الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام8%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158443 / تحميل: 7002
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وجاء به فقال: أخاف أن يكون الواثق لم يمت، قال: فمرَّ به فنظر إليه مُسَجَّىً، فجاء فجلس فألبسه أحمد بن أبي دؤاد الطويلة وعممه وقبَّله بين عينيه، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. ثم غُسِّلَ الواثق وصُلِّيَ عليه ودفن، ثم صاروا من فورهم إلى دار العامة ولم يكن لُقَّبَ المتوكل. وذكر أنه كان يوم بويع له ابن ست وعشرين سنة، ووضع العطاء للجند لثمانية أشهر، وكان الذي كتب البيعة له محمد بن عبد الملك الزيات، وهوإذ ذاك على ديوان الرسائل واجتمعوا بعد ذلك على اختيار لقب له، فقال ابن الزيات: نسميه المنتصر بالله وخاض الناس فيها حتى لم يشكوا فيها، فلما كان غداة يوم بَكَّرَ أحمد بن أبي دؤاد إلى المتوكل فقال: قد رَوِيتُ « وصلتُ اليه بعد رَوِيَّة » في لقب أرجوأن يكون موافقاً حسناً إن شاء الله وهو: المتوكل على الله. وأمر بإمضائه، وأحضر محمد بن عبد الملك فأمر بالكتاب بذلك إلى الناس فنفذت إليهم الكتب نسخة ذلك: بسم الله الرحمن الرحيم أَمَرَ، أبقاك الله، أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، أن يكون الرسم الذي يجرى به ذكره على أعواد منابره، وفى كتبه إلى قضاته وكتابه وعماله وأصحاب قضاته وكتابه وعماله وأصحاب دواوينه، وغيرهم من سائر من تجرى المكاتبة بينه وبينه: من عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين. فرأيك في العمل بذلك، وإعلامي بوصول كتابي إليك، موفقاً إن شاء الله.

وذُكر أنه لما أمر للأتراك برزق أربعة أشهر، وللجند والشاكرية ومن يجرى مجراهم من الهاشميين برزق ثمانية أشهر، أمر للمغاربة برزق ثلاثة أشهر، فأبوا

٢١

أن يقبضوا فأرسل إليهم من كان منكم مملوكاً فليمض إلى أحمد بن أبي دؤاد حتى يبيعه، ومن كان حراً صيرناه أسوة الجند، فرضوا بذلك، وتكلم وصيف فيهم « مع المتوكل » حتى رضيَ عنهم فأعطوا ثلاثة، ثم أجروا بعد ذلك مجرى الأتراك.

وبويع للمتوكل ساعة مات الواثق بيعة الخاصة، وبايعته العامة حين زالت الشمس من ذلك اليوم ».

وفي وفيات الأعيان « ٥ / ٩٩ » : « لما مات الواثق بالله أخ المتوكل، أشار محمد المذكور « الزيات » بتولية ولد الواثق، وأشار القاضي أحمد بن أبي دواد المذكور بتولية المتوكل وقام في ذلك وقعد حتى عممه بيده وألبسه البُرْدَة، وقبَّله بين عينيه ».

وقال الخطيب البغدادي في تاريخه « ٣ / ١٤٥ »: « كان بين محمد بن عبد الملك وبين أحمد بن أبي دؤاد عداوةٌ شديدةٌ، فلما وليَ المتوكل دارَ ابن أبي داود على محمد، وأغرى به المتوكل حتى قبض عليه وطالبه بالأموال ».

وقال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٣ »: « فلما كان في اليوم الثاني لقبه أحمد بن أبي داود المتوكل على الله ».

أقول: لكن روايتنا تدل على أنه كان يوجد صراع على الخلافة بعد الواثق، بين رئيس وزرائه ابن الزيات من جهة، وبين إيتاخ القائد التركي الذي ربى المتوكل ومعه القائد التركي وصيف، ومعهما القاضي ابن أبي دؤاد من جهة أخرى. وكان المتوكل في السجن فتمكن وصيف وابن دُؤاد من إخراجه، وعقدوا له البيعة ولقَّبَوه بالمتوكل!

٢٢

قال خيران الأسباطي: « قدمت على أبي الحسن « الإمام الهادي (ع) » المدينة فقال لي: ما خبر الواثق عندك؟ قلت: جعلت فداك خَلَّفْتُهُ في عافية، أنا من أقرب الناس عهداً به، عهدي به منذ عشرة أيام. قال فقال لي: إن أهل المدينة يقولون: إنه مات. فلما أن قال لي: الناس، علمت أنه هو. ثم قال لي: ما فعل جعفر « المتوكل »؟ قلت: تركته أسوأ الناس حالاً في السجن. قال فقال: أما إنه صاحب الأمر!

ما فعل ابن الزيات؟ قلت: جعلت فداك الناس معه، والأمر أمره. قال فقال: أما إنه شؤم عليه. قال: ثم سكت وقال لي: لابد أن تجري مقادير الله تعالى وأحكامه. يا خيران، مات الواثق وقد قعد المتوكل جعفر، وقد قتل ابن الزيات. فقلت: متى جعلت فداك؟ قال: بعد خروجك بستة أيام ». « الكافي: ١ / ٤٩٨ ».

وقد كتبنا فقرات عن ابن دؤاد في سيرة الإمام الهادي (ع)، وسنكتب عنه وعن القادة الأتراك، فقرات في هذه السيرة.

وكان لحضرة الخليفة ندماء مخانيث!

في الإكمال لابن ماكولا العجلي « ٦ / ٢٨ »: « وأما عَبَّادَة بفتح العين وتشديد الباء، فهوعبادة المخنث، كان ينادم المتوكل، له نوادر ومضاحيك ».

وفي تاريخ الذهبي « ١٨ / ٣٠٤ »: « قال البخاري: مات في شوال سنة خمسين ومئتين عَبَّادة المخنث ».

وفي كتاب الديارات « ١ / ٤٤ »: « قال المتوكل لعَبَّادة ذات يوم: دع التخنث حتى أزوجك. قال: أنت خليفة أودلَّالة؟ وقال له ابن حمدون: يا عبَّادة، لوحججتَ

٢٣

لاكتسبت أجراً ورآك الناس في مثل هذا الوجه المبارك. فقال: إسمعوا ويلكم إلى هذا العيار: يريد أن ينفيني من سامراء على جمل »!

وفي تذكرة ابن حمدون « ٣ / ١٦٤ »: « كان المتوكل على بِرْكة يصيد السمك، وعنده عبادة المخنث، فتحرك المتوكل فخرجت منه ريح، فقال لعبادة: أكتمها عليَّ فإنك إن ذكرتها ضربت عنقك! ودخل الفتح فقال: أي شئ صدتم اليوم؟ فقال له عبادة: ما صدنا شيئاً، والذي كان معنا أفلت »!

وفي العقد الفريد « ٦ / ٤٣٧ »: « كنا عند المتوكل يوماً وبين يديه عبادة المخنث، فأمر به فألقي في بعض البرك في الشتاء فابتل وكاد يموت برداً، قال: ثم أخرج من البركة وكسي وجعل في ناحية في المجلس، فقال له: يا عبادة كيف أنت وما حالك؟ قال: يا أمير المؤمنين جئت من الآخرة. فقال له: كيف تركت أخي الواثق؟ قال: لم أجُزْ بجهنم! فضحك المتوكل وأمر له بصلة ».

وفي تاريخ دمشق « ٢٦ / ٢٢٢ »: « كان لرجل على عبادة المخنث دينٌ، فكان يتردد إليه كل يوم فيقال ليس هو في البيت، فغلس عليه يوماً في الثلث الأخير فدق الباب، فقيل ليس هو هاهنا. فصاح الرجل واستغاث بالجيران، فلما اجتمعوا قال يا معشر الناس في الدنيا أحد ليس هو في بيته الساعة، فأشرف عليه عبادة من طاق له قال: نعم يا ابن الفاعلة هو ذا أنت ليس في بيتك الساعة ».

وفي جمع الجواهر للحصري « ١ / ٦٨ »: « كان المتوكل قد بسط من عبادة المخنث للدخول معه على كل حال، فدخل عليه وهونائم مع سوداء كان يحبها، فلما رآه

٢٤

أمرها أن تغطي وجهها. فقال: يا أمير المؤمنين ومن معك؟ قال: ويلك، وبلغ فضولك إلى هذا الموضع! ومدت الجارية رجلها فبانت سوداء. فقال: يا أمير المؤمنين تنام ورجلك في الخف!

فقال المتوكل: قم عليك لعنة الله، وضحك وأمر له بصلة، فأخذها وانصرف. وكان عبادة يشرب بين يديه ويترك في القدح فضلة، فقال: يا عبادة ما تدري ما يقول الناس؟ قال: وما هو؟ قال: يقولون إن شارب النبيذ إذا شرب وعبس وجهه وفضلت في القدح فضلة فإن إبليس يضرب قفاه، ويقول: إشرب فضلة ما استطبت. فمضت الأيام واصطبح المتوكل وعبادة حاضر، وشرب قدحاً كان في يديه وفضلت فضلة. فقال: يا أمير المؤمنين، جاءك الرجل!

وتجارى الجواري بحضرة المتوكل فسبقتهن جارية ممشوقة، فقال المتوكل لعبادة: إجْرِ معها حتى ننظر من يسبق صاحبه. فقال عبادة: إن سبقتها فما لي؟ قال: هي لك، وإن سَبَقَتْكَ صَفَعَتْكَ ».

وفي كتاب الديارات لأبي الحسن الشايستي « ١ / ٤٥ »: « خرج عَبَّادة يوماً في السحر إلى الحمام، فلقي غلاماً من أولاد الأتراك، فأعطاه عشرة دراهم وقال: إقطع أمر عمك! فبينا الغلام فوقه خلف الدرب، إذ أشرفت عجوز من غرفة لها فرأتهما فصاحت: اللصوص! فقال عبادة: يا عجوز السوء النَّقْبُ في إستي، صياحك أنت من أيش »!

٢٥

وفي جمع الجواهر للحصري « ١ / ١٢٩ »: « وركب المتوكل زُلالاً « قارباً » ومعه قَطَّاطة وعبَّادة المخنثان، وكان قطاطة طويلاً جداً فجعل يغني إلى أن هبت ريح »

وفي نثر الدرر « ٥ / ١٩٤ »: ركب يوماً زلالاً ومعه جماعة، فيهم كنيز المخنث! وسيأتي أن شاعر المتوكل ومستشاره علي بن جهم كان مخنثاً أيضاً!

وكان حضرة الخليفة خَمَّاراً يهوى الغلمان!

وقد شاع ذلك عنه وذاع، وروت المصادر أنه أراد أن إجبار الإمام الهادي (ع) على أن يشرب معه فامتنع، ووعظه بشعر فأبكاه!

وممن رواه الذهبي في تاريخه « ١٨ / ١٩٩ » قال: « كان قد سُعِيَ بأبي الحسن إلى المتوكل وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم، ومن نيته التوثب. فكَبَسَ بيته ليلاً، فوُجد في بيت عليه مِدْرَعَةُ صوف، متوجهٌ إلى ربه، يترنمُ بآيات، فأُخذ كهيئته إلى المتوكل وهويشرب، فأعظمه وأجلسه إلى جانبه وناوله الكأس، فقال: ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني منه، فأعفاه وقال: أنشدني شعراً، فأنشده:

باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرسهمْ

غُلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ

واستُنْزِلُوا بعد عِزٍّ عن مَعَاقِلهمْ

فأُودعُوا حُفَراً يا بِئسَ ما نَزلوا

ناداهُمُ صارخٌ من بعد ما قُبروا

أينَ الأسِرَّةُ والتيجانُ والحُلَلُ

أينَ الوجوهُ التي كانت مُنَعَّمَةً

من دونها تُضرُب الأستارُ والكِللُ

فأفصحَ القبرُ عنهمْ حين ساءلهمْ

تلكَ الوجوهُ عليها الدُّودُ يَقْتَتِل

قد طالَ ما أكلُوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكِلوا

٢٦

وطالما عَمروا دوراً لتحصنهمْ

ففارقوا الدورَ والأهلينَ وانتقلوا

وطالما كنزوا الأموالَ وادَّخروا

فخلَّفُوها على الأعداء وارتحلوا

أضحت مَنازِلُهم قَفْراً مُعَطَّلَةً

وساكِنُوهَا إلى الأجْدَاثِ قد رَحَلُوا »

لكن بكاء المتوكل من ذكر الموت وخوفه من الله تعالى كان آنياً، فقد بقي كل عمره يشرب ويسرف في الشرب، حتى قُتل وهوسكران!

قال نديمه علي بن الجهم: « كنت يوماً عند المتوكل وهويشرب ونحن بين يديه، فدفع إلى محبوبة تفاحة مغلَّفة فقبَّلتها، وانصرفت عن حضرته إلى الموضع الذي كانت تجلس فيه إذا شرب ». « الأغاني: ٢٢ / ٤٠٨ ».

وقال الثعالبي في ثمار القلوب « ١ / ١٥٥ »: « كان بنانُ وزَنَامُ مُطْرِبَيْ المتوكل، وكان كل منهما منقطع القرين فى طبقته، فإذا اجتمعا على الضرب والزمر أحسنا وفَتَنَا وأعْجَبَا وعَجَّبا، وكان المتوكل لا يشرب إلا على سماعهما ».

وقال ابن كثير الناصبي في النهاية « ١٠ / ٣٤٣ »: « شرب ليلةً مع المتوكل، فعربد عليه المتوكل فهمَّ إيتاخ بقتله، فلما كان الصباح اعتذر المتوكل إليه وقال له: أنت أبي وأنت ربيتني، ودسَّ اليه من يشير إليه بأن يستأذن للحج ».

وروى الشابستي في الديارات خبر مجالس خمر كثيرة للمتوكل، قال « ١ / ٣٧ »: « اجتمع مشايخ الكتاب بين يدي المتوكل، وكان فيهم يحيى بن خاقان، وابنه عبيد الله إذ ذاك الوزير، وهوواقف موقف الخدم بقباء ومنطقة، وكان يحيى لايشرب النبيذ فقال المتوكل لعبيد الله: خذ قدحاً من تلك الأقداح واصبب فيه نبيذاً وصيَّر على

٢٧

كتفك منديلاً، وامض إلى أبيك يحيى فضعه في كفه. قال ففعل، فرفع يحيى رأسه إلى ابنه فقال المتوكل: يا يحيى لاترده. قال: لا يا أمير المؤمنين، ثم شربه وقال: قد جَلَّتْ نعمتك عندنا يا أمير المؤمنين فهنأك الله النعمة ولاسلبنا ما أنعم به علينا منك. فقال: يا يحيى، إنما أردت أن يخدمك وزير بين يدي خليفة ».

وفي تاريخ بغداد « ١٣ / ٤٥٤ »: « حدثني أبوالعباس بن طومار قال: كنتُ أنادمُ المتوكل فكنت عنده يوماً ومعنا البحتري وكان بين يديه غلام حسن الوجه يقال له راحْ. فقال المتوكل للفتح: يا فتح إن البحتري يعشق راحاً، فنظر إليه الفتح وأدمن النظر، فلم يره ينظر إليه، فقال له الفتح: يا أمير المؤمنين أرى البحتري في شغل عنه، فقال: ذاك دليلي عليه، ثم قال المتوكل: يا راح خذ رطل بلور فاملأه شراباً وادفعه إليه، ففعل ».

وفي ديوان الصبابة « ١ / ٢١ »: « كان للمتوكل غلامٌ إسمه شفيع، وكان من أحسن الفتيان، فكان المتوكل يجن به جنوناً، فأحب يوماً أن ينادم حسين بن الضحاك وأن يرى ما بقي من شهوته، وكان قد أسن فأحضره فسقاه حتى سكر، وقال لشفيع: إسقه فسقاه وحياه بوردة، وكانت على شفيع ثياب موردة، فمد حسين يده إلى ذراع شفيع فقال المتوكل: أتخمش أخمص قدمي بحضرتي، فكيف لوخلوت به، ما أحوجك إلى الأدب. وكان المتوكل قد غمز شفيعاً على العبث به فدعا بدواة فكتب ».

٢٨

وفي جمع الجواهر للحصري « ١ / ١١٤ »: « شرب ابن حمدون النديم مع المتوكل وبحضرته غلامٌ مليح الوجه، فتأمله ابن حمدون تأملاً شديداً، وقد حمل الشراب إليه. فقال المتوكل: يا ابن حمدون، ما الحكم في الرجل إذا نظر إلى غلامِ فتى؟ قال: أن تقطع أذنه. قال: ليُحكم عليك بحكمك ».

أقول: يقصد المتوكل أن غلامه كزوجته، والناظر اليه ناظر الى عرضه! فاعجب لمن يدعي أنه خليفة النبي (ص) ويتجاهر بالفاحشة، ويطبق شرائع الجاهلية في الغلمان!

وكان لحضرة الخليفة أربعة آلاف جارية!

١. قال السيوطي في تاريخ الخلفاء / ٣٧٧: « وكان منهمكاً في اللذات والشراب، وكان له أربعة آلاف سرية، ووطأ الجميع »!

وقال الوائلي في فقه الجنس / ٢٣٩: « الخليفة جعفر المتوكل ـ محيي السنة ومميت البدعة ـ كان له أربعة آلاف سرية، وإنه كما يقولون وطأ الجميع، وهو أمر لو أردنا تصديقه وقلنا إنه يقوى على الوطأ مرتين في اليوم، فلا يلحق الجارية إلا حصة واحدة كل خمس سنوات أو أكثر!

وليت شعري كيف يتسع وقت الخليفة المتوكل بالإضافة إلى مهام الخلافة، وسهره المتواصل ليلاً يَعُبُّ الخمر حتى الصباح، وكان سكيراً شديد السكر!يقول عنه المؤرخون: كان يبغض علياً (ع) وينتقصه ويغلو في بغض علي ويكثر الوقيعة والإستخفاف به ولي سؤال واحد في نهاية هذه الخاطرة: لو أن المتوكل كان يبغض عمر بن الخطاب ويشتمه، فهل سيبقى محيي السنة ومميت البدعة؟!

٢٩

إن هذا العدد من الجواري والمحظيات ترك في تاريخنا صوراً مشوهةً، وعكسَنَا أمام الناس بأننا جنسٌ متجسد، وسعارُ نهمٍ لا حدود لاستشرائه، فما جاء الإسلام ليحيل الدنيا إلى حمئة من الجنس يغرق فيها الإنسان ويجمع من الجواري ما لايستطيع تغطية حاجاته من النكاح، وبالتالي يوفر له سبل الإنحراف »!

٢. وفي نهاية الإرب « ٥ / ١١٢ »: « وقال علي بن الجهم: كانت محبوبةُ لعبد الله بن طاهر، أهداها إلى المتوكل في جملة أربع مائة جارية، وكانت بارعة الحسن والظَّرف والأدب، مغنيةً محسنةً، فحظيت عند المتوكل حتى كان يجلسها خلف الستارة وراء ظهره، إذا جلس للشرب، فيدخل رأسه إليها فيراها ويحدثها في كل ساعة ».

وفي مروج الذهب « ٤ / ٤٢ »: « لما أفضت الخلافة الى أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله، أهدى اليه الناس على أقدارهم، وأهدى اليه ابن طاهر هدية فيها مائتا وصيفة ووصيف، وفي الهدية جارية يقال لها محبوبة كانت لرجل من أهل الطائف، قد أدبها وثقفها وعلمها من صنوف العلم، وكانت تقول الشعر وتلحنه وتغني به على العود، وكانت تحسن كل ما يحسنه علماء الناس، فحسن موقعها من المتوكل، وحلت من قلبه محلاً جليلاً، لم يكن أحد يعدلها عنده.

قال علي « بن الجهم نديمه »: فدخلت عليه يوماً للمنادمة، فلما استقر بي المجلس قام فدخل بعض المقاصير، ثم خرج وهو يضحك، فقال لي: ويلك يا علي، دخلت

٣٠

فرأيت قيْنةً قد كتبت في خدها بالمسك جعفراً فما رأيت أحسن منه، فقل فيه شيئاً، فقلت: يا سيدي، وحدي أو أنا ومحبوبة ».

٣. وفي مطالع البدور للبهائي الدمشقي « ١ / ٢١٥ »: « ومن ظرائف الهدايا ما أهدته شجرة الدر جارية المتوكل، وكان يميل إليها ميلاً كبيراً، ويفضلها على سائر حظاياه، فلما كان يوم المهرجان أهدى إليه حظاياه هدايا نفيسة، واحتفلن في ذلك، فجاءت شجرة الدر بعشرين غزالاً تربيةً، عليهن عشرون سراجاً صينياً على كل غزال خرج صغير مشبك حرير، فيه المسك والعنبر والغالية، وأصناف الطيب، ومع كل غزال وصيفة بمنطقة ذهب، وفي يدها قضيب ذهب، وفي رأسه جوهرة، فقال المتوكل لحظاياه وقد سر بالهدية: ما فيكن من تحسن مثل هذا وتقدر عليه! فحسدنها وعملن على قتلها بشئ سقينه لها، فماتت »!

٤. وفي مسالك الأبصار للعدوي العمري « ١٠ / ٤٦٨ »: « بنان: جارية المتوكل وكانت تخجل القمر بصفحتها، والغزال بلمحتها، والقضيب المتأود بقدها، والتفاح الجني بخدها، وتغير القلائد بنظمها الذي لا يحليه إلا مبسمها، ولا يضاهيه إلا الثريا لمن يتوسمها، لا تجئ عريبٌ لها بإصبع من بنان، ولا دنانيرُ إلا مما لا يُدخر للإمتنان، ولا سابقة تلحق إلا وهي معها في طيِّ عنان ».

٥. وفي نهاية الأرب « ٤ / ١٨ »: « قال المتوكل لجارية استعرضها: أنت بكر أم إيش؟ قالت: أنا إيش يا أمير المؤمنين. فضحك وابتاعها ».

٣١

٦. وفي نثر الدر للآبى « ٤ / ١٨٦ »: « عرضت على المتوكل جارية فقال لها: إيش تحسنين؟ قالت: عشرين لوناً رهزاً. فأعجبته فاشتراها ».

٧. وفي منتخب ربيع الأبرار للأماسي / ٩٩: « طلب المتوكل جارية الدقاق بالمدينة، [ وكان من أقران الجنيد ومن أكابر مصر ] فكاد يزول عقله لفرط حبها! فقالت لمولاها: أحسن الظن بالله وبي، فإني كفيلة لك بما تحب. فحملت اليه، فقال لها المتوكل: إقرئي، فقرأت: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة! ففهم المتوكل ما أرادت فردها ».

٨. وفي الجماهر للبيروني « ١ / ٦ »: « حُكِيَ عن المتوكل أن أعضاؤه ضعفت عن حركات الرهز، ولم يشبع من الجماع، فملئ له حوض من الزئبق، وبُسط عليه النطع ليحركه الزئبق من غير أن يتحرك، فاستلذه. وسأل عن معدنه فأشير إلى الشيز بآذربيجان، فولى حمدون النديم ثَمَّ، ليجهز إليه الزئبق »!

عنده آلاف الجواري واغتصب بنت رئيس وزرائه!

روى الجاحظ في المحاسن / ١١٨، والتنوخي في نشوار المحاضرة « ٦ / ٣٢٣ » قصةً تدل على فسق المتوكل وتجبره،حيث أمر وزيره الرخجي في الليل أن يأتيه بابنته! قالا:

« وُصِفت للمتوكل عائشة بنت عمر بن فرج الرخجي، فوجه في جوف الليل والسماء تهطل، إلى عمر أن احمل إليَّ عائشة، فسأله أن يصفح عنها فإنها القيمة بأمره، فأبى! فانصرف عمر وهويقول: اللهم قني شرعبدك جعفر، ثم حملها بالليل فوطأها، ثم ردها إلى منزل أبيها ».

٣٢

دخل جِنِّيٌ في جارية المتوكل فأخرجه ابن حنبل بالقبقاب!

روى أبو يعلى في طبقات الحنابلة « ١ / ٢٣٣ »: « حدثني أبي عن جدي قال: كنت في مسجد أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، فأنفذ إليه المتوكل بصاحب له يعلمه أن له جارية بها صَرَعٌ، وسأله أن يدعوالله لها بالعافية، فأخرج له أحمد نعل خشب بشراك خوص للوضوء، فدفعه إلى صاحب له وقال له: تمضي إلى دار أمير المؤمنين وتجلس عند رأس الجارية وتقول له: يقول لك أحمد: أيما أحب إليك تخرج من هذه الجارية أوأصفع الآخر بهذه النعل! فمضى إليه وقال له مثل ما قال أحمد، فقال المارد على لسان الجارية: السمع والطاعة، لو أمرنا أحمد أن لا نقيم في العراق ما أقمنا به! إنه أطاع الله، ومن أطاع الله أطاعه كل شئ، وخرج من الجارية وهدأت، وزوجت ورزقت أولاداً.

فلما مات أحمد عاودها المارد، فأنفذ المتوكل إلى صاحبه أبي بكر المروذي وعرفه الحال، فأخذ المروذي النعل ومضى إلى الجارية فكلمه العفريت على لسانها: لا أخرج من هذه الجارية ولا أطيعك ولا أقبل منك، أحمد بن حنبل أطاع الله فأُمرنا بطاعته »!

أقول: المروزي المذكور أقرب تلاميذ أحمد، وهوإمام عندهم، لكن قبقابه لم يعمل!

وفي شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي « ٢ / ١١٥ »: « وروى علي بن الجهم قال: لما أفضت الخلافة إلى المتوكل أهدى له الناس على أقدارهم فأهدى له محمد بن عبد الله بن طاهر ثلاث مائة جارية من أصناف الجواري، وكان فيهن جارية يقال لها

٣٣

محبوبة، وقد نشأت بالطائف فوقعت من قلب المتوكل موقعاً عظيماً وحلت من نفسه محلاً جسيماً، وكانت تسامره ولا تفارقه، فغاضبها يوماً وأمرها بلزوم مقصورتها، وأمر أن لا يدخل الجواري عليها.

قال علي بن الجهم: فبينا أنا عنده جالسٌ يوماً إذ قال لي: يا علي رأيت البارحة كأنني صالحتُ محبوبة! فقلت: أقر الله عينيك وجعله حقيقة في اليقظة.

وإنا لفي ذلك إذ أقبلت وصيفة كانت تقف على رأسه فقالت: يا أمير المؤمنين سمعت الساعة في منزل محبوبة غناءً، فقال لي: يا علي قم بنا الساعة، فإنا سنرد على بوادر ظريفة، فأخذ بيدي وجعلنا نمشي رويداً لئلا يُسْمَعَ حِسُّنَا، فوقف على باب المقصورة، وإذا بها تضرب بالعود وتغني:

أدورُ في القصر لا أرى أحداً

أشكو إليه ولا يكلمني

حتى كأني جنيتُ معصيةً

ليست لها توبةٌ تُخلصني

فهل شفيعٌ لنا إلى ملكٍ

قد زارني في الكرى وصالحني

حتى إذا ما الصباح لاحَ لنا

عاد إلى هَجْره فصارمني

فنفر المتوكل طرباً ونفرتُ معه لنفيره، فأحسَّت بنا فخرجت حافية، ثم أكبَّت على رجلي أمير المؤمنين ويديه ورأسه، ثم قالت: يا أمير المؤمنين رأيت البارحة في النوم كأني قد صالحتك! فقال لها: وأنا والله رأيت مثل ذلك.

٣٤

قالت: فإن رأى أمير المؤمنين أن يتمم المنة فهو المنعم على كل حال. فقال: أدخلي فإنا سنرد على ما نحب. قال: فمكثنا ثلاثة أيام ونحن كأننا في بعض رياض الجنة، ووصلني بعد ذلك ببدرة، فأخذتها وانصرفت »!

وكان حضرة الخليفة مسرفاً مبذراً لأموال المسلمين

قال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٤٠ »: « وقد قيل: إنه لم تكن النفقات في عصر من الأعصار ولا وقت من الأوقات، مثلَها في أيام المتوكل!

ويقال: إنه أنفق على الهاروني والجوسق الجعفري أكثر من مائة ألف ألف درهم، هذا مع كثرة الموالي والجند والشاكرية، ودُور العطاء لهم، وجليل ما كانوا يقبضونه في كل شهر، من الجوائز والهبات ».

وفي كتاب الديارات « ١ / ٣٨ »: « القادسية، من أحسن المواضع وأنزهها، وهي من معادن الشراب ومناخات المتطربين. جامعة لما يطلب أهل البطالة والخسارة.

وبالقادسية بنى المتوكل قصره المعروف بِبُرْكَوَار، ولما فرغ من بنائه وهبه لابنه المعتز وجعل إعذاره « ختانه » فيه، وكان من أحسن أبنية المتوكل وأجلها، وبلغت النفقة عليه عشرين ألف ألف درهم.

قال: ولما صح عزمه على إعذار « ختان » أبي عبد الله المعتز، أمر الفتح بن خاقان بالتأهب له، وأن يلتمس في خزائن الفرش بساطاً للإيوان في عرضه وطوله، وكان طوله مائة ذراع وعرضه خمسون ذراعاً، فلم يوجد إلا فيما قبض عن بني أمية، فإنه وجد في أمتعة هشام بن عبد الملك على طول الإيوان وعرضه، وكان

٣٥

بساطاً إبريسماً غَرْزٌ مُذَهَّبٌ مفروز مبطَّن، فلما رآه المتوكل أعجب به وأراد أن يعرف قيمته، فجمع عليه التجار فذكر أنه قُوَّم على أوسط القيم عشرة آلاف دينار. فبسط في الإيوان وبسط للخليفة في صدر الإيوان سرير، ومُدَّ بين يديه أربعة آلاف مرفع ذهب مرصعة بالجوهر، فيها تماثيل العنبر والنِّد والكافور المعمول على مثل الصور، منها ما هومرصع بالجوهر مفرداً، ومنها ما عليه ذهب وجوهر، وجعلت بساطاً ممدوداً، وتغدى المتوكل والناس.

وجلس على السرير، وأحضر الأمراء والقواد والندماء وأصحاب المراتب، فأجلسوا على مراتبهم، وجعل بين صوانيهم والسماط فُرْجة.

وجاء الفراشون بزُبُل « جمع زنبيل » قد غُشِّيت بأدَم مملوءة دنانير ودراهم نصفين، فصبت في تلك الفرج حتى ارتفعت، وقام الغلمان فوقها، وأمروا الناس عن الخليفة بالشرب، وأن يَتَنَقَّلَ « من النُّقْل وهوما يؤكل مع الخمر » كل من يشرب بثلاث حفنات، ما حملت يداه من ذلك المال. فكان إذ أثقل الواحد منهم ما اجتمع في كمه أخرجه إلى غلمانه فدفعه إليهم وعاد إلى مجلسه، وكلما فرغ موضع أتى الفراشون بما يملؤونه به حتى يعود إلى حاله.

وخلع على سائر من حضر ثلاث خلع كل واحد، وأقاموا إلى أن صليت العصر والمغرب، وحملوا عند انصرافهم على الأفراس والشهاري « البغال ».

وأعتق المتوكل عن المعتز ألف عبد، وأمر لكل واحد منهم بمائة درهم وثلاثة أثواب. وكان في صحن الدار بين يدي الإيوان أربع مائة بلية « بالة » عليهن أنواع

٣٦

الثياب، وبين يديهن ألف نبيجة « صينية » خيزران، فيها أنواع الفواكه من الأترج والنارنج على قلته كان في ذلك الوقت، والتفاح الشامي والليموه، وخمسة آلاف باقة نرجس، وعشرة آلاف باقة بنفسج.

وتقدم إلى الفتح بأن ينثر على البليات وخدم الدار والحاشية، ما كان أعده لهم وهوعشرون ألف ألف درهم، فلم يُقدم أحد على التقاط شئ، فأخذ الفتح درهماً، فأكبت الجماعة على المال فنهب.

وكانت قبيحة « أم المعتز » قد تقدمت بأن تُضرب دراهم عليها: بركةٌ من الله، لإعذار أبي عبد الله المعتز بالله. فضرب لها ألف ألف درهم، نُثرت على المزين ومن في حيزه والغلمان والشاكرية وقهارمة الدار والخدم الخاصة، من البيضان والسودان. وكان ممن حضر المجلس ذلك اليوم، محمد المنتصر وأبو أحمد وأبوسليمان ابنا الرشيد، وأحمد والعباس ابنا المعتصم، وموسى بن المأمون، وابنا حمدون النديم وأحمد بن أبي رؤيم، والحسين بن الضحاك، وعلي بن الجهم، وعلي بن يحيى المنجم، وأخوه أحمد.

ومن المغنين: عمروبن بانة، أحمد بن أبي العلاء، ابن الحفصي، ابن المكي، سلمك الرازي، عثعث، سليمان الطبال، المسدود، أبوحشيشة، ابن القصار، صالح الدفاف، زنام الزامر، تفاح الزامر.

ومن المغنيات: عريب، بدعة جاريتها، سراب، شارية وجواريها، ندمان، منعم، نجلة، تركية، فريدة، عرفان.

٣٧

وقال إبراهيم بن العباس: سألت أبا حرملة المزين في هذا اليوم، فقلت: كم حصل لك إلى أن وضع الطعام؟ فقال: نيف وثمانون ألف دينار، سوى الصياغات والخواتيم والجواهر العتيدات.

قال: وأقام المتوكل ببركوارا ثلاثة أيام، ثم أصعد إلى قصره الجعفري. وتقدم بإحضار إبراهيم بن العباس، وأمره أن يعمل له عملاً بما أنفق في هذا الإعذار ويعرضه عليه ففعل ذلك، فاشتمل العمل على ستة وثمانين ألف ألف درهم.

وكان الناس يستكثرون ما أنفقه الحسن بن سهل في عرس ابنته بوران، حتى أرخ ذلك في الكتب، وسميت دعوة الإسلام، ثم أتى من دعوة المتوكل ما أنسى ذلك. وكانت الدعوات المشهورة في الإسلام ثلاثاً لم يكن مثلها، فمنها: دعوة المعتز هذه المذكورة، ومنها عرس زبيدة بن جعفر بن أبي جعفر، فإن المهدي، زوج ابنه الرشيد بأم جعفر ابنة أخيه، فاستعد لها ما لم يستعد لامرأة قبلها من الآلة وصناديق الجوهر والحلي والتيجان والأكاليل وقباب الفضة والذهب والطيب والكسوة ولم يُرَ في الإسلام مثلها، وحشر الناس من الآفاق، وفُرق فيهم من الأموال أمر عظيم. فكانت الدنانير تجعل في جامات فضة، والدراهم في جامعات ذهب، ونوافج المسك وجماجم العنبر والغالية في بواطي زجاج، ويفرق ذلك على الناس، ويخلع عليهم خلع الوشي المنسوجة، وأوقد بين يديه في تلك الليلة شمع العنبر في أتوار الذهب. وأحضر ـ نساء بني

٣٨

هاشم، وكان يدفع إلى كل واحدة منهن كيس فيه دنانير وكيس فيه دراهم وصينية كبيرة وفضة فيها طيب، ويخلع عليها خلعة وشي مثقل.

وبلغت النفقة في هذا العرس من بيت مال الخاصة، سوى ما أنفقه الرشيد من ماله، خمسين ألف ألف درهم ...

ومنها عُرْسُ المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل، بفم الصلح « قرب واسط ». وكانت النفقة عليه أمراً عظيماً. وسأل المأمون زبيدة عن تقدير النفقة في العرس، فقالت: ما بين خمسة وثلاثين ألف ألف إلى سبعة وثلاثين ألف ألف.

ذكر ابن خرداذبه: أن المتوكل، أنفق على الأبنية التي بناها، وهي: بركوارا، والشاه، والعروس، والبركة، والجوسق، والمختار، والجعفري، والغريب، والبديع، والصبيح، والمليح، والسندان، والقصر، والجامع، والقلاية، والبرج، وقصر المتوكلية، والبهو، واللؤلؤة: مائتي ألف ألف وأربعة وسبعين ألف ألف درهم. ومن العين مائة ألف ألف دينار.

تكون قيمة الورق عيناً بصرف الوقت مع ما فيه من العين ثلاثة عشر ألف ألف دينار، وخمس مائة ألف دينار، وخمسة وعشرين ألف دينار.

قال: شرب المتوكل يوماً في بركوارا، فقال لندمائه: أرأيتم إن لم يكن أيام الورد لا نعمل نحن شاذكلاه « فارسية بمعنى: طربوش الفرح » قالوا: يا أمير المؤمنين، لا يكون الشاذكلاه إلا بالورد. فقال: بلى. أدعوا لي عبيد الله بن يحيى، فحضر فقال: تقدم بأن تضرب لي دراهم، في كل درهم حبتان. قال: كم المقدار يا أمير

٣٩

المؤمنين؟ قال: خمسة آلاف ألف درهم. فتقدم عبيد الله في ضربها فضربت، وعرفه الخبر. فقال: إصبغ منها بالحمرة والصفرة والسواد، واترك بعضها على حاله. ففعل. ثم تقدم إلى الدم والحواشي، وكانوا سبع مائة، أن يعد كل واحد منهم قباءً جديداً وقلنسوةً على خلاف لون قباء الآخر وقلنسوته، ففعلوا.

ثم عمد إلى يوم تحركت فيه الريح، فنصبت له قبة لها أربعون باباً، فاصطبح فيها، والندماء حوله. ولبس الخدم الكسوة التي أعدها، وأمر بنثر الدراهم كما ينثر الورد. فنثرت أولاً أولاً، فكانت الريح تحمل الدراهم فتقف بين السماء والأرض كما يقف الورد. فكان من أحسن أيام المتوكل وأظرفه.

وكان البرج من أحسن أبنيته، فجعل فيه صوراً عظاماً من الذهب والفضة، وبركة عظيمة جعل فرشها ظاهرها وباطنها صفائح الفضة، وجعل عليها شجرة ذهب، فيها كل طائر يصوت ويصفر، مكللة بالجوهر، وسماها طوبى. وعمل له سرير من الذهب كبير، عليه صورتا سَبْعَيْن عظيمين، ودرج عليها صور السباع والنسور وغير ذلك، على ما يوصف به سرير سليمان بن داود (ع). وجعل حيطان القصر من داخل وخارج ملبسة بالفسيفساء والرخام المذهب. فبلغت النفقة على هذا القصر ألف ألف وسبعمائة ألف دينار.

وجلس فيه على السرير الذهب، وعليه ثياب الوشي المثقلة، وأمر ألا يدخل عليه أحد إلا في ثياب وشي منسوجة، أوديباج ظاهرة.

٤٠

وكان جلوسه فيه في سنة تسع وثلاثين ومائتين، ثم دعا بالطعام وحضر الندماء وسائر المغنين والملهين، وأكل الناس. ورام النوم فما تهيأ له، فقال له الفتح: يا مولاي، ليس هذا يوم نوم، فجلس للشرب. فما كان الليل رامَ النوم، فما أمكنه فدعا بدهن بنفسج، فجعل منه شيئاً على رأسه وتنشقه فلم ينفعه.

فمكث ثلاثة أيام بلياليها لم ينم، ثم حُمَّ حُمَّى حَادَّة، فانتقل إلى الهاروني قصر أخيه الواثق، فأقام به ستة أشهر عليلاً، وأمر بهدم البرج ».

ما قيمة الخلافة إذا كان الخليفة مُنْحَطاً!

عملت الحكومات على نسج هالة كاذبة على شخصية الخليفة، واخترعت له صفات ومناقب، لتتناسب شخصيته مع لقبه الرسمي: خليفة رسول الله (ص).

بل جعلوه خليفة الله تعالى، وفضلوه على رسول الله (ص)! فقد سمى معاوية نفسه « خليفة الله » وقال: « الأرض لله وأنا خليفة الله، فما أخذت من مال الله فهولي، وما تركت منه كان جائزاً لي! فقال صعصعة:

تُمَنِّيكَ نفسُكَ ما لا يكونُ

جهلاً معاويَ لا تأثمِ ».

« مروج الذهب: 3 / 52، وجمهرة خطب العرب: 1 / 445 ».

وفي أنساب الأشراف للبلاذري / 1109: « فقال صعصعة بن صوحان: ما أنت وأقصى الأمة في ذلك إلا سواء، ولكن من ملك استأثر! فغضب معاوية وقال: لهممتُ! قال صعصعة: ما كل من هَمَّ فعل! قال: ومن يَحُولُ بيني وبين ذلك؟! قال: الذي يحول بين المرء وقلبه، وخرج »!

٤١

وفَضَّلَ علماء البلاط والرواة الخليفة الأموي على الرسول الهاشمي (ص)!

ففي سنن أبي داود « 2 / 400 »: « عن الربيع بن خالد الضبي قال: سمعت الحجاج يخطب فقال في خطبته: رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه، أم خليفته في أهله؟ فقلت في نفسي: لله عليَّ ألا أصلي خلفك صلاة أبداً وإن وجدت قوماً يجاهدونك لأجاهدنك معهم »! « والنهاية: 9 / 151، وتاريخ دمشق: 12 / 158 ».

وقال ابن حزم في الإحكام « 4 / 581 »: « أوَليس ابن عباس يقول: أما تخافون أن يخسف الله بكم الأرض! أقول لكم قال رسول الله (ص)، وتقولون: قال أبو بكر وعمر! وكان إسحاق بن راهويه يقول: من صح عنده حديث عن النبي (ص) ثم خالفه يعني باعتقاده، فهوكافر ».

أقول: المتوكل نموذجٌ للحاكم القرشي الذين عظَّموه وضخَّموه! وقد كان متجاهراً بالفحشاء، غارقاً في الدُّون من قرنه الى قدمه، ومن أصله الى فصله.

كانت عقيدة المتوكل وسياسته مضادةً لآبائه!

كان الخلفاء العباسيون الى الواثق مُنَزِّهِين لله تعالى، يرفضون أفكار التجسيم وأحاديثه الموضوعة. ومنها مقولة أن القرآن قديمٌ لأنه كلام الله تعالى وجزءٌ منه!

فقد أجاب المنزهة على هذه المقولة بأن الله تعالى وجودٌ غير مركب، والقرآن كلامه المخلوقٌ، وكل شئ ما عداه عز وجل فهومخلوق.

وأمر المأمون بتأديب من يقول بقدم القرآن لأنه يجعله إلهاً مع الله تعالى!

٤٢

ونهى أن يعطى منصباً في الدولة. وتابع المعتصم سياسة أخيه المأمون، فكان يمتحن العلماء في القول بقدم القرآن. وواصل الواثق سياسة أبيه المعتصم.

لكن المتوكل خالفهم فجمع العلماء المشبِّهين والمجسمين، وشجعهم وأغدق عليهم، وقمع العلماء المنزهين وأهملهم!

من جهة أخرى، قامت حركة العباسيين والحسنيين على الدعوة الى الرضا من آل محمد (ص) أي بني هاشم، والبراءة من بني تَيْمٍ وعَدِيٍّ وأمية.

لكن المنصور بعد أن ثار عليه الحسنيون، أمر المحدثين والفقهاء والولاة أن لا يَرْوُوا شيئاً في فضائل علي (ع)، ولا شيئاً يطعن بأبي بكر وعمر، وأن يفضلوهما عليه، وأن يضيفوا مدح أبي بكر وعمر في خطبة الجمعة وقال: « والله لأرغمن أنفي وأنوفهم، وأرفع عليهم بني تيم وعدي ». « منهاج الكرامة / 69 ».

واستمرت سياسته حتى جاء المأمون، فأعلن فضائل علي وأبنائه (ع).

ولما جاء المتوكل خالف أسلافه المأمون والمعتصم والواثق، ورفع راية العداوة لعلي وأبنائه (ع)، واضطهدهم، وهدم قبر الحسين (ع) ومنع زيارته، ومنع زيارة قبر أمير المؤمنين (ع) في النجف الأشرف وقيل هدمه. ومنع زيارة قبر موسى بن جعفر (ع) في بغداد. وقَرَّبَ النواصب ودعمهم مادياً ومعنوياً.

٤٣

وَضَعَ المتوكل خطةً واسعة لنشر النُّصْب والتجسيم

فقد نفذ سياسةً متشددة لإحياء النصب الأموي والتجسيم، وقامت سياسته على تبني علماء النصب والتجسيم وإغداق المال والجوائز عليهم، وإعطائهم المناصب الكبيرة، ليؤثروا في ثقافة الناس.

وقام بتكوين حركة باسم أهل الحديث بقيادة الشاب ابن صاعد، وهي أشبه بميليشا مسلحة، تقوم بقمع الشيعة في بغداد!

ثم قام باختيار أحد العلماء الشَّيَبَة المعروفين، وهو أحمد بن حنبل، ليكون مرجعاً دينياً للدولة، وغطاءً شرعياً للمتوكل وأتباعه.

كما تَبَنَّي كُتب النصب والتجسيم وعممها على الناس، فقد تبنى مسند أحمد، ثم ارتضى أحمد صحيح محمد بن إسماعيل البخاري فصار الكتاب الرسمي للدولة!

كما قمعَ الأشعرية والمعتزلة، وحرم إعطاءهم المناصب، وضيَّق عليهم.

ثم تفنن في قمع الشيعة، ففرض الإقامة الجبرية على إمامهم الهادي (ع) في سامراء، وعمل لقتله.

واضطهد العلويين قاطبة وأفقرهم وشردهم وسجنهم. واضطهد شيعتهم، ومنعهم من زيارة المشاهد المشرفة لأئمتهم (ع)، خاصة زيارة قبر الحسين (ع) بكربلاء، وقبر أمير المؤمنين (ع) في النجف، وقبرالكاظم (ع) ببغداد، وضيق على جامع بُراثا، وهوالجامع المركزي للشيعة في بغداد.

٤٤

كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب (ع)

قال ابن الأثير في الكامل « 6 / 108 »: « وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهله بأخذ المال والدم! وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث، وكان يشد على بطنه تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه وهوأصلع، ويرقص بين يدي المتوكل، والمغنون يغنون:

قد أقبل الأصلع البدين، خليفة المسلمين، يحكي بذلك علياً!

والمتوكل يشرب ويضحك! ففعل ذلك يوماً والمنتصر حاضر، فأومأ إلى عبادة يتهدده فسكت خوفاً منه، فقال المتوكل ما حالك؟ فقام وأخبره، فقال المنتصر: يا أمير المؤمنين إن الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس هوابن عمك، وشيخ أهل بيتك وبه فخرك! فكل أنت لحمه إذا شئت، ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه! فقال المتوكل للمغنين: غنوا جميعاً:

غَارَ الفَتَى لابنِ عَمِّهْ

رأسُ الفَتى في حَرِ أمِّهْ »!

وقال النويري في نهاية الأرب « 22 / 282 »: « في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي رضي الله عنهما، وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأمر أن يسقى موضع قبره، وأن يمنع الناس من إتيانه، فنادى في الناس في تلك الناحية: من وجدناه عند قبره بعد ثالثة حبسناه في المِطبق « سجن مظلم تحت الأرض » فهرب الناس وتركوا زيارته، وحُرث وزُرع!

٤٥

وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ولأهل بيته، وكان يقصد من يتولى علياً وأهل بيته بأخذ المال والروح! وكان من جملة ندمائه عبَّادة المخنث، وكان أصلع فيشد تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه ويرقص والمغنون يغنون ».

وروى ذلك عمر بن الوردي في تاريخه « 1 / 216 »، وقال: « وكان يجالس من اشتهر ببغض علي، كابن الجهم الشاعر، وأبي السمط، وكان من أحسن الخلفاء سيرةً، ومنع القول بخلق القرآن، فغطى ذمه لعليٍّ على حسناته. قلت:

وكم قد مُحِي خيرٌ كما انمحتْ

ببغض علي سيرة المتوكل

تعمق في عدلٍ ولما جنى على

جناب عليٍّ حطه السيلُ من علِ »

ولا ندري ماذا رأى ابن الوردي من « عدالة » المتوكل! وقد روى بغضه لعلي (ع) عامة المؤرخين، فهوشهادةٌ متواترةٌ بأنه ناصبيٌّ منافق، وقد قال ابن حجر في فتح الباري « 1 / 60 »: « وقد ثبت في صحيح مسلم عن علي أن النبي (ص) قال له: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ».

وقال في فتح الباري « 7 / 57 »: « وفي الحديث تلميحٌ بقوله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ، فكأنه أشار إلى أن علياً تام الإتباع لرسول الله (ص) حتى اتصف بصفة محبة الله له، ولهذا كانت محبته علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق ». كما رووا أن من يبغض علياً (ع) لا يكون ابن أبيه! ففي الصحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري: قال رسول الله (ص): « بَوِّروا أولادكم بحب علي بن أبي طالب أي اختبروا طيب ولادتهم بحبه. وقال جابر: كنا نُبَوِّرُ أولادنا بحب علي ».

٤٦

« غريب الحديث لابن الجوزي: 1 / 90، والنهاية لابن الأثير: 1 / 161، ولسان العرب: 4 / 87، وتاج العروس: 10 / 257، وتهذيب اللغة: 15 / 191 ».

وروى المسعودي في مروج الذهب « 2 / 65 » قصة دُلف بن أبي دلف في بغض علي (ع) وقال: « وجمعتُ طرق الحديث: لاينتقصُ عليّاً أحد إلا كان لغير رَشْدَةٍ، الوارد فيها، فرواه من نيف وستين طريقاً ». وتاريخ بغداد: 12 / 418، وتاريخ دمشق: 49 / 150.

وقد روى ذلك عن أبي دلف ابن كثير، فقال في النهاية « 10 / 323 »: « وكان يقول: من لم يكن متغالياً في التشيع فهو ولد زنا. فقال له ابنه دلف: لستُ على مذهبك يا أبة. فقال: والله لقد وطأت أمك قبل أن أشتريها، فهذا من ذاك »!

وفي مناقب آل أبي طالب « 2 / 10 »: « عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أحمد قال: سمعت الشافعي يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: قال أنس بن مالك: ما كنا نعرف الرجل لغير أبيه إلا ببغض علي بن أبي طالب كان الرجل من بعد يوم خيبر يحمل ولده على عاتقه ثم يقف على طريق علي، فإذا نظر إليه أومى بإصبعه: يا بنيَّ تُحِبُّ هذا الرجل؟فإن قال نعم، قبله، وإن قال لا قال له: إلحق بأمك »!

وفي تاريخ دمشق « 42 / 287 »: « عن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه قال: كنا نُبَوِّرُ « نمتحن » أولادنا بحب علي بن أبي طالب، فإذا رأينا أحداً لا يحب علي بن أبي طالب، علمنا أنه ليس منا، وأنه لغير رَشْدَة ».

أقول: كفى بذلك حكماً من النبي (ص) بأصل المتوكل، الذي زعموا أنه خليفة رسول الله (ص)، ومحيي سنته، وجعلوه قطب أولياء الله المتقين، معاذ الله!

٤٧

قَرَّبَ المتوكل العلماء المجسمين والنواصب وأغدق عليهم

قال الخطيب البغدادي في تاريخه « 3 / 147 »: « عن محمد بن يحيى الصولي قال: في سنة أربع وثلاثين ومائتين، نهى المتوكل عن الكلام في القرآن، وأشخص الفقهاء والمحدثين إلى سر من رأى، منهم القاضي التيمي البصري، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وابنا أبي شيبة، ومصعب الزبيري ووصلهم ».

وقال في تاريخ بغداد « 10 / 67 »: « حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: سنة أربع وثلاثين ومائتين فيها أشخص المتوكل الفقهاء والمحدثين، فكان فيهم مصعب الزبيري، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، وعبد الله وعثمان ابنا محمد بن أبي شيبة الكوفيان، وهما من بني عبس، وكانا من حفاظ الناس، فقسمت بينهم الجوائز وأجريت عليهم الأرزاق، وأمرهم المتوكل أن يجلسوا للناس، وأن يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية، وأن يحدثوا بالأحاديث في الرؤية! فجلس عثمان بن محمد بن أبي شيبة في مدينة أبي جعفر المنصور، ووضع له منبر واجتمع عليه نحومن ثلاثين ألفاً من الناس. فأخبرني حامد بن العباس أنه كتب عن عثمان بن أبي شيبة. وجلس أبوبكر بن أبي شيبة في مسجد الرصافة، وكان أشد تقدماً من أخيه عثمان، واجتمع عليه نحومن ثلاثين ألفاً ».

وقال الذهبي في سيره « 12 / 34 »: « وفي سنة 234 ، أظهر المتوكل السنة، وزجر عن القول بخلق القرآن، وكتب بذلك إلى الأمصار، واستقدم المحدثين إلى سامراء، وأجزل صلاتهم، ورووا أحاديث الرؤية والصفات ».

٤٨

وفي كتاب العلل لأحمد بن حنبل « 1 / 80 »: « استقدم المتوكل المحدثين إلى سامراء وأجزل عطاياهم وأكرمهم، وأمرهم أن يحدثوا بأحاديث الصفات والرؤية! وتوفر دعاء الخلق للمتوكل، وبالغوا في الثناء عليه، والتعظيم له، حتى قال قائلهم: الخلفاء ثلاثة: أبوبكر الصديق في قتل أهل الردة، وعمر بن عبد العزيز في رد المظالم، والمتوكل في إحياء السنة وإماتة التجهم ».

وقال ابن تميم التميمي في المحن / 271: « ونفى كل بدعة، وانجلى عن الناس ما كانوا فيه من الذل وضيق المجالس، فصرف الله ذلك كله به، فكان يبعث إلى الآفاق فيؤتى إليه بالفقهاء والمحدثين، فخرَّج كل واحد منهم بثلاثين حديثاً في تثبيت القدر، وثلاثين حديثاً في الرؤية، وغير ذلك من السنن، فتعلمها الناس حتى كثرت السنن وفشَت ونمَت، وطُغيت البدعة وذلَّت ».

أقول: هذه النصوص صريحةٌ في أن لقب « محيي السنة » الذي أعطوه للمتوكل، معناه إحياء أحاديث التجسيم التي يسمونها أحاديث الصفات والرؤية، وإحياء البغض الأموي لأهل البيت (ع) ونصب العداوة لهم.

لاحظ قول الراوي: فخرَّج كل واحد منهم بثلاثين حديثاً في تثبيت القدر، وثلاثين حديثاً في الرؤية! فمن أين جاؤوا بها؟!

لعل أصلها حديثان، ثم نسجوا عليهما! قال الذهبي في سيره « 8 / 103 »: « قال ابن القاسم: سألت مالكاً عمن حدث بالحديث الذي قالوا: إن الله خلق آدم على صورته، والحديث الذي جاء: إن الله يكشف عن ساقه وأنه يدخل يده في جهنم

٤٩

حتى يخرج من أراد، فأنكر مالك ذلك إنكاراً شديداً ونهى أن يحدث بها أحد! فقيل له إن ناساً من أهل العلم يتحدثون به فقال: من هو؟ قيل ابن عجلان عن أبي الزناد، قال: لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ولم يكن عالماً وذكر أبا الزناد فقال: لم يزل عاملاً لهؤلاء حتى مات ».

ومعنى كلامه أن الراوي الأصلي لهذا الحديث أبو الزناد وهو متهم، لأنه كان عاملاً عند بني أمية، فهو موظف عندهم ينشر أحاديث التجسيم لكعب الأحبار وغيره من اليهود! وهو نص على أن الدولة الأموية تبنت تجسيم اليهود من القرن الأول ودسته في أحاديث النبي (ص) ووظفت رواة ينشرونه في المسلمين!

وكلُّ واحدٍ من الرواة والفقهاء الذين جمعهم المتوكل من البلدان، داعيةٌ من دعاة التجسيم والنصب! فمصعب الزبيري وابن أخيه الزبير بن بكار، مؤلفان معروفان بتعصبهما ونصبهما لأهل البيت (ع). وعثمان بن أبي شيبة صاحب المسند الذي أكثر فيه من أحاديث النصب والتجسيم الخ. وابن أبي الشوارب: أموي من بني العاص جعله المتوكل قاضي القضاة في سامراء وفي نفس الوقت قاضياً في بغداد، وهو أستاذ الشاب ابن صاعد الذي جعله المتوكل شيخ أهل الحديث في بغداد.

وهشام بن عمار الذي سموه محدث الشام، وعظَّمَهُ المتوكل، كان يبيع الحديث بالصفحة! ورووا عنه أحاديث التجسيم، ورووا عنه وقاحته، وسيأتي ذكره.

٥٠

أسس حزب أهل الحديث أو الصاعدية

أسس المتوكل مجموعة في بغداد من العوام الخشنين وسماهم: أهل الحديث، والمحدثين، وأهل السنة. وسماهم المسلمون: مجسمة الحنابلة، والنواصب.

وروى الذهبي سخرية البغوي الإمام المعروف، من إسم أهل الحديث، ومن رئيسهم ابن صاعد، فقال في سير أعلام النبلاء: « 14 / 449 »: « اجتاز أبوالقاسم البغوي بنهر طابَق على باب مسجد، فسمع صوت مُسْتَمْلٍ فقال: من هذا؟ فقالوا: ابنُ صاعد. قال: ذاك الصبي! قالوا: نعم. قال: والله لا أبرحُ حتى أُملي هاهنا! فصعد دكةً وجلس، ورآه أصحاب الحديث فقاموا وتركوا ابن صاعد. ثم قال: حدثنا أحمد بن حنبل قبل أن يولد المحدثون! وحدثنا طالوت قبل أن يولد المحدثون! وحدثنا أبونصر التمار فأملى ستة عشر حديثاً عن ستة عشر شيخاً، ما بقي من يروي عنهم سواه »!

يقول البغوي: أن هؤلاء الصبيان الذين سمَّوْهم المحدثين، إنما هم أحداث، لا علم عندهم، وقد جمعهم المتوكل حول أحمد بن حنبل، وجعله إماماً لهم!

ومعنى قوله: حدثنا أحمد بن حنبل قبل أن يولد المحدثون! أن الحديث والمحدثين كانوا قبل هذه الفئة الذين سموا أنفسهم أهل الحديث، وأحمد بن حنبل نفسه كان محدثاً، ولم يكن إمام فئة تسمى أهل الحديث.

فالمتوكل هوالذي حَنْبَلهم، وجعل ابن حنبل إماماً لهم، فصارالإمام أحمد.

٥١

والمتوكل هوالذي بَخَّرهم، فقد تبنى أحمد ومسنده، وتبنى أحمد البخاري، فصار كتابه الصحيح الرسمي مع مسند أحمد.

وابن صاعد الذي سخر منه البغوي هو: يحيى بن محمد بن صاعد. وهو غلامٌ عباسي معرق، فجده من غلمان أبي جعفر المنصور. « كتاب العرش لابن أبي شيبة / 26 ».

وتعرف طريقة تفكير ابن صاعد وحزبه المتطرف، من قصته مع الحافظ الإمام ابن عقدة، المشهود له عند جميع المسلمين!

ففي تاريخ بغداد « 5 / 221 »: « روى ابن صاعد ببغداد في أيامه حديثاً أخطأ في إسناده، فأنكر عليه ابن عقدة الحافظ، فخرج عليه أصحاب ابن صاعد وارتفعوا إلى الوزير علي بن عيسى، وحبس بن عقدة فقال الوزير: من يَسأل « ابن صاعد » ويَرجع إليه؟ فقال: ابن أبي حاتم، قال فكتب إليه الوزير يسأله عن ذلك فنظر وتأمل، فإذا الحديث على ما قال ابن عقدة، فكتب إليه بذلك، فأطلق ابن عقدة وارتفع شأنه.

سمعت بن الجعابي يقول: دخل ابن عقدة بغداد ثلاث دفعات، فسمع في الدفعة الأولى من إسماعيل القاضي ونحوه، ودخل الثانية في حياة ابن منيع وطلب مني شيئاً من حديث يحيى بن صاعد لينظر فيه، فجئت إلى ابن صاعد وسألته أن يدفع إليَّ شيئاً من حديثه لأحمله إلى ابن عقدة، فدفع إليَّ مسند علي بن أبي طالب فتعجبت من ذلك، وقلت في نفسي كيف دفع إلي هذا وابن عقدة أعرف الناس به مع اتساعه في حديث الكوفيين، وحملته إلى ابن عقدة فنظر فيه

٥٢

ثم رده عليَّ فقلت: أيها الشيخ هل فيه شئ يستغرب؟ فقال: نعم فيه حديث خطأ فقلت: أخبرني به، فقال: والله لا أعرفنك ذلك حتى أجاوز قنطرة الياسرية، وكان يخاف من أصحاب ابن صاعد!

فطالت عليَّ الأيام انتظاراً لوعده، فلما خرج إلى الكوفة سرت معه، فلما أردت مفارقته قلت: وعدك؟ قال: نعم، الحديث عن أبي سعيد الأشج، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة. ومتى سمع منه؟! وإنما ولد أبوسعيد في الليلة التي مات فيها يحيى بن زكريا بن أبي زائدة!

فودعته وجئت إلى ابن صاعد فقلت له: ولد أبوسعيد الأشج في الليلة التي مات فيها يحيى بن زكريا بن أبي زائدة! فقال: كذا يقولون، فقلت له: في كتابك حديث عن الأشج عنه، فما حاله؟فقال لي: عَرَّفك ذلك ابن عقدة؟ فقلت: نعم فقال: لأجعلن على كل شجرة من لحمه قطعةً!

ثم رجع يحيى إلى الأصول، فوجد الحديث عنده عن شيخ غير أبي سعيد، عن ابن أبي زائدة، وقد أخطأ في نقله، فجعله على الصواب ».

فقد كان ابن عقدة من كبار علماء الشيعة، وكان حفظه عجيباً، وقد خضع له المحدثون، وألَّف الذهبي في ترجمته كتاباً، وقال عنه في سيرأعلام النبلاء: « 15 / 340 »: « الحافظ العلامة، أحد أعلام الحديث، ونادرة الزمان، وصاحب التصانيف، وهوالمعروف بالحافظ ابن عقدة. وكَتب عنه ما لا يُحد ولا يُوصف من خلقٍ كثير بالكوفة وبغداد ومكة، وجمع التراجم والأبواب والمشيخة، وانتشر حديثه وبعد

٥٣

صيته ». وقال عنه في تذكرة الحفاظ « 3 / 389 »: « حافظ العصر، والمحدث البحر، أبوالعباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي. كان إليه المنتهى في قوة الحفظ، وكثرة الحديث، وصنَّف وجمع وألَّف، في الأبواب والتراجم ».

وكان ابن عقدة (رحمه الله) يسكن الكوفة، ويأتي الى بغداد ويحدث في مسجد براثا، فصحَّح خطأً لابن صاعد، فحرك ابن صاعد مجسمة الحنابلة، فألزموا حاكم بغداد بحبسه! ولا بد أن ابن عقدة أقنع الوزير أن يسأل أستاذ ابن صاعد عن المسألة، فسأله فظهر الحق مع ابن عقدة، فأطلقه وارتفعت مكانته.

ثم نقل عن الجعابي أنه جاء الى ابن عقدة ببعض أحاديث ابن صاعد، فوجد فيها خطأ، فطلب الجعابي أن يخبره به، فامتنع ابن عقدة لأن ذلك يحرك عليه ابن صاعد وسفهاءه، وقال له سأعطيك خطأه عندما أغادر بغداد الى الكوفة، وأصل الى قنطرة الياسرية، خارج بغداد!

ولما أخبر الجعابي ابن صاعد بخطئه الواضح، فبدل أن يشكره ويشكر ابن عقدة تأسف لأنه أفلت منه، ثم توعده بقوله: لأجعلن على كل شجرة من لحمه قطعةً ! وهذا يدل على طبيعة ابن صاعد العدوانية هو وجماعته، وأنهم أهل شر لا علم! فقد كانوا مجموعة متخصصة بالمشاكل، ولهم أدوار في مهاجمة مجالس الشيعة في بغداد خاصة في جامع براثا والكرخ، ثم في هدم قبر الحسين (ع).

٥٤

وقد تحولوا الى مذهب متطرف، وتسموا بالصاعدية! قال المقدسي في البدء والتاريخ « 5 / 149 »: « وأما الصاعدية فهم أصحاب ابن صاعد، يجيزون خروج أنبياء بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، لأنه روى: لا نبيَّ بعدي إلا ما شاء الله »!

الصاعدية أجداد الوهابية!

قال ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه « 1 / 104 »: « ورأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصلح، وانتدب للتصنيف ثلاثة: أبوعبد الله بن حامد، وصاحبه القاضي، وابن الزاغوني، فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب!

ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام فحمَلوا الصفات على مقتضى الحسّ، فسمعوا أن الله تعالى خلق آدم على صورته، فأثبتوا له صورةً ووجهاً زائداً على الذات، وعينين وفماً ولهوات، وأضراساً وأضواء لوجهه هي السبحات، ويديْن وأصابع وكفاً، وخنصراً وإبهاماً، وصدراً وفخذاً، وساقين ورجلين. وقالوا ما سمعنا بذكر الرأس. وقالوا يجوز أن يَمُسَّ ويُمَس، ويدني العبد من ذاته!

وقال بعضهم: ويتنفس! ثم يرضون العوام بقولهم لا كما يعقل، وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات فسموها بالصفات تسميةً مبتدعة، لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى، ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث، ولم يقنعوا بأن يقولوا صفة فعل، حتى قالوا صفة ذات.

ثم، لما أثبتوا أنها صفات ذات قالوا لا نحملها على توجيه اللغة، مثل يد على نعمة وقدرة، ومجئ وإتيان على معنى بر ولطف، وساق على شدة، بل قالوا نحملها على

٥٥

ظواهرها المتعارفة، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين، والشئ إنما يحمل على حقيقته، إذا أمكن.

ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم، ويقولون: نحن أهل السنة! وكلامهم صريح في التشبيه، وقد تبعهم خلقٌ من العوام!

فقد نصحت التابع والمتبوع فقلت لهم: يا أصحابنا أنتم أصحاب نقل، وإمامكم الأكبر أحمد بن حنبل يقول وهوتحت السياط: كيف أقول ما لم يُقل! فإياكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه.

ثم قلتم في الأحاديث: تحمل على ظاهرها، وظاهر القدم الجارحة، فإنه لما قيل في عيسى روح الله اعتقدت النصارى أن لله صفة هي روحٌ ولجت في مريم! ومن قال استوى بذاته فقد أجراه مجرى الحسيات!

وينبغي أن لا يهمل ما يثبت به الأصل وهوالعقل، فإنا به عرفنا الله تعالى وحكمنا له بالقدم، فلوأنكم قلتم نقرأ الأحاديث ونسكت، ما أنكر عليكم أحد إنما حملكم إياها على الظاهر قبيحٌ، فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه.

ولقد كسيتم هذا المذهب شيناً قبيحاً، حتى صار لا يقال حنبلي إلا مجسم!

ثم زينتم مذهبكم أيضاً بالعصبية ليزيد بن معاوية، ولقد علمتم أن صاحب المذهب أجاز لعنته، وقد كان أبومحمد التميمي يقول في بعض أئمتكم: لقد شان المذهب شيناً قبيحاً، لا يغسل إلى يوم القيامة »!

ويقصد بأئمتكم أبا يعلى الموصلي، قال أبو الفداء « 2 / 186 »: « وكان ابن التميمي الحنبلي يقول: لقد خريَ أبويعلي بن الفراء على الحنابلة خريةً لا يغسلها الماء »!

٥٦

أعطوا المتوكل لقب محي السنة، وقطب الظاهر والباطن!

ذكرت مرةً لأحد علماء الوهابية أن المتوكل كان ناصبياً يبغض علياً (ع) وكان خماراً، فاستنكر وقال: كلا، إنه عندنا محي السنة، ومذل النصارى والزنادقة!

وقال ابن كثير في النهاية « 10 / 387 »: « وكان المتوكل محبباً إلى رعيته، قائماً في نصرة أهل السنة، وقد شبهه بعضهم بالصدِّيق في قتله أهل الردة، لأنه نصر الحق ورده عليهم حتى رجعوا إلى الدين، وبعمر بن عبد العزيز حين رد مظالم بني أمية. وقد أظهر السنة بعد البدعة، وأخمد أهل البدع وبدعتهم بعد انتشارها واشتهارها فرحمه الله. وقد رآه بعضهم في المنام بعد موته وهوجالس في نور، قال فقلت: المتوكل؟ قال: المتوكل. قلت: فما فعل بك ربك؟ قال: غفر لي. قلت: بماذا؟ قال: بقليل من السنة أحييتها »!

وقد اشتهر لقبه محيي السنة وتفاخر به العوام المجسمة، وتقرب اليهم الصوفية فأعطاه ابن عربي أعلى لقب في التصوف والعرفان وهو: القطب الرباني والغوث!

قال في فتوحاته المكية: 2 / 6، وفي الطبعة الجديد: 11 / 275: « وقد يسمى رجل البلد قطب ذلك البلد، وشيخ الجماعة قطب تلك الجماعة، ولكن الأقطاب المصطلح على أن يكون لهم هذا الإسم مطلقاً من غير إضافة، لا يكون منهم في الزمان إلا واحد، وهوالغوث أيضاً وهو من المقربين، وهوسيد الجماعة في زمانه. ومنهم من يكون ظاهر الحكم ويحوز الخلافة الظاهرة، كما حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والحسن، ومعاوية بن يزيد، وعمر بن عبد العزيز، والمتوكل! ومنهم من له الخلافة الباطنة خاصة ولا حكم له في

٥٧

الظاهر، كأحمد بن هارون الرشيد السبتي، وكأبي يزيد البسطامي. وأكثر الأقطاب لا حكم لهم في الظاهر »!

أقول: لا بد أن ابن عربي قرأ سيرة المتوكل من تاريخ الطبري وأمثاله، وقرأ عن فسقه وخمره، وقرأ عن تخنثه ونصبه، لكنه أصيب بعمى التقرب لمحبيه، فجعله كبير أولياء الله تعالى! وكفى بذلك طعناً في مبدئية ابن عربي وفكره!

كيف كان المتوكل يدير الدولة؟

كان النمط السائد للإدارة في العالم: أن الملك هوالمقاول الأكبر، فيختار وزيره الأول لينفذ أوامره، ويجبي الماليات من الحكام. ثم يختار حكام الولايات، ويتفق مع الواحد منهم على المبلغ السنوي عن المنطقة التي تحت يده.

فالمسألة الأولى في الحكم هي الماليات التي تصل الى الحاكم الصغير ثم الكبير. قال الطبري « 7 / 384 »: « كان انقطاع الحسن بن مخلد وموسى بن عبد الملك إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان وهو وزير المتوكل، وكانا يحملان إليه كل ما يأمرهما به، وكان الحسن بن مخلد على ديوان الضياع، وموسى على ديوان الخراج، فكتب نجاح بن سلمة رقعة إلى المتوكل في الحسن وموسى، يذكر أنهما قد خانا وقصرا فيما هما بسبيله، وأنه يستخرج منهما أربعين ألف ألف درهم!

فأدناه المتوكل وشاربه تلك العشية وقال: يا نجاح، خذل الله من يخذلك فبكر إليَّ غداً حتى أدفعهما إليك، فغدا وقد رتب أصحابه وقال: يا فلان خذ أنت الحسن، ويا فلان خذ أنت موسى، فغدا نجاح إلى المتوكل فلقي عبيد الله وقد

٥٨

أمر عبيد الله أن يحجب نجاح عن المتوكل، فقال له: يا أبا الفضل إنصرف حتى ننظر وتنظر في هذا الأمر، وأنا أشير عليك بأمر لك فيه صلاح. قال: وما هو؟ قال: أصلح بينك وبينهما وتكتب رقعة تذكر فيها أنك كنت شارباً، وأنك تكلمت بأشياء تحتاج إلى معاودة النظر فيها، وأنا أصلح الأمر عند أمير المؤمنين! فلم يزل يخدعه حتى كتب رقعة بما أمره به فأدخلها على المتوكل وقال: يا أمير المؤمنين قد رجع نجاح عما قال البارحة، وهذه رقعة موسى والحسن يتقبلان به بما كتبا، فتأخذ ما ضمنا عنه، ثم تعطف عليهما فتأخذ منهما قريباً مما ضمن لك عنهما، فَسُرَّ المتوكل وطمع فيما قال له عبيد الله، فقال: إدفعه إليهما، فانصرفا به وأمرا بأخذ قلنسوته عن رأسه وكانت خزاً، فوجد البرد فقال: ويحك يا حسن قد وجدت البرد، فأمر بوضع قلنسوته على رأسه وصار به موسى إلى ديوان الخراج، ووجها إلى ابنيه أبي الفرج وأبي محمد، فأُخذ أبوالفرج وهرب أبومحمد ابن بنت حسن بن شنيف، وأخذ كاتبه إسحاق بن سعد بن مسعود القطربلي وعبد الله بن مخلد المعروف بابن البواب، وكان انقطاعه إلى نجاح، فأقر لهما نجاح وابنه بنحومن مائة وأربعين ألف دينار، سوى قيمة قصورهما وفرشهما ومستغلاتهما، بسامرا وبغداد، وسوى ضياع لهما كثيرة!

فأمر بقبض ذلك كله، وضرب مراراً بالمقارع في غير موضع الضرب، نحواً من مائتي مقرعة، وغُمز وخُنق، خنقه موسى الفرانق والمعلوف.

٥٩

فأما الحارث فإنه قال: عَصَرَ خصيتيه حتى مات، فأصبح ميتاً يوم الإثنين لثمان بقين من ذي القعدة من هذه السنة، فأمر بغسله ودفنه فدفن ليلاً.

وضرب ابنه محمد وعبد الله بن مخلد، وإسحاق بن سعد نحواً من خمسين خمسين، فأقر إسحاق بخمسين ألف دينار، وأقر عبد الله بن مخلد بخمسة عشر ألف دينار، وقيل عشرين ألف دينار، وكان ابنه أحمد بن بنت حسن قد هرب فظفر به بعد موت نجاح، فحبس في الديوان وأخذ جميع ما في دار نجاح وابنه أبي الفرج من متاع، وقبضت دورهما وضياعهما حيث كانت وأخرجت عيالهما. وأخذ وكيله بناحية السواد وهوابن عياش، فأقر بعشرين ألف دينار.

وبعث إلى مكة في طلب الحسن بن سهل بن نوح الأهوازي، وحسن بن يعقوب البغدادي، وأُخذ بسببه قوم فحُبسوا. وقد ذكر في سبب هلاكه غير ما قد ذكرناه: ذُكر أنه كان يضاد عبيد الله بن يحيى بن خاقان، وكان عبيد الله متمكناً من المتوكل واليه الوزارة وعامة أعماله، وإلى نجاح توقيع العامة، فلما عزم المتوكل على بناء الجعفري، قال له نجاح وكان في الندماء وقال: يا أمير المؤمنين أسمي لك قوماً تدفعهم إليَّ حتى أستخرج لك منهم أموالاً تبني بها مدينتك هذه، فإنه يلزمك من الأموال في بنائها ما يعظم قدره ويجل ذكره؟

فقال له: سمهم، فرفع رقعة يذكر فيها موسى بن عبد الملك، وعيسى بن فرخانشاه، خليفة الحسن بن مخلد، والحسن بن مخلد، وزيدان بن إبراهيم خليفة موسى بن عبد الملك، وعبيد الله بن يحيى وأخويه عبد الله بن يحيى

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477