الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام8%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158849 / تحميل: 7026
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

والياً على الكوفة سبع سنين وهو لا يدع ذم علي والوقوع فيه(1) . وقد أراد معاوية بذلك أن يصرف القلوب عن الإمام (عليه السلام) وأن يحول بين الناس وبين مبادئه التي أصبحت تطارده في قصوره.

يقول الدكتور محمود صبحي : لقد أصبح علي جثة هامدة لا يزاحمهم في سلطانهم ، ويخيفهم بشخصه ، ولا يعني ذلك ـ أي سبّ الإمام ـ إلا أنّ مبادئه في الحكم وآراءه في السياسة كانت تنغّص عليهم في موتهم كما كانت في حياته(2) .

لقد كان الإمام رائد العدالة الإنسانية والمثل الأعلى لهذا الدين ، يقول الجاحظ : لا يعلم رجل في الأرض متى ذكر السبق في الإسلام والتقدم فيه ، ومتى ذكر النخوة والذب عن الإسلام ، ومتى ذكر الفقه في الدين ، ومتى ذكر الزهد في الأمور التي تناصر الناس عليها كان مذكوراً في هذه الخلال كلها إلا في علي(3) .

ويقول الحسن البصري : والله ، لقد فارقكم بالأمس رجل كان سهماً صائباً من مرامي الله عز وجل ، رباني هذه الأمة بعد نبيها (صلى الله عليه وآله) وصاحب شرفها وفضلها وذا القرابة القريبة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير مسؤم لأمر الله ، ولا سروقة لمال الله أعطى القرآن عزائمه فأورده رياضاً مونقة ، وحدائق مغدقة ذلك علي بن أبي طالب(4) .

لقد عادت اللعنات التي كان يصبها معاوية وولاته على الإمام بإظهار فضائله ؛ فقد برز الإمام للناس أروع صفحة في تأريخ الإنسانية كلها ، وظهر للمجتمع أنّه المنادي الأول بحقوق الإنسان ، والمؤسس الأول للعدالة الاجتماعية

__________________

(1) تأريخ الطبري 6 / 141 طبع أوربا.

(2) نظرية الإمامة لدى الشيعة الإثنى عشرية / 282.

(3) الإسلام والحضارة العربية 2 / 145.

(4) مناقب ابن المغازلي / رقم الحديث 69.

١٦١

في الأرض. لقد انطوت السنون والأحقاب واندكت معالم تلك الدول التي ناوئت الإمام ، سواء أكانت من بني أمية أم من بني العباس ، ولم يبقَ لها أثر ، وبقي الإمام (عليه السلام) وحده قد احتل قمّة المجد فها هو رائد الإنسانية الأول وقائدها الأعلى وإذا بحكمه القصير الأمد يصبح طغراءً في حكام هذا الشرق ، وإذا الوثائق الرسمية التي أثرت عنه تصبح مناراً لكل حكم صالح يستهدف تحقيق القضايا المصيرية للشعوب ، وإذا بحكم معاوية أصبح رمزاً للخيانة والعمالة ورمزاً لاضطهاد الشعوب واحتقارها.

ستر فضائل أهل البيت :

وحاول معاوية بجميع طاقاته حجب فضائل أهل البيت (عليهم السلام) وستر مآثرهم عن المسلمين ، وعدم إذاعة ما أثر عن النبي (صلى الله عليه وآله) في فضلهم.

يقول المؤرخون : إنّه بعد عام الصلح حج بيت الله الحرام فاجتاز على جماعة فقاموا إليه تكريماً ولم يقم إليه ابن عباس ، فبادره معاوية قائلاً : يابن عباس ما منعك من القيام؟ كما قام أصحابك إلا لموجدة علي بقتالي إياكم يوم صفين! يابن عباس ، إنّ ابن عمي عثمان قتل مظلوماً!

فردّ عليه ابن عباس ببليغ منطقه قائلاً : فعمر بن الخطاب قد قُتل مظلوماً ، فسلم الأمر إلى ولده ، وهذا ابنه ـ وأشار إلى عبد الله بن عمر ـ.

أجابه معاوية بمنطقه الرخيص :

إنّ عمر قتله مشرك.

فانبرى ابن عباس قائلاً :

فمَنْ قتل عثمان؟

١٦٢

ـ قتله المسلمون.

وأمسك ابن عباس بزمامه فقال له : فذلك أدحض لحجتك إن كان المسلمون قتلوه وخذلوه فليس إلاّ بحق.

ولم يجد معاوية مجالاً للردّ عليه ، فسلك حديثاً آخر أهم عنده من دم عثمان فقال له : إنّا كتبنا إلى الآفاق ننهي عن ذكر مناقب علي وأهل بيته فكف لسانك يابن عباس.

فانبرى ابن عباس بفيض من منطقه وبليغ حجته يسدد سهاماً لمعاوية قائلاً : فتنهانا عن قراءة القرآن؟

ـ لا.

ـ فتنهانا عن تأويله؟

ـ نعم.

ـ فنقرأه ولا نسأل عما عنى الله به؟

ـ نعم.

ـ فأيهما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟

ـ العمل به.

ـ فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا؟

ـ سل عن ذلك ممن يتأوله على غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك.

ـ إنما نزل القرآن على أهل بيتي ، فأسأل عنه آل أبي سفيان وآل أبي معيط؟!

ـ فاقرؤوا القرآن ، ولا ترووا شيئاً مما أنزل الله فيكم ، ومما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيكم ، وارووا ما سوى ذلك.

١٦٣

وسخر منه ابن عباس ، وتلا قوله تعالى :( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلّا أَن يُتِمّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) .

وصاح به معاوية : اكفني نفسك وكفّ عنّي لسانك ، وإن كنت فاعلاً فليكن سرّاً ولا تسمعه أحداً علانية(1) .

ودلّت هذه المحاورة على عمق الوسائل التي اتّخذها معاوية في مناهضته لأهل البيت وإخفاء مآثرهم.

وبلغ الحق بمعاوية على الإمام أنّه لما ظهر عمرو بن العاص بمصر على محمد بن أبي بكر وقتله ، استولى على كتبه ومذكراته وكان من بينها عهد الإمام له ، وهو من أروع الوثائق السياسية فرفعه ابن العاص إلى معاوية فلما رآه قال لخاصته : إنّا لا نقول هذا من كتب علي بن أبي طالب ولكن نقول هذا من كتب أبي بكر التي كانت عنده(2) .

التحرج من ذكر الإمام :

وأسرف الحكم الأموي إلى حد بعيد في محاربة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد عهد بقتل كل مولود يسمى علياً ، فبلغ ذلك علي بن رباح فخاف ، وقال : لا أجعل في حل من سماني علياً فإن اسمي علي ـ بضم العين ـ(3) .

ويقول المؤرخون : إنّ العلماء والمحدثين تحرجوا من ذكر الإمام علي والرواية عنه خوفاً من بني أمية فكانوا إذا أرادوا أن يرووا عنه يقولون :

__________________

(1) حياة الإمام الحسن 2 / 343.

(2) شرح النهج 2 / 28.

(3) تهذيب التهذيب 7 / 319.

١٦٤

روى أبو زينب(1) ، وروى معمر عن الزهري عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «إنّ الله عز وجل منع بني إسرائيل قطر السماء لسوء رأيهم في أنبيائهم ، واختلافهم في دينهم ، وإنّه أخذ على هذه الأمّة بالسنين ، ومنعهم قطر السماء ببغضهم علي بن أبي طالب».

قال معمر : حدثني الزهري في مرضة مرضها ، ولم اسمعه يحدث عن عكرمة قبلها ولا بعدها فلما أبل من مرضه ندم على حديثه لي وقال : يا يماني اكتم هذا الحديث ، واطوه دوني فإن هؤلاء ـ يعني بني أميّة ـ لا يعذرون أحداً في تقريض علي وذكره.

قال معمر : فما بالك عبت علياً مع القوم وقد سمعت الذي سمعت؟!

قال الزهري : حسبك يا هذا إنّهم أشركونا مهامهم فاتبعناهم في أهوائهم(2) .

وقد امتحن المسلمون امتحاناً عسيراً في مودتهم للإمام وتحرجوا أشدّ التحرّج في ذلك ، يقول الشعبي : ماذا لقينا من علي إن أحببناه ذهبت دنيانا وإن بغضناه ذهب ديننا.

ويقول الشاعر :

حبّ علي كله ضرب بر

جفّ من تذكاره القلب

هذه بعض المحن التي عاناها المسلمون في مودتهم لأهل البيت (عليهم السلام) التي هي جزء من دينهم.

__________________

(1) شرح النهج 11 / 14.

(2) مناقب ابن المغازلي / رقم الحديث 149.

١٦٥

مع الشيعة :

واضطهدت الشيعة أيام معاوية اضطهاداً رسمياً في جميع أنحاء البلاد ، وقوبلوا بمزيد من العنف والشدّة ، فقد انتقم منهم معاوية كأشدّ ما يكون الانتقام قسوة وعذاباً ، فقد قاد مركبة حكومته على جثث الضحايا منهم ، وقد حكى الإمام الباقر (عليه السلام) صوراً مريعة من بطش الأمويين بشيعة آل البيت (عليهم السلام) يقول : «وقتلت شيعتنا بكل بلدة ، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنّة ، وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره»(1) .

وتحدّث بعض رجال الشيعة إلى محمد بن الحنفية عمّا عانوه من المحن والخطوب بقوله : فما زال بنا الشين في حبكم حتى ضُربت عليه الأعناق ، وأبطلت الشهادات ، وشردنا في البلاد ، وأوذينا حتى لقد هممت أن أذهب في الأرض قفراً ، فأعبد الله حتى ألقاه ، لولا أن يخفى عليّ أمر آل محمد (صلى الله عليه وآله) وحتى هممت أن أخرج مع أقوام(2) شهادتنا وشهادتهم واحدة على أمرائنا فيخرجون فيقاتلون(3) .

لقد كان معاوية لا يتهيب من الإقدام على اقتراف أية جرية من أجل أن يضمن ملكه وسلطانه ، وقد كانت الشيعة تشكّل خطراً على حكومته فاستعمل معهم أعنف الوسائل وأشدها قسوة من أجل القضاء عليهم ، ومن بين الإجراءات القاسية التي استعملها ضدهم ما يلي :

__________________

(1) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد 3 / 15.

(2) الأقوام : هم الخوارج.

(3) طبقات ابن سعد 5 / 95.

١٦٦

القتل الجماعي

وأسرف معاوية إلى حد كبير في سفك دماء الشيعة ، فقد عهد إلى الجلادين من قادة جيشه بتتبع الشيعة وقتلهم حيثما كانوا ، وقد قتل بسر بن أبي أرطأة بعد التحكيم ثلاثين ألفاً عدا مَنْ أحرقهم بالنار(1) ، وقتل سمرة بن جندب ثمانية آلاف من أهل البصرة(2) ، وأمّا زياد بن أبيه فقد ارتكب أفظع المجازر فقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون ، وأنزل بالشيعة من صنوف العذاب ما لا يوصف لمرارته وقسوته.

إبادة القوى الواعية :

وعمد معاوية إلى إبادة القوى المفكرة والواعية من الشيعة ، وقد ساق زمراً منهم إلى ساحات الإعدام ، وأسكن الثكل والحداد في بيوتهم ، وفيما يلي بعضهم :

1 ـ حجر بن عدي :

لقد رفع حجر بن عدي علم النضال ، وكافح عن حقوق المظلومين والمضطهدين ، وسحق إرادة الحاكمين من بني أميّة الذين تلاعبوا في مقدرات الأمّة وحولوها إلى مزرعة جماعية لهم ولعملائهم وأتباعهم.

لقد استهان حجر من الموت وسخر من الحياة ، واستلذّ الشهادة في سبيل عقيدته ، فكان أحد المؤسسين لمذهب أهل البيت (عليه السلام).

__________________

(1) شرح النهج 2 / 6.

(2) الطبري 6 / 32.

١٦٧

وامتحن حجر كأشدّ ما تكون المحنة قسوة حينما رأى السلطة تعلن سب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وترغم الناس على البراءة منه فأنكر ذلك ، وجاهر بالردّ على ولاة الكوفة ، واستحلّ زياد بن أبيه دمه فألقى عليه القبض ، وبعثه مخفوراً مع كوكبة من إخوانه إلى معاوية ، وأوقفوا في (مرج عذراء) فصدرت الأوامر من دمشق بإعدامهم ، ونفذ الجلادون فيهم حكم الإعدام فخرت جثثهم على الأرض وهي ملفعة بدم الشهادة والكرامة وهي تضيء للناس معالم الطريق نحو حياة أفضل لا ظلم فيها ، ولا طغيان.

مذكرة الإمام الحسين

وفزع الإمام الحسين حينما وافته الأنباء بمقتل حجر فرفع مذكرة شديدة اللهجة إلى معاوية ذكر فيها أحداثه وبدعه ، والتي كان منها قتله لحجر والبررة من أصحابه ، وقد جاء فيها : «ألست القاتل حجراً أخا كندة والمصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ، ولا يخافون في الله لومة لائم. قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما كانت أعطيتهم الأيمان المغلّظة ، والمواثيق المؤكّدة أن لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ولا بإحنة تجدها في نفسك عليهم؟!»(1)

واحتوت هذه المذكّرة على ما يلي :

1 ـ الإنكار الشديد على معاوية لقتله حجراً وأصحابه من دون أن يقترفوا أو يحدثوا فساداً في الأرض.

2 ـ إنها أشادت بالصفات البطولية في هؤلاء الشهداء من إنكار الظلم ،

__________________

(1) حياة الإمام الحسن 2 / 365.

١٦٨

ومقاومة الجور ، واستعظام البدع والمنكرات التي أحدثتها حكومة معاوية ، وقد هبّوا إلى ميادين الجهاد ، لإقامة الحقّ ، ومناهضة المنكر.

3 ـ إنّها أثبتت أنّ معاوية قد أعطى حِجْرَاً وأصحابه عهداً خاصاً في وثيقة وقّعها قبل إبرام الصلح أنْ لا يعرض لهم بأي إحنة كانت بينه وبينهم ، ولا يصيبهم بأي مكروه ، ولكنّه قد خاس بذلك فلمْ يفِ به ، كما لمْ يفِ للإمام الحسن بالشروط التي أعطاها له ، وإنّما جعلها تحت قدميه ، كما أعلن ذلك في خطابه الذي ألقاه في النُّخيلة.

لقد كان قتلُ حِجْر مِن الأحداث الجسام في الإسلام ، وقد توالت صيحات الإنكار على معاوية مِن جميع الأقاليم الإسلامية ، وقد ذكرناها بالتفصيل في كتابنا (حياة الإمام الحسن (عليه السّلام».

2 ـ رشيد الهجري :

وفي فترات المحنة الكبرى التي مُنِيَتْ بها الشيعة في عهد ابن سُميّة تعرّض رشيد الهجري لأنواع المِحن والبلوى ، فقد بعث زياد شرطته إليه ، فلمّا مَثُلَ عنده صاح به (ما قال لك خليلك ـ يعني علياً ـ أنّا فاعلون بك؟).

فأجابه بصدق وإيمان : (تقطعون يدي ورجلي ، وتصلبوني) ، وقال الخبيث مستهزءاً وساخراً :

(أما والله لأكذبنَّ حديثه ، خلّوا سبييله). وخلّت الجلاوزة سراحه ، وندم الطاغية فأمر بإحضاره فصاح به :

(لا نجد شيئاً أصلح ممّا قال صاحبك : إنّك لا تزال تبغي لنا سوءاً إنْ بقيت ، اقطعوا يديه ورجليه).

وبادر الجلادون فقطعوا يديه ورجليه ، وهو غير حافل بما يعانيه مِن الآلام.

ويقول المؤرخون : إنّه أخذ يذكر مثالب بني أُميّة ، ويدعو إلى إيقاظ الوعي والثورة ، ممّا غاظ ذلك زياداً فأمر بقطع

١٦٩

لسانه(1) الذي كان يطالب بالحقّ والعدل ، وينافح عن حقوق الفقراء والمحرومين.

3 ـ عمرو بن الحمق الخزاعي :

ومِن شهداء العقيدة : الصحابي العظيم عمرو بن الحمق الخزاعي الذي دعا له النّبي (صلّى الله عليه وآله) أنْ يمتّعه الله بشبابه ، واستجاب الله دعاء نبيه ، فقد أخذ عمرو بن حمق الثمّانين عاماً ولمْ ترَ في كريمته شعرة بيضاء(2) ، وتأثر عمرو بهدي أهل البيت ، وأخذ مِن علومهم ، فكان مِن أعلام شيعتهم.

وفي أعقاب الفتنة الكبرى التي مُنِيَتْ بها الكوفة في عهد الطاغية زياد بن سُميّة شعر عمرو بتتبع السلطة له ، ففرّ مع زميله رفاعة بن شدّاد إلى الموصل ، وقبل أنْ ينتهيا إليه كمنا في جبل ليستجما فيه ، وارتابت الشرطة فبادرت إلى إلقاء القبض على عمرو.

أمّا رفاعة ، ففرّ ولمْ تستطع أنْ تُلقي عليه القبض ، وجيئ بعمرو مخفوراً إلى حاكم الموصل عبد الرحمن الثقفي ، فرفع أمره إلى معاوية ، فأمره بطعنه تسع طعنات بمشاقص(3) ، لأنّه طعن عثمّان بن عفان ، وبادرت الجلاوزة إلى طعنه فمات في الطعنة الأولى ، واحتُزّ رأسه الشريف ، وأُرسل إلى طاغية دمشق ، فأمر أنْ يُطاف به في الشام.

ويقول المؤرخون : إنّه أوّل رأس طيف به في الإسلام ، ثمّ أمر به معاوية أنْ يُحمل إلى زوجته السيّدة آمنة بنت شريد ، وكانت في سجنه ، فلمْ تشعر إلاّ ورأس زوجها قد وضع في حجرها ، فذعرت وكادت أنْ تموت ، وحُمِلَتْ مِن السجن إلى معاوية ، وجرت بينها وبينه محادثات دلّت على ضِعة معاوية ، واستهانته بالقيم العربية والإسلامية ، القاضية بمعاملة المرأة معاملةً كريمةً ، ولا تؤخذ بأي ذنب يقترفه زوجها أو غيره.

__________________

(1) سفينة البحار 1 / 522.

(2) الإصابة 2 / 526.

(3) المشاقص : ـ جمع مفردة مشقص ـ النصل العريض أو سهم فيه نصل عريض.

١٧٠

مذكّرة الإمام الحُسين :

والتاع الإمام الحًسين (عليه السّلام) أشدّ ما تكون اللوعة حينما علم بقتل عمرو ، فرفع مذكرةً إلى معاوية عدّد فيها أحداثه ، وما تعانيه الأُمّة في عهده من الاضطهاد والجور ، وجاء فيما يخص عمرو :

«أوَ لستَ قاتل عمرو بن الحمق ، صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، العبد الصالح ، الذي أبلته العبادة ، فنحل جسمه ، واصفرّ لونه ، بعدما أمِنته ، وأعطيته مِن عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائراً لنزل إليك مِن رأس الجبل ، ثمّ قتلته جراءة على ربّك ، واستخفافاً بذلك العهد»(1) .

لقد خاس معاوية بما أعطاه لهذا الصحابي الجليل ـ بعد الصلح ـ مِن العهد والمواثيق بأنْ لا يعرض له بسوء ولا مكروه.

4 ـ أوفى بن حصن :

وكان أوفى بن حصن مِن خيار الشيعة ـ في الكوفة ـ وأحد أعلامهم النابهين ، وهو مِن أشدّ الناقمين على معاوية ، فكان يذيع مساوءه وأحداثه.

ولمّا علم به ابن سُميّة أوعز إلى الشرطة بإلقاء القبض عليه ، ولمّا علم أوفى بذلك اختفى ، وفي ذات يوم استعرض زياد الناس فاجتاز عليه أوفى ، فشك في أمره ، فسأل عنه فأُخبر باسمه ، فأمر بإحضاره ، فلمّا مَثُل عنده سأله عن سياسته فعابها وأنكرها ، فأمر زياد بقتله ، فهوى الجلادون عليه بسيوفهم وتركوه جثة هامدة(2) .

__________________

(1) حياة الإمام الحسن.

(2) تاريخ ابن الأثير 3 / 180 ، الطبري 6 / 130 ـ 132.

١٧١

5 ـ الحضرمي مع جماعته :

وكان عبد الله الحضرمي مِن أولياء الإمام أمير المؤمنين ، ومِن خلّص شيعته ، كما كان مِن شرطة الخميس ، وقد قال له الإمام يوم الجمل :

«أبشر يا عبد الله ، فإنّك وأباك مِن شرطة الخميس ، لقد أخبرني رسول الله باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس ، ولمّا قُتِلَ الإمام جزع عليه الحضرمي ، وبنى له صومعة يتعبّد فيها ، وانضمّ إليه جماعة مِن خيار الشيعة ، فأمر ابن سُميّة بإحضارهم ، ولمّا مَثُلوا عنده أمر بقتلهم ، فقتلوا صبراً(1) .

لقد كانت فاجعة عبد الله كفاجعة حِجْر بن عدي ، فكلاهما قُتِلَ صبراً ، وكلاهما أُخِذَ بغير ذنب ، سوى الولاء لعترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

إنكار الإمام الحُسين :

وفزع الإمام الحُسين كأشدّ ما يكون الفزع ألماً ومحنةً على مقتل الحضرمي وجماعته الأخيار ، فأنكر على معاوية في مذكرته التي بعثها له ، وقد جاء فيها.

«أوَ لستَ قاتل الحضرمي ، الذي كتب فيه إليك زياد أنّه على دين علي (عليه السّلام) ، فكتبت إليه أنْ اقتلْ كلّ مَنْ كان على دين علي ، فقتلهم ومثّل فيهم بأمرك ، ودين علي هو دين ابن عمّه (صلّى الله عليه وآله) الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه ، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين رحلة الشتاء والصيف».

ودلّت هذه المذكّرة ـ بوضوح ـ على أنّ معاوية قد عهد إلى زياد بقتل كلّ مَنْ كان على دين علي (عليه السّلام) ، الذي هو دين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، كما دلّت على أنّ زياداً قد مثّل بهؤلاء البررة بعد قتلهم ، تشفياً منهم لولائهم لعترة

__________________

(1) بحار الانوار 10 / 101.

١٧٢

رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

6 ـ جويرية العبدي :

ومِنْ عيون شيعة الإمام جويرية بن مسهر العبدي ، وفي فترات المحنة الكبرى التي امتحنت بها الشيعة أيّام ابن سُميّة ، بعث خلفه فأمر بقطع يده ورجله ، وصلبه على جذع قصير(1) .

7 ـ صيفي بن فسيل :

ومِنْ أبطال العقيدة الإسلامية صيفي بن فسيل ، الذي ضرب أروع الأمثلة للإيمان ، فقد سُعيَ به إلى الطاغية زياد ، فلمّا جيء به إليه صاح به :

ـ يا عدو الله ما تقول في أبي تراب؟

ـ ما أعرف أبا تراب(2)

ـ ما أعرفك به؟

ـ أما تعرف علي بن أبي طالب؟

ـ بلى

ـ فذاك أبو تراب.

ـ كلا ذاك أبو الحسن والحسين.

وانبرى مدير شرطة زياد منكراً عليه :

ـ يقول لك الأمير : هو أبو تراب ، وتقول : أنت ل :! ، فصاح به البطل العظيم مستهزءاً منه ، ومِن أميره.

ـ وإنْ كذب الأمير أتريد أنْ أكذب؟ وأشهد على باطل ، كما شهد

__________________

(1) شرح ابن أبي الحديد.

(2) كان الأمويون يرمزون بهذه الكتبية إلى جعل الإمام كقاطع طريق ، جاء ذلك في التاريخ السياسي للدولة العربية 2 / 75 ، وجاء في الأغاني 13 / 168 أنّ زياداً كان يحتقر الشيعة ويسميهم الترابية.

١٧٣

وتحطم كبرياء الطاغية ، فضاقت به الأرض ، وقال له :

ـ وهذا أيضاً مع ذنبك ، وصاح بشرطته عليّ بالعص ، فأتوه به ، فقال له :

ـ ما قولك؟ ، وانبرى البطل بكلّ بسالة وإقدام غير حافل به قائلاً :

ـ أحسن قول أنا قائله في عبد مِنْ عباد الله المؤمنين ...

وأوعز السفّاك إلى جلاديه بضرب عاتقه حتّى يلتصق بالأرض ، فسعوا إليه بهراواتهم فضربوه ضرباً مبرحاً حتّى وصل عاتقه إلى الأرض ، ثمّ أمرهم بالكفّ عنه ، وقال له :

ـ إيه ما قولك في علي؟

وحسب الطاغية أنّ وسائل تعذيبه سوف تقلبه عن عقيدته ، فقال له :

والله لو شرحتني بالمواسي والمدى ، ما قلت إلاّ ما سمعت منّي

وفقد السفّاك إهابه ، فصاح به ، لتلعنه أو لأضربن عنقك ...

وهتف صيفي يقول :

ـ إذاً تضربها والله قبل ذلك ، فإنْ أبيت إلاّ أنْ تضربها رضيت بالله وشقيت أنت ...

وأمر به أنْ يوقرَ في الحديد ، ويلقى في ظلمات السجون(1) ، ثمّ بعثه مع حِجْر بن عدي فاستشهد معه(2) .

8 ـ عبد الرحمن :

وكان عبد الرحمن العنزي مِن خيار الشيعة ، وقد وقع في قبضة جلاوزة

__________________

(1) الطبري 4 / 198.

(2) حياة الإمام الحسن 2 / 362.

١٧٤

زياد ، فطلب منهم مواجهة معاوية ، لعلّه أنْ يعفو عنه ، فاستجابوا له وأرسلوه مخفوراً إلى دمشق ، فلمّا مَثُلَ عند الطاغية قال له :

(إيهٍ أخا ربيعة ، ما تقول في علي؟)

(دعني ولا تسألني فهو خير لك).

(والله لا أدعك).

فانبرى البطل الفذ يُدلي بفضائل الإمام ، ويشيد بمقامه قائلاً : (أشهد أنّه كان مِن الذاكرين الله كثيراً ، والآمرين بالحقّ ، والقائمين بالقسط ، والعافين عن الناس).

والتاع معاوية فعرّج نحو عثمّان ، لعلّه أنْ ينال منه فيستحلّ إراقة دمه ، فقال له : (ما قولك في عثمّان؟)

فأجابه عن انطباعاته عن عثمّان ، فغاظ ذلك معاوية وصاح به :

(قتلت نفسك) ، بل إيّاك قتلت ، ولا ربيعة بالوادي.

وظنّ عبد الرحمن أنّ أُسرته ستقوم بحمايته وإنقاذه ، فلمْ ينبرِ إليه أحدٌ ، ولمّا أمِنَ منهم معاوية بعثه إلى الطاغية زياد ، وأمره بقتله ، فبعثه زياد إلى (قس الناطف)(1) فدفنه وهو حي(2) .

لقد رفع هذا البطل العظيم راية الحقّ ، وحمل معول الهدم على قلاع الظلم والجور ، واستشهد منافحاً عن أقدس قضية في الإسلام.

هؤلاء بعض الشهداء مِن أعلام الشيعة ، الذين حملوا مشعل الحرية ، وأضاءوا الطريق لغيرهم مِن الثوار الذين أسقطوا هيبة الحكم الأموي ، وعملوا على إنقاضه.

__________________

(1) قس الناطف : موضع قريب مِن الكوفة.

(2) الطبري 6 / 155.

١٧٥

المروّعون مِن أعلام الشيعة :

وروّع معاوية طائفة كبيرة مِن الشخصيات البارزة مِن رؤساء الشيعة ، وفيما يلي بعضهم :

1 ـ عبد الله بن هاشم المرقال.

2 ـ عَدِي بن حاتم الطائي.

3 ـ صعصعة بن صوحان.

4 ـ عبد الله بن خليفة الطائي.

وقد أرهق معاوية هؤلاء الأعلام إرهاقاً شديداً ، فطاردتهم شرطته ، وأفزعتهم إلى حدٍّ بعيدٍ ، وقد ذكرنا ماعانوه مِن الخطوب في كتابنا (حياة الإمام الحسن).

ترويع النّساء :

ولمْ يقتصر معاوية في تنكيله على السّادة مِنْ رجال الشيعة ، وإنّما تجاوز ظلمه إلى السّيدات مِنْ نسائهم ، فأشاع فيهم الذعر والإرهاب ، فكتب إلى بعض عمّاله بحمل بعضهنّ إليه ، فحُمِلَتْ له هذه السّيدات :

1 ـ الزرقاء بنت عَدِي.

2 ـ أُمّ الخير البارقية.

3 ـ سودة بنت عمارة.

4 ـ أُمّ البرّاء بنت صفوان.

١٧٦

5 ـ بكارة الهلالية.

6 ـ أروى بنت الحارث.

7 ـ عكرش بنت الأطرش.

8 ـ الدارمية الحجونية.

وقد قابلهن معاوية بمزيد مِن التوهين والاستخفاف ، وأظهر لهنّ الجبروت والقدرة على الانتقام ، غير حافلٍ بوهن المرأة وضعفها ، وقد ذكرنا ما جرى عليهن في مجلسه مِن التحقير في كتابنا (حياة الإمام الحسن)

هدم دور الشيعة :

وأوعز معاوية إلى جميع عمّاله بهدم دور الشيعة ، فقاموا بنقضها(1) .

وتركوا شيعة آل البيت (عليه السّلام) بلا مأوى يأوون إليه ، ولمْ يكن هناك أي مُبرر لهذه الإجراءات القاسية ، سوى تحويل الناس عن عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

حرمان الشيعة مِن العطاء :

ومِن المآسي الكئيبة التي عانتها الشيعة في أيّام معاوية أنّه كتب إلى جميع عمّاله نسخةً واحدةً جاء فيها : (انظروا إلى مَنْ قامت عليه البيّنة أنّه يُحبّ علياً وأهل بيته فامحوه مِن الديوان ، واسقطوا عطاءه ورزقه)(2) ، وبادر عمّاله في الفحص في سجلاتهم ، فمَنْ وجدوه محبّاً لآل البيت (عليه السّلام) محوا اسمه ، وأسقطوا عطاءه.

__________________

(1) شرح النهج 11 / 44.

(2) شرح النهج 11 / 44.

١٧٧

عدم قبول شهادة الشيعة :

وعمد معاوية إلى إسقاط الشيعة اجتماعياً ، فعهد إلى جميع عمّاله بعدم قبول شهادتهم في القضاء وغيره(1) مبالغة في إذلالهم وتحقيرهم.

إبعاد الشيعة إلى الخراسان :

وأراد زياد بن أبيه تصفية الشيعة مِن الكوفة ، وكسر شوكتهم فأجلى خمسين ألفاً منهم إلى خراسان ـ المقاطعة الشرقية في فارس(2) ـ ، وقد دقّ زياد بذلك أوّل مسمار في نعش الحكم الأموي ، فقد أخذت تلك الجماهير التي أُبعدت إلى فارس تعمل على نشر التشيع في تلك البلاد ، حتى تحوّلت إلى مركز للمعارضة ضد الحكم الأموي ، وهي التي أطاحت به تحت قيادة أبي مسلم الخراساني.

هذا بعض ما عانته الشيعة في عهد معاوية مِنْ صنوف التعذيب والإرهاب ، وكان ما جرى عليهم مِن المآسي الأليمة مِن أهم الأسباب في ثورة الإمام الحسين ، فقد رفع علم الثورة لينقذهم مِن المحنة الكبرى التي امتحنوا بها ، ويُعيد لهم الأمن والاستقرار.

البيعة ليزيد :

وختم معاوية حياته بأكبر إثم في الإسلام ، وأفظع جريمة في التاريخ ،

__________________

(1) حياة الإمام الحسن.

(2) تاريخ الشعوب الإسلامية 1 / 147.

١٧٨

فقد أقدم غير متحرّج على فرض خليعه يزيد خليفة على المسلمين يعيث في دينهم ودنياهم ، ويخلد لهم الويلات والخطوب ، وقد استخدم معاوية شتى الوسائل المنحطّة في جعل المُلْك وراثة في أبنائه. ويرى الجاحظ أنّه تشبّه بملوك الفرس البزنطيين فحوّل الخلافة إلى مُلْكٍ كسروي وعصبٍ قيصري. وقبل أنْ نعرض إلى تلك البيعة المشومة ، وما رافقها مِن الأحداث ، نذكر عرضاً موجزاً لسيرة يزيد ، وما يتّصف به مِن القابليات الشخصية التي عجّت بذمها كتب التاريخ مِنْ يومه حتّى يوم الناس هذا ، وفيما يلي ذلك :

ولادة يزيد :

ولد يزيد سنة (25) أو (26 هـ)(1) ، وقد دهمت الأرض شعلة مِنْ نار جهنم وزفيرها ، تحوط به دائرةُ السَوءِ وغضبٌ مِن الله ، وهو أخبث إنسان وجِدَ في الأرض ، فقد خُلِقَ للجريمة والإساءة إلى الناس وأصبح علماً للانحطاط الخُلُقي والظلم الاجتماعي ، وعنواناً بغيضاً للاعتداء على الأُمّة وقهرَ إرادتها في جميع العصور.

يقول الشيخ محمّد جواد مغنية : أمّا كلمة يزيد فقد كانت مِنْ قبل اسماً لابن معاوية ، أمّا هي الآن عند الشيعة فإنّها رمز للفساد والاستبداد والتهتّك والخلاعة ، وعنوان للزندقة والإلحاد ، فحيث يكون الشرّ والفساد فثمَّ اسم يزيد ، وحيثما يكون الخير والحقّ والعدل فثمَّ اسم الحُسين(2) .

وقد أثر عن النّبي (صلّى الله عليه وآله) أنّه نظر إلى معاوية يتبختر في بردة حبرة وينظر إلى عطفَيه ، فقال (صلّى الله عليه وآله) : «أي يوم لأُمّتي منك ، وأي يوم سُوء

__________________

(1) تاريخ القضاعي من مصوّرات مكتبة الإمام الحكيم العامّة.

(2) الشيعة في الميزان / 455.

١٧٩

لذريتي منّك ، مِن جرو يخرج مِن صُلبك ، يتّخذ آيات الله هُزُوا ويستحلّ مِن حرمتي ما حرم الله عز وجل»(1) .

نشأته :

نشأ يزيد عند أخواله في البادية مِن بني كلاب الذين كانوا يعتنقون المسيحية قبل الإسلام ، وكان مُرسَل العِنان مع شبابهم الماجنين فتأثر بسلوكهم إلى حدٍّ بعيدٍ ، فكان يشرب معهم الخمر ويلعب معهم بالكلاب.

يقول العائلي : إذا كان يقيناً أو يشبه اليقين أنّ تربية يزيد لمْ تكن إسلامية خالصة ، أو بعبارة أخرى : كانت مسيحية خالصة ، فلمْ يبقَ ما يستغرب معه أنْ يكون متجاوزاً مستهتراً مستخفّاً بما عليه الجماعة الإسلامية ، لا يحسب لتقاليدها واعتقاداتها أي حساب ولا يقيم لها وزناً ، بل الذي نستغرب أنْ يكون على غير ذلك(2) .

والذي نراه أنّ نشأته كانت نشأة جاهلية بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة ، ولا تحمل أي طابعٍ مِن الدين مهما كان ؛ فإنّ استهتاره في الفحشاء وإمعانه في المنكر والإثم ممّا يوحي إلى الاعتقاد بذلك.

صفاته :

أمّا صفاته الجسمية : فقد كان شديد الأدمة بوجهه آثار الجدري(3)

__________________

(1) المناقب والمثالب ـ للقاضي نعمان المصري / 71.

(2) سمو المعنى في سمو الذات / 59.

(3) تاريخ القضاعي.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره والبحث عن أمره، فما سألت أحداً من بني هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس، إلا وجدته عنده في غاية الإجلال والإعظام والمحل الرفيع والقول الجميل، والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه، فعظم قدره عندي إذ لم أر له ولياً ولا عدواً إلا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه! فقال له بعض من حضر مجلسه من الأشعريين: يا أبا بكر فما خبر أخيه جعفر؟ فقال: ومن جعفر فتسأل عن خبره؟ أوَيُقْرَنُ بالحسن جعفر، معلنُ الفسق، فاجرٌ ماجنٌ شريب للخمور، أقل من رأيته من الرجال وأهتكهم لنفسه، خفيفٌ قليلٌ في نفسه، ولقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي ما تعجبت منه، وما ظننت أنه يكون. وذلك أنه لما اعتل بعث إلى أبي أن ابن الرضا قد اعتل، فركب من ساعته فبادر إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلاً ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين، كلهم من ثقاته وخاصته، فيهم نحرير، فأمرهم بلزم دار الحسن وتعرف خبره وحاله، وبعث إلى نفر من المتطببين، فأمرهم بالإختلاف إليه وتعاهده صباحاً ومساءً، فلما كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أخر أنه قد ضعف، فأمر المتطببين بلزوم داره وبعث إلى قاضي القضاة، فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه وأمانته وورعه، فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن وأمرهم بلزومه ليلاً ونهاراً، فلم يزالوا هناك حتى توفي (ع) فصارت سر من رأى ضجة واحدة، وبعث السلطان إلى داره من فتشها وفتش حجرها، وختم على جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده وجاؤوا بنساء يعرفن الحمل فدخلن إلى جواريه ينظرن إليهن، فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حمل فجعلت في حجرة ووكل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم، ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته، وعطلت الأسواق، وركبت بنو هاشم والقواد وأبي وسائر الناس إلى

٤٦١

جنازته، فكانت سر من رأى يومئذ شبيهاً بالقيامة، فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه، فلما وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتاب والقضاة والمعدلين، وقال: هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه، حضره من حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن القضاة فلان وفلان، ومن المتطببين فلان وفلان، ثم غطى وجهه وأمر بحمله فحمل من وسط داره ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه، فلما دفن أخذ السلطان والناس في طلب ولده، وكثر التفتيش في المنازل والدور وتوقفوا عن قسمة ميراثه، ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهم عليها الحمل لازمين حتى تبين بطلان الحمل، فلما بطل الحمل عنهن قسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر، وادعت أمه وصيته وثبت ذلك عند القاضي.

والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده، فجاء جعفر بعد ذلك إلى أبي فقال: إجعل لي مرتبه أخي وأوصل إليك في كل سنة عشرين ألف دينار، فزبره أبي وأسمعه وقال له: يا أحمق السلطان جرد سيفه في الذين زعموا أن أباك وأخاك أئمة ليردهم عن ذلك، فلم يتهيأ له ذلك، فإن كنت عند شيعة أبيك أو أخيك إماماً فلا حاجة بك إلى السلطان أن يرتبك مراتبهما ولا غير السلطان. وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا، واستقله أبي عند ذلك واستضعفه، وأمر أن يحجب عنه، فلم يأذن له في الدخول عليه حتى مات أبي، وخرجنا وهو على تلك الحال، والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي ». هذا، وتفصيل ذلك في سيرة الإمام الحسن العسكري (ع).

٤٦٢

ملاحظة في الختام

وبعدُ، فإن كل واحد من أئمة العترة النبوية الإثني عشر صلوات الله عليهم، عالَمٌ متكاملٌ، وصرحٌ شامخٌ، واسعُ الأرجاء، غنيُّ الجنبات، فريدُ العمارة، قال له ربه: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي.

ويصعب عليك أن تلمس هذا التوصيف حتى تتشرف بأعتابه، وتدخل الى رحابه، فترى العجب العجاب! وهكذا كانت رحلتي مع الإمام الهادي (ع).

قرأت له وعنه أكثر من أربع مجلدات، ولو أردت أن أكتب مسترسلاً في البحث والتحليل لكتبت في سيرته بضع مجلدات، لكني هدفي أن أقدم لقارئي باقةً عن الإمام الهادي (ع)، أنتقي لها من زهوره أجملها وأغلاها. وهنا الصعوبة.

فهل أختار قطافاً من التحليل السياسي لخطين: خط الحكام، وخط الأئمة (ع)، وآخذ في تحليل برنامج كل منهما وفعالياته وأهدافه، وما أنجزه، وما لم ينجز.

أم أقارن بين شخصيتين: أحدهما عليه أنوار الله وخشوع أوليائه، يلهج بآيات ربه، ليلَهُ ونهارَه، وينشر بركته في الناس، حِلَّهُ وترحالَه.

وآخر سمى نفسه خليفة، جالسٌ على طُنفسة، وحوله ستائر حرير وديباج، وجنودٌ واقفون بالحراب، وهو جائع متعطش لأن يأمر وينهى.

ثم يجثو على مائدة طعامه، فيختار ويختارون له، من مئات الأصناف، ما يملأ معدته الى بابها، ثم يشرب عليه تسعة أرطال من النبيذ!

٤٦٣

أم نترك المقارنة، ونبحث حياة الإمام الهادي (ع) في علمه، وندرس ما صدر عنه في عقائد الإسلام وفقهه، وتفسير القرآن وعلومه، وهدي جده (ص) وسنته.

أم ندرس مقام الإمام الهادي (ع) في الأمة، وما كتبه عن مقامات الأئمة في الزيارة الجامعة، وانتشار الإعتقاد بأنه ولي الله صاحب الدعوة المجابة، حتى وصل ذلك الى الأسرة الحاكمة، فأم المتوكل تنذر له النذور، ورئيس الوزراء يطلب منه الدعاء لحاجة مهمة، والقائد الذي رافقه الى المدينة يقول له: الناس يقولون إنك تعلم الغيب، وقد تبينتُ من ذلك خَلَّتين! وكبير الأطباء يقول عنه: إنه شبيه عيسى بن مريم، وإن كان أحد يعلم الغيب فهوعلي بن محمد!

أم ندرس منابع الإمامة الربانية في الإمام الهادي (ع) ومصادر علمه وإلهامه، والروح القدس التي كانت ترافق النبي (ص) ثم صارت ترافق الإمام من عترته!

كل هذه مناهج للبحث مفيدة، لكني وضعت نفسي مكان القارئ فوجدته يحتاج الى إلمامةٍ شاملةٍ وافية، عن شخصية الإمام الهادي (ع)، وعصره، ومعاصريه، ونماذج من معجزاته، وأصحابه، صلوات الله عليه.

فكان هذا الكتاب قطافاً من هذه الأبعاد، وهو أصعب من المناهج الأخرى.

أسأل الله بجاه الإمام الهادي روحي فداه، أن يكتبه في ميزاني، يوم فقري: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.

٤٦٤

مقطوعات شعرية في الإمام الهادي (ع)

للسيد محمد الزيني البغدادي:

هذي منازلُ آلِ بيتِ المصطفى

فَالْثُمْ ثَرَاهَا واكْتَحِلْ بِغُبَارِهَا

هي بقعةُ الوادي المقدس فاخلعِ النـ

ـعلين إن أصبحتَ من حُضَّارِها

فيها بنو الهادي النبيِّ محمدٍ

مُختارُ خلق الله من مُختارها

أنوارُ حقٍّ يُهتدى بسنائها

قد ضلَّ من قد ضلَّ عن أنوارها

الحلمُ من أطوادها والعلمُ من

أسرارها والجودُ من آثارها

للسيد أحمد البغدادي العطار:

هي سامراءُ قد فاحَ شذاها

وتراءى نورُ أعلامِ هُداها

يا لها من بلدةٍ طيبةٍ

تُربُها مسكٌ وياقوتٌ حَصَاها

وهضابٌ زانها حصباؤها

مثلما زَينت الشهبُ سماها

صاحِ إن شاهدتَ أسمى قُبَّةٍ

لا يُداني الفَلَكُ الأعلى عُلاها

حضرةٌ قد أشرقت أنوارُها

بمصابيح الهدى من آل طاها

حضرةٌ تهوى السماواتُ العلى

أنها تصلح أرضاً لسماها

فاستلم أعتابها مستعبراً

باكياً مستنشقاً طيبَ ثراها

لائذاً بالعسكريين التقيين

أوفى الخلق عند الله جاها

من بني فاطمةَ الغُرِّ الأُولى

بهمُ قد باهلَ الله وباهى

٤٦٥

واستجر بالقائم الذائدِ عن

حوزةِ الإسلام والحامي حِماها

حجةِ الله الذي قوَّمَ من

قَنَوات الدين من بَعْدِ الْتِوَاها

قُطب آلِ الله بل قُطبُ رَحَى

سائرِ الأكوانِ بل قطبُ سماها

مدركُ الأوتارِ ساقي واتري

عترةِ المختار كاساتِ رداها

يا وليَّ الله هل من رجعة

تُشرقُ الأرض بأنوار سَنَاها

ويعودَ الدين ديناً واحداً

لا يُرى فيه التباساً واشتباها

ليت شعري أوَ لم يَأْنَ لَما

نحنُ فيه من أسى أن يتناهى

للسيد محمد علي آل خير الدين:

عُج للمحصَّب من مشارق دجلةٍ

حيثُ الفضَا والماءُ والخضراءُ

فهناك مربعُ جيرتي وهناكَ مفـ

زعُ حيرتي وهناكَ سامِرَّاءُ

فاحبس بحيثُ العزُّ يَسْحَبُ ذَيْلَهُ

تِيهاً ويُنشرُ للفخار لواءُ

واخضع بحيثُ المجدُ ألقى رَحْلَهُ

واخشع بحيثُ أظلَّتِ العَلياءُ

واجنحْ إلى الحرمِ المنيعِ فلو دَنَا

مَلِكٌ زَوَتْهُ هَيْبَةٌ وبَهَاءُ

تُبْصِرْ تجلِّي نورِ ربِّك في ثرىً

رقدتْ به ساداتُنا النُّجباءُ

من أرجوزة الشيخ محمد حسين الأصفهاني (قدس سره):

لقد تجلى مبدأُ الإيجاد

في غاية الوجودِ باسم الهادي

أحسنَ خلق كل شئ فهدى

وباسمه الهادي اهتدى من اهتدى

طلعتُهُ مطلعُ نُور النور

ومشرقُ الشموس والبُدور

٤٦٦

نورُ الهدى والرُّشْد في جبينه

بحرُ الندى والجود في يمينه

أنفاسُهُ جواهرُ النَّاسُوتِ

وصدره خُزَانةُ اللاهوت

وقلبهُ في قالب الإمكان

كالروح في الأعيان والأكوان

وكيفَ وهو أعظم المظاهر

للمتجلي بالجمال الباهر

همتُهُ فوقَ سماواتِ الهممْ

بل هي كالعنقاء في قاف القدم

وعزمه يكاد يسبقُ القضا

كيف وفي رضاهُ لله رضا

وهو له ولايةُ الهدايهْ

في منتهى مراتب الولايهْ

وهو يمثلُ النبيَّ الهادي

في بثِّ روح العلم والإرشاد

فإنهُ لكلِّ قومٍ هاد

كجدِّهِ المنذرِ للعباد

هو النقيُّ لم يزل نقيا

وكان عند ربه مرضيا

فهو نقي السرِّ والسريرهْ

وسرُّ جدِّه بحكم السيرهْ

وهو كتابٌ ليس فيه ريبُ

وشاهدٌ فيه تجلى الغيبُ

وكيف لا وهو ابن من تدلى

في قربه من العليِّ الأعلى

ما كَذَبَ الفؤاد ما رآه

مُذْ بلغَ الشهودُ منتهاهُ

مرآتهُ نقيةٌ من الكدرْ

فما طغى قطُّ وما زاغَ البصر

وهو مطافُ الملأ الأعلى كما

تطوفُ بالضّراح أملاكُ السما

وبابه كعبة أهل المعرفهْ

لهم بها مناسكٌ موظفهْ

فأينَ منهُ الحِجْرُ والمقامُ

وأين منه المشعرُ الحرام

والحرمُ الآمن حريمُ بابه

والبيتُ منسوبٌ إلى جنابه

ملجأُ كل مِلَّةٍ ونِحْلَهْ

وهو لأرباب القلوب قِبلهْ

٤٦٧

ملاذُ كل حاضرٍ وباد

وكيف لا والباب بابُ الهادي

بل هو بابُ الله من أتاهُ

فقد أتى الله فما أعلاهُ

ولست أحصي مكرمات الهادي

فإنها في العد كالأعداد

وكم أساءَ المتوكلُ الأدبْ

أحضرهُ عند الشراب والطَّرَبْ

وهو من السنة والكتاب

منزلة اللبِّ من اللُّبَاب

أهذه القبائح الشنيعهْ

بمحضر من صاحب الشريعهْ

أيَطْلِبُ الشُّـْرَب من الإمام

وهو وليُّ عصمة الأحكام

أيَطلِبُ الغِناء بالأشعار

من معدنِ الحكمة والأنوار

أنزلهُ في أشنعِ المنازل

وفخر كل منزلٍ بالنازل

من هو عند ربه مكين

فلا عليه أينما يكون

له رياضُ القدس مأوىً ومقرّْ

خان الصعاليك غطاءٌ للبصر

وكم أساءَ القول في أبيهِ

عليِّ القدر وفي بنيهِ

حتى انتهى الأمر إلى الصديقهْ

فأظهرَ الكفر على الحقيقهْ

عاجلهُ المنتقمُ القهارُ

بضربةٍ تَقدح منها النار

قاسى الإمام من بني العباس

ما ليسَ في الوهم وفي القياس

كم مرةٍ من بعد مرةٍ حُبِسْ

وهو بما يراهُ منهم مُحتبس

حتى قضى بالغم عمراً كاملا

فسمه المعتز سماً قاتلا

قضى شهيداً في ديار الغربهْ

في شدة ومحنة وكربهْ

بكتهُ عين الرشد والهدايهْ

حيث هوى منها أجلُّ رايهْ

بكته عينُ العلم والآداب

ومحكمُ السنةِ والكتاب

٤٦٨

بكته عينُ الفلك الدوار

حزناً على المدير والُمدار

بكاهُ جدُّهُ النبيُّ المجتبى

كأنه ضياءُ عينيه خَبَا

بكته أعينُ البدور النيرهْ

آباؤه الغُرُّ الكرامُ البررهْ

بكاهُ كل ما سوى الله على

مصابه حتى الوحوش في الفلا ).

من قصيدة للدكتور الشيخ محمد حسين الصغير على إثر تفجير مشهد العسكريين (ع):

إرثُ النبوة من طهَ وياسينِ

بالنور يخطفُ أبصارَ الشياطين

أعماهمُ الحق هَدَّاراً بصولته

فقابلوه بتفجير البراكين

القصفُ والنسف والتدمير أسلحةٌ

على العدا لا على الغُرِّ الميامين!

أئمةٌ ورسولُ الله جدُّهُمُ

بيضُ الأسارير أو شُمُّ العَرانين

أيديهمُ لدواهي الظلم دافعةٌ

ومالهُمْ للضحايا والمساكين

ما قبةُ العَلَم الهادي وروضتُه

إلا مقرُّ الأعالي والأساطين

زهت بمغناهُ سامراءُ والتجأت

له الأقاليم من جور السلاطين

طالت اليه يدُ الإرهاب غادرةً

وفجرت حقدَها في غصن زيتون

تلك القبابُ أعز الله جانبها

رمزُ السلام ومقياسُ الموازين

داجٍ من الخطب غطى كل منحدرٍ

من العراق فما حيٌّ بمأمون

أبنا صهيونَ إن عاثوا الفساد بها

ففي بلادي منهمْ ألف صَهْيُوني

٤٦٩

للشيخ عبد الكريم الجزائري (قدس سره) مؤرخاً باب مشهد العسكريين (ع) سنة ١٣٤٣:

لُذْ ببابِ النجاةِ باب الهادي

فهو بابٌ به بلوغُ الُمراد

كمْ لركبِ الزوارِ فيه مناخٌ

قد حداهم من جانب الله حادي

هو بابُ الرجَا إلى مرتجيه

وإمام اللاجي وريُّ الصَّادي

لِحِمَى العسكريِّ منه دخولٌ

وضريحِ الإمام نجلِ الجواد

لضريحٍ أضحى مزاراً وملجاً

وأماناً لحاضرِ ولبادِ

ضمِّ قبرين بل وبدرين يُهدى

بهما الخلق في طريق الرشاد

فهما جنتي ودِرعي وحِرزي

وملاذي وِلاهما وسِنادي

وإماماي قد طويتُ على هذا

ضميري في مبدئي ومعادي

وبوادي وِلاهما ِهِمْتُ شوقاً

لست ممن يهيم في كل واد

أهل بيت الوحي الأولى غرسَ الله

وِلاهم وحبَّهم في فؤادي

فحقيقٌ إذا لجأْنا ولُذْنا

بفنا العسكري وبابِ الهادي

فهو بابُ النجاة للخلق أرِّخْ

وهو بابٌ به بلوغُ الُمرادِ

( تم الكتاب والحمد لله رب العالمين )

٤٧٠

الفهرس

الفصل الأول: الإمام الهادي (ع) في عهد المأمون والمعتصم والواثق ٥

الطفل المعجزة افتخر به المأمون وأنكره المعتصم! ٥

الإمام الهادي (ع) عرف بشهادة أبيه في بغداد ٦

فرضوا عليه الإقامة الجبرية وهوطفل! ٧

دلالة فرض الإقامة الجبرية على الإمام (ع)؟ ٩

استبصر « معلمه » الجنيدي وثبت على الإيمان ١٠

صَرْيا مزرعة الإمام موسى بن جعفر (ع) ١١

فشلت خطة المعتصم في محاصرة الإمام (ع) ١٢

كان الواثق ليناً مع العلويين ومعجباً بالإمام الهادي (ع) ١٣

المتوكل يضطهد الإمام الهادي (ع) ١٥

الفصل الثاني: من مفردات صحيفة المتوكل ١٧

الهوية الشخصية ١٧

كان حضرة الخليفة مخنثاً يطلب الرجال! ١٨

وأتوا به من سجن المخانيث الى كرسي الخلافة! ٢٠

وكان لحضرة الخليفة ندماء مخانيث! ٢٣

وكان حضرة الخليفة خَمَّاراً يهوى الغلمان! ٢٦

وكان لحضرة الخليفة أربعة آلاف جارية! ٢٩

عنده آلاف الجواري واغتصب بنت رئيس وزرائه! ٣٢

دخل جِنِّيٌ في جارية المتوكل فأخرجه ابن حنبل بالقبقاب! ٣٣

ما قيمة الخلافة إذا كان الخليفة مُنْحَطاً! ٤١

وَضَعَ المتوكل خطةً واسعة لنشر النُّصْب والتجسيم ٤٤

كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب (ع) ٤٥

قَرَّبَ المتوكل العلماء المجسمين والنواصب وأغدق عليهم ٤٨

أسس حزب أهل الحديث أو الصاعدية ٥١

٤٧١

الصاعدية أجداد الوهابية! ٥٥

أعطوا المتوكل لقب محي السنة، وقطب الظاهر والباطن! ٥٧

كيف كان المتوكل يدير الدولة؟ ٥٨

الفصل الثالث: سياسة المتوكل مع الإمام الهادي (ع) ٦٥

من ثوابت سياسة الخلفاء تصفية مخالفيهم! ٦٥

١. سَجَنَ المتوكل الإمام (ع) ليقتله فنجاه الله: ٦٦

٢. واتهم المتوكل الإمام (ع) بجمع السلاح للثورة عليه: ٦٩

٣. وكان يقول: أعياني أمرُ ابن الرضا! ٧١

٤. يتفاءل المتوكل بنفسه ويتشاءم بالإمام (ع): ٧٢

٥. وكانت أم المتوكل تعتقد بالإمام (ع) وتنذر له: ٧٣

٦. بنى المتوكل عاصمة جديدة بالإجبار: ٧٥

الفصل الرابع: إحضار المتوكل للإمام الهادي (ع) الى سامراء ٨٥

أحضر المتوكل الإمام (ع) الى سامراء ثلاث مرات ٨٥

الإحضار الأول للإمام (ع) الى سامراء ٨٧

عتَّاب بن أبي عتاب قائد عباسي فارسي ٨٧

إحضار الإمام الى سامراء بعد هدم قبر الحسين (ع) ٨٩

أمر المتوكل قائده أن يفتش بيت الإمام (ع) ٩٢

نص كتاب المتوكل الى الإمام الهادي (ع) ٩٤

خافت السلطة من ثورة البغداديين! ٩٩

الفصل الخامس: خطة المتوكل لإبادة أهل البيت (ع) وشيعتهم ١٠١

كان المتوكل يبغض أسلافه لحبهم علياً (ع) ١٠١

أرسل المتوكل الرُّخَّجِي المتوحش والياً على الحجاز! ١٠٢

اضطهد المتوكل الشيعة في مصر ١٠٣

واضطهد والي مصر محمد بن الفَرَج ١٠٤

واضطهد المتوكل قاضي قضاة مصر ١٠٦

واضطهد أحد تجار بغداد ١٠٩

٤٧٢

نجَّى أهل الدينور أنفسهم من شر المتوكل ١١٢

كان مسجد براثا مركزاً للشيعة قبل بغداد! ١١٦

الفصل السادس: هدم المتوكل قبر الإمام الحسين (ع) ١١٩

عقدة المتوكل من الإمام الحسين (ع) وزواره ١١٩

ملاحظات على نصوص هدم القبرالشريف ١٢٧

هدم قبر الحسين (ع) قبل المتوكل ١٣٢

الفصل السابع: الوهابية أبناء المتوكل وبناته ١٤٧

إصرار الوهابية على تفجير قبر الحسين (ع) ١٤٧

قام الوهابيون بتفجير قبر الإمام الهادي (ع) ١٤٩

رُعونة الوهابية في الدفاع عن المتوكل! ١٥٣

الفصل الثامن: ثورات العلويين بعد هدم قبر الحسين (ع) ١٦٥

اضطهد المتوكل العلويين فاتجهوا الى الثورة ١٦٥

الموجة الشعبية المؤيدة للإمام الهادي (ع) ١٦٧

من الثورات العلوية في زمن المتوكل ١٦٩

دور قم المميز في زمن الإمام الهادي (ع) ١٨٤

الفصل التاسع: مرسوم إمامة ابن حنبل بعد هدم قبر الحسين (ع) ١٨٧

كان ابن حنبل غير مرضي عند المأمون والمعتصم والواثق ١٨٧

اتهموا ابن حنبل بالخيانة وفتشوا بيته! ١٨٨

اتفق المتوكل مع أحمد وجعله مرجعاً للدولة! ١٩٣

محنة أحمد بن حنبل كذبة حنبلية! ١٩٨

لم يكن أحمد من شيبان وقد يكون حليفهم ٢١٣

كانت الفارسية اللغة الأم لأحمد بن حنبل ٢١٨

سبب تناقض ابن حنبل في موقفه من أهل البيت (ع) ٢١٨

الفصل العاشر: الإمام الهادي (ع) ينقض مذهب أحمد والمتوكل ٢٢٥

المأمون عالمُ الخلفاء والمتوكل من جهالهم ٢٢٥

٤٧٣

جواب أهل البيت (ع) على مقولة خلق القرآن ٢٢٦

الإمام الهادي (ع) يشرح مسألة خلق القرآن ٢٢٧

وينفي عن الله تعالى الجسم والصورة ٢٣٧

المتوكل يمتحن علم الإمام الهادي (ع) ٢٤٠

ردَّ الإمام الهادي (ع) تفسير المجسمة للمقام المحمود ٢٤٤

تكريم الإمام لعالم مناظر وإفحامه العباسيين ٢٤٧

عالمٌ يعرض عقيدته على الإمام الهادي (ع) ٢٤٩

محاولة ابن تيمية التشكيك بفضائل الإمام الهادي (ع) ٢٥٠

الفصل الحادي عشر: الإمام الهادي (ع) يطلق منشور الغدير والزيارة الجامعة ٢٥٩

منشورالغدير في فضائل أمير المؤمنين (ع) ٢٥٩

فهرس علمي أولي لزيارة الغدير ٢٧٣

الإمام الهادي (ع) يطلق ( إلياذة ) الشيعة في الأئمة (ع) ٢٩٤

ظاهرة النصب والغلو في أهل البيت (ع) ٢٩٧

موقف أمير المؤمنين (ع) من الذين ألَّهُوه ٢٩٨

موقف الإمام الصادق (ع) من الذين ألَّهُوه ٢٩٩

موقف الإمام الكاظم (ع) من الذين ألَّهُوه ٣٠٠

موقف الإمام الرضا (ع) من الذين ألَّهُوه ٣٠١

موقف الإمام الهادي (ع) من الذين ألَّهُوه ٣٠١

سند الزيارة الجامعة وشروحها ٣٠٢

نص الزيارة الجامعة ٣٠٤

فهرس أولي للزيارة الجامعة ٣١٠

الفصل الثاني عشر: شخصيات عاصرت الإمام الهادي (ع) ٣١٣

قضاة القضاة ٣١٣

قاضي القضاة يحيى بن أكثم: ٣١٣

قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد: ٣١٦

٤٧٤

قاضي القضاة ابن أبي الشوارب: ٣١٧

الوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات: ٣٢١

الوزير عمر بن الفرج الرخجي: ٣٢٥

الوزير عبيدالله بن يحيى بن خاقان: ٣٣٢

القائد العام لجيش الخلافة: إيتاخ ٣٣٦

القائد وصيف التركي: ٣٤٢

القائد صالح بن وصيف: ٣٤٦

رئيس الأطباء بخت يشوع: ٣٤٨

تسليط العلماء النواصب والمجسمة على الأمة ٣٥٤

هشام بن عمار الدمشقي: ٣٥٤

علي بن جهم: مستشار المتوكل: ٣٥٧

الفصل الثالث عشر: الإمام الهادي (ع) مع المنتصر والمستعين والمعتز ٣٥٩

ثلاثة خلفاء في ست سنين ٣٥٩

عصفت العاصفة بالمتوكل ومن بعده! ٣٥٩

سيطرة المماليك على خلافة العباسيين! ٣٦١

أجيال الترك الأوائل لم يدخل الإيمان في قلوبهم ٣٦٤

الخليفة المنتصر بن المتوكل ٣٦٦

هل قتل المنتصر أباه المتوكل؟ ٣٧١

لم يستفد المنتصر من توجيه الإمام الهادي (ع) ٣٧٣

قَتل المنتصر ونَصب المستعين « أحمد بن محمد بن المعتصم » ٣٧٦

قَتل المستعين ونصب المعتز « الزبير بن المتوكل » ٣٧٨

قتل المعتز ونصب المهتدي « محمد بن الواثق » ٣٧٩

قتل المهتدي ونصب المعتمد « أحمد بن المتوكل » ٣٨٣

أخبار الإمام الهادي (ع) في عهد المستعين والمعتز ٣٨٥

الفصل الرابع عشر: من معجزات الإمام الهادي (ع) ٣٨٧

الأئمة أفضل أوصياء الأنبياء (ع) ٣٨٧

٤٧٥

١. ظهر الماء في الصحراء ورويت القافلة: ٣٨٨

٢. عرف الإمام بموعد نزول المطر في الصيف: ٣٨٩

٣. الإمام يشفي عين طفل ويرد بصره: ٣٩٠

٤. رواية أخرى لحادثة المطر في الصيف: ٣٩٠

٥. رواية ثانية لظهور الماء وريَّ القافلة: ٣٩٣

٦. ما ظهر للفتح بن يزيد الجرجاني: ٣٩٥

٧. قال البغدادون: أقبل بيت الله الحرام: ٣٩٧

٨. عرف الإمام (ع) ما في ضميره فاستبصر: ٣٩٨

٩. النصراني الكاتب مع الإمام الهادي (ع): ٤٠٠

١٠. طبيب نصراني يسلم على يد الإمام (ع): ٤٠٢

١١. عزم المتوكل على قتل علي بن جعفر: ٤٠٤

١٢. قصة زينب الكذابة: ٤٠٥

١٣. بستان الآس: ٤٠٧

١٥. لسنا في خان الصعاليك: ٤٠٨

١٦. برذون أبي هاشم الجعفري: ٤٠٨

١٧. المتوكل يستعين بمشعوذ: ٤٠٩

١٨. وعُلِّمْنَا منطقَ الطير: ٤١٠

الفصل الخامس عشر: شخصيات من تلاميذ الإمام الهادي (ع) وأصحابه ٤١٣

روى عن الإمام الهادي (ع) مئات الرواة ٤١٣

١. الصقر بن أبي دلف: ٤١٣

٢ ـ ٣. شخصيتان من أولاد المنصور الدوانيقي: ٤١٤

٤. خيران الأسباطي: ٤٢٠

٥. عبد العظيم بن عبد الله الحسني: ٤٢١

٦. أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري: ٤٢٦

٧. العالم اللغوي يعقوب بن السٍّكِّيت: ٤٢٨

٨. عبد الله بن جعفر الحميري: ٤٣٠

٤٧٦

٩. الفضل بن شاذان: ٤٣١

١٠. أحمد بن إسحاق الأشعري: ٤٣٣

الفصل السادس عشر: شهادة الإمام الهادي (ع) ٤٣٧

شهادته (ع) بيد المعتز وليس المعتمد ٤٣٧

مراسم جنازة الإمام (ع) ٤٤٠

شاعران من أصحاب الإمام (ع) رثياه ٤٤٨

الفصل السابع عشر: بشارة الإمام الهادي بحفيده الإمام المهدي (ع) ٤٥١

نصه على إمامة ابنه الحسن العسكري (ع) ٤٥١

تبشيره بحفيده المهدي الموعود (ع) ٤٥٣

أولاد الإمام الهادي (ع) ٤٥٤

محمد بن الإمام الهادي، المعروف بالسيد محمد ٤٥٥

جعفر الكذاب ٤٥٧

ملاحظة في الختام ٤٦٣

مقطوعات شعرية في الإمام الهادي (ع) ٤٦٥

٤٧٧