الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام8%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158157 / تحميل: 6978
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

موقف الإمام الرضا (ع) من الذين ألَّهُوه

وكذلك موقف الإمام الرضا (ع): ففي معجم رجال الحديث « ١٨ / ١٣٥ »: « قال أبو الحسن الرضا (ع): آذاني محمد بن الفرات، آذاه الله وأذاقه الله حر الحديد، آذاني لعنه الله ما آذى أبو الخطاب لعنه الله جعفر بن محمد (ع) بمثله، وما كذب علينا خطابي مثل ما كذب محمد بن الفرات، والله ما من أحد يكذب علينا إلا ويذيقه الله حر الحديد. قال محمد بن عيسى: فأخبراني وغيرهما: أنه ما لبث محمد بن الفرات إلا قليلاً حتى قتله إبراهيم بن شكلة، أخبث قتلة ».

وفي الإعتقادات للصدوق / ٩٩: « كان الرضا (ع) يقول في دعائه: اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك، لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً. اللهم من زعم أننا أربابٌ فنحن إليك منه براء، ومن زعم أن إلينا الخلق وعلينا الرزق، فنحن إليك منه براء، كبراءة عيسى من النصارى ».

موقف الإمام الهادي (ع) من الذين ألَّهُوه

ففي رجال الطوسي « ٢ / ٨٠٥ »: « قال نصر بن الصباح: الحسن بن محمد المعروف بابن بابا، ومحمد بن نصير النميري، وفارس بن حاتم القزويني. لعن هؤلاء الثلاثة عليُّ بن محمد العسكري (ع). وذكر أبو محمد الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين: ابن بابا القمي. قال سعد: حدثني العبيدي قال: كتب إلي العسكري (ع) ابتداءً منه: أبرأ إلى الله من الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمي فأبرأ منهما، فإني محذرك وجميع مواليَّ، وإني ألعنهما عليهما لعنة الله،

٣٠١

مستأكليْن يأكلان بنا الناس، فتَّانيْن مؤذييْن آذاهما الله وأركسهما في الفتنة ركساً. يزعم ابن بابا أني بعثته نبياً وأنه باب! عليه لعنة الله، سخر منه الشيطان فأغواه، فلعن الله من قبل منه ذلك! يا محمد إن قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فافعل، فإنه قد آذاني آذاه الله في الدنيا والآخرة ».

ونلاحظ أن أغلب هؤلاء المذمومين الملعونين على لسان الأئمة (ع) كانوا شخصيات في عصرهم، وبعضهم كان يساندهم خلفاء أو وزراء! وقد زاد عددهم في زمن الإمام الهادي (ع) الى نحو عشرين شخصاً. وكان له منهم مواقف حاسمة!

وسوف نأتي على خبرهم في سيرة الإمام الحسن العسكري (ع).

سند الزيارة الجامعة وشروحها

١. بحث علماؤنا سند الزيارة الجامعة ووثاقة رواتها، وتوقف بعضهم في موسى بن عمران النخعي، ووثقه بعضهم لوروده في سند كتاب كامل الزيارة، الذي نص مؤلفه أنه لايروي إلا عن ثقات، ووثقه السيد الخوئي لأنه ورد في سند علي بن إبراهيم القمي في تفسيره. ووثقه آخرون لأنه راوي أحاديث عمه الحسين بن يزيد النوفلي، وشيخه إسماعيل بن أبي زياد السكوني، وقد عمل الأصحاب بروايات السكوني، فيكون عملهم توثيقاً له الخ.

والصحيح أنه يكفي في توثيق موسى بن عمران، رواية كامل الزيارة عنه، فكيف إذا ضم الى ذلك بقية الأدلة والمؤشرات.

٣٠٢

وقد تعجبت من تشكيك المحقق الميرزا النوري (رحمه الله) في رواية الصدوق « مستدرك الوسائل: ١١ / ١٧١ » واعتماده رواية الكفعمي المرسلة! وقد كفانا الرد عليه السيد الخوئي (قدس سره) « معجم رجال الحديث: ١٧ / ٣٤٧ ».

بل لا يحتاج الأمر عندي الى بحث السند بعد أن بلغ المتن مستوى من العلو والتميز بحيث يجزم من له خبرة بالعربية والقرآن والسنة، بأنه صادر من معدن العلم النبوي، وأن الرواة لو اجتمعوا على أن يضعوا مثله لما استطاعوا!

ويكفي لتصديق ما ذكرنا أن تتأمل في فقراتٍ من هذه الزيارة الفريدة.

إنها نوعٌ من الكلام الشامخ، تعيا عن غوره الأذهان، وتعجز عن أبعاده العقول، وتكل عنه المشاعر، وتنوء بحمله الصدور.

وكذلك هي لغة أهل البيت ومقاماتهم صلوات الله عليهم، فالأولى بمن صَعُبَ عليه شئ من معانيها أن لا يتعجل بنفيه، فلعل المشكلة في فهمه لا في النص.

٢. للزيارة الجامعة بعض الشروح، من أوسعها شرح الشيخ أحمد الأحسائي (رحمه الله) وهومكتوب بلغة خاصة ومَشرب خاص، قلَّ من يستوعبه ويجزم بمقصوده.

ومن أحدث الشروح كتاب آية الله السيد الميلاني دام ظله، وقد رأيت منه مجلداً وهوشرح جيد نافع، جزى الله مؤلفه خيراً.

وينبغي الإلفات الى أن الزيارة الجامعة في عمقها وجمالها من نوع تعبير الصحيفة السجادية، وأنها مع الشروح الموجودة لها تحتاج الى شروح أخرى، تركز على أبعادها البلاغية، والفكرية، والكلامية المقارنة، والإجتماعية السياسية.

٣٠٣

نص الزيارة الجامعة

قال الصدوق في عيون أخبار الرضا (ع) « ١ / ٣٠٤ »: « حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، ومحمد بن أحمد السناني، وعلي بن عبد الوراق، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتَّب، قالوا: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، وأبوالحسين الأسدي قالوا: حدثنا محمد بن إسماعيل المكي البرمكي قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي قال: قلت لعلي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع): علمني يا ابن رسول الله قولاً أقوله بليغاً كاملاً إذا زرتُ واحداً منكم، فقال: إذا صرت إلى الباب فقف واشهد الشهادتين، وأنت على غسل. فإذا دخلت ورأيت القبر فقف وقل: الله أكبر ثلاثين مرة.

ثم امش قليلاً وعليك السكينة والوقار، وقارب بين خطاك، ثم قف وكبر الله عز وجل ثلاثين مرة. ثم ادْنُ من القبر وكبر الله أربعين مرة، تمام مئة تكبيرة، ثم قل:

السلام عليكم يا أهلَ بيت النبوة، وموضعَ الرسالة، ومختلفَ الملائكة، ومهبطَ الوحي، ومعدنَ الرسالة، وخزانَ العلم، ومنتهى الحلم، وأصولَ الكرم، وقادةَ الأمم وأولياءَ النعم، وعناصرَ الأبرار، ودعائمَ الأخيار، وساسةَ العباد، وأركانَ البلاد، وأبوابَ الإيمان، وأمناءَ الرحمن، وسلالةَ النبيين، وصفوةَ المرسلين، وعترةَ خِيرة رب العالمين، ورحمة الله وبركاته.

السلام على أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وأعلام التقى، وذوي النهى، وأولي الحجى، وكهف الورى، وورثة الأنبيا، والمثل الأعلى، والدعوة الحسنى، وحجج الله على أهل الآخرة والأولى، ورحمة الله وبركاته.

٣٠٤

السلام على محالِّ معرفة الله، ومساكن بركة الله، ومعادن حكمة الله، وحفظة سر الله وحملة كتاب الله، وأوصياء نبي الله، وذرية رسول الله، ورحمة الله وبركاته.

السلام على الدعاة إلى الله، والأدلاء على مرضات الله، والمستقرين في أمر الله ونهيه، والتامين في محبة الله، والمخلصين في توحيد الله، والمظهرين لأمر الله ونهيه، وعباده المكرمين، لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، ورحمة الله وبركاته.

السلام على الأئمة الدُّعاة، والقادة الهُداة، والسادة الوُلاة، والذادة الحُماة، أهلِ الذكر وأولي الأمر، وبقيةِ الله، وخيرته، وحزبه، وعيبة علمه، وحجته، وصراطه، ونوره، وبرهانه، ورحمة الله وبركاته.

أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، كما شهد الله لنفسه، وشهدت له ملائكته وأولوالعلم من خلقه، لا إله إلا هو العزيز الحكيم.

وأشهد أن محمداً عبده المصطفى، ورسوله المرتضى، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولوكره المشركون.

وأشهد أنكم الأئمة الراشدون، المهديون المعصومون، المكرمون المقربون، المتقون الصادقون، المصطفوْن المطيعون لله، القوَّامون بأمره، العاملون بإرادته، الفائزون بكرامته، اصطفاكم بعلمه، وارتضاكم لدينه، واختاركم لسره، واجتباكم بقدرته، وأعزكم بهداه، وخصكم ببرهانه، وانتجبكم لنوره، وأيدكم بروحه، ورضيكم خلفاءَ في أرضه، وحججاً على بريته، وأنصاراً لدينه وحفظةً لسره، وخزنةً لعلمه ومستودعاً لحكمته، وتراجمةً لوحيه، وأركاناً لتوحيده، وشهداء على خلقه، وأعلاماً لعباده، ومناراً في بلاده، وأدلاء على صراطه. عصمكم الله من الزلل، وآمنكم من الفتن، وطهركم من الدنس، وأذهب عنكم الرجس، وطهركم تطهيرا.

٣٠٥

فعظمتم جلاله، وكبَّرتم شانَه، ومجَّدتم كرمه، وأدَمْتُم ذكره، ووكَّدتم ميثاقه، وأحكمتم عقدَ طاعته، ونصحتم له في السر والعلانية، ودعوتم إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبذلتم أنفسكم في مرضاته، وصبرتم على ما أصابكم في جنبه، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، وجاهدتم في الله حق جهاده، حتى أعلنتم دعوته، وبينتم فرائضه، وأقمتم حدوده، ونشرتم شرائع أحكامه، وسننتم سنته، وصرتم في ذلك منه إلى الرضا، وسلمتم له القضا، وصدقتم من رسله من مضى. فالراغب عنكم مارق، واللازم لكم لاحق، والمقصر في حقكم زاهق، والحق معكم وفيكم، ومنكم وإليكم، وأنتم أهله ومعدنه.

وميراث النبوة عندكم، وإياب الخلق إليكم، وحسابهم عليكم، وفصل الخطاب عندكم، وآيات الله لديكم، وعزائمه فيكم، ونوره وبرهانه عندكم، وأمره إليكم.

من والاكم فقد والى الله، ومن عاداكم فقد عادى الله، ومن أحبكم فقد أحب الله، ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله.

أنتم السبيلُ الأعظم، والصراطُ الأقوم، وشهداءُ دار الفناء، وشفعاءُ دار البقاء، والرحمةُ الموصولة، والآيةُ المخزونة، والأمانةُ المحفوظة، والبابُ المبتلى به الناس، من أتاكم نجا، ومن لم يأتكم هلك، إلى الله تدعون، وعليه تدلون، وبه تؤمنون، وله تسلمون، وبأمره تعملون، وإلى سبيله ترشدون، وبقوله تحكمون.

سَعِدَ والله من والاكم، وهلك من عاداكم، وخاب من جحدكم، وضل من فارقكم وفاز من تمسك بكم، وأمِنَ من لجأ إليكم، وسَلِمَ من صدَّقكم، وهُدِيَ من اعتصم بكم. من اتبعكم فالجنة مأواه، ومن خالفكم فالنارُ مثواه، ومن جحدكم كافر، ومن حاربكم مشرك، ومن رد عليكم فهو في أسفل درك من الجحيم.

٣٠٦

أشهد أن هذا سابق لكم فيما مضى، وجارٍ لكم فيما بقي، وأن أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة، طابت وطهرت، بعضها من بعض. خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه مُحْدِقِين، حتى منَّ علينا فجعلكم الله في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وجعل صلاتنا عليكم وما خصنا به من ولايتكم طِيباً لخَلقنا، وطهارةً لأنفسنا، وتزكيةً لنا، وكفارةً لذنوبنا، فكنا عنده مُسْلِمين بفضلكم، ومعروفين بتصديقنا إياكم.

فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين، وأعلى منازل المقربين، وأرفع درجات أوصياء المرسلين، حيث لا يلحقه لاحق، ولا يفوقه فائق، ولا يسبقه سابق، ولا يطمع في إدراكه طامع، حتى لا يبقى ملكٌ مقرب ولا نبيٌّ مرسل، ولا صديقٌ ولا شهيدٌ، ولا عالمٌ ولا جاهل، ولا دنيٌّ ولا فاضل، ولا مؤمنٌ صالح، ولا فاجرٌ طالح، ولا جبارٌ عنيد، ولا شيطانٌ مريد، ولا خلقٌ فيما بين ذلك شهيد، إلا عَرَّفَهُمْ جلالة أمركم، وعِظَمَ خَطَرِكُم، وكِبَر شأنكم، وتمام نوركم، وصِدق مقاعدكم، وثبات مقامكم، وشرف محلكم ومنزلتكم عنده، وكرامتكم عليه وخاصتكم لديه، وقرب منزلتكم منه.

بأبي أنتم وأمي، وأهلي ومالي وأسرتي، أشهد الله وأشهدكم أني مؤمن بكم وبما آمنتم به. كافرٌ بعدوكم وبما كفرتم به، مستبصرٌ بشأنكم وبضلالة من خالفكم، موالٍ لكم ولأوليائكم، مبغضٌ لأعدائكم ومعاد لهم، وسلمٌ لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، محقق لما حققتم، مبطل لما أبطلتم، مطيع لكم، عارفٌ بحقكم، مقرٌّ بفضلكم، محتملٌ لعلمكم، محتجبٌ بذمتكم، معترفٌ بكم، مؤمنٌ بإيابكم، مصدقٌ برجعتكم، منتظرٌ لأمركم، مرتقبٌ لدولتكم، آخذٌ بقولكم، عاملٌ بأمركم، مستجيرٌ بكم، زائرٌ لكم عائذٌ بكم، لائذٌ بقبوركم، مستشفعٌ إلى الله عز وجل بكم، ومتقربٌ بكم إليه، ومقدمُكم أمام طلبتي وحوائجي وإرادتي، في كل أحوالي وأموري، مؤمنٌ بسركم

٣٠٧

وعلانيتكم، وشاهدكم وغائبكم، وأولكم وآخركم، ومفوضٌ في ذلك كله إليكم، ومسلِّمٌ فيه معكم، وقلبي لكم مؤمن، ورأيي لكم تبع، ونصرتي لكم معدة، حتى يحيي الله تعالى دينه بكم، ويردكم في أيامه، ويظهركم لعدله، ويمكنكم في أرضه.

فمعكم معكم لا مع عدوكم، آمنت بكم، وتوليت آخركم بما توليت به أولكم، وبرئت إلى الله تعالى من أعدائكم، ومن الجبت والطاغوت، والشياطين وحزبهم الظالمين لكم، والجاحدين لحقكم، والمارقين من ولايتكم، والغاصبين لإرثكم، الشاكين فيكم، المنحرفين عنكم، ومن كل وليجة دونكم، وكل مُطاعٍ سواكم، ومن الأئمة الذين يدعون إلى النار.

فثبتني الله أبداً ما حييت على موالاتكم ومحبتكم ودينكم، ووفقني لطاعتكم، ورزقني شفاعتكم، وجعلني من خيار مواليكم، التابعين لما دعوتم إليه، وجعلني ممن يقتص آثاركم، ويسلك سبيلكم، ويهتدي بهداكم، ويحشر في زمرتكم، ويَكِرُّ في رجعتكم، ويُمَلَّكُ في دولتكم، ويُشَرَّفُ في عافيتكم، ويُمَكَّنُ في أيامكم، وتقر عينه غداً برؤيتكم.

بأبي أنتم وأمي، ونفسي وأهلي ومالي، من أراد الله بدأ بكم، ومن وحده قبل عنكم، ومن قصده توجه إليكم، مواليَّ، لا أحصي ثناءكم، ولا أبلغ من المدح كنهكم، ومن الوصف قدركم، وأنتم نور الأخيار، وهداة الأبرار، وحجج الجبار.

بكم فتح الله، وبكم يختم، وبكم ينزل الغيث، وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا باذنه، وبكم يُنَفِّسُ الهمَّ، وبكم يكشف الضرَّ، وعندكم ما تنزل به رسله، وهبطت به ملائكته، وإلى جدكم بعث الروح الأمين. آتاكم الله ما يؤت أحداً من العالمين، طأطأ كل شريف لشرفكم، وَبَخَعَ كل متكبر لطاعتكم، وخضع كل جبار

٣٠٨

لفضلكم، وذلَّ كل شئ لكم، وأشرقت الأرض بنوركم، وفاز الفائزون بولايتكم، بكم يسلك إلى الرضوان، وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن.

بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي، ذِكْرُكُم في الذاكرين، وأسماؤكم في الأسماء وأجسادكم في الأجساد، وأرواحكم في الأرواح، وأنفسكم في النفوس، وآثاركم في الآثار، وقبوركم في القبور. فما أحلى أسماءكم، وأكرم أنفسكم، وأعظم شأنكم، وأجل خطركم، وأوفى عهدكم. كلامكم نورٌ، وأمركم رشدٌ، ووصيتكم التقوى، وفعلكم الخير، وعادتكم الإحسان، وسجيتكم الكرم، وشأنكم الحق والصدق والرفق، وقولكم حُكم وحَتم، ورأيكم علم وحلم وحزم، إن ذكر الخير كنتم أوله، وأصله، وفرعه، ومعدنه، ومأواه، ومنتهاه.

بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي، كيف أصف حسن ثنائكم، وكيف أحصي جميل بلائكم، وبكم أخرجنا الله من الذل، وفرج عنا غمرات الكروب، وأنقذنا من شفا جرف الهلكات ومن النار.

بأبي أنتم وأمي ونفسي، بموالاتكم علمنا الله معالمَ ديننا، وأصلح ما كان فسد من دنيانا، وبموالاتكم تمت الكلمة، وعظمت النعمة، وائتلفت الفرقة، وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة، ولكم المودة الواجبة، والدرجات الرفيعة، والمقام المحمود عند الله تعالى، والمكان المعلوم، والجاه العظيم، والشأن الرفيع، والشفاعة المقبولة.

ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا.

٣٠٩

ياوليَّ الله، إن بينى وبين الله ذنوباً لا يأتي عليها إلا رضاكم، فبحقِّ من ائتمنكم على سره، واسترعاكم أمرَ خلقه، وقَرَنَ طاعتكم بطاعته، لمَّا استوهبتم ذنوبي، وكنتم شفعائي، إني لكم مطيع، من أطاعكم فقد أطاع الله، ومن عصاكم عصى الله، ومن أحبكم فقد أحب الله، ومن أبغضكم فقد أبغض الله.

اللهم إني لو وجدت شفعاءَ أقرب إليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار لجعلتهم شفعائي، فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك، أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بهم، وبحقهم، وفي زمرة المرجوين لشفاعتهم، إنك أرحم الراحمين ».

فهرس أولي للزيارة الجامعة

تتكون الزيارة الجامعة من الفصول التالية:

الفصل الأول: مراسم الزيارة ومقدماتها:

وهي الإغتسال للزيارة، والتشهد عند الوصول الى الباب، والتكبيرمئة مرة أثناء الدخول الى مشهد المعصوم (ع).

الفصل الثاني: التسليمات الخمس على الأئمة (ع):

السلام الأول: فيه تسع عشرة صفة للأئمة (ع)، تبدأ بقوله: « السلام عليكم يا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة » الى قوله: « وعترة خيرة رب العالمين ».

السلام الثاني: فيه عشر صفات للأئمة (ع)، تبدأ بقوله: « السلام على أئمة الهدى ومصابيح الدجى » الى قوله: « وحجج الله على أهل الآخرة والأولى ».

٣١٠

السلام الثالث: فيه سبع صفات للأئمة (ع)، تبدأ بقوله: « السلام على محال معرفة الله » الى قوله: « وذرية رسول الله ».

السلام الرابع: فيه سبع صفات للأئمة (ع)، تبدأ بقوله: « السلام على الدعاة إلى الله » الى قوله: « وهم بأمره يعملون ».

السلام الخامس: فيه أربع عشرة صفة للأئمة (ع)، تبدأ بقوله: « السلام على الأئمة الدعاة والقادة الهداة » الى قوله: « وصراطه ونوره وبرهانه ».

الفصل الثالث: التشهد والشهادة للأئمة (ع):

وهوتشهد لله تعالى بالوحدانية، ولرسوله (ص) بالرسالة، وشهادةٌ بإمامة الأئمة (ع) ومقاماتهم وسيرتهم، وقد تضمن أكثر من مئة صفة لهم (ع).

وتتكون الشهادة لهم من خمس فقرات:

الفقرة الأولى، الشهادة بما أعطاهم الله من نعم:

من قوله: « وأشهد أنكم الأئمة الراشدون » الى قوله: « وطهركم تطهيرا ».

الفقرة الثانية، أنهم قابلوا نعم الله بالطاعة والعبودية:

من قوله: « فعظمتم جلاله وكبَّرْتم شَانَهُ » الى: « وصدقتم من رسله من مضى ».

الفقرة الثالثة، أنهم (ع) ميزان الهدى والضلال والنجاة والهلاك:

من قوله: « فالراغب عنكم مارق » الى قوله: « ومن رد عليكم فهوفي أسفل درك ».

الفقرة الرابعة، في وحدة نور النبي والأئمة (ع) في عالم الخلق والحجة:

٣١١

من قوله: « أشهد أن هذا سابقٌ لكم فيما مضى وجار لكم فيما بقي ». الى قوله: « فكنا عنده مسلمين بفضلكم، ومعروفين بتصديقنا إياكم ».

الفقرة الخامسة، الدعاء للأئمة (ع) أن يبلغ الله فيهم هدفه:

من قوله: « فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين » الى قوله: « وخاصتكم لديه ».

الفقرة السادسة، الشهادة لله بولايتهم (ع) والبراءة من أعدائهم:

من قوله: « بأبي أنتم وأمي وأهلي ومالي وأسرتي » الى قوله: « ومن الأئمة الذين يدعون إلى النار ».

الفصل الرابع: في أنهم (ع) الطريق الى الله تعالى دون غيرهم:

من قوله: « بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي، من أراد الله بدأ بكم » الى قوله: « وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن ».

الفصل الخامس: أن الله منَّ على البشر فجعل فيهم النبي وآله (ص):

من قوله: « بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي » الى قوله: « إن ذكر الخير كنتم أوله وأصله وفرعه ».

الفصل السادس: بيان نعمة النبي والأئمة (ع) على شيعتهم ومحبيهم:

من قوله: « بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي » الى قوله: « سبحان ربنا ».

الفصل السابع: الإستشفاع والتوسل الى الله تعالى بالنبي والأئمة (ع):

من قوله: « ياولي الله إن بينى وبين الله ذنوباً » الى قوله: « وفي زمرة المرجوين لشفاعتهم ».

٣١٢

الفصل الثاني عشر:

شخصيات عاصرت الإمام الهادي (ع)

قضاة القضاة

قاضي القضاة يحيى بن أكثم:

كتبنا له ترجمة مختصرة في سيرة الإمام الجواد (ع)، وقلنا إنه شاب خراساني مولى لبني تميم، أُعجب به المأمون واختاره من خاصته، ثم أرسله قاضياً على البصرة وشكا منه أهل البصرة لافتضاحه باللواط، فلم يقبل منهم المأمون، ثم زادت شكواهم بأنه أفسد أولادهم، فأخذه المأمون الى البلاط في بغداد.

قال المسعودي في مروج الذهب « ٣ / ٤٣٤ »: « فرُفع إلى المأمون أنه أفسد أولادهم بكثرة لواطه، فقال المأمون: لوطعنوا عليه في أحكامه قُبِل ذلك منهم! قالوا: يا أمير المؤمنين قد ظهرت منه الفواحش وارتكاب الكبائر، واستفاض ذلك عنه، وهوالقائل يا أمير المؤمنين، في صفة الغلمان وطبقاتهم ومراتبهم وفي أوصافهم وبلغ من إذاعته ومجاهرته باللواط، أن المأمون أمره أن يفرض لنفسه فرضاً يركبون بركوبه ويتصرفون في أموره، ففرض أربع مائة غلام مُرْداً، اختارهم حسان الوجوه فافتضح بهم، وقال في ذلك راشد بن إسحاق، يذكر ما كان من أمر يحيى ».

٣١٣

قال في وفيات الأعيان « ١ / ٨٥ »: « قدم يحيى بن أكثم قاضياً على البصرة من خراسان من قِبَل المأمون في آخر سنة ٢٠٢، وهوحَدَث سِنُّهُ نيف وعشرون.

فلما قدم المأمون بغداد في سنة أربع ومائتين قال ليحيى: إختر لي من أصحابك جماعة يجالسونني ويكثرون الدخول إلي، فاختار منهم عشرين، فيهم ابن أبي دؤاد ».

وفي تاريخ بغداد « ١٤ / ٢٠١ »: « وغلب على المأمون حتى لم يتقدمه أحد عنده من الناس جميعاً، وكان المأمون ممن برع في العلوم، فعرف من حال يحيى بن أكثم وما هوعليه من العلم والعقل ما أخذ بمجامع قلبه، حتى قلده قضاء القضاء، وتدبير أهل مملكته، فكانت الوزراء لا تعمل في تدبير الملك شيئاً، إلا بعد مطالعة يحيى بن أكثم، ولا نعلم أحداً غلب على سلطانه في زمانه، إلا يحيى بن أكثم، وابن أبي دؤاد ».

وفي تاريخ اليعقوبي « ٢ / ٤٦٥ »: « وشى يحيى بن أكثم بالمعتصم إلى المأمون، وقال له: إنه بلغني أنه يحاول الخلع، فوجه إليه يأمره بالقدوم ».

ولم تنفع احتياطات المأمون، فغلب بعده أخوه المعتصم على ابنه الضعيف العباس وأخذ منه الخلافة، وكان أول ما فعله المعتصم أن عزل يحيى بن أكثم، ونصب بدله صديقه ابن أبي دؤاد، ونقل الخلافة من أولاد المأمون الى أولاده، فتولاها ابنه الواثق، ثم أخوه المتوكل!

قال ابن خلكان في وفيات الأعيان « ١ / ٨٥ »: « ولما ولي المعتصم الخلافة جعل ابن أبي دؤاد قاضي القضاة، وعزل يحيى بن أكثم ».

٣١٤

وكان المأمون طلب من يحيى بن أكثم أن يختار له ندماء خاصين، فاختار له مجموعة منهم ابن أبي دؤاد، الذي فاق ابن أكثم وتسلط على المأمون، ثم دبَّر الخلافة للمعتصم وقتل ابن المأمون، ثم دبرها للواثق، وبعده للمتوكل.

وحكم ابن أبي دؤاد نحوعشرين سنة، في خلافة المعتصم والواثق وقسم من خلافة المتوكل، ثم غضب عليه المتوكل فعزله وأعاد خصمه ابن أكثم، وأيد ذلك أحمد بن حنبل، لأن ابن أكثم كان يتقرب اليهم بالقول بعدم خلق القرآن.

وقال الخطيب في تاريخ بغداد « ١٤ / ٢٠١ »: « سمعت يحيى بن أكثم يقول: القرآن كلام الله، فمن قال مخلوق يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه »!

قال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ١٤ »: « وفي سنة تسع وثلاثين ومائتين رضي المتوكل عن أبي محمد يحيى بن أكثم، فأُشخص الى سر من رأى وولي قضاء القضاة، وسخط على أحمد بن أبي دُواد وولده أبي الوليد محمد بن أحمد، وكان على القضاء، وأخذ من أبي الوليد مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار، وجوهراً بأربعين ألف دينار، وأحضر إلى بغداد ».

وفي تاريخ بغداد « ١ / ٣١٤ »: « عزل المتوكل أبا الوليد محمد بن أحمد بن أبي دؤاد ووليها يحيى بن أكثم لسبع بقين من شهر رمضان سنة سبع وثلاثين ومائتين ».

لكن لم يطل رضا المتوكل على ابن أكثم، ففي الكامل لابن الأثير « ٧ / ٧٥ »: « في هذه السنة « ٢٤٠ » عَزل يحيى بن أكثم عن القضاء، وقبض منه ما مبلغه خمسة وسبعون ألف دينار، وأربعة آلاف جريب بالبصرة »!

٣١٥

ومات ابن أكثم سنة ٢٤٢، عن عمر امتد ثلاثاً وثمانين سنة، وامتلأ بالفتاوى المخالفة للشرع، وبأحكامٍ بالقتل والحبس ومصادرة الأموال، شملت ألوف المسلمين. وكانت أكبر جرائمه أن الحجة تمت عليه بإمامة الرضا والجواد والهادي (ع)، فكتمها وأمر بكتمانها، ثم شارك في قتلهم!

قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد:

وقد كتبنا له ترجمة مختصرة أيضاً في سيرة الإمام الجواد (ع)، وقلنا إنه حكم الأمة الإسلامية بلا منازع نحوعشرين سنة، حتى غضب عليه المتوكل. ولم يكن سلوكه أفضل من سلوك ابن أكثم، بل كان أشد نُصباً وعداوةً لأهل البيت (ع).

روى في تاريخ بغداد « ١ / ٣١٤ » عن محمد بن يحيى الصولي قال: « كان المتوكل يوجب لأحمد بن أبي دؤاد ويستحي أن ينكبه، وإن كان يكره مذهبه، لما كان يقوم به من أمره أيام الواثق، وعقد الأمر له والقيام به من بين الناس. فلما فُلج أحمد بن أبي دؤاد في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، أول ما ولي المتوكل الخلافة، ولَّى المتوكل ابنه محمد بن أحمد أبا الوليد القضاء ومظالم العسكر مكان أبيه، ثم عزله عنها يوم الأربعاء لعشر بقين من صفر سنة أربعين ومائتين ووكل بضياعه وضياع أبيه. ثم صولح على ألف ألف دينار، وأشهد على ابن أبي دؤاد وابنه بشراء ضياعهم، وحَدَّرَهم إلى بغداد، وولى يحيى بن أكثم.

ومات أبوالوليد محمد بن أحمد ببغداد في ذي القعدة سنة أربعين ومائتين، ومات أبوه أحمد بعده بعشرين يوماً ».

٣١٦

أقول: سبحان مغير الأحوال، فقد كان ابن أبي دؤاد مطيعاً لسيده ابن أكثم، فاختاره نديماً للمأمون فصارت له عنده مكانة، وأراد إزاحة ابن أكثم فلم يستطع.

ثم وضع خطة للمعتصم فسرق الخلافة من ابن أخيه المأمون، فصار المعتصم خليفة وصار ابن أبي دؤاد مدبر المملكة، وحاكمها المطلق!

لقد عمل هذان القاضيان بقواعد سياسة القصور ومكائدها، بالخبث، والتجسس والتآمر، والتزلف، والتزييف، والكذب، والنفاق، والخديعة، والتلاعب بأحكام الله تعالى، ومفاهيم الدين، وقتل الخصم بالسم، وبأي طريقة ممكنة! كل ذلك من أجل البقاء في منصب، أوالحصول عليه، أوشفاء غيض، أو إثبات الذات، وإرضاء غرورها وكبريائها. أعاذنا الله وعباده المؤمنين.

قاضي القضاة ابن أبي الشوارب:

كان محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب كبير أسرة أبي الشوارب، وهو أموي من ذرية أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس.

كان محدثاً معروفاً في البصرة، وفيه ميلٌ الى التشيع، وقد أحضره المتوكل الى سامراء، فاتفق مع زميله إبراهيم التيمي أن لا يقبلا القضاء، فنكث التيمي!

قال في تاريخ بغداد « ٦ / ١٤٨ »: « أشخص إبراهيم بن محمد التيمي ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، فلما حضرا دار المتوكل أمر بإدخال ابن أبي الشوارب، فلما دخل عليه قال: إني أريدك للقضاء. فقال: يا أمير المؤمنين لا أصلح له. فقال: تأبون يا بنى أمية إلا كبراً! فقال: والله يا أمير المؤمنين ما بي كبر، ولكني لا

٣١٧

أصلح للحكم. فأمر بإخراجه! وكان هو وإبراهيم التيمي قد تعاقدا أن لا يتولى واحد منهما القضاء، فدعا بإبراهيم فقال له المتوكل: إني أريدك للقضاء، فقال: على شريطة يا أمير المؤمنين. قال: وما هي؟ قال: أن تدعولي دعوة فإن دعوة الإمام العادل مستجابة! فولاه ».

أقول: لقد وفى ابن عبد الملك بعهده، لكن إبراهيم التيمي نكث، ثم تزلف الى المتوكل وطلب منه أن يدعوله، لأن دعاء الإمام العادل مستجاب!

ثم نجح المتوكل في إقناع الحسن بن أبي الشوارب، ونصبه قاضي القضاة.

قال في تاريخ بغداد « ٧ / ٤٢٢ »: « الحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، القرشي ثم الأموي: وليَ القضاء بسر من رأى في أيام جعفر المتوكل وبعده ».

وقال الذهبي في سيره « ١١ / ١٠٤ »: « لما ولي ولده الحسن بن أبي الشوارب القضاء تخوف عليه، وقال: يا حسن: أعيذ وجهك الحسن من النار ».

وقال في تاريخ بغداد « ٥ / ٢٥١ »: « قال أبوالعلاء: فيرى الناس أن بَركة امتناع محمد بن عبد الملك دخلت على ولده، فوليَ منهم أربعة وعشرون قاضياً، منهم ثمانية تقلدوا قضاء القضاة، آخرهم أبوالحسن أحمد بن محمد بن عبد الله، وما رأينا مثله جلالة ونزاهة وصيانة ».

أقول: كيف يكون منصب القضاء مذموماً وتركه فضيلة، ثم يكون نعمةً على أولاده ببركة تركه له! فالأصح أن يقال إنه ترك القضاء، وتورط فيه أولاده. وقد رووا عنه

٣١٨

أنه كان يمدح المتوكل بأنه رد الدين وأحياه. « الأنساب: ٣ / ٤٦٥ » لكن امتناعه عن القضاء، يدل على الجو العام الذي يرى منصب القضاء منصب ظلم!

وسبب وصفه بالتشيع: أن جده عتاب بن أسيد الأموي محسوب على بني هاشم لأنه كان والي مكة من قبل النبي (ص) فكرهته قريش عندما بايعت أبا بكر، وحسبته على بني هاشم، ثم مات مسموماً.

ولعل السبب الأهم: ما رواه عنه الموفق الخوارزمي في المناقب / ٣١٦ في فضل علي (ع): « عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، عن جعفر بن سليمان الضبعي، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ قال: سئل سلمان الفارسي عن علي بن أبي طالب وفاطمة، فقال سمعت رسول الله (ص) يقول: عليكم بعلي بن أبي طالب، فإنه مولاكم فأحبوه، وكبيركم فاتبعوه، وعالمكم فأكرموه، وقائدكم إلى الجنة فعززوه، وإذا دعاكم فأجيبوه، وإذا أمركم فأطيعوه أحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي، ما قلت لكم في علي إلا ما أمرني به ربي جلت عظمته ».

وما رواه عنه الصدوق في معاني الأخبار / ١١٨: « عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب القرشي، عن ابن سليمان، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: كنت عند علي بن أبي طالب في الشهر الذي أصيب فيه وهوشهر رمضان فدعا ابنه الحسن ثم قال: يا أبا محمد أعل المنبر فاحمد الله كثيراً وأثن عليه واذكر جدك رسول الله (ص) بأحسن الذكر، وقل: لعن الله ولداً عق أبويه، لعن الله ولداً عق أبويه، لعن الله ولداً عق أبويه، لعن الله عبداً أبق من مواليه، لعن الله غنماً ضلت عن الراعي. وانزل! فلما فرغ من خطبته ونزل، اجتمع الناس إليه

٣١٩

فقالوا: يا ابن أمير المؤمنين وابن بنت رسول الله نبئنا الجواب. فقال: الجواب على أمير المؤمنين، فقال أمير المؤمنين: إني كنت مع النبي (ص) في صلاة صلاها فضرب بيده اليمنى إلى يدي اليمنى، فاجتذبها فضمها إلى صدره ضماً شديداً، ثم قال لي: يا علي، قلت: لبيك يا رسول الله. قال: أنا وأنت أبَوَا هذه الأمة، فلعن الله من عقنا، قل: آمين، قلت: آمين.

ثم قال: أنا وأنت مَوْلَيَا هذه الأمة فلعن الله من أبق عنا، قل: آمين، قلت: آمين.

ثم قال: أنا وأنت رَاعِيَا هذه الأمة فلعن الله من ضل عنا، قل: آمين.

قال أمير المؤمنين: وسمعت قائليْن يقولان معي: آمين، فقلت: يا رسول الله ومن القائلان معي: آمين؟ قال: جبرئيل وميكائيل (ع) ».

أقول: يبدو أن محمد بن عبد الملك تأثر بابن عمه الأموي خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه، وكان من كبار شيعة أمير المؤمنين (ع)، وقد وقف أيام السقيفة هو وأحد عشر مهاجراً وأنصارياً، وواجهوا أبا بكر وعمر بشدة وخطبوا. وكان خالد من أبطال الإسلام، وقد ترجمنا له في: قراءة جديدة في الفتوحات.

أما أولاد محمد بن عبد الملك، فلم يكونوا مثل أبيهم، وسيأتي ذكر بعضهم في سيرة الإمام الهادي، والإمام الحسن العسكري (ع).

٣٢٠

رؤساء الوزارة

الوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات:

كان محمد بن عبد الملك الزيات من أسرة عادية من الدسكرة « الأعلام: 6 / 248 »، والظاهر أنها المقدادية الواقعة قرب بعقوبة. وقد استوزره المعتصم، ثم الواثق.

روى ابن الزيات أن المعتصم ضحك يوماً من نفسه، فسألناه عن سبب ضحكه فقال إن منجماً رآه فقال له: « الطالع أسدٌ وهوالطالع في الدنيا، وإنه يوجب لك الخلافة، وأنت تفتح الآفاق وتزيل الممالك ويعظم جيشك، وتبني بلاداً عظيمة ويكون من شأنك كذا ومن أمرك كذا، وقصَّ عليَّ جميع ما أنا فيه الآن!

قلت: فهذا السعود، فهل عليَّ من نحوس؟ قال: لا، ولكنك إذا ملكت فارقت وطنك وكثرت أسفارك. قلت: فهل غير هذا؟ قال: نعم، ما شئ أنحس عليك من شئ واحد. قلت: ما هو؟ قال: يكون المتولَّون عليك في أيام ملكك أصولهم دنية سفلة، فيغلبون عليك ويكونون أكابر أهل مملكتك ...

ولكني ما ذكرته إلى الآن، ولما بلغت الرحبة وقعت عيني على موضعه فذكرته، وذكرت كلمته وتأمَّلتكما حواليَّ وأنتما أكبر أهل مملكتي، وأنت ابن زيَّات وهذا ابن قَيَّار، وأومأ إلى ابن أبي دؤاد، فإذا قد صح جميع ما قال!

فأنفذت هذا الخادم في طلبه والبحث عنه لأفي له بسالف الوعد، فعاد إليَّ وذكر أنه قد مات قريباً وأخذني الضحك، إذ ترأس في دولتي أولاد السُّفَّل. قال: فانكسرنا، ووددنا أنا ما سألناه »! « نشوار المحاضرة: 7 / 212 ».

٣٢١

وقال في تاريخ بغداد « 3 / 145 »: « كان بين محمد بن عبد الملك وبين أحمد بن أبي دؤاد، عداوةٌ شديدة، فلما ولي المتوكل دارَ ابن أبي داود على محمد، وأغرى به المتوكل حتى قبض عليه، وطالبه بالأموال ».

وقال البغدادي في خزانة الأدب « 1 / 428 »: « وكان ابن الزيات قد اتخذ تنوراً من حديد، وأطراف مساميره المحددة إلى داخله، وهي قائمة مثل رؤوس المسالّ، وكان يعذب فيه أيام وزارته، فكيفما انقلب المعذب أوتحرك من حرارة العقوبة تدخل المسامير في جسمه! وإذا قال له أحد: إرحمني أيها الوزير، فيقول له: الرحمة خَوَرٌ في الطبيعة! فلما اعتقله المتوكل أمر بإدخاله في التنور وقيده بخمسة عشر رطلاً من الحديد، فقال له: يا أمير المؤمنين إرحمني، فقال له: الرحمة خَوَرٌ في الطبيعة، كما كان يقول للناس! وكان ذلك في سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وكانت مدة تعذيبه في التنور أربعين يوماً، إلى أن مات فيه »!

وتدل روايتنا عن الإمام الهادي (ع) على أن المتوكل كان في سجن ابن الزيات، فأخرجه ابن أبي دؤاد وعقد البيعة له، ثم بطشوا بابن الزيات!

قال خيران الأسباطي « الكافي: 1 / 498 »: « قدمت على أبي الحسن (ع) « الإمام الهادي » المدينة فقال لي: ما خبر الواثق عندك؟ قلت: جعلت فداك خلفته في عافية، أنا من أقرب الناس عهداً به، عهدي به منذ عشرة أيام. قال فقال لي: إن أهل المدينة يقولون: إنه مات. فلما أن قال لي: الناس، علمت أنه هو. ثم قال لي: ما فعل جعفر « المتوكل »؟ قلت: تركته أسوأ الناس حالاً في السجن. قال فقال: أما إنه

٣٢٢

صاحب الأمر. ما فعل ابن الزيات؟ قلت: جعلت فداك الناس معه والأمر أمره. قال فقال: أما إنه شؤم عليه. قال: ثم سكت وقال لي: لابد أن تجري مقادير الله تعالى وأحكامه. يا خيران، مات الواثق، وقد قعد المتوكل جعفر، وقد قتل ابن الزيات. فقلت: متى جعلت فداك؟ قال: بعد خروجك بستة أيام ».

وذكر المسعودي في مروج الذهب « 4 / 5 » أن بطشهم بابن الزيات كان بعد أشهر، قال: « سخط المتوكل على محمد بن عبد الملك الزيات بعد خلافته بأشهر، فقبض أمواله وجميع ما كان له، وقلد مكانه أبا الوزير، وقد كان ابن الزيات اتخذ للمصادَرين والمغضوب عليهم تنُّوراً من الحديد رؤوس مساميره إلى داخله قائمة مثل رؤوس المسالّ، في أيام وزارته للمعتصم والواثق، فكان يعذب الناس فيه، فأمر المتوكل بإدخاله في ذلك التنور، فقال محمد بن عبد الملك الزيات للموكل به أن يأذن له في دواة وبطاقة ليكتب فيها ما يريد، فاستأذن المتوكل في ذلك فأذن له فكتب:

هي السبيل فمن يوم إلى يوم

كأنه ما تُريك العين في النومِ

لا تجزعنَّ رويداً إنها دوَلٌ

دُنْيَاً تنقَّلُ من قومٍ إلى قوم.

قال: وتشاغل المتوكل في ذلك اليوم فلم تصِل الرقعة اليه، فلما كان الغد قرأها فأمر بإخراجه فوجده ميتاً. وكان حَبْسُه في ذلك التنور إلى أن مات أربعين يوماً، وكان كاتباً بليغاً وشاعراً مجيداً ».

٣٢٣

وفي نشوار المحاضرة « 8 / 19 »: « قال الفضل بن مروان: ولا نعلم وزيراً وَزَرَ وزارةً واحدة بلا صَرْف، لثلاثة خلفاء متَّسقين، غير محمد بن عبد الملك ».

وقال في النهاية « 14 / 333 »: « أمر الخليفة المتوكل على الله بالقبض على محمد بن عبد الملك بن الزيات وزير الواثق فطلبه فركب بعد غدائه يظن أن الخليفة بعث إليه، فأتت به الرسل إلى دار إيتاخ أمير الشرطة فاحتيط عليه وقُيِّدَ، وبعثوا في الحال إلى داره، فأخذ جميع ما كان فيها من الأموال واللآلئ والجواهر والحواصل والجواري والأثاث، ووجدوا في مجلسه الخاص به آلات الشراب، وبعث الخليفة إلى حواصله وضياعه بسائر الإماكن، فاحتيط عليها، وأمر به أن يعذب فمنع من الطعام، وجعلوا يساهرونه، كلما أراد الرقاد نُخِسَ بالحديد، ثم وضع بعد ذلك كله في تنور من خشب فيه مسامير قائمة في أسفله، فأقيم عليها ووُكِّلَ به من يمنعه من الرقاد، فمكث كذلك أياماً حتى مات ..

ويقال: إنه أخرج من التنور وفيه رمق فضرب على بطنه ثم على ظهره حتى مات وهوتحت الضرب. ويقال: إنه أحرق ثم دفعت جثته إلى أولاده فدفنوه، فنبشت عليه الكلاب فأكلت لحمه وجلده، سامحه الله وكان قيمة ما وجد له من الحواصل نحواً من تسعين ألف ألف دينار ».

أقول: كان هذا الأسلوب الدموي في انتقال السلطة وما زال، أمراً ثابتاً عند الشعوب المختلفة، وثقافةً سائدةً، ففي نفس السنة التي قتل فيها المتوكل ابن الزيات، قَتَلَ ملك الروم ميخائيل أمه تدورة، بعد أن ملكت ست سنين. « النهاية: 14 / 333 ».

٣٢٤

أما الديمقراطيات الغربية فقد جعلت انتقال السلطة في الغرب سلمياً، في الظاهر، لكنها لم تحقق ذلك في شعوب العالم التي تحت نفوذها، فبقي دموياً بشكل عام!

الوزير عمر بن الفرج الرخجي:

1. كتبنا له ترجمة في سيرة الإمام الجواد (ع) ووصفناه بأنه ممسحة الخلفاء، لأنهم كانوا يكلفونه بالمهمات القذرة! وكان ناصبياً معادياً لأهل البيت (ع)، بعكس أخيه محمد الذي كان من خيرة أصحاب الأئمة: الرضا والجواد والهادي (ع)، وصار والياً للمتوكل على مصر لفترة. « تاريخ اليعقوبي: 2 / 485 ».

2. ذكرنا في سيرة الإمام الجواد (ع) أن عمر الرخجي كان والياًَ على مكة والمدينة وأنه حاول قتل الإمام الجواد (ع) بالسم، فقد قال كما في « الثاقب في المناقب / 517 »: « سمعت من أبي جعفر شيئاً لو رآه محمد أخي لكفر! فقلت: وما هوأصلحك الله؟ قال: إني كنت معه يوماً بالمدينة إذ قُرِّب الطعام فقال: أمسكوا. فقلت: فداك أبي قد جاءكم الغيب؟فقال: عليَّ بالخبَّاز، فجئ به فعاتبه وقال: من أمرك أن تسمني في هذا الطعام؟ فقال له: جعلت فداك، فلان! ثم أمر بالطعام فرفع وأتي بغيره »!

يقصد أنه رأى من الإمام الجواد (ع) شيئاً لو رآه أخوه محمد لصار من الغلاة فيه، واعتقد أنه يعلم الغيب، وكفر بذلك! أما هو فلايكفر ويقول إن الجواد (ع) ساحر! ثم ذكر أن الإمام (ع) كشف محاولة قتله بالسم، وأبعد الرخجي التهمة عن نفسه وأنه هو صاحب المحاولة، مع أنه كان والي مكة والمدينة! فتفكيره كتفكير مشركي قريش،

٣٢٥

فهم يرون أنهم غير معنيين بالإيمان بالمعجزات التي يشاهدونها ولا بتفسيرها! بل عليهم أن يقولوا إن صاحب المعجزة ساحر، حتى لا يفتتن به الناس!

3. وبعد أن قتل المعتصم الإمام الجواد (ع) أمره أن يوكَّل شخصاً بابنه الإمام الهادي (ع) بعنوان معلم، ويكون تحت رقابته التامة، ويعزله عن الناس حتى لا يفتنوا به كما فتنوا بأبيه! فاختار الرخجي الجنيدي ونصبه لهذه المهمة، وأمر حاكم المدينة أن ينفذ أوامره، فكانت النتيجة إيمان الجنيدي بإمامة الهادي (ع)!

4. وبعد المعتصم كان الواثق يوكل اليه تعذيب الوزراء والجباة، الذين يغضب عليهم، ليستخرج منهم الأموال!

قال ابن حمدون في التذكرة « 2 / 106 »: « لما أوقع الواثق بأحمد بن الخصيب وسليمان بن وهب، جعل سليمان في يد عمر بن فرج الرخجي، ثم وجه إليه يوماً: طالب سليمان بمائة ألف دينار يؤديها بعد الذي أخذ منه، فإن أذعن بها وإلا فجرِّده واضربه مائة سوط، ولاتتوقف عن هذا لحظة واحدة، ففعل عمر ».

5. أما المتوكل فأوكل اليه أسوأ الأدوار، ثم بطش به أسوأ البطش! فقد غضب عليه في أول خلافته، قال الطبري « 7 / 347 »: « وفيها « سنة 233 » غضب المتوكل على عمر بن فرج، وذلك في شهر رمضان فدفع إلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب فحبسه عنده، وكتب في قبض ضياعه وأمواله ».

وفي مروج الذهب « 4 / 19 »: « سخط المتوكل على عمر بن الفرج الرخجي، وكان من عِلْيَةِ الكتاب وأخذ منه مالًا وجوهراً، نحومائة ألف وعشرين ألف دينار،

٣٢٦

وأخذ من أخيه نحواً من مائة ألف وخمسين ألف دينار، ثم صولح محمد على أحد وعشرين ألف ألف درهم، على أن يرد إليه ضياعه ثم غضب عليه غضبةً ثانية، وأمر أن يُصْفَعَ في كل يوم، فأحصي ما صفع فكان ستة آلاف صفعة، وألبسه جبة صوف، ثم رضي عنه، وسخط عليه ثالثة، وأحدر إلى بغداد، وأقام بها حتى مات »!

وفي تاريخ اليعقوبي « 2 / 485 »: « وسخط على عمر بن فرج الرخجي، وعلى أخيه محمد، وكان محمد بن فرج عامل مصر إذ ذاك ».

ووصف القاضي التنوخي في نشوار المحاضرة « 2 / 12 »، بطش المتوكل به لما بلغه أنه كان في الأهواز يفتخر على قاضيها بقربه من المتوكل، وأنه أخذ منه الألوف ولم يحاسبه، فوشى به القاضي الى المتوكل فأرسل جاء به الى سامراء، وأركبه على حمار وسجنه وعذبه، وباع أملاكه!

6. ثم رضي عليه المتوكل وأوكل اليه مهمة هدم قبر الحسين (ع)، فبعثه أكثر من مرة بجيش، وقاتل أهل الكوفة حتى أخضعهم، ثم هدم القبر!

روى الطوسي في الإمالي / 325: « حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن فرج الرخجي قال: حدثني أبي، عن عمه عمر بن فرج، قال: أنفذني المتوكل في تخريب قبر الحسين (ع) فصرت إلى الناحية، فأمرت بالبقر فمُرَّ بها على القبور، فمرت عليها كلها، فلما بلغت قبر الحسين (ع) لم تمر عليه! قال عمي عمر بن فرج: فأخذت العصا بيدي فما زلت أضربها حتى تكسرت العصا في يدي! فوالله ما جازت على

٣٢٧

قبره ولا تخطته. قال لنا محمد بن جعفر: كان عمر بن فرج شديد الإنحراف عن آل محمد (ص) فأنا أبرأ إلى الله منه. وكان جدي أخوه محمد بن فرج شديد المودة لهم رحمه الله ورضي عنه، فأنا أتولاه لذلك وأفرح بولادته ». أي أفرح بولادتي منه.

7. ثم أوكل اليه المتوكل حكم الحجاز ليضطهد العلويين ويفقرهم ويبيدهم! قال أبوالفرج في مقاتل الطالبيين / 395: « واستعمل على المدينة ومكة عمر بن الفرج الرخجي، فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس، ومنع الناس من البر بهم، وكان لا يبلغه أن أحداً أبرَّ أحداً منهم بشئ وإن قلَّ، إلا أنهكه عقوبةً وأثقله غُرْماً، حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة، ثم يرقعنه ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر »!

8. وبعد أن نفذ أوامر المتوكل، وارتكب لأجله الجرائم، غضب عليه وعزله، وأذله! وصدق رسول الله (ص): من أعان ظالماً سلطه الله عليه. « الخرائج: 3 / 1058 ».

وتقدم أن المتوكل أنه سمع بعائشة بنت عمر الرخجي، فأمره في جوف الليل والمطر أن يأتيه بها، فوطأها ثم ردها إلى منزل أبيها! « المحاسن للجاحظ / 118 ».

9. وقد ورد أن الإمام الجواد (ع) دعا على عمر الرخجي، ففي الكافي « 1 / 497 »: « محمد بن سنان قال: دخلت على أبي الحسن « الإمام الهادي (ع) » فقال: يا محمد حدث بآل فرج حدث؟ فقلت: مات عمر. فقال: الحمد لله، حتى أحصيت له أربعاً وعشرين مرة. فقلت: يا سيدي لوعلمت أن هذا يسرُّكَ لجئتُ حافياً أعدو إليك. قال: يا محمد أوَلا تدري ما قال لعنه الله لمحمد بن علي أبي؟ قال

٣٢٨

قلت: لا. قال: خاطبه في شئ فقال: أظنك سكران! فقال أبي: اللهم إن كنت تعلم أني أمسيت لك صائماً، فأذقه طعم الَحرَب وذلَّ الأسر. فوالله إن ذهبت الأيام حتى حَرِبَ ما لَه « خسره » وما كان له، ثم أخذ أسيراً، وهوذا قد مات لا رحمه الله. وقد أدال الله عز وجل منه. وما زال يديل أولياءه من أعدائه ».

أقول: استشكل الرجاليون في هذه الرواية بأن وفاة محمد بن سنان سنة 220، ووفاة الرخجي 237، لكن الرواية قرينة على أن وفاة ابن سنان بعد هذا التاريخ.

الوزير الفتح بن خاقان:

كان للمتوكل عدة وزراء، لكن أهمهم الفتح بن خاقان الذي قُتل معه، ثم عبيد الله بن يحيى بن خاقان. وعندما قَتَل المتوكل ابن الزيات كلف شخصاً إسمه أبو الوزير فتسلم أمواله الواسعة. ثم استوزر الجرجرائي، ثم استوزر عبيد الله بن يحيى بن خاقان. وكان فوقهم جميعاً الفتح بن خاقان.

قال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 3 و 6 »: « فكانت أيام أبي الوزير في الوزارة يسيرة، وقد كان اتخذ للوزارة محمد بن الفضل الجرجرائي، ثم صرفه غلب عليه الفتح بن خاقان: وكان الفتح بن خاقان التركي مولاه، أغلبَ الناس عليه، وأقربَهم منه، وأكثرهم تقدُّماً عنده ».

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء « 12 / 82 »: « الفتح بن خاقان: الأمير الكبيرالوزير الأكمل، أبومحمد التركي، شاعر مترسل بليغ مفوه، ذوسؤدد وجود ومحاسن، على لعب فيه. وكان المتوكل لا يكاد يصبر عنه، استوزره، وفوض إليه إمرة

٣٢٩

الشام، فبعث إليها نواباً عنه وكان أحد الأذكياء، دخل المعتصم على الأمير خاقان فمازح ابنه هذا وهوصبي، فقال: يا فتح، أيما أحسن داري أوداركم؟ فقال الفتح: دارنا إذا كنت فيها، فوهبه مئة ألف. وكان الفتح ذا باع أطول في فنون الأدب. قتل مع المتوكل سنة سبع وأربعين ».

ومدحه ابن النديم في الفهرست فقال / 130: « الفتح بن خاقان بن أحمد، في نهاية الذكاء والفطنة وحسن الأدب، من أولاد الملوك، اتخذه المتوكل أخاً، وكان يقدمه على سائر ولده وأهله، وكان له خزانة « مكتبة » جمعها له علي بن يحيى المنجم لم يُرَ أعظم منها كثرةً وحسناً. وكان يحضر داره فصحاء الأعراب وعلماء الكوفيين والبصريين. قال أبوهَفَّان: ثلاثة لم أرَ قطُّ ولا سمعتُ أحب َّإليهم من الكتب والعلوم: الجاحظ، والفتح بن خاقان، وإسماعيل بن إسحاق القاضي ».

أقول: تدل أخبار الفتح على أنه كان إنساناً محترماً، وكان في عمله مع المتوكل مهنياً أميناً، لم يُؤْذِ أحداً، ولا دفع المتوكل الى ذلك. على عكس زميله عبيد الله بن يحيى بن خاقان! قال أبوالفرج « مقاتل الطالبيين / 395 »: « كان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب واتفق له أن عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزيره يسئ الرأي فيهم، فحسَّن له القبيح في معاملتهم، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله. وكان من ذلك أن كرب قبر الحسين (ع) وعفى أثاره، ووضع على سائر الطرق مسالح له، لايجدون أحداً زاره إلا أتوه به، فقتله أوأنهكه عقوبة »!

٣٣٠

بل نجد أن الفتح بن خاقان كان يعتقد أن الإمام الهادي (ع) ولي الله تعالى، ويطلب أن يدعوللمتوكل أويعالجه، فقد روى في الكافي « 1 / 499 »: « عن إبراهيم بن محمد الطاهري قال: مرض المتوكل من خَرَّاجٍ خرج به وأشرف منه على الهلاك، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة، فنذرت أمه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن علي بن محمد مالاً جليلاً من مالها. وقال له الفتح بن خاقان: لوبعثت إلى هذا الرجل فسألته فإنه لا يخلوأن يكون عنده صفة يفرج بها عنك، فبعث إليه ووصف له علته، فرد إليه الرسول بأن يؤخذ كُسْبُ الشاة « عصارة الدهن » فيداف بماء ورد، فيوضع عليه ». وتقدم ذلك في فصل سياسة المتوكل مع الإمام (ع).

وتذكر بعض رواياتنا أنه كان محباً للإمام الهادي (ع) ويعمل لدفع الضر ـ ر عنه، فقد روى الشيخ الطوسي في الامالي / 275 ، عن أبي موسى المنصوري وهو أمير عباسي من أولاد المنصور، وكان منقطعاً الى الإمام الهادي (ع)، فبعث المتوكل اليه الفتح بن خاقان، ولما جاء أكرمه ودفع له مخصصاته المتأخرة.

ولما خرج قال له الفتح: لست أشكُّ أنك سألته دعاءً لك، فالتمس لي منه دعاء! فلما دخلت إليه (ع) قال لي: يا أبا موسى هذا وجهُ الرضا. فقلت: ببركتك يا سيدي قلت: إن الفتح قال لي كيت وكيت. قال: إنه يوالينا بظاهره ويجانبنا بباطنه، الدعاء لمن يدعو به. إذا أخلصتَ في طاعة الله واعترفتَ برسول الله (ص) وبحقنا أهل البيت، وسألت الله تبارك وتعالى شيئاً، لم يحرمك ».

٣٣١

وقال له الفتح: « ذكر الرجل يعني المتوكل خبر مال يجئ من قم، وقد أمرني أن أرصده لأخبره به، فقل لي: من أي طريق يجئ حتى أجتنبه »!

وقد يكون الفتح صادقاً، وسيأتي ذلك في ترجمة المنصوري في أصحاب الإمام (ع).

الوزير عبيدالله بن يحيى بن خاقان:

ذكر القاضي التنوخي في نشوار المحاضرة « 8 / 12 » كيف تمكن عبيد الله بن يحيى بن خاقان من المتوكل، قال: « حدثنا أبوجعفر أحمد بن إسرائيل، قال: كان سبب رفعه عبيد الله بن يحيى: طلبُ المتوكل لحدثٍ من أولاد الكتاب يوقع بحضرته في الأبنية والمهمات، لأنه كان قد أسقط الوزارة، بعد صرف محمد بن الفضل الجرجرائي واقتصر على أصحاب الدواوين، وأمرهم أن يعرضوا الأعمال بأنفسهم، وجعل التاريخ في الكتب باسم وصيف التركي، وانتصب منصب الوزارة، وإن كان لم يسم بها. فأسميَ له جماعة فاختار عبيد الله من بينهم، فحضر أول يوم، فصلَّى في الدار ركعات وجلس وعليه قباء وسيف ومنطقة وشاشية على رسم الكتاب. قال أبوالحسين لأنه لم يكن أحد يصل إلى الخليفة، إلَّا بقباء وسيف ومنطقة من الناس كلهم، إلَّا القضاة، لا في موكب ولا غيره، فإذا كان يوم موكب، كانت الأقبية كلها سواداً، وإذا كان غير يوم موكب فربما كانت من بياض، وفي الأكثر سواداً.

٣٣٢

فلما صلَّى عبيد الله وجلس لم يجتز به أحد من الحاشية كبير ولا صغير إلَّا قام إليه قائماً وسلَّم عليه، حتى قام إلى رئيس الفراشين! فرآه بعض الحاشية فقال: من هذا الشقي الذي قد قام لسائر الناس حتى قام إلى الكلاب؟ فقيل له فلان.

ثم أذن له المتوكل لما خلا، فدخل إليه وكان على رأسه قلنسوة سوداء شاشية، وكان طويل العنق فظهرت عنقه. فلما رآه المتوكل أومأ بيده إلى قفاه ومسحه شبه صفعة، فأخذ عبيد الله يده فقبلها فنفق عليه وخف على قلبه وسُرَّ بذلك، واستخف روحه وقال له: أكتب. فكتب وهوقائم: ( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ، إلى قوله عز وجل: ويَنْصُرَكَ الله نَصْراً عَزِيزاً ) . فكتب: وينصرك الله يا أمير المؤمنين نصراً عزيزاً، فزاد ذلك في تقبل المتوكل له وتفاءل بذلك، وقال له: إلزم الدار، فكان يلزمها منذ السحر، إلى وقت نوم المتوكل في الليل.

وقوي أمره مع الأيام، حتى صار يعرض الأعمال، كما كان الوزراء يعرضونها وليس هو بعدُ وزير، والتاريخ لوصيف. فأمره المتوكل في بعض الأيام أن يكتب نسخة في أمر الأبنية فقال: نعم. فلما كان بعد ساعة سأله هل كتبت؟ فقال: لم يكن معي دواة. فقال: أكتب الساعة، فاستحضر دواة، وكان إيتاخ الحاجب قائماً يسمع ذلك، فلما خرج عبيد الله قال له: إنما طلبك أمير المؤمنين لتكتب بين يديه فإذا حضرت بلا دواة فلأي شئ تجئ؟ فقال له عبيد الله: وأي مدخل لك أنت في هذا، أنت حاجب أو وزير؟ فاغتاظ من ذلك فأمر به فبُطح وضربه على رجليه عشرين مقرعة، وقال له: الآن علمت أن لي فيه مدخلاً!

٣٣٣

فلم يتأخر عبيد الله عن الخدمة، وعاد فجعل يمشي ويعرج، فسأل المتوكل عن خبره فعرف الصورة، فغلظ عليه ذلك، وقال: إنما قَصَدَهُ إيتاخ لمحبتي له.

وكان قد اجتمع في نفس المتوكل من إيتاخ العظائم، مما كان يعمل به في أيام الواثق، ولا يقدر له على نكبته لتمكَّنه من الأتراك.

فأمر بأن يخلع على عبيد الله من الغد، وأن لا يعرض أحد من أصحاب الدواوين عليه شيئاً، وأن يدفعوا أعمالهم إليه ليعرضها، وأجرى له في كل شهر عشرة آلاف درهم، فندم إيتاخ على ما فعله، وجعل يداري عبيد الله ويثاقفه، وقوي أمر عبيد الله حتى حذف بنفسه من غير أمر إسمَ وصيف من التاريخ وأثبت إسمه. ثم أمر له المتوكل برزق الوزارة، ثم خوطب بالوزارة بعد مُدَيْدَة وخلع عليه لها خلعاً أخر.

ثم قلَّده كتابة المعتز وخلع عليه، ثم قلَّده كتابة المؤيد وخلع عليه، وضمَّ المتوكل إلى ابنيه، بضعة عشر ألف رجل، وجعل تدبيرهم إلى عبيد الله، فكان وزيراً أميراً. فلما تمكَّن هذا التمكَّن بالجيش والمحل، عارض إيتاخ وبطَّأ حوائجه وقصده، ووضع من كُتَّابه، ولم يزل ذلك يقوى من فعله إلى أن دبَّرَ على إيتاخ، فقتله على يد إسحاق بن إبراهيم الطاهري ببغداد، بعد عود إيتاخ من الحجّ ».

وقال اليعقوبي « 2 / 488 »: « سخط المتوكل على محمد بن الفضل كاتب ديوان التوقيع لأمر وقف عليه منه، فصير مكانه عبيدالله بن يحيى بن خاقان ورفعه وأعلى مرتبته وولاه وأمره أن يكتب: مولى أمير المؤمنين وكان ولاؤه في الأزد ».

٣٣٤

وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق « 38 / 143 و 146 »: « عبيد الله بن يحيى بن خاقان بن عرطوج، أبوالحسن التركي، وزير المتوكل، قدم مع المتوكل دمشق فيما وجدت بخط عبد الله بن محمد الخطابي الشاعر الدمشقي، في تسمية من قدم مع المتوكل. وقدمها مرة أخرى منكوباً حين نفاه المستعين إلى برقة سنة ثمان وأربعين ومائتين. وكان عوده إلى بغداد سنة ثلاث وخمسين ومئتين بعد أن حج، ثم استوزره المعتمد في شعبان سنة ست وخمسين ومئتين قال أحمد بن أبي طاهر: تقلد عبيد الله بن يحيى بن خاقان الوزارة مرتين وكان نُفي في وقت النكبة إلى بَرْقة، فاجتاز بدمشق، وعيسى بن الشيخ يتقلدها فلقيه عيسى بن الشيخ وترجل له وأعظمه وبره وأكرمه وخدمه فلما تقلد عبيد الله بن يحيى الوزارة المرة الثانية حفظ له ذلك، ولم يزل حتى قلده الديار البكرية وإرمينية ».

وكان الوزير عبيد الله بن خاقان أداة للمتوكل في هدم قبر الإمام الحسين (ع) واضطهاد الذاهبين لزيارته وتعذيبهم وقتلهم. فقد استمرت محاولات المتوكل لهدم القبر الشريف نحو سنة من شعبان سنة 236 الى شعبان 237، وورد فيها إسم الوزير عبيد الله بن خاقان، وأنه أرسل عدداً من القادة في جند كثيف، ومعهم متطرفون من النواصب. كما ذكرنا في فصل هدم القبر الشريف.

وعاش الوزير عبيد الله بعد المتوكل، وكان وزيراً لعدة خلفاء، حتى توفي فجأة سنة 260، في أيام شهادة الإمام العسكري (ع) فقد روى الصدوق في كمال الدين / 475، تفتيش السلطة عن الإمام المهدي (ع) قال: « فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله

٣٣٥

عليه على نعشه مكفناً، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة بشعره قطط بأسنانه تفليج، فجبذ برداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي، فتأخر جعفر، وقد ارْبَدَّ وجهه واصفرَّ فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية، فطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حبلاً بها لتغطي حال الصبي، فسلمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي. وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم، والحمد لله رب العالمين ».

القائد العام لجيش الخلافة: إيتاخ

عندما توفي الواثق اجتمع كبار شخصيات الدولة: « أحمد بن أبي دؤاد، وإيتاخ، ووصيف، وعمر بن فرج، وابن الزيات، وأحمد بن خالد أبوالوزير، فعزموا على البيعة لمحمد بن الواثق، وهوغلام أمرد، فألبسوه دراعة سوداء وقلنسوة رصافية، فإذا هوقصير ». « الطبري: 7 / 241 ».

فكان إيتاخ القائد الأول ويليه وصيف، لأن جيش الخلافة كان أكثره من الأتراك، فكان لقادتهم دور في اختيار الخليفة، ثم صار لهم كل الدور. وكان إيتاخ غلاماً للمعتصم، فأوكل اليه تربية المتوكل، فكان بمنزلة أبيه!

٣٣٦

قال ابن كثير في النهاية « 10 / 343 »: « شرب ليلةً مع المتوكل، فعربد عليه المتوكل فهمَّ إيتاخ بقتله، فلما كان الصباح اعتذر المتوكل إليه وقال له: أنت أبي وأنت ربيتني، ودسَّ اليه من يشير إليه بأن يستأذن للحج ».

قال الطبري « 7 / 350 »: « ذكر أن إيتاخ كان غلاماً خزرياً لسلام الأبرش طباخاً، فاشتراه منه المعتصم في سنة 199 وكان لإيتاخ رَجْلَةٌ وبأسٌ، فرفعه المعتصم ومن بعده الواثق حتى ضم إليه من أعمال السلطان أعمالاً كثيرة، وولاه المعتصم معونة سامرا مع إسحاق بن إبراهيم، وكان من قِبَله رجُلٌ ومن قِبَل إسحاق رجُلٌ، وكان من أراد المعتصم أوالواثق قَتْلَهُ فعند إيتاخ يُقتل، وبيده يحبس، منهم محمد بن عبد الملك الزيات، وأولاد المأمون من سندس وصالح بن عجيف وغيرهم. فلما وليَ المتوكل كان إيتاخ في مرتبته إليه الجيش، والمغاربة، والأتراك، والموالي، والبريد، والحجابة، ودار الخلافة.

فخرج المتوكل بعد ما استوت له الخلافة متنزهاً إلى ناحية القاطول، فشرب ليلة فعربد على إيتاخ فهمَّ إيتاخ بقتله، فلما أصبح المتوكل قيل له فاعتذر إليه والتزمه وقال له: أنت أبي وربيتني، فلما صار المتوكل إلى سامرا دسَّ إليه من يشيرعليه بالإستئذان للحج ففعل وأذن له، وصيره أمير كل بلدةٍ يدخلها، وخلع عليه وركب جميع القواد معه، وخرج معه من الشاكرية والقواد والغلمان سوى غلمانه وحشمه بشر كثير، فحين خرج صيرت الحجابة إلى وصيف ..

٣٣٧

لما قفل من مكة راجعاً إلى العراق وجَّه المتوكل إليه سعيد بن صالح الحاجب، مع كسوة وألطاف، وأمره أن يلقاه بالكوفة أوببعض طريقه، وقد تقدم المتوكل إلى عامله على الشرطة ببغداد بأمره فيه.

فذكر عن إبراهيم بن المدبر أنه قال خرجت مع إسحاق بن إبراهيم حين قرب إيتاخ من بغداد، وكان يريد أن يأخذ طريق الفرات إلى الأنبار، ثم يخرج إلى سامر، فكتب إليه إسحاق بن إبراهيم إن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه قد أمر أن تدخل بغداد، وأن يلقاك بنوهاشم ووجوه الناس، وأن تقعد لهم في دار خزيمة بن خازم فتأمر لهم بجوائز. قال فخرجنا حتى إذا كنا بالياسرية، وقد شحن ابن إبراهيم الجسر بالجند والشاكرية، وخرج في خاصته وطرح له بالياسرية صفةً فجلس عليها، حتى قالوا قد قرب منك فركب فاستقبله فلما نظر إليه أهوى إسحاق لينزل فحلف عليه إيتاخ ألا يفعل، قال: وكان إيتاخ في ثلاث مائة من أصحابه وغلمانه، عليه قباءٌ أبيض متقلداً سيفاً بحمائل، فسارا جميعاً حتى إذا صارا عند الجسر، تقدمه إسحاق عند الجسر وعبر حتى وقف على باب خزيمة بن خازم، وقال لإيتاخ تدخل أصلح الله الأمير، وكان الموكلون بالجسر كلما مر بهم غلام من غلمانه، قدموه حتى بقي في خاصة غلمانه، ودخل بين يديه قوم، وقد فرشت له دار خزيمة، وتأخر إسحاق وأمر ألا يدخل الدار من غلمانه إلا ثلاثة أوأربعة، وأخذت عليه الأبواب، وأمر بحراسته من ناحية الشط وكسرت كل درجة في قصر خزيمة بن خازم، فحين دخل أغلق الباب خلفه، فنظر فإذا

٣٣٨

ليس معه إلا ثلاثة غلمان، فقال قد فعلوها! ولو لم يؤخذ ببغداد ما قدروا على أخذه، ولودخل إلى سامرا فأراد بأصحابه قَتْلَ جميع من خالفه، أمكنه ذلك.

قال: فأتيَ بطعام قرب الليل فأكل فمكث يومين أوثلاثة، ثم ركب إسحاق في حراقة وأعدَّ لإيتاخ أخرى، ثم أرسل إليه أن يصير إلى الحراقة، وأمر بأخذ سيفه فحدروه إلى الحراقة، وصير معه قوم بالسلاح، وصاعد إسحاق حتى صار إلى منزله، وأخرج إيتاخ حين بلغ دار إسحاق، فأدخل ناحية منها، ثم قيد فأثقل بالحديد في عنقه ورجليه، ثم قدم بابنيه منصور ومظفر وبكاتبيه سليمان بن وهب وقدامة ابن زياد النصراني، بغداد وكان سليمان على أعمال السلطان، وقدامة على ضياع إيتاخ خاصة فحبسوا ببغداد.

فأما سليمان وقدامة فضربا فأسلم قدامة، وحبس منصور ومظفر.

وذكر عن تُرْك مولى إسحق أنه قال: وقفت على باب البيت الذي فيه إيتاخ محبوس فقال لي: يا تُرك. قلت: ما تريد يا منصور. قال: أقرئ الأمير السلام وقل له: قد علمت ما كان يأمرني به المعتصم والواثق في أمرك، فكنت أدفع عنك ما أمكنني فلينفعني ذلك عندك. أما أنا فقد مر بي شدة ورخاء، فما أبالي ما أكلت وما شربت، وأما هذان الغلامان فإنهما عاشا في نعمة ولم يعرفا البؤس، فصير لهما مرقة ولحماً وشيئاً يأكلان منه.

قال تُرك: فوقفت على باب مجلس إسحاق قال لي: مالك يا تُرك، أتريد أن تتكلم بشئ. قلت: نعم. قال لي إيتاخ: كذا وكذا! قال وكانت وظيفة إيتاخ رغيفاً

٣٣٩

وكوزاً من ماء، ويأمر لابنيه بخوانٍ فيه سبعة أرغفة وخمس غرف « جمع غَرْفَة بمعنى ملعقة » فلم يزل ذلك قائماً حياة إسحاق، ثم لا أدرى ما صنع بهما!

فأما إيتاخ فقُيِّدَ وصُيِّر في عنقه ثمانون رطلاً وقيدٌ ثقيل، فمات يوم الأربعاء لخمس خلون من جمادى الآخرة سنة 235 ، وأشهد إسحاق على موته أبا الحسن إسحاق بن ثابت بن أبي عباد، وصاحب بريد بغداد، والقضاة، وأراهم إياه، لا ضربَ به ولا أثرَ! وحدثني بعض شيوخنا أن إيتاخ كان موته بالعطش، وأنه أُطعم فاستسقى فمنع الماء حتى مات عطشاً، وبقي إبناه في الحبس حياة المتوكل فلما أفضى الأمر إلى المنتصر أخرجهما، فأما مظفر فإنه لم يعش بعد أن أخرج من السجن إلا ثلاثة أشهر حتى مات، وأما منصور فعاش بعده ».

قال المسعودي في التنبيه والإشراف / 313: « بويع المتوكل جعفر بن محمد المعتصم وجفا الموالي من الأتراك واطَّرحهم وحطَّ مراتبهم، وعمل على الإستبداد بهم والإستظهار عليهم ».

أقول: لم يترك المتوكل أحداً من أولياء نعمته وأصدقائه إلا وغدر به! وقد حقد عليه الترك لغدره بقائدهم إيتاخ، وتبايعوا على قتله.

قال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 34 »: « ولما عزم بُغا الصغير على قتل المتوكل دعا بباغر التركي، وكان قد اصطنعه واتخذه وملأ عينه من الصِّلات، وكان مقداماً أهوج، فقال له: يا باغر أنت تعلم محبتي لك وتقديمي إياك وإيثاري لك وإحساني إليك، وإني قد صرت عندك في حد من لا يُعْصَى له أمر، ولا يخرج

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477