال: قال لي أبو عبد الله: يا أبا محمد إبرأ ممن يزعم أنا أرباب، قلت: برئ الله منه، قال: إبرأ ممن يزعم أنا أنبياء. قلت: برئ الله منه ».

وفي أصل زيد الزراد / ٤٦، قال: « لما لبى أبو الخطاب بالكوفة وادعى في أبي عبد الله (ع) ما ادعى، دخلت على أبي عبد الله مع عبيد بن زرارة فقلت له: جعلت

٢٩٩

فداك لقد ادعى أبو الخطاب وأصحابه فيك أمراً عظيماً! إنه لبى: لبيتُك جعفر لبيك معراج! وزعم أصحابه أن أبا الخطاب أسريَ به إليك، فلما هبط إلى الأرض من ذلك دعا إليك، ولذلك لبى بك!

قال: فرأيت أبا عبد الله (ع) قد أرسل دمعته من حماليق عينيه وهو يقول: يا رب برئت إليك مما ادعى فيَّ الأجدع عبد بني أسد! خشع لك شعري وبشرى، عبدٌ لك ابن عبد لك، خاضع ذليل. ثم أطرق ساعة في الأرض كأنه يناجي شيئاً ثم رفع رأسه وهو يقول: أجل أجل، عبدٌ خاضعٌ خاشعٌ ذليلٌ لربه، صاغرٌ راغمٌ، من ربه خائف وجل. لي والله ربٌّ أعبده لا أشرك به شيئاً!

ماله أخزاه الله وأرعبه، ولا آمن روعته يوم القيامة. ما كانت تلبية الأنبياء هكذا ولا تلبية الرسل، إنما لبيتُ: بلبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك »!

وفي رجال الطوسي « ٢ / ٥٨٤ »: « ثم قال: على أبي الخطاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فأشهد بالله أنه كافرٌ فاسقٌ مشرك. وأنه يحشر مع فرعون في أشد العذاب غدواً وعشياً، ثم قال: أماوالله إني لأنفس على أجساد أُصْلِيَتْ معه النار ».

موقف الإمام الكاظم (ع) من الذين ألَّهُوه

ففي رجال الطوسي « ٢ / ٥٨٧ »: « فقال يحيى: جعلت فداك إنهم يزعمون أنك تعلم الغيب؟ فقال: سبحان الله سبحان الله، ضع يدك على رأسي، فوالله ما بقيت في جسدي شعرة ولا في رأسي إلا قامت! قال ثم قال: لاوالله، ما هي إلا وراثة عن رسول الله (ص) ».

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477