الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام12%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158615 / تحميل: 7007
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وكان جلوسه فيه في سنة تسع وثلاثين ومائتين، ثم دعا بالطعام وحضر الندماء وسائر المغنين والملهين، وأكل الناس. ورام النوم فما تهيأ له، فقال له الفتح: يا مولاي، ليس هذا يوم نوم، فجلس للشرب. فما كان الليل رامَ النوم، فما أمكنه فدعا بدهن بنفسج، فجعل منه شيئاً على رأسه وتنشقه فلم ينفعه.

فمكث ثلاثة أيام بلياليها لم ينم، ثم حُمَّ حُمَّى حَادَّة، فانتقل إلى الهاروني قصر أخيه الواثق، فأقام به ستة أشهر عليلاً، وأمر بهدم البرج ».

ما قيمة الخلافة إذا كان الخليفة مُنْحَطاً!

عملت الحكومات على نسج هالة كاذبة على شخصية الخليفة، واخترعت له صفات ومناقب، لتتناسب شخصيته مع لقبه الرسمي: خليفة رسول الله (ص).

بل جعلوه خليفة الله تعالى، وفضلوه على رسول الله (ص)! فقد سمى معاوية نفسه « خليفة الله » وقال: « الأرض لله وأنا خليفة الله، فما أخذت من مال الله فهولي، وما تركت منه كان جائزاً لي! فقال صعصعة:

تُمَنِّيكَ نفسُكَ ما لا يكونُ

جهلاً معاويَ لا تأثمِ ».

« مروج الذهب: ٣ / ٥٢، وجمهرة خطب العرب: ١ / ٤٤٥ ».

وفي أنساب الأشراف للبلاذري / ١١٠٩: « فقال صعصعة بن صوحان: ما أنت وأقصى الأمة في ذلك إلا سواء، ولكن من ملك استأثر! فغضب معاوية وقال: لهممتُ! قال صعصعة: ما كل من هَمَّ فعل! قال: ومن يَحُولُ بيني وبين ذلك؟! قال: الذي يحول بين المرء وقلبه، وخرج »!

٤١

وفَضَّلَ علماء البلاط والرواة الخليفة الأموي على الرسول الهاشمي (ص)!

ففي سنن أبي داود « ٢ / ٤٠٠ »: « عن الربيع بن خالد الضبي قال: سمعت الحجاج يخطب فقال في خطبته: رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه، أم خليفته في أهله؟ فقلت في نفسي: لله عليَّ ألا أصلي خلفك صلاة أبداً وإن وجدت قوماً يجاهدونك لأجاهدنك معهم »! « والنهاية: ٩ / ١٥١، وتاريخ دمشق: ١٢ / ١٥٨ ».

وقال ابن حزم في الإحكام « ٤ / ٥٨١ »: « أوَليس ابن عباس يقول: أما تخافون أن يخسف الله بكم الأرض! أقول لكم قال رسول الله (ص)، وتقولون: قال أبو بكر وعمر! وكان إسحاق بن راهويه يقول: من صح عنده حديث عن النبي (ص) ثم خالفه يعني باعتقاده، فهوكافر ».

أقول: المتوكل نموذجٌ للحاكم القرشي الذين عظَّموه وضخَّموه! وقد كان متجاهراً بالفحشاء، غارقاً في الدُّون من قرنه الى قدمه، ومن أصله الى فصله.

كانت عقيدة المتوكل وسياسته مضادةً لآبائه!

كان الخلفاء العباسيون الى الواثق مُنَزِّهِين لله تعالى، يرفضون أفكار التجسيم وأحاديثه الموضوعة. ومنها مقولة أن القرآن قديمٌ لأنه كلام الله تعالى وجزءٌ منه!

فقد أجاب المنزهة على هذه المقولة بأن الله تعالى وجودٌ غير مركب، والقرآن كلامه المخلوقٌ، وكل شئ ما عداه عز وجل فهومخلوق.

وأمر المأمون بتأديب من يقول بقدم القرآن لأنه يجعله إلهاً مع الله تعالى!

٤٢

ونهى أن يعطى منصباً في الدولة. وتابع المعتصم سياسة أخيه المأمون، فكان يمتحن العلماء في القول بقدم القرآن. وواصل الواثق سياسة أبيه المعتصم.

لكن المتوكل خالفهم فجمع العلماء المشبِّهين والمجسمين، وشجعهم وأغدق عليهم، وقمع العلماء المنزهين وأهملهم!

من جهة أخرى، قامت حركة العباسيين والحسنيين على الدعوة الى الرضا من آل محمد (ص) أي بني هاشم، والبراءة من بني تَيْمٍ وعَدِيٍّ وأمية.

لكن المنصور بعد أن ثار عليه الحسنيون، أمر المحدثين والفقهاء والولاة أن لا يَرْوُوا شيئاً في فضائل علي (ع)، ولا شيئاً يطعن بأبي بكر وعمر، وأن يفضلوهما عليه، وأن يضيفوا مدح أبي بكر وعمر في خطبة الجمعة وقال: « والله لأرغمن أنفي وأنوفهم، وأرفع عليهم بني تيم وعدي ». « منهاج الكرامة / ٦٩ ».

واستمرت سياسته حتى جاء المأمون، فأعلن فضائل علي وأبنائه (ع).

ولما جاء المتوكل خالف أسلافه المأمون والمعتصم والواثق، ورفع راية العداوة لعلي وأبنائه (ع)، واضطهدهم، وهدم قبر الحسين (ع) ومنع زيارته، ومنع زيارة قبر أمير المؤمنين (ع) في النجف الأشرف وقيل هدمه. ومنع زيارة قبر موسى بن جعفر (ع) في بغداد. وقَرَّبَ النواصب ودعمهم مادياً ومعنوياً.

٤٣

وَضَعَ المتوكل خطةً واسعة لنشر النُّصْب والتجسيم

فقد نفذ سياسةً متشددة لإحياء النصب الأموي والتجسيم، وقامت سياسته على تبني علماء النصب والتجسيم وإغداق المال والجوائز عليهم، وإعطائهم المناصب الكبيرة، ليؤثروا في ثقافة الناس.

وقام بتكوين حركة باسم أهل الحديث بقيادة الشاب ابن صاعد، وهي أشبه بميليشا مسلحة، تقوم بقمع الشيعة في بغداد!

ثم قام باختيار أحد العلماء الشَّيَبَة المعروفين، وهو أحمد بن حنبل، ليكون مرجعاً دينياً للدولة، وغطاءً شرعياً للمتوكل وأتباعه.

كما تَبَنَّي كُتب النصب والتجسيم وعممها على الناس، فقد تبنى مسند أحمد، ثم ارتضى أحمد صحيح محمد بن إسماعيل البخاري فصار الكتاب الرسمي للدولة!

كما قمعَ الأشعرية والمعتزلة، وحرم إعطاءهم المناصب، وضيَّق عليهم.

ثم تفنن في قمع الشيعة، ففرض الإقامة الجبرية على إمامهم الهادي (ع) في سامراء، وعمل لقتله.

واضطهد العلويين قاطبة وأفقرهم وشردهم وسجنهم. واضطهد شيعتهم، ومنعهم من زيارة المشاهد المشرفة لأئمتهم (ع)، خاصة زيارة قبر الحسين (ع) بكربلاء، وقبر أمير المؤمنين (ع) في النجف، وقبرالكاظم (ع) ببغداد، وضيق على جامع بُراثا، وهوالجامع المركزي للشيعة في بغداد.

٤٤

كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب (ع)

قال ابن الأثير في الكامل « ٦ / ١٠٨ »: « وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهله بأخذ المال والدم! وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث، وكان يشد على بطنه تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه وهوأصلع، ويرقص بين يدي المتوكل، والمغنون يغنون:

قد أقبل الأصلع البدين، خليفة المسلمين، يحكي بذلك علياً!

والمتوكل يشرب ويضحك! ففعل ذلك يوماً والمنتصر حاضر، فأومأ إلى عبادة يتهدده فسكت خوفاً منه، فقال المتوكل ما حالك؟ فقام وأخبره، فقال المنتصر: يا أمير المؤمنين إن الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس هوابن عمك، وشيخ أهل بيتك وبه فخرك! فكل أنت لحمه إذا شئت، ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه! فقال المتوكل للمغنين: غنوا جميعاً:

غَارَ الفَتَى لابنِ عَمِّهْ

رأسُ الفَتى في حَرِ أمِّهْ »!

وقال النويري في نهاية الأرب « ٢٢ / ٢٨٢ »: « في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي رضي الله عنهما، وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأمر أن يسقى موضع قبره، وأن يمنع الناس من إتيانه، فنادى في الناس في تلك الناحية: من وجدناه عند قبره بعد ثالثة حبسناه في المِطبق « سجن مظلم تحت الأرض » فهرب الناس وتركوا زيارته، وحُرث وزُرع!

٤٥

وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ولأهل بيته، وكان يقصد من يتولى علياً وأهل بيته بأخذ المال والروح! وكان من جملة ندمائه عبَّادة المخنث، وكان أصلع فيشد تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه ويرقص والمغنون يغنون ».

وروى ذلك عمر بن الوردي في تاريخه « ١ / ٢١٦ »، وقال: « وكان يجالس من اشتهر ببغض علي، كابن الجهم الشاعر، وأبي السمط، وكان من أحسن الخلفاء سيرةً، ومنع القول بخلق القرآن، فغطى ذمه لعليٍّ على حسناته. قلت:

وكم قد مُحِي خيرٌ كما انمحتْ

ببغض علي سيرة المتوكل

تعمق في عدلٍ ولما جنى على

جناب عليٍّ حطه السيلُ من علِ »

ولا ندري ماذا رأى ابن الوردي من « عدالة » المتوكل! وقد روى بغضه لعلي (ع) عامة المؤرخين، فهوشهادةٌ متواترةٌ بأنه ناصبيٌّ منافق، وقد قال ابن حجر في فتح الباري « ١ / ٦٠ »: « وقد ثبت في صحيح مسلم عن علي أن النبي (ص) قال له: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ».

وقال في فتح الباري « ٧ / ٥٧ »: « وفي الحديث تلميحٌ بقوله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ، فكأنه أشار إلى أن علياً تام الإتباع لرسول الله (ص) حتى اتصف بصفة محبة الله له، ولهذا كانت محبته علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق ». كما رووا أن من يبغض علياً (ع) لا يكون ابن أبيه! ففي الصحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري: قال رسول الله (ص): « بَوِّروا أولادكم بحب علي بن أبي طالب أي اختبروا طيب ولادتهم بحبه. وقال جابر: كنا نُبَوِّرُ أولادنا بحب علي ».

٤٦

« غريب الحديث لابن الجوزي: ١ / ٩٠، والنهاية لابن الأثير: ١ / ١٦١، ولسان العرب: ٤ / ٨٧، وتاج العروس: ١٠ / ٢٥٧، وتهذيب اللغة: ١٥ / ١٩١ ».

وروى المسعودي في مروج الذهب « ٢ / ٦٥ » قصة دُلف بن أبي دلف في بغض علي (ع) وقال: « وجمعتُ طرق الحديث: لاينتقصُ عليّاً أحد إلا كان لغير رَشْدَةٍ، الوارد فيها، فرواه من نيف وستين طريقاً ». وتاريخ بغداد: ١٢ / ٤١٨، وتاريخ دمشق: ٤٩ / ١٥٠.

وقد روى ذلك عن أبي دلف ابن كثير، فقال في النهاية « ١٠ / ٣٢٣ »: « وكان يقول: من لم يكن متغالياً في التشيع فهو ولد زنا. فقال له ابنه دلف: لستُ على مذهبك يا أبة. فقال: والله لقد وطأت أمك قبل أن أشتريها، فهذا من ذاك »!

وفي مناقب آل أبي طالب « ٢ / ١٠ »: « عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أحمد قال: سمعت الشافعي يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: قال أنس بن مالك: ما كنا نعرف الرجل لغير أبيه إلا ببغض علي بن أبي طالب كان الرجل من بعد يوم خيبر يحمل ولده على عاتقه ثم يقف على طريق علي، فإذا نظر إليه أومى بإصبعه: يا بنيَّ تُحِبُّ هذا الرجل؟فإن قال نعم، قبله، وإن قال لا قال له: إلحق بأمك »!

وفي تاريخ دمشق « ٤٢ / ٢٨٧ »: « عن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه قال: كنا نُبَوِّرُ « نمتحن » أولادنا بحب علي بن أبي طالب، فإذا رأينا أحداً لا يحب علي بن أبي طالب، علمنا أنه ليس منا، وأنه لغير رَشْدَة ».

أقول: كفى بذلك حكماً من النبي (ص) بأصل المتوكل، الذي زعموا أنه خليفة رسول الله (ص)، ومحيي سنته، وجعلوه قطب أولياء الله المتقين، معاذ الله!

٤٧

قَرَّبَ المتوكل العلماء المجسمين والنواصب وأغدق عليهم

قال الخطيب البغدادي في تاريخه « ٣ / ١٤٧ »: « عن محمد بن يحيى الصولي قال: في سنة أربع وثلاثين ومائتين، نهى المتوكل عن الكلام في القرآن، وأشخص الفقهاء والمحدثين إلى سر من رأى، منهم القاضي التيمي البصري، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وابنا أبي شيبة، ومصعب الزبيري ووصلهم ».

وقال في تاريخ بغداد « ١٠ / ٦٧ »: « حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: سنة أربع وثلاثين ومائتين فيها أشخص المتوكل الفقهاء والمحدثين، فكان فيهم مصعب الزبيري، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، وعبد الله وعثمان ابنا محمد بن أبي شيبة الكوفيان، وهما من بني عبس، وكانا من حفاظ الناس، فقسمت بينهم الجوائز وأجريت عليهم الأرزاق، وأمرهم المتوكل أن يجلسوا للناس، وأن يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية، وأن يحدثوا بالأحاديث في الرؤية! فجلس عثمان بن محمد بن أبي شيبة في مدينة أبي جعفر المنصور، ووضع له منبر واجتمع عليه نحومن ثلاثين ألفاً من الناس. فأخبرني حامد بن العباس أنه كتب عن عثمان بن أبي شيبة. وجلس أبوبكر بن أبي شيبة في مسجد الرصافة، وكان أشد تقدماً من أخيه عثمان، واجتمع عليه نحومن ثلاثين ألفاً ».

وقال الذهبي في سيره « ١٢ / ٣٤ »: « وفي سنة ٢٣٤ ، أظهر المتوكل السنة، وزجر عن القول بخلق القرآن، وكتب بذلك إلى الأمصار، واستقدم المحدثين إلى سامراء، وأجزل صلاتهم، ورووا أحاديث الرؤية والصفات ».

٤٨

وفي كتاب العلل لأحمد بن حنبل « ١ / ٨٠ »: « استقدم المتوكل المحدثين إلى سامراء وأجزل عطاياهم وأكرمهم، وأمرهم أن يحدثوا بأحاديث الصفات والرؤية! وتوفر دعاء الخلق للمتوكل، وبالغوا في الثناء عليه، والتعظيم له، حتى قال قائلهم: الخلفاء ثلاثة: أبوبكر الصديق في قتل أهل الردة، وعمر بن عبد العزيز في رد المظالم، والمتوكل في إحياء السنة وإماتة التجهم ».

وقال ابن تميم التميمي في المحن / ٢٧١: « ونفى كل بدعة، وانجلى عن الناس ما كانوا فيه من الذل وضيق المجالس، فصرف الله ذلك كله به، فكان يبعث إلى الآفاق فيؤتى إليه بالفقهاء والمحدثين، فخرَّج كل واحد منهم بثلاثين حديثاً في تثبيت القدر، وثلاثين حديثاً في الرؤية، وغير ذلك من السنن، فتعلمها الناس حتى كثرت السنن وفشَت ونمَت، وطُغيت البدعة وذلَّت ».

أقول: هذه النصوص صريحةٌ في أن لقب « محيي السنة » الذي أعطوه للمتوكل، معناه إحياء أحاديث التجسيم التي يسمونها أحاديث الصفات والرؤية، وإحياء البغض الأموي لأهل البيت (ع) ونصب العداوة لهم.

لاحظ قول الراوي: فخرَّج كل واحد منهم بثلاثين حديثاً في تثبيت القدر، وثلاثين حديثاً في الرؤية! فمن أين جاؤوا بها؟!

لعل أصلها حديثان، ثم نسجوا عليهما! قال الذهبي في سيره « ٨ / ١٠٣ »: « قال ابن القاسم: سألت مالكاً عمن حدث بالحديث الذي قالوا: إن الله خلق آدم على صورته، والحديث الذي جاء: إن الله يكشف عن ساقه وأنه يدخل يده في جهنم

٤٩

حتى يخرج من أراد، فأنكر مالك ذلك إنكاراً شديداً ونهى أن يحدث بها أحد! فقيل له إن ناساً من أهل العلم يتحدثون به فقال: من هو؟ قيل ابن عجلان عن أبي الزناد، قال: لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ولم يكن عالماً وذكر أبا الزناد فقال: لم يزل عاملاً لهؤلاء حتى مات ».

ومعنى كلامه أن الراوي الأصلي لهذا الحديث أبو الزناد وهو متهم، لأنه كان عاملاً عند بني أمية، فهو موظف عندهم ينشر أحاديث التجسيم لكعب الأحبار وغيره من اليهود! وهو نص على أن الدولة الأموية تبنت تجسيم اليهود من القرن الأول ودسته في أحاديث النبي (ص) ووظفت رواة ينشرونه في المسلمين!

وكلُّ واحدٍ من الرواة والفقهاء الذين جمعهم المتوكل من البلدان، داعيةٌ من دعاة التجسيم والنصب! فمصعب الزبيري وابن أخيه الزبير بن بكار، مؤلفان معروفان بتعصبهما ونصبهما لأهل البيت (ع). وعثمان بن أبي شيبة صاحب المسند الذي أكثر فيه من أحاديث النصب والتجسيم الخ. وابن أبي الشوارب: أموي من بني العاص جعله المتوكل قاضي القضاة في سامراء وفي نفس الوقت قاضياً في بغداد، وهو أستاذ الشاب ابن صاعد الذي جعله المتوكل شيخ أهل الحديث في بغداد.

وهشام بن عمار الذي سموه محدث الشام، وعظَّمَهُ المتوكل، كان يبيع الحديث بالصفحة! ورووا عنه أحاديث التجسيم، ورووا عنه وقاحته، وسيأتي ذكره.

٥٠

أسس حزب أهل الحديث أو الصاعدية

أسس المتوكل مجموعة في بغداد من العوام الخشنين وسماهم: أهل الحديث، والمحدثين، وأهل السنة. وسماهم المسلمون: مجسمة الحنابلة، والنواصب.

وروى الذهبي سخرية البغوي الإمام المعروف، من إسم أهل الحديث، ومن رئيسهم ابن صاعد، فقال في سير أعلام النبلاء: « ١٤ / ٤٤٩ »: « اجتاز أبوالقاسم البغوي بنهر طابَق على باب مسجد، فسمع صوت مُسْتَمْلٍ فقال: من هذا؟ فقالوا: ابنُ صاعد. قال: ذاك الصبي! قالوا: نعم. قال: والله لا أبرحُ حتى أُملي هاهنا! فصعد دكةً وجلس، ورآه أصحاب الحديث فقاموا وتركوا ابن صاعد. ثم قال: حدثنا أحمد بن حنبل قبل أن يولد المحدثون! وحدثنا طالوت قبل أن يولد المحدثون! وحدثنا أبونصر التمار فأملى ستة عشر حديثاً عن ستة عشر شيخاً، ما بقي من يروي عنهم سواه »!

يقول البغوي: أن هؤلاء الصبيان الذين سمَّوْهم المحدثين، إنما هم أحداث، لا علم عندهم، وقد جمعهم المتوكل حول أحمد بن حنبل، وجعله إماماً لهم!

ومعنى قوله: حدثنا أحمد بن حنبل قبل أن يولد المحدثون! أن الحديث والمحدثين كانوا قبل هذه الفئة الذين سموا أنفسهم أهل الحديث، وأحمد بن حنبل نفسه كان محدثاً، ولم يكن إمام فئة تسمى أهل الحديث.

فالمتوكل هوالذي حَنْبَلهم، وجعل ابن حنبل إماماً لهم، فصارالإمام أحمد.

٥١

والمتوكل هوالذي بَخَّرهم، فقد تبنى أحمد ومسنده، وتبنى أحمد البخاري، فصار كتابه الصحيح الرسمي مع مسند أحمد.

وابن صاعد الذي سخر منه البغوي هو: يحيى بن محمد بن صاعد. وهو غلامٌ عباسي معرق، فجده من غلمان أبي جعفر المنصور. « كتاب العرش لابن أبي شيبة / ٢٦ ».

وتعرف طريقة تفكير ابن صاعد وحزبه المتطرف، من قصته مع الحافظ الإمام ابن عقدة، المشهود له عند جميع المسلمين!

ففي تاريخ بغداد « ٥ / ٢٢١ »: « روى ابن صاعد ببغداد في أيامه حديثاً أخطأ في إسناده، فأنكر عليه ابن عقدة الحافظ، فخرج عليه أصحاب ابن صاعد وارتفعوا إلى الوزير علي بن عيسى، وحبس بن عقدة فقال الوزير: من يَسأل « ابن صاعد » ويَرجع إليه؟ فقال: ابن أبي حاتم، قال فكتب إليه الوزير يسأله عن ذلك فنظر وتأمل، فإذا الحديث على ما قال ابن عقدة، فكتب إليه بذلك، فأطلق ابن عقدة وارتفع شأنه.

سمعت بن الجعابي يقول: دخل ابن عقدة بغداد ثلاث دفعات، فسمع في الدفعة الأولى من إسماعيل القاضي ونحوه، ودخل الثانية في حياة ابن منيع وطلب مني شيئاً من حديث يحيى بن صاعد لينظر فيه، فجئت إلى ابن صاعد وسألته أن يدفع إليَّ شيئاً من حديثه لأحمله إلى ابن عقدة، فدفع إليَّ مسند علي بن أبي طالب فتعجبت من ذلك، وقلت في نفسي كيف دفع إلي هذا وابن عقدة أعرف الناس به مع اتساعه في حديث الكوفيين، وحملته إلى ابن عقدة فنظر فيه

٥٢

ثم رده عليَّ فقلت: أيها الشيخ هل فيه شئ يستغرب؟ فقال: نعم فيه حديث خطأ فقلت: أخبرني به، فقال: والله لا أعرفنك ذلك حتى أجاوز قنطرة الياسرية، وكان يخاف من أصحاب ابن صاعد!

فطالت عليَّ الأيام انتظاراً لوعده، فلما خرج إلى الكوفة سرت معه، فلما أردت مفارقته قلت: وعدك؟ قال: نعم، الحديث عن أبي سعيد الأشج، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة. ومتى سمع منه؟! وإنما ولد أبوسعيد في الليلة التي مات فيها يحيى بن زكريا بن أبي زائدة!

فودعته وجئت إلى ابن صاعد فقلت له: ولد أبوسعيد الأشج في الليلة التي مات فيها يحيى بن زكريا بن أبي زائدة! فقال: كذا يقولون، فقلت له: في كتابك حديث عن الأشج عنه، فما حاله؟فقال لي: عَرَّفك ذلك ابن عقدة؟ فقلت: نعم فقال: لأجعلن على كل شجرة من لحمه قطعةً!

ثم رجع يحيى إلى الأصول، فوجد الحديث عنده عن شيخ غير أبي سعيد، عن ابن أبي زائدة، وقد أخطأ في نقله، فجعله على الصواب ».

فقد كان ابن عقدة من كبار علماء الشيعة، وكان حفظه عجيباً، وقد خضع له المحدثون، وألَّف الذهبي في ترجمته كتاباً، وقال عنه في سيرأعلام النبلاء: « ١٥ / ٣٤٠ »: « الحافظ العلامة، أحد أعلام الحديث، ونادرة الزمان، وصاحب التصانيف، وهوالمعروف بالحافظ ابن عقدة. وكَتب عنه ما لا يُحد ولا يُوصف من خلقٍ كثير بالكوفة وبغداد ومكة، وجمع التراجم والأبواب والمشيخة، وانتشر حديثه وبعد

٥٣

صيته ». وقال عنه في تذكرة الحفاظ « ٣ / ٣٨٩ »: « حافظ العصر، والمحدث البحر، أبوالعباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي. كان إليه المنتهى في قوة الحفظ، وكثرة الحديث، وصنَّف وجمع وألَّف، في الأبواب والتراجم ».

وكان ابن عقدة (رحمه الله) يسكن الكوفة، ويأتي الى بغداد ويحدث في مسجد براثا، فصحَّح خطأً لابن صاعد، فحرك ابن صاعد مجسمة الحنابلة، فألزموا حاكم بغداد بحبسه! ولا بد أن ابن عقدة أقنع الوزير أن يسأل أستاذ ابن صاعد عن المسألة، فسأله فظهر الحق مع ابن عقدة، فأطلقه وارتفعت مكانته.

ثم نقل عن الجعابي أنه جاء الى ابن عقدة ببعض أحاديث ابن صاعد، فوجد فيها خطأ، فطلب الجعابي أن يخبره به، فامتنع ابن عقدة لأن ذلك يحرك عليه ابن صاعد وسفهاءه، وقال له سأعطيك خطأه عندما أغادر بغداد الى الكوفة، وأصل الى قنطرة الياسرية، خارج بغداد!

ولما أخبر الجعابي ابن صاعد بخطئه الواضح، فبدل أن يشكره ويشكر ابن عقدة تأسف لأنه أفلت منه، ثم توعده بقوله: لأجعلن على كل شجرة من لحمه قطعةً ! وهذا يدل على طبيعة ابن صاعد العدوانية هو وجماعته، وأنهم أهل شر لا علم! فقد كانوا مجموعة متخصصة بالمشاكل، ولهم أدوار في مهاجمة مجالس الشيعة في بغداد خاصة في جامع براثا والكرخ، ثم في هدم قبر الحسين (ع).

٥٤

وقد تحولوا الى مذهب متطرف، وتسموا بالصاعدية! قال المقدسي في البدء والتاريخ « ٥ / ١٤٩ »: « وأما الصاعدية فهم أصحاب ابن صاعد، يجيزون خروج أنبياء بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، لأنه روى: لا نبيَّ بعدي إلا ما شاء الله »!

الصاعدية أجداد الوهابية!

قال ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه « ١ / ١٠٤ »: « ورأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصلح، وانتدب للتصنيف ثلاثة: أبوعبد الله بن حامد، وصاحبه القاضي، وابن الزاغوني، فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب!

ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام فحمَلوا الصفات على مقتضى الحسّ، فسمعوا أن الله تعالى خلق آدم على صورته، فأثبتوا له صورةً ووجهاً زائداً على الذات، وعينين وفماً ولهوات، وأضراساً وأضواء لوجهه هي السبحات، ويديْن وأصابع وكفاً، وخنصراً وإبهاماً، وصدراً وفخذاً، وساقين ورجلين. وقالوا ما سمعنا بذكر الرأس. وقالوا يجوز أن يَمُسَّ ويُمَس، ويدني العبد من ذاته!

وقال بعضهم: ويتنفس! ثم يرضون العوام بقولهم لا كما يعقل، وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات فسموها بالصفات تسميةً مبتدعة، لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى، ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث، ولم يقنعوا بأن يقولوا صفة فعل، حتى قالوا صفة ذات.

ثم، لما أثبتوا أنها صفات ذات قالوا لا نحملها على توجيه اللغة، مثل يد على نعمة وقدرة، ومجئ وإتيان على معنى بر ولطف، وساق على شدة، بل قالوا نحملها على

٥٥

ظواهرها المتعارفة، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين، والشئ إنما يحمل على حقيقته، إذا أمكن.

ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم، ويقولون: نحن أهل السنة! وكلامهم صريح في التشبيه، وقد تبعهم خلقٌ من العوام!

فقد نصحت التابع والمتبوع فقلت لهم: يا أصحابنا أنتم أصحاب نقل، وإمامكم الأكبر أحمد بن حنبل يقول وهوتحت السياط: كيف أقول ما لم يُقل! فإياكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه.

ثم قلتم في الأحاديث: تحمل على ظاهرها، وظاهر القدم الجارحة، فإنه لما قيل في عيسى روح الله اعتقدت النصارى أن لله صفة هي روحٌ ولجت في مريم! ومن قال استوى بذاته فقد أجراه مجرى الحسيات!

وينبغي أن لا يهمل ما يثبت به الأصل وهوالعقل، فإنا به عرفنا الله تعالى وحكمنا له بالقدم، فلوأنكم قلتم نقرأ الأحاديث ونسكت، ما أنكر عليكم أحد إنما حملكم إياها على الظاهر قبيحٌ، فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه.

ولقد كسيتم هذا المذهب شيناً قبيحاً، حتى صار لا يقال حنبلي إلا مجسم!

ثم زينتم مذهبكم أيضاً بالعصبية ليزيد بن معاوية، ولقد علمتم أن صاحب المذهب أجاز لعنته، وقد كان أبومحمد التميمي يقول في بعض أئمتكم: لقد شان المذهب شيناً قبيحاً، لا يغسل إلى يوم القيامة »!

ويقصد بأئمتكم أبا يعلى الموصلي، قال أبو الفداء « ٢ / ١٨٦ »: « وكان ابن التميمي الحنبلي يقول: لقد خريَ أبويعلي بن الفراء على الحنابلة خريةً لا يغسلها الماء »!

٥٦

أعطوا المتوكل لقب محي السنة، وقطب الظاهر والباطن!

ذكرت مرةً لأحد علماء الوهابية أن المتوكل كان ناصبياً يبغض علياً (ع) وكان خماراً، فاستنكر وقال: كلا، إنه عندنا محي السنة، ومذل النصارى والزنادقة!

وقال ابن كثير في النهاية « ١٠ / ٣٨٧ »: « وكان المتوكل محبباً إلى رعيته، قائماً في نصرة أهل السنة، وقد شبهه بعضهم بالصدِّيق في قتله أهل الردة، لأنه نصر الحق ورده عليهم حتى رجعوا إلى الدين، وبعمر بن عبد العزيز حين رد مظالم بني أمية. وقد أظهر السنة بعد البدعة، وأخمد أهل البدع وبدعتهم بعد انتشارها واشتهارها فرحمه الله. وقد رآه بعضهم في المنام بعد موته وهوجالس في نور، قال فقلت: المتوكل؟ قال: المتوكل. قلت: فما فعل بك ربك؟ قال: غفر لي. قلت: بماذا؟ قال: بقليل من السنة أحييتها »!

وقد اشتهر لقبه محيي السنة وتفاخر به العوام المجسمة، وتقرب اليهم الصوفية فأعطاه ابن عربي أعلى لقب في التصوف والعرفان وهو: القطب الرباني والغوث!

قال في فتوحاته المكية: ٢ / ٦، وفي الطبعة الجديد: ١١ / ٢٧٥: « وقد يسمى رجل البلد قطب ذلك البلد، وشيخ الجماعة قطب تلك الجماعة، ولكن الأقطاب المصطلح على أن يكون لهم هذا الإسم مطلقاً من غير إضافة، لا يكون منهم في الزمان إلا واحد، وهوالغوث أيضاً وهو من المقربين، وهوسيد الجماعة في زمانه. ومنهم من يكون ظاهر الحكم ويحوز الخلافة الظاهرة، كما حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والحسن، ومعاوية بن يزيد، وعمر بن عبد العزيز، والمتوكل! ومنهم من له الخلافة الباطنة خاصة ولا حكم له في

٥٧

الظاهر، كأحمد بن هارون الرشيد السبتي، وكأبي يزيد البسطامي. وأكثر الأقطاب لا حكم لهم في الظاهر »!

أقول: لا بد أن ابن عربي قرأ سيرة المتوكل من تاريخ الطبري وأمثاله، وقرأ عن فسقه وخمره، وقرأ عن تخنثه ونصبه، لكنه أصيب بعمى التقرب لمحبيه، فجعله كبير أولياء الله تعالى! وكفى بذلك طعناً في مبدئية ابن عربي وفكره!

كيف كان المتوكل يدير الدولة؟

كان النمط السائد للإدارة في العالم: أن الملك هوالمقاول الأكبر، فيختار وزيره الأول لينفذ أوامره، ويجبي الماليات من الحكام. ثم يختار حكام الولايات، ويتفق مع الواحد منهم على المبلغ السنوي عن المنطقة التي تحت يده.

فالمسألة الأولى في الحكم هي الماليات التي تصل الى الحاكم الصغير ثم الكبير. قال الطبري « ٧ / ٣٨٤ »: « كان انقطاع الحسن بن مخلد وموسى بن عبد الملك إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان وهو وزير المتوكل، وكانا يحملان إليه كل ما يأمرهما به، وكان الحسن بن مخلد على ديوان الضياع، وموسى على ديوان الخراج، فكتب نجاح بن سلمة رقعة إلى المتوكل في الحسن وموسى، يذكر أنهما قد خانا وقصرا فيما هما بسبيله، وأنه يستخرج منهما أربعين ألف ألف درهم!

فأدناه المتوكل وشاربه تلك العشية وقال: يا نجاح، خذل الله من يخذلك فبكر إليَّ غداً حتى أدفعهما إليك، فغدا وقد رتب أصحابه وقال: يا فلان خذ أنت الحسن، ويا فلان خذ أنت موسى، فغدا نجاح إلى المتوكل فلقي عبيد الله وقد

٥٨

أمر عبيد الله أن يحجب نجاح عن المتوكل، فقال له: يا أبا الفضل إنصرف حتى ننظر وتنظر في هذا الأمر، وأنا أشير عليك بأمر لك فيه صلاح. قال: وما هو؟ قال: أصلح بينك وبينهما وتكتب رقعة تذكر فيها أنك كنت شارباً، وأنك تكلمت بأشياء تحتاج إلى معاودة النظر فيها، وأنا أصلح الأمر عند أمير المؤمنين! فلم يزل يخدعه حتى كتب رقعة بما أمره به فأدخلها على المتوكل وقال: يا أمير المؤمنين قد رجع نجاح عما قال البارحة، وهذه رقعة موسى والحسن يتقبلان به بما كتبا، فتأخذ ما ضمنا عنه، ثم تعطف عليهما فتأخذ منهما قريباً مما ضمن لك عنهما، فَسُرَّ المتوكل وطمع فيما قال له عبيد الله، فقال: إدفعه إليهما، فانصرفا به وأمرا بأخذ قلنسوته عن رأسه وكانت خزاً، فوجد البرد فقال: ويحك يا حسن قد وجدت البرد، فأمر بوضع قلنسوته على رأسه وصار به موسى إلى ديوان الخراج، ووجها إلى ابنيه أبي الفرج وأبي محمد، فأُخذ أبوالفرج وهرب أبومحمد ابن بنت حسن بن شنيف، وأخذ كاتبه إسحاق بن سعد بن مسعود القطربلي وعبد الله بن مخلد المعروف بابن البواب، وكان انقطاعه إلى نجاح، فأقر لهما نجاح وابنه بنحومن مائة وأربعين ألف دينار، سوى قيمة قصورهما وفرشهما ومستغلاتهما، بسامرا وبغداد، وسوى ضياع لهما كثيرة!

فأمر بقبض ذلك كله، وضرب مراراً بالمقارع في غير موضع الضرب، نحواً من مائتي مقرعة، وغُمز وخُنق، خنقه موسى الفرانق والمعلوف.

٥٩

فأما الحارث فإنه قال: عَصَرَ خصيتيه حتى مات، فأصبح ميتاً يوم الإثنين لثمان بقين من ذي القعدة من هذه السنة، فأمر بغسله ودفنه فدفن ليلاً.

وضرب ابنه محمد وعبد الله بن مخلد، وإسحاق بن سعد نحواً من خمسين خمسين، فأقر إسحاق بخمسين ألف دينار، وأقر عبد الله بن مخلد بخمسة عشر ألف دينار، وقيل عشرين ألف دينار، وكان ابنه أحمد بن بنت حسن قد هرب فظفر به بعد موت نجاح، فحبس في الديوان وأخذ جميع ما في دار نجاح وابنه أبي الفرج من متاع، وقبضت دورهما وضياعهما حيث كانت وأخرجت عيالهما. وأخذ وكيله بناحية السواد وهوابن عياش، فأقر بعشرين ألف دينار.

وبعث إلى مكة في طلب الحسن بن سهل بن نوح الأهوازي، وحسن بن يعقوب البغدادي، وأُخذ بسببه قوم فحُبسوا. وقد ذكر في سبب هلاكه غير ما قد ذكرناه: ذُكر أنه كان يضاد عبيد الله بن يحيى بن خاقان، وكان عبيد الله متمكناً من المتوكل واليه الوزارة وعامة أعماله، وإلى نجاح توقيع العامة، فلما عزم المتوكل على بناء الجعفري، قال له نجاح وكان في الندماء وقال: يا أمير المؤمنين أسمي لك قوماً تدفعهم إليَّ حتى أستخرج لك منهم أموالاً تبني بها مدينتك هذه، فإنه يلزمك من الأموال في بنائها ما يعظم قدره ويجل ذكره؟

فقال له: سمهم، فرفع رقعة يذكر فيها موسى بن عبد الملك، وعيسى بن فرخانشاه، خليفة الحسن بن مخلد، والحسن بن مخلد، وزيدان بن إبراهيم خليفة موسى بن عبد الملك، وعبيد الله بن يحيى وأخويه عبد الله بن يحيى

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

كما جاء التعبير عن الجنّة( أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) أو ما شابه ذلك ، وهي إشارة لخلق الجنّة وأنّها مهيأة للمتقين وقد ورد هذا التعبير في موضعين من آيات القرآن «الآية ١٢٣ من سورة آل عمران والآية ٢١ من سورة الحديد».

كما ورد التعبير عن النّار بـ( أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ) في موضعين من القرآن أيضا «البقرة الآية ٢٤ وآل عمران الآية ١٣١».

فهل ستفنى الجنّة والنار في انتهاء العالم؟!

ثمّ بعد هذا كلّه فنحن نعتقد بالحياة البرزخية للإنسان ، ونستفيد ذلك من آيات القرآن في شأن الأرواح ، فهل ستفنى تلك أيضا؟!

والجواب على جميع الأسئلة يتّضح بما يلي :

إنّ كثيرا ما يتفق أن يكون المراد من الهلاك والعدم هو تخلخل النظام ودماره ، لا تلاشيه وفنائه فلو أن عمارة مثلا تهدمت بسبب الزلزلة فهنا يصدق عليها الفناء والهلاك ، في حين أنّ مواد العمارة لا تزال موجودة ، غير أن نظامها قد أختل وانعدم فحسب!.

ونعرف أن في نهاية هذا العالم ستنطفئ الشمس ، ويظلم القمر ، وتندك الجبال ، وتموت الموجودات الحيّة ، فهذا معنى هلاكها! هذا من جهة!.

ومن جهة أخرى فإنّ الفناء متعلق بهذه الدنيا ، وما في هذه الدنيا أمّا الجنّة والنّار فسواء كانتا داخل هذا العالم أو خارجه ، فليستا جزءا من هذه الدنيا ليشملهما حكم الفناء والعدم لنظامهما ، فهما متعلقتان بالآخرة لا بالدنيا!

ومن جهة ثالثة ، فإنّا ذكرنا آنفا أنّ الهلاك ـ أو الفناء ـ بالنسبة للموجودات الممكنة غير منحصر بانتهاء هذا العالم فهي هالكة وفانية الآن أيضا ، لأنّها لا تملك شيئا في داخل ذاتها ، وكل ما عندها فمن غيرها ، فهي متغيرة ودائمة الحركة ، ومعنى ذلك الفناء التدريجي والمركب من الوجود والعدم!

ومع بيان ما تقدم يتّضح الجواب على الأسئلة السابقة تماما!

٣٢١

٢ ـ التّفسير المنحرف لجملة( وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ! )

يستدل جماعة من الوهّابيين أحيانا على أن مسألة «التوسل والشفاعة» لا تنسجم مع حقيقة التوحيد ، بالآية الآنفة وآيات أخرى مشابهة لها.

إذ يقول أولئك : إنّ القرآن نهى عن عبادة غير الله بصريح العبارة ، كما نهى أن ندعو أسماء سوى الله ، إذ قال :( فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) .(١)

والحال أنّ المقصود من هذه الآيات ليس هو أن لا ندعو أشخاصا آخرين ، بل المقصود كما هو مستفاد من الآية( مَعَ اللهِ ) أي أن من يعتقد أن ما كان لله يمكن طلبه من غير الله ويراه مستقلا في إنجازه ، فإنه مشرك.

ولكننا إذا اعتقدنا بأن جميع القدرات هي خاصة بالله ، ولا نعتقد بأن أحدا معه يكون مبدأ الأثر ونعتقد بأن لله أولياء يشفعون بإذنه وأمره ، فنتوسل بهم إلى الله ليشفعوا لنا عند الله ، فهذا هو التوحيد بعينه ، وهذا هو ما أشارت إليه آيات القرآن مرارا.

ترى هل كان قول إخوة يوسف لأبيهم :( يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ) شركا؟! (سورة يوسف الآية ٩٧).

وهل ـ حين يقول القرآن :( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً ) ،(٢) يكون قول القرآن هذا دعوة نحو الشرك؟!!

إنّ حقيقة الشفاعة والتوسل ـ أيضا ـ ليس شيئا سوى ما أشرنا إليه آنفا(٣) ! ربّنا ألهم قلوبنا نور التوحيد والمعرفة ، لئلا نرى سواك ، ولا نطلب سواك ، ولا نرجو سواك!

__________________

(١) سورة الجن ، الآية ١٨.

(٢) سورة النساء ، الآية ٦٤.

(٣) لمزيد التوضيح يراجع تفسير الآية ٣٥ المائدة ، وتفسير ذيل الآية (٤٨) من سورة البقرة!

٣٢٢

اللهم وثّق ارتباطنا بذاتك المقدسة يوما بعد يوم أرواحنا تحظى بقبس من بقاء وخلود ذاتك الخالدة!

اللهم أبعد حبّ الدنيا والاستعلاء والفساد في الأرض عن أرواحنا ، واجعلنا في صفوف المتقين ،( وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) .

آمين ربّ العالمين

انتهاء سورة القصص

* * *

٣٢٣
٣٢٤

سورة

العنكبوت

مكيّة

وعدد آياتها تسع وستون آية

٣٢٥
٣٢٦

«سورة العنكبوت»

محتوى سورة العنكبوت!

المشهور بين جمع من المحققين أنّ جميع آيات هذه السورة نازلة بمكّة ، فيكون محتواها منسجما مع محتوى السور المكية.

إذ ورد فيها الكلام على المبدأ والمعاد ، وقيام الأنبياء السابقين العظام ، ووقوفهم بوجه المشركين وعبدة الأصنام والجبابرة والظالمين ، وانتصارهم وانهزام هذه الجماعة الظالمة! وكذلك تتحدث هذه السورة عن الدعوة الى الحق والامتحان الالهي للبشر ، وذرائع الكفار في مجالات مختلفة.

غير أنّ جماعة من المفسّرين يرون بأن إحدى عشرة آية منها نازلة بالمدينة ، وهي الآيات الأولى من السورة ، ولعلّ ذلك ـ كما سنرى ـ ناتج عن سبب نزول بعض الآيات التي تتحدث عن الجهاد ، والإشارة إلى موضوع المنافقين ، وهذا ما يناسب السور المدنية!.

ولكن سنرى بعدئذ أنّ هذه الأمور لا تنافي كون السورة مكيّة.

وعلى كل حال ، فتسمية السورة هذه بـ «العنكبوت» مأخوذة من الآية (٤١) من هذه السورة ، التي تشبّه عبدة الأوثان من دون الله بالعنكبوت ، التي تبني بيتها من نسيجها ، وهو أوهن البيوت!!.

وبصورة إجمالية ، يمكن أن يقال : إن أبحاث هذه السورة تتلخص في أربعة أقسام :

١ ـ فالقسم الأوّل من السورة يتحدث عن مسألة «الامتحان» ، وموضوع

٣٢٧

«المنافقين» ، وهذان الأمران متلازمان لا يقبلان الانفكاك!! لأنّ معرفة المنافقين غير ممكنة إلّا في طوفان الامتحانات.

٢ ـ والقسم الثّاني من هذه السورة ـ في الحقيقة ـ هو لتسلية قلب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والمؤمنين القلّة الأوائل ، عن طريق بيان جوانب من حياة الأنبياء العظام السابقين ، أمثال نوح وإبراهيم ولوط وشعيبعليهم‌السلام وعواقبهم!. إذ واجهوا أعداء ألدّاء أمثال نمرود وطواغيت المال البخلاء.

وقد بيّن هذا القسم من السورة كيفية المواجهة ، وعدّتها ، وعاقبتها للمؤمنين لتطمئن قلوبهم ، ولتكون هذه الآيات إنذارا للمشركين وعبدة الأوثان ، الذين لهم قلوب كالحجارة أو أشدّ قسوة ، والظالمين الذين عاصروا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣ ـ والقسم الثّالث من هذه السورة ، وهو ما ورد في نهاية السورة بوجه خاص ، يتحدث عن التوحيد ودلائل الله في عالم خلقه ، والمواجهة مع المشركين ، ويدعوا الفطرة والوجدان إلى الاحتكام والقضاء الحق!.

٤ ـ أمّا القسم الرّابع من هذه السورة ، ففيه مباحث متنوعة عن عجز الأصنام المصنوعة التي تعبد من دون الله ، وعبادها الذين مثلهم كمثل العنكبوت ، وبيان عظمة القرآن ، ودلائل حقانية نبيّ الإسلام ، ولجاجة المخالفين ، كما تتعرض لسلسلة من المسائل التربوية أمثال : الصلاة ، والعمل الصالح ، والإحسان إلى الوالدين ، وأسلوب مناقشة المخالفين ، وما إلى ذلك.

فضيلة هذه السورة!

ورد في تفسير مجمع البيان عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله في فضيلة هذه السورة ما يلي : «من قرأ سورة العنكبوت كان له عشر حسنات بعدد كل المؤمنين والمنافقين».

ولتلاوة سورتي العنكبوت والروم في شهر رمضان في الليلة الثّالثة

٣٢٨

والعشرين منه فضيلة قصوى ، حتى أنّنا نقرأ في هذا الصدد حديثا للإمام الصادقعليه‌السلام يقول : «من قرأ سورة العنكبوت والروم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين فهو والله من أهل الجنّة ، لا استثنى فيه أبدا ولا أخاف أن يكتب الله علي في يميني إثما ، وإن لهاتين السورتين من الله مكانا».(١)

ولا شك أن محتوى هاتين السورتين الغزير ، والدروس العملية المهمّة منها في التوحيد ، وما إلى ذلك ، كلّه كاف لأن يسوق أيّ إنسان ذي لب وفكر وعمل إلى الجنّة والخلود فيها.

بل لو استلهمنا من بداية سورة العنكبوت وآياتها الأولى العظة فلعلنا نكون مشمولين في قسم الإمام الصادقعليه‌السلام تلك الآية التي تعرض الامتحان لعامّة الناس دون استثناء ليفتضح المبطلون والكاذبون فكيف يمكن أن يصدّق الإنسان بهذا الامتحان العظيم وهو لم يهيء نفسه له!؟. ولم يكن من أهل التقوى والورع!

* * *

__________________

(١) «ثواب الأعمال» «طبقا لتفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١٤٧» من الجدير بالذكر أنّنا نكتب هذا القسم من هذا التّفسير في بداية ليلة ٢٣ من شهر رمضان لسنة ١٤٠٣ هجرية

٣٢٩

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣) )

سبب النّزول

طبقا لما نقل بعض المفسّرين ، أنّ الآيات الإحدى عشرة الأولى من بداية سورة العنكبوت نزلت في المدينة في شأن المسلمين الذين كانوا في مكّة وغير راغبين بالهجرة إلى المدينة وكانوا قد تلقوا رسائل من إخوة لهم في المدينة جاء فيها : «إن الله لا يقبل إقراركم بالإيمان حتى تهاجروا إلى المدينة» فصمموا على الهجرة وخرجوا من مكّة ، فتبعهم جماعة من المشركين والتحموا بالقتال فقتل منهم جماعة وجرح آخرون «وربّما سلّم بعضهم نفسه ورجعوا إلى مكّة».

وقال بعض : إنّ الآية الثّانية من هذه السورة في شأن «عمار بن ياسر» وجماعة من المسلمين الأوائل ، الذين آمنوا برسالة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولاقوا صنوف التعذيب من الأعداء.

كما قال بعضهم : إنّ الآية الثامنة نزلت في إسلام «سعد بن أبي وقاص»!

غير أنّ التدقيق في الآيات يكشف عن أنّه لا دليل على ارتباط الآيات مع

٣٣٠

هجرة أولئك ، سوى أنّ الآيات تبيّن الضغوط على المؤمنين في ذلك الوقت من قبل أعدائهم وأحيانا من الآباء المشركين والأمهات المشركات ضدّ أبنائهم المؤمنين.

فهذه الآيات تشجّع المسلمين على الثبات والرجولة والاستقامة أمام أمواج الضغوط من قبل الأعداء وإذا ورد الحديث فيها على الجهاد فالمراد منه ـ أيضا ـ الجهاد في هذا المجال ، لا الجهاد المسلّح الذي تقوم به الجماعة ، فذلك شرّع في المدينة.

وإذا ورد الحديث عن المنافقين في هذه الآيات ، فلعلّه إشارة إلى المسلمين الضعاف في إيمانهم ، الذي كان يتفق وجودهم بين المسلمين في مكّة أحيانا فتارة هم مع المسلمين وتارة مع المشركين ، وكانوا يميلون مع الكفة الراجحة منهما.

وعلى كل حال ، فارتباط الآيات بعضها ببعض وانسجامها توجب أن تكون هذه السورة «جميعها» مكية ، وما ذكرناه من الرّوايات المتقدمة المتناقضة في ما بينها ، لا يمكن أن تقطع هذا الارتباط!

* * *

التّفسير

الامتحان الإلهي سنة خالدة :

نواجه في بداية هذه السورة الحروف المقطعة [ألف ـ لام ـ ميم] أيضا وقد بيّنا تفسيرها عدة مرات من وجوه مختلفة(١) .

وبعد هذه الحروف المقطعة يشير القرآن إلى واحدة من أهم مسائل الحياة البشرية ، وهي مسألة الشدائد والضغوط والامتحان الإلهي.

__________________

(١) يراجع بداية تفسير سورة البقرة وبداية سورة آل عمران وبداية تفسير سورة الأعراف من التّفسير الأمثل.

٣٣١

فيقول أوّلا :( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) .(١) ثمّ يذكر القرآن هذه الحقيقة ـ بعد الآية المتقدمة مباشرة ، وهي أن الامتحان سنة الهية دائمية ، فالامتحان لا يختص بكم ـ أيّها المسلمين ـ بل هو سنة جارية في جميع الأمم المتقدمة ، إذ يقول :( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) .

وهكذا ألقينا بهم أيضا في أفران الامتحانية الشديدة الصعبة ووقعوا أيضا ـ تحت تأثير ضغوط الأعداء القساة والجهلة المعاندين فساحة الامتحان كانت مفتوحة دائما ، واشترك فيها جماعة كثيرون.

وينبغي أن يكون الأمر كذلك ، لأنّه في مقام الادعاء يمكن لكل أحد أن يذكر عن نفسه أنّه أشرف مجاهد وأفضل مؤمن وأكثر الناس تضحية فلا بدّ من معرفة قيمة هذه الادعاءات بالامتحان ، وينبغي أن تعرف النيات والسرائر إلى أي مدى تنسجم مع هذه الادعاءات.؟!

أجل( فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ ) .

من البديهي أنّ الله يعرف جميع هذه الأمور جيدا ـ قبل أن يخلق الإنسان ـ إلّا أنّ المراد من العلم هنا هو التحقق العيني للمسائل ووجودها الخارجي ، وبتعبير آخر : ظهور الآثار والشواهد العملية ومعناه أنّه ينبغي أن يرى علم الله في هذه المجموعة عمليا في الخارج ، وأن يكون لها تحقق عيني ، وأن يكشف كلّ عمّا في نفسه وداخله هذا هو العلم حين يطلق على مثل هذه المسائل وينسب إلى الله!.

والدليل على هذه المسألة واضح ـ أيضا ـ لإنّ النيّات والصفات الباطنية إذا لم تحقق في عمل الإنسان وتكون عينيّة ، فلا مفهوم للثواب والجزاء والعقاب!.

وبعبارة أخرى : فإنّ هذا العالم مثله كمثل «المدرسة» أو «المزرعة»

__________________

(١) «يفتنون» مشتق من «الفتنة» وهي في الأصل وضع الذهب في النّار لمعرفة مقدار خلوصه ، ثمّ أطلق هذا التعبير على كل امتحان ظاهري ومعنوي «لمزيد الإيضاح يراجع تفسير الآية (١٩٣) من سورة البقرة».

٣٣٢

(والتشبيهات هذه واردة في متون الأحاديث الإسلامية) والمنهج هو أن تتفتح الاستعدادات وتربّى القابليات وتكون فعلية بعد ما كانت بالقوّة.

وينبغي أن تنمو البذور في هذه المدرسة وأن تطلع البراعم من تحت الأرض فتحاط بالرعاية والعناية لتكون شجيرات صغيرة ، ثمّ تكون أشجارا ذوات أصول قوية وأغصان ومثمرّة على تعاقب الزمن وهذه الأمور لا تكون إلّا بالامتحان والاختبار.

ومن هنا نعرف أن الامتحانات الإلهية ليست لمعرفة الأفراد ، بل هي من أجل تربية الاستعدادات ورعايتها ، لتتفتح وتكون بصورة أحسن.

فعلى هذا لو أردنا نحن أن نمتحن شيئا ، فهو لأجل كشف المجهول ، لكنّ امتحان الله ليس لكشف المجهول ، لأنّه أحاط بكل شيء علما بل هو لتربية الاستعدادات وإيصال مرتبة «القوة» إلى «الفعل»(١) .

* * *

بحث

الامتحانات في وجوه مختلفة :

وبالرّغم من أن بيان عمومية الامتحان لجميع الأمم والأقوام كان له أثر كبير فعّال بالنسبة لمؤمني مكّة ، الذين كانوا يمثلون الأقلية في ذلك العصر ، وكان التفاتهم إلى هذه الحقيقة سببا في وقوفهم بوجه الأعداء بصبر واستقامة إلّا أن ذلك لم يكن منحصرا في مؤمني مكّة ، بل إن كل جماعة وطائفة لها نصيب من هذه السنة الإلهية فهم شركاء فيها ، إلّا أن الامتحانات الإلهية لهم تأتي بصور مختلفة.

__________________

(١) لمزيد الإيضاح في مسألة الامتحان الإلهي وجوانبها المختلفة ، يراجع التّفسير الأمثل ذيل الآية (١٥٧) من سورة البقرة حيث بيّناه بتفصيل!

٣٣٣

فالجماعة الذين يعيشون في محيط ملوث بالمفاسد والوساوس تحيط بهم من كل جانب ، فإن امتحانهم الكبير في مثل هذا الجو والظروف ، هو أن لا يتأثروا بلون المحيط وأن يحفظوا أصالتهم ونقاءهم.

والجماعة الذين يعيشون تحت ضغط الحرمان والفقر ، يرون بأنّهم لو صمموا على ترك رأس مالهم الأصيل «الإيمان» فإنّهم سرعان ما يتخلصوا من الفقر والحرمان لكن ثمن ذلك هو فقدانهم للإيمان والتقوى والكرامة والحرية والشرف ، فهنا يكمن امتحانهم

وجماعة آخرون على عكس أولئك غرقى في اللذائذ والنعم ، والإمكانات المادية متوفرة لديهم من جميع الوجوه ترى هل يؤدون في مثل هذه الظروف الشكر على النعم أم سيبقون غرقى في اللذائذ والغفلة وحب الذات والأنانية غرقى الشهوات والاغتراب عن المجتمع وعن أنفسهم!

وجماعة منهم كالمتغربين في عصرنا ، يرون بعض الدول بعيدة عن الله والفضيلة والأخلاق حقّا ، ولكنّها تتمتع بالتمدن المادي المذهل والرفاه الاجتماعي. هنا تجذب هؤلاء المتغرّبين قوّة خفية إلى سلوك هذا النوع من الحياة أو سحق جميع القيم والأصول والأعراف التي يعتقدون بها ، ويبيعون أنفسهم أذلاء عملاء لتلك الدول ، ليوفروا لهم ولمجتمعهم مثل هذه الحياة وهذا نوع آخر من الامتحان.

المصائب ، والآلام والهموم ، والحروب والنزاعات ، والقحط والغلاء ، وما تثيره الحكومات الأنانية لتجذبهم إليها وتستعبدهم به وأخيرا الأمواج النفسية القوية والشهوات ، كلّ منها وسيلة للامتحان في طريق عباد الله ، والسائرين في الميادين التي تتميز فيها شخصية الأفراد وتقواهم وإيمانهم وطهارتهم وأمانتهم وحريتهم إلخ.

ولكن لا طريق للانتصار في هذه الامتحانات الصعبة لاجتيازها إلّا الجدّ

٣٣٤

السعي المستمر ، والاعتماد على لطف الله سبحانه.

ومن الطريف أنّنا نقرأ حديثا عن أحد المعصومين في أصول الكافي في تفسير الآية( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) يقول فيه : «يفتنون كما يفتن الذهب ، ثمّ قال يخلصون كما يخلص الذهب»(١) .

وعلى كل حال ، فإن طالبي العافية الذين يظنون أنّ إظهار الإيمان كاف بهذا المقدار ليكونوا في صفوف المؤمنين وفي أعلى عليين في الجنّة مع النّبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، فهم في خطأ كبير.

وعلى حدّ تعبير أمير المؤمنينعليه‌السلام في نهج البلاغة : «والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة ، ولتساطن سوط القدر حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم»(٢) .

قالعليه‌السلام : هذا الكلام والناس جديد وعهد ببيعته ، وينتظرون ما سيفعل ببيت المال ، أيقسمه حسب الجاه والمقامات بحسب المعايير السابقة ، فيبعّض في المال ، فيعطى الكثير لبعضهم بحسب المقام ، والقليل للبعض الآخر! أم سيسير معهم بالعدل المحمّدي؟

* * *

__________________

(١) أصول الكافي ، طبقا لما نقل في تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١٤٨.

(٢) نهج البلاغة ، خطبة ١٦.

٣٣٥

الآيات

( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤) مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧) )

التّفسير

لا مهرب من سلطان الله :

كان الكلام في الآيات السابقة عن امتحان المؤمنين الشامل ، والآية الأولى من الآيات أعلاه تهديد شديد للكفار والمذنبين ، لئلا يتصوروا أنّهم حين يضيّقون على المؤمنين ويضغطون عليهم ولا يعاقبهم الله فورا ، فإنّ الله غافل عنهم أو عاجز عن عذابهم ، تقول الآية هذه :( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ ) .

فلا ينبغي أن يغرّهم إمهال الله إيّاهم فهو امتحان لهم ، كما أنّه فرصة للتوبة

٣٣٦

والعودة إلى ساحة الله تعالى.

وما ذهب إليه بعض المفسّرين من أنّ هذه الآية هي إشارة إلى المؤمنين المذنبين ، فلا يناسب هذا التّفسير سياق الآيات بأي وجه ، بل جميع القرائن تدل على أنّ المقصود بالآية هم المشركون والكفار.

ثمّ يتحدث القرآن مرّة أخرى عن سير المؤمنين ومناهجهم ، ويقدم النصح لهم ، فيقول:( مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ ) فعليه أن يعمل ما في وسعه على امتثال الأوامر الإلهية والأحكام الشرعية ، لأنّ الوقت المعيّن سيأتي حتما( فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ ) (١) .

أجل ، إنّ وعد الله هذا لا يقبل التخلّف ، هو طريق لا بدّ من اجتيازه ، ثمّ إنّ الله سبحانه يسمع أحاديثكم ، وهو مطلع على أعمالكم ونيّاتكم لأنّه( هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) .

وفي معنى قوله تعالى :( لِقاءَ اللهِ ) وما المقصود منه؟ فسّره بعض المفسّرين بملاقاة الملائكة ، كما فسّره البعض بملاقاة الحساب والجزاء وبعض بملاقاة الحكم وأمر الحق وآخرون بأنّه كناية عن يوم القيامة في حين أنّه لا دليل على أن تفسّر هذه الآية بهذه المعاني المجازية.

وينبغي القول أن «لقاء الله» في يوم القيامة ليس لقاء حسيّا بل نوعا من الشهود الباطني ، لأنّ الستائر الضخمة لعالم المادة تنكشف عن عين روح الإنسان ، وتبدو في حالة الشهود للإنسان!

وكما يقول العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان : إنّ المقصود من لقاء الله ، هو أنّ العباد يكونون في موقف لا يكون بينهم وبين الله حجاب ، لأنّ طبيعة يوم القيامة هي ظهور الحقائق كما يقول القرآن :( وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ )

__________________

(١) هذه الجملة ـ في الحقيقة ـ فيها حذف ، والتقدير «من كان يرجو لقاء الله فيبادر بالطاعة قبل أن يلحقه الأجل» أو «من كان يرجو لقاء الله ويقول آمنت بالله فليقله مستقيما صابرا عليه فإنّ أجل الله لآت».

٣٣٧

سورة النور الآية ٢٥(١) .

أمّا الآية التي تليها ، فهي ـ في الحقيقة ـ تعليل لما سبق بيانه في الآية الآنفة ، إذ تقول : إن على المؤمنين الذين يرغبون في لقاء الله السعي بما أوتوا من قدرة وقابلية من أجل ذلك فإن نتيجة كل ذلك السعي والجهاد وتحمل الشدائد ترجع ثمارها للعامل نفسه :( وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ) .

إن خطة الامتحان الالهي هي الجهاد ، جهاد النفس وهواها ، وجهاد الأعداء الألداء ، لحفظ الإيمان والتقوى والطهارة ، ونفع ذلك يعود للإنسان وإلّا فإنّ الله وجود غير متناه من جميع الوجوه ، وغير مفتقر لأي شيء حتى يتم بواسطة طاعة الناس أو عبادتهم جبرانه ، ولا ينقصه شيء حتى يكمله الآخرون ، فكل ما عندهم فمنه ، وليس لهم شيء من أنفسهم!.

ويتّضح هنا من هذا البيان أن الجهاد لا يعني بالضرورة جهاد العدوّ المسلّح ، بل يحمل معناه اللغوي الذي يشمل كل أنواع السعي والجد لحفظ الإيمان والتقوى ، وتحمل أنواع الشدائد ، والمواجهات «الموضعية» للأعداء الألدّاء والحاقدين.

والخلاصة أنّ جميع منافع هذا الجهاد ترجع للشخص المجاهد نفسه ، وهو الذي يفوز بخير الدنيا والآخرة في جهاده ، وحتى إذا كان المجتمع يستفيد من بركات هذا الجهاد ، فهو في مرحلة أخرى بعده.

فعلى هذا ، متى ما وفّق أي إنسان إلى الجهاد فنال نصيب منه ، فعليه أن يشكر الله على هذه النعمة!.

وآخر آية ـ محل البحث ـ توضيح لما تقدم ذكره في الآية السابقة بشكل مبهم تحت عنوان الجهاد ، فهنا يكشف القرآن حقيقة الجهاد فيقول :( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ ) .

__________________

(١) بحثنا المراد من لقاء الله في الجزء الأوّل ذيل الآية (٤٦) من سورة البقرة فليراجع هناك أيضا.

٣٣٨

إذن أوّل فائدة كبيرة لهذا الجهاد الكبير وهو الإيمان والعمل الصالح هي تكفير الذنوب وسترها على الإنسان ، كما أن الثواب سيكون من نصيبهم ، كما يقول القرآن في نهاية هذه الآية أيضا :( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ ) .

كلمة «نكفّر» مشتقة من مادة «تكفير» ومعناها في الأصل التغطية والستر ، والمقصود بتغطية الذنوب هنا عفو الله وصفحه!

والتعبير بـ( أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ ) مع أن الله يجزي على الأعمال الصالحة ـ حسنة كانت أم أحسن لعله إشارة إلى أنّنا نجازي جميع أعمالهم الصالحة والحسنة بأحسن الجزاء ، أي إذا كانت بعض أعمالهم أحسن وبعضها حسنا ، فنحاسب الجميع بالأحسن ، وهذا هو معنى تفضل الله سبحانه.

وفي آيات أخرى من القرآن ، كالآية (٣٨) من سورة النور وردت الإشارة إلى ذلك أيضا( لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) .

* * *

٣٣٩

الآيتان

( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩) )

سبب النّزول

وردت روايات مختلفة في شأن نزول الآية الآنفة الذكر ، ومضمون الجميع واحد وهي أنّ بعض الرجال الذين كانوا في مكّة وأسلموا(١) ، حين سمعت أمهاتهم بذلك صممن على أن لا يتناولن طعاما ولا يشربن ماء حتى يرجع أبناؤهن عن الإسلام ، وبالرغم من أن أية واحدة من هؤلاء الأمهات لم تف بقولها ، ورجعت عن إضرابها عن الطعام ، إلّا أنّ الآية المتقدمة نزلت لتوضح للجميع أسلوب المعاملة بين الأبناء والآباء والأمهات ، في مجال الكفر والإيمان.

__________________

(١) ورد في بعض الروايات اسم (سعد بن أبي وقاص) وفي بعضها اسم (عياش بن أبي ربيعة المخزومي).

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477