الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام12%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158146 / تحميل: 6976
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

١

٢

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا ونبينا

محمد وآله الطيبين الطاهرين.

هل يكون الطفل نبياً! حدثَ ذلك عندما جاءت مريم (ع) تحمل طفلها، فثارت في وجهها نساء بني إسرائيل ورجالهم، واتهموها ووبخوها: فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً. قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِىَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيّاً . فأنطقه الله تعالى بلسان فصيح وقول بليغ، فبُهِتَ المفترون وأسقط في أيديهم!

وبعد عيسى (ع) بمدة وجيزة، صار طفلٌ آخر نبياً، هويحيى بن زكريا (ع)!

وقبل عيسى ويحيى (ع) جعل الله سليمان نبياً ورسولاً، وحاكماً بعد أبيه داود (ع) وهوابن عشر سنين! فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاً آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا .

ثم حدث ذلك في عترة النبي (ص) فكان محمدُ الجواد بن الإمام الرضا (ع) طفلاً وظهرت منه علائم الإمامة، فآمن به المأمون وتحدى بشخصيته وعلمه العباسيين وفقهاء الخلافة! قال لهم المأمون: « ويحكم إن أهل هذا البيت خِلْوٌ من هذا الخلق! أوَمَا علمتم أن رسول الله بايع الحسن والحسين وهما صبيَّان غير بالغين، ولم يبايع طفلاً غيرهما! أَوَمَا علمتم أن علياً آمن بالنبي وهوابن عشر سنين، فقبل الله ورسوله منه إيمانه، ولم يقبل من طفل غيره، ولادعا النبي طفلاً

٣

غيره إلى الإيمان! أوَمَا علمتم أنها ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم »! « الإختصاص / ٩٨ ».

فكان الإمام الجواد أول إمام من أهل البيت يتحمل أعباء الإمامة في السابعة، أما علي والحسنان (ع) فكانوا أئمة وهم صغار، لكنهم كانوا في ظل النبي (ص).

وبعد الإمام الجواد تحمل الإمامة ابنه علي الهادي (ع) وكان عمره نحوسبع سنين أيضاً، فكان الإمام الثاني صغير السن.

أما الثالث فهوالإمام المهدي الموعود (ع) الذي توفي أبوه وعمره خمس سنين، فكان أصغر الأئمة سناً، ولكنه سيكون أكبرهم أثراً في الحياة، كما أخبر جده المصطفى (ص) فقال: يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد أن ملئت ظلماً وجوراً !

وهذا الكتاب في سيرة الإمام علي الهادي (ع)، الطفل المعجزة، والإمام الرباني، وسترى فيه تصديق قوله تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ.

كتبه بقم المشرفة جمادى الأولى ١٤٣٤

علي الكَوْراني العاملي عامله الله بلطفه

٤

الفصل الأول:

الإمام الهادي (ع) في عهد المأمون والمعتصم والواثق

الطفل المعجزة افتخر به المأمون وأنكره المعتصم!

كان المأمون معجباً بالإمام الجواد (ع) فعقد زواجه على ابنته أم الفضل وكان عمره (ع) تسع سنين. ثم تركه يعود الى المدينة، وكانت الشيعة ترجع اليه من أنحاء البلاد، كما شرحنا ذلك في سيرته (ع).

وعاش الإمام الجواد (ع) في المدينة، وفي سن الثامنة عشرة تزوج جارية مغربية مؤمنة، هي السيدة سمانة رضي الله عنها، متناسياً زوجته بنت المأمون.

وبعد سنة أي سنة ٢١٢، رزقه الله منها ابنه علياً الهادي (ع)، ثم ابنه موسى، وثلاث بنات: خديجة، وحكيمة، وأم كلثوم. « دلائل الإمامة / ٣٩٧ ».

روى الطبري في دلائل الإمامة / ٤١٠، عن محمد بن الفرج، عن السيد (ع) أنه قال: « أمي عارفة بحقي وهي من أهل الجنة، لايقربها شيطانٌ مارد ٌ، ولا ينالها كيدُ جبارٍ عنيد، وهي مكلوءة بعين الله التي لا تنام، ولا تتخلف عن أمهات الصديقين والصالحين ».

ومات المأمون في آخر سنة ٢١٨، وحكم بعده أخوه المعتصم ثمان سنوات، الى سنة ٢٢٧. وكان القاضي أحمد بن أبي دؤاد مستشار المعتصم ومدبِّر أموره،

٥

فهوالذي دَبَّر له الخلافة أصلاً، وأجبر العباس بن المأمون على خلع نفسه وبيعة عمه المعتصم، ثم سجنه القاضي وقتله!

وقد أقنع ابن دؤاد المعتصمَ بأن لا يقع في خطأ المأمون في الإمام الجواد فيعترف بإمامة ابنه الهادي (ع)، بل عليه أن ينكر إمامته ويعمل للتخلص منه!

الإمام الهادي (ع) عرف بشهادة أبيه في بغداد

أحضر المعتصم الإمام الجواد (ع) سنة ٢٢٠، الى بغداد، وسَمَّهُ بواسطة زوجته بنت المأمون! وكان الإمام الهادي في المدينة، فَعَرَفَ بقتل أبيه وعمره سبع سنين وأخبر أهله وأمرهم بإقامة المأتم، وذهب بنحوالإعجاز الرباني الى بغداد لتجهيز جنازة أبيه والصلاة عليه، ورجع الى المدينة في ذلك اليوم!

روى في الكافي « ١ / ٣٨١ »: « عن هارون بن الفضل قال: رأيت أبا الحسن علي بن محمد في اليوم الذي توفي فيه أبوجعفر (ع) فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، مضى أبو جعفر! فقيل له: وكيف عرفت؟ قال: لأنه تداخلني ذِلَّةٌ للهِ لم أكن أعرفها ».

وفي إثبات الإمامة / ٢٢١: « بينا أبوالحسن جالسٌ مع مؤدِّب له يكنى أبا زكريا، وأبوجعفر عندنا أنه ببغداد، وأبوالحسن يقرأ من اللوح إلى مؤدبه، إذ بكى بكاءً شديداً فسأله المؤدب: ممَّ بكاؤك؟ فلم يجبه. فقال: إئذن لي بالدخول فأذن له، فارتفع الصِّياح والبكاء من منزله، ثم خرج إلينا فسألنا عن البكاء، فقال: إن أبي قد توفي الساعة! فقلنا: بما علمت؟ قال: دخلني من إجلال الله ما لم أكن أعرفه قبل ذلك، فعلمت أنه قد مضى.

٦

فتعرفنا ذلك الوقت من اليوم والشهر، فإذا هوقد مضى في ذلك الوقت ».

وفي عيون المعجزات / ١١٩: « عن الحسن بن علي الوشاء قال: جاء المولى أبوالحسن علي بن محمد (ع) مذعوراً حتى جلس عند أم موسى عمة أبيه فقالت له: مالك؟ فقال لها: مات أبي والله الساعة، فقالت: لا تقل هذا، فقال: هووالله كما أقول لك، فكتب الوقت واليوم، فجاء بعد أيام خبر وفاته (ع) وكان كما قال (ع) ».

وانتشر خبر شهادة الإمام الجواد (ع) في المدينة، وكان كثيرٌ من أهلها يحبونه لمكانته من رسول الله (ص)، وإحسانه اليهم.

فرضوا عليه الإقامة الجبرية وهوطفل!

بعد قتله الإمام الجواد (ع) نفذ المعتصم سياسته مع ابنه الهادي (ع) فأنكر أن يكون إماماً أوتيَ العلم صبياً كأبيه، وقرر أن يعامله على أنه صبيٌّ صغير، حتى لا يُفْتَن به الناس كما فُتنوا بأبيه. وأوفد وزيره عمر بن الفرج الرخجي الى المدينة ليرتب حبس الإمام الهادي (ع) عن الناس، بحجة كفالته وتعليمه!

وقام الرُّخَّجي بالمهمة، وحبس الهادي (ع) في بيت جده الكاظم (ع)، الذي يقع خارج المدينة، ليمنعه من الإتصال بشيعته، وعين له الجنيدي « ليعلمه » العربية والأدب بزعمه، وأمر والي المدينة أن ينفذ أوامره، ويقدم له كل ما يحتاج!

روى المسعودي في دلائل الإمامة / ٢٣٠، عن محمد بن سعيد، قال: « قدم عمر بن الفرج الرُّخَّجي المدينة حاجاً بعد مضي أبي جعفر الجواد (ع) فأحضر جماعة من أهل المدينة والمخالفين المعادين لأهل بيت رسول الله (ص) فقال لهم: أُبْغُوا لي

٧

رجلاً من أهل الأدب والقرآن والعلم، لا يوالي أهل هذا البيت، لأضمه إلى هذا الغلام وأُوكله بتعليمه، وأتقدم إليه بأن يمنع منه الرافضة الذين يقصدونه!

فأسمَوْا له رجلاً من أهل الأدب يكنَّى أبا عبد الله ويعرف بالجنيدي، وكان متقدماً عند أهل المدينة في الأدب والفهم، ظاهر الغضب والعداوة « لأهل البيت »! فأحضره عمر بن الفرج وأسنى له الجاري من مال السلطان، وتقدم إليه بما أراد وعرفه أن السلطان « المعتصم » أمره باختيار مثله، وتوكيله بهذا الغلام.

قال: فكان الجنيدي يلزم أبا الحسن (ع) في القصر بِصِرْيَا « بيت الإمام في مزرعة صريا بضاحية المدينة » فإذا كان الليل أغلق الباب وأقفله، وأخذ المفاتيح إليه! فمكث على هذا مدة، وانقطعت الشيعة عنه وعن الإستماع منه والقراءة عليه.

ثم إني لقيته في يوم جمعة فسلمت عليه وقلت له: ما حال هذا الغلام الهاشمي الذي تؤدبه؟ فقال منكراً عليَّ: تقول الغلام، ولا تقول الشيخ الهاشمي! أُنشدك الله هل تعلم بالمدينة أعلم مني؟ قلت: لا. قال: فإني والله أذكر له الحزب من الأدب، أظن أني قد بالغت فيه، فيملي عليَّ بما فيه أستفيده منه، ويظن الناس أني أُعلمه، وأنا والله أتعلم منه!

قال: فتجاوزت عن كلامه هذا كأني ما سمعته منه، ثم لقيته بعد ذلك فسلمت عليه وسألته عن خبره وحاله، ثم قلت: ما حال الفتى الهاشمي؟ فقال لي: دع هذا القول عنك، هذا والله خير أهل الأرض، وأفضل من خلق الله تعالى، وإنه لربما همَّ بالدخول فأقول له: تَنَظَّرْ حتى تقرأ عُشْرَك فيقول لي: أيَّ السور تحب أن أقرأها؟ وأنا أذكر له من السور الطوال ما لم يبلغ إليه، فيهذُّهَا بقراءة لم أسمع أصح منها من أحد قط، بأطيب من مزامير داود النبي (ع)، التي بها من قراءته

٨

يضرب المثل! قال ثم قال: هذا مات أبوه بالعراق وهوصغيرٌ بالمدينة، ونشأ بين هذه الجواري السود، فمن أين عَلِمَ هذا؟ قال: ثم ما مرَّت به الأيام والليالي حتى لقيته فوجدته قد قال بإمامته، وعرف الحق وقال به »!

دلالة فرض الإقامة الجبرية على الإمام (ع)؟

يعطينا النص المتقدم أضواءً كافية على خطة المعتصم ضد الإمام الهادي (ع) وكيف كانت متقنةً، لكنها فشلت من أساسها، لأن الشخص الذي انتدبه لهذه المهمة انبهر بالإمام (ع) وآمن به!

كما يدل النص على أن شخصية الإمام (ع) وشعبيته، كانت في نظر المعتصم خطراً على خلافته. ومن حقه أن يفكر كذلك، لأن القوة الحقيقية كانت بيد قادة الجيش الأتراك، وعددهم لا يتجاوز أصابع اليد، فهم الذين خلعوا ابن أخيه العباس بن المأمون وبايعوه، فصار خليفة. فمن الممكن أن يقتنعوا يوماً بالإمام الهادي (ع) ويبايعوه ويخلعوا المعتصم ويفرضوا ذلك على بني العباس وغيرهم،خاصة أن العلويين أبناء فاطمة الزهراء (ع) أقرب الى النبي (ص) من بني العباس. فهم عترة النبي (ص) الذين شهد لهم وأوصى الأمة باتباعهم.

كان المعتصم يرى أن أخاه المأمون أخطأ في إظهار اعتقاده بإمامة الرضا والجواد وإعلانه للناس أن علياً وأبناءه (ع) مميزون بأن علمهم من الله، فلا يحتاجون الى تعليم معلم، وأن صغارهم كبار.

فقد أعطاهم بذلك مقاماً فوق مقام بني العباس، بل نزع الشرعية عن بني العباس ودعواهم أنهم يستحقون الخلافة بقرابتهم بالنبي (ص) بعمه العباس، وأنهم أولى من أولاد علي وفاطمة (ع).

٩

ولذلك اختار المعتصم سياسة أبيه الرشيد، فقتل الإمام الجواد (ع) وأنكر أن يكون ابنه الهادي (ع) مثله، أوتي العلم والحكمة صبياً.

وفي نفس الوقت أظهر أنه يحفظ حق الرحم مع النبي (ص) في عترته، فأمر أن يكون الإمام الهادي (ع) في بيتهم خارج المدينة، ووكل به والي المدينة، واختار له الجنيدي كمعلم في الظاهر، وأعطاه المفتاح ليغلق الباب يومياً على الإمام (ع) فلا يصل اليه شيعته القائلون بإمامته!

استبصر « معلمه » الجنيدي وثبت على الإيمان

راوي خبر الجنيدي، هومحمد بن سعيد، وهوابن غزوان الأزدي، روى عنه الكليني والصدوق والمسعودي وغيرهم، وذكره النجاشي / ٣٧٢ في مصنفي الشيعة، قال: « محمد بن سعيد بن غزوان: له كتاب. قال ابن نوح: أخبرنا محمد بن أحمد بن داود قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عثمان الآجري، عن غزوان بن محمد الأزدي، عن أبيه محمد بن سعيد بن غزوان بكتابه ».

وهذا كاف في توثيقه، كما قال الميرزا جواد التبريزي « تنقيح مباني العروة: ٧ / ٢٦٢ ».

وأبوعبد الله الجنيدي الذي عينه المعتصم معلماً للإمام الهادي (ع) غيرالفقيه المعروف محمد بن أحمد بن الجنيد، وغير الجنيد بن محمد البغدادي الصوفي المشهور، وغير الجنيدي الذي ترجم له السمعاني « ٢ / ٩٩ »، فقال: « وأبوعبد الله بن الجنيد الإسكاف كان يتكلم بكلام الجنيد بن محمد البغدادي كثيراً فلقب به ». فالجنيد والجنيدي متعددٌ في مصادر التاريخ والرواة.

والظاهر أن الجنيدي هذا قد تشيع على يد الإمام الهادي (ع)، وثبت على تشيعه وسكن بغداد، وأنه هوالذي ذكره الصدوق في كمال الدين / ٤٤٢، فيمن رأى

١٠

الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه )، قال: « ورآه من الوكلاء ببغداد: العمري وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطار. ومن الكوفة: العاصمي. ومن أهل الأهواز: محمد بن إبراهيم بن مهزيار. ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق. ومن أهل همدان: محمد بن صالح. ومن أهل الري: البسامي والأسدي يعني نفسه. ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء. ومن أهل نيسابور: محمد بن شاذان.

ومن غير الوكلاء من أهل بغداد: أبوالقاسم بن أبي حليس، وأبوعبد الله الكندي، وأبوعبد الله الجنيدي، وهارون القزاز الخ. ».

صَرْيا مزرعة الإمام موسى بن جعفر (ع)

صَرْيَا: إسم مصدر بمعنى الفصل في الحكم. وهو إسم قرية قرب المدينة أنشأها الإمام موسى بن جعفر (ع).

قال الخليل « ٤ / ٤٠٢ »: « يوم بِغَاث: وقعة كانت بين الأوس والخزرج. ويقال: هو بِغاث على ميل من المدينة، قريب من صَرْيَا. وهوموضع اتخذه موسى بن جعفر أبوالرضا. وصَرْيا معمورة بهم اليوم ».

وقال ابن السكيت / ٣١٠: « يقال: اختصمنا إلى الحاكم فقطع ما بيننا وفصل ما بيننا، وصرى ما بيننا وهو يصري صَرْياً ».

وقال ابن منظور « ١٤ / ٤٥٧ »: « وصَرَى ما بينَنا يَصْري صَرْياً: أَصْلَحَ ».

ويظهر من أخبارها أن مساحتها واسعة وفيها زرع ونخيل.

١١

وكان يتواجد فيها الأئمة من أبناء الكاظم وهم الرضا والجواد والهادي (ع)، وقد ولد فيها الإمام الهادي (ع) سنة ٢١٢، وعاش فيها مدةً من عمره الشريف.

لذلك رأى الرُّخجي مبعوث المعتصم أنها مكانٌ مناسبٌ لفرض الإقامة الجبرية على الإمام الهادي (ع) لحفظ احترامه في الظاهر، وقطعه عن جمهوره من البلاد.

فشلت خطة المعتصم في محاصرة الإمام (ع)

الأخبار قليلة عن المرحلة التي كان فيها الإمام الهادي (ع) تحت الإقامة الجبرية وماذا جرى بينه وبين الجنيدي، وكم طالت مدتها، وكيف كان برنامج الإمام في زيارة قبر جده النبي (ص)، ولقاء شيعته؟ لكن المؤكد أن التغيرات السياسية وتسديد الله تعالى لوليه (ع)، قد أفشلا خطة المعتصم.

ويدل عليه أن الجنيدي المسؤول عن حصاره، انبهر بعلمه (ع) وشخصيته، وآمن بأنه حجة الله على أرضه. فمن الطبيعي أن يُسهِّلَ ذلك على شيعته وعامة الناس، أن يكسروا محاصرته، خاصةً في موسم الحج.

١٢

كان الواثق ليناً مع العلويين ومعجباً بالإمام الهادي (ع)

لما مات المأمون كان الإمام الهادي (ع) طفلاً في السادسة من عمره في ظل أبيه الإمام الجواد (ع). ولما مات المعتصم سنة ٢٢٧، انتهى قراره بمحاصرة الإمام الهادي (ع) وكان الإمام يومها في السادسة عشرة. ثم حكم الواثق نحو ست سنين ومات سنة ٢٣٢، وكان عمر الإمام (ع) يومها نحو ٢١ سنة.

وقد ترجمنا للواثق في سيرة الإمام الجواد (ع)، وذكرنا أنه رغم استغراقه في شهواته، كان ليناً مع الطالبيين فلم يقتل منهم أحداً، مع أن كبار شخصياتهم كانوا عنده في سامراء، تحت الإقامة الجبرية.

قال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين / ٣٩٤: « لا نعلم أحداً قُتل في أيامه « يقصد من الطالبيين » إلا أن علي بن محمد بن حمزة، ذكر أن عمرو بن منيع قتل علي بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين، ولم يذكر السبب في ذلك، فحكيناه عنه على ما ذكره، فقتل في الواقعة التي كانت بين محمد بن مكيال ومحمد بن جعفر. هذا بالري. وكان آل أبي طالب مجتمعين بسر من رأى في أيامه، تُدَرُّ الأرزاق عليهم، حتى تفرقوا في أيام المتوكل ».

وكان الواثق معجباً بالإمام الهادي (ع) وربما أظهر ذلك، بخلاف أبيه المعتصم، فقد طَرَحَ يوماً سؤالاً على الفقهاء فعجزوا عنه، فقال لهم: أنا آتيكم بمن يعرف الجواب، وأحضر الإمام الهادي (ع)!

١٣

روى في تاريخ بغداد « ١٢ / ٥٦ »: « قال يحيى بن أكثم في مجلس الواثق والفقهاء بحضرته: مَن حَلَقَ رأسَ آدم حين حجَّ؟ فتعايى القوم عن الجواب فقال الواثق: أنا أحضركم من ينبؤكم بالخبر! فبعث إلى علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فأحضر فقال: يا أبا الحسن، مَن حلق رأس آدم؟ فقال: سألتك بالله يا أمير المؤمنين إلا أعفيتني. قال: أقسمت عليك لتقولن. قال: أما إذا أبيت فإن أبي حدثني عن جدي، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله (ص): أمر جبريل أن ينزل بياقوتة من الجنة، فهبط بها فمسح بها رأس آدم فتناثر الشعر منه، فحيث بلغ نورها صار حرماً ».

وكان هذا السؤال مطروحاً قبل الواثق، وعجز علماء السلطة عن جوابه، ففي تاريخ بغداد « ١٣ / ١٦٧ »: « قال مقاتل بن سليمان بمكة: سلوني ما دون العرش! فقام قيس القيَّاس فقال: من حلق رأس آدم في حجته؟ فبقي! ».

والظاهر أن هذه القصة كانت في موسم الحج، في مكة أوالمدينة، لأن الإمام الهادي (ع) لم يذهب الى سامراء في زمن الواثق. وقد حج الواثق مرة واحدة قبل وفاته سنة ٢٣١، ومعناه أن الإمام الهادي (ع) كان يومها في سن العشرين.

قال ابن تغري في مورد اللطافة « ١ / ١٥٣ »: « وحج الواثق مرة، ففرق بالحرمين أموالاً عظيمة، حتى لم يبق بالحرمين فقير ». واليعقوبي: ٢ / ٤٨٣.

١٤

المتوكل يضطهد الإمام الهادي (ع)

عاش الإمام الهادي (ع) في خلافة المتوكل وابنه المنتصر، ثم في خلافة المستعين والمعتز، الذي ارتكب جريمة قَتْل الإمام (ع) بالسم، وذلك في الثالث من رجب سنة ٢٥٤، هجرية.

وقد ضيق المعتصم على الإمام (ع)، ثم شدَّد عليه المتوكل في أول خلافته وأحضره الى سامراء، وحاول قتله فلم يجد حجة، فعاد الإمام (ع) الى المدينة.

ثم أحضره المتوكل ثانيةً، وفرض عليه الإقامة في سامراء، واضطهد كل بني هاشم، وأفقرهم، وقتلهم، وشردهم. وهدم قبر الحسين (ع) ومنع من زيارته. فنقم عليه المسلمون، حتى كتبوا شتمه على جدران البيوت في بغداد. وثار عليه الأتراك وقتلوه، وولوا ابنه المنتصر فحكم شهوراً، ثم قتله الأتراك.

ومن يومها صار الأتراك القوة الأولى التي تنصب الخليفة وتعزله! حتى جاء البويهوين الفرس بعد نحو قرن، وحلوا محلهم!

قال اليعقوبي في البلدان « ١ / ١٦ » يصف حكم خمسة خلفاء عباسيين في بضع سنوات: « مات المنتصر بسر من رأى في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين. ووليَ المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم، فأقام بسر من رأى سنتين وثمانية أشهر، حتى اضطربت أموره فانحدر إلى بغداد في المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين، فأقام بها يحارب أصحاب المعتز سنة كاملة، والمعتز بسر من رأى معه الأتراك وسائر الموالي. ثم خُلع المستعين ووليَ المعتز، فأقام بها حتى قتل ثلاث سنين

١٥

وسبعة أشهر بعد خلع المستعين، وبويع محمد المهتدي بن الواثق في رجب سنة خمس وخمسين ومائتن، فأقام حولاً كاملاً ينزل الجوسق حتى قُتل.

وولي أحمد المعتمد بن المتوكل فأقام بسر من رأى في الجوسق وقصور الخلافة، ثم انتقل إلى الجانب الشرقي بسر من رأى، فبنى قصراً موصوفاً بالحسن سماه المعشوق فنزله فأقام به حتى اضطربت الأمور فانتقل إلى بغداد، ثم إلى المدائن ».

أقول: في هذه المرحلة غضب الله تعالى على العباسيين، فاضطرب نظام الخلافة.

فقد قتل المتوكل وقصرت أعمار الخلفاء، ووقع الصراع بينهم، وبينهم وبين قادة جيشهم الأتراك، وبين الأتراك أنفسهم.

وفي هذه الصراعات كانوا يقتلون الخليفة الذي لا يعجبهم، ويختارون عباسياً غيره. وكانت طريقة قتل الخليفة غالباً بعصر خصيتيه!

١٦

الفصل الثاني:

من مفردات صحيفة المتوكل

الهوية الشخصية

هو جعفر بن المعتصم، بن هارون، بن المهدي، بن المنصور العباسي. ولد سنة ٢٠٥ ، وحكم سنة ٢٣٢ ، وقتل سنة ٤٧، فمدة حكمه نحوخمسة عشرة سنة.

قالوا في صفته: « كان أسمرَ، جميلاً، مليح العينين، نحيف الجسم، خفيف العارضين، مربوعاً، وأمه أمةٌ قفقازية إسمها شجاع. وكانت له جُمَّةٌ إلى شحمة أذنيه ». « سير الذهبي: ١٢ / ٣٠، ومآثر الإنافة: ١ / ٢٢٨ ».

وقال محمد بن أبي الدنيا: « رأيت المتوكل أسمر حسن العينين، نحيف الجسم، خفيف العارضين وكان إلى القِصر أقرب، ويكنى أبا الفضل ». « تاريخ بغداد « ٧ / ١٨١ ».

وقال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٣ »: « فلما كان في اليوم الثاني لقبه أحمد بن أبي دؤاد: المتوكل على الله. وذلك في اليوم الذي مات فيه الواثق أخوه، وهويوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، ويكنى بأبي الفضل، وبويع له وهو ابن سبع وعشرين سنة وأشهر، وقتل وهو ابن إحدى وأربعين سنة، فكانت خلافته أربع عشرة سنة وتسعة أشهر وتسع ليال، وأمه أم ولد خوَارزمية يقال لها شجاع، وقتل ليلة الأربعاء لثلاث خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين ».

١٧

وفي المحبر لابن حبيب / ٤٤: « قال أبو العباس بن الواثق: أم المتوكل تركية، وهي خالة موسى بن بغا، ويقال لها شجاع. وإسم أختها أم موسى بن بغا: حُسْن ».

كان حضرة الخليفة مخنثاً يطلب الرجال!

قال الطبري « ٧ / ٣٤٣ »: « وكان الواثق قد غضب على أخيه جعفر المتوكل لبعض الأمور، فوكل عليه عمر بن فرج الرخجي، ومحمد بن العلاء الخادم، فكانا يحفظانه « من التخنث » ويكتبان بأخباره في كل وقت!

فصار جعفر إلى محمد بن عبد الملك يسأله أن يكلم له أخاه الواثق ليرضى عنه، فلما دخل عليه مكث واقفاً بين يديه ملياً لا يكلمه، ثم أشار إليه أن يقعد فقعد، فلما فرغ من نظره في الكتب التفت إليه كالمتهدد له فقال: ما جاء بك؟ قال: جئت لتسأل أمير المؤمنين الرضا عني. فقال لمن حوله: أنظروا إلى هذا يُغضب أخاه، ويسألني أن أسترضيه له! إذهب فإنك إذا صلحتَ « تركت التخنث » رضي عنك.

فقام جعفر كئيباً حزيناً لما لقيه به من قبح اللقاء والتقصير به، فخرج من عنده فأتى عمر بن فرج ليسأله أن يختم له صكه ليقبض أرزاقه، فلقيه عمر بن فرج بالخيبة، وأخذ الصك فرمى به إلى صحن المسجد، وكان عمر يجلس في مسجد وكان أبو الوزير أحمد بن خالد حاضراً، فقام لينصرف فقام معه جعفر فقال: يا أبا الوزير، أرأيت ما صنع بي عمر بن فرج! قال: جعلت فداك، أنا زمامٌ عليه وليس يختم صكي بأرزاق إلا بالطلب والترفق به، فابعث إلى بوكيلك فبعث جعفر بوكيله فدفع إليه عشرين ألفاً، وقال: أنفق هذا حتى يهيئ الله أمرك

١٨

فأخذها، ثم أعاد إلى أبي الوزير رسوله بعد شهر يسأله إعانته، فبعث إليه بعشرة آلاف درهم. ثم صار جعفر من فوره حين خرج من عند عمر إلى أحمد بن أبي دؤاد، فدخل عليه فقام له أحمد واستقبله على باب البيت وقبَّله والتزمه، وقال: ما جاء بك جعلت فداك؟ قال: قد جئت لتسترضي لي أمير المؤمنين. قال: أفعلُ ونِعْمَةُ عَيْنٍ وكرامة، فكلم أحمد بن أبي دؤاد الواثق فيه فوعده ولم يرض عنه، فلما كان يوم الحلبة كلم أحمد بن أبي دؤاد الواثق، وقال معروفُ المعتصمِ عندي معروفٌ، وجعفرُ ابنه، فقد كلمتك فيه ووعدتَ الرضا، فبحق المعتصم يا أمير المؤمنين إلا رضيتَ عنه، فرضي عنه من ساعته وكساه. وانصر ـ ف الواثق وقد قلد أحمد بن أبي دؤاد جعفراً بكلامه حتى رضيَ عنه أخوه شكراً، فأحظاه ذلك عنده حين مَلَك.

وذكر أن محمد بن عبد الملك كان كتب إلى الواثق حين خرج جعفر من عنده: يا أمير المؤمنين، أتاني جعفر بن المعتصم يسألني أن أسأل أمير المؤمنين الرضا عنه، في زي المخنثين له شَعْرُ قَفَا! فكتب إليه الواثق: إبعث إليه فأحضره ومُرْ من يَجُزُّ شعر قفاه، ثم مُرْ من يأخذ من شعره ويضرب به وجهه، واصرفه إلى منزله!

فذُكِرَ عن المتوكل أنه قال: لما أتاني رسوله لبست سواداً لي جديداً وأتيته رجاءَ أن يكون قد أتاه الرضا عني، فأتيته فقال: يا غلام أدع لي حَجَّاماً فدعا به، فقال: خذ شعره واجمعه، فأخذه على السواد الجديد ولم يأته بمنديل، فأخذ شعره وشعر قفاه وضرب به وجهه!

١٩

قال المتوكل: فما دخلني من الجزع على شئ مثل ما دخلني حين أخذني على السواد الجديد، وقد جئته فيه طامعاً في الرضا. فأخذ شعري عليه ».

أقول: يتضح بذلك أن سبب غضب الواثق على المتوكل أنه كان مخنثاً شاذاً، أطال شعره كما يفعل المخنثون، الذين يتشبهون بالنساء، ويطلبون الرجال!

وكان على المخنث الغني أن يعطي الشاب التركي أجرة لواطه به، كما فعل عبَّادة المخنث! « خرج عَبَّادة يوماً في السحر إلى الحمام، فلقي غلاماً من أولاد الأتراك فأعطاه عشرة دراهم وقال: إقطع أمر عمك »!

وأتوا به من سجن المخانيث الى كرسي الخلافة!

أوصى الواثق بالخلافة الى ابنه محمد، لكن كبار أركان الدولة استصغروه، فجاؤوا بالمتوكل من سجنه، ونصبوه خليفة.

قال الطبري « ٧ / ٢٤١ »: « لما توفيَ حضر الدار أحمد بن أبي دؤاد، وإيتاخ، ووصيف وعمر بن فرج، وابن الزيات، وأحمد بن خالد أبوالوزير، فعزموا على البيعة لمحمد بن الواثق، وهوغلام أمرد فألبسوه دراعة سوداء وقلنسوة رصافية، فإذا هوقصير، فقال لهم وصيف « القائد التركي »: أما تتقون الله تولون مثل هذا الخلافة، وهولا يجوز معه الصلاة! قال فتناظروا فيمن يولونها فذكروا عدةً، فذُكر عن بعض من حضر الدار مع هؤلاء أنه قال: خرجت من الموضع الذي كنت فيه فمررت بجعفر المتوكل فإذا هوفي قميص وسروال قاعد مع أبناء الأتراك، فقال لي: ما الخبر؟ فقلت: لم ينقطع أمرهم. ثم دعوا به، فأخبره بغا الشر ـ ابي الخبر،

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وقال في هامشه : أورده الهيثمي في مجمع الزوائد ( ٩/١٠٢ ) وقال رواه الطبراني والبزار، وفيه عمر بن سعيد المصري وهو ضعيف. انتهى.

وكلام هذا المهمش ليس دقيقاً، لأن رواية كنز العمال عن ثلاثة: سلمان وأبي ذر وحذيفة. ورواية الطبراني والبزار التي ضعفها الهيثمي بعمر بن سعيد المصري إنما هي عن أبي ذر وحده، وبالتالي فهو لم يضعف رواية سلمان وأبي ذر معاً، ولا رواية حذيفة التي نقلها صاحب كنز العمال عن البيهقي، وعن طبقات ابن سعد!

واليك ما قاله في مجمع الزوائد: ٩/١٠٢:

وعن أبي ذر وسلمان قالا: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي فقال: إن هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين.

رواه الطبراني والبزار عن أبي ذر وحده وقال فيه: أنت أول من آمن بي، وقال فيه: والمال يعسوب الكفار. وفيه عمرو بن سعيد المصري وهو ضعيف. انتهى.

ومهما يكن، فإن بعض طرق الحديث صحيحةٌ على مبانيهم بدون حاجة الى شواهد، وبعضها صحيحةٌ بشواهدها. ولكنهم لا يبحثون أسانيده وأسانيد شواهده، ويضعفونه ويحكمون عليه بأنه منكر، لأنه يتضمن شهادة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بصفات مهمة لعليعليه‌السلام ، وهي أمر منكر يضر بالخلافة القرشية!!

بل الأحوط عند بعض علماء الخلافة أن يعارضوه بأحاديث تشهد بأن الصفات التي وردت فيه قد ثبتت لخلفاء قريش، وليس لعلي!!

ونترك لقب الصديق والفاروق فعلاً، ونذكر ما رووه حول: أول من تنشق عنه الأرض مع النبي في يوم المحشر، وأول من يصافح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لإنهما من صلب موضوعنا.

١٦١

أما الأول:

فقد روى الحاكم في المستدرك: ٢/٤٦٥، وصححه:

عن ابن عمررضي‌الله‌عنهما قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا أول من تنشق الأرض عنه، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة!!

وتلا عبد الله بن عمر: يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً ذلك حشر علينا يسير!

ورواه أيضاً في: ٣/٦٨، وصححه.

ورواه في كنز العمال: ١١/٤٠٣

وروى نحوه في/٤٢٦ و٤٣٣ ( عن الترمذي، وحسنه، وأبي عروبة في الأوائل، والطبراني الكبير، وابن عساكر، وأبي نعيم في فضائل الصحابة، عن ابن عمر.

وبآخر عن ابن عساكر، عن أبي هريرة. انتهى.

وتلاحظ في هذه الأحاديث أنها تعطي الأولية في الحشر ودخول الجنة لأبي بكر وعمر، ثم لأهل البقيع، ثم للقرشيين في مكة!

كما يوجد عندهم حديث آخر يميلون الى قبوله، رواه في كنز العمال: ١٣/٢٣٣ عن علي! قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أنا أول من تنشق الأرض عنه ولا فخر، فيعطيني الله من الكرامة ما لم يعطني من قبل. ثم ينادي مناد: يا محمد قرب الخلفاء، فأقول: ومن الخلفاء؟!

فيقول جل جلاله: عبد الله أبو بكر الصديق، فأول من تنشق الأرض عنه بعدي أبو بكر، ويقف بين يدي الله فيحاسب حساباً يسيراً، ويكسى حلتين خضراوين، ثم يوقف أمام العرش.

ثم ينادي مناد: أين عمر بن الخطاب؟ فيجيء وأوداجه تشخب دماً فأقول: عمر! من فعل هذا بك! ؟

فيقول: مولى المغيرة بن شعبة، فيوقف بين يدي الله فيحاسب حساباً يسيراً، ثم يكسى حلتين خضراوين، ثم يوقف أمام العرش.

١٦٢

ثم يؤتى بعثمان بن عفان وأوداجه تشخب دماً، فأقول: عثمان! من فعل بك هذا! ؟

فيقول: فلانٌ وفلان، فيوقف بين يدي الله فيحاسب حساباً يسيراً، ثم يكسى حلتين خضراوين، ثم يوقف أمام العرش.

ثم يؤتى بعلي وأوداجه تشخب دماً فأقول: علي! من فعل بك هذا؟!

فيقول: عبد الرحمن بن ملجم، فيوقف بين يدي لله فيحاسب حساباً يسيراً، ثم يكسى حلتين خضراوين، ثم يوقف أمام العرش مع أصحابه.

الزوزني، وفيه علي بن صالح، قال الذهبي: لا يعرف، وله خبرٌ باطل، وقال في اللسان ذكره ابن حبان في الثقات وقال: روى عنه أهل العراق، مستقيم الحديث. انتهى.

وهكذا عالج رواة الخلافة أولية علي التي رواها عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ! فوضعوا حديثاً على لسان علي نفسه! يجعل الأولية لخلفاء قريش بالترتيب، ويجعل علياً الرابع!!

وإذا كلمتهم في السند تراهم يعرضون عن بحث أسانيد الأحاديث التي فيها فضائل علي، ويعملون المستحيل لتصحيح الأحاديث التي فيها فضائل غيره، ويمدح ابن حبان واضع الحديث بأنه مستقيم الحديث، أي أحاديثه في مدح الخلفاء والأمراء وعمالهم!

**

وأما حديث أن أول من يصافحه النبي يوم القيامة علي.. فقد وجدوا له معالجة أخرى، فإذا كان علي أول شخص يستقبله الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ويصافحه يوم القيامة، فإن عمر أول شخص يستقبله الله تعالى يوم القيامة ويصافحه!! ويرحب به، ويدخله الجنة!!

فقد روى ابن ماجة في صحيحه: ١/٣٩:

حدثنا إسماعيل بن محمد الطلحي، أنبأنا داود بن عطاء المديني، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي بن كعب، قال:

١٦٣

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول من يصافحه الحق عمر، وأول من يسلم عليه، وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة.

ورواه في كنز العمال: ١/٥٧٨ - هـ، ك - عن أبي. انتهى.

وقد جاءت روايتهم فاقعةً الى حد أن الذهبي الذي يحب التجسيم ويحب عمر، لم يستطع الدفاع عنها!

وكذلك الألباني، حيث ضعفها على مضض في ضعيفته برقم ٢٢٤٨٥.

**

نتيجة كلية

والنتيجة الأكيدة عند المتأمل في هذه الأحاديث من مصادر الفريقين:

أن علياً وأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لهم دورٌ كبير في الشفاعة مع النبي يوم القيامة.. بل إن كل مؤمن مقبول له شفاعة يوم القيامة بحسبه، ولما كان أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سادة المؤمنين، فشفاعتهم أكبر وأعظم.

أما الصحابة فتدل أحاديث القيامة على أن أكثرهم يكونون مشغولين الى آخر نفس في معالجة مشكلتهم وتخليص أنفسهم!!

عليعليه‌السلام هو ذائد المنافقين عن حوض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة!

تقدم في الفصل الخامس عشر تحت عنوان: علي ميزان الإسلام والكفر، حديث الإمام الحسن السبطعليه‌السلام ، وقد صححه الحاكم وغيره، وفيه:

( فقال له الحسن: أما والله لئن وردت عليه الحوض، وما أراك ترده، لتجدنه مشمر الازار على ساق، يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الابل! قول الصادق المصدوق، وقد خاب من افترى ).

كما تقدمت بعض أحاديثه في حمل لواء المحشر عن أحمد وغيره.

١٦٤

وفي مناقب الصحابة لأحمد/٦٦٧:

وفيما كتب إلينا ( عبد الله بن غنام ) يذكر أن عباد بن يعقوب حدثهم، نا علي بن عابس، عن عبد الله عن أبي حرب بن أبي الأسود الدئلي، قال اشتكى أبو الأسود الفالج فنعت له ثعلب فطلبناها في خرب البصرة، فبينا أنا أطوف إذا أنا برجل يصلي فأشار إلي فأتيته فقال: من أنت؟ فقلت أبو حرب بن أبي الأسود، فقال: أقرئ أباك السلام وقل له عبد الله بن فلان يقرأ عليك السلام ويقول لك: أشهد أني سمعت علياً يقول: لأذودن بيدي هاتين القصيرتين عن حوض رسول الله رايات الكفار والمنافقين، كما تذاد غريبة الإبل عن حياضها. انتهى.

وفي تاريخ المدينة لابن شبة: ١/٣٧:

حدثنا محمد بن بكار قال، حدثنا أبو معشر، عن حرام بن عثمان ( عن أبي ) عتيق، عن جابر بن عبداللهرضي‌الله‌عنهما قال: أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أناساً من المسجد وقال: لا ترقدوا في مسجدي هذا. قال: فخرج الناس، وخرج عليرضي‌الله‌عنه ، فقال: لعليرضي‌الله‌عنه إرجع فقد أحل لك فيه ما أحل لي، كأني بك تذودهم على الحوض، وفي يدك عصا عوسج.

وفي مجمع الزوائد: ٩/١٧٣:

وعن أبي هريرة أن علي بن أبى طالبرضي‌الله‌عنه قال: يا رسول الله، أيما أحب اليك أنا أم فاطمة؟

قال: فاطمة أحب إلي منك، وأنت أعز عليّ منها. وكأنى بك وأنت على حوضي تذود عنه الناس، وإن عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء، وإني وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنة، إخواناً على سرر متقابلين، أنت معي وشيعتك في الجنة. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: إخواناً على سرر متقابلين، لا ينظر أحد في قفا صاحبه.

رواه الطبراني في الأوسط، وفيه سلمى بن عقبة ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

١٦٥

ورواه في تفسير الميزان: ١٢/١٧٦ ، عن تفسير البرهان عن الحافظ أبي نعيم عن رجاله عن أبي هريرة..

وفي مجمع الزوائد: ٩/١٣٥:

عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي معك يوم القيامة عصا من عصى الجنة تذود بها المنافقين عن حوضي. رواه الطبراني في الأوسط وفيه سلام بن سليمان المدايني وزيد العمي، وهما ضعيفان وقد وثقا، وبقية رجالهما ثقات.

وعن عبد الله بن إجارة بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو على المنبر يقول: أنا أذود عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين القصيرتين، الكفار والمنافقين كما تذود السقاة غريبة الابل عن حياضهم.

رواه الطبراني في الاوسط، وفيه محمد بن قدامة الجوهري، وهو ضعيف.

وعن علي بن أبي طالب قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا ترضى يا علي إذا جمع الله النبيين في صعيد واحد، حفاة عراة مشاة قد قطع أعناقهم العطش فكان أول من يدعي ابراهيم فيكسى ثوبين أبيضين، ثم يقوم عن يمين العرش، ثم يفجر مثعب من الجنة الى حوضي، وحوضي أبعد مما بين بصرى وصنعاء، فيه عدد نجوم السماء قدحان من فضة، فأشرب وأتوضأ وأكسى ثوبين أبيضين، ثم أقوم عن يمين العرش، ثم تدعى فتشرب وتتوضأ وتكسى ثوبين أبيضين، فتقوم معي، ولا أدعى الى خير إلا دعيت له.

رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عمران بن ميثم، وهو كذاب.

وفي مجمع الزوائد: ١٠/٣٦٦:

وعن أبي هريرة وجابر بن عبد الله قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي بن أبي طالب صاحب حوضي يوم القيامة، فيه أكوابٌ كعدد نجوم السماء، وسعة حوضي مابين الجابية الى صنعاء. رواه الطبراني في الأوسط، وفيه ضعفاء وثقوا.

١٦٦

وفي الغدير: ١/٣٢١:

أخرج الطبراني بإسناد رجاله ثقات عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي معك يوم القيامة عصا من عصي الجنة، تذود بها المنافقين عن الحوض.

الذخاير/٩١، الرياض: ٢/٢١١، مجمع الزوائد: ٩/١٣٥، الصواعق/١٠٤. انتهى.

وهو في الطبراني الصغير: ٢/٨٩، ورواه الديلمي أيضاً في فردوس الأخبار: ٥/٣١٧ و ٤٠٨، وفي طبعة أخرى من الصواعق/١٧٤

وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: ١/٢٦٥:

أخبرنا أبو الحسن السلمي، أنبأنا عبد العزيز التميمي، أنبأنا علي بن موسى بن الحسين، أنبأنا أبو سليمان بن زير، أنبأنا محمد بن يوسف الهروي، أنبأنا محمد بن النعمان بن بشير، أنبأنا أحمد بن الحسين بن جعفر الهاشمي اللهبي، حدثني عبد العزيز بن محمد، عن حرام بن عثمان، عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر بن عبد الله عن أبيهما جابر بن عبد الله الأنصاري قال:

جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مضطجعون في المسجد، وفي يده عسيب رطب فضربنا، وقال: أترقدون في المسجد، إنه لا يرقد فيه أحد.

فأجفلنا وأجفل معنا علي بن أبي طالب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

يا علي إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي، ياعلي ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة.

والذي نفسي بيده إنك لتذودن عن حوضي يوم القيامة رجالاً كما يذاد البعير الضال عن الماء بعصى من عوسج، كأني أنظر مقامك من حوضي.

قال ( و ) أخبرناه عاليا أبو المظفر بن القشيري وأبو القاسم الشحامي قالا: أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو سعيد محمد بن بشر، أنبأنا محمد بن ادريس، أنبأنا سويد بن سعد، أنبأنا حفص بن ميسرة، عن حزام بن عثمان، عن ابن جابر - أراه عن جابر - قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مضطجعون في

١٦٧

المسجد، فضربنا بعصف في يده فقال: أترقدون في المسجد إنه لا يرقد فيه.

فأجفلنا فأجفل علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعال يا علي إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة، والذي نفسي بيده إنك لذواد عن حوضي يوم القيامة، تذود كما يذاد البعير الضال عن المأ بعصى لك من عوسج، كأني أنظر الى مقامك من حوضي. انتهى.

ونقله عنه في إحقاق الحق: ١٧/٣٧٤، ورواه الخوارزمي في مناقبه/٦٥

وفي الروض الأنف: ٢/١٤٦:

من طريق جابر بن عبد الله أن رسول الله ( ص ) قال لعلي: والذي نفسي بيده إنك لذائد عن حوضي يوم القيامة، تذود عنه كفار الأمم كما تذاد الابل الضالة عن الماء.

وقال السهيلي: إلا أن هذا الحديث يرويه حرام بن عثمان عن جابر عن النبي. وقد سئل مالك عنه فقال: ليس بثقة، وأغلظ فيه الشافعي. انتهى.

وكذلك ضعفه في تهذيب التهذيب: ٤/٢٨٣

ولا بد أن مالكاً سئل عنه، بعد أن ندم على تدوين حديث الحوض في موطئه!

وسواء صح ما نقلوه عن الشافعي في راوي الحديث حرام بن عثمان أم لا، فإن الذين ضعفوا هذا الحديث قد تعصبوا ضد أهل البيت، ودلسوا أيضاً!

ذلك أن القاعدة عند العلماء: أنهم إذا ضعفوا طريقاً لحديث مروي من طرق أخرى صحيحة، أن ينبهوا الى ذلك، ويذكروا أن له طرقاً أخرى ليس فيها حرام!! خاصة أنه حديثٌ مشهورٌ من رواية أهل البيت واحتجاجاتهم من زمن علي والحسنينعليهم‌السلام ، وكذلك في احتجاج شيعتهم ومحاوراتهم من القرن الأول نثراً وشعراً .

وقد نقلته مصادر السنيين بأسانيد صحيحة عن علي، وعن الحسن السبطعليهما‌السلام ، وقد تقدم في الفصل الخامس عشر تحت عنوان: عليعليه‌السلام ميزان الإسلام والكفر والايمان والنفاق، فراجع.

١٦٨

وكذا روته مصادرهم فيما روت من خطب الإمام الحسينعليه‌السلام ومحاوراته لجيش يزيد في كربلاء..

ولذلك يعتبر علماء الجرح والتعديل مثل هذا العمل تدليساً، يقصد منه إيهام القارىء بضعف متن هذا الحديث وأسانيده الأخرى!!

**

وأخيراً، فقد روت مصادر السنيين حديثاً غير مفهوم، ورد فيه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يذود عن الحوض لأهل اليمن!

ففي المسند الجامع - تحقيق الدكتور عواد: ٣/٣٤٣ - ح ٢٠٦٢ - ٤٨:

عن ثوبان، أن نبي الله ( ص ) قال: إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم. فسئل عن عرضه؟ فقال: من مقامي الى عمان.

وسئل عن شرابه؟ فقال: أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، يغث فيه ميزابان يحدانه من الجنة، أحدهما من ذهب، والآخر من ورق. انتهى.

وقد وجدنا حديثاً صححه في مجمع الزوائد، وهو يعطي ضوءاً على هذا الحديث المبهم، ويدل على أنه نصه كان يرتبط بأهل البيتعليهم‌السلام ، فصار لأهل اليمن!!

قال في مجمع الزوائد: ١٠/٣٦٦:

وعن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حوضي أذود عنه الناس لأهل بيتى إني لأضربهم بعصاي هذه حتى ترفض.

قلت: فذكر الحديث وهو في الصحيح غير قوله ( لأهل بيتي ).

رواه البزار بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح. انتهى.

ومعنى ذلك أن إحدى روايتي البزاز التي فيها ( لأهل بيتي ) صحيحة، ولعل أصل الحديث أذود عنه أنا وأهل بيتي، أو أذود من خالف أهل بيتي..

١٦٩

من أحاديث الحوض في مصادرنا

أما مصادرنا فلا مشكلة لها مع أحاديث حوض الكوثر ولا مع غيرها، لذك تجد أحاديثه صحيحة ومتواترة في مصادرنا، وهي من حججنا على إمامة أهل البيت النبوي الطاهرينعليهم‌السلام ..

قال الصدوق في كتاب الاعتقادات/٤٣:

إعتقادنا في الحوض: أنه حق، وأن عرضه مابين أيلة وصنعاء، وهو للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . الساقي عليه يوم القيامة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالبعليهما‌السلام ، يسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ليختلجن قوم من أصحابي دوني وأنا على الحوض، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأنادي ياربي أصحابي أصحابي، فيقال لي: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك! .

وروى في كتاب الخصال/٦٢٤، عن عليعليه‌السلام :

أنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعي عترتي وسبطي على الحوض، فمن أرادنا فليأخذ بقولنا وليعمل عملنا، فإن لكل أهل بيت نجيب ولنا شفاعة، ولأهل مودتنا شفاعة، فتنافسوا في لقائنا على الحوض، فإنا نذود عنه أعداءنا ونسقي منه أحباءنا وأولياءنا، ومن شرب منه شربةً لم يظمأ بعدها أبداً.

حوضنا مترعٌ فيه مثعبان ينصبان من الجنة أحدهما من تسنيم، والآخر من معين، على حافتيه الزعفران، وحصاه اللؤلؤ والياقوت، وهو الكوثر.

ورواه في تفسير فرات الكوفي/٣٦٦، وتفسير نور الثقلين: ٥/٥١١

وفي تفسير فرات/١٧٢، من رواية يخبر بها النبي ابنته الصديقة فاطمة الزهراءعليها‌السلام بما سيحدث لها ولأولادها من بعده، ويعلمها الصبر على أمر الله تعالى، قال:

يا فاطمة بنت محمد...

١٧٠

أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة.

أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه أولياءه، ويذود عنه أعداءه.

أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار، يأمر النار فتطيعه يخرج منها من يشاء ويترك من يشاء.

أما ترضين أن تنظرين الى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون اليك والى ما تأمرين به، وينظرون الى بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله!

فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتليك؟ !!

وقد أوردنا في معجم أحاديث الإمام المهدي: ٣ /١٥٣:

عن تفسير العياشي: ١/١٤، والكافي: ١ /٦٢:

عن علي بن ابراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن ابراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، قال قلت لأمير المؤمنينعليه‌السلام : إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنتم تخالفونهم فيها، وتزعمون أن ذلك كله باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمدين؟ ويفسرون القرآن بآرائهم؟

قال: فأقبل علي فقال: قد سألت فافهم الجواب.

إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً، وقد كذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على عهده حتى قام خطيباً فقال: أيها الناس قد كثرت عليّ الكذابة، فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوء مقعده من النار! ثم كذب عليه من بعده!

وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس:

١٧١

رجلٌ منافقٌ يظهر الايمان، متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمداً، فلو علم الناس أنه منافقٌ كذاب، لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورآه وسمع منه، وأخذوا عنه، وهم لا يعرفون حاله، وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عز وجل: وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم، وإن يقولوا تسمع لقولهم.

ثم بقوا بعده فتقربوا الى أئمة الضلالة والدعاة الى النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الأعمال، وحملوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا!

وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله، فهذا أحد الأربعة.

ورجلٌ سمع من رسول الله شيئاً لم يحمله على وجهه ووهم فيه، ولم يتعمد كذباً فهو في يده، يقول به ويعمل به ويرويه فيقول: أنا سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه.

ورجلٌ ثالثٌ سمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ، ولو علم أنه منسوخ لرفضه، ولم علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.

وآخرُ رابعٌ لم يكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مبغض للكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم ينسه، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم يزد في ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ فإن أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مثل القرآن ناسخ ومنسوخ [ وخاص وعام ] ومحكم ومتشابه قد كان يكون من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الكلام له وجهان: كلامٌ عام وكلامٌ خاص، مثل القرآن، وقال الله عز وجل في كتابه: ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا.

فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وليس كل أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسأله عن الشيء فيفهم! وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه حتى أن

١٧٢

كانوا ليحبون أن يجييء الأعرابي والطارئ فيسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يسمعوا.

وقد كنت أدخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كل يوم دخلةً وكل ليلة دخلةً فيخليني فيها أدور معه حيث دار، وقد علم أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، فربما كان في بيتي يأتيني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر ذلك في بيتي، وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عني نسائه، فلا يبقى عنده غيري، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة، ولا أحدٌ من بنيَّ، وكنت إذا سألته أجابني، وإذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي، وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصها وعامها، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت آيةً من كتاب الله ولا علماً أملاه عليّ وكتبته، منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئاً علمه الله من حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته، فلم أنس حرفاً واحداً، ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً، فقلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئاً ولم يفتني شيء لم أكتبه، أفتتخوف علي النسيان فيما بعد؟

فقال: لا، لست أتخوف عليك النسيان والجهل. وقد أخبرني ربي أنه قد استجاب لي فيك، وفي شركائك الذين يكونون من بعدك.

فقلت: يا رسول الله ومن شركائي من بعدي؟

قال: الذين قرنهم الله بنفسه وبي.

فقال: الأوصياء مني الى أن يردوا علي الحوض، كلهم هاد مهتد لا يضرهم من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقهم ولا يفارقونه، بهم تنصر أمتي وبهم يمطرون، وبهم يدفع عنهم، وبهم استجاب دعاءهم.

١٧٣

فقلت: يارسول الله سمهم لي فقال: ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسن، ثم ابني هذا ووضع يده على رأس الحسين، ثم ابنٌ له يقال له علي، وسيولد في حياتك فاقرأه مني السلام، ثم تكملة اثني عشر من ولد محمد.

فقلت له: بأبي أنت وأمي فسمهم لي، فسماهم رجلاً رجلاً فيهم والله يا أخا بني هلال مهدي أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يملؤ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، والله إني لأعرف من يبايعه بين الركن والمقام، وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم!! انتهى.

ويوجد قسم منه في نهج البلاغة - شرح صبحي الصالح، خطبة ٢١٠، وشرح محمد عبده ص ٢١٤. وروى ابن الجوزي قسماً منه في تذكرة الخواص /١٤٣، مرسلاً عن كميل بن زياد. ورواه النعماني/٧٥، والطبري الشيعي في المسترشد /٢٩، والصدوق في كمال الدين: ١/٢٨٤، والخصال: ١ /٢٥٥، والحراني في تحف العقول/١٩٣، والطبرسي في الاحتجاج: ١/٢٦٤، وابن ميثم البحراني في شرح النهج: ٤ /١٩، والعاملي في إثبات الهداة: ١/٦٦٤، والمجلسي في البحار: ٢ /٢٢٨، و: ٣٦/٢٧٣ و٢٧٦، و: ٩/٩٨

١٧٤

أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم على الحوض

في مقاتل الطالبين/٤٣:

حدثني محمد بن الحسين الأشناني وعلي بن العباس المقانعي قالا: حدثنا عباد بن يعقوب قال: أخبرنا عمرو بن ثابت، عن الحسن بن حكم، عن عدي بن ثابت، عن سفيان بن أبي ليلى، وحدثني محمد بن أحمد أبو عبيد قال: حدثنا الفضل بن الحسن المصري قال: حدثنا محمد بن عمرويه قال: حدثنا مكي بن ابراهيم، قال حدثنا السري بن إسماعيل، عن الشعبي، عن سفيان بن أبي ليلى دخل حديث بعضهم في حديث بعض، وأكثر اللفظ لأبي عبيدة قال: أتيت الحسن بن علي حين بايع معاوية فوجدته بفناء داره وعنده رهط فقلت:

السلام عليك يا مذل المؤمنين!

فقال عليك السلام يا سفيان، إنزل.

فنزلت فعقلت راحلتي ثم أتيته فجلست اليه، فقال: كيف قلت ياسفيان؟

فقلت: السلام عليك يا مذل رقاب المؤمنين.

فقال: ما جر هذا منك إلينا؟

فقلت: أنت والله - بأبي أنت وأمي - أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة وسلمت الأمر الى اللعين بن اللعين بن آكلة الاكباد، ومعك مائة ألف كلهم يموت دونك، وقد جمع الله لك أمر الناس.

فقال: يا سفيان، إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به، وإني سمعت علياً يقول سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: لا تذهب الليالي والأيام حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السرم ضخم البلعوم يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله اليه ولا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذرٌ ولا في الأرض ناصر، وإنه لمعاوية، وإني عرفت أن الله بالغ أمره.

١٧٥

ثم أذن المؤذن فقمنا على حالب يحلب ناقة، فتناول الاناء فشرب قائماً ثم سقاني، فخرجنا نمشي الى المسجد، فقال لي: ما جاءنا بك يا سفيان؟

قلت: حبكم والذي بعث محمداً بالهدى ودين الحق.

قال: فأبشر يا سفيان فإني سمعت علياً يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

يقول: يرد علي الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من أمتي كهاتين، يعني السبابتين، ولو شئت لقلت هاتين يعني السبابة والوسطى، إحداهما تفضل على الأخرى.

أبشر يا سفيان فإن الدنيا تسع البر والفاجر، حتى يبعث الله إمام الحق من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

هذا لفظ أبي عبيد وقال ( وفي حديث محمد بن الحسين وعلي بن العباس بعض هذا الكلام موقوفاً، عن الحسن غير مرفوع الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلا في ذكر معاوية فقط ).

ورواه ابن طاووس في الملاحم والفتن/١٠٩، ملخصاً عن الفتن للسليلي...

ورواه ابن أبي الحديد: ١٦/٤٤، عن أبي الفرج بسنديه بتقديم وتأخير، وفي سنده محمد بن أحمد بن عبيد بدل محمد بن أحمد أبو عبيد. والبصري بدل المصري. وابن عمرو بدل محمد بن عمرويه، والاشنانداني بدل الأشناني.

ورواه في البحار: ٤٤ /٥٩، وفي العوالم: ١٦ /١٧٨، عن ابن أبي الحديد بسنديه.

١٧٦

شعر حوض الكوثر في مصادر الحديث والأدب

تعتبر مجموعة شعر الكوثر التي نقلتها مصادر الحديث والأدب، من الأدلة العلمية المهمة على صحة أحاديث أن الساقي على الحوض والذائد عنه هو عليعليه‌السلام . وأول شعر نقله الرواة من ذلك رجز أمير المؤمنين في حرب صفين:

ففي مناقب آل أبي طالب: ١/٢١٩:

أنهعليه‌السلام عندما دعي الى المبارزة في صفين قال مرتجزاً:

أنا عليٌّ صاحب الصمصامه

وصاحب الحوض لدى القيامه

أخو نبي الله ذي العلامه

قد قال إذ عمّمني العمامه

أنت أخي ومعدن الكرامه

ومن له من بعدي الإمامه

- كما روت كتب التاريخ والحديث والعقائد أبياتاً للامام الحسينعليه‌السلام ، جاءت ضمن خطبته التاريخة في كربلاء، ذكر فيها الحوض..كما في الاحتجاج: ٢ /٢٦ وتفسير نور الثقلين: ٣/٥٦٥ ، وغيرهما، منها:

أنا ابن أباة الضيم من آل هاشم

كـفـاني بـهذا مفخراً حين أفخر

وجدي رسول الله أكرم من مشى

ونحن سـراج الله في الخلق نزهر

ونحن أمان الله للناس كـلـهـم

نـطـول بـهذا في الأنام ونجهر

ونحن ولاة الحوض نسقي محبنا

بـكـأس رسول الله ما ليس ينكر

وشـيعتنا في الحشر أكرم شيعة

ومـبـغضنا يـوم القيامة يخسر

وفي بشارة المصطفى/١١٢:

أبو عبدالله الحسين بن الحسن الحسيني الجرجاني القاضي، قدم علينا من بغداد، قال: حدثني الشريف أبو محمد الحسن بن أحمد المحمدي النقيب قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عباس الجوهري قال، حدثنا أحمد بن زياد الهمداني قال: رأيت صبياً صغيراً يكون سباعياً أو ثمانياً بالمدينة، على ساكنها أفضل السلام، ينشد:

١٧٧

لنحن عـلى الحوض ذواده

نـــذود وتـسـعـد وراده

ومـا فـاز من فاز إلا بنا

وما خـاب مـن حـبنا زاده

ومن سرنا نال منا السرور

ومــن سـاءنا سـاء ميلاده

ومـن كـان ظالمـنا حقنا

فـإن الـقــيامة مـيعـاده

فقلت يا فتى لمن هذه الأبيات؟

فقال: لمنشدها.

فقلت: من الفتى؟

فقال علويٌّ فاطميٌّ، إيهاً عنك. انتهى.

ونسب في رشفة الصادي/١٩٢، هذه الأبيات الى الإمام محمد الباقرعليه‌السلام .

**

وقد ترجم الأميني في من الغدير : ٢، لعدد من شعراء الغدير الذين ذكروا الحوض، نذكر بعضهم:

فمن أقدمهم سفيان بن مصعب العبدي الكوفي:

وهو من شعراء أهل البيت عيهم السلام في القرن الثاني، وقد مدحه الإمام الصادقعليه‌السلام واستنشده شعره في رثاء الإمام الحسينعليه‌السلام قال العبدي من قصيدة طويلة:

هل في سؤالك رسم المنزل الخرب

بـرءٌ لقلبك مـن داء الهوى الوصب

أم حـره يـوم وشـك البين يبرده

ما استحدثته النوى من دمعك السرب

يا رائد الحي حسب الحي ما ضمنت

لـه المدامع مـن مـاء ومن عشب

لهفي لما استودعت تلك القباب وما

حجبن من قـضـب عنا ومن كثب

لأشـرقـن بدمعي إن نـأت بـهم

دارٌ ولم أقض ما في النفس من إرب

ما هز عطفي من شوق الى وطني

ولا اعتراني من وجد ومن طـرب

١٧٨

مـثـل اشتياقي من بعد ومنتزح

الـى الـغـري وما فيه من الحسب

يـا راكباً جسرةً تطوي مناسمها

مـلاءة الـبـيـد بالتقريب والجنب

تثني الـريـاح إذا مرت بغايتها

حسـرى الطلائح بالغيطان والخرب

بلغ سـلامي قبراً بالغري حوى

أوفـى البرية مـن عجم ومن عرب

يا صاحب الكوثرالرقراق زاخره

ذود النواصب عن سـلسـاله العذب

قـارعت منهم كماة فـي هواك

بما جردت من خاطر أو مقول ذرب

حـتـى لقد وسمت كلما جباهم

خواطري بمضاء الشـعـر والخطب

-وقال أيضاً في مدح علي عليه‌السلام :

أنت عـين الالَه والجنب من

فـرط فيه يصلى لظى مذموما

أنت فلك النجاة فينا وما زلـ

ت صراطاً الى الهدى مستقيما

وعليك الورود تسقي من الحو

ض ومن شئت ينثني محروما

واليك الجواز تدخل من شئـ

ـت جناناً ومن تشـاء جحيما

وقال الأميني في الغدير: ٢/٢٩٦ :

في مقتضب الأثر عن أحمد بن زياد الهمداني قال: حدثني علي بن ابراهيم بن هاشم قال: حدثني أبي عن الحسن بن علي سجاده، عن أبان بن عمر ختن آل ميثم قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام فدخل عليه سفيان بن مصعب العبدي قال: جعلني الله فداك ما تقول في قوله تعالى ذكره:

وعلى الأعراف رجالٌ يعرفون كلاً بسيماهم؟

قال: هم الأوصياء من آل محمد الاثني عشر، لا يعرف الله إلا من عرفهم وعرفوه.

قال: فما الأعراف جعلت فداك؟

قال: كثائب من مسك، عليها رسول الله والأوصياء يعرفون كلاً بسيماهم.

فقال سفيان: أفلا أقول في ذلك شيئاً؟

١٧٩

فقال من قصيدة:

أيا ربعهم هل فيك لي اليوم مربع

وهـل لليال كـن لي فيك مرجع

ومنها:

وأنتم ولاة الحشـر والنشر والجزا

وأنتم لـيـوم المفزع الهول مفزع

وأنتم عـلى الاعراف وهي كثائب

من الـمـسـك رياها بكم يتضوع

ثـمـانـيـة بالعرش إذ يحملونه

ومن بعدهم في الأرض هادون أربع

وروى أبو الفرج في الاغاني ٧/٢٢ ، عن أبي داود المسترق سليمان بن سفيان: أن السيد والعبدي اجتمعا فأنشد السيد:

أدين بـمـا دان الوصي به

يوم الخريبة من قتل المحلينا

وبالذي دان يوم النهروان به

وشـاركت كفه كفي بصفينا

فقال له العبدي: أخطأت، لو شاركت كفك كفه كنت مثله، ولكن قل: تابعت كفه كفي، لتكون تابعاً لا شريكاً.

فكان السيد بعد ذلك يقول: أنا أشعر الناس إلا العبدي.

**

ومن شعراء الكوثر السيد الحميري، المتوفى ١٧٣:

وهو اسماعيل بن محمد بن يزيد بن وداع الحميري، الملقب بالسيد.

قال عنه المرزباني: لم يسمع أن أحداً عمل شعراً جيداً وأكثر غير السيد.

وروى عن عبد الله بن إسحاق الهاشمي قال: جمعت للسيد ألفي قصيدة وظننت أنه ما بقي عليَّ شيء، فكنت لا أ زال أرى من ينشدني ما ليس عندي، فكتبت حتى ضجرت، ثم تركت.

وقال: سئل أبو عبيدة من أشعر المولدين؟ قال: السيد وبشار.

ونقل عن الحسين بن الضحاك أنه قال: ذاكرني مروان بن أبي حفصة أمر السيد بعد موته، وأنا أحفظ الناس بشعر بشار والسيد، فأنشدته قصيدته المذهبة التي أولها:

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477