الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام8%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158150 / تحميل: 6978
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

الحسين بن محمد بن عامر، قال: حدثني خيران الخادم القراطيسي قال: حججت أيام أبي جعفر محمد بن علي بن موسى (ع) وسألته عن بعض الخدم، وكانت له منزلة من أبي جعفر (ع) فسألته أن يوصلني إليه، فلما صرنا إلى المدينة، قال لي: تهيأ فإني أريد أن أمضي إلى أبي جعفر (ع)، فمضيت معه ولخيران، هذا: مسائل يرويها عنه وعن أبي الحسن (ع). أقول: بعدما ثبتت وثاقة الرجل، فلا بد من تصديقه فيما أخبر به، وفيه دلالة على جلالته وعظم منزلته عند الإمام (ع) ».

وعده النجاشي / ١٥٥ ، في مصنفي الشيعة. وقال في منتهى المقال « ٣ / ١٨٩ » : « وفي الكشي ما يدل على جلالته. وفي آخره قال (ع): إعمل في ذلك برأيك، فإن رأيك رأيي ومن أطاعك أطاعني. قال أبو عمرو: هذا يدل على أنه كان وكيله ».

أقول: وذكروا لخيران ابناً بإسم الخيراني، روى عن أبيه، وروى عنه في الكافي « ١ / ٣٢٢ » عن الإمام الرضا، النص على إمامة ولده الجواد (ع).

٥. عبد العظيم بن عبد الله الحسني:

١. تقدم في فصل نقض الإمام الهادي (ع) لعقيدة المتوكل وابن حنبل، أن عبد العظيم الحسني عرض دينه على الإمام (ع) فقال له: « يا أبا القاسم، هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه، ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ».

٢. قال في النور الهادي إلى أصحاب إمام الهادي (ع) « ١ / ١٥٤ »: « عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الإمام الحسن المجتبى أبو القاسم،

٤٢١

المعروف بالشاه عبد العظيم. من كبار علماء الشيعة الإمامية كان مؤمناً عابداً زاهداً تقياً ورعاً، صحب الإمامين الجواد والهادي (ع) وروى عنهما.

هرب من ظلم وجور السلطة العباسية الى بلاد فارس، فدخل الري مستتراً وأقام بها في دار أحد الشيعة بساربانان، ولم يزل بها مدة طويلة من دون أن يُعَرف الناس بنفسه وسلالته الشريفة، حتى توفي بها في النصف من شهر شوال سنة ٢٥٢ هـ ودفن بها، وأصبح ضريحه من المشاهد المتبركة ومن المزارات المقدسة لدى المسلمين عامة، والشيعة خاصة. روى عنه سهل بن زياد الآدمي، وأحمد بن أبي عبد الله البرقي، وعبيد الله بن موسى الروياني وغيرهم. من آثاره كتاب: خطب أمير المؤمنين (ع)، وكتاب: اليوم والليلة ».

٣. ورد الحث على زيارة قبره (رحمه الله)، ففي جواهر الكلام « ٢٠ / ١٠٣ »: « قال الكاظم (ع): من لم يقدر أن يزورنا فليزر صالحي إخوانه، يكتب له ثواب زيارتنا، ومن لم يقدر أن يصلنا فليصل صالحي إخوانه يكتب له ثواب صلتنا.

وكذا يستحب زيارة عبد العظيم بالري فإنها كزيارة الحسين (ع)، وقبر فاطمة بنت موسى بن جعفر (ع) بقم، فإن من زارها له الجنة. وجميع قبور العلماء والصلحاء والأولياء، وكافة إخوانه أحياءً وأمواتاً.

ولكل ذلك آداب ووظائف، قد تكفلت بها الكتب المعدة لذلك، والرجاء بالله تعالى شأنه أن يوفقنا بعد إتمام هذا الكتاب إلى تأليف كتاب يجمع جميع ما ورد عنهم (ع) في ذلك، والله الموفق والمؤيد والمسدد ».

٤٢٢

ولعبد العظيم الحسني (رحمه الله) مشهد في الري هو أكبر معالمها، ويقصده الشيعة للزيارة.

٤ . أهم نص في سيرة عبد العظيم (رحمه الله) ما قاله النجاشي / ٢٤٧: « عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) أبو القاسم. له كتاب خطب أمير المؤمنين (ع) قال أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله: حدثنا جعفر بن محمد أبو القاسم قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد البرقي قال: كان عبد العظيم ورد الري هارباً من السلطان، وسكن سرباً في دار رجل من الشيعة في سكة الموالي، فكان يعبد الله في ذلك السرب ويصوم نهاره ويقوم ليله، وكان يخرج مستتراً فيزور القبر المقابل قبره وبينهما الطريق، ويقول: هو قبر رجل من ولد موسى بن جعفر (ع).

فلم يزل يأوي إلى ذلك السرب، ويقع خبره إلى الواحد بعد الواحد من شيعة آل محمد (ع) حتى عرفه أكثرهم. فرأى رجل من الشيعة في المنام رسول الله (ص) قال له: إن رجلاً من وُلدي يحمل من سكة الموالي، ويدفن عند شجرة التفاح، في باغ « بستان » عبد الجبار بن عبد الوهاب، وأشار إلى المكان الذي دفن فيه، فذهب الرجل ليشترى الشجرة ومكانها من صاحبها فقال له: لأي شئ تطلب الشجرة ومكانها. فأخبر بالرؤيا، فذكر صاحب الشجرة أنه كان رأى مثل هذه الرؤيا، وأنه قد جعل موضع الشجرة مع جميع الباغ وقفاً على الشريف والشيعة يدفنون فيه. فمرض عبد العظيم ومات (رحمه الله)، فلما جرد ليغسل وجد في جيبه

٤٢٣

رقعة فيها ذكر نسبه، فإذا فيها: أنا أبو القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع).

أخبرنا أحمد بن علي بن نوح قال: حدثنا الحسن بن حمزة بن علي قال: حدثنا علي بن الفضل قال: حدثنا عبيد الله بن موسى الروياني أبو تراب قال: حدثنا عبد العظيم بن عبد الله، بجميع رواياته ».

٥. لم يذكر الرواة لماذا طلبه السلطان، ومتى قدم الى الري، وقد ورد في رواية الشجري أن منزله كان بالري، قال في أماليه « ١ / ١٧٧ »: « أخبرنا أبو أحمد عبيد الله بن الحسين بن إبراهيم العلوي، قال حدثني أبي، قال حدثنا عبد العظيم بن عبد الله الرازي في منزله بالري، عن أبي جعفر محمد بن علي الرضي عن أبيه وفي رواية أخرى: حدثنا عبد العظيم بن عبد الله الحسني بالري ».

وهذا يدل على أنه كان يسكن الري وله بيت يقصده الناس ويحدثهم! ومن المرجح عندي أنه اضطر للإختفاء بعد فشل ثورة أحد العلويين في الري.

ففي مقاتل الطالبيين / ٤٠٦: « لما وليَ المتوكل تفرق آل أبي طالب في النواحي، فغلب الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن زيد على طبرستان، ونواحي الديلم. وخرج بالري محمد بن جعفر بن الحسن بن عمر بن علي بن الحسين يدعو إلى الحسن بن زيد، فأخذه عبد الله بن طاهر فحبسه بنيسابور، فلم يزل في حبسه حتى هلك. حدثني بذلك أحمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن وأم محمد ابن جعفر رقية بنت عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي: وكان

٤٢٤

ممن خرج معه عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. ثم خرج من بعده بالري أحمد بن عيسى بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، يدعو إلى الحسين بن زيد.

وخرج الكوكبي وهو الحسين بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله الأرقط بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

ولهؤلاء أخبار قد ذكرناها في الكتاب الكبير، لم يحتمل هذا الكتاب إعادتها لطولها، ولأنا شرطنا ذكر خبر من قتل منهم دون من خرج فلم يقتل ».

وفي مقاتل الطالبيين / ٤٣٤: « وقُتل بالري: جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين، في وقعة كانت بين أحمد بن عيسى بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وبين عبد الله بن عزيز، عامل محمد بن طاهر بالري. وقتل إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن الحسن بن عبد الله بن العباس بن علي. وأمه أم ولد. قتله طاهر بن عبد الله في وقعة كانت بينه وبين الكوكبي بقزوين ».

فلعل منزل عبد العظيم كان مركزاً لبعض هذه الثورات، أو موجهاً لها، وبعد فشل قائدها صار عبد العظيم مطلوباً للسلطة، فاختفى عند أحد من يثق بهم من الشيعة.

٦. ذكر بعضهم أنه لم يكن لعبد العظيم الحسني عقب، وذكر بعضهم له بنات، قال ابن عنبة في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب / ٩٤: « وأولد عبد العظيم محمد بن عبد العظيم كان زاهداً كبيراً. وانقرض محمد بن عبد العظيم ولا عقب له ».

٤٢٥

وذكرابن عنبة ذرية من بنته سلمة، قال في / ٩١: « أمهم سلمة بنت عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد ».

وذكر له العمري أخاً إسمه أحمد، قال في المجدي في أنساب الطالبين / ٣٥: « وأما أحمد فمن ولد السبيعي، وهو أبو محمد القاسم وأمه أم ولد يقال لها مونس، وأبوه الحسين نقيب الكوفة بن القاسم بن أحمد بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ». والذي تحته خط هو نسب عبد العظيم .

٦. أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري:

قال السيد الخوئي في معجمه « ٨ / ١٢٢ »: « قال النجاشي: داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، أبوهاشم الجعفري (رحمه الله): كان عظيم المنزلة عند الأئمة (ع)، شريف القدر، ثقة، روى أبوه عن أبي عبد الله (ع).

وقال الشيخ: داود بن القاسم الجعفري، يكنى أبا هاشم، من أهل بغداد، جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمة (ع)، وقد شاهد جماعة منهم: الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمر، وقد روى عنهم كلهم (ع).

وله أخبار ومسائل، وله شعر جيد فيهم، وكان مقدماً عند السلطان، وله كتاب أخبرنا به عدة من أصحابنا عن أبي المفضل، عن ابن بطة، عن أحمد بن أبي عبد الله عنه روى عن أبي الحسن (ع) وروى عنه سهل بن زياد، كامل الزيارات: الباب٩٠، في أن الحائر من المواضع التي يحب الله أن يدعى فيها ..

٤٢٦

وعن ربيع الشيعة أنه من السفراء والأبواب المعروفين الذين لايختلف الشيعة القائلون بإمامة الحسن بن علي (ع) فيهم.

روى الكليني في الكافي عن داود بن القاسم الجعفري قال: دخلت على أبي جعفر (ع) ومعي ثلاث رقاع غير معنونة واشتبهت عليَّ فاغتممت، فتناول إحداها وقال: هذه رقعة زياد بن شبيب، ثم تناول الثانية فقال: هذه رقعة فلان فبهتُّ أنا، فنظر إليَّ فتبسم، فقلت: جعلت فداك إني لمولع بأكل الطين، فادع الله لي. فسكت، ثم قال لي بعد ثلاثة أيام ابتداءً منه: يا أبا هاشم قد أذهب الله عنك أكل الطين. قال أبوهاشم: فما شئ أبغض إلي منه اليوم وكيف كان فلا إشكال في وثاقة الرجل وجلالته ».

أقول: ترجمنا له في سيرة الإمام الجواد (ع)، وذكرنا هنا في فصل الثوار العلويين مواجهته لحاكم بغداد ابن طاهر في سنة ٢٥٠ ، عندما أراد صَلْبَ رأس الثائر يحيى بن عمر الزيدي، فانتقده أبو هاشم وخرج مغضباً، وهو يهددهم بانتقام الله:

يا بني طاهرٍ كُلُوه وبِيًّا

إنَّ لحم النبيِّ غَيْرُ مَرِيِّ

إن وتراً يكون طالبه الله

لوِتْرٌ بالفوْتِ غَيْرُ حَرِيِّ

فخاف ابن طاهر: « وأمر محمد بن عبد الله حينئذ أخته ونسوة من حرمه بالشخوص إلى خراسان، وقال: إن هذه الرؤس من قتلى أهل هذا البيت لم تدخل بيت قوم قط إلا خرجت منه النعمة وزالت عنه الدولة، فتجهزن للخروج »! « مقاتل الطالبيين / ٤٢٣، والتفصيل في الطبري: ٧ / ٤٢٥، ومروج الذهب « ٤ / ٦٣ ».

٤٢٧

وكان أبوهاشم الجعفري رضي الله عنه من أصحاب الأئمة الإثني عشر (ع) ولم يكن خطهم الثورة كالعلويين الثائرين من الزيديين وغيرهم، ولكنهم كانوا يتضامنون مع الثائرين إذا فشلوا أونُكبوا، ويدافعون عنهم.

هذا وقد ذكرنا في معجزات الإمام الهادي (ع) أن بيت أبي هاشم كان في بغداد وكان الإمام (ع) في سامراء، فشكا اليه طول الطريق وطلب منه أن يدعو له أن يقويه على زيارته، فقال الإمام (ع): « قَوَّاكَ الله يا أبا هاشم وقَوَّى بِرْذَوْنَك. قال: فكان أبوهاشم يصلي الفجر ببغداد ويسير على البرذون، فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سر من رأى، ويعود من يومه إلى بغداد إذا سار على ذلك البرذون، وكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت ».

أقول: المسافة من بغداد الى سامراء مئة وعشرون كيلو متراً، فهي تحتاج الى نحو عشر ساعات على البغل السريع. وكان أبو هاشم بعد دعاء الإمام (ع) يقطعها في نحو خمس ساعات. وهذا ليس غريباً على دعاء الإمام (ع) وليس غريباً أن تطوى الأرض بدعائه (ع)!

وفي مستدرك سفينة البحار « ٥ / ٢٢٨ » أن أبا هاشم الجعفري توفي سنة ٢٦١، بعد أن تشرف برؤية الإمام المهدي صلوات الله عليه.

٧. العالم اللغوي يعقوب بن السٍّكِّيت:

كان من أصحاب الإمام الكاظم الرضا والجواد والهادي (ع) وترجمنا له في أصحاب الإمام الجواد (ع) ونكتفي هنا ببعض النصوص:

قال أبوالفدا في تاريخه « ٢ / ٤٠ »: « وفيها « سنة ٢٤٥ » قَتَلَ المتوكل أبا يوسف يعقوب بن إِسحاق المعروف بابن السكيت، صاحب كتاب إصلاح المنطق في اللغة

٤٢٨

وغيره، وكان إماماً في اللغة والأدب، قتله المتوكل لأنه قال له: أيمُّا أحب إليك: ابناي المعتز والمؤيد أم الحسن والحسين؟ فغض ابن السكّيت من ابنيه وذكر عن الحسن والحسين ما هما أهله، فأمر مماليكه فداسوا بطنه، فحمل إلى داره فمات بعد غد ذلك اليوم. وقيل إن المتوكل لما سأل ابن السكيت عن ولديه وعن الحسن والحسين قال له ابن السكيت: والله إن قنبراً خادم علي خير منك ومن ولديك! فقال المتوكل: سُلُّوا لسانه من قفاه، ففعلوا به ذلك فمات لساعته، في رجب في هذه السنة المذكورة، وكان عمره ثمانياً وخمسين سنة ».

ولايصح قوله عن عمر ابن السكيت، لأنه كان شاباً سنة ١٨٣، عند شهادة الإمام الكاظم (ع) فلا بد أن يكون عمره عندما قتل في السبعينات أوالثمانينات.

وقد أجمع المؤرخون على ذم المتوكل العباسي لقتله هذا العالم ظلماً، وبغضاً لعلي وأهل البيت (ع). وترجموا لابن السكيت ومدحوه، وذكروا أن مؤلفاته بلغت نحوثلاثين مؤلفاً، والذي وصلنا منها كتاب إصلاح المنطق فقط. راجع: مقدمة المعارف لابن قتيبة، ووفيات الأعيان: ٦ / ٣٩٥، والنجوم الزاهرة ٢ / ٢٨٥. وغيرها من المصادر.

وقال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب: ٢ / ١٠٦: « فأمر بسلِّ لسانه من قفاه رحمه الله ورضي عنه، ويقال أنه حمل ديته إلى أولاده »!

وقال النجاشي في رجاله / ٤٤٩: « يعقوب بن إسحاق السكيت، أبو يوسف كان متقدماً عند أبي جعفر الثاني وأبي الحسن (ع)، وله عن أبي جعفر رواية ومسائل، وقتله المتوكل لأجل التشيع، وأمره مشهور، وكان وجهاً في علم العربية واللغة ثقة صدوقاً لا يطعن عليه ».

٤٢٩

٨. عبد الله بن جعفر الحميري:

اتفق علماؤنا على توثيقه، وأشهر مؤلفاته قرب الإسناد، وأشهر مروياته التواقيع عن الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه )، ووثقه الطوسي في الفهرست / ١٦٨، وابن شهراشوب في معالم العلماء / ١٠٨، وذكرا بعض كتبه.

وقال النجاشي في الرجال / ٢٢٠: « عبد الله بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع الحميري شيخ القميين ووجههم، قدم الكوفة سنة نيف وتسعين ومائتين، وسمع أهلها منه فأكثروا، وصنف كتباً كثيرة، يعرف منها: كتاب الإمامة، كتاب الدلائل، كتاب العظمة والتوحيد، كتاب الغيبة والحيرة، كتاب فضل العرب، كتاب التوحيد والبداء، والإرادة والاستطاعة والمعرفة، كتاب قرب الإسناد إلى الرضا (ع)، وكتاب قرب الإسناد إلى أبي جعفر الجواد بن الرضا (ع)، وكتاب ما بين هشام بن الحكم وهشام بن سالم، والقياس، والأرواح، والجنة والنار، وكتاب الحديثين المختلفين، ومسائل الرجال ومكاتباتهم أبا الحسن الثالث (ع)، ومسائل لأبي محمد الحسن (ع) على يد محمد بن عثمان العمري، وكتاب قرب الإسناد إلى صاحب الأمر (ع)، ومسائل أبي محمد وتوقيعاته، وكتاب الطب ».

قال الشبستري في أصحاب الإمام الهادي (ع) / ١٥٧: « محدث إمامي ثقة، مشارك في كثير من العلوم، وله فيها تآليف نافعة، كان من وجوه أهل قم وشيوخهم، قدم الكوفة سنة نيف وتسعين ومائتين. صحب الإمامين الهادي والعسكري (ع)

٤٣٠

جاء إسمه في٧٥ مورداً في أسناد الروايات. روى عنه أحمد بن محمد بن يحيى العطار، ومحمد بن علي بن محبوب، ومحمد بن الحسن بن الوليد وغيرهم ».

وللحميري أولاد وأحفادٌ، ساروا على خطه (رحمه الله).

٩. الفضل بن شاذان:

يوجد عدة أشخاص باسم الفضل بن شاذان، بعضهم جده جبرئيل، أوعيسى، أوصيفي الخ. ومقصودنا الذي جده الخليل الفراهيدي (رحمه الله).

قال الزركلي في الأعلام « ٥ / ١٤٩ »: « الفضل بن شاذان بن الخليل، أبومحمد الأزدي النيسابوري: عالمٌ بالكلام، من فقهاء الإمامية. له نحو ١٨٠ كتاباً، منها الرد على ابن كرام، والإيمان، ومحنة الإسلام، والرد على الدامغة الثنوية، والرد على الغلاة، والتوحيد، والرد على الباطنية والقرامطة ».

وفي معالم العلماء / ١٢٥: « لقي علي بن محمد التقي (ع). دخل الفضل على أبي محمد (ع) فلما أراد أن يخرج سقط منه كتاب من تصنيفه، فتناوله أبومحمد (ع) ونظر فيه، وترحم عليه، وذُكر أنه قال: أغبطُ أهل خراسان مكانَ الفضل بن شاذان، وكونه بين أظهرهم ».

وقال الكشي « ٢ / ٨١٨ »: « ذكر أبو الحسن محمد بن إسماعيل البندقي النيسابوري: أن الفضل بن شاذان بن الخليل، نفاه عبد الله بن طاهر عن نيسابور، بعد أن دعا به واستعلم كتبه وأمره أن يكتبها، قال فكتب تحته: الإسلام الشهادتان وما يتلوهما. فذكر أنه يحب أن يقف على قوله في السلف. فقال أبومحمد: أتولى أبا بكر وأتبرؤ

٤٣١

من عمر! فقال له: ولم تتبرأ من عمر؟فقال: لإخراجه العباس من الشورى. فتخلص منه بذلك ».

وفي معجم السيد الخوئي « ١٤ / ٣١١ »: « سمعت الفضل بن شاذان آخر عهدي به يقول: أنا خلفٌ لمن مضى، أدركتُ محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى وغيرهما، وحملت عنهم منذ خمسين سنة. ومضى هشام بن الحكم (رحمه الله)، وكان يونس بن عبد الرحمن (رحمه الله) خلفه، كان يرد على المخالفين، ثم مضى يونس بن عبد الرحمان ولم يخلف خلفاً غير السكاك، فرد على المخالفين حتى مضى (ع)، وأنا خلف لهم من بعدهم، رحمهم الله ...

قال أبو علي: والفضل بن شاذان كان برستاق بيهق، فورد خبر الخوارج فهرب منهم، فأصابه التعب من خشونة السفر، فاعتل ومات منه، فصليتُ عليه ».

وقال الجلالي في فهرس التراث « ١ / ٢٨١ »: « زرتُ مرقده الشريف خارج مدينة نيشابور، على مقربة من قبر خَيَّام، وله سورٌ ولوحٌ فيه إسمه، وتبركتُ بقراءة الفاتحة على روحه الطاهرة، وقد قصدتُ مرقده لثواب الآخرة، والناس يقصدون خيَّام للدنيا! وما أقربهما مرقداً وأبعدهما روحاً!

من آثاره: إثبات الرجعة: نسخة محفوظة في مكتبة السيد الحكيم (قدس سره) في النجف وعليها بخط الحر العاملي ».

أقول: ذكر في الذريعة نسخ كتبه. وأعجبها كتابه الرجعة والغيبة، فقد ألفه قبل ولادة الإمام المهدي (ع) من أحاديث أجداده عن غيبته وظهوره والرجعة بعده!

٤٣٢

١٠. أحمد بن إسحاق الأشعري:

قال الشيخ الطوسي في الفهرست / ٧٠: « أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص، الأشعري، أبو علي، كبير القدر، وكان من خواص أبي محمد (ع)، ورأى صاحب الزمان (ع) وهو شيخ القميين ووافدهم.

وله كتب، منها كتاب علل الصلاة، كبير، ومسائل الرجال لأبي الحسن الثالث (ع). أخبرنا بهما الحسين بن عبيد الله، وابن أبي جيد، عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار، عن سعد بن عبد الله، عنه ».

أقول: هاجر جده الأحوص مع أخيه عبد الله، وجماعة من عشيرتهم من الكوفة في زمن الإمام زين العابدين (ع)، وأسسوا قماً، وسرعان ما صارت مركزاً علمياً، وحاضرةً مواليةً لأهل البيت (ع). وقد مدح الأئمة (ع) الأشعريين القميين، ونبغ منهم رواة كبار وعلماء أبرار.

وعده النجاشي وأباه في مصنفي الشيعة، قال / ٧٣ و ٩١: « إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري، قمي ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (ع). وابنه أحمد بن إسحاق مشهور وكان وافد القميين، وروى عن أبي جعفر الثاني وأبي الحسن (ع) وكان خاصة أبي محمد (ع) ».

قال السيد الخوئي في رجاله « ٢ / ٥٤، و ٤٨ »: « أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد= أحمد بن إسحاق بن سعد = أحمد بن إسحاق القمي.

٤٣٣

عده الشيخ في أصحاب الجواد (ع)، وفي أصحاب أبي محمد العسكري (ع) قائلاً: أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قمي ثقة.

وقع بهذا العنوان، في إسناد عدة من الروايات، تبلغ سبعة وستين مورداً، فقد روى عن أبي الحسن، وأبي الحسن الثالث، وأبي محمد (ع)، وأبي هاشم الجعفري، وبكر بن محمد الأزدي، وسعدان بن مسلم، وسعدان عبد الرحمان، وياسر الخادم. وروى عنه: أبو علي الأشعري، وأحمد بن إدريس، وأحمد بن علي، وأحمد بن محمد بن عيسى، والحسين بن محمد الأشعري، وعبد الله بن عامر ».

في الغيبة للطوسي / ٣٥٤: « أحمد بن إسحاق بن سعد القمي قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي أنا أغيب وأشهد، ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت، فقولَ من نقبل، وأمر من نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما قاله لكم فعني يقوله وما أداه إليكم فعني يؤديه. فلما مضى أبو الحسن (ع) وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري (ع) ذات يوم فقلت له (ع) مثل قولي لأبيه، فقال لي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات فما قاله لكم فعني يقوله، وما أدى إليكم فعني يؤديه.

قال أبو محمد هارون: قال أبو علي: قال أبو العباس الحميري: فكنا كثيراً ما نتذاكر هذا القول، ونتواصف جلالة محل أبي عمرو ».

٤٣٤

وروى الكشي « ٢ / ٨٣١ »: « كتب محمد بن أحمد بن الصلت القمي الآبي أبو علي إلى الدار كتاباً ذكر فيه قصة أحمد بن إسحاق القمي وصحبته، وأنه يريد الحج واحتاج إلى ألف دينار، فإن رأى سيدي أن يأمر باقراضه إياه، ويُسترجع منه في البلد إذا انصر فنا فافعل. فوقع (ع): هي له منا صلة، وإذا رجع فله عندنا سواها، وكان أحمد لضعفه لايطمع نفسه في أن يبلغ الكوفة، وفي هذه من الدلالة ». أي دلالةٌ على أنه يرجع من الحج سالماً، وكان تقدم به العمر (رحمه الله).

وفي دلائل الإمامة / ٥٠٣: « وكان أحمد بن إسحاق القمي الأشعري رضي الله عنه الشيخ الصدوق، وكيل أبي محمد (ع)، فلما مضى أبو محمد (ع) إلى كرامة الله عز وجل أقام على وكالته مع مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه، تخرج إليه توقيعاته، ويحمل إليه الأموال من سائر النواحي التي فيها موالي مولانا فيتسلمها، إلى أن استأذن في المصير إلى قم فخرج الإذن بالمضي، وذكر أنه لايبلغ إلى قم، وأنه يمرض ويموت في الطريق، فمرض بحلوان ومات ودفن بها، رضي الله عنه ».

وقال الكشي « ٢ / ٨٣١ »: « كتب أبو عبد الله البلخي إليَّ يذكر عن الحسين بن روح القمي أن أحمد بن إسحاق كتب إليه يستأذنه في الحج: فأذن له، وبعث إليه بثوب فقال أحمد بن إسحاق: نعى إلي نفسي، فانصرف من الحج فمات بحلوان.

أحمد بن إسحاق بن سعد القمي عاش بعد وفاة أبي محمد (ع)، وأتيت بهذا الخبر ليكون أصح لصلاحه وما ختم له به ».

٤٣٥

أقول: روى أحمد بن إسحاق الأشعري (رحمه الله) عن الإمام الرضا (ع) وتوفي بعد الإمام العسكري (ع)، ورأى من الأئمة خمسة: الرضا والجواد والهادي والعسكري والمهدي (ع). وأكبر دوره (رحمه الله) مع الإمام العسكري والمهدي (ع)، فستأتي ترجمته هناك.

٤٣٦

الفصل السادس عشر:

شهادة الإمام الهادي (ع)

شهادته (ع) بيد المعتز وليس المعتمد

كانت شهادة الإمام الهادي (ع) بيد الخليفة العباسي المعتز. وقد نسبت روايةٌ سُمَّهُ الى المعتمد، ولعل ذلك بسبب أن المعتمد نَفَّذَ أمر أخيه المعتز، أو جاء إسمه تصحيفاً. والمعتز هو الزبير بن المتوكل، ويعرف بابن قبيحة. والمعتمد أخوه أحمد بن المتوكل، ويعرف بابن فتيان، إسم أمه أيضاً.

قال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٨٤ »: « كانت وفاة أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد في خلافة المعتز بالله، وذلك في يوم الإثنين لأربع بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين، وهوابن أربعين سنة، وقيل ابن اثنتين وأربعين سنة، وقيل أكثر من ذلك، وسمع في جنازته جارية تقول: ما ذا لقينا في يوم الإثنين قديماً وحديثاً! وصلى عليه أحمد بن المتوكل « المعتمد » على الله، في شارع أبي أحمد، وفي داره بسامرا، ودفن هناك ».

وفي تاريخ اليعقوبي « ٢ / ٥٠٠ »: « وتوفي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، بسر من رأى، يوم الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة ٢٥٤ ، وبعث المعتز بأخيه أحمد بن المتوكل، فصلى عليه في الشارع المعروف بشارع أبي أحمد، فلما كثر الناس واجتمعوا كثر

٤٣٧

بكاؤهم وضجتهم، فرُدَّ النعشُ إلى داره فدفن فيها، وسنهُ أربعون سنة، وخلَّفَ من الولد الذكور اثنين: الحسن، وجعفر ».

وفي دلائل الإمامة / ٤٠٩: « كانت سِنُوُّ إمامته بقية ملك الواثق، ثم ملك المتوكل، ثم أحمد المستعين، ثم ملك المعتز، وفي آخر ملكه استشهد ولي الله، وقد كمل عمره أربعون سنة، وذلك في يوم الإثنين لثلاث خلون من رجب سنة خمسين ومائتين من الهجرة، مسموماً، ويقال إنه قبض الإثنين لثلاث خلون من شهر رجب سنة أربع وخمسين ومائتين من الهجرة. ويقال يوم الإثنين لخمس ليال خلون من جمادى سنة أربع وخمسين ومائتين. ودفن بسر من رأى في داره ».

وفي إعلام الورى « ٢ / ١٠٩ »: « وكانت في أيام إمامته (ع) بقية ملك المعتصم، ثم ملك الواثق خمس سنين وسبعة أشهر، ثم ملك المتوكل أربع عشرة سنة، ثم ملك ابنه المنتصر ستة أشهر، ثم ملك المستعين وهوأحمد بن محمد بن المعتصم، سنتين وتسعة أشهر، ثم ملك المعتز وهوالزبير بن المتوكل ثماني سنين وستة أشهر وفي آخر ملكه استشهد ولي الله علي بن محمد (ع) ودفن في داره بسر من رأى ».

وقال ابن الجوزي في تذكرة الخواص « ١ / ٣٢٤ »: « وكان سنه يوم مات أربعين سنة. وكانت وفاته في أيام المعتز بالله، ودفن بسر من رأى، وقيل إنه مات مسموماً ».

وقال الخطيب في تاريخ بغداد « ١٢ / ٥٦ »: « أشخصه جعفر المتوكل على الله من مدينة رسول الله (ص) الى بغداد، ثم الى سر من رأى، فقدمها وأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر، الى أن توفي ودفن بها في أيام المعتز بالله ».

٤٣٨

وقال ابن شهر آشوب « ٣ / ٥٠٥ »: « وألقابه: النجيب، المرتضى، الهادي، النقي، العالم، الفقيه، الأمين، المؤتمن، الطيب، المتوكل، العسكري.

ويقال له: أبوالحسن الثالث، والفقيه العسكري. وكان أطيب الناس بهجة، وأصدقهم لهجة، وأملحهم من قريب، وأكملهم من بعيد، إذا صمت علته هيبة الوقار، وإذا تكلم سماه البهاء، وهومن بيت الرسالة والإمامة، ومقر الوصية والخلافة، شعبة من دوحة النبوة منتضاةٌ مرتضاهْ. وثمرةٌ من شجرة الرسالة مجتناةٌ مجتباهْ. ولد بصرياء من المدينة للنصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين وقبض بسر من رأى الثالث من رجب سنة أربع وخمسين ومائتين وليس عنده إلا ابنه أبومحمد، وله يومئذ أربعون سنة، وقيل واحد وأربعون وسبعة أشهر. ومدة مقامه بسر من رأى عشرون سنة، وتوفي فيها. وقبره في داره. وكان في سني إمامته بقية ملك المعتصم، ثم الواثق، والمتوكل، والمنتصر، والمستعين، والمعتز. وفي آخر ملك المعتز استشهد مسموماً ..

وأولاده: الحسن الإمام، والحسين، ومحمد، وجعفر الكذاب، وابنته علية. بوابه: محمد بن عثمان العمري. ومن ثقاته: أحمد بن حمزة بن اليسع، وصالح بن محمد الهمداني، ومحمد بن جزك الجمال، ويعقوب بن يزيد الكاتب، وأبوالحسين بن هلال، وإبراهيم بن إسحاق، وخيران الخادم، والنضر بن محمد الهمداني. ومن وكلائه: جعفر بن سهيل الصيقل. ومن أصحابه: داود بن زيد، وأبوسليم زنكان، والحسين بن محمد المدائني، وأحمد بن إسماعيل بن يقطين، وبشر بن

٤٣٩

بشار النيسابوري الشاذاني، وسليمان بن جعفر المروزي، والفتح بن يزيد الجرجاني، ومحمد بن سعيد بن كلثوم وكان متكلماً، ومعاوية بن حكيم الكوفي، وعلي بن معد بن محمد البغدادي، وأبوالحسن بن رجا العبرتائي.

ورواة النص عليه جماعة منهم: إسماعيل بن مهران، وأبوجعفر الأشعري، والخيراني. والدليل على إمامته: إجماع الإمامية على ذلك، وطريق النصوص والعصمة، والطريقان المختلفان من العامة والخاصة، من نص النبي (ص) على إمامة الاثني عشر، وطريق الشيعة النصوص على إمامته عن آبائه (ع) ».

مراسم جنازة الإمام (ع)

في الهداية الكبرى / ٢٤٨: « الحسين بن حمدان قال: حدثني أبوالحسين بن يحيى الخرقي، وأبومحمد جعفر بن إسماعيل الحسني، والعباس بن أحمد، وأحمد بن سندولا، وأحمد بن صالح، ومحمد بن منصور الخراساني، والحسن بن مسعود الفزاري، وعيسى بن مهدي الجوهري الجنبلاني، والحسين بن غياث الجنبلاني، وأحمد بن حسان العجلي الفزاري، وعبد الحميد بن محمد السراج، جميعاً في مجالس شتى: أنهم حضروا وقت وفاة أبي الحسن بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر الصادق صلوات الله عليهم، والصلاة بسر من رأى، فإن السلطان لما عرف خبر وفاته أمر سائر أهل المدينة بالركوب إلى جنازته، وأن يحمل إلى دار السلطان حتى يصلي عليه، وحضرت الشيعة وتكلموا وقال علماؤهم: اليوم يَبِينُ فضل سيدنا أبي محمد الحسن بن علي على أخيه جعفر، ونرى خروجهما مع

٤٤٠

النعش. قالوا جميعاً: فلما خرج النعش وعليه أبو الحسن، خرج أبومحمد حافي القدم مكشوف الرأس، محلل الإزرار خلف النعش، مشقوق الجيب مُخْضَلَّ اللحية بدموع على عينيه، يمشي راجلاً خلف النعش، مرةً عن يمين النعش ومرةً عن شمال النعش، ولا يتقدم النعش.

وخرج جعفر أخوه خلف النعش بدراريع يسحب ذيولها، معتمٌّ محبتكُ الإزار، طلق الوجه، على حمار يماني، يتقدم النعش. فلما نظر إليه أهل الدولة وكبراء الناس والشيعة، ورأوا زي أبي محمد وفعله، ترجل الناس وخلعوا أخفافهم، وكشفوا عمائمهم، ومنهم من شق جيبه، وحل إزاره، ولم يمش بالخفاف من الأمراء وأولياء السلطان أحد، فأكثروا اللعن والسب لجعفر الكذاب، وركوبه وخلافه على أخيه ...

لما تلا النعش إلى دار السلطان سبق بالخبر إليه، فأمر بأن يوضع على ساحة الدار على مصطبة عالية كانت على باب الديوان، وأمر أحمد بن فتيان وهو المعتمد بالخروج إليه والصلاة عليه، وأقام السلطان في داره للصلاة عليه إلى صلاة العامة، وأمر السلطان بالإعلان والتكبير، وخرج المعتمد بخف وعمامة ودراريع فصلى عليه خمس تكبيرات، وصلى السلطان بصلاتهم ..

وبقي الإمام أبومحمد الحسن بن علي (ع) ثلاثة أيام مردود الأبواب، يُسمع من داره القراءة والتسبيح والبكاء، ولا يؤكل في الدار إلا خبز الخشكار والملح، ويشرب الشربات. وجعفر بغير هذه الصفة، ويفعل ما يقبح ذكره من الأفعال.

٤٤١

قالوا جميعاً: وسمعنا الناس يقولون: هكذا كنا نحن جميعاً نعلم ما عند سيدنا أبي محمد الحسن من شق جيبه. قالوا جميعاً: فخرج توقيع منه (ع) في اليوم الرابع من المصيبة. بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فممن شق جيبه على الذرية: يعقوب على يوسف حزناً. قال: يا أسفي على يوسف، فإنه قَدَّ جيبه فشقه ».

وفي الهداية الكبرى / 383: « حدثني أبو الحسن علي بن بلال وجماعة من إخواننا: أنه لما كان في اليوم الرابع من زيارة سيدنا أبي الحسن (ع) أمر المعتز بأن ينفذ إلى أبي محمد من يستركبه إلى المعتز ليعزيه ويسليه، فركب أبو محمد إلى المعتز، فلما دخل عليه رحب به وعزاه وأمر فرتب بمرتبة أبيه (ع) وأثبت له رزقه وزاد فيه، فكان الذي يراه لا يشك إلا أنه في صورة أبيه (ع)، واجتمعت الشيعة كلها من المهتدين على أبي محمد بعد أبيه، إلا أصحاب فارس بن ماهَوَيْه، فإنهم قالوا بإمامة جعفر بن علي العسكري (ع) ».

وفي إثبات الوصية للمسعودى « 1 / 242 »: « واعتل أبوالحسن علته التي مضى فيها صلى الله عليه في سنة أربع وخمسين ومائتين، فأحضر أبا محمد ابنه (ع) فسلم إليه النور والحكمة ومواريث الأنبياء (ع) والسلاح، وأوصى إليه، ومضى صلى الله عليه، وَسِنُّه أربعون سنة.

وكان مولده في رجب سنة أربع عشرة ومائتين من الهجرة، فأقام مع أبيه (ع) نحوسبع سنين، وأقام منفرداً بالإمامة ثلاث وثلاثين سنة وشهوراً.

٤٤٢

وحدثنا جماعة كل واحد منهم يحكي أنه دخل الدار، وقد اجتمع فيها جملة بني هاشم من الطالبيين والعباسيين، واجتمع خلق من الشيعة، ولم يكن ظهر عندهم أمر أبي محمد (ع) ولا عرف خبره إلا الثقات الذين نص أبوالحسن عندهم عليه، فحكوا أنهم كانوا في مصيبة وحيرة، فهم في ذلك إذْ خرج من الدار الداخلة خادمٌ فصاح بخادم آخر: يا رَيَّاشُ خذ هذه الرقعة وامض بها الى دار أمير المؤمنين وأعطها الى فلان وقل له: هذه رقعة الحسن بن علي. فاستشرف الناس لذلك، ثم فتح من صدر الرواق بابٌ وخرج خادمٌ أسود، ثم خرج بعده أبومحمد (ع) حاسراً مكشوف الرأس، مشقوق الثياب، وعليه مبطنة بيضاء، وكان وجهه وجه أبيه (ع) لا يخطئ منه شيئاً، وكان في الدار أولاد المتوكل وبعضهم ولاة العهود، فلم يبق أحد إلا قام على رجله، ووثب إليه أبومحمد الموفق فقصده أبومحمد (ع) فعانقه ثم قال له: مرحباً بابن العم. وجلس بين بابي الرواق، والناس كلهم بين يديه.

وكانت الدار كالسوق بالأحاديث، فلما خرج وجلس أمسك الناس، فما كنا نسمع شيئاً إلا العطسة والسعلة، وخرجت جارية تندب أبا الحسن (ع) فقال أبومحمد: ما هاهنا من يكفي مؤونة هذه الجاهلة؟ فبادر الشيعة إليها، فدخلت الدار، ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمد (ع) فنهض صلى الله عليه وأخرجت الجنازة، وخرج يمشي حتى أخرج بها الى الشارع الذي بازاء دار

٤٤٣

موسى بن بقا، وقد كان أبومحمد صلى عليه قبل أن يخرج الى الناس، وصلى عليه لما أخرج المعتمد، ثم دفن في دار من دوره.

واشتد الحر على أبي محمد (ع) وضغطه الناس في طريقه ومنصرفه من الشارع بعد الصلاة عليه، فصار في طريقه الى دكان بقال رآه مرشوشاً « مصطبة » فسلم واستأذنه في الجلوس فأذن له وجلس، ووقف الناس حوله. فبينا نحن كذلك إذ أتاه شابٌّ حسن الوجه نظيف الكسوة، على بغلة شهباء على سرج ببرذون أبيض، قد نزل عنه فسأله أن يركبه، فركب حتى أتى الدار ونزل.

وخرج في تلك العشية الى الناس، ما كان يَخْرِمُ عن أبي الحسن (ع) حتى لم يفقدوا منه إلا الشخص. وتكلمت الشيعة في شق ثيابه وقال بعضهم: هل رأيتم أحداً من الأئمة شق ثوبه في مثل هذه الحال؟فوقَّعَ الى من قال ذلك: يا أحمق ما يدريك ما هذا، قد شق موسى على هرون. وقام أبومحمد الحسن بن علي مقام أبيه (ع) ».

ملاحظات على شهادة الإمام (ع) ومراسم جنازته

1. شاء الله عز وجل أن يحفظ الإمام الهادي (ع) من المتوكل، وأفشل محاولاته لقتل الإمام (ع). وأن يُقِرَّ عين وليه الإمام الهادي (ع) فيريه نهاية عدوه المتوكل فسلط عليه غلمانه الأتراك، فقتلوه وهو سكران ذاهب العقل!

كما شاء عز وجل أن تكون شهادة الإمام (ع) بيد المعتز، وهو الزبير بن المتوكل وكانت أمه جميلة جداً فسماها المتوكل قبيحة لإبعاد الحسد عنها، وقد جمعت ثروةً طائلة لكنها بخلت أن تنقذ ابنها من القتل! وقد صح الحديث بأنه لايقتل

٤٤٤

الأنبياء والأوصياء (ع) إلا أولاد الحرام، فقد سئل الصادق (ع) عن قوله تعالى: وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ فقيل له: من كان يمنعه؟ قال: منعه أنه كان لرَشْدَةٍ، لأن الأنبياء والحجج لايقتلهم إلا أولاد زنا! « كامل الزيارات / 163 ».

2. كانت شهادة الإمام (ع) بعد حرب استمرت سنة بين سامراء وبغداد، من محرم 251 الى 252 ، بين خليفتين هما: المعتز والمستعين « الطبري: 7 / 445 » وحكم المعتز بعدها نحو ثلاث سنين الى سنة 255 ، وأقدم على قتل الإمام (ع) في رجب في سنة 254 ، ثم ثار عليه الأتراك وقتلوه في السنة التالية 255 ، ونصبوا المهتدي.

فمن هو المستفيد من قتل الإمام الهادي (ع)، ومن الذي خطط لقتله؟

الأمر المرجح أن المخطِّط والمنفِّذ هو المعتز، فقد قتل المستعين مع أنه خلع نفسه وبايعه، ولعله كان يخاف من تفاقم الثورات العلوية، وأن يرفع ثائر منها إسم الإمام (ع) فينجذب الناس الى بيعته ويبايعوه!

3. أمر المعتز أخاه المعتمد أن يقيم للإمام (ع) تشييعاً كبيراً، وأن تحمل جنازته الى دار الخلافة ليصلي عليها، قال في الهداية / 248: « فإن السلطان لما عرف خبر وفاته، أمر سائر أهل المدينة بالركوب إلى جنازته، وأن يُحمل إلى دار السلطان حتى يصلي عليه ». فصلوا عليه في دار الخليفة، ثم صلوا عليه في شارع كبير، ثم صلوا عليه في داره ودفنوه حيث أوصى. « مروج الذهب: 4 / 84، واليعقوبي: 2 / 500 ».

4. كانت سياسة السلطة القرشية دائماً المبالغة في تشييع الإمام من العترة الطاهرة (ع)، ولهم في ذلك أغراض، أولها أن يبعدوا عن أنفسهم جريمة قتله!

٤٤٥

بل كانوا يحرصون على الكشف الطبي على جنازته، وإشهاد كبار القضاة والشهود بأن بدنه سالمٌ وأنه مات حتف أنفه! حتى لايطالب بنو هاشم بدمه.

واستعملوا هذا الأسلوب مع خلفائهم الذين قتلوهم، فكانوا يقتلون الخليفة بالتعذيب أو عصر خصيتيه، ثم يأتون بالشهود فيشهدون أنه مات حتف أنفه!

قال في معالم الخلافة « 3 / 371 »: « لما وليَ المعتز لم يمض إلا مدة حتى أُحضر الناس وأخرج المؤيد فقيل: إشهدوا أنه دعي فأجاب وليس به أثر!

ثم مضت أشهر فأحضر الناس وأخرج المستعين، فقال: إن منيته أتت عليه وها هو لا أثر فيه، فأشهدوا!

ثم مضت مُدَيْدَة واستخلف المهتدي فأخرج المعتز ميتاً وقيل: إشهدوا أنه قد مات حتف أنفه ولا أثر به! ثم لم تكمل السنة حتى استخلف المعتمد فأخرج المهتدي ميتاً وقيل: إشهدوا أنه قد مات حتف أنفه من جراحته »!

لكنهم كانوا يسلمون جنازة الخليفة الى أقاربه، ولايهتمون بالصلاة عليه وتشييعه، لأنه ليس له جماهير محبة كالإمام (ع) ليكسبها لخليفة الجديد بذلك!

5. يتضح من أخبار تشييع الإمام (ع) ودفنه، أنهم كانوا يهتمون بالتشييع والصلاة على الجنازة والدفن. وفي اليوم الثاني يجلس أهل الميت لقبول التعزية. ففي الهداية / 249: « وبقي الإمام أبومحمد الحسن بن علي (ع) ثلاثة أيام مردود الأبواب، يُسمع من داره القراءة والتسبيح والبكاء، ولا يؤكل في الدار إلا خبز الخشكار والملح قالوا جميعاً: فخرج توقيع منه (ع) في اليوم الرابع من المصيبة.

٤٤٦

بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فممن شق جيبه على الذرية: يعقوب على يوسف حزناً. قال: يا أسفي على يوسف، فإنه قَدَّ جيبه فشقه ».

6. اشترى النبي وعترته الطاهرون صلوات الله عليهم، محال قبورهم الشر ـ يفة على سنة أبيهم إبراهيم (ع)، فقد نصت التوراة ومصادرنا على أنه اشترى مكان قبره في الخليل من عفرون الحثي، وكان مزرعة فيها الغار الذي دفن فيه هو وأسرته (ع). واشترى النبي (ص) مكان مسجدة وبيوته وقبره الشر ـ يف، عندما بركت قربه الناقة: « وسأل عن المربد فأخبر أنه لسهل وسهيل يتيمين لمعاذ بن عفراء، فأرضاهما معاذ ». « مناقب آل أبي طالب: 1 / 160 ».

واشترى الإمام الهادي (ع) داره في سامراء، ثم اشترى دوراً ضمها اليها.

قال في تاريخ بغداد « 12 / 57 »: « وفي هذه السنة، يعني سنة أربع وخمسين ومائتين، توفي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بسر من رأى، في داره التي ابتاعها من دليل بن يعقوب النصراني ».

وفي إثبات الوصية للمسعودي « 1 / 243 »: « وقد كان أبو محمد صلى عليه قبل أن يخرج الى الناس، وصلى عليه لما أخرجه المعتمد، ثم دفن في دار من دوره ».

فهو يدل على أنها كانت دورٌ متعددة متصلة ببعضها، وتدل عليه نصوص كثيرة وصفت دار أبي الحسن الهادي وأبي محمد العسكري (ع).

منها ما رواه في الإرشاد « 2 / 317 » يصف ساحة إحداها ولعلها الدار الأساسية: « عن سعد بن عبد الله عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسين الأفطس

٤٤٧

أنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد دار أبي الحسن (ع) وقد بسط له في صحن داره والناس جلوس حوله، فقالوا قدرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني العباس وقريش مائة وخمسون رجلاً سوى مواليه وسائر الناس ».

ومنها قول الخادم كما في الكافي « 1 / 329 »: « وكنت أدخل عليهم من غير إذن إذا كان في دار الرجال، قال: فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال ».

شاعران من أصحاب الإمام (ع) رثياه

أبو الغوث المنبجي الطهوي:

قال ابن عياش الجوهري في مقتضب الأثر / 50: « وأنشدني أبو منصور عبد المنعم بن النعمان العبادي قال: أنشدني الحسن بن مسلم الوهبي أن أبا الغوث الطهوي المنبجي شاعر آل محمد (ص) أنشده بعسكر سرمن رأى. قال الوهبي: وإسم أبي الغوث أسلم بن مهوز من أهل منبج. وكان البحتري يمدح الملوك، وهذا يمدح آل محمد (ص)، وكان البحتري أبو عبادة ينشد هذه القصيدة لأبي الغوث:

وَلِهْتُ إلى رُؤياكم وَلَهَ الصَّادي

يُذادُ عن الورد الرَّوِيِّ بِذَوَّادِ

مُحَلَّىً عن الورد اللذيذِ مساغُهُ

إذا طافَ وُرَّادٌ به بعدَ ُوَّراد

فأعملت فيكم كل هوجاء جسرةٍ

ذمولِ السُّرَى تَقتاد في كل مُقتاد

أجوبُ بها بيدَ الفَلا وتجوبُ بي

إليكَ ومالي غيرَ ذكركَ من زاد

فلما تراءتْ سُرَّ من رَا تَجَشَّمَتْ

إليك فَعَوْمُ الماء في مُفْعِمِ الوادي

فأدَّت إلينا تشتكي ألمَ السرى

فقلت اقصري فالعزمُ ليسَ بميَّاد

إذا ما بلغتِ الصادقينَ بني الرضا

فحسبُك من هادٍ يُشيرُ إلى هاد

٤٤٨

مقاويلُ إن قالوا بهاليلُ إن دُعوا

وُفَاةٌ بميعاد كُفَاةٌ لمرتاد

إذا أوعدوا أعْفَوْا وإن وعدوا وَفَوْا

فهم أهل فضلٍ عند وعدٍ وإيعاد

كرامٌ إذا ما أنفقوا المالَ أنفدوا

وليس لعلمٍ أنفقوهُ بإنفاد

ينابيعُ علم الله أطوادُ دينه

فهل من نفادٍ إن علمتَ لأطواد

نجومٌ متى نجمٌ خَبَا مثلُهُ بَدا

فصلى على الخابي المهمينُ والبادي

عبادٌ لمولاهم موالي عبادِه

شهودٌ عليهم يومَ حشر وإشهاد

هم حججُ الله اثنتي عشرةٍ متى

عددتَ فثاني عشرهم خَلَفُ الهادي

بميلاده الأنباءُ جاءتْ شهيرةً

فأعظمْ بمولودٍ وأكرمْ بميلاد

وقال ابن عياش: وهي طويلة كتبنا منها موضع الحاجة إلى الشاهد ».

محمد بن إسماعيل بن صالح الصيمري:

وروى ابن عياش الجوهري في مقتضب الأثر / 53: أن محمد بن إسماعيل بن صالح الصيمري، وهو من أصحاب الإمام الهادي (ع) قال عند مرض الإمام (ع):

مَادت الأرضُ بي وآذتْ

فؤادي واعترتني مواردُ العَرْوَاء

حينَ قيل الإمامُ نِضْوٌ عليلٌ

قلتُ نفسي فدتهُ كلَّ الفداء

مرضَ الدينُ لاعتلالك واعتلَّ

وغارت لهُ نجومُ السماء

عجباً إن مُنيت بالداء والسقم

وأنت الإمامُ حسمُ الداء

وأنت أسى الأدواء في الدين

والدنيا ومُحْي الأموات والأحياء

وقال بعد شهادته يرثيه ويعزي ابنه أبا محمد (ع) أولها:

الأرض حزناً زلزلتْ زلزالها

وأخرجتْ من جزعٍ أثقالها

ثم عدد الأئمة وتكملتهم بالخلف المهدي (ع) وذلك قبل ميلاده:

عشرُ نجوم أفَلَتْ في فُلكها

ويُطلع الله لنا أمثالها

٤٤٩

بالحسن الهادي أبي محمد

تُدْرِكُ أشياعُ الهدى آمالها

وبعده من يرتجى طلوعُهُ

يَظل جوابَ الفلا جزَّالها

ذو الغيبة الطولى وبالحق التي

لا يقبل الله من استطالها

يا حجج الرحمن إحدى عشرةٍ

آلف بثاني عشرها مآلها »

أقول: في قصيديتي المنبجي والصيمري دلالات عديدة، منها: أن مرض الإمام الهادي (ع) طال، وقد يكون سقي السم عدة مرات كما حدث لعدد من آبائه (ع)، ولم تصلنا تفاصيل أخبار سمه ومرضه صلوات الله عليه.

ومنها: أنه استقر عند المتشرعة أن كلمة الإمام على إطلاقها تعني المعصوم من العترة.

ومنها: أن مذهب الإمامة كان منتشراً معروفاً بين الناس، وأنهم يقولون بإمامة اثني عشر إماماً ربانياً، كما بشر النبي (ص) وأن الإمام الهادي (ع) هو العاشر، وأن حفيده هو المهدي الموعود (ع) الذي سيغيب طويلاً.

٤٥٠

الفصل السابع عشر

بشارة الإمام الهادي بحفيده الإمام المهدي (ع)

نصه على إمامة ابنه الحسن العسكري (ع)

عقد في الكافي باباً « 1 / 325 » بعنوان: باب الإشارة والنص على أبي محمد (ع)، أورد فيه بضعة عشرحديثاً، نص فيها على إمامة ولده الحسن بعده وبشر فيها بحفيده الإمام المهدي (ع). منها عن يحيى بن يسار القنبري قال: « أوصى أبو الحسن (ع) إلى ابنه الحسن قبل مضيه بأربعة أشهر، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي.

وعن علي بن عمر النوفلي: « كنت مع أبي الحسن (ع) في صحن داره فمر بنا محمد ابنه فقلت له: جلعت فداك هذا صاحبنا بعدك؟فقال:لا،صاحبكم بعدي الحسن ».

وعن أحمد بن مروان الأنباري قال: « كنت حاضراً عند مضيِّ أبي جعفر محمد بن علي، فجاء أبو الحسن (ع) فوُضع له كرسي فجلس عليه وحوله أهل بيته، وأبو محمد قائم في ناحية، فلما فرغ من أمر أبي جعفر التفت إلى أبي محمد (ع) فقال: يا بنيَّ أحدث لله تبارك وتعالى شكراً، فقد أحدث فيك أمراً ».

أي أظهرَ الله تعالى أنك الإمام بعدي وليس أخاك الأكبر الذي توفي، كما تصور البعض، لأن أئمة العترة (ع) كما قال الله تعالى: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.

ومن ذلك: « عن جماعة من بني هاشم، منهم الحسن بن الحسن الأفطس أنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد بابَ أبي الحسن يعزونه وقد بسط له في

٤٥١

صحن داره والناس جلوس حوله، فقالوا: قدرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش مائة وخمسون رجلاً، سوى مواليه وسائر الناس، إذ نظر إلى الحسن بن علي قد جاء مشقوق الجيب حتى قام عن يمينه ونحن لانعرفه فنظر إليه أبوالحسن (ع) بعد ساعة فقال: يا بنيَّ أحدثْ لله عز وجل شكراً، فقد أحدث فيك أمراً. فبكى الفتى وحمد الله تعالى واسترجع وقال: الحمد لله رب العالمين، وأنا أسأل الله عز وجل تمام نعمه لنا فيك، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

فسألنا عنه فقيل هذا الحسن ابنه، وقدرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة، أو أرجح، فيومئذ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة، وأقامهُ مقامه ».

وعن أبي بكر الفهفكي قال: « كتبت الى أبي الحسن (ع) أسأله عن مسائل، فلما نفذ الكتاب قلت في نفسي: لو أني كتبت فيما كتبت أسأله عن الخلف من بعده، وذلك بعد مضي محمد ابنه. فأجابني عن مسائلي: وكنتَ أردتَ أن تسألني عن الخلف، وأبو محمد ابني أصح آل محمد غريزةً، وأوثقهم عقيدةً بعدي، وهو الأكبر من ولدي، إليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها. فما كنت سائلاً عنه فسله فعنده علم ما يُحتاج إليه، والحمد لله ».

وعن الجلاب قال: « كتب إليَّ أبو الحسن في كتاب: أردتَ أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر وقلقت لذلك، فلا تغتم فإن الله عز وجل: لا يضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون. وصاحبك بعدي أبو محمد ابني، وعنده ما

٤٥٢

تحتاجون إليه، يقدم ما يشاء الله ويؤخر ما يشاء: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَاتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ».

تبشيره بحفيده المهدي الموعود (ع)

عن داود بن القاسم قال: « سمعت أبا الحسن (ع) يقول: الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ فقال: إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه، فقلت: فكيف نذكره؟ فقال: قولوا: الحجة من آل محمد (ع) ». « الكافي: 1 / 327 ».

وفي كمال الدين / 383: « عبد الله بن أحمد الموصلي قال: حدثنا الصقر بن أبي دلف قال: سمعت علي بن محمد بن علي الرضا (ع) يقول: إن الإمام بعدي الحسن ابني وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ».

وفي تفسير العسكري / 344، عن الهادي (ع) قال: « لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله. ولكنهم الذين يمسكون أزمَّةَ قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل ».

٤٥٣

أولاد الإمام الهادي (ع)

قال المفيد في الإرشاد « 2 / 312 »: « وتوفي أبو الحسن (ع) في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، ودفن في داره بسر من رأى، وخلف من الولد: أبا محمد الحسن ابنه وهو الإمام من بعده، والحسين، ومحمداً، وجعفراً، وابنته عائشة. وكان مقامه بسر من رأى إلى أن قبض عشر سنين وأشهراً، وتوفي وسنه يومئذ على ما قدمناه إحدى وأربعون سنة ».

وفي الهداية الكبرى / 313: « وله من الولد: الحسن الإمام، ومحمد، والحسين، وجعفر المدعي الإمامة المعروف بالكذاب، المذكور بحديث جعفر الصادق (ع) ».

وقال الفخر الرازي في الشجرة المباركة في أنساب الطالبية / 78: « أما أبو الحسن علي النقي فله من الأبناء ستة: أبو محمد الحسن العسكري الإمام، وأبو عبد الله جعفر الذي لقبوه ب‍الكذاب لا لطعن في نسبه، بل لأنه طعن في إمامة صاحب الزمان. والحسين مات قبل أبيه بسرمن رأى، وموسى، ومحمد هو أكبر أولاده، وعلي. واتفقوا على أن المعقب من أولاده ابنان: الحسن العسكري الإمام، وجعفر الكذاب. وله من البنات ثلاثة: عائشة، وفاطمة، وبريهة، وزوج بريهة محمد بن موسى بن محمد التقي ».

أقول: تفرد الفخر الرازي بذكر ثلاث بنات للهادي (ع)، ولعلها واحدة كان يطلق عليه أكثر من إسم، وبريهة التي ترجم لها لعلها بنت جعفر الكذاب، وكانت صالحة.

٤٥٤

وقال السيد ضامن بن شدقم في تحفة الأزهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار / 461: « فأبو الحسن علي النقي (ع) خلف أربعة بنين: أبا محمد الحسن العسكري (ع)، أمه أم ولد، والحسين، وأبا علي محمداً، وأبا كرين جعفراً الكذاب، وعايشة. أمهاتهم أمهات أولاد، وعقبهم أربعة أصول .. الخ. ».

وفي عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لابن عنبة / 199: « وأعقب من رجلين هما الإمام أبومحمد الحسن العسكري (ع) كان من الزهد والعلم على أمر عظيم، وهو والد الإمام محمد المهدي صلوات الله عليه ثاني عشر الأئمة عند الإمامية، وهوالقائم المنتظر عندهم، من أم ولد إسمها نرجس.

وإسم أخيه أبوعبد الله جعفر الملقب بالكذاب، لادعائه الإمامة بعد أخيه الحسن، ويدعى أبا كرين « أبا البنين خ. ل » لأنه أولد مائة وعشرين ولداً، ويقال لولده الرضويون نسبة إلى جده الرضا.

وأعقب من جماعة، انتشر منهم عقب ستة ما بين مقل ومكثر، وهم إسماعيل حريفا، وطاهر، ويحيى الصوفي، وهارون، وعلي، وإدريس ».

أقول: اتفقت مصادر الأنساب على أن أبناء الإمام الهادي (ع) ثلاثة غير الإمام الحسن العسكري (ع): وهم محمد وحسين وجعفر، المعروف بجعفر الكذاب:

محمد بن الإمام الهادي، المعروف بالسيد محمد

ويعرف بالسيد محمد، وقبره قرب بلد، يزار وله كرامات. ويسمونه: سبع الدجيل. وكان أكبرأولاد الإمام الهادي، وتوفي في حياة أبيه،فصارالحسن أكبرهم (ع).

٤٥٥

قال السيد الأمين في أعيان الشيعة « 10 / 5 »: « السيد أبو جعفر محمد بن الإمام علي أبي الحسن الهادي (ع). توفي في حدود سنة 252. جليل القدر، عظيم الشأن، كانت الشيعة تظن أنه الإمام بعد أبيه (ع)، فلما توفي نص أبوه على أخيه أبي محمد الحسن الزكي (ع). وكان أبوه خلفه بالمدينة طفلاً لما أتي به إلى العراق ثم قدم عليه في سامراء. ثم أراد الرجوع إلى الحجاز، فلما بلغ القرية التي يقال لها بلد على تسعة فراسخ من سامراء مرض وتوفي ودفن قريباً منها، ومشهده هناك معروف. ولما توفي شق أخوه أبو محمد ثوبه، وقال في جواب من لامَهُ على ذلك: قد شقَّ موسى على أخيه هارون (ع) ».

وفي كتاب المصطفى والعترة للشاكري « 14 / 21 »: « الحسين بن الإمام الهادي (ع): نقل السيد محمد كاظم القزويني عن كتاب شجرة الأولياء: أن الحسين كان زاهداً عابداً معترفاً بإمامة أخيه أبي محمد الحسن العسكري (ع)، وكان صوت الإمام المهدي (ع) يشبه صوت عمه الحسين. وكان الناس يعبرون عنه وعن أخيه الإمام الحسن العسكري بالسبطين، تشبيهاً لهما بالإمامين الحسن والحسين (ع).

وكان له من الأولاد أربعة، وقد رحلوا بعد وفاة أبيهم عن سامراء إلى مدينة لار من بلاد فارس في إيران، فقتلوا بعد وصولهم إليها ».

٤٥٦

الحسين بن الإمام الهادي (ع)

ورد تشبيه صوت الإمام المهدي (ع) بصوته. « أمالي الطوسي / 288 ».

وفي مستدركات الشيخ النمازي « 3 / 171 »: « الحسين بن علي بن محمد الإمام الهادي (ع): هو أخو الحسن العسكري (ع) يسميان بالسبطين، تشبيهاً لهما بجدهما الحسن والحسين صلوات الله عليهما. كان جليل القدر عظيم الشأن ».

وفي مسند الإمام العسكري « 1 / 52 »: « أولاد الإمام أبي الحسن الهادي (ع) وهم جعفر ومحمد والحسين. أما محمد بن الإمام الهادي: هو صاحب الروضة المعروفة والقبة المشهورة في بلد بين بغداد وسامراء، تقصده الزوار من شتى النواحي. أما الحسين فقد كان ممتازاً في الديانة من سائر أقرانه وأمثاله، تابعاً لأخيه الحسن (ع) معتقداً بإمامته، ودفن في حرم العسكريين (ع) تحت قدميهما، كما ورد في هامش بحار الأنوار في باب أحوال أولاد الإمام الهادي (ع) ».

جعفر الكذاب

ادعى جعفر الكذاب الإمامة بعد وفاة أبيه، ثم بعد وفاة أخيه الإمام الحسن العسكري (ع). ويعرف بأبي كرين لكثرة أولاده، وقيل إن أبناءه بلغوا مئة وعشر ـ ين ابناً غير الإناث. وذريته كثيرة وفيهم صالحون أجلاء. ولم أجد ضبطاً لكلمة كرين أومعنى يربطها بكثرة الأولاد. ولعل أصلها « أبو الكُرَّيْن » مثنى كُر، ويقال كُرُّ حنطة أو كُرُّ ماء. وسيأتي موقفه في سيرة الإمام العسكري (ع). والذي يهون الخطب أنه أعرض عن ادعاء الإمامة، وقيل تاب وأناب. قال الشبراوي في الإتحاف بحب الأشراف

٤٥٧

« 1 / 372 »: « لكن إرادة الله غالبة، إذ سرعان ما انكشف زيف أمره، ثم ندم على ما فعل، وتاب على ما قيل ولذا سمي بجعفر الكذاب، ثم جعفر التواب. علماً بأنه من الناس العاديين الذين يجوز عليم الكذب والخطأ والنسيان والعصيان، وادعاء الباطل والحسد. وهذا ليس بغريب في الكون وقد سبقه قابيل بقتل أخيه هابيل، وإخوة يوسف عند ما ألقوا يوسف في الجب ».

وقال الشيخ مُغنية في الشيعة في الميزان / 250: « كان للإمام العسكري أخ يسمى جعفراً، وكان يكيد له ويدس عليه وعلى شيعته الدسائس عند الخلفاء، وقد لحق بالموالين الأذى والحبس والتشريد من وشايته وافتراءاته، وادعى الإمامة بعد أخيه، ولذلك قيل له الكذاب.

وجاء جعفر هذا إلى الوزير ابن خاقان بعد أن قُبض أخوه الإمام وقال له: اجعل لي مرتبة أبي وأخي، وأعطيك في كل سنة عشرين ألف دينار. فنهره الوزير وقال له: يا أحمق إن السلطان جرد سيفه وسوطه على الذين والوا أباك وأخاك ليردهم عن ذلك فلم يقدر، وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة فلم يتهيأ له، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى إمام يرتبك مراتبهم، وإن لم تكن عندهم بهذه المرتبة لم تنلها، وإن ساندك السلطان وغيره. ثم أمر الوزير أن يحجب عنه جعفر ولا يؤذن له عليه بالدخول.

٤٥٨

وصدق ابن خاقان، فإن منصب الإمامة والرياسة عند الشيعة لا يناط بإرادة الحكام، ولا ينال بالشفاعات والوساطات، كما هوالشأن في تعيين المشيخات والقضاة والمفتين. إن الرياسة عند الإمامية تعود إلى إرادة الله سبحانه ».

وروى الصدوق في كمال الدين / 319، عن فاطمة بنت محمد بن الهيثم، قالت: « كنت في دار أبي الحسن علي بن محمد العسكري في الوقت الذي ولد فيه جعفر، فرأيت أهل الدار قد سُرُّوا به، فصرت إلى أبي الحسن (ع) فلم أره مسروراً بذلك فقلت له: يا سيدي، ما لي أراك غير مسرور بهذا المولود؟ فقال (ع): هَوِّني عليك أمره، إنه سيُضَلُّ خلقاً كثيراً ». ورواه المسعودي في إثبات الوصية 239، عن جماعة.

وروى في الكافي « 1 / 503 » حديثاً بليغاً يعطي صورة واضحة عن الإمام العسكري (ع) وأخيه جعفر، قال: « كان أحمد بن عبيد الله بن خاقان على الضياع والخراج بقم فجرى في مجلسه يوماً ذكر العلوية ومذاهبهم، وكان شديد النصب فقال: ما رأيتُ ولا عرفتُ بسر من رأى رجلاً من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا، في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه، عند أهل بيته وبني هاشم، وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر، وكذلك القواد والوزراء وعامة الناس. فإني كنت يوماً قائماً على رأس أبي « كان أبوه رئيس وزراء » وهو يوم مجلسه للناس، إذ دخل عليه حجابه فقالوا: أبو محمد ابن الرضا بالباب، فقال بصوت عال: ائذنوا له، فتعجبت مما سمعت منهم أنهم جسروا يكنون رجلاً على أبي بحضرته ولم يكن عنده إلا خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يكنى! فدخل رجل أسمر، حسن القامة، جميل الوجه، جيد البدن، حدث السن، له جلالة وهيبة، فلما نظر إليه أبي قام يمشي إليه خُطىً ولا أعلمه فعل

٤٥٩

هذا بأحد من بني هاشم والقواد، فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه وصدره، وأخذ بيده وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه، وجلس إلى جنبه مقبلاً عليه بوجهه، وجعل يكلمه ويفديه بنفسه، وأنا متعجب مما أرى منه إذ دخل الحاجب فقال: الموفق قد جاء وكان الموفق إذا دخل على أبي، تقدم حجابه وخاصة قواده، فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج، فلم يزل أبي مقبلاً على أبي محمد يحدثه حتى نظر إلى غلمان الخاصة، قال حينئذ: إذا شئت جعلني الله فداك، ثم قال لحجابه: خذوا به خلف السماطين حتى لا يراه هذا يعني الموفق، فقام وقام أبي وعانقه ومضى.

فقلت لحُجَّاب أبي وغلمانه: ويلكم من هذا الذي كنيتموه على أبي، وفعل به أبي هذا الفعل؟ فقالوا: هذا علوي يقال له الحسن بن علي، يعرف بابن الرضا فازددت تعجباً، ولم أزل يومي ذلك قلقاً متفكراً في أمره وأمر أبي وما رأيت فيه، حتى كان الليل، وكانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات « أي المشاورات » وما يرفعه إلى السلطان، فلما صلى وجلس، جئت فجلست بين يديه وليس عنده أحد فقال لي: يا أحمد لك حاجة؟ قلت: نعم يا أبه فإن أذنت لي سألتك عنها؟ فقال: قد أذنت لك يا بني فقل ما أحببت، قلت: يا أبه من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة والتبجيل وفديته بنفسك وأبويك؟ فقال: يا بني ذاك إمام الرافضة، ذاك الحسن بن علي المعروف بابن الرضا، فسكت ساعة، ثم قال: يا بني لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا، وإن هذا ليستحقها في فضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه. ولو رأيت أباه رأيت رجلاً جزلاً نبيلاً فاضلاً! فازددت قلقاً وتفكراً وغيظاً على أبي وما سمعت منه، واستزدته في فعله وقوله فيه ما قال، فلم يكن

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477