الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام12%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158608 / تحميل: 7007
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ولا تجامع أهلك على سقوف البنيان، فانه إن قضي بينكما ولد يكون منافقاً مرائياً مبتدعاً (1) .

ولكي نختم كلامنا هنا بالمسك نذكر درراً من كلمات المولى زين العابدين وسيد الساجدين الامام علي بن الحسين عليه‌السلام في حقوق الزوجة.

حق الزوجة:

قال عليه‌السلام : وأما حق الزوجة: فان تعلم أنّ الله - عزّ وجل - جعلها لك سكناً وأنساً، فتعلم أنّ ذلك نعمة من الله - عزّ وجل - عليك فتكرمها وترفق بها - وإن كان حقك عليها أوجب، فان لها عليك أن ترحمها لأنها أسيرك، وتطعمها وتكسوها، واذا جهلت عفوت عنها (2) .

* * *

__________________

(1) أنظر للمزيد: الفقيه 3 / 553 باب النوادر، وسائل الشيعة 20 / 252، بحار الأنوار 100 / 282 باب 8 آداب الجماع وفضله، الاختصاص: 134 أحاديث وصايا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام ، أمالي الصدوق: 569 المجلس 84، مكارم الأخلاق: 211 الفصل الرابع في آداب الزفاف.

(2) الفقيه 2 / 621 باب الحقوق ح 3214، وسائل الشيعة 15 / 172 باب 3 ح 20226، أمالي الصدوق: 318 المجلس 59 ح 1، الخصال 2 / 567 الحقوق الخمسون ح 1، مكارم الأخلاق: 419 الفصل الأول في ذكر الحقوق (لزين العابدين عليه‌السلام .

٤١

الفصل السادس

قانون الوراثة

٤٢

قانون الوراثة

لقد نص قانون الوراثة في الاسلام على أنّ ما يقدمه الرجل من خير وفضيلة طلباً لرضا الله - تعالى - يعود عليه وعلى ولده وذريته.

روى في البحار عن تفسير العياشي عن الصادق عليه‌السلام : إنّ الله ليفلح بفلاح الرجل المؤمن ولده وولد ولده، ويحفظه في دويرته ودويرات حوله، فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله، ثم ذكر الغلامين فقال: ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ) ألم تر أنّ الله شكر صلاح أبويهما لهما (1) .

وفي الارشاد للدليمي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله يحفظ الرجل في ولده وولد ولده ودويرات حوله.

قال: وجاء في تأويل قوله تعالى ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ) إنّه كان بينهما وبين أبيهما الصالح سبعة أجداد وقيل: سبعين جداً (2) .

وقد قدّم أبو طالب عليه‌السلام كلّ خدمة، وضحى بكلّ شيء من أجل رعاية يتيم أخيه عبد الله وحفظه والقيام بشؤونه، وكان بذلك أكفأ من نفذ وصية عبد المطلب في

__________________

(1) بحار الأنوار 13 / 312 باب 10 ح 49 عن تفسير العياشي 2 / 337.

(2) الارشاد (للدليمي) 1 / 143.

٤٣

حفيده، فعوّضه الله عن تلك التضحية ولداً فذاً فريداً عقمت عن مثله النساء كأمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، فانك لا ولم ولن تجد له نداً قط. فقد آمن بالنبي ورسالته وهو في العاشرة من عمره، فنال وسام «أول من آمن»، وشارك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في كل مواقفه وأيامه ومصائبه ومحنه، وكان عضده وحامل رايته وسيفه الذي أقام به أسس رسالته، وشيّد بيده أركان دينه، ولم يتخلف عنه في موقف مهما كان صغيراً أو كبيراً.

فدخل معه الشعب وتحمل ما تحمل معه هناك من مضايقات ومصاعب، وختم جهاده في مكة بعد ثلاثة عشر عاماً بالفداء ليلة المبيت حيث فدى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه وشراها الباري منه بأغلى ثمن، وأنزل فيه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة.

ثم هاجر معه إلى المدينة فكان هناك السبّاق إلى المكرمات والمضحي الأول الذي ذبّ الكرب عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان المقدام الذي اقتحم غمار الموت في كلّ حروب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وغزواته من أجل ترسيخ دعائم الدين الحنيف.

وبعد ذلك كلّه دعا الله مخلصاً أن يؤتيه ولداً شجاعاً وفياً ينصر ابن بنت نبيه كما نصر هو بنفسه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأتاه الله «العباس بن علي عليه‌السلام ». فكان ناصراً ومعيناً لأبي عبد الله الحسين عليه‌السلام .

* * *

٤٤

الفصل السابع

فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام

٤٥

فضائل

أمير المؤمنين عليه‌السلام

لما كان الكتاب الحاضر في حياة أم البنين عليها‌السلام ومكارمها كان المناسب أن نتعرض لشطر من فضائل زوجها مولى المتقين وأمير المؤمنين عليه‌السلام تيمناً وتبركاً، نسمعها من أفواه أعدائه وأحبائه، ثم تعود مرة أخرى للحديث عن أم البنين عليها‌السلام وأبنائها.

* * *

٤٦

الأول

علي عليه‌السلام

في القرآن والسنة

ذكر العلامة الحلي في كتاب «نهج الحق» ثمانية وثمانين دليلاً من القرآن الكريم لاثبات إمامة الامام علي عليه‌السلام حيث شهد أهل السنة أنفسهم أنها نزلت في علي عليه‌السلام .

وأضاف اليها في «ملحقات إحقاق الحق» أربعة وتسعين موضعاً استند فيها إلى كتب العامة.

وقد ورد في كتبهم أنّه ما نزل آية فيها ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا وكان علي عليه‌السلام سيدهم وأميرهم.

والأحاديث النبوية في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام قد تجاوزت حدّ الاحصاء والحصر، وقد ذكر في «ملحقات إحقاق الحق» فقط ثمانية مجلدات ضخمة في فضائله المروية عن طريق السنة (1) .

وسنروي لك باقة منها كنموذج ليس إلّا.

__________________

(1) اسلام شناسي (للشيخ أبي طالب تجليلي التبريزي): 192.

٤٧

1 - قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله - تعالى - أوحى إليّ في علي ثلاثة أشياء ليلة أسري بي: أنّه سيد المرسلين، وامام المتقين، وقائد الغر المحجلين (1) .

2 - وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ أخي ووزيري وخير من أخلف بعدي علي بن أبي طالب عليه‌السلام (2) .

3 - عن بريدة قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لكلّ نبي وصي ووارث وإنّ علياً وصي ووارثي (3) .

4 - قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتاني جبرئيل وقد نشر جناحيه فاذا فيها مكتوب على أحدهما «لا اله الا الله محمد النبي» ومكتوب على الآخر «لا إله إلّا الله علي الوصي» (4) .

5 - قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام (5) .

6 - وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : علي بن أبي طالب يزهر في الجنة ككوكب الصبح لأهل الدنيا (6) .

__________________

(1) ميزان الاعتدال 7 / 206، ذخائر العقبى: 70، المستدرك على الصحيحين 3 / 148، مجمع الزوائد 9 / 121، المعجم الصغير 2 / 192 ح 1012.

(2) البحار 38 / 12 باب 56، مودة القربى: 22، ينابيع المودة 2 / 299 الباب 56 ح 855.

(3) ذخائر العقبى: 71 وقال: أخرجه الحافظ أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة، المناقب للخوارزمي: 84 ح 74، المناقب لابن المغازلي: 200 ح 238، ينابيع المودة 1 / 235 باب 15 ح.

(4) كشف الغمة 1 / 297 في ذكر أنّه أقرب الناس إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كشف اليقين: 10 الفصل الاول، الصراط المستقيم 1 / 243 الفصل 24، البحار 27 / 9 باب 10.

(5) البحار 39 / 39 باب 73، عن كتاب المصنف في فضائل الصحابة للبيهقي، إرشاد القلوب 2 / 217، الصراط المستقيم 1 / 212 الفصل 18، كشف الغمة 1 / 114، كشف اليقين: 53 المبحث الثاني: نهج الحق: 236 الثاني العلم، ينابيع المودة 2 / 83 باب 56، الفردوس للديلمي 3 / 90 ح 3997.

(6) البحار 40 / 76 باب 91، العمدة: 363، الجامع الصغير 2 / 178 ح 5599.

٤٨

7 - قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :... يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً؟

قالواو: بلى يا رسول الله.

قال: هذا علي فأحبوه بحبي، وأكرموه بكرامتي، واتبعوه، إنه مع القرآن والقرآن معه، وإنّه يهديكم إلى الهدى ولا يدلكم على الردى، فان جبرئيل أخبرني بالذي قلته لكم عن الله عزّ وجل (1) .

8 - وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : علي خير البشر من شكّ فيه فقد كفر (2) .

9 - قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مكتوب على باب الجنة قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بألفي عام «لا إله الا الله محمد رسول الله وعلي أخوه» (3) .

10 - عن ابن مسعود قال: خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من بيت زينب بنت جحش وأتى بيت أم سلمة - وكان يومها - فجاء علي فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا أم سلمة؛ هذا علي أحبيه، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو عيبة علمي.

واسمعي واشهدي؛ إنه قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي، وهو قاسم أعدائي، ومحيي سنتي.

واسمعي واشهدي؛ لو أنّ عبداً عبد الله ألف عام وألف عام وألف عام بين الركن والمقام، ولقى الله - تعالى - مبغضاً لعلي أكبّه الله على منخريه في جهنم يوم القيامة (4) .

__________________

(1) ذخائر العقبى: 70 فضائل علي 7، ينابيع المودة 2 / 161 الباب 56 ح 455، بحار الانوار 40 / 59 باب 91، تفسير فرات: 163 سورة التوبة.

(2) كنوز الحقائق: 98، الفردوس (للدليمي) 3 / 89 ح 3994، ينابيع المودة 2 / 78 باب 56 ح 80، مودة القربي: 14، منتخب كنز العمال 5 / 35.

(3) المناقب (لابن المغازلي): 91 ح 134، حلية الأولياء 7 / 256، ذخائر العقبى: 66، مجمع الزوائد 9 / 111، منتخب كنز العمال 5 / 35، ينابيع المودة 2 / 237 باب 56 ح 662.

(4) فرائد السمطين 1 / 331 ح 657، ينابيع المودة 1 / 390 باب 44 ح 2، ذيل اللئالي: 65.

٤٩

11 - وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : حق علي على هذه الأمة كحق الوالد على ولده (1) .

12 - وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تزول قدم عن قدم يوم القيامة حتى يسأل الرجل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن ماله ممّ كسبه وفيم أنفقه، وعن حبنا أهل البيت... (2) .

13 - وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : حبّ علي براءة من النار (3) .

14 - وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أنّ عبداً عبد الله مثل ما قام نوح في قومه وكان له مثل أحد ذهباً فانفق في سبيل الله، ومدّ في عمره حتى يحج ألف عام على قدميه، ثم سعى بين الصفا والمروة، ثم قتل مظلوماً، ثم لم يوالك يا علي لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها (4) .

15 - وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي؛ لو أنّ أمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا، وصلّوا حتى يكونوا كالأوتار، ثم أبغضوك لأكبهم الله - تعالى - على وجوههم في النار (5) .

__________________

(1) كنوز الحقائق (للمناوي): 69، الفردوس (للدليمي) 2 / 132 ح 2674، فرائد السمطين 1 / 297 ح 235، ينابيع المودة 1 / 370 باب 41 ح 5، المناقب (للخوارزمي): 310 ح 306، المناقب (لابن المغازلي): 47 ح 70.

(2) المناقب (للخوارزمي): 76 ح 59، جواهر العقدين 2 / 246، المناقب (لابن المغازلي): 119 ح 157، مجممع الزوائد 9 / 346، سنن الترمذي 4 / 36 ح 2532 (كتاب صفة القيامة)، كنز العمال 14 / 379 ح 38982، ينابيع المودة 2 / 360 باب 58 ح 27 و 28.

(3) كنوز الحقائق: 67، الفردوس (للدليمي) 2 / 226 ح 2545، مودة القربى: 20، ينابيع المودة 2 / 75 باب 56 ح 55.

(4) مودة القربى: 21، المناقب (لابن شهر آشوب) 3 / 198، ينابيع المودة 2 / 293 باب 56 ح 845.

(5) فرائد السمطين 1 / 51 باب 4 حديث 16، المناقب (لابن المغازلي): 90 ح 133 و 297 ح 340، مقتل الحسين (للخوارزمي): 108 ح 250، المستدرك (للحاكم) 3 / 160، كفاية الطالب: 318، ترجمة الامام علي (لابن عساكر) 1 / 143 ح 179، ينابيع المودة 1 / 271 ح 5 باب 20.

٥٠

16 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أنّ الرياض أقلام، والبحر مداد، والجن حساب، والانس كتاب، ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب (1) .

17 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لما أسري بي في ليلة المعراج فاجتمع عليّ الأنبياء في السماء، فأوحى الله - تعالى - إليّ: سلهم يا محمد بماذا بعثتم؟

فقالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله الا الله وحده، وعلى الاقرار بنبوتك، والولاية لعلي بن أبي طالب (2) .

18 - قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا اجتمع الناس على حبّ علي بن أبي طالب ما خلق الله النار (3) .

19 - قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليلى أسري بي إلى السماء أمر بعرض الجنة والنار عليّ فرأيتهما جميعاً، رأيت الجنة وألوان نعيمها، ورأيت النار وألوان عذابها، وعلى كلّ باب من أبواب الجنة الثمانية: «لا اله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله» (4) .

20 - قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رأيت ليلى أسري بي إلى السماء الرابعة ديكاً، بدنه درة بيضاء، وعيناه ياقوتتان حمراوان، ورجلاه من الزبرجد الأخضر، وهو ينادي: «لا إله إلّا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ولي الله فاطمة وولدها الحسن والحسين صفوة الله، يا غافلين اذكروا الله، على مبغضيهم لعنة الله» (5) .

__________________

(1) مائة منقبة (لابن شاذان): ح 99، المناقب (للخوارزمي): 328 ح 341، كفاية الطالب: 151، ينابيع المودة: 2 / 254 باب 56 ح 713.

(2) ينابيع المودة 2 / 246 باب 56 ح 692، الصراط المستقيم: 141، روضة الواعظين 1 / 59.

(3) الفردوس (للدليمي) 3 / 419 ح 5175، ينابيع المودة 2 / 244 باب 56 ح 684.

(4) البحار 27 / 10 باب 10 ح 24.

(5) البحار 37 / 47 باب 50 ح 24، اليقين: 391 باب 141.

٥١

نقش خاتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «علي ولي الله»:

التختم من السنن الشرعية، وهو زينة للانسان، وفيه من المنافع المعنوية والنفسية والقيم الجمالية الشيء الكثير.

وكان في سالف الزمان لكلّ فرد خاتم ينقش عليه كلمة أو عبارة خاصة تعد بمثابة «الختم» في العصور المتأخرة، فكما يضرب بالختم في نهاية الكتاب الرسمي أو ما شاكل لتأكيد الانتساب، كان الخاتم في ذلك الزمان يؤدي نفس الدور.

وقد روى لنا المولى أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام ذكرى جميلة عن خاتم جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: أعطى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علياً عليه‌السلام خاتماً لينقش عليه «محمد بن عبد الله» فأخذه أمير المؤمنين عليه‌السلام فأعطاه النقاش فقال له: انقش عليه «محمد بن عبد الله»، فنقش النقاش عليه «محمد رسول الله».

فجاء أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال: ما فعل الخاتم؟

فقال: هو ذا.

فأخذه ونظر إلى نقشه فقال: ما أمرتك بهذا!

قال: صدقت، ولكن يدي أخطأت.

فجاء به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله ما نقش النقاش ما أمرت به، وذكر أنّ يده أخطأت، فأخذه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونظر اليه فقال: يا علي أنا محمد بن عبد الله وأنا محمد رسول الله، وتختم به.

فلما أصبح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى خاتمه فاذا تحته منقوش «علي ولي الله»، فتعجب من ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء جبرئيل عليه‌السلام فقال: كان كذا وكذا.

فقال: يا محمد كتبت ما أردت وكتبنا ما أردنا (1) .

__________________

(1) أمالي الطوسي: 705 المجلس 41 ح 2، البحار 40 / 37 باب 91 ح 72.

٥٢

اعتراف عمر بأن عين علي عليه‌السلام عين الله:

جاء رجل يستعدى عمر على علي عليه‌السلام فقال: يا أمير... إنّ علياً لطم عيني.

فوقف عمر حتى مرّ علي فقال: ألطمت عين هذا يا أبا الحسن؟

فقال علي عليه‌السلام : نعم رأيته يتأمل حرم المؤمنين.

فقال عمر: أحسنت يا أبا الحسن.

ثم قال للرجل: اذهب وقعت عليك عين من عيون الله، وحجاب من حجب الله، تلك يد الله اليمنى يضعها حيث يشاء (1) .

اعتراف معاوية:

قال ابن عبد البر القرطبي في الاستيعاب:

وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن أبي طالب عليه‌السلام عن ذلك، فلما بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب.

فقال له أخوه عتبة: لا يسمع هذا منك أهل الشام.

فقال له: دعني عنك (2) .

وقال معاوية لضرار صف لي علياً.

قال: اعفني يا أمير....

قال: لتصفنه.

قال: أما إذا لابد من وصفه، فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، ويستوحش من

__________________

(1) فيض القدير 4 / 357، انظر البحار 39 / 88، المناقب (لابن شهر آشوب) 3 / 272.

(2) الاستيعاب 3 / 44 حرف العين - القسم الاول - ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، بحار الانوار 33 / 171 باب 7 ح 451، العدد القوية: 250.

٥٣

الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان غزير العبرة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين، ويقرّب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله.

وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه، قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكى بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غري غيري، إليّ تعرضت؟! أم إليّ تشوّقت؟! هيهات! هيهات! قد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك حقير، آه من قلة الزاد، وبعد السفر ووحشة الطريق.

فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن كان - والله - كذلك (1) ...

وقال معاوية: والله لو كان عند علي جبل من تبن وجبل من تبر لأنفق تبره قبل تبنه.

النظر إلى وجه علي عليه‌السلام عبادة:

روى ابن المغازلي وغيره مسنداً عن عائشة قالت: رأيت أبا بكر يكثر النظر إلى وجهعلي فقلت: يا أبة أراك تكثر النظر إلى وجه علي عليه‌السلام ؟

فقال: يا بنية؛ سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: النظر إلى وجه علي عبادة (2) .

__________________

(1) الاستيعاب 3 / 44 ترجمة الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام .

(2) ابن المغازلي في المناقب: 206 و 244 وما بعدها، الخوارزمي في المناقب: 361 ح 373، فرائد السمطين 1 / 181، مستدرك الحاكم 3 / 141 و 142، حلية الاولياء 5 / 58 و 2 / 183، بحار الانوار 38 / 200 باب 64.

٥٤

وروى ابن كثير من حديث أبي بكر وعمر وعثمان وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وعمران بن حصين وأنس وثوبان وعائشة وأبي ذر وجابر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «النظر إلى وجه علي عبادة».

وعن عائشة «ذكر علي عبادة» (1) .

قال المناوي في فيض القدير:... النظر إلى علي أمير المؤمنين عليه‌السلام عبادة: أي رؤيته تحمل النطق بكلمة التوحيد، لما علاه من سيماء العبادة.

قال الزمخشري عن ابن العربي: إذا برز قال الناس: لا إله الا الله ما أشرق هذا الفتى؟! ما أعلمه؟! ما أكرمه؟! ما أحلمه؟! ما أشجعه؟! فكانت رؤيته تحمل النطق بالعبادة فيالها من سعادة (2) .

وقال المناوي: وكان عمر يتعوذ من كلّ معضلة ليس لها أبو الحسن، ولم يكن أحد من الصحب يقول: «سلوني» إلا هو....

وأخرج أحمد أن عمر أمر برحم امرأة فمر بها علي فانتزعها فأخبر عمر فقال: ما فعله إلّا لشيء، فأرسل اليه فسأله.

فقال: أما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: رفع القلم عن ثلاث... الحديث؟

قال: نعم.

قال: فهذه مبتلاة بني فلان فلعله أتاها وهو بها.

فقال عمر: لو لا علي هلك عمر.

واتفق له مع أبي بكر نحوه - أي أن أبا بكر كان يقول أيضاً - لولا علي لهلك أبو بكر.

فأخرج الدار قطنى عن أبي سعيد أنّ عمر كان يسأل علياً عن شيء فأجابه فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم ليس فيهم أبو الحسن.

__________________

(1) البداية والنهاية المجلد الرابع / الجزء السابع: 371.

(2) فيض القدير 6 / 299.

٥٥

وفي رواية: لا أبقاني الله بعدك يا علي (1) .

ولا يخفى أنّ عمر قد قال كلمته هذه عشرات المرات أمام الملأ، كما قالها أبو بكر وعثمان كذلك.

فقد أخرج الحافظ العاصمي في كتاب «زين الفتى في شرح سورة هل أتى»: أنّ رجلاً أتى عثمان بن عفان وهو أمير... وبيده جمجمة انسان ميت فقال: إنكم تزعمون النار يعرض على هذا، وإنه يعذب في القبر، وأنا قد وضعت عليها يدي فلا أحسّ منها حرارة النار.

فسكت عنه عثمان، وأرسل إلى علي بن أبي طالب المرتضى يستحضره.

فلما أتاه وهو في ملأ من أصحابه قال للرجل: أعد المسألة فأعادها.

ثم قال عثمان بن عفان: أجب الرجل عنها يا أبا الحسن.

فقال علي: ايتوني بزند وحجر، والرجل السائل والناس ينظرون اليه، فأتي بهما، فأخذهما وقدّح منهما النار، ثم قال للرجل: ضع يدك على الحجر، فوضعها عليه، ثم قال: ضع يدك على الزند، فوضعها عليه.

فقال: هل أحسست منهما حرارة النار، فبهت الرجل.

فقال عثمان: لو لا علي لهلك عثمان (2) .

محبو علي في درجة الأنبياء يوم القيامة:

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : من أحبك - يا علي - كان مع النبيين في درجتهم يوم القيامة، ومن مات وهو يبغضك فلا يبالي مات يهودياً أو نصرانياً (3) .

__________________

(1) فيض القدير 4 / 357.

(2) الغدير 8 / 256.

(3) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 2 / 58 باب 31 ح 221، بحار الانوار 27 / 79 باب 4 ح 16، مودة القربي: 220، ينابيع المودة 2 / 291 باب 56 ح 837.

٥٦

الثاني

اسم الامام علي عليه‌السلام

يزيّن الاذان

ينبغي أن نتعرض هنا إلى عظمة وليد الكعبة أمير المؤمنين عليه‌السلام من حيث أنّ الله - تبارك وتعالى - أمر بذكر اسمه الشريف بعد اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأذان، فنذكر آراء العلماء في ذلك، ونتعرض إلى بدعة التثويب التي ابتدعها عمر وجعلها بدلاً عن قول «حي على خير العمل».

كيف شرّع الأذان؟

عن الحسين بن علي - صوات الله عليه وعلى الأئمة من ولده - أنّه سئل عن قول الناس في الأذان: أنّ السبب كان فيه رؤيا رآها عبد الله بن زيد فأخبر بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأمر بالأذان؟!

فقال الحسين عليه‌السلام : الوحي ينزل على نبيكم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد، والأذان وجه دينكم، وغضب عليه‌السلام وقال:

بل سمعت أبي علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول: أهبط الله - عزّ وجل - ملكاً حتى عرج برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وساق حديث المعراج بطوله إلى أن قال:

٥٧

فبعث الله ملكاً، لم ير في السماء قبل ذلك الوقت ولا بعده، فاذّن مثنى مثنى، وأقام مثنى، وذكر كيفية الأذان ثم قال:

قال جبرئيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا محمد هكذا أذّن للصلاة (1) .

حي على خير العمل:

قال السيد المرتضى في الانتصار:

«ومما انفردت به الامامية أن يقول في الأذان والاقامة بعد قوله «حي على الفلاح» «حي على خير العمل» والوجه في ذلك إجماع الفرقة المحقّة عليه» (2) .

وأنّ علي بن الحسين عليه‌السلام كان يقول في أذانه إذا قال: «حي على الفلاح» قال: «حي على خير العمل» ويقول: هو الأذان الأول.

إلّا أنّه قال: قال الشيخ: وهذه اللفظة لم تثبت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله !!!.. ونحن نكره الزيادة فيه (3) .

وعليه ذهب أهل السنة إلى تحريمها في الأذان والاقامة، فيما ذهب الشيعة ألى أنّ تركها عمداً يوجب بطلان الأذان والاقامة باعتبارها جزء مشرع فيهما (4) .

وما رواه البيهقي يؤكد أنّ هذه العبارة كانت في الأذان الأول، وهي تشريع

__________________

(1) مستدرك الوسائل 4 / 17 - 18 باب 1 ح 2، بحار الانوار 81 / 156 باب 13 ح 54، الجعفريات: 42 كتاب الصلاة، دعائم الاسلام 1 / 142 ذكر الاذان والاقامة.

(2) الانتصار: 39.

(3) سنن البيهقي 2 / 197 - 198.

(4) أنظر: وسائل الشيعة.

٥٨

ربّاني أوحاه إلى نبيه الكريم، إلّا أنّ «أهل السنة» اتبعوا في ذلك عمر وتركوا سنة النبي.

والدليل عليه ما ذكره القوشجي المتوفي سنة (879) في «شرح التجريد» في مبحث الامامة: إنّ عمر قال وهو على المنبر: أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن: متعة النساء، ومتعة الحج، و «حي على خير العمل» (1) .

ثم اعتذر عنه بقوله: إنّ ذلك ليس مما يوجب قدحاً فيه، فانّ مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع (2) .

ومن العجب أن يقابل النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله بواحد من أمته، ويجعل كلاً منهما مجتهداً، وما ينطقه الرسول الأمين هو عين ما ثبت في اللوح المحفوظ، و ( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ) فأين هو عن الاجتهاد برد الفرع إلى الأصل واستعمال الظنون في طريق الاستنباط؟!

هذا؛ بالاضافة إلى أنّ السائغ من المخالفة الاجتهادية إنّما هو ما إذا قابل المجتهد مجتهداً مثله لا من اجتهد تجاه النص المبين، وارتأى أمام تصريحات الشريعة من قول الشارع وعمله (3) .

على أننا لا نعلم للخليفة علماً يقاس بعوام المسلمين فضلاً عن سيد أولى الألباب وخاتم المرسلين، فكيف نقول من ثم باجتهاده؟!

أجل؛ كان ثمة سبب آخر من وراء ذلك سوى قصة الاجتهاد، وهو أنّ الناس التفتوا بعد حين أن خليفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حلقاً أصبح جليس داره، وأنّ الآخرين اغتصبوا

__________________

(1) شرح التجريد (للقوشجي): 484، الغدير 6 / 283.

(2) المصدر نفسه.

(3) انظر الغدير 6 / 283.

٥٩

مقامه، وأنذ حكومتهم تفتقد الشرعية، وأنّ ما تقوم به من فتوح إنّما هو «توسعة» وتوسيع لرقعة الامبراطورية، وليست جهاداً، فتقاعسوا عنهم، فأراد الخليفة أن يعبأ الناس لما يسميه «جهاداً»، ويعظّم الجهاد في نفوسهم؛ لئلا يفكر أحدهم أنّ العبادات والصلاة أهم من الجهاد.

فقد روى أبو حنيفة وأبو يوسف القاضي وغيرهم أنّ «حي على خير العمل» كانت في الأذان على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر وصدراً من أيام عمر إلّا أنّ عمر أمر بتركها وقال: أخشى أن يتوجه الناس إلى الصلاة ويعرضوا عن الجهاد (1) .

وروي عن الباقر عليه‌السلام قال: كان الأذان «حي على خير العمل» على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبه أمروا أيام أبي بكر وصدراً من أيام عمر، ثم أمر عمر بقطعه وحذفه من الأذان والاقامة، فقيل له في ذلك فقال: اذا سمع عوام الناس أنّ الصلاة خير العمل تهاونوا بالجهاد وتخلفوا عنه (2) .

وعن عكرمة قال:

قلت لابن عباس: أخبرني لأي شيء حذف من الأذان «حي على خير العمل»؟

قال: أراد عمر بذلك أن يا يتّكل الناس على الصلاة ويدعوا الجهاد؛ فلذلك حذفها من الاذان (3) .

قال المجلسي رحمه‌الله : يدلّ هذا على أنّ عمر وأتباعه يزعمون أنهم أعلم من الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنهما لم يفطنا بهذه المفسدة وتفطن بها هذا الشقي الغبي، ولم يمنع ذلك أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في زمانه، وأصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الجهاد، بل كانوا مع مواظبتهم على «حي على خير العمل» أشد اهتماماً بالجهاد من سائر العباد (4) .

__________________

(1) الايضاح: 202.

(2) البحار 81 / 156 باب 35 ح 54 عن دعائم الاسلام.

(3) البحار 81 / 140 باب 35 ح 34، عن علل الشرائع 2 / 56.

(4) البحار 81 / 140 ذيل ح 34.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

عن محبته، وأريد أن آمرك بشئ فعرفني كيف قلبك فيه، فقال: أنت تعلم كيف أفعل، فقل لي ما شئت حتى أفعله ثم إنه أمسك عنه مدة مديدة ودعا به، فقال: يا باغر، قد حضرت حاجة أكبر من الحاجة التي قدمتها فكيف قلبك؟ قال: قلبي على ما تحبُّ فقل ما شئت حتى أفعله، فقال: هذا المنتصر ـ قد صح عندي أنه على إيقاع التدبير عليَّ وعلى غيري حتى يقتلنا، وأريد أن أقتله فكيف ترى نفسك في ذلك؟

ففكر باغر في ذلك ونكس رأسه طويلًا وقال: هذا لا يجئ منه شئ، قال: وكيف؟ قال: يقتل الابن والأبُ باقٍ؟ إذاً لا يستوي لكم شئ، ويقتلكم أبوه كلكم به، قال: فما ترى عندك؟ قال: نبدأ بالأب أولاً فنقتله، ثم يكون أمر الصبي أيسر من ذلك، فقال له: ويحك وتفعل هذا ويتهيأ؟ قال: نعم أفعله، وأدخل عليه حتى أقتله، فجعل يردد عليه، فيقول: لا تفعل غير هذا، ثم قال له: فادخل أنت في أثري فإنْ قتلته وإلا فاقتلني وضَعْ سيفك عليَّ، وقل: أراد أن يقتل مولاه، فعلم بغا حينئذ أنه قاتله، وتوجه له في التدبير في قتل المتوكل ».

وقد روى الطبري « ٧ / ٤٣٤ » تفاصيل كثيرة، في مكافأة باغر على قتله المتوكل، وفي صراع الأتراك فيما بينهم، وصراعهم مع الخلافة.

٣٤١

القائد وصيف التركي:

١. قال الصفدي في الوافي « ٢٧ / ٢٥٩ »: « الأمير التركي وصيف، غلام الإمام المتوكل، كان من كبار الأمراء القواد، استولى على المعتز، واحتجرَ واصطفى لنفسه الأموال والذخائر، فشغبت عليه الفراغنة والأشروسنية، وطالبوه بالأرزاق، فقال مالكم عندنا إلا التراب! فوثبوا عليه وقتلوه بالدبابيس، وقطعوا رأسه ونصبوه على رمح في سنة ثلاث وخمسين ومائتين.

وكان وصيف هو وبغا الشرابي، قد حجرا على المستعين، حتى قال الشاعر:

خليفةٌ في قفصٍ

بينَ وصيفٍ وبَغَا

يقول ما قالا له

كما تقول البَبَّغَا

وكان في الأصل مملوكاً لشيخ من أهل قم، اشتراه لما سُبِيَ من الديلم، وأحسن تربيته، وأسلمه مع ابنه في المكتب، وكان إذا وقع في يده شئ تركه عند بقال في المحلة. ثم إنه بعد بلوغه تعلق بالعمل بالسلاح، ثم توجه مع بعض الجند إلى خراسان بعدما أخذ ماله من عند البقال، ثم تقلبت به الأحوال إلى أن اتصل بالمتوكل. ولما تولى وصيف على قم طلب الشيخ أستاذه واعترف له بالرق، فأنكر ذلك، فقال له: أنا مملوكك فلان، ودفع إليه ثلاث بدر وقماشاً ودواب وطيباً بمثل ذلك، وأمر لابن الشيخ بعشرة آلاف درهم، وبعث إلى زوجة الشيخ وبناته مالاً كثيراً، ودفع إلى البقال خمس مائة دينار، وقال: يا أهل قم، ما على وجه الأرض أحدٌ أوجب حقاً عليَّ منكم، إلا أني أخالفكم في التشيع ».

٢. كان وصيف قائداً كبيراً عند الواثق، ولما مات عمل لتولية المتوكل: « لما توفي حضر الدار أحمد بن أبي دؤاد وإيتاخ ووصيف وعمر بن فرج وابن الزيات وأحمد

٣٤٢

بن خالد أبوالوزير، فعزموا على البيعة لمحمد بن الواثق وهوغلام أمرد، فألبسوه دراعة سوداء وقلنسوة رصافية فإذا هوقصير فقال لهم وصيف: أما تتقون الله تُولون مثل هذا الخلافة، وهولا يجوز معه الصلاة ».

فاستقر رأيهم على تولية جعفر وجاؤوا به من السجن. « الطبري: ٧ / ٣٤١ ».

ولهذا صار وصيف مقرباً عند المتوكل، وقد ورد أنه عندما جاء أحمد بن حنبل الى بغداد لقيه في الطريق فلم يسلم عليه مباشرةً، وأرسل له شخصاً يسلم عليه نيابةً عنه ويقول له: حرض المتوكل على خصمك ابن أبي دؤاد ليعزله!

قال الذهبي في تاريخه « ١٨ / ٨٧ »: « قال حنبل في حديثه فأخبرني أبي قال: لما دخلنا إلى العساكر إذا نحن بموكب عظيم مقبل، فلما حاذى بنا قالوا: هذا وصيف.

وإذا فارس قد أقبل فقال لأحمد: الأمير وصيف يقرؤك السلام ويقول لك: إن الله قد أمكنك من عدوك، يعني ابن أبي دؤاد، وأمير المؤمنين يَقبل منك فلا تدع شيئاً إلا تكلمت به. فما رد عليه أبوعبد الله شيئاً. وجعلت أنا أدعولأمير المؤمنين، ودعوت لوصيف ».

وهذا يدل على غطرسة وصيف، وعلى أن نظرتهم لأحمد بن حنبل كانت عادية!

٣. وعندما أراد المتوكل أن يغدر بإيتاخ، أرسله الى الحج: « فحين خرج صيرت الحجابة إلى وصيف ». « الطبري: ٧ / ٣٥٠ ».

٣٤٣

٤. ثم غدر المتوكل بوصيف، فقلص صلاحياته وكتب فرامين بمصادرة أمواله في البلاد.

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء « ١٢ / ٣٨ »: « وانحرفت الأتراك على المتوكل لمصادرته وصيفاً وبغا، حتى اغتالوه ».

وقال ابن تغري في مورد اللطافة « ١ / ١٥٧ »: « وكان المتوكل بايع ولده المنتصر محمداً. ثم إنه أراد أن يعزله ويولي ولده المعتز لمحبته لأمه قبيحة، فسأل المتوكل ولده المنتصر أن ينزل عن العهد لأخيه المعتز فأبى، فغضب المتوكل عليه، وصار يحضره المجالس العامة ويحط منزلته، ويتهدده ويشتمه ويتوعده.

ثم اتفق أن الترك انحرفوا عن المتوكل لكونه صادر وصيف التركي وبغا، فاتفق الأتراك حينئذ مع المنتصر على قتل أبيه المتوكل ».

٥. قال الذهبي في سيره « ١٢ / ٣٩ »: « وسكر المتوكل سكراً شديداً، ومضى من الليل إذ أقبل باغر في عشرة متلثمين تبرق أسيافهم، فهجموا علينا، وقصدوا المتوكل، وصعد باغر وآخر إلى السرير فصاح الفتح: ويلكم مولاكم. وتهارب الغلمان والجلساء والندماء، وبقي الفتح، فما رأيت أحداً أقوى نفساً منه بقي يمانعهم، فسمعت صيحة المتوكل إذ ضربه باغر بالسيف المذكور على عاتقه، فقده إلى خاصرته وبعج آخر الفتح بسيفه، فأخرجه من ظهره، وهوصابر لايزول، ثم طرح نفسه على المتوكل فماتا، فَلُفَّا في بساط ثم دفنا معاً.

وكان بغا الصغير استوحش من المتوكل لكلام، وكان المنتصر يتألف الأتراك، لا سيما من يُبعده أبوه ».

٣٤٤

وفي سمط النجوم « ٣ / ٤٦٦ »: « حملهم الطغيان على الفتك بالخليفة المتوكل، لما أراد أن يصادر مملوك أبيه وصيفاً التركي لكثرة أمواله وخزائنه، فتعصب له باغر التركي، وانحرف الأتراك عن المتوكل فدخل باغر ومعه عشرة أتراك، وهو في مجلس أنسه، بعد مضي هزيع من الليل، فصاح الفتح: ويلكم هذا سيدكم وابن سيدكم! وهرب من كان حوله من الغلمان والندمان على وجوههم، فبقي الفتح وحده والمتوكل غائب سكران، فضربه باغر بالسيف على عاتقه فقدَّه إلى حقوه، فطرح الفتح نفسه عليه، فضربهما باغر ضربة ثانية فماتا جميعاً، فلفهما معاً في بساط ومضى هو ومن معه، ولم ينتطح في ذلك عنزان ».

٦. وأرسل المنتصر وصيفاً الى غزو الروم، وكتب له أن يبقى هناك أربع سنين، ففي تاريخ الطبري « ٧ / ٤٠٨ »: « كتب معه المنتصر كتاباً إلى وصيف يأمره بالمقام ببلاد الثغر، إذا هوانصرف من غزاته أربع سنين، يغزو في أوقات الغزو منها ».

وهذا يدل على أن المنتصر أخذ يعمل للتخلص من وصيف، فلما قتل المنتصر عاد وصيف وبغا، وصار مقربين عند المستعين الذي صار خليفةً بعد المنتصر.

وفي التنبيه والإشراف / ٣١٥: « وبويع المستعين أحمد بن محمد المعتصم في اليوم الذي توفي فيه المنتصر، وغلب على التدبير والأمر والنهي أوتامش بن أخت بغا الكبير ولم يزل مقيماً بسر من رأى إلى أن قَتَلَ وصيفٌ وبُغَا باغرَ التركي أحد المتقدمين في قتل المتوكل، فشغب الموالي وتحزبوا، فانحدر ومعه وصيف وبغا إلى مدينة السلام، لثلاث خلون من المحرم سنة ٢٥١. وبايع الأتراك بسر من رأى أبا عبد الله المعتز لحرب من بمدينة السلام، فكانت الحروب بينهم سنة إلا أياماً يسيرة، والقيم بأمر المستعين محمد

٣٤٥

بن عبد الله بن طاهر، إلى أن خلع المستعين نفسه، وسَلَّم َالخلافة إلى المعتز لليلتين خلتا من المحرم سنة ٢٥٢ وصار إليه وصيف وبغا فردهما إلى مراتبهم، ولم يزل يعمل في الحيلة عليهما إلى أن شغب الموالي فقتلوا وصيفاً الجمعة سلخ شوال سنة ٢٥٣ ».

القائد صالح بن وصيف:

برز صالح بن وصيف بعد قتل أبيه، وكانت له أدوار في قيادة الترك لا تقل عن أبيه، فكان الأمر الناهي في خلافة المستعين، وهوالذي اتفق مع بُغا على قتل باغر قاتل المتوكل، فثار عليهما الجند الأتراك، فهربا مع أبيه وصيف والخليفة المستعين الى بغداد، فبايع الأتراك المعتز، ووقعت الحرب بينه وبينه والمستعين، ثم اتفقوا على خلع المستعين وتثبيت المعتز في الخلافة.

ورجع صالح بن وصيف الى سامراء وبايع المعتز، ثم جاء بالمهتدي من بغداد الى سامراء ونصبه خليفة، وأجبر المعتز على خلع نفسه، ثم قتله، وصار الآمر الناهي في دولة المهتدي، حتى جاء القائد التركي موسى بن بُغا بجيشه من الري فقتل صالح بن وصيف، ثأراً للمعتز، وقتل المهتدي أيضاً!

في تاريخ الخلفاء / ٢٦٤، ملخصاً: « وقدم موسى بن بُغا من الري يريد سامرا، لقتل صالح بن وصيف بدم المعتز، وأخذ أموال أمه ومعه جيشه، فصاحت العامة على ابن وصيف: يا فرعون قد جاءك موسى! فطلب موسى من بغا الإذن على المهتدي فلم يأذن له، فهجم بمن معه عليه وهوجالس في دار العدل فأقاموه وحملوه على فرس ضعيفة وانتهبوا القصر، وأدخلوا المهتدي إلى دار ناجود وهو يقول: يا موسى إتق الله، ويحك ما تريد! قال: والله ما نريد إلا خيراً، فاحلف

٣٤٦

لنا ألا تمالئ صالح بن وصيف، فحلف لهم، فبايعوه حينئذ ثم طلبوا صالحاً ليناظروه على أفعاله فاختفى، وندبهم المهتدي إلى الصلح فاتهموه أنه يدري مكانه، فجرى في ذلك كلام، ثم تكلموا في خلعه. فخرج إليهم المهتدي من الغد متلقداً بسيفه، فقال: قد بلغني شأنكم، لست كمن تقدمني مثل المستعين والمعتز، والله ما خرجت إليكم إلا وأنا متحنط وقد أوصيت وهذا سيفي! والله لأضربن ما استمسكت قائمته بيدي، أما دينٌ، أما حياءٌ، أما رعةٌ؟ لم يكن الخلاف على الخلفاء والجرأة على الله؟

ثم قال: ما أعلم عِلْمَ صالح، فرضوا وانفضوا. ونادى موسى بن بغا: من جاء بصالح فله عشرة آلاف دينار، فلم يظفر به أحد، واتفق أن بعض الغلمان دخل زقاقاً وقت الحر، فرأى باباً مفتوحاً فدخل فمشى في دهليز مظلم، فرأى صالحاً نائماً، فعرفه وليس عنده أحد، فجاء إلى موسى فأخبره، فبعث جماعة فأخذوه وقُطعت رأسه، وطِيفَ به فكتب المهتدي إلى بكيال أن يقتل موسى ومفلحاً أحد أمراء الأتراك أيضاً، أو يمسكهما، ويكون هوالأمير على الأتراك كلهم! فأوقف بكيال موسى على كتابه وقال: إني لست أفرح بهذا وإنما هذا يعمل علينا كلنا، فأجمعوا على قتل المهتدي وساروا إليه، فقاتل عن المهتدي المغاربة والفراغنة والأشروسنية، وقُتل من الأتراك في يوم أربعة آلاف، ودام القتال إلى أن هُزم جيش الخليفة وأُمسك هو، فعُصِر على خصيتيه فمات، وذلك في رجب سنة ست وخمسين »!

٣٤٧

رئيس الأطباء بخت يشوع:

١. معنى بختيشوع: عبد المسيح، فالبخت في اللغة السريانية العبد، ويشوع عيسى (ع). وكان بختيشوع يلحق بأبيه في معرفته بصناعة الطب ومزاولته لأعمالها، وخدم هارون الرشيد، وتميز في أيامه ». « طبقات الأطباء / ١٨٦ ».

« جورجس بن جبرئيل: طبيب سرياني الأصل. هوأبو بختيشوع الطبيب ورأس هذا البيت. كان رئيس الأطباء في جنديسابور، واعتل المنصور العباسي، فأُرشد إليه، فاستدعاه فقدم بغداد سنة ١٤٨ ، فأحبه المنصور، فمكث حظياً عنده ونقل له كتباً كثيرة من اليونانية إلى العربية. ثم اعتل جورجس وطلب الأوبة إلى جنديسابور فأذن له المنصور، فعاد سنة ١٥٢ ومات فيها.

من تصانيفه عدا ما ترجمه إلى العربية: كناش، ألفه بالسريانية وترجمه حنين بن إسحاق الى العربية ». « الأعلام: ٢ / ١٤٦ »

٢. وفي طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة / ٢٠١: « بختيشوع بن جبرائيل بن بختيشوع: كان سريانياً نبيل القدر، وبلغ من عظم المنزلة والحال وكثرة المال، ما لم يبلغه أحد من سائر الأطباء الذين كانوا في عصره، وكان يضاهي المتوكل في اللباس والفرش. ونقل حنين بن إسحاق لبختيشوع بن جبرائيل كتباً كثيرة من كتب جالينوس إلى اللغة السريانية والعربية.

قال فثيون الترجمان: لما ملك الواثق الأمر، كان محمد بن عبد الملك الزيات وابن أبي دؤاد يعاديان بختيشوع ويحسدانه على فضله وبره ومعروفه وصدقاته، وكمال

٣٤٨

مروءته، فكانا يغريان الواثق عليه إذا خلوا به، فسخط عليه الواثق وقبض على أملاكه وضياعه، وأخذ منه جملة طائلة من المال، ونفاه إلى جندي سابور، وذلك في سنة ثلاثين ومائتين، فلما اعتل بالإستسقاء وبلغ الشدة في مرضه، أنفذ من يحضر بختيشوع، ومات الواثق قبل أن يوافي بختيشوع.

ثم صلحت حال بختيشوع بعد ذلك في أيام المتوكل حتى بلغ في الجلالة والرفعة وعظم المنزلة وحسن الحال وكثرة المال وكمال المروءة ومباراة الخلافة في الزي واللباس والطيب والفرش والصناعات والتفسيح والبذخ في النفقات، مبلغاً يفوق الوصف، فحسده المتوكل وقبض عليه.

قال فثيون الترجمان: كان المعتز بالله قد اعتل في أيام المتوكل علة من حرارة امتنع معها من أخذ شئ من الأدوية والأغذية، فشق ذلك على المتوكل كثيراً، واغتم به وصار إليه بختيشوع والأطباء عنده وهوعلى حاله في الإمتناع، فمازحه وحادثه، فأدخل المعتز يده في كُمِّ جُبةِ وَشْيٍ يمانٍ مُثقله، كانت على بختيشوع وقال: ما أحسن هذا الثوب، فقال بختيشوع: يا سيدي ما له والله نظير في الحسن وثمنه عليَّ ألف دينار، فكل لي تفاحتين وخذ الجبة، فدعا بتفاح فأكل اثنتين، ثم قال له: تحتاج يا سيدي الجبة إلى ثوب يكون معها، وعندي ثوب هو أخٌ لها فاشرب لي شربة سكنجبين وخذه، فشرب شربة سكنجبين، ووافق ذلك اندفاع طبيعته. فبرأ المعتز وأخذ الجبة والثوب وصلح من مرضه.

فكان المتوكل يشكر هذا الفعل أبداً لبختيشوع.

٣٤٩

٣. وحدث أبومحمد بدر بن أبي الإصبع، عن أبيه عن أبي عبد الله محمد بن الجراح عن أبيه، أن المتوكل قال يوماً لبختيشوع: أدعني. فقال: السمع والطاعة فقال: أريد أن يكون ذلك غداً. قال: نعم وكرامة. وكان الوقت صائفاً وحره شديداً. فقال بختيشوع لأعوانه: وأصحابه أمرنا كله مستقيم إلا الخيْش فإنه ليس لنا منه ما يكفي، فأحضر وكلاءه وأمرهم بابتياع كل ما يوجد من الخيش بسر من رأى ففعلوا ذلك، وأحضروا كل من وجدوه من النجادين والصناع، فقطع لداره كلها صونها وحجرها ومجالسها وبيوتها ومستراحاتها، خيْشاً، حتى لا يجتاز الخليفة في موضع غير مخيَّش. وإنه فكر في روائحه التي لا تزول إلا بعد استعماله مدة، فأمر بابتياع كل ما يقدر عليه بسر من رأى من البطيخ، وأحضر ـ أكثر حشمه وغلمانه وأجلسهم يَدْلِكُونَ الخيشَ بذلك البطيخ ليلتهم كلها، وأصبح وقد انقطعت روائحه ..

وأمر طباخيه بأن يعملوا خمسة آلاف جونة « طبق » في كل جونة بابُ خبز سَميد دَسْتٍ رِقاق، وزن الجميع عشرون رطلاً، وحَمَلٌ مشويٌّ وجَدْيٌ باردٌ، وفائقةٌ ودجاجتين مصدرتان، وفرخان ومصوصان، وثلاثة ألوان، وجام حلواء.

فلما وافاه المتوكل رأى كثرة الخيش وجِدَّته فقال: أي شئ ذهب برائحته، فأعاد عليه حديث البطيخ، فعجب من ذلك، وأكل هو وبنو عمه والفتح بن خاقان على مائدة واحدة، وأجلس الأمراء والحجاب على سماطين عظيمين، لم

٣٥٠

يُرَ مثلهما لأمثاله، وفُرقت الجُوَنُ على الغلمان والخدم والنقباء والركابية والفراشين والملاحين وغيرهم من الحاشية، لكل واحد جونة.

وقال: قد أمنتُ ذمَّهم لأنني ما كنت آمن لوأطعموا على موائد، أن يرضى هذا ويغضب الآخر، ويقول واحد شبعت ويقول آخر لم أشبع، فإذا أعطى كل إنسان جونةً من هذه الجُوَن كفته، واستشرف المتوكل على الطعام، فاستعظمه جداً. وأراد النوم فقال لبختيشوع: أريد أن تنومني في موضع مضئ، لا ذباب فيه، وظن أنه يتعنته بذلك، وقد كان بختيشوع تقدم بأن تجعل أجاجين السيلان « أوني الدبس » في سطوح الدار، ليجتمع الذباب عليه، فلم يقرب أسافل الدور ذبابة واحدة! ثم أدخل المتوكل إلى مربع كبير سقفه كله كُواء فيها جامات يضئ البيت منها، وهومخيَّش مُظَهَّر بعد الخيش بالدبقي المصبوغ بماء الورد والصندل والكافور، فلما اضطجع للنوم أقبل يشم روائح في نهاية الطيب، لا يدري ما هي، لأنه لم يرَ في البيت شيئاً من الروائح والفاكهة والأنوار، ولا خلف الخيش لا طاقات، ولا موضع يجعل فيه شئ من ذلك، فتعجب وأمر الفتح بن خاقان أن يتتبع حال تلك الروائح حتى يعرف صورتها، فخرج يطوف فوجد حول البيت من خارجه ومن سائر نواحيه وجوانبه أبواباً صغاراً لطافاً كالطاقات، محشوة بصنوف الرياحين والفواكه واللخالخ والمشام، التي فيها التفاح والبطيخ المستخرج ما فيها، المحشوة بالنمام والحماحم اليماني المعمول بماء الورد والخلوق والكافور، والشراب العتيق، والزعفران الشعر.

٣٥١

ورأى الفتح غلماناً قد وُكلوا بتلك الطاقات، مع كل غلام مجمرة فيها نِدٌّ يسجره ويبخر به، والبيت من داخله إزارٌ من اسفيداج مخرم خروماً صغاراً لا تبين، تخرج منها تلك الروائح الطيبة العجيبة إلى البيت.

فلما عاد الفتح وشرح للمتوكل صورة ما شاهده، كثر تعجبه منه، وحسد بختيشوع على ما رآه من نعمته وكمال مروءته، وانصرف من داره قبل أن يستتم يومه، وادعى شيئاً وجده من التياث بدنه، وحقد عليه ذلك، فنكبه بعد أيام يسيرة، وأخذ له مالاً كثيراً لا يُقدر، ووجد له في جملة كسوته أربعة آلاف سراويل دبيقي سيتيزي، في جميعها تكك إبريسم أرميني.

وحضر الحسين بن مخلد فختم على خزانته، وحمل إلى دار المتوكل ما صلح منها وباع شيئا كثيراً، وبقي بعد ذلك حطب وفحم ونبيذ وتوابل، فاشتراه الحسين بن مخلد بستة آلاف دينار. وذكر أنه باع من جملته بمبلغ ثمانية آلاف دينار.

ثم حسده حمدون ووشى إلى المتوكل وبذل فيما بقي في يده مما ابتاعه ستة آلاف دينار، فأجيب إلى ذلك وسلم إليه فباعه بأكثر من الضعف.

وكان هذا في سنة أربع وأربعين ومائتين للهجرة.

ولما توفي بختيشوع خلف عبيد الله ولده وخلف معه ثلاث بنات، وكان الوزراء والنظار يصادرونهم ويطالبونهم بالأموال، فتفرقوا واختفوا، وكان موته يوم الأحد لثمان بقين من صفر، سنة ست وخمسين ومائتين ».

٣٥٢

٤. وفي معرفة الجواهر لأبي الريحان البيروني « ١ / ٧٠ »: « دخل بختيشوع على المتوكل يوم مهرجان « عيد نيروز الفرس » فقال: أين هديتك؟ فقال: هديتي لم يملكها خليفة قبلك ولا مَلِك! وأخرج ملعقة زبرجد توزن ثمانية مثاقيل، وحكى عن أبيه جبريل أنه فصد دنانير جارية يحيى بن خالد، وأنه لما عاد إليها للتثنية وجدها تأكل رماناً بهذه الملعقة، وحين تم التسريح وشد العرق قالت له: خذ هذه الملعقة فأخذتها. فاعجب بها المتوكل وقال بحقٍّ ما أهلكوا أنفسهم!

وأحضر عتاب الجوهرى لتقويمها فنكل وقال: ما أعرف لهذه قيمة »!

٥. وفي تاريخ الطبري « ٣ / ٣٨٢ »: « وفيها « سنة ٢٤٤ » غضب المتوكل على بختيشوع وقبض ماله، ونفاه إلى البحرين ».

وفي تاريخ الطبري « ٧ / ٣٨٧ »: « وفيها « سنة ٢٤٥ » ضرب بختيشوع المتطبب مائة وخمسين مقرعة، وأثقل بالحديد، وحبس في المطبق في رجب ».

أقول: تدل هذه النصوص على أن المتوكل شخصية مريضة، فبدل أن يُقدر طبيبه ويحبه، ويستفيد من فكره ونبوغه لنفع المسلمين، أونفعه الشخصي، حسده وحقد عليه ودمر حياته، وخسَّرَ المجتمع طبيباً نابغاً!

فلا شك أنه مريض بالحسد، وصاحب شخصية معقدة غير سوية.

٣٥٣

تسليط العلماء النواصب والمجسمة على الأمة

تقدم في ترجمة المتوكل أنه قَرَّبَ النواصب والمجسمة: « فكان فيهم مصعب الزبيري وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، وعبد الله وعثمان ابنا محمد بن أبي شيبة الكوفيان وهما من بنى عبس، وكانا من حفاظ الناس. فقسمت بينهم الجوائز وأجريت عليهم الأرزاق، وأمرهم المتوكل أن يجلسوا للناس، وأن يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية، وأن يحدثوا بالأحاديث في الرؤية! فجلس عثمان بن محمد بن أبي شيبة في مدينة أبي جعفر المنصور، ووضع له منبر، واجتمع عليه نحومن ثلاثين ألفاً من الناس فأخبرني حامد بن العباس أنه كتب عن عثمان بن أبي شيبة. وجلس أبوبكر بن أبي شيبة في مسجد الرصافة، وكان أشد تقدماً من أخيه عثمان، واجتمع عليه نحومن ثلاثين ألفاً ». « تاريخ بغداد: ١٠ / ٦٧ ».

وتقدمت ترجمة بعضهم، ولا يتسع المجال لترجمة الجميع، ومنهم يحيى بن محمد بن صاعد عالم جسمة الحنابلة، وجده من غلمان المنصور. « العرش لابن أبي شيبة / ٢٦ ».

هشام بن عمار الدمشقي:

وهذه فقرات من ترجمته من سيرأعلام النبلاء: ١١ / ٤٢٠، قال: « الإمام الحافظ العلامة المقرئ، عالم أهل الشام، أبوالوليد السلمي وحدث عنه من أصحاب الكتب: البخاري، وأبوداود، والنسائي، وابن ماجة، وروى الترمذي عن رجل عنه، ولم يلقه مسلم، ولا ارتحل إلى الشام ..

٣٥٤

قال صالح بن محمد جزرة: كان هشام بن عمار يأخذ على الحديث ولا يحدث ما لم يأخذ. كنت شارطت هشاماً أن أقرأ عليه بانتخابي ورقة، فكنت آخذ الكاغد الفرعوني وأكتب مقرمطاً، فكان إذا جاء الليل أقرأ عليه إلى أن يصلي العتمة، فإذا صلى العتمة يقعد وأقرأ عليه فيقول: يا صالح ليس هذه ورقة، هذه شقة!

قال: وكان يأخذ على كل ورقتين درهماً ويشارط ويقول: إن كان الخط دقيقاً فليس بيني وبين الدقيق عمل سمعت محمد بن عوف يقول: أتينا هشام بن عمار في مزرعة له، وهوقاعد على مورج له وقد انكشفت سوءته، فقلنا: يا شيخ غط عليك. فقال: رأيتموه لن ترمد عينكم أبداً، يعني يمزح.

أخبرني بعض أصحاب الحديث ببغداد أن هشام بن عمار قال وجَّهَ المتوكل بعض ولده ليكتب عني قال: ونحن نلبس الأزر ولا نلبس السراويلات فجلست فانكشف ذكري فرآه الغلام، فقال: إستتر يا عم. قلت: رأيته، قال: نعم. قلت: أما إنه لا ترمد عينك أبداً إن شاء الله!

قال: فلما دخل على المتوكل ضحك، قال فسأله فأخبره بما قلت له، فقال: فأل حسن تفاءل لك به رجل من أهل العلم! إحملوا إليه ألف دينار.

قلت: لم يخرج له الترمذي سوى حديث سوق الجنة ونصه بتمامه: إن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم، ثم يؤذن في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا، فيزورون ربهم ويبرز لهم عرشه، ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة فتوضع لهم منابر من نور ومنابر من ذهب ومنابر من فضة، ويجلس

٣٥٥

أدناهم وما فيهم من دني على كثبان المسك والكافور، وما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلساً.

قال أبوهريرة: قلت: يا رسول الله، وهل نرى ربنا؟ قال: نعم، قال: هل تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر قلنا: لا. قال: كذلك لا تمارون في رؤية ربكم، ولا يبقى في ذلك المجلس رجل إلا حاضره الله محاضرة حتى يقول للرجل منهم: يا فلان ابن فلان، أتذكر يوم كذا وكذا، فيذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب، أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى، فسعة مغفرتي بلغت بك منزلتك هذه ويقول ربنا تبارك وتعالى: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم، فنأتي سوقاً قد حفت به الملائكة وفيه ما لم تنظر العيون إلى مثله ولم تسمع الآذان ولم يخطر على القلوب، فيحمل لنا ما اشتهينا، ليس يباع فيها ولا يشترى. وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضاً ..

ثم ننصرف إلى منازلنا فيتلقانا أزواجنا فيقلن: مرحباً وأهلاً، لقد جئت وإنَّ بك من الجمال أفضل مما فارقتنا عليه، فيقول: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار، ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا »!

ونلاحظ في شخصية هشام ابن عمار ماديته، وعدم تقيد الأخلاقي، وأحاديث تجسيم الله تعالى وتشبيهه، وكأن الله تعالى شخص من أقارب هشام بن عمار ورواته!

٣٥٦

علي بن جهم: مستشار المتوكل:

قال القاضي نور الله في الصوارم المهرقة / ٣٠٠: « وقد أرشدهم إلى ذلك كلام القاضي ابن خلكان من علماء أهل السنة في تاريخه المشهور، عند بيان أحوال علي بن جهم القرشي، حيث قال ما حاصله: إن التسنن لا يجتمع مع حب علي بن أبي طالب! وما كتبه أهل ما وراء النهر في زمان السلطان الأعظم الأمير تيمور وغيره من فتوى اشتراط بغض علي (ع) بقدر شعيرة، أوحبة رمانة، في صحة الإسلام، مشهورٌ، وفي ألسنة الجمهور مذكور »!

وفي الإمامة وأهل البيت « ٣ / ١٩٣ »: « وكان المتوكل يقرب علي بن جهم لا لشئ إلا لأنه كان يبغض أمير المؤمنين علي المرتضى رضي الله عنه وكرم الله وجهه في الجنة، وكان ابن الجهم هذا مأبوناً، سمعه أبوالعيناء يوماً يطعن على الإمام علي، فقال له: إنك تطعن على الإمام علي، لأنه قتل الفاعل والمفعول من قوم لوط، وأنت أسفلهما ».

وقال في شرح النهج « ٣ / ١٢٢ »: « ومن المنتسبين إلى سامة بن لؤي علي بن الجهم الشاعر وكان مبغضاً لعلي (ع). وقد هجاه أبوعبادة البحتري فقال فيه:

إذا ما حُصَّلَتْ عَلْيَا قريشٍ

فلا في العِير أنتَ ولا النَّفِير

وما الجهْمُ بن بدر حينَ يعزى

من الأقمار ثَمَّ ولا البدور

علامَ هجوتَ مجتهداً علياً

بما لفَّقتَ من كذبٍ وزور

أمالك في استكَ الوجْعاءِ شُغْلٌ

يكفُّك عن أذى أهل القبور

قال أبوالفرج: وكان علي بن الجهم من الحشوية، شديد النصب، عدواً للتوحيد والعدل خطب امرأة من قريش فلم يزوجوه، وبلغ المتوكل ذلك فسأل عن

٣٥٧

السبب فحدث بقصة بني سامة بن لؤي، وأن أبا بكر وعمر لم يدخلاهم في قريش، وأن عثمان أدخلهم فيها، وأن علياً (ع) أخرجهم منها، فارتدوا، وأنه قتل من ارتد منهم وسبى بقيتهم فباعهم من مصقلة بن هبيرة.

فضحك المتوكل وبعث إلى علي بن الجهم فأحضره وأخبره بما قال القوم، وكان فيهم مروان بن أبي حفصة المكنى أبا السمط وهومروان الأصغر، وكان المتوكل يغريه بعلي بن الجهم، ويضعه على هجائه وثلبه فيضحك منهما، فقال مروان:

إن جهماً حين تنسبهُ

ليس من عُجْمٍ ولا عَرَبِ

لجِّ في شتمي بلا سببٍ

سارقٌ للشعر والنسب

من أناسٍ يَدَّعُونَ أباً

ماله في الناس من عقب ».

٣٥٨

الفصل الثالث عشر:

الإمام الهادي (ع) مع المنتصر والمستعين والمعتز

ثلاثة خلفاء في ست سنين

عاصرالإمام الهادي صلوات الله عليه بعد المتوكل، ثلاثة خلفاء في ست سنين: المنتصر « ٢٤٧ ـ ٢٤٨ » والمستعين « ٢٤٨ ـ ٢٥٢ » والمعتز « ٢٥٢ ـ ٢٥٥ ». واستشهد (ع) في خلافة المعتز. ثم جاء المهتدي « ٢٥٥ ـ ٢٥٦ » فحكم سنة واحدة ثم جاء المعتمد فحكم طويلاً: « ٢٥٦ ـ ٢٧٩ ».

عصفت العاصفة بالمتوكل ومن بعده!

جرت سفينة النظام العباسي بريحٍ طيبةٍ في زمن المتوكل، فكانت الأمور طَوْعَ يديه، وعشرات ألوف الجنود الأتراك الذين اشتراهم أبوه يركعون أمامه ويؤدون له فروض الإحترام. وتوسع في البذخ والترف حتى فاق آباءه وأجداده في عدد القصور التي شيدها، والجواري التي ملكها، والملايين التي أنفقها!

ثم جاء غضب الله على المتوكل والعباسيين، فاضطرب نظام الخلافة بعده، وقصرت أعمار الخلفاء، وتسلط القادة الأتراك على مقدرات الدولة!

فقد ارتكب المتوكل خطأ فادحاً عندما قتل إيتاخ القائد العام للجنود الأتراك، وكان أبوه المعتصم سَلَّمَهُ الى إيتاخ وهو طفلٌ فربَّاه، وكان المتوكل يناديه يا أبي!

٣٥٩

وبقتله حقد عليه الأتراك، حتى قتلوه شرقتلة وهو سكران، ونصبوا بدله ابنه المنتصر، لأنه كان على خلاف مع أبيه.

قال الطبري « ٧ / ٣٩٠ » ملخصاً: « ثم دخلت سنة سبع وأربعين ومائتين، كان فيها مقتل المتوكل سبب ذلك: أن المتوكل كان أمر بإنشاء الكتب بقبض ضياع وصيف بأصبهان والجبل، وإقطاعها الفتح بن خاقان. فكُتبت الكتب بذلك وصارت إلى الخاتم « غرفة ختم المراسيم » على أن تتقدم يوم الخميس لخمس خلون من شعبان، فبلغ ذلك وصيفاً واستقر عنده الذي أُمر به في أمره.

وذكر بعضهم أن المتوكل عزم هو والفتح أن يُصِيِّرا غداهم عند عبد الله بن عمر البازيار، يوم الخميس لخمس ليال خلون من شوال، على أن يفتك بالمنتصر ويقتل وصيفاً وبغا وغيرهما من قواد الأتراك ووجوههم، فكثر عبثه يوم الثلاثاء قبل ذلك بيوم، فيما ذكر ابن الحفصي بابنه المنتصر، مرةً يشتمه، ومرةً يسقيه فوق طاقته، ومرةً يأمر بصفعه، ومرةً يتهدده بالقتل ..

حدثني بعض من كان في الستارة من النساء أنه التفت إلى الفتح فقال له: برئت من الله ومن قرابتي من رسول الله إن لم تلطمه يعني المنتصر!

فقام الفتح ولطمه مرتين يُمِرُّ يده على قفاه! فقال المنتصر: يا أمير المؤمنين لو أمرت بضرب عنقي كان أسهل عليَّ مما تفعله بي! فقال: إسقوه »!

وقال الذهبي في سيره: ١٢ / ٣٩، وتاريخه: ١٨ / ٢٠١: « وسكر المتوكل سكراً شديداً، ومضى من الليل ثلاث ساعات، إذ أقبل باغر في عشرة متلثمين تبرق أسيافهم،

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477