الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام12%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158926 / تحميل: 7030
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

مناقب لا ترقى إليها عزائم

ولو حلقت فوق السماك(١) العزائم

حواها أبونا غير ما متردد

يفرعها النجم المحلق هاشم

وكم للأوالي(٢) منقبا بابن فاطم

علي به يشقى(٣) العدو المخاصم.

وأما أن أبا بكر رضوان الله عليه ما خلف طائلا مع كثرة الفتوح(٤) فإن أبا عثمان صغر هذا المعنى إذ الفتوح للمسلمين كافة وله بهم أسوة رضوان الله عليه فعلى قول أبي عثمان لا شكر له ولا مدح أيضا(٥) بإيصال أموال المسلمين إليهم. وأما أن عليا كان مخفقا يعال ولا يعول واستفاد الرباع والمزارع والعيون والنخيل ومات ذا مال وأوقاف إن ذلك يوازي كل شيء ملكه أبو بكر(٦) فإن الذي يرد على ملقح الفتن في(٧) ذلك(٨) أن تكراره كون عليعليه‌السلام يعال إشارة إلى كون أمير المؤمنين في تربية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا(٩) وصمة في ذلك ولا مذلة ولو لم يكن أخاه وابن عمه العزيز عليه القريب إليه.

ولقد أحسن أمية بن أبي الصلت(١٠) مادح عبد الله بن

__________________

(١) السماك: والسماكان كوكبان نيران في السماء.

(٢) ن: للاولى. والاوالي جمع الاول.

(٣) ق: نسقي.

(٤) العثمانية: ٩٧.

(٥) لا توجد في: ج.

(٦) العثمانية: ٩٨.

(٧) ج: من.

(٨) لا توجد في: ن.

(٩) ج: ولا.

(١٠) امية بن عبد الله ابي الصلت بن ابي ربيعة شاعر جاهلي ادرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يسلم يقال انه كان قد نظر في الكتب وقراها ولبس المسوح تعبدا والتمس الدين وطمع في النبوة لانه

٢٤١

جدعان(١) في قوله

عطاؤك زين لامرئ إن حبوته

يزين وما كل العطاء يزين

فما إن يشين باذلا حر وجهه

إليك كما بعض العطاء يشين(٢) .

ولقد سعد وتمجد من كان مغذوا بطعام الرسول وكنف أشرف بذول يجمع له بين الغذاءين غذاء الطعام المعتاد والحكمة الهادية إلى طريق الرشاد ود من ملك ما بين خافقي المغارب والمشارق أن يكون مغذوهما المتشرف بهما.

ويؤكد الجواب عن تعيير(٣) أمير المؤمنينعليه‌السلام بالإخفاق فنقول:

علا المجد فانخزلت(٤) دونه

نقائص لا ترتقي مجده

__________________

قرأ في الكتب ان نبيا يبعث من العرب فكان يرجو ان يكونه، فلما بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حسده عدو الله فكان يحرض قريشا بعد وقعة بدر وكان يرثي من قتل من قريش في وقعة بدر.

انظر: الاغاني: ٤ / ١٢٠ والشعر والشعراء لابن قتيبة: ١٧٦ وتهذيب الاسماء: ١ / ١٢٦ واعلام الزركلي: ٢ / ٢٣.

(١) عبد الله بن جدعان التيمي القرشي احد الاجواد المشهورين في الجاهلية ادرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل النبوة وكانت له جفنة ياكل منها الطعام القائم والراكب فوقع فيها صبي فغرق وهو الذي خاطبه امية بن ابي الصلت بابيات اشتهر منها قوله:

ااذكر حاجتي ام قد كفاني

حياءك ان شيمتك الحياء

انظر: تاريخ اليعقوبي: ١ / ٢١٥ وخزانة البغدادي: ٣ / ٥٣٧ واعلام الزركلي: ٤ / ٧٦ والاغاني: ج ٣ و ٤ و ٨.

(٢) البيتان كما وردا في الديوان: ٤٩٩.

عطاءك زين لامرئ ان حبوته

بخير وما كل العطاء يزين

وليس بشيء لامرئ بذل وجهه

اليك كما بعض السؤال يشين

(٣) ق: تعبير.

(٤) انخزل: في كلامه انقطع ومن المكان انفرد ( المنجد ).

٢٤٢

وحنت إليه مزايا العلاء(١)

فنجم السماء غدا عبده

فكل كمال له صاحب

يدافع عن مجده ضده.

وأما ما استفادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه لم يخلفه بعده للوارث كما روى عنه بعض بنيه في وصفه ولقد تصدق بعين كأنها عنق جزور وقال لتطفئ عني حر النار شارحا لخوفه من الله تعالى وقد سئل هل كان علي يخاف؟

ونعم المال ما وسع المضطرين وجبر المكسورين ونقع غلة الصادين.

وقد صرح عدو رسول الله بوقفهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد روينا في صحيح الآثار صورة حال وقفيته من ذلك:

هذا ما أوصى به علي(٢) ابتغاء وجه الله ليولجني به الجنة ويصرفني به عن النار.

ويقول بعد كلام هذه صدقة واجبة بتلة(٣) حيا أنا أو ميتا تنفق في كل نفقة أبتغي بها وجه الله في سبيل الله ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب القريب(٤) .

وفي رواية أخرى معتبرة الغرض منها أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسم الفيء فأصاب عليا أرض فاحتفر فيها عينا فخرج منها ماء ينبع في السماء كهيئة عنق الجزور فسماها عين ينبع فجاء البشير ليبشره فقال بشر الوارث بشر الوارث هي صدقة بتا بتلا في حجيج بيت الله وعابري سبيله الغرض من الحديث(٥) .

__________________

(١) ق: العلى.

(٢) في المصادر: هذا ما اوصى به وقضى به في ماله عبد الله على الى اخره.

(٣) بتلة: مقطوعة، اي مقطوعة عن صاحبها لا رجعة له فيها.

(٤) المصادر: بزيادة والبعيد انظر: الكافي: ٧ / ٤٩ كتاب الوصايا، والتهذيب: ٩ / ١٤٦ كتاب الوقوف والصدقات.

(٥) الكافي: ٧ / ٥٤ كتاب الوصايا والتهذيب: ٩ / ١٤٨ كتاب الوقوف والصدقات.

٢٤٣

إذا عرفت هذا فلو لا أن ملقح الفتن عدو مبين لأمير المؤمنين صلوات الله عليه ما كان يعد هذه المقاصد في قبيل المعايب

إذا محاسني اللائي أمت(١) بها

صارت ذنوبا(٢) فقل لي كيف أعتذر

علي نحت المعاني(٣) من أماكنها

وما علي لهم أن تفهم البقر(٤) .

هل يعيب عاقل ساعيا في مواد الإحسان إلى الفقراء والقرباء والحج إلى بيت الله الحرام هذا رأي مهين ممن اعتمده مزاج سوء ممن قصده وغير مستغرب ذلك من خليط ابن الزيات(٥) وعشيرة

__________________

(١) ق: امث وفي ديوان البحتري: ادل.

(٢) في الديوان: كانت ذنوبي.

(٣) في الديوان: القوافي من مقاطعها.

(٤) البيتان هما للبحتري ( ٨٢٠ - ٨٩٧ ) من قصيدة يمدح بها علي بن مر الارمني مطلعها:

الشيب زجر له لو كان ينزجر

وبالغ منه لو لا انه حجر

(٥) هو ابو جعفر محمد بن عبد الملك بن ابان بن حمزة المعروف بابن الزيات، وزّر لثلاثة خلفاء من بني العباس وهم: المعتصم والواثق والمتوكل.

كان ابوه زياتا الا انه كان كثير المال، وكان محمد شديد القسوة، صعب العريكة، لا يرق لاحد ولا يرحمه وكان يقول: الرحمة خور في الطبيعة.

وكان ابن الزيات المذكور قد اتخذ تنورا من حديد، واطراف مساميره المحددة الى داخل، وهي قائمة مثل رووس المسال في ايام وزارته وكان يعذب فيه المصادرين، وارباب الدواوين المطلوبين بالاموال، ولم يسبقه احد الى هذه المعاقبة، وكان اذا قال له احد منهم: ايها الوزير ارحمني، فيقول له: الرحمة خور في الطبيعة فلما اعتقله المتوكل، امر بادخاله في التنور وقيده بخمسة عشر رطلا من الحديد فقال: يا أمير المؤمنين ارحمني، فقال له: الرحمة خور في الطبيعة.

قتل ابن الزيات سنة ٢٣٣.

قال ابن خلكان: وكان الجاحظ منقطعا اليه ( يعني ابن الزيات ) فخاف ان يوخذ مع اسبابه فغاب.

٢٤٤

المتقلب(١) في حطامه المغذو بشبهات طعامه. وهذا يوضح لك حيف سفه الساقط إذ مدح أبا بكر بكثرة المال وإنفاقه في سبيل الله مما لم يثبت برهانه وعاب أمير المؤمنين بكثرة المال مع إقراره بما وقفه في سبيل الله من الوقوف المتعددة وشهدت به الروايات من ذلك وغيره من نفقته في سبيل الله.

وأما أنه خلف ذهبا أو فضة فإن صاحب كتاب الاستيعاب قال(٢) وثبت عن الحسن بن علي من وجوه أنه قال لم يترك أبي إلا ثمانمائة درهم أو سبعمائة فضلت من عطائه كان يعدها لخادم يشتريها لأهله(٣)

__________________

وحكى ابن ابي العيناء قال: كنت عند ابن ابي دؤاد بعد قتل ابن الزيات فجيء بالجاحظ مقيدا وكان في اسبابه وناحيته وعند ابن ابي دؤاد محمد بن منصور، وهو اذ ذاك يلي قضاء فارس وخوزستان فقال ابن ابي دؤاد للجاحظ: ما تاويل هذه الآية:( وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) هود: ١٠٢ فقال: تلاوتها تاويلها اعز الله القاضي، فقال: جيئوا بحداد، فقال اعز الله القاضي، ليفك عني أو يزيدني؟ فقال: بل ليفك عنك، فجيء بالحداد وغمزه بعض أهل المجلس ان يعنف بساق الجاحظ ويطيل اسره قليلا، ففعل، فلطمه الجاحظ وقال: اعمل عمل شهر في يوم وعمل يوم في ساعة وعمل ساعة في لحظة، فان الغرر على ساقي وليس بجذع ولا ساجة، فضحك ابن ابي دواد وأهل المجلس منه، وقال ابن ابي دواد لمحمد بن منصور: انا اثق بظرفه ولا اثق بدينه. انظر وفيات الاعيان: ٥ / ٩٤ - ١٠٣ وترجمة ابن الزيات الى: مروج الذهب: ٤ / ٥ - ٦ وتاريخ ابن الاثير: ٧ / ٣٦.

(١) ج ون: المنقلب.

(٢) المصدر بزيادة: قد.

(٣) الاستيعاب: ٣ / ١١١٢.

ورواه ايضا الحاكم في مستدركه: ٣ / ١٧٣.

بسنده عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال: خطب الحسن بن علي عليهما‌السلام على الناس حين قتل علي عليه‌السلام ، فحمد الله واثنى عليه ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لا يسبقه الاولون ولا يدركه الاخرون، وقد كان رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم يعطيه رايته فيقاتل وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله عليه، وما ترك على أهل الارض صفراء ولا بيضاء الا سبعمائة درهم فضلت من عطاياه اراد ان يبتاع بها خادما لاهله ( الحديث ).

٢٤٥

__________________

وذكره ايضا ابو نعيم في حلية الاولياء: ١ / ٦٥ بسنده عن هبيرة بن يريم، ان الحسن بن عليعليهما‌السلام قام وخطب الناس وقال: لقد فارقكم رجل بالامس لم يسبقه الاولون، ولا يدركه الاخرون بعلم، كان رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم، يبعثه فيعطيه الراية فلا يرتد حتى يفتح الله عزّ وجلّ عليه، جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ما ترك صفراء ولا بيضاء الا سبعمائة فضلت عن عطاءه اراد ان يشتري بها خادما.

وروى هذا ايضا ابن سعد في طبقاته: ٣ / ٢٥ باختلاف يسير في اللفظ واورد ابن سعد في طبقاته: ج ٣ القسم ١ ص ٢٦ بسنده عن هبيرة بن يريم قال:

لما توفي علي بن ابي طالب عليه‌السلام قام الحسن بن علي عليهما‌السلام فصعد المنبر فقال: ايها الناس قبض الليلة رجل لم يسبقه الاولون ولا يدركه الاخرون، قد كان رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم يبعثه البعث فيكتنفه جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله فلا ينثني حتى يفتح الله له، وما ترك الا سبعمائة درهم اراد ان يشتري بها خادما ولقد قبض في الليلة التي عرج فيها بروح عيسى بن مريم ليلة سبع وعشرين من رمضان.

وذكر الهيثمي في مجمعه: ٩ / ١٢٦، قال:

عن ابي الطفيل قال: خطبنا الحسن بن علي عليهما‌السلام فحمد الله واثنى عليه وذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام خاتم الاوصياء ووصيّ الانبياء وامين الصديقين والشهداء ( ثم قال ): يا ايها الناس لقد فارقكم رجل ما سبقه الاولون، ولا يدركه الاخرون، لقد كان رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلم يعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله عليه، ولقد قبضه الله في الليلة التي قبض فيها وصي موسى وعرج بروحه في الليلة التي عرج فيها بروح عيسى بن مريم عليه‌السلام وفي الليلة التي انزل الله عزّ وجلّ فيها الفرقان والله ما ترك ذهبا ولا فضة وما في بيت ماله الا سبعمائة وخمسون درهما فضلت من عطاءه واراد ان يشتري بها خادما لام كلثوم.

ولقد روى النسائي في صحيحه: ص ٨ والمتقى في كنز العمال: ٦ / ٤١٢ والمحب الطبري في ذخائر العقبى: ص ١٣٨ احاديث بالمضامين المتقدمة.

وروى ابن عبد البر في الاستيعاب: ٢ / ٤٦٥ قال:

وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن ابي حيان التيمي عن ابيه قال: رأيت علي بن ابي طالب عليه‌السلام على المنبر يقول: من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن ازار ما بعته، فقام اليه رجل فقال: نسلفك ثمن ازار ( قال ) قال عبد الرزاق: وكانت بيده الدنيا كلها الا ما كان من الشام.

وروى هذا ايضا ابن سعد في طبقاته: ٦ / ١٦٥ عن ابي رجاء وقال: خرج علي عليه‌السلام

٢٤٦

قال صاحب كتاب الاستيعاب وأما تقشفه في لباسه ومطعمه فأشهر من هذا كله وذكر دليله في حال كسوته صلى الله عليه(١) وفي بعض ما نقلته أنه كان يختم على جراب فيه قوته لئلا يلت(٢) بدهن(٣) وكان صلّى الله

__________________

بسيف له الى السوق فقال: لو كان عندي ثمن ازار لم ابعه.

وذكره المتقى ايضا فى كنز العمال: ٦ / ٤٠٩.

عن علي بن الارقم عن ابيه قال: رأيت علي بن ابي طالب عليه‌السلام يعرض سيفا له في رحبة الكوفة ويقول: من يشتري مني سيفي هذا؟ والله لقد جلوت به غير مرة عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولو ان عندي ثمن ازار ما بعته.

ورواه ايضا ابو نعيم في حلية الاولياء: ١ / ٨٣ باختلاف يسير في اللفظ.

(١) الاستيعاب: ٣ / ١١١٢.

(٢) لتّ: الشيء دقه وسحقه ولت السويق: بله بشيء من الماء ( المنجد ).

(٣) وروى احمد بن حنبل في مسنده: ١ / ٧٨ بسنده عن عبد الله بن زرير انه قال:

دخلت على علي بن ابي طالب عليه‌السلام يوم الاضحى فقرب الينا حريرة ( دقيق يطبخ بلبن أو دسم. ) فقلت: اصلحك الله لو قربت الينا من هذا البط - يعني الوزر - فان الله عزّ وجلّ قد اكثر الخير، فقال: يا ابن زرير اني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لا تحل للخليفة من مال الله الا قصعتان قصعة ياكلها هو واهله وقصعة يضعها بين يدي الناس.

وروى ابو نعيم في حلية الاولياء: ١ / ٨١.

بسنده عن عبد الله بن شريك عن جده عن علي بن ابي طالب عليه‌السلام انه اتى بفالوذج ( حلواء تعمل من الدقيق والماء والعسل. ) فوضع قدامه فقال: انك طيب الريح، حسن اللون، طيب الطعم لكن اكره ان اعود نفسي ما لم تعتده.

والمتقى في كنز العمال: ٢ / ١٦١ قال:

عن ابي جعفر قال: اكل علي عليه‌السلام من تمر دقل ثم شرب عليه الماء ثم ضرب على بطنه وقال: من ادخله بطنه في النار فابعده الله ثم تمثل:

فانك مهما تعط بطنك سؤله

وفرجك نالا منتهى الذم اجمعا

وابو نعيم في حلية الاولياء: ١ / ٨٢ بسنده عن زيد بن وهب قال:

قدم على علي عليه‌السلام وفد من اهل البصرة فيهم رجل من اهل الخوارج يقال له الجعد بن نعجة فعاتب عليا عليه‌السلام في لبوسه فقال علي عليه‌السلام : مالك وللبوسي؟ ان لبوسي

٢٤٧

عليه ينشد في تضاعيف ما روى عنه السيد الرضي من كلامه

__________________

ابعد من الكبر واجدر ان يقتدي بي المسلم.

وذكره ايضا المحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ١٣٤.

وابن الاثير في اسد الغابة: ٤ / ٢٣ بسنده عن ابي نعيم قال:

سمعت سفيان يقول: ما بنى علي عليه‌السلام لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وان كان ليوتى بحبوته من المدينة في جراب.

وايضا في اسد الغابة: ٤ / ٢٤ بسنده عن ابي بحر عن شيخ لهم قال:

رأيت على علي عليه‌السلام ازارا غليظا قال: اشتريته بخمسة دراهم فمن أراد اربحني فيه درهما بعته، قال: ورأيت معه دراهم مصرورة فقال: هذه بقية نفقتنا من ينبع.

وأيضا اسد الغابة: ٤ / ٤٤ بسنده عن أبي النوار بياع الكرابيس: قال:

اتاني علي بن ابي طالب عليه‌السلام ومعه غلام له فاشترى مني قميصي كرابيس فقال لغلامه:

اختر ايهما شئت فاخذ احدهما واخذ علي عليه‌السلام الاخر فلبسه ثم مد يده فقال: اقطع الذي يفضل من قدر يدي فقطعه ولبسه وذهب.

والمتقى في كنز العمال: ٦ / ٤٠٩ قال:

عن عمرو بن قيس قال: رئي على علي عليه‌السلام ازار مرقوع فقيل له فقال: يقتدي به المؤمن ويخشع به القلب.

وايضا في كنز العمال: ٦ / ٤١٠ قال:

عن زيد بن وهب قال: خرج علينا علي عليه‌السلام وعليه رداء وازار قد وثقه بخرقة فقيل له: فقال: انما البس هذين الثوبين ليكون ابعد لي من الزهو وخيرا لي في صلاتي وسنة للمؤمنين.

والمحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ٢٣٠ قال:

وعن ابن عباس قال: اشترى علي بن ابي طالب عليه‌السلام قميصا بثلاثة دراهم وهو خليفة وقطع كمه من موضع الرسغين وقال: الحمد لله الذي هذا من رياشه.

المتقى في كنز العمال: ٦ / ٤١٠ قال:

عن ابي مطر قال: خرجت من المسجد فاذا رجل ينادي خلفي: ارفع ازارك فانه اتقى لربك واتقى لثوبك وخذ من راسك ان كنت مسلما، فاذا هو علي عليه‌السلام ومعه الدرة فانتهى الى سوق الابل فقال: بيعوا ولا تحلفوا فان اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة ثم اتى صاحب التمر فاذا خادم تبكي فقال: ما شانك؟ فقالت: باعني هذا تمرا بدرهم فابى مولاي ان يقبله، فقال: خذه واعطها درهما فانه ليس لها امر فكأنّه ابى فقلت: الا تدري من هذا؟ قال: لا، قلت: علي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فصب تمره واعطاها درهمها وقال: احب ان ترضى

٢٤٨

وحسبك داء أن تبيت ببطنة

وحولك أكباد تحن إلى القد

وأما أنه أكثر التزويج(١) معيرا له بذلك فإن ذلك طعن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ كانت سنته حثه على ذلك.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المكثر من النساء مات عن تسع وعلى هذا فطعن أبي عثمان طعن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكره لعلي إسرار للحسو في الارتغاء وطعن على الكتاب المجيد في قوله تعالى( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (٢) وقد قال سفيان بن عيينة(٣) إن كثرة النساء ليس من الدنيا فإنه لم يكن في الصحابة أزهد من علي بن أبي طالب وكان له سبع عشرة سرية وأربع نسوة.

__________________

عني يا أمير المؤمنين قال: ما ارضاني عنك اذا وفيتهم ثم مر مجتازا حتى انتهى الى اصحاب السمك فقال: لا يباع في سوقنا طافي ثم اتى دار بزاز وهي سوق الكرابيس فقال: يا شيخ احسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم فلما عرفه لم يشتر منه شيئا، ثم اتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم ولبسه ما بين الرسغين الى الكعب، فجاء صاحب الثوب فقيل له: ان ابنك باع من امير المؤمنين قميصا بثلاثة دراهم، قال: فهلا اخذت منه بدرهمين فاخذ الدرهم ثم جاء به الى عليعليه‌السلام فقال: امسك هذا الدرهم، قال: ما شانه؟ قال: كان قميصنا ثمنه درهمين باعك ابني بثلاثة دراهم قال: باعني برضاي واخذت برضاه.

(١) العثمانية: ٩٨.

(٢) الاحزاب: ٢١ تتمتها:( لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ) .

(٣) سفيان بن عيينة بن ابي عمران ميمون الهلالي الكوفي.

سكن مكة وأصله من الكوفة، كان صاحب حديث ورواية، فقد روى عن جماعة كالزهري وابي اسحاق السبيعي، كما روى عنه طائفة منهم الشافعي ويحيى بن اكثم القاضي. ولد سفيان في منتصف شعبان سنة ١٠٧ ه‍ وتوفي في جمادى الاخرة سنة ١٩٨ وقيل غير ذلك انظر: وفيات الاعيان: ٢ / ٣٩١ والجرح والتعديل: ٤ / ٢٢٥ وتهذيب التقريب: ٤ / ١١٧.

٢٤٩

وأما ما ذكره من تعيير معاوية له بالطلاق المتكاثر(١) فإني أراه واهما أو معاندا وفي السيرة أنهعليه‌السلام كان يعتذر عن الطلاق بعزة من عنده من النسوان عليه.

وأما أن أبا بكر رضوان الله عليه أوصى أن ترد عمالته(٢) فهو قول لا يمكننا الجواب عنه.

ومدح أبا بكر رضوان الله عليه بنزول الآي فيه(٣) قال وليس هو كمن ذكره في جملة المؤمنين وجمهور الأنصار والمهاجرين وأعاد ذكر عائشة رضوان الله عليها وقذفها وأن الله تعالى أنزل براءتها(٤) .

وهو قول ساقط بعيد من الأنفة وكرر قصة الغار وقد ذكرنا ما عندنا في ذلك واستجهلنا المشار إليه وأنه(٥) منافق في كونه لا يعرف ما نزل في أمير المؤمنينعليه‌السلام أو بعضه من الآي وهو لو ضبط احتاج إلى عدة أجزاء(٦) .

ومنع(٧) أن يكون الذي نزلت عليه السكينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه كان رابط الجأش وهذا الجاهل بالسنة ما كأنه كان سمع القرآن ولا يهمه فهمه ولا علمه لأن الله تعالى قال في غير هذا الموضع في سورة الفتح ما يشهد بجهل أبي عثمان - بالكتاب أو معاندته قال الله تعالى( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ) (٨)

__________________

(١) العثمانية: ٩٨.

(٢) العثمانية: ٩٨.

(٣) العثمانية: ٩٩.

(٤) العثمانية: ١١٢.

(٥) ق: فانه.

(٦) ن بزيادة: او انه منافق.

(٧) ق: يمنع.

(٨) الفتح: ٢٥ واولها:( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ ) .

٢٥٠

وأطال الكلام الغث في التعلق(١) بحديث الغار وحكى أقوالا واردة عليه والبحث الغث المطول مما تسأمه النفوس وتعافه العقول ثم كرر حديث مسطح قاذف عائشة بالزناء فلا أحسن الله تعالى جزاءه وأسحقه(٢) .

[ و ](٣) قال وكذب إن أهل التأويل أجمعوا على أنه عنى بقوله( وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ) (٤) عبد الرحمن بن أبي بكر في أبيه(٥) وأمه(٦) .

والدليل على كذبه وأنه ممن لا يوثق برواياته وحكاياته إما لجهله البين أو كذبه الشنيع والأولى أن يقال أنه احتوى على القسمين.

قال الثعلبي في غضون تفسير سورة الأحقاف قال محمد بن زياد كتب معاوية إلى مروان حتى يبايع الناس ليزيد فقال عبد الرحمن بن أبي بكر لقد جئتم بها هرقلية أتبايعون لأبنائكم فقال مروان هذا الذي يقول الله فيه( وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ) الآية فسمعت عائشة بذلك فغضبت وقالت(٧) والله ما هو به ولو شئت لسميته ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه وأنت(٨) فضض(٩) من لعنه الله(١٠) .

وأقول إن الذي أشار إليه لو ثبت لم يحسن أن يذكر من غرر مناقب من

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لا توجد في: ن.

(٢) ه‍ ق: اسخفه.

(٣) لا توجد في: ق.

(٤) الاحقاف: ١٧ وتتمتها:( أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) .

(٥) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ج وق.

(٦) العثمانية: ١١٣.

(٧) ن: فقالت.

(٨) ن: فانت.

(٩) فضض: كل متفرق ومنتشر يقال خرج فضض من الناس أي فرق متفرقة ( المنجد ).

(١٠) الكشف والبيان: مخطوط.

٢٥١

ارتضاه جمع كثير(١) للخلافة وعولوا عليه في الرئاسة ولو صدر هذا من امرأة ما استكبر منها فكيف من مثله؟

مع ذلك فإن الحائد عن الطريق سب رجلا مسلما بعد إسلامه وادعى أن الجميع رووا كراهيته(٢) الإسلام وما كان الأمر كذا وكيف يليق بعاقل أن يذكر مثل هذا مخايرا بينه وبين فعلات العزمات الهاشميات - رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي(٣) وحمزة وجعفر وعبيدة بن الحارث وكونهم دعوا إلى الإسلام متعرضين لشبا الرماح وظبا الصفاح ومنازلة أهل الكفاح حتى قتل حمزة وجعفر وعبيدة في هاتيك المقامات وكسرت رباعية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعنى الجميع عائد إليه.

ويشابه هذا ما ادعى من كون(٤) الحاضرين في بعض الغزوات على ما سلف من بني تيم أكثر من الهاشميين تفضيلا لأبي بكر رضوان الله عليه.

وأما هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه كان في هاتيك المزاحف مجلي غياباتها مفرج كرباتها ممدوح إله الأرض والسماوات(٥) يحطم القرون ويخالط المنون ويستسهل الحزون(٦) ويجرع كأس الأهوال ولا يتهيبها ويرتع منابت الأخطار ولا يتجنبها حتى قامت دعائم الدين ووهت قوائم المعادين فله بذلك الحقوق الجمة على كل مسلم صحت عقيدته بل وإن فسدت طريقته إذ كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صادم الخطوب ليقرر قواعد الإسلام ويسفر وجه الحق ويهدي أهل الضلالة خارجين عن الآثام.

__________________

(١) ق وج: كبير.

(٢) ن: كراهية.

(٣) ما بين المعقوفتين لا توجد في: ق.

(٤) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ج وق.

(٥) ن: ارضها وسماواتها.

(٦) الحزون: مفرده الحزن ( بالفتح ) ما غلظ من الارض ( المنجد ).

٢٥٢

مزايا إذا ما قابل الشمس ضوؤها

محا ضوؤها منه السناء المحلق(١)

يحلي ذرى تيجانها الحق إذ حوى(٢)

شوارد قد أضنى(٣) علاها التفرق(٤) .

قال واجتمع أهل التأويل على أن قوله( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٥) نزلت في أبي بكر وأبي جهل(٦) .

أقول إني اعتبرت ما اتفق من كتب التفسير تصانيف أهل السنة فما رأيت لما ادعى الاتفاق عليه ذكرا أصلا(٧) ومن فظيع سوء الأدب قوله قوله إشارة(٨) إلى إله الوجود غير معظم ولا مفخم ولا ذاكر له أصلا(٩) .

[ و ](١٠) قال وقال(١١) تعالى( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ) الآية(١٢) يعني أبا بكر في إنفاقه المال وعتقه الرقاب والمعذبين( وَتَوَلَّى ) (١٣) يعني أبا جهل وليس في الأرض صاحب تأويل خالف تأويلنا ولا

__________________

(١) في الهامش: للمصنف لا عدمت الدنيا انواره.

(٢) ن: هوى.

(٣) ن: اخنى. وق: اضبى. واضنى: اذا تمكن منه الضعف والهزال ( المنجد ).

(٤) ن: التعلق.

(٥) الملك: ٢٢.

(٦) العثمانية: ١١٣ - ١١٤.

(٧) لا توجد في: ن.

(٨) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٩) فان الجاحظ قال: واجتمع أهل التاويل على ان « قوله »: افمن يمشي الى اخره فلم يات بكلمة تدل على تفخيم الا له سبحانه وتعالى.

(١٠) لا يوجد في: ق.

(١١) لا يوجد في: ن.

(١٢) الليل: ٥ و ٦.

(١٣) اشارة الى الآية ١٦ من سورة الليل:( الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ) .

٢٥٣

رد قولنا إن هذه الآية نزلت في أبي بكر -(١) .

والذي أقول على هذا إنه كذب من عدة وجوه أنا حاكيها عن(٢) جهة لا تتهم ولا تستغش.

قال الثعلبي الشيخ المقدم(٣) في علم التفسير الشافعي وقال أبو عبد الرحمن السلمي والضحاك( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ) لا إله إلا الله وهي رواية عطية عن ابن عباس وقال مجاهد بالجنة ودليله قوله( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى ) (٤) وقال قتادة ومقاتل والكلبي موعود الله.

وقال ما صورته وقيل نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديقرضي‌الله‌عنه ولم يسند ذلك ولا حكاه عن مفسر(٥) .

ورواه أيضا مرفوعا من طريق هشام بن عروة عن سالم وعن هشام بن عروة عن أبيه وآل الزبير وجههم عبد الله وشيخهم ومقدمهم وكان عدوا للبيت العلوي.

ورواها أيضا عن ابن الزبير عن سعيد بن المسيب غير مرفوع وهذا الذي حكيناه يظهر منه كذب المشار إليه لأنه ادعى أن معنى( الْحُسْنى ) الصدقة التي وقعت منه إجماعا.

وقد حكيت عن جماعة ليس المراد( بِالْحُسْنى ) الصدقة.

وجه ثان في الأخذ عليه إذ حكى أن الجملة الأخيرة نزلت في أبي جهل

__________________

(١) العثمانية: ١١٤.

(٢) ن: من.

(٣) لا توجد في: ن.

(٤) يونس: ٢٦ وتتمتها:( وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ، أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) .

(٥) الكشف والبيان: مخطوط.

٢٥٤

إجماعا وحكى الثعلبي عن الكلبي أنها نزلت في أبي سفيان بن حرب(١) .

وجه ثالث في الأخذ عليه في ادعائه الإجماع على أنها نزلت في أبي بكر قال الثعلبي وأخبرنا أبو القاسم يعقوب بن أحمد بن السروي العروضي في درب الحاجب أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله العماني الحفيد حدثنا محمد بن سوار بن شبان(٢) حدثنا علي بن حجر عن إسحاق بن نجيح عن عطاء قال كان لرجل من الأنصار نخلة وكان له جار وكان يسقط من نخلها في دار(٣) جاره وكان صبيانه يتناولون فشكا ذلك إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعنيها بنخلة في الجنة فأبى قال فخرج فلقيه أبو الدحداح فقال له(٤) هل لك أن تبعنيها(٥) بحبس يعني حائطا فقال هي لك فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال يا رسول الله أتشتريها مني بنخلة في الجنة قال نعم هي لك فدعى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جار الأنصاري فقال خذها فأنزل الله تعالى( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى ) إلى قوله( إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ) (٦) أبو الدحداح والأنصاري صاحب النخلة( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ) (٧) أبو الدحداح( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ) (٨) يعني الثواب وإن( الْأَشْقَى ) (٩) صاحب

__________________

(١) الكشف والبيان: مخطوط.

(٢) ن: سنان.

(٣) ن: داره ولا توجد فيها كلمة ( جاره ).

(٤) لا توجد في: ج ون.

(٥) ن: تبيعنيها.

(٦)( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى. وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى. وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى. إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ) الليل:١ - ٤.

(٧) الليل: ٥.

(٨) الليل: ٦.

(٩) اشارة الى الآية:( لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى ) الليل: ١٥.

٢٥٥

النخلة قال( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ) (١) يعني أبا الدحداح( الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى ) (٢) أبا الدحداح( وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ) (٣) يكافئه بها يعني أبا الدحداح فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمر بذلك الحبس وعذوقه دانية فيقول عذوق وأي عذوق لأبي الدحداح في الجنة.

وروى بعض أشياخنا(٤) عن ابن عباس أنها نزلت في أبي الدحداح وروى الواحدي في الوسيط(٥) وما يبعد أن يكون منحرفا عن أهل بيت النبوة قال حدثنا الشيخ أبو معمر المفضل بن إسماعيل إملاء بجرجان سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر الحافظ حدثنا(٦) أبو الحسن علي بن الحسين(٧) بن هارون حدثنا العباس بن عبد الله اليرفعي(٨) حدثنا حفص بن عمر حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس وذكر قصة النخلة(٩) وبين القصتين تفاوت ولم يذكر أبا الدحداح بل ذكر رجلا

__________________

(١) الليل: ١٧.

(٢) الليل: ١٨.

(٣) الليل: ١٩.

(٤) لعله الشيخ الطبرسي فقد ذكر ذلك في تفسيره مجمع البيان: ١٠ / ٥٠١ و ٥٠٢.

(٥) الوسيط: مخطوط.

(٦) في المصدر: اخبرنا وكذلك البقية.

(٧) ن: الحسن وكذا في المصدر.

(٨) ن: اليرفقى وفي المصدر الترقفى.

(٩) قال في اسباب النزول ص ٢٥٤:

ان رجلا كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير ذي عيال وكان الرجل اذا جاء ودخل الدار فصعد النخلة لياخذ منها التمر فربما سقطت التمرة فياخذها صبيان الفقير فينزل الرجل من نخلته حتى ياخذ التمرة من فمهم، فان وجدها في فم احدهم ادخل اصبعه حتى يخرج التمرة من فيه فشكا الرجل ذلك الى النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم واخبره بما يلقى من صاحب النخلة فقال له النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم: اذهب ولقى صاحب النخلة وقال: تعطيني نخلتك المائلة التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة؟ فقال له الرجل: ان لي نخلا كثيرا وما فيها نخلة اعجب اليّ ثمرة منها، ثم ذهب الرجل فلقى رجلا هو ابن الدحداح كان يسمع الكلام من

٢٥٦

مجهولا فقال(١) بعد ذلك فأنزل(٢) الله تعالى( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ) (٣) ثم حكى عن المفسرين بعد ذلك أنها نزلت في أبي بكر(٤) ولا أعرف في رجال الحديثين اللذين رويناهما مقولا فيه متهما في الافتراء.

إذا عرفت هذا ظهر لك أن أبا عثمان رجل رديء جدا أو جاهل جدا وكيف تقلبت الحال فهو غير صالح للقاء الخصوم ومبارزة فرسان المباحث ومتى فتح باب الجهل والعناد فتح على أبي عثمان من ذلك ما لا طاقة له به وهو يأباه.

قال وأما قوله تعالى( قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) إلى قوله تعالى( أَلِيماً ) (٥) فزعم ابن عباس أن القوم بنو حنيفة وأن أبا بكر تولى حربهم وزعم غيره أنهم فارس والروم فإن المستثير إلى

__________________

رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقال: يا رسول الله اتعطيني ما اعطيت الرجل نخلة في الجنة ان انا اخذتها؟ قال: نعم، فذهب الرجل فلقى صاحب النخلة فساومها منه فقال له:اشعرت ان محمدا اعطاني بها نخلة في الجنة؟ فقلت: يعجبني ثمرها، فقال له الاخر: اتريد بيعها؟ قال: لا الا ان اعطي بها مالا اظنه اعطى، قال: فما مناك؟ قال: اربعون نخلة قال له الرجل: لقد جئت بعظيم تطلب بنخلتك المائلة اربعين نخلة ثم سكت عنه، فقال له: انا اعطيك اربعين نخلة، فقال له: اشهد لي ان كنت صادقا فمر ناس فدعاهم فاشهد له باربعين نخلة، ثم ذهب الى النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقال: يا رسول الله ان النخلة قد صارت في ملكي فهي لك، فذهب رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم الى صاحب الدار فقال: ان النخلة لك ولعيالك، فانزل الله تبارك وتعالى ( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى. وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى. وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى. إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ) .

(١) ق: وبعد ذلك.

(٢) ق: انزل.

(٣) الليل: ١ - ٤.

(٤) انظر اسباب النزول: ٢٥٤ و ٢٥٥.

(٥) الفتح: ١٦ والآية كاملة هي( قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً ) .

٢٥٧

قتال الروم أبو بكر وإن كان عمر هو المقاتل لكسرى فإن ذلك راجع إلى أبي بكر(١) قال ومثل هذا كثير ولم يجئ المجيء الذي يحتج به المنصف والمرشد ولكن الحجة القاطعة وإجماع المفسرين في الآيات التي ذكرناها من قبل في قصة الغار والنصرة وفي قصة مسطح وفي قصة عبد الرحمن بن أبي بكر وأبويه ودعائهما(٢) إلى الإسلام وقصة أبي بكر وأبي جهل(٣) .

والذي أقول على هذا إنه لا يلزم من الدعاء إلى قتال المشركين رئاسة من دعاهم بل كل مدعو إلى الصواب يتعين عليه الانبعاث سواء كان ذلك من رئيس أو مرءوس شريف أو مشروف.

وأما ما يتعلق بالغار فقد ذكرنا ما عندنا فيه وقد ذكرنا ما يتعلق بمسطح وكذا ما يتعلق بعبد الرحمن وذكرنا ما يصلح للورود على كونه رضوان الله عليه دعا أبويه إلى الإسلام وذكرنا الجواب عن قصة أبي بكر وأبي جهل ومع ذلك فإن أبا عثمان أكثر ما يفيده التعلق بقصة أبي بكر رضوان الله عليه وأبي جهل أنه رضوان الله عليه مسلم أو نحو هذا وهذا لا ينبغي أن يذكر في معرض المفاخرة لأمير المؤمنينعليه‌السلام إذ قد روينا من طريق أرباب الحديث أنه ما نزلت آية( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلا وعلي أميرها حسب ما سلف(٤) .

وروى الثعلبي الشافعي السني بإسناده ولا أعرف فيه إماميا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين علي بن أبي طالب

__________________

(١) العثمانية: ١١٤.

(٢) في المصدر بزيادة: له.

(٣) العثمانية: ١١٥.

(٤) تقدمت الاشارة اليه ص (٧٠).

٢٥٨

وصاحب يس ومؤمن آل فرعون فهم الصديقون حبيب النجار مؤمن آل يس وحزقيل مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم الغرض من الحديث(١) .

وأغفلت شيئا ذكره أبو عثمان فإنه قال وقد زعم جويبر عن الضحاك في قوله( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٢) قال أبو بكر وعمر ولم يسند أبو عثمان(٣) ذلك(٤) .

قال وقد زعم(٥) عن الفضل بن دلهم عن الحسن في قوله( فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) (٦) قال وهم والله أبو بكر وأصحابه(٧) ولم يسند ذلك.

__________________

(١) الكشف والبيان: مخطوط. وذكر المتقي في كنز العمال: ٦ / ١٥٢ قال: الصديقون ثلاثة:حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار صاحب آل يس، وعلي بن ابي طالب. وذكر هذا ايضا السيوطي في الدر المنثور: ٢ في ذيل تفسير قوله تعالى ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ) قال: واخرجه البخاري في تاريخه عن ابن عباس. وذكره ايضا المناوي في فيض القدير: ٤ / ٢٣٧ وابن حجر في الصواعق المحرقة: ص ٧٤. وايضا في كنز العمال: ٦ / ١٥٢ قال: الصديقون ثلاثة، حبيب النجار مؤمن آل يس، ( قالَ: يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) ، وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: ( أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ ) ، وعلي بن ابي طالب وهو افضلهم. وذكره ايضا السيوطي في الدر المنثور: في ذيل تفسير قوله تعالى: ( وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ ) وذكره كذلك المناوي في فيض القدير: ٤ / ٢٣٨ والمحب الطبري في ذخائر العقبى: ص ٥٦ وفي الرياض النضرة: ٢ / ١٥٣.

(٢) التوبة: ١١٩.

(٣) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق.

(٤) العثمانية: ١١٤.

(٥) في المصدر بزيادة: وكيع.

(٦) المائدة: ٥٤ والآية:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) .

(٧) العثمانية: ١١٥.

٢٥٩

والعجب ممن يصادم الرجال مهملا الاحتياط والتحرز.

والذي أقول عند هذا:

إن أبا عثمان كفانا مئونة البحث في هذه الجملة لأنه ضعفها وزيفها ونضرب عن هذا ونقول: إن أبا نعيم الحافظ وليس من عداد الإمامية قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد قال حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون(١) قال حدثنا محمد بن مروان عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس(٢) ( اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٣) قال هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام (٤) .

وروى الثعلبي عن ابن عباس أنها نزلت في علي وأصحابه وذكر غير ذلك(٥) .

وأما الآية الأخرى فإن الواحدي(٦) حكى حكاية أنها في أبي بكر

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٢) ن بزيادة: في.

(٣) التوبة: ١١٩ وقبلها:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) .

(٤) ما نزل من القرآن في علي: مخطوط.

(٥) الكشف والبيان: مخطوط. وذكر نزول هذه الآية بشان عليعليه‌السلام :

الكنجي الشافعي في كفاية الطالب: ١١١ وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ٢٠ والسيوطي في الدر المنثور: ٣ / ٢٩٠ وقال:

واخرج ابن عساكر عن ابي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى: ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) قال: مع علي بن ابي طالب عليه‌السلام .

والآلوسي في روح المعاني: ١١ / ٤١ والقندوزي في ينابيع المودة: ١١٩.

(٦) لم اعثر عليه في ( اسباب النزول )، بالطبعة التي بين يدي. اقول روى نزول آية( فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) الثعلبي في تفسيره الكشف والبيان ( على ما في احقاق الحق ٣ / ١٩٨ ) والرازي في تفسيره: ١٢ / ٢٠ والنيشابوري في تفسيره: ٦ / ١٤٣ ( بهامش الطبري ط الميمنية بمصر ).

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

فهجموا علينا وقصدوا المتوكل، وصعد باغر وآخر إلى السرير فصاح الفتح: ويلكم مولاكم! وتهارب الغلمان والجلساء والندماء وبقي الفتح، فما رأيت أحداً أقوى نفساً منه، بقي يمانعهم، فسمعت صيحة المتوكل إذ ضربه باغر بالسيف المذكور على عاتقه فقدَّه إلى خاصرته، وبعج آخر الفتح بسيفه فأخرجه من ظهره وهوصابرٌ لايزول، ثم طرح نفسه على المتوكل فماتا، فَلُفَّا في بساط ثم دفنا معاً. وكان بُغا الصغير استوحش من المتوكل لكلام، وكان المنتصر يتألف الأتراك، لا سيما من يُبعده أبوه ».

وتقدم من سمط النجوم « ٣ / ٤٦٦ »: « فضربهما باغر ضربة ثانية فماتا جميعاً، فلفهما معا في بساط، ومضى هو ومن معه، ولم ينتطح في ذلك عنزان ».

أقول: لم ينتطح في المتوكل عنزان، لأن غير الأتراك لا قرونَ لهم، والأتراك أصحاب القرون أمسكوا برقبة الخلافة، ينصبون من يعجبهم ويعزلون من لا يعجبهم.

سيطرة المماليك على خلافة العباسيين!

كان شراء المماليك في زمن بني أمية رائجاً، ففي تاريخ الطبري « ٥ / ٥٣٣ »: « وفي هذه السنة « ١٢٥ هجرية » كتب يوسف بن عمر « والي العراق الأموي » إلى نصر بن سيار « والي خراسان » يأمره بالقدوم عليه، ويحمل معه ما قدر عليه من الهدايا والأموال فلما أتى نصراً كتابه، قسَّم على أهل خراسان الهدايا، وعلى عماله « أي شراءها » فلم يدع بخراسان جارية ولا عبداً، ولا برذوناً فارهاً إلا أعده، واشترى ألف مملوك وأعطاهم السلاح، وحملهم على الخيل.

٣٦١

قال: وقال بعضهم كان قد أعد خمس مائة وصيفة، وأمر بصنعة أباريق الذهب والفضة وتماثيل الظباء ورؤوس السباع والأيايل وغير ذلك، فلما فرغ من ذلك كله كتب إليه الوليد يستحثه فسرح الهدايا حتى بلغ أوائلها ببيهق، فكتب إليه الوليد يأمره أن يبعث إليه ببرابط وطنابير، فقال بعض شعرائهم:

أبشرْ يا أمينَ الله

أبشر بتباشيرْ

بإبلٍ يحُمل الما

لُ عليها كالأنابيرْ

بغالٌ تحمل الخمرَ

حقائبُها طنابيرْ

ودَلُّ البربريات

بصوتِ البّمِّ والزِّيرْ

وقرع الدفِّ أحياناً

ونفخٍ بالمزاميرْ

فهذا لك في الدنيا

وفي الجنة تحبيرْ ».

وقال الدكتور شفيق جاسر أحمد في كتابه: المماليك البحرية « ١ / ١٠٩ »: « رُويَ عن أبي جعفر المنصور أنه سأل أحد الأمويين عمن وجدوا عندهم الوفاء بعدما أصابهم؟ فقال: الموالي، فقرر المنصور أن يعتمد على مواليه ويستعين بهم. وكان الخليفة المأمون العباسي أول من استكثر من المماليك، ثم تلاه أخوه المعتصم الذي أراد أن يحد من نفوذ جنوده من الفرس والعرب، فكون جيشاً أغلبه من التركمان. كان يشتريهم صغاراً ويربيهم، حتى وصل عددهم إلى عشرين ألفاً ».

وفي الفخري في الآداب السلطانية « ١ / ٢٢٨ »: « وقيل إن المعتصم استكثر من المماليك، فضاقت بهم بغداد وتأذى بهم الناس وزاحموهم في دورهم، وتعرضوا للنساء، فكان في كل يوم ربما قتل منهم جماعة وسار إلى موضع سامرا فبناها، وكان ذلك في سنة إحدى وعشرين ومائتين ».

٣٦٢

وفي موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر، بقلم هيئة التحرير / ٦٢٨: « يُعد الخليفة المعتصم أول من بدأ بجلب المماليك الأتراك، ليقوى بهم فى الحروب التي واجهته، وليكونوا موضع ثقته، بعد أن خاف أن يكون هوى الجند العرب مع منافسيه العلويين »!

أقول: كانت أم المعتصم تركية فكان يجيد التركية، واعتنى باقتناء غلمان الترك لحراسته: « وكان يجلبهم من بلاد ما وراء النهر، من سمرقند وفرغانة والسند، وأشروسنة والشاش والقوقاز، وأعالي نهر جيحون وخوارزم ونيسابور ومرو، وبلغاريا الممتدة من بحر قزوين إلى الأدرياتيكي. وراجت بسببه تجارة الرقيق الترك، ونشط يهود سكسونيا الشرقية، وأنشؤوا مراكز تجمع للرقيق، ومراكز خصاء، فبلغ ما اقتناه المعتصم منهم بضعة عشر ألفاً، ثم تزايد العدد أضعافاً.

وكانوا يسلمون المماليك إلى فقهاء ليربوهم على الإسلام، ثم يلحقونهم بالخدمة العسكرية، ثم يرقُّونهم من الإسطبلات إلى الحراسة الأمنية، إلى قيادة عشرة، إلى إمارة السرايا والجيوش ». « تحفة الترك « ١ / ٧ » لنجم الدين الحنفي المتوفى ٧٥٨ ».

وقد راجت تجارة الغلمان خاصة من آسيا الوسطى، وصار العصابات تسرق الناس لتبيعهم الى الخليفة ووكلائه!

ومن رواياتهم أنهم سرقوا جماعة كان فيهم عالم دين، فكانوا في طريقهم يَحُلُّون وثاقه ليصلي بهم إماماً، فقال لهم يوماً: هل يجوز بيع القرآن؟ قالوا: لا، فقال: إن الإمام كالقرآن فلا يجوز لكم بيعي فأطلقوني!

٣٦٣

فتشاوروا بينهم ثم قالوا له: هل يجوز إهداء القرآن؟ قال نعم. قالوا له: أنت كالقرآن لا نبيعك بيعاً، بل نهديك لوكيل الخليفة هديةً!

وكان الخليفة يختار القادة الكبار لجنده، لكنه كان ملزماً بتعيين من يرضون قيادته ويحبونه، فكان القائد التركي الناجح هو الذي يكسب رضا الجنود ورضا الخليفة، ورضا القائد الأكبر منه.

وكان كبار قادة الأتراك: إيتاخ الذي قتله المتوكل، ووصيف، وابنه صالح، وبُغا الصغير، وبُغا الكبير، وموسى بن بغا، وبايكباك، وأوتامش الخ.

أما المستوى الثقافي والسلوكي لهم فكان واطئاً خشناً، وقل منهم من دخل الإيمان قلبه، واتصف بالتقوى والورع، أوتصرف بنبل ومكارم أخلاق. وسترى نماذج من تصرفاتهم وقسوتهم!

أجيال الترك الأوائل لم يدخل الإيمان في قلوبهم

كان غالب المماليك الترك من آسيا الوسطى، قرب الصين ومنغوليا، وأصولهم مغولية أوقريبة منها، وكلهم يقدسون جنكيز خان، ويرجعون في خلافاتهم الى شريعته المكتوبة بإسم: اليَاسَة!

وحتى الذين أسلموا منهم كانوا يقدسون الياسة ويقبلون أحكامها!

لافرق في ذلك بين مماليك المعتصم، ومغول هولاكوالذين حكموا العراق، والمماليك الشراكسة الذين حكموا مصر وسوريا، فكلهم يقدسون الإلياسة، ويشربون الخمر ويفعلون الفواحش، لا تكاد تستثني منهم أحداً!

٣٦٤

ولم أجد في ملوكهم صادقاً في إسلامه والتزامه بالشريعة، مثل محمد خدابنده الذي أسلم على يد نصير الدين الطوسي والعلامة الحلي، رضي الله عنهم.

أما عامتهم فهم أسرى الثقافة المغولية، فشبابهم مثلاً يلعبون ألعاب الفروسية ويجعلون جزاء من يخسر أن يلوط به الرابح في ساحة الرماية!

فكان سلطان مصر ابن الظاهر بيبرس يلعب معهم، وعندما يخسر يفعلون به! قال في النجوم الزاهرة « ٧ / ٢٥٩ »: « الخامس من ملوك الترك بمصر سميَ بركة خان على اسم جده لأمه بركة خان بن دولة خان الخوارزمي ». حفيد هولاكو.

وفي نهاية ابن كثير « ١٣ / ٣٣٨ »: « غلبت عليه الخاصكية فجعل يلعب معهم في الميدان الأخضر فيما قيل، فربما جاءت النَّوْبة عليه فينزل لهم « أي يفعلون به »! فأنكرت الأمراء الكبار ذلك، وأنِفوا أن يكون مَلِكُهم يلعب مع الغلمان، ويجعل نفسه كأحدهم، فراسلوه في ذلك ليرجع عما هوعليه، فلم يقبل »!

وينبغي التنبيه هنا الى أن طريقتهم التي قتلوا بها أكثر الخلفاء بعصرخصيتيه، مأخوذة من طريقتهم في ذبح الحيوان بمرس قلبه أو خصيتيه:

قال المقريزي في السلوك « ٣ / ١٠٧ »: « كانوا يعتمدون في ذبح الحيوان أن تكتف قوائمه ويشق جوفه، ويدخل أحدهم يده إلى قلبه ويهرسه فركاً حتى يموت، أويخرج قلبه. ومن ذبح كذبيحة المسلمين ذُبح! ومن وقع جمله أوفرسه وثقله في كر أوفر، ومر عليه من يتلوه بعده، ولم ينزل لمساعدته، قُتل ».

٣٦٥

ويظهر أن اختيارهم هذه الطريقة للمحافظة على دم الذبيحة، لأنه باعتقادهم غذاءٌ. كما أن عصر الخصيتبن لاتظهر فيه آثار القتل على جسد المقتول!

وليس كل أحد يجيد مَرْس الخصيتين، بل هوتخصص كما يظهر، حيث ورد في قتلهم للخليفة المهتدي « الطبري: ٧ / ٥٨٢ »: « فدخلوا عليه فجعلوا يصفعونه ويبزقون في وجهه، وسألوه عن ثمن ما باع من المتاع والخُرْثي « الأثاث » فأقر لهم بست مائة ألف قد أودعها الكرخيُّ الناسَ ببغداد فأخذوا رقعته بست مائة ألف دينار، ودفعوه إلى رجل، فوطأ على خصييه حتى قتله ».

ويمكن إرجاع بعض أنواع التعذيب في السجون المصرية والعربية، الى هذه الثقافة. كما أن الذين قتلوا النسائي المحدث، لأنه ألف كتاباً في فضائل علي (ع) فداسوا خصيتيه، كانوا شراكسة، أومثقفين بثقافتهم!

الخليفة المنتصر بن المتوكل

١. قال الطبري « ٧ / ٣٩٩ »: « وفيها « سنة ٢٤٧ » بويع للمنتصر محمد بن جعفر بالخلافة في يوم الأربعاء لأربع خلون من شوال وهوابن خمس وعشرين سنة حضر الناس الجعفرية من القواد والكتاب والوجوه والشاكرية والجند وغيرهم، فقرأ عليهم أحمد بن الخصيب كتاباً يخبر فيه عن أمير المؤمنين المنتصرأن الفتح بن خاقان قتل أباه جعفر المتوكل فقتله به، فبايع الناس. وحضر عبيد الله بن يحيى بن خاقان فبايع، وانصرف ».

٣٦٦

وقال الطبري « ٧ / ٤٠٨ »: « ذكر أن محمداً المنتصر بالله لما استقامت له الأمور قال أحمد بن الخصيب لوصيف وبغا: إنا لا نأمن الحَدَثَان وأن يموت أمير المؤمنين فيلي الأمر المعتز، فلا يُبقى منا باقية ويُبيد خضراءنا، والرأي أن نعمل في خلع هذين الغلامين قبل أن يظفرا بنا، فَجَدَّ الأتراك في ذلك وألحُّوا على المنتصر وقالوا: يا أمير المؤمنين تخلعهما من الخلافة وتبايع لابنك عبد الوهاب، فلم يزالوا به حتى فعل، ولم يزل مكرماً المعتز والمؤيد على ميل منه شديد إلى المؤيد ».

وقال المسعودي في التنبيه / ٣١٤: « وتوفي بسرمن رأى لأربع خلون من شهر ربيع الآخر سنة ٢٤٨ ، وله ثمان وعشرون سنة، مسموماً فيما قيل، وإن الموالي لما علموا سوء نيته فيهم وأنه على التدبير عليهم بادروه بذلك، فكانت خلافته ستة أشهر ويوماً. وكان مربوعاً، حسن الوجه، أسمر، مسمناً، ذا شهامة ومعرفة.

كان المنتصر أظهر الإنصاف في الرعية، فمالوا إليه مع شدة هيبته.

وقال علي بن يحيى المنجم: ما رأيت مثل المنتصر، ولا أكرم فعالاً بغير تبجح، لقد رآني مغموماً فسألني فوريت، فاستحلفني فذكرت إضاقة في ثمن ضيعة، فوصلني بعشرين ألفاً. وكان قد أبعد وصيفاً في عسكر إلى ثغر الروم، وكان قد ألح عليه هووبغا وابن الخصيب في خلع إخوته، خوفاً من أن يلي المعتز فيستأصلهم فقال المنتصر: أترياني خلعتكما طمعاً في أن أعيش بعدكما حتى يكبر ابني عبد الوهاب وأعهد إليه! والله ماطمعت في ذلك، ولكن هؤلاء ألحوا عليَّ وخفت عليكما من القتل. فقبَّلا يده، وضمَّهما إليه ».

٣٦٧

٢. بادر المنتصر الى تطبيق سياسته المخالفة لسياسة أبيه، فمنع اضطهاد العلويين ورفع حظر زيارة كربلاء وبنى مشهد الحسين (ع) ردَّ فدك الى ورثة فاطمة (ع). وأمر قاضي البصرة بالإمساك عن إصدار الأحكام. وعزل والي المدينة ومكة. وأكد على الوالي الجديد احترام العلويين.

قال الطبري « ٧ / ٤١٦ »: « كان أول شئ أحدث من الأمور عَزْلُ صالح عن المدينة وتوليةُ علي بن الحسين بن إسماعيل بن العباس بن محمد إياها، فذكر عن علي بن الحسين أنه قال: دخلت عليه أودعه، فقال لي: يا علي إني أوجهك إلى لحمي ودمي، ومد جلد ساعده وقال: إلى هذا وجهتك، فانظر كيف تكون للقوم وكيف تعاملهم، يعني آل أبي طالب. فقلت: أرجوأن أمتثل رأي أمير المؤمنين أيده الله فيهم إن شاء الله، فقال: إذاً تسعد بذلك عندي ».

وقال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٥١ »: « وكان آل أبي طالب قبل خلافته في محنة عظيمة وخوف على دمائهم، قد مُنعوا زيارة قبر الحسين، والغري من أرض الكوفة، وكذلك منع غيرهم من شيعتهم حضور هذه المشاهد فأمن الناس، وتقدم بالكف عن آل أبي طالب، وترك البحث عن أخبارهم، وأن لا يمنع أحد زيارة الحِير، لقبر الحسين رضي الله تعالى عنه، ولا قبر غيره من آل أبي طالب، وأمر برد فدَكَ إلى ولد الحسن والحسين، وأطْلَقَ أوقاف آل أبي طالب، وترك التعرض لشيعتهم ودفع الأذى عنهم ».

وفي مناقب آل أبي طالب « ٢ / ٥٣ »: « فأحسن المنتصر سيرته، وأعاد التربة في أيامه.

٣٦٨

والمعتز حرق المشهد بمقابر قريش على ساكنه السلام ».

وفي مستدرك سفينة البحار « ٢ / ٤٧٦ »: « تاريخ عمارة الحائر الحسيني في كربلاء، على ما رأيته في بعض المكاتيب واستنسخته في كربلاء: أوله بناء بني أسد لما دفنوا الشهداء مع مولانا الإمام السجاد (ع)، بنوا على قبورهم الشريفة رسوماً لكي يعرف الزائرون مواضع الزيارة. ثم إن المختار بن أبي عبيدة الثقفي شيد المشهد، وأسس قرية صغيرة حوله وبقي معموراً. وكان للحائر الحسيني بابان شرقي وغربي يزوره المؤمنون. هكذا إلى أيام خلافة هارون الرشيد، وهوهَدَمَ البناء حتى أمر بقطع السدرة التي كانت في وسط المشهد الشريف.

ولما تولى المأمون الخلافة، أمر بإعادة البناء، وبقي معموراً إلى زمان المتوكل.

وفي سنة ٢٣٧ جرى من المتوكل ما جرى على حائر الحسين (ع) وأرسل ديزج اليهودي، فأمر بهدم البناء الشريف، ومنع من زيارته، كما هوالمشهور.

ولما تولى ابنه المنتصر سار على منهج المأمون، فأمر بإعادة البناء، وأقام عليه ميلاً لإرشاد الزائرين. وفي سنة ٢٧٣ تداعت بناية المنتصر، فقام بتجديدها محمد بن زيد القائم بطبرستان. وفي سنة ٣٦٩ بناها عمران بن شاهين مع أحد الأروقة في المشهد المقدس. وفي سنة ٣٧٠ زار عضد الدولة البويهي المشهد الحسيني، فأمر بتعمير عام في كافة أنحاء المشهد وما حوله.

وفي سنة ٤٠٧ وقعت النار حول الضريح من شمعتين فانهدم، فقام بإعادتها مع السور الحسن بن الفضل وزير الدولة البويهية.

٣٦٩

وفي سنة ٤٦٧ في عهد السلطان أويس أمر بتجديد البناء، وأكملها ابنه السلطان حسين. وفي سنة ٤٧٩ زار ملك شاه، فأمر بترميم سور المشهد.

وفي سنة ٩١٤ لما فتح إسماعيل الصفوي بغداد ذهب إلى زيارة مشهد الحسين وأمر بتذهيب حواشي الضريح، وأهدى اثني عشر قنديلاً من الذهب، وهذا أول إدخال الذهب على العمارة المقدسة.

وفي سنة ٩٣٢ أهدى السلطان إسماعيل الصفوي الثاني شبكة بديعة الصنع من الفضة، لتوضع على القبر الشريف.

وفي سنة ٩٨٣ في عهد علي باشا والي بغداد جدد بناء القبة السامية.

وفي سنة ١٠٤٨ شيد السلطان مراد الرابع العثماني للقبة وجصصها من الخارج.

وفي سنة ١١٣٥ أمرت زوجة نادر شاه بتعمير عام فيه وأنفقت له أموالاً كثيرة. وفي سنة ١٢٢٧ تضعضعت بناية المشهد فكتب أهل كربلاء إلى السلطان فتح علي شاه، فأمر بتجديدها وتبديل صفائح الذهب وعمل الترسيم، وأهدى شبكة من الفضة لتوضع على قبر الحسين (ع) وأمر ببناء قبتي الحسين والعباس وتذهيبهما. ويتولى الإنفاق الصدر الأعظم إبراهيم خان الشيرازي، وكان ذلك في سنة ١٢٥٠ . وفي سنة ١٢٨٧ جاء السلطان ناصر الدين شاه القاجار إلى العراق بدعوة رسمية من الحكومة العثمانية، فزار، وأمر بتجديد الأبنية في المشهد الحسيني، وتبديل صفائح الذهب، وتذهيب القبة الطاهرة السامية، واستملك دوراً فأضافها إلى الصحن الشريف من الجهة الغربية ».

٣٧٠

هل قتل المنتصر أباه المتوكل؟

توجد قرائن تشير الى أن المنتصركان وراء الأتراك في قتلهم لأبيه المتوكل:

منها: ما رواه الطوسي في أماليه / ١٢٨: « قال أبوالفضل: إن المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة، فسأل رجلاً من الناس عن ذلك، فقال له: قد وجب عليه القتل، إلا أنه من قتل أباه لم يطل له عمر. قال: ما أبالي إذا أطعت الله بقتله، أن لا يطول لي عمر، فقتله وعاش بعده سبعة أشهر ». ونحوه في مناقب آل أبي طالب « ٣ / ٢٢١ ».

ومنها: قول اليعقوبي « ٢ / ٤٩٢ »: « وكان المتوكل قد جفا ابنه محمداً المنتصر، فأغروه به ودبروا على الوثوب عليه، فلما كان يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شوال سنة ٢٤٧ ، دخل جماعة من الأتراك منهم: بغا الصغير، وأوتامش صاحب المنتصر، وباغر، وبغلو، ويربد، وواجن، وسعلفه، وكنداش، وكان المتوكل في مجلس خلوة، فوثبوا عليه فقتلوه بأسيافهم، وقتلوا الفتح بن خاقان معه ».

فقوله: أغروه به، وكون أوتامش صاحبه وكان صاحب الكلمة الأولى في خلافته، قرينةٌ على أن المنتصرهوالمدبر والأمر بقتل أبيه.

ومنها: رواية الحضيني: « إن هذا الطاغية يبني مدينة يكون حتفه فيها على يد ابنه المسمى بالمنتصر، وأعوانه عليه الترك ». « الهداية الكبرى / ٣٢٠ ».

لكن توجد قرائن تقابلها تدل على أن الفاعل الأتراك، وقد يكون المنتصر على اطلاع:

فمنها: أن الأتراك تحملوا نسبة القتل اليهم، ولم يتهموا المنتصر.

ومنها: أنهم جاهروا بأن لهم عند المتوكل ثأراً بقتله قائدهم إيتاخ، وأنه باشر بمصادرة أموال وصيف، وبنقل صلاحياته الى الفتح بن خاقان.

٣٧١

ومنها: أن المتوكل قَتل إيتاخ في أوائل خلافته، ومن يومها أخذ الأتراك يعملون للثأر منه، قال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٣٣ »: « كان الأتراك قد رأوا أن يقتلوا المتوكل بدمشق، فلم يمكنهم فيه حيلة بسبب بُغا الكبير، فإنهم دبروا في إبعاده عنه، فطرحوا في مضرب المتوكل الرقاع يقولون فيها: إن بُغا دبَّر أن يقتل أمير المؤمنين فقرأ المتوكل الرقاع فبُهت مما تضمنته ».

ومنها: أن المنتصر كان يجهر بأنهم قتلوا أباه، وبدأ بإبعاد كبير قادتهم وصيف عن العاصمة، وقد صرحت الروايات بأنهم دبروا قتله.

ومنها: ما رواه الذهبي في تاريخه « ١٨ / ٢٠٠ » أن بغا الصغير دعا بباغر التركي، وكان باغر أهوج مقداماً، فكلمه واختبره في أشياء فوجده مسارعاً إليها، فقال: « يا باغر هذا المنتصر قد صح عندي أنه عامل على قتلي وأريد أن تقتله فكيف قلبك؟ ففكر طويلاً ثم قال: هذا لا شئ، كيف نقتله وأبوه يعني المتوكل باقٍ، إذاٍ يقتلكم أبوه. قال: فما الرأي عندك؟ قال: نبدأ بالأب. قال: ويحك وتفعل؟ قال: نعم، وهوالصواب ». فرتبوا قتل المتوكل .

ومنها: أن ميزان القوة انتقل من المتوكل الى الأتراك، ثم لم يرجع الى أحد من الخلفاء العباسيين، حتى جاء البويهيون وقضوا على الأتراك.

فهذه القرائن المتقابلة توجب التوقف في نسبة قتل المتوكل الى المنتصر، نعم يظهر أنه كان مطلعاً على نيتهم، أومحركاً إضافياً لهم.

٣٧٢

لم يستفد المنتصر من توجيه الإمام الهادي (ع)

لم أجد مديحاً من الأئمة (ع) للمنتصر، ولا أنه كان يراجع إمامه الهادي (ع) في أموره أومشكلاته، والمرجح عندي أن تشيعه كان ناقصاً، وأنه كان يعمل برأيه وكأنه كان لايرى ضرورةً لأخذ توجيه الإمام (ع)!

فقد ورد أنه لما سمع من أبيه المتوكل شتم الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) استشار أستاذه أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي الكوفي الديلمي، المعروف بأبي عصيدة، فأفتى له بوجوب قتل أبيه « الكنى والألقاب: ١ / ١٢٤ » وهذا عجيبٌ منه، لأنه إن كان شيعياً فلماذا لم يستشر الإمام الهادي (ع).

وقد يكون المنتصر كبعض من كان في محيطه ممن يعتقد بأن الإمام الهادي (ع) ولي الله، كأم المتوكل، وكانت تنذر له النذور ليقضي الله حاجتها، والمسيحي الذي خاف من المتوكل فنذر للإمام (ع) وقال: اشتريت نفسي بهذا النذر.

والمفروض أن يكون تدين المنتصر حسناً، لكن لم نجد دليلاً عليه من سلوكه، ولا من شهادة الإمام (ع)، بل كثرت الرواية عن مجالس لهوه وشربه الخمر!

وتُشعر الرواية التالية ببعده عملياً عن الإمام (ع)، فعن المعلى بن محمد قال: « قال أبوالحسن علي بن محمد (ع): إن هذا الطاغية يبني مدينة يقال لها سامرا، يكون حتفه فيها على يد ابنه المسمى بالمنتصر، وأعوانه عليه الترك ». « الهداية الكبرى / ٣٢٠ ». فقوله (ع): المسمى بالمنتصر، يشعر بنقد التسمية وصاحبها.

٣٧٣

وقال أبوالفرج في مقاتل الطالبيين / ٤١٩: « وكان المنتصر يظهر الميل إلى أهل هذا البيت، ويخالف أباه في أفعاله. فلم يجر منه على أحد منهم قتل أوحبس، ولا مكروه فيما بلغنا، والله أعلم ». أي لم يبلغه أنه آذى أحداً منهم، وقد يكون فعل!

وقع المنتصر فيما وقع فيه أبوه!

وقع المنتصر في خطأ أبيه، ففتح المعركة مع الأتراك، فقتلوه وقرروا أن لايولوا أحداً من أولاد المتوكل، لئلا ينتقم منهم ويثأر لأبيه، فجاؤوا بالمستعين حفيد المعتصم وبايعوه، وكان ليناً مطيعاً للقائدين وصيف وبُغا.

لكن الخلاف وقع بين القادة الأتراك أنفسهم، فخاف المستعين أن يقتلوه مع وصيف وبغا، وذهبوا ثلاثتهم مغاضبين الى بغداد، فحاول الأتراك إرجاعهم واسترضاء المستعين فلم يرض، فبايعوا المعتز وطلبوا من المستعين أن يخلع نفسه فلم يقبل، فنشبت الحرب بينه وبين المعتز لمدة سنة، وتدهور الوضع في بغداد وسامراء وبقية المناطق. ثم ضعف المستعين، وطلب الإمان ليخلع نفسه، فأعطوه الإمان وخلع نفسه وبايع المعتز، لكن المعتز قتله. وكان حكمه أقل من أربع سنوات، وكذلك كان مصيرقاتله المعتز، فقد أجبروه على خلع نفسه وأعطوه الإمان، فخلع نفسه، ثم قتلوه شر قتلة!

وذكرت المصادر أن المنتصر مات قتلاً بالسم، فعن جعفر بن عبد الواحد قال: « دخلت على المنتصر بالله فقال لي: يا جعفرلقد عولجت فما أسمع بأذني ولا أبصر

٣٧٤

بعيني وكان في مرضه الذي مات فيه أصابته الذبحة في حلقه ويقال إن الطيفوري سمه في محاجمه ». « تاريخ بغداد: ٢ / ١١٩ ».

وفي تاريخ الطبري « ٥ / ٣٥٢ » عن موسى بن عيسى الكاتب: « أن المنتصر لما أفضت الخلافة إليه، كان يكثر إذا سَكِرَ قتل أبيه المتوكل ويقول في الأتراك: هؤلاء قتلة الخلفاء، ويذكر من ذلك ما تخوفوه، فجعلوا لخادم له ثلاثين ألف دينار على أن يحتال في سمه، وجعلوا لعلي بن طيفور جملة، وكان المنتصر يكثر أكل الكمثرى إذا قدمت إليه الفاكهة، فعمد ابن طيفور إلى كمثراة كبيرة نضيجة، فأدخل في رأسها خلالة ثم سقاها سماً، فجعلها الخادم في أعلى الكمثرى الذي قدمه إليه فلما نظر إليها المنتصر أمره أن يقشرها ويطعمه إياها فقشرها وقطعها، ثم أعطاه قطعة قطعة حتى أتى عليها. فلما أكلها وجد فترة فقال لابن طيفور: أجد حرارة فقال يا أمير المؤمنين، إحتجم تبرأ من علة الدم ففصده بمبضع مسموم »!

وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي / ٣٨٥: « كان مليح الوجه، أسمر، أعين، أقنى، ربعة جسيماً، بطيناً، مليحاً، مهيباً، وافر العقل، راغباً في الخير، قليل الظلم، محسناً إلى العلويين وصولاً لهم، أزال عن آل أبي طالب ما كانوا فيه من الخوف والمحنة بمنعهم من زيارة قبر الحسين ولما وليَ صار يسب الأتراك ويقول هؤلاء قتلة الخلفاء! فعملوا عليه، وهمُّوا به فعجزوا عنه لأنه كان مهيباً شجاعاً فطناً متحرزاً، فتحيلوا إلى أن دسوا إلى طبيبه ابن طيفور ثلاثين ألف دينار في مرضه، فأشار بفصده، ثم فصده بريشة مسمومة، فمات ».

٣٧٥

قَتل المنتصر ونَصب المستعين « أحمد بن محمد بن المعتصم »

قال اليعقوبي في البلدان / ٦٨: « مات المنتصر بسر من رأى في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين، وولي المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم، فأقام بسرمن رأى سنتين وثمانية أشهر، حتى اضطربت أموره فانحدر إلى بغداد في المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين، فأقام بها يحارب أصحاب المعتز سنة كاملة والمعتز بسرمن رأى معه الأتراك وسائر الموالي، ثم خُلع المستعين ووليَ المعتز، فأقام بها حتى قتل ثلاث سنين وسبعة أشهر، بعد خلع المستعين.

وبويع محمد المهتدي بن الواثق في رجب سنة خمس وخمسين ومائتين، فأقام حولاً كاملاً ينزل الجوسق، حتى قتل.

وولي أحمد المعتمد بن المتوكل، فأقام بسرمن رأى في الجوسق وقصور الخلافة، ثم انتقل إلى الجانب الشرقي بسرمن رأى، فبنى قصراً موصوفاً بالحسن سماه المعشوق، فنزله فأقام به حتى اضطربت الأمور فانتقل إلى بغداد ثم إلى المدائن ».

وقال ابن العمراني في الإنباء في تاريخ الخلفاء « ١ / ١٢٥ »: « ثم دخلت سنة إحدى وخمسين ومائتين، واستشعر المستعين من باغر وقيل له: إنه قد اجتمع جماعة من الأتراك وتبايعوا وتحالفوا على قتلك وقتل بغا ووصيف. فاستدعى وصيفاً وبُغا الصغير وانحدر إلى بغداد في رابع محرم من هذه السنة، وهما في صحبته، وبقي الأتراك بسامراء متحيرين، فنفذوا جماعة لترضيه واستلال ما في نفسه منهم

٣٧٦

فردهم ولم يعد، فاجتمعوا وتشاوروا وقالوا: نبايع غيره. فاجتمع رأيهم على مبايعة المعتز فبايعوه وأجلسوه على سرير الخلافة.

وضعف أمر المستعين ببغداد لأن دار الملك إذ ذاك كانت سامراء والمعتز بها مع جمهور العسكر، وبها خزائن الأموال والسلاح. وخاف على نفسه منهم فنفذوا إليه وطلبوا منه أن يخلع نفسه فأبى، ثم لما رأى ضعف أمره وقلة المال والعساكر عنده، أجابهم إلى ذلك بشرط أن يعطوه خمسين ألف دينار، ويقطعوه ما يرتفع منه ثلاثون ألف دينار ويقيم بالبصرة وكانت خلافته ثلاث سنين وتسعة أشهر. وقتل وله ثلاث وثلاثون سنة ».

وفي سير الذهبي « ١٢ / ٤٧ » « وكان أحمر الوجه، رَبْع القامة، خفيف العارضين، مليح الصورة، بوجهه أثر جدري، بمقدم رأسه طول. يلثغ بالسين كالثاء. وأمه أم ولد. وكان متلافاً للمال مبذراً، فرق الجواهر وفاخر الثياب.

اختلت الخلافة بولايته واضطربت الأمور. استوزر أبا موسى أوتامش بإشارة كاتبه شجاع بن القاسم، ثم قتلهما، واستوزر أحمد بن صالح بن شيرزاذ ».

وفي مروج الذهب « ٤ / ٩٤ »: « أحدث لبس الأكمام الواسعة ولم يكن يعهد ذلك، فجعل عرضها ثلاثة أشبار ونحوذلك، وصغَّر القلانس، وكانت قبل ذلك طوالاً كأقباع القضاة »!

٣٧٧

قَتل المستعين ونصب المعتز « الزبير بن المتوكل »

في تاريخ دمشق « ١٨ / ٣٠٨ »: « فلما بويع المعتز بالله بالخلافة وانتصب للأمر والنهي والتدبير، وجه أخاه أبا أحمد بن المتوكل على الله إلى بغداد لحرب المستعين بالله، وأوعز معه بالجيوش والكراع والسلاح والعدة والآلة، فصار أبوأحمد بالجيش إلى أكناف بغداد، وأخذ محمد بن عبد الله بن طاهر في الإستعداد للحرب ببغداد وبنى سور ببغداد وأحكمه وحفر خندقها وحصنها، ونزل أبوأحمد بن المتوكل على الله على بغداد، فحضر المستعين بالله ومن معه من الناس، ونصب لهم الحرب، وتجرد من بغداد للقتال فغدوا وراحوا على الحرب، ونصب المجانيق والعرادات حول سور بغداد، فلم يزل القتال بينهم سنة اثنا عشر شهراً، وعظمت الفتنة وكثر القتل، وغلت الأسعار ببغداد بشدة الحصار، وأضر ذلك بالناس وجهدوا وداهن محمد بن عبد الله بن طاهر « والي بغداد » في نصرة المستعين ومال إلى المعتز وكاتبه سراً فضعف أمر المستعين وسعى في الصلح على خلع المستعين وتسليم الأمر للمعتز، حتى تقرر الأمر على ذلك ».

وقال ابن العمراني في الإنباء في تاريخ الخلفاء « ١ / ١٢٥ »: « وضعف أمر المستعين ببغداد لأن دار الملك إذ ذاك كانت سامراء والمعتز بها مع جمهور العسكر، وبها خزائن الأموال والسلاح. وخاف على نفسه منهم، فنفذوا إليه وطلبوا منه أن يخلع نفسه فأبى، ثم لما رأى ضعف أمره وقلة المال والعساكر عنده، أجابهم ».

٣٧٨

وفي سمط النجوم « ٣ / ٤٧٢ »: « ولقبوه المعتز بالله وبايعوه وعمره تسعة عشر عاماً، وجيَّشوا على المستعين بالله جيشاً إلى أن خلع نفسه وأشهد القضاة والعدول على نفسه بذلك، وانحدروا به إلى واسط وحبسوه تسعة أشهر، ثم دسوا إليه سعيداً الحاجب فذبحه في الحبس في ثالث شوال سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وجاء برأسه إلى المعتز وهويلعب الشطرنج، فقيل له هذا رأس المخلوع، فقال: دعوه هناك حتى أفرغ من اللعب »!

ووصف المسعودي العداء المستحكم بين المعتز وبغا الصغير، فقال في مروج الذهب « ٤ / ٩١ »: « وكان المعتز في حياة بُغا لا يلتذ بالنوم، ولا يخلع سلاحه لا في ليل ولا نهار خوفاً من بغا، وقال: لا أزال على هذه الحالة حتى أعلم لبغا رأسي أو رأسه لي! وكان يقول: إني لأخاف أن ينزل عليَّ بُغا من السماء أويخرج عليَّ من الأرض وقد كان بغا عزم على أن ينحدر سراً فيصل الى سامرا في الليل، ويصرف الأتراك عن المعتز، ويفيض فيهم الأموال ».

وقد وصف الطبري في عدة روايات « ٧ / ٤٣٤ » الحرب العبثية بين المعتز، والمستعين!

قتل المعتز ونصب المهتدي « محمد بن الواثق »

في مروج الذهب « ٤ / ٩٢ »: « ولما رأى الأتراك إقدام المعتز على قتل رؤسائهم، وإعماله الحيلة في فنائهم، وأنه قد اصطنع المغاربة والفراغنة دونهم، صاروا إليه بأجمعهم، وذلك لأربع بقين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين، وجعلوا يقرعونه بذنوبه، ويوبخونه على أفعاله وطالبوه بالأموال، وكان المدبر لذلك صالح بن وصيف مع قواد الأتراك، فلجَّ وأنكرَ أن يكون قِبَلَهُ شئ من المال،

٣٧٩

فلما حصل المعتز في أيديهم بعث « وصيف » إلى مدينة السلام في محمد بن الواثق الملقب بالمهتدي، وقد كان المعتز نفاه إليها واعتقله فيها، فأتى به في يوم وليلة إلى سامرا، فتلقاه الأولياء في الطريق ودخل إلى الجوسق، وأجاب المعتز إلى الخلع ».

وفي تاريخ مختصر الدول / ١٤٧: « وفي سنة خمس وخمسين ومائتين صار الأتراك إلى المعتز يطلبون أرزاقهم فماطلهم بحقهم، فلما رأوا أنه لا يحصل منه شئ دخل إليه جماعة منهم فجروا برجله إلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس، وأقاموه في الشمس في الدار، وكان يرفع رجلاً ويضع رجلاً لشدة الحر! ثم سلَّموه إلى من يعذبه، فمنعه الطعام والشراب ثلاثة أيام، ثم أدخلوه سرداباً وجصصوا عليه فمات. وكانت خلافته أربع سنين وسبعة أشهر ».

أقول: كانت أمه من أجمل جواري المتوكل، وسماها قبيحة ليرد عنها الحسد! وكانت تجمع الأموال والذهب والكنوز، فلما احتاج ابنها المعتز رواتب لجنوده ليخلص نفسه من القتل، بخلت عليه، فقتلوا ابنها قاتل الإمام الهادي (ع). ثم وجدوها واستخرجوا ثروتها الهائلة.

قال في النجوم الزاهرة « ٣ / ٢١ »: « وفيها « سنة ٢٥٥ » عظم أمر ابن وصيف، وقبض على حواشى المعتز بالله الخليفة، فسأله المعتز فى إطلاق واحد منهم فلم يفعل، ولا زال أمره يعظم إلى أن خلع المعتز بالله من الخلافة في رجب، ثم قتل بعد خلعه بأيام. واختفت أم المعتز قبيحة، ثم ظهرت فصادرها صالح بن وصيف المذكور، وأخذ منها أموالاً عظيمة، ثم نفاها إلى مكة، وكان مما أخذ منها ابن

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477