الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام12%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158207 / تحميل: 6981
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

سميعا قريبا انه معكم.

١٦٣ ـ في أصول الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام انه قال: ودعاء التضرع ان تحرك إصبعك السبابة مما يلي وجهك وهو دعاء الخيفة، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٦٤ ـ في مصباح الشريعة قال الصادقعليه‌السلام : واستعن بالله في جميع أمورك متضرا إليه آناء الليل والنهار، قال الله تعالى:( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) والاعتداء من صفة قراء زماننا هذا وعلامتهم.

١٦٥ ـ في روضة الكافي باسناده إلى ميسر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلت: قول اللهعزوجل :( وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ) قال: فقال: يا ميسر ان الأرض كانت فاسدة فأصلحها اللهعزوجل بنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:( وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ) .

١٦٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم( وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ) قال: إصلاحها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام ، فأفسدوها حين تركوا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قوله:( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ) وهو مثل الائمةعليهم‌السلام يخرج علمهم بإذن ربهم والذي خبث مثل لاعدائهم لا يخرج علمهم إلّا نكدا أي كذبا فاسدا.

١٦٧ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب عن محاسن البرقي، قال عمرو بن العاص للحسينعليه‌السلام : ما بال لحاكم أوفر من لحانا؟ فقالعليه‌السلام :( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً ) .

١٦٨ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام : وبشر آدم بنوحعليه‌السلام فقال ان الله تبارك وتعالى باعث نبيا إسمه نوحعليه‌السلام ، وانه يدعو إلى الله عز ذكره ويكذبه قومه فيهلكهم الله بالطوفان وكان بين آدم وبين نوحعليهما‌السلام عشرة آباء أنبياء وأوصياء كلهم، وأوصى آدمعليه‌السلام إلى هبة الله ان من أدركه

٤١

منكم فليؤمن به وليتبعه وليصدق به فانه ينجو من الغرق، ثم آدمعليه‌السلام مرض المرضة التي مات فيها إلى قوله: ثمّ إنَّ هبة الله لما دفن أباه أتاه قابيل فقال: يا هبة الله اني قد رأيت أبي آدم قد خصك من العلم بما لم أخص به أنا وهو العلم الذي دعا به أخوك هابيل فتقبل قربانه، وانما قتلته لكيلا يكون له عقب فيفتخرون على عقبى فيقولون نحن أبناء الذي تقبل قربانه وأنتم أبناء الذي ترك قربانه فانك ان أظهرت من العلم الذي اختصك به أبوك شيئا قتلتك كما قتلت أخاك هابيل، فلبث هبة الله والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والايمان والاسم الأكبر وميراث النبوة وآثار علم النبوة حتى بعث الله نوحا صلى الله عليه وظهرت وصية هبة الله حين نظروا في وصية آدمعليه‌السلام ، فوجدوا نوحا نبيا قد بشر به آدمعليه‌السلام فآمنوا به واتبعوه وصدقوه. وكان آدمعليه‌السلام وصّى هبة الله ان يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يوم عيدهم، ويتعاهدون نوحا وزمانه الذي يخرج فيه، وكذلك جاء في وصية كل نبي حتى بعث الله محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانما عرفوا نوحا بالعلم الذي عندهم، وهو قول اللهعزوجل :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إلى قَوْمِهِ ) إلى آخر الآية وكان من بين آدم ونوحعليهما‌السلام من الأنبياء مستخفين ولذلك خفي ذكرهم في القرآن، فلم يسموا كما سمى من استعلن من الأنبياءعليهم‌السلام .

١٦٩ ـ في مجمع البيان روى الشيخ أبو جعفر بن بابويه باسناده في كتاب النبوة مرفوعا إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لما ان بعث اللهعزوجل نوحا دعا قومه علانية فلما سمع عقب هبة الله من نوح تصديق ما في أيديهم من العلم وعرفوا ان العلم الذي في أيديهم هو العلم الذي جاء به نوحعليه‌السلام صدقوه وسلموا له، فاما ولد قابيل فإنهم كذبوه وقالوا: إنّ الجن كانت قبلنا، فبعث الله إليهم ملكا فلو أراد الله أن يبعث إلينا لبعث إلينا ملكا من الملائكة. قال مؤلف هذا الكتاب: ستسمع في سورة هود لقصة نوحعليه‌السلام مزيد بيان إنشاء الله تعالى.

١٧٠ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى علي بن سالم عن أبيه قال :

٤٢

قال الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام لما حضرت نوحاعليه‌السلام الوفاة دعا الشيعة فقال لهم: اعلموا أنّه سيكون من بعدي غيبة يظهر فيها الطواغيت، وان اللهعزوجل سيفرج عنكم بالقائم من ولدي إسمه هود له سمت(١) وسكينة ووقار، يشبهني في خلقي وخلقي.

١٧١ ـ وباسناده إلى عبد الحميد بن أبي الديلم عن الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمدعليهما‌السلام قال: لما بعث اللهعزوجل هوداعليه‌السلام سلم له العقب من ولد سام واما الآخرون فقالوا:( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ) فاهلكوا بالريح العقيم، وأوصاهم هودعليه‌السلام وبشرهم بصالحعليه‌السلام .

١٧٢ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام : وبشر نوح ساما بهودعليهما‌السلام ، فكان فيما بين نوح وهود من الأنبياءعليهم‌السلام وقال نوحعليه‌السلام : إنّ الله باعث نبيا يقال له هود، وانه يدعو قومه إلى اللهعزوجل فيكذبونه، وان اللهعزوجل مهلكهم بالريح، فمن أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه فان اللهعزوجل ينجيه من عذاب الريح، وأمر نوحعليه‌السلام ابنه ساما ان يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يومئذ عيدا لهم، فيتعاهدون فيه ما عندهم من العلم والايمان والاسم الأكبر ومواريث العلم وآثار علم النبوة فوجدوا هودا نبيا وقد بشر به أبوهم نوحعليه‌السلام فآمنوا به واتبعوه وصدقوه، فنجوا من عذاب الريح وهو قول اللهعزوجل ( وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً ) وقولهعزوجل :( كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ ) .

١٧٣ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى محمد بن الفضل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقرعليهم‌السلام حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : وان الأنبياء بعثوا خاصة وعامة، اما هود فانه أرسل إلى عاد بنبوة خاصة.

__________________

(١) السمت: حسن النحو في مذهب الدين، يقال فلان حسن السمت أي حسن القصد والمذهب في دينه ودنياه.

٤٣

١٧٤ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي «رحمه‌الله » عن علي بن الحسينعليهما‌السلام حديث طويل وفيه: ولقد علمت صاحبة الجدب(١) والمستحفظون من آل محمّد ان أصحاب الجمل وأصحاب صفين وأصحاب النهروان لعنوا على لسان النبي الأميصلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ) ، فقال شيخ من أهل الكوفة: يا علي بن الحسين ان جدك كان يقول: إخواننا بغوا علينا؟ فقال علي بن الحسين: اما تقرء كتاب الله:( وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً ) فهم مثلهم نجا اللهعزوجل هودا والذين معه وأهلك عادا بالريح العقيم.

١٧٥ ـ في تفسير العيّاشي وقال سليمان: قال سفيان: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام :

[ما] يجوز أن يزكى الرجل نفسه؟ قال: نعم إذا اضطر إليه، أما سمعت قول يوسف:( اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) وقول العبد الصالح و( أَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ ) .

١٧٦ ـ في مجمع البيان: ( وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً ) وقال أبو جعفرعليه‌السلام : كانوا كأنهم النخل الطوال، وكان الرجل منهم ينجو الجبل بيده فيهدم منه قطعة.

١٧٧ ـ وفيه وروى أبو حمزة الثمالي عن سالم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ان الله تبارك وتعالى بيت ريح يقفل عليه، لو فتحت لأذرت(٢) ما بين السماء والأرض، ما أرسل على قوم عاد إلّا قدر الخاتم، وكان هود وصالح وشعيب وإسماعيل ونبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله يتكلمون بالعربية.

١٧٨ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن محمد بن جمهور عن عبد الله بن عبد الرحمان عن الهيثم بن واقد عن أبي يوسف البزاز قال تلا أبو عبد اللهعليه‌السلام هذه الآية( فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ ) قال: أتدري ما آلاء الله؟ قلت: لا قال: هي أعظم نعم الله على خلقه وهي ولايتنا.

١٧٩ ـ في تفسير العيّاشي عن أحمد بن محمد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: سمعته يقول: ما أحسن الصبر وانتظار الفرج، اما سمعت قول العبد الصالح

__________________

(١) كذا في النسخ والمصدر ولعله كناية.

(٢) أذرته الريح اذراء: أطارته وأذهبته.

٤٤

( إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ) .

١٨٠ ـ عن يحيى بن المساور الهمداني عن أبيه جاء رجل من أهل الشام إلى علي بن الحسينعليهما‌السلام فقال: أنت علي بن الحسين؟ قال: نعم قال أبوك الذي قتل المؤمنين؟ فبكى علي بن الحسينعليه‌السلام ثم مسح عينيه فقال: ويلك كيف قطعت على أبي أنّه قتل المؤمنين؟ قال: قوله: إخواننا قد بغوا علينا فقاتلناهم على بغيهم فقال: ويلك اما تقرء القرآن؟ قال: بلى، قال فقد قال الله:( وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً ،وإلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً ) فكانوا إخوانهم في دينهم أو في عشيرتهم؟ قال له الرجل لا بل عشيرتهم، قال: فهؤلاء إخوانهم في عشيرتهم وليسوا إخوانهم في الدين، قال: فرجت عنى فرج الله عنك.

١٨١ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقرعليه‌السلام حديث طويل وفيه ان الأنبياء بعثوا خاصة وعامة، اما صالح فانه أرسل إلى ثمود وهي قرية واحدة وهي لا تكمل أربعين بيتا على ساحل البحر صغيرة.

١٨٢ ـ في مجمع البيان ( وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً ) يروى انهم لطول أعمارهم يحتاجون إلى ان ينحتوا في الجبال بيوتا لان السقوف والابنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم.

١٨٣ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى زيد الشحام عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ صالحاعليه‌السلام غاب عن قومه زمانا وكان يوم غاب عنهم كهلا مبدح البطن(١) حسن الجسم، وافر اللحية خميص البطن خفيف العارضين مجتمعا ربعة(٢) من الرجال، فلما رجع إلى قومه لم يعرفوه بصورته فرجع إليهم وهم على ثلث طبقات: طبقة جاحدة لا ترجع أبدا، واخرى شاكة فيه، واخرى على يقين، فبدأعليه‌السلام حين رجع بالطبقة الشاكة فقال لهم: انا صالح

__________________

(١) المبدح بمعنى الموسع وفي المصدر: «مبدح واسع البطن»

(٢) أي لا بالطويل ولا بالقصير بل بينهما.

٤٥

فكذبوه وشتموه وزجروه، وقالوا برى الله منك ان صالحا كان في غير صورتك قال. فأتى الجحاد فلم يسمعوا منه القول ونفروا منه أشد النفور، ثم انطلق إلى الطبقة الثالثة وهم أهل اليقين فقال لهم: أنا صالح، فقالوا: أخبرتنا خبرا لا نشك فيه معه انك صالح، فانا لا نمترى ان الله تبارك وتعالى الخالق ينقل ويحول في أي صورة شاء وقد أخبرنا وتدارسنا فيما بيننا بعلامات القائم إذا جاء، وانما يصح عندنا إذا أتى الخبر من السماء، فقال لهم: أنا صالح الذي أتيتكم بالناقة، فقالوا صدقت وهي التي نتدارس فما علامتها؟ فقال:( لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ) ، قالوا: آمنا بالله وبما جئتنا به، فعند ذلك قال تبارك وتعالى:( أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ ) فقال: أهل اليقين( إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ) وهم الشكاك( إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ ) قلت: هل كان فيهم ذلك اليوم عالم به؟: قال الله اعدل من أن يترك الأرض بلا عالم يدل على اللهعزوجل ، ولقد مكث القوم بعد خروج صالحعليه‌السلام سبعة أيام على فترة لا يعرفون إماما غير انهم على ما في أيديهم من دين اللهعزوجل كلمتهم واحدة، فلما ظهر صالحعليه‌السلام اجتمعوا عليه وانما مثل القائمعليه‌السلام مثل الصالح.

١٨٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ ) يقول: مصدق ومكذب، قال الكافرون منهم: «أتشهدون( أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ ) قال المؤمنون انما( بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ) قال الكافرون منهم( إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ ) .

١٨٥ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي روى موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن عليعليهم‌السلام قال: إنّ يهوديا من يهود الشام وأحبارهم قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام : فان هذا صالحا أخرج الله له ناقة جعلها لقومه عبرة، قال عليٌّعليه‌السلام : لقد كان كذلك ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى ما هو أفضل من ذلك، إنّ ناقة صالح لم تكلّم صالحا ولم تناطقه ولم تشهد له بالنبوة، ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بينما نحن معه في بعض غزواته إذا هو ببعير قد دنا ثمّ رقا فأنطقه اللهعزوجل ، ثمّ قال: يا رسول الله انّ فلانا استعملني حتى

٤٦

كبرت ويريد نحرى فانا أستعيذ بك منه، فأرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صاحبه فاستوهبه منه فوهبه له وخلاه، ولقد كنا معه فاذا نحن بأعرابي معه ناقة يسوقها وقد استسلم للقطع لما زور عليه من الشهود، فنطقت الناقة فقالت: يا رسول الله انّ فلانا منيّ برىء وانّ الشهود يشهدون عليه بالزور وانّ سارقي فلان اليهودي.

١٨٦ ـ في كتاب الخصال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ذات يوم ـ وهو آخذ بيد علي بن أبي طالبعليه‌السلام ـ وهو يقول: يا معشر الأنصار يا معشر بنى هاشم يا معشر بنى عبد المطلب انا محمد رسول الله إلّا انى خلقت من طينة مرحومة في أربعة من أهل بيتي: انا وعلى وحمزة وجعفرعليهم‌السلام فقال قائل: يا رسول الله هؤلاء معك ركبان يوم القيامة؟ فقال: ثكلتك أمك انه لن يركب يومئذ إلّا اربعة: أنا وعليٌّ وفاطمة وصالح نبي الله، فاما أنا فعلى البراق، واما فاطمة ابنتي فعلى ناقة العضباء، واما صالح فعلى ناقتي التي عقرت، وأمّا عليٌّعليه‌السلام فعلى ناقة من نور زمامها من ياقوت، عليه حلتان خضراوتان.

١٨٧ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال بني الكفر على أربع دعائم إلى ان قال: ومن عتا(١) عن أمر الله شك، ومن شك تعالى الله عليه فأذله سلطانه(٢) وصغره بجلاله كما اغتر بربه الكريم وفرط في امره.

١٨٨ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سئل جبرئيلعليه‌السلام كيف كان مهلك قوم صالح؟ فقال يا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله انّ صالحا بعث إلى قومه وهو ابن ستّ عشرة سنة فلبث فيهم حتى بلغ عشرين ومأة سنة لا يجيبونه إلى خير، قال: وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله عزّ ذكره، فلمّا رأى ذلك منهم قال: يا قوم بعثت إليكم وانا ابن ست عشرة سنة وقد بلغت مأة وعشرين سنة وانا اعرض

__________________

(١) العتو: الاستكبار.

(٢) «تعالى الله عليه» أي استولى عليه، وأذله بتمكنه وقدرته.

٤٧

عليكم أمرين ان شئتم فاسئلونى حتى أسئل الهى فيجيبكم فيما سئلتمونى الساعة، وان شئتم سألت آلهتكم فان أجابتنى بالذي أسألها خرجت عنكم فقد سئمتكم وسئمتموني(١) قالوا: قد أنصفت يا صالح فاتعدوا ليوم يخرجون فيه، قال: فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم ثم قربوا طعامهم وشرابهم فأكلوا وشربوا، فلما أن فرغوا دعوه فقالوا: يا صالح سل فقال لكبيرهم: ما اسم هذا؟ قالوا: فلان، فقال له صالحعليه‌السلام يا فلان أجب فلم يجبه فقال صالح: ماله لا يجيب؟ قالوا: ادع غيره، قال: فدعاها كلها فلم يجبه منها شيء، فاقبلوا على أصنامهم فقالوا لها: مالك لا تجيبين صالحا؟(٢) فلم تجب فقالوا تنح عنا ودعنا وآلهتنا ساعة، ثم نحوا بسطهم وفرشهم ونحو أثيابهم وتمرغوا على التراب(٣) وطرحوا التراب على رؤسهم وقالوا لأصنامهم: لئن لم تجبن صالحا لنفتضحن، قال: ثم دعوه فقالوا: يا صالح ادعها فدعاها فلم تجبه، فقال لهم: يا قوم قد ذهب صدر النهار ولا أرى آلهتكم تجيبوني، فاسئلونى حتى أدعو الهى فيجيبكم الساعة، فانتدب له(٤) منهم سبعون رجلا منهم من كبرائهم والمنظور إليهم منهم، فقالوا: يا صالح نحن نسألك فان أجابك ربك تبعناك وأجبناك ويبايعك جميع أهل قريتنا، فقال لهم صالحعليه‌السلام : سلوني ما شئتم، فقالوا: تقدم بنا هذا الجبل، وكان الجبل قريبا منهم، فانطلق معهم صالحعليه‌السلام فلما انتهوا إلى الجبل قالوا: يا صالح ادع لنا ربك يخرج لنا من هذا الجبل الساعة ناقة حمراء شقراء وبراء عشراء(٥) بين جنبيها ميل، فقال لهم صالح: لقد سألتمونى شيئا يعظم على ويهون على ربي جل وعز وقال: فسأل الله تبارك وتعالى ذلك صالح، فانصدع الجبل

__________________

(١) أي مللتكم ومللتمونى.

(٢) وفي تفسير العياشي: «ما بالكن لا تجبن صالح»

(٣) تمرغ في التراب: تقلب.

(٤) ندبه للأمر فانتدب له أي دعاه له فأجاب.

(٥) شقراء أي شديد الحمرة، وبراء أي كثير الوبر، حشراء أي أتى على حملها عشرة أشهر.

٤٨

صدعا(١) كادت تطير منه عقولهم لما سمعوا ذلك، ثم اضطرب ذلك الجبل اضطرابا شديدا كالمرأة إذا أخذها المخاض، ثم لم يفجأهم إلّا رأسها قد طلع عليهم من ذلك الصدع فما استتمت رقبتها حتى اجترت ثم خرج ساير جسدها ثم استوت قائمة على الأرض فلما رأوا ذلك قالوا: يا صالح ما أسرع ما أجابك ربك ادع لنا ربك يخرج لنا فصيلتها(٢) فسأل اللهعزوجل فرمت به فدب حولها، فقال لهم: يا قوم أبقى شيء؟ قالوا: لا انطلق بنا إلى قومنا نخبرهم بما رأينا ويؤمنون بك، قال: فرجعوا فلم يبلغ السبعون إليهم حتى ارتد منهم أربعة وستون رجلا وقالوا: سحر وكذب، قال: فانتهوا إلى الجميع فقال الستة: حق وقال الجميع كذب وسحر، فانصرفوا على ذلك ثم ارتاب من الستة واحد وكان فيمن عقرها، قال ابن محبوب: فحدثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا يقال له سعد بن يزيد، فأخبرني أنّه رأى الجبل الذي خرجت منه بالشام، قال فرأيناها جنبها قد حك الجبل، فأثر جنبها فيه وجبل آخر بينه وبين هذا ميل.

١٨٩ ـ علي بن محمد عن علي بن العباس عن الحسن بن عبد الرحمن عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل يذكر فيه قوم صالح ستقف عليه ان شاء الله في هود يقولعليه‌السلام في آخره: فلما كان نصف الليل أتاهم جبرئيلعليه‌السلام فصرخ عليهم صرخة خرقت تلك الصرخة أسماعهم، وفلقت قلوبهم وصدعت أكبادهم، وقد كانوا في تلك الثلاثة الأيام قد تحنطوا وتكفنوا وعلموا ان العذاب نازل بهم فماتوا أجمعين في طرفة عين صغيرهم وكبيرهم، فلم يبق لهم ثاغية ولا راغية(٣) ولا شيء إلّا أهلكه الله

__________________

(١) أي انشق الجبل شقا.

(٢) الفصيل: ولد الناقة.

(٣) الثاغية: الشاة. والراغية: البعير. وقولهم «ماله ثاغية ولا راغية» أي ماله شاة ولا ناقة، وفي بعض النسخ «فلم يبق لهم ناعقة ولا راغية» والنعيق: صوت الراعي نفسه قال المجلسي (ره) في مرآة العقول: أي لم تبق منهم جماعة يأتى منهم النعيق والرعي، لكن الاول أظهر وهو الموجود في روايات العامة أيضا في تلك القصة.

٤٩

فأصبحوا في ديارهم وكانت مضاجعهم موتى أجمعين، ثم أرسل الله عليهم مع الصيحة النار من السماء فأحرقتهم أجمعين.

١٩٠ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى أبي بصير عن أحدهماعليهما‌السلام في قوم لوط( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ ) فقال: إنّ إبليس أتاهم في صورة حسنة فيه تأنيث، عليه ثياب حسنة، فجاء إلى شبان منهم فأمرهم أن يقعوا به ولو طلب إليهم أن يقع بهم لأبوا عليه ولكن طلب إليهم ان يقعوا به فلما ان وقعوا به التذوه ثم ذهب عنهم وتركهم فأحال بعضهم على بعض(١) في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أحدهماعليهما‌السلام في قوم لوط:( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ) وذكر كما في علل الشرائع سواء.

١٩١ ـ في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من خبر الشامي وما سأل عنه أمير المؤمنينعليه‌السلام في جامع الكوفة حديث طويل وفيه: وسأله عن أول من عمل عمل قوم لوط؟ قال: إبليس، فانه أمكن من نفسه.

١٩٢ ـ وفي باب ما كتب به الرضاعليه‌السلام إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل وعلة تحريم الذكران للذكران والإناث للإناث لما ركب في الإناث وما طبع عليه الذكران، ولما في إتيان الذكران الذكران والإناث الإناث من انقطاع النسل وفساد التدبير وخراب الدنيا.

١٩٣ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: فما كان من شيعتنا فلا يكون فيهم ثلثة إلى قوله: ولا يكون فيهم من يؤتي في دبره.

١٩٤ ـ في مجمع البيان قصة لوطعليه‌السلام مع قومه وجملة أمرهم فيما

__________________

(١) «انما ذكرنا هذا الحديث هنا وان كان محله العنكبوت لشرحه:( ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ ) ـ وبيانه ما دعاهم إليه، وستقف في هود إنشاء الله على ان الداعي لهم إلى ذلك هو البخل، وستقف على هذا الحديث في محله من العنكبوت إنشاء الله تعالى. منه عفى عنه». (عن هامش بعض النسخ)

٥٠

روى عن أبي حمزة الثمالي وأبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام ان لوطا لبث في قومه ثلثين سنة، وكان نازلا فيهم ولم يكن منهم، يدعوهم إلى الله وينهاهم عن الفواحش، ويحثهم على الطاعة فلم يجيبوه ولم يطيعوه، وكانوا لا يتطهرون من الجنابة بخلاء أشحاء على الطعام فأعقبهم البخل الداء الذي لا دواء له في فروجهم، وذلك انهم كانوا على طريق السيارة إلى الشام ومصر، فكان ينزل بهم الضيفان، فدعاهم البخل إلى ان كانوا إذا نزل بهم الضيف فضحوه وانما فعلوا ذلك لينكل النازلة عليهم من غير شهوة بهم إلى ذلك فأوردهم البخل هذا الداء حتى صاروا يطلبونه من الرجال، ويعطون عليه الجعل، وكان لوطعليه‌السلام سخيا كريما يقري الضيف إذا نزل به فنهوه عن ذلك وقالوا: لا تقرين ضيفا جاء ينزل بك، فانك ان فعلت فضحنا ضيفك فكان لوط إذا نزل به الضيف كتم أمره مخافة ان يفضحه قومه والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة وستسمع له تتمة في هود عند مهلك قوم لوط إنشاء الله.

١٩٥ ـ في تفسير العيّاشي عن يزيد بن ثابت قال: سأل رجل أمير المؤمنينعليه‌السلام ان يؤتى النساء في أدبارهن؟ فقال: سفلت سفل الله بك اما سمعت الله يقول:( أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ ) .

١٩٦ ـ عن عبد الرحمان بن الحجاج قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام ذكر عنده إتيان النساء في ادبارهم؟ قال: ما اعلم آية في القرآن أحلت ذلك إلّا واحدة: «أئنكم( لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ ) الاية.

١٩٧ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفرعليه‌السلام حديث طويل في آخره: وان الأنبياء بعثوا خاصة وعامة، اما شعيب فانه أرسل إلى مدين وهي لا تكمل أربعين بيتا.

١٩٨ ـ في تفسير العيّاشي عن يحيى بن المساور الهمداني عن أبيه جاء رجل من أهل الشام إلى علي بن الحسينعليه‌السلام فقال: أنت علي بن الحسين؟ قال: نعم، قال: أبوك الذي قتل المؤمنين؟ فبكى علي بن الحسينعليهما‌السلام ثم مسح عينيه فقال: ويلك كيف قطعت على أبي أنّه قتل المؤمنين؟ قال: قوله: إخواننا قد بغوا

٥١

علينا فقاتلناهم على بغيهم، فقال: ويلك أما تقرء القرآن؟ قال: بلى، قال: فقد قال الله( وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً ) ( وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً ) فكانوا إخوانهم في دينهم أو في عشيرتهم؟ قال له الرجل: لا بل عشيرتهم؟ قال فهؤلاء إخوانهم في عشيرتهم وليسوا إخوانهم في دينهم، قال: فرجت عنى فرج الله عنك.

١٩٩ ـ في الخرائج والجرائح عن الحسين بن عليعليهما‌السلام حديث طويل في الرجعة وفيه: ولتنزلن البركة من السماء والأرض حتى ان الشجرة لتصيف بما يريد الله فيها من الثمرة وليؤكل ثمرة الشتاء في الصيف وثمرة الصيف في الشتاء وذلك قوله تعالى( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا ) .

٢٠٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قوله: أفأمنوا مكر الله قال: المكر من الله العذاب.

٢٠١ ـ في نهج البلاغة وقالعليه‌السلام : لا تأمنن على خير هذه الأمّة عذاب الله لقول الله سبحانه:( فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ ) .

٢٠٢ ـ وفيه وقالعليه‌السلام : الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يؤيسهم من روح الله، ولم يؤمنهم من مكر الله.

٢٠٣ ـ في تفسير العيّاشي عن صفوان الجمال قال صليت خلف أبي عبد اللهعليه‌السلام ثم قال أللهمّ لا تؤمني مكرك ثم جهر فقال( فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ ) .

٢٠٤ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد ابن إسماعيل بن بزيع عن صالح بن عقبة عن عبد الرحمن بن محمد الجعفري عن أبي جعفرعليه‌السلام وعن عقبة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ الله خلق الخلق فخلق ما أحب مما أحب، وكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنة، وخلق ما أبغض مما أبغض، وكان ما أبغض ان خلقه من طينة النار. ثم بعثهم في الظلال فقلت: وأي شيء الظلال؟ قال: ألم تر إلى ظلك في الشمس وليس بشيء، ثم بعث الله فيهم النبيين تدعوهم إلى الإقرار بالله وهو قوله:( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) ثم دعاهم إلى الإقرار

٥٢

بالنبيين فأقر بعضهم وأنكر بعض، ثم دعاهم إلى ولايتنا فأقر بها والله من أحب، وأنكرها من أبغض وهو قوله:( فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : كان التكذيب ثم.

٢٠٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم ( فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) يعنى في الذر الاول قال: لا يؤمنون في الدنيا بما كذبوا في الذر.

٢٠٦ ـ حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله:( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) قلت: معاينة كان هذا؟ قال: نعم، فثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه، ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه، فمنهم من أقر بلسانه في الذر ولم يؤمن بقلبه، فقال الله:( فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) .

٢٠٧ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن الحسين بن الحكم قال: كتبت إلى العبد الصالحعليه‌السلام أخبره انى شاك وقد قال إبراهيمعليه‌السلام :( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ) وانا أحب ان تريني شيئا، فكتبعليه‌السلام إليه: إنّ إبراهيم كان مؤمنا وأحب ان يزداد ايمانا وأنت شاك والشاك لا خير فيه، وكتب انما الشك ما لم يأت اليقين، فاذا جاء اليقين لم يجز الشك، وكتب: إنّ اللهعزوجل يقول:( وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ ) قال: نزلت في الشاك.

٢٠٨ ـ في روضة الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن أبيه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال لأبي بصير: انكم وفيتم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا، وانكم لم تبدلوا بنا غيرنا، ولو لم تفعلوا لعيركم الله كما عيرهم حيث يقول جل ذكره:( وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ ) .

٢٠٩ ـ في تفسير العيّاشي عن أبي داود قال: قال: والله ما صدق أحد ممن أخذ ميثاقه فوفى بعهد الله غير أهل بيت نبيهم وعصابة قليلة من شيعتهم، وذلك قول الله:( وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ ) وقوله:( وَلكِنَّ أَكْثَرَ

٥٣

النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ) .

٢١٠ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى محمد بن الفضل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفرعليه‌السلام حديث طويل يقول فيه: ثمّ إنَّ الله تبارك وتعالى أرسل الأسباط اثنى عشر بعد يوسف ثم موسى وهارون إلى فرعون وملأه إلى مصر وحدها.

٢١١ ـ في تفسير العيّاشي عن عاصم بن المصري رفعه قال: إنّ فرعون بنى سبع مداين يتحصن فيها من موسىعليه‌السلام ، وجعل فيما بينها آجاما وغياضا(١) وجعل فيها الأسد ليتحصن بها من موسى، فلما بعث الله موسى إلى فرعون فدخل المدينة فلما رآه الأسد تبصبصت(٢) وولت مدبرة، قال: ثم لم يأت مدينة إلّا انفتح له بابها حتى انتهى إلى قصر فرعون الذي هو فيه قال: فقعد على بابه وعليه مدرعة من صوف(٣) ومعه عصاه فلما خرج الاذن قال له موسى: أستأذن لي على فرعون، فلم يلتفت إليه [قال: فقال له موسى:( إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ ) قال: فلم يلتفت إليه] قال: فمكث بذلك ما شاء الله يسأله ان يستأذن له قال: فلما أكثر عليه قال له: اما وجد رب العالمين من يرسله غيرك؟ قال: فغضب موسىعليه‌السلام فضرب الباب بعصاه فلم يبق بينه وبين فرعون باب إلّا انفتح حتى نظر إليه فرعون وهو في مجلسه، فقال: أدخلوه قال فدخل إليه وهو في قبة له مرتفعة كثيرة الارتفاع ثمانون ذراعا، قال: فقال: انى رسول رب العالمين إليك، قال: فقال:( فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قالَ ) : فألقى عصاه وكان له شفتان(٤) ( فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ ) قد وقع احدى الشفتين في الأرض والشفة الاخرى في أعلى القبة، قال فنظر فرعون في جوفها وهي تلتهب نيرانا قال: وأهوت إليه فأحدث وصاح: يا موسى خذها.

__________________

(١) الاجام جمع الاجمة ـ محركة ـ: الشجر الكثير الملتف، وغياض جمع الغيضة: مجتمع الشجر في مغيض ماء.

(٢) بصبص الكلب وتبصبص: حرك ذنبه، والتبصبص: التملق.

(٣) المدرعة: هو الثوب من الصوف يتدرع به.

(٤) وفي المصدر وكذا المنقول عنه في البحار «شعبتان» بدل «شفتان» وكذا فيما يأتى.

٥٤

٢١٢ ـ في عيون الأخبار باسناده إلى أبي يعقوب البغدادي قال: قال ابن السكيت لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام : لماذا بعث الله تعالى موسى بن عمران بيده البيضاء والعصا وآلة السحر، وبعث عيسىعليه‌السلام بالطب، وبعث محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله بالكلام والخطب فقال له أبو الحسنعليه‌السلام : لما بعث موسىعليه‌السلام كان الأغلب على أهل عصره السحر فأتاهم من عند الله بما لم يكن من عند القوم وفي وسعهم مثله، وبما أبطل به سحرهم، واثبت به الحجة عليهم. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة وقد مضى عند قوله تعالى( فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) .

٢١٣ ـ وفي باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من خبر الشامي وما سأل عنه أمير المؤمنينعليه‌السلام في جامع الكوفة حديث طويل، وفيه وسأله عن شيء شرب وهو حي وأكل وهو ميت؟ فقال: تلك عصا موسى «وفيه» فقال: أخبرنا عن أول شجرة غرست في الأرض؟ فقال: العوسجة ومنها(١) عصى موسىعليه‌السلام .

٢١٤ ـ في تفسير العيّاشي يونس بن ظبيان قال: قال: إنّ موسى وهارون حين دخلا على فرعون لم يكن في جلسائه يومئذ ولد سفاح، كانوا ولد نكاح كلهم ولو كان فيهم ولد سفاح لأمر بقتلهما فقالوا ارجه وأخاه وأمروه بالتأنى والنظر، ثم وضع يده على صدره قال: وكذلك نحن لا يسرع إلينا إلّا كل خبيث الولادة.

٢١٥ ـ عن موسى بن بكر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: اشهد ان المرجئة على دين الذين( قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ ) .

٢١٦ ـ في أصول الكافي باسناده إلى محمد بن الفيض عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كانت عصا موسى لادمعليه‌السلام ، فصارت إلى شعيب، ثم صارت إلى موسىعليه‌السلام وانها لعندنا وان عهدي بها آنفا وهي خضر كهيئتها حين انتزعت من شجرتها، وانها لتنطق إذا استنطقت أعدت لقائمنا يصنع بها ما كان يصنع موسى وانها لتروع وتلقف ما يأفكون(٢)

__________________

(١) العوسجة واحدة العوسج: من شجر الشوك له ثمر مدور ويكون غالبا في السباخ ويقال للعظيم منه الغرقد.

(٢) لتروع أي لتخوف. وتلقف أي تلقم.

٥٥

وتصنع ما تؤمر به، انها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون يفتح لها شفتان(١) إحديهما في الأرض والاخرى في السقف، وبينهما أربعون ذراعا تلقف ما يأفكون بلسانها.

٢١٧ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله عن علي بن محمد القاساني عمن ذكره عن عبد الله بن القاسم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عن أبيه عن جده قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليهم: كن لما لا ترجو أرحى منك لما ترجوا إلى أن قالعليه‌السلام : وخرجت سحرة فرعون يطلبون العزة بفرعون فرجعوا مؤمنين.

٢١٨ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال: ومن ذهب يرى ان له على الاخر فضلا فهو من المستكبرين، فقلت له: انما يرى ان له عليه فضلا بالعافية، إذا رآه مرتكبا للمعاصي؟ فقال: هيهات هيهات فلعله أن يكون غفر ما أتى وأنت موقوف تحاسب، اما تلوت قصة سحرة موسى صلوات الله عليه والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٢١٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قوله: و( قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ ) : كان فرعون يعبد الأصنام ثم ادعى بعد ذلك الربوبية.

٢٢٠ ـ في مجمع البيان روى عن عليّعليه‌السلام :( وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ) روى أ نّه كان يأمرهم أيضا بعبادة البقر ولذلك اخرج السامري( لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ ) وقال( هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى ) .

٢٢١ ـ في تفسير العيّاشي عن عمار الساباطي قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول:( إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) ، قال: فما كان لله فهو لرسوله وما كان لرسول الله فهو للإمام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٢٢ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: وجدنا في كتاب على صلوات الله

__________________

(١) وفي المصدر «شعبتان» بدل «شفتان» كما مر عن تفسير العياشي.

٥٦

عليه:( إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) انا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ونحن المتقون والأرض كلها لنا، فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الامام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، فان تركها أو أبرجها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها فليؤد خراجها إلى الامام من أهل بيتي وله ما أكل حتى يظهر القائمعليه‌السلام من أهل بيتي بالسيف، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومنعها إلّا ما كان في أيدى شيعتنا يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم.

٢٢٣ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن علي بن أسباط عن صالح بن حمزة عن أبيه عن أبي بكر الحضرمي قال: لما حمل أبو جعفرعليه‌السلام إلى الشام إلى هشام بن عبد الملك وصار ببابه قال لأصحابه ومن كان بحضرته من بنى امية: إذا رأيتمونى قد وبخت محمد بن علي ثم رأيتمونى قد سكت فليقبل عليه كل رجل منكم فليوبخه ثم أمر أن يؤذن له، فلما دخل عليه أبو جعفرعليه‌السلام قال بيده: السلام عليكم فعمهم جميعا بالسلام ثم جلس، فازداد هشام عليه حنقا بتركه السلام عليه بالخلافة وجلوسه بغير اذن، فاقبل يوبخه ويقول فيما يقول له: يا محمد بن علي لا يزال الرجل منكم قد شق عصى المسلمين ودعا إلى نفسه وزعم أنّه الامام سفها وقلة علم، ووبخه بما أراد أن يوبخه، فلما سكت أقبل عليه القوم رجل بعد رجل يوبخه حتى انقضى آخرهم، فلما سكت القوم نهضعليه‌السلام قائما ثم قال: ايها الناس أين تذهبون وأين يراد بكم، بنا هدى الله أولكم وبنا يختم آخركم، فان يكن لكم ملك معجل فان لنا ملكا مؤجلا، وليس بعد ملكنا ملك، لأنا أهل العاقبة يقول اللهعزوجل : والعاقبة للمتقين فأمر به إلى الحبس، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٢٢٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قوله:( قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ ) : قال الذين آمنوا لموسى: قد أوذينا قبل مجيئك يا موسى بقتل الأولاد ومن بعد ما جئتنا لما حبسهم فرعون لايمانهم بموسى، قوله:( فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا

٥٧

لَنا هذِهِ ) قال: الحسنة هاهنا الصحة والسلامة والأمن والسعة( وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ) قال: السيئة هنا الجوع والخوف والمرض.

٢٢٥ ـ في مجمع البيان: ( وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ ) «القصة» قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة ومحمد بن إسحق بن يسار ورواه علي بن إبراهيم باسناده عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام دخل حديث بعضهم في بعض قالوا: لما آمنت السحرة فرجع فرعون مغلوبا وأبى هو وقومه إلّا الاقامة على الكفر، قال هامان لفرعون: إنّ الناس قد آمنوا بموسى فانظر من دخل في دينه فاحبسه، فحبس كل من آمن به من بنى إسرائيل فتابع الله عليهم بالآيات وأخذهم بالسنين ونقص من الثمرات، ثم بعث عليهم الطوفان فخرب دورهم ومساكنهم حتى خرجوا إلى البرية وضربوا الخيام، وامتلأت بيوت القبط مائا ولم يدخل بيوت بنى إسرائيل من الماء قطرة وقام الماء على وجه الأرض لا يقدرون على ان يحرثوا فقالوا لموسى: ادع لنا ربك أن يكشف عنا المطر فنؤمن لك ونرسل معك بنى إسرائيل، فدعا ربه فكف عنهم الطوفان فلم يؤمنوا، وقال هامان لفرعون: لئن خليت بنى إسرائيل غلبك موسى وأزال ملكك وأنبت الله لهم في تلك السنة من الكلاء والتمر والزرع والثمر ما أعشبت به بلادهم وأخصبت، فقالوا: ما كان هذا الماء إلّا نعمة علينا وخصبا، فانزل الله عليهم في السنة الثانية عن علي بن إبراهيم وفي الشهر الثاني عن غيره من المفسرين الجراد فجردت زروعهم وأشجارهم حتى كانت تجرد شعورهم ولحاهم وتأكل الأبواب والثياب والامتعة، وكانت لا تدخل بيوت بنى إسرائيل ولا يصيبهم من ذلك شيء فعجوا وضجوا وجزع فرعون من ذلك جزعا شديدا وقال: يا موسى ادع لنا ربك أن يكف عنا الجراد حتى اخلى عن بنى إسرائيل، فدعا موسى ربه فكف عنه الجراد بعد ما اقام عليه سبعة أيام من السبت إلى السبت، وقيل: إنّ موسىعليه‌السلام برز إلى الفضاء فأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجعت الجراد من حيث جاءت كأن لم يكن قط، ولم يدع فرعون هامان أن يخلى عن بنى إسرائيل، فانزل الله عليهم في السنة الثالثة وفي رواية على بن

٥٨

إبراهيم وفي الشهر الثالث عن غيره، من المفسرين القمل وهو الجراد الصغار لا أجنحة له وهو شر ما يكون وأخبثه، فأتى على زروعهم كلها وأفناها من أصلها فذهبت زروعهم ولحس الأرض كلها، وقيل أمر موسىعليه‌السلام أن يمشى على كثيب اعفر بقرية من قرى مصر يدعى عين الشمس، فأتاه فضربه بعصاه فانثال عليهم(١) قملا فكان يدخل بين ثوب أحدهم فبعضه وكان يأكل أحدهم الطعام فيمتلى قملا، قال سعيد بن جبير: القمل السوس الذي يخرج من الحبوب فكان الرجل يخرج عشرة اقفزة إلى الرحا فيرد منها ثلثة اقفزة فلم يصابوا ببلاء كان أشد عليهم من القمل وأخذت أشعارهم وأبشارهم(٢) وأشفار عيونهم وحواجبهم، ولزمت جلودهم كأنه الجدري عليهم ومنعتهم النوم والقرار فصرخوا وصاحوا فقال فرعون لموسى: ادع لنا ربك لئن كشفت عنا القمل لأكفن عن بنى إسرائيل، فدعا موسىعليه‌السلام حتى ذهب القمل بعد ما اقام عندهم سبعة أيام من السبت إلى السبت، فنكثوا فأنزل الله عليهم في السنة الرابعة وقيل في الشهر الرابع الضفادع فكانت يكون في طعامهم وشرابهم وامتلأت منها بيوتهم وآنيتهم فلا يكشف أحد ثوبا ولا إناء ولا طعاما ولا شرابا إلّا وجد فيه الضفادع، وكانت تثب في قدورهم فتفسد عليهم وكان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع ويهم ان يتكلم فيثب الضفدع في فيه ويفتح فاه لأكله فيسبق الضفدع أكلته إلى فيه فلقوا منها أذى شديدا فلما رأوا ذلك بكوا وشكوا إلى موسىعليه‌السلام وقالوا: هذه المرة نتوب ولا نعود، فادع الله أن يذهب عنا الضفادع فانا نؤمن بك ونرسل معك بنى إسرائيل، فأخذ عهودهم ومواثيقهم ثم دعا ربه فكشف عنهم الضفادع بعد ما أقام عليهم سبعا من السبت إلى السبت ثم نقضوا العهد وعادوا لكفرهم، فلما كانت السنة الخامسة أرسل عليهم الدم فسال ماء النيل عليهم دما، فكان القبطي يراه دما والاسرائيلى يراه ماءا، فاذا شربه الاسرائيلى كان ماءا وإذا شربه القبطي كان دما، وكان القبطي يقول للاسرائيلى: خذ الماء في فيك وصبه في فيَّ فكان إذا صبه في فم القبطي تحول دما، وان فرعون اعتراه العطش حتى أنّه ليضطر إلى مضغ الأشجار الرطبة فاذا مضغها يصير ماؤها في فيه دما، فمكثوا في ذلك سبعة

__________________

(١) أي انصب وعليهم.

(٢) جمع البشرة ظاهر وجلد الإنسان.

٥٩

أيام لا يأكلون إلّا الدم ولا يشربون إلّا الدم، قال زيد بن أسلم: الدم الذي سلط عليهم كان كالرعاف فأتوا موسىعليه‌السلام فقالوا. ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم فنؤمن لك ونرسل معك بنى إسرائيل، فلما دفع الله عنهم الدم لم يؤمنوا ولم يخلوا عن بنى إسرائيل.

٢٢٦ ـ في تفسير العيّاشي عن محمد بن قيس عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت: ما الطوفان؟ قال: هو طوفان الماء والطاعون.

٢٢٧ ـ عن محمد بن علي عن أبي عبد الله انبأنى عن سليمان عن الرضاعليه‌السلام في قوله:( لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ) قال: الرجز هو الثلج ثم قال: خراسان بلاد رجز.

٢٢٨ ـ في مجمع البيان روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام انه أصابهم ثلج أحمر ولم يروه قبل ذلك، فماتوا فيه وجزعوا وأصابهم ما لم يعهدوه قبله.

٢٢٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم فأرسل اللهعزوجل عليهم الرجز وهو الثلج، ولم يروه قبل ذلك فماتوا بما عهد عندك فيه وجزعوا جزعا شديدا وأصابهم ما لم يعهدوه قبله، فقالوا:( يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ ) فدعى ربه فكشف عنهم الثلج فخلوا عن بنى إسرائيل، فلما خلوا عنهم اجتمعوا إلى موسىعليه‌السلام وخرج موسى من مصر واجتمع إليه من كان هرب من فرعون وبلغ فرعون ذلك، وقال له هامان: قد نهيتك ان تخلى عن بنى إسرائيل فقد استجمعوا إليه. فجزع فرعون وبعث( فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ ) وخرج في طلب موسىعليه‌السلام .

٢٣٠ ـ في أصول الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه وعلي بن محمد القاساني جميعا عن القاسم بن محمد الاصبهانى عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا حفص ان من صبر صبر قليلا وان من جزع جزع قليلا إلى قولهعليه‌السلام : ثم بشر في عترته بالأئمة ووصفوا بالصبر فقال جل ثنائه:( وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ ) فعند ذلك قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الصبر من الايمان كالرأس من الجسد، فشكر اللهعزوجل ذلك له، فأنزل اللهعزوجل :( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ

٦٠

وزكرياء، وميمون بن إبراهيم، ومحمد بن موسى المنجم، وأخاه أحمد بن موسى، وعلي بن يحيى بن أبي منصور، وجعفر المعلوف مستخرج ديوان الخراج وغيرهم نحواً من عشرين رجلاً، فوقع ذلك من المتوكل موقعاً أعجبه وقال له: أغد غدوةً فلما أصبح لم يشك في ذلك، وناظر عبيد الله بن يحيى المتوكل فقال له: يا أمير المؤمنين أراد أن لا يدع كاتباً ولا قائداً ولا عاملاً إلا أوقع بهم، فمن يقوم بالأعمال يا أمير المؤمنين!

وغدا نجاح فأجلسه عبيد الله في مجلسه ولم يؤذن له، وأحضر موسى بن عبد الملك والحسن بن مخلد، فقال لهما عبيد الله: إنه إن دخل إلى أمير المؤمنين دفعكما إليه فقتلكما، وأخذ ما تملكان، ولكن اكتبا إلى أمير المؤمنين رقعة تقبلان به فيها بألفي ألف دينار، فكتبا رقعة بخطوطهما وأوصلها عبيد الله بن يحيى وجعل يختلف بين أمير المؤمنين، ونجاح وموسى بن عبد الملك والحسن بن مخلد، فلم يزل يدخل ويخرج ويعين موسى والحسن، ثم أدخلهما على المتوكل فضمنا ذلك وخرج معهما فدفعه إليهما جميعاً والناس جميعا الخواص والعوام، وهما لا يشكان أنهما وعبيد الله بن يحيى مدفوعون إلى نجاح للكلام الذي دار بينه وبين المتوكل فأخذاه وتولى تعذيبه موسى بن عبد الملك، فحبسه في ديوان الخراج بسامرا وضربه درراً وأمر المتوكل بكاتبه إسحاق بن سعد، وكان يتولى خاص أموره وأمر ضياع بعض الوُلد، أن يغرم واحداً وخمسين ألف دينار، وحلف على ذلك وقال إنه أخذ مني في أيام الواثق، وهويخلف عن عمر بن فرج خمسين ديناراً

٦١

حتى أطلق أرزاقي، فخذوا لكل دينار ألفاً وزيادة ألف فضلاً، كما أخذ فضلاً فحبس، ونُجِّمَ عليه في ثلاثة أنجم، ولم يطلق حتى أدى تعجيل سبعة عشر ألف دينار، وأطلق بعد أن أخذ منه كفلاء بالباقي، وأخذ عبد الله بن مخلد فأغرم سبعة عشر ألف دينار، ووجه عبيد الله الحسين بن إسماعيل وكان أحد حجاب المتوكل، وعتاب بن عتاب عن رسالة المتوكل، أن يضرب نجاح خمسين مقرعة إن هولم يقر ويؤدِّ ما وصف عليه، فضربه ثم عاوده في اليوم الثاني بمثل ذلك، ثم عاوده في اليوم الثالث بمثل ذلك، فقال: أبلغ أمير المؤمنين أني ميت، وأمر موسى بن عبد الملك جعفراً المعلوف ومعه عونان من أعوان ديوان الخراج، فعصروا مذاكيره حتى برد فمات، فأصبح فركب إلى المتوكل فأخبره بما حدث من وفاة نجاح، فقال لهما المتوكل: إني أريد مالي الذي ضمنتماه، فاحتالاه فقبضا من أمواله وأموال ولده جملة، وحبسا أبا الفرج وكان على ديوان زمام الضياع من قبل أبي صالح بن يزداد، وقبضا أمتعته كلها، وجميع ملكه، وكتبا على ضياعه لأمير المؤمنين، وأخذا ما أخذا من أصحابه الخ. ».

أقول: هذه صورة لإدارة دولة الخلافة الإسلامية، وتكالب خليفتها وكبار وزرائه على أموال المسلمين المستضعفين! فكيف يجوز تسميته خليفة رسول الله (ص)، وتلقيبه المتوكل على الله! وأي إدارة هذه؟ وأي خلافة لرسول الله هذه؟!

٦٢

نكب كاتب إيتاخ سليمان بن وهب ثم احتاج اليه!

روى التنوخي في كتابه الفرج بعد الشدة « ١ / ٥١ » كيف أخذ المتوكل كاتب إيتاخ، قال: « سمعت عبيد الله بن سليمان بن وهب يقول: كان المتوكل من أغلظ الناس على إيتاخ، فذكر فيه حديثاً طويلاً، وصف فيه كيف قبض المتوكل على إيتاخ وابن وهب ببغداد لما رجعا من الحج بيد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب.

قال سليمان بن وهب: وساعة قبض على إيتاخ ببغداد قبض عليَّ بسر من رأى، وسُلِّمْتُ إلى عبيد الله بن يحي. وكتب المتوكل إلى إسحاق بن إبراهيم بدخوله بسر من رأى، ليتقوى به على الأتراك، لأنه كان معه بضعة عشر ألفاً لكثرة الظاهرية بخراسان، وشدة شوكتهم، فلما دخل إسحاق أمر المتوكل بتسليمي إليه وقال: هذا عدوي ففصل عظامه! هذا كان يلقاني في أيام المعتصم فلا يبدأني بالسلام، وأبدأه لحاجتي فيرد عليَّ كما يرد المولى على عبده، وكل ما دبره إيتاخ فعن رأيه! فأخذني إسحاق وقيدني بقيد ثقيل، وألبسني جبة صوف، وحبسني في كنيف وأغلق على خمسة أبواب، فكنت لا أعرف الليل من النهار، فأقمت كذلك نحوعشرين يوماً لايفتح على الباب إلا حملةً واحدة في كل يوم وليلة، ويدفع إلى فيهما خبز شعير وملح وماء حار، فكنت آنس بالخنافس وبنات وردان، وأتمنى الموت لشدة ما أنا فيه » ثم روى كيف اضطر المتوكل للإفراج عنه لخبرته في تحصيل مالية البلاد التي كان يحكمها إيتاخ، وهي: مصر، والكوفة، والحجاز، وتهامة، ومكة، والمدينة. « النجوم الزاهرة: ٢ / ٢٧٥ ».

٦٣

قال: « فحُملت إلى مجلس إسحاق فإذا فيه موسى بن عبد الملك صاحب ديوان الخراج، والحسن بن محمد صاحب ديوان الضياع، وأحمد بن إسرائيل الكاتب، وأبو نوح، وعيسى بن إبراهيم، كاتب الفتح بن خاقان، وداود بن الجراح صاحب الزمام، فطُرحت في آخر المجلس، فشتمني إسحاق بن إبراهيم أقبح شتم، وقال: يا فاعل يا صانع تعرضني لاستبطاء أمير المؤمنين، والله لأُفَرِّقن بين لحمك وعظمك، ولأجعلن بطن الأرض أحب إليك من ظهرها، أين الأموال التي جمعتها من غير وجهها الرأي أن تكتب خطك بالتزام عشر ـ ة آلاف ألف درهم، تؤديها في عشرة أشهر، كل شهر ألف ألف درهم، وتَتَرَفَّهُ عاجلاً مما أنت فيه! فأمر إسحاق بأخذي في الحال وإدخالي الحمام، وجاؤني بخلعة نظيفة فلبستها، وبخور طيب فتبخرت، واستدعاني إسحاق ..

فلما كان من غد حولني إلى دار كبيرة حسنة مفروشة، ووكل على فيها بإحسان وإجلال، واستدعيتُ كل من أردت، وتسامع الناس بأمري، وجاؤني ففرج عني، ومضت سبعة وعشرون يوماً، وقد أعددت ألف ألف درهم الخ. »!

٦٤

الفصل الثالث:

سياسة المتوكل مع الإمام الهادي (ع)

من ثوابت سياسة الخلفاء تصفية مخالفيهم!

من ثوابت الخليفة القرشي: أن يعمل للتخلص من خصومه بقتلهم بالسم، أوبالمكيدة، ليكون قتلاً ناعماً مسكوتاً عنه عند الناس!

وكان شعار معاوية المعروف: إن لله جنوداً من عسل! قاله عندما نجح في دسَّ السُّمَّ لمالك الأشتر حاكم مصر (رحمه الله). كما في المستطرف / ٣٥٢، وغيره .

وقال معاوية: لاجدَّ إلا ما أقْعَصَ عنك من تكره. أي العمل الجدِّي المهم هو: أن تقتل عدوك وتخمده في مكانه، فتزيحه من طريقك! « محاضرات الراغب: ١ / ٥٣١ ».

قال في جمهرة الأمثال « ٢ / ٣٧٦ »: « والمثل لمعاوية رضي الله عنه » قاله بعد قتله عبد الرحمن بن خالد، لأنه كان يعارض توليته لولده يزيد! « ورواه في الأمثال للميداني: ١ / ٦٣٠، والمستقصى للزمخشري / ٣٣٤، وطبقات الأطباء: ١ / ١٥٤: والمنمق في أخبار قريش لابن حبيب: ١ / ١٧٢، والتذكرة الحمدونية / ١٤٩٧، وتاريخ دمشق: ١٩ / ١٨٩ ».

وعلى هذه السياسة مشى خلفاء بني أمية وبني العباس، وكان المتوكل يعمل لقتل الإمام الهادي (ع) وهويعلم أنه إمام رباني، وأنه لا يعمل للسلطة! ولاحجة للمتوكل إلا خوفه من إيمان الناس بالإمام (ع)، فقد رأى أمه تطلب دعاءه، وتنذر له النذور!

٦٥

١. سَجَنَ المتوكل الإمام (ع) ليقتله فنجاه الله:

روى الصدوق في الخصال / ٣٩٥: « عن الصقر بن أبي دلف الكرخي، قال: لما حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن العسكري (ع) جئتُ أسأل عن خبره قال: فنظر إليَّ الزُّرَافي وكان حاجباً للمتوكل، فأمر أن أدخل إليه فأدخلت إليه، فقال: يا صقر ما شأنك؟ فقلت: خيرٌ أيها الأستاذ. فقال: أقعد، فأخذني ما تقدم وما تأخر وقلت: أخطأت في المجئ! قال: فوحى الناس عنه، ثم قال لي: ما شأنك وفيم جئت؟ قلت: لخير ما، فقال: لعلك تسأل عن خبر مولاك؟ فقلت له: ومن مولاي؟ مولاي أمير المؤمنين! فقال: أسكت، مولاك هو الحق فلا تحتشمني فإني على مذهبك، فقلت: الحمد لله. قال: أتحب أن تراه؟ قلت: نعم. قال: أجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده. قال: فجلست فلما خرج قال لغلام له: خذ بيد الصقر وأدخله إلى الحجرة التي فيها العلوي المحبوس وَخَلِّ بينه وبينه، قال: فأدخلني إلى الحجرة، فأومأ إلى بيت فدخلت فإذا به (ع) جالس على صدر حصير وبحذاه قبر محفور! قال: فسلمت فرد، ثم أمرني بالجلوس، ثم قال لي: يا صقر ما أتى بك؟ قلت: يا سيدي جئت أتعرف خبرك؟ قال: ثم نظرت إلى القبر فبكيت! فنظر إلي فقال: يا صقر لا عليك، لن يصلوا إلينا بسوء الآن، فقلت: الحمد لله.

ثم قلت: يا سيدي حديث يروي عن النبي (ص) لا أعرف معناه، قال وما هو؟ فقلت قوله: لا تعادوا الأيام فتعاديكم، ما معناه؟ فقال: نعم، الأيام نحنُ ما

٦٦

قامت السماوات والأرض، فالسبتُ إسم رسول الله (ص) والأحدُ كنايةٌ عن أمير المؤمنين (ع)، والإثنين الحسن والحسين، والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا، والخميس ابني الحسن بن علي، والجمعة ابن ابني، وإليه تجتمع عصابة الحق، وهو الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

فهذا معنى الأيام، فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة. ثم قال (ع): وَدِّعْ واخرج، فلا آمن عليك ».

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: الأيام ليست بأئمة ولكن كنى بها (ع) عن الأئمة لئلا يدرك معناه غير أهل الحق. كما كنى الله عز وجل بالتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين عن النبي (ص) وعلي والحسن والحسين (ع) وكما كنى بالسير في الأرض عن النظر في القرآن، سئل الصادق (ع) عن قول الله عز وجل: أو لم يسيروا في الأرض، قال: معناه أو لم ينظروا في القرآن ».

ملاحظات

١. يظهر أن سجن الإمام (ع) في سامراء كان في إحضاره الأول الى سامراء، في أوائل خلافة المتوكل، ولم يسجن في سامراء بعدها.

٢. أما الصقر بن أبي دلف، فهو من الكرخ وكان فيها شيعة لأهل البيت (ع) من زمن الإمام الصادق (ع) , وكانت بغداد: الكرخ وبراثا، ثم أسس المنصور بينهما بغداد المدورة، وقد وثقنا ذلك في سيرة الإمام الكاظم (ع).

٦٧

والحديث يدل على أن الحاجب زرافة كان يعرف الصقر ويحترمه، وكان يميل الى الشيعة، وقيل يكتم تشيعه عن المتوكل، وقد روى مدحه في الهداية الكبرى.

٣. لايبعد أن يكون الصقر من أولاد أبي دلف العجلي القائد المعروف الذي خرج على هارون الرشيد، ثم اتفق معه وصار والياً على بلاد الجبل من إيران، وأسس مدينة كرج. وقد كتبنا عنه في القبائل العراقية: قبيلة عِجل بن لُجَيْم.

وكان أبو دلف شيعياً متشدداً، وسكن قسم من أولاده في بغداد وآخرون في الحلة، وبقي قسم منهم في الجبل، ويشمل همدان وأصفهان وغيرهما، ومنهم ولاة في زمن الواثق والمتوكل.

٤. سؤال الصقر عن معنى الأيام في الحديث النبوي، يدل على تعمقه في التشيع فقد كان مطروحاً وقتها موقع الأئمة (ع) التكويني، وتفسير قوله تعالى: ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) . « التوبة: ٣٦ ».

وكان في عصره بوادر ظهور مذاهب الغلو في بغداد، وأشهرها مذهب الحلاج والشلمغاني، وبشار الشعيري الذي عرف أتباعه بالكرخية المخمسة، وهو مذهب مأخوذ من مذهب الحلول المجوسي، قالوا: « إن سلمان الفارسي والمقداد وعماراً وأبا ذر وعمر بن أمية الضمري، هم الموكلون بمصالح العالم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ». « خلاصة الأقوال للعلامة / ٣٦٤ ».

٦٨

ولعل أول من أشاع ذلك في بغداد أحمد بن هلال الكرخي، الملعون على لسان الإمام المهدي (ع)، فسُمِّيَ أتباعه بالكرخية والكرخيين.

قال الطوسي في الغيبة / ٤١٤: « وكان الكرخيون مُخمسة، لايشك في ذلك أحدٌ من الشيعة، وقد كان أبو دلف يقول ذلك ويعترف به وجنون أبي دلف وحكايات فساد مذهبه، أكثر من أن تحصى، فلا نطول بذكرها الكتاب ها هنا ».

أقول: أبو دلف المغالي بعد الصقر بن أبي دلف بسنين كثيرة، وقد يكون من آل أبي دلف أو على اسمه. ولم يكن الصقر من أهل الغلو، وسؤاله عن معنى الأيام وتفسيرها ليس من الغلو، لأن الآية تدل على أن مخطط الكون مبني على عدة الشهور الإثني عشر، وعدة أوصياء الأنبياء (ع) ونقبائهم، فهو قانون المنظومة العددية في تكوين الكون، وفي هداية المجتمع. وبحثه خارج عن غرضنا.

٢. واتهم المتوكل الإمام (ع) بجمع السلاح للثورة عليه:

وقد أحضره ليلاً فأدخلوه على المتوكل وهو يشرب الخمر وأراد منه أن يشرب معه فأبى، بل وعظه فبكى المتوكل، وأمر برفع مائدة الخمر من مجلس الخلافة!

وقد روت ذلك عامة المصادر، ومنها المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ١٠ » بسنده عن محمد بن عرفة النحوي قال: حدثنا محمد بن يزيد المبرد: « وقد كان سُعِيَ بأبي الحسن علي بن محمد إلى المتوكل، وقيل له: إن في منزله سلاحا وكتباً وغيرها من شيعته، فوجه إليه ليلًا من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله على غفلة ممن في داره فوجده في بيت وحده مغلق عليه، وعليه مَدْرَعة من شَعَرٍ، ولا بساط في البيت

٦٩

إلا الرمل والحصى، وعلى رأسه مَلْحَفة من الصوف متوجهاً إلى ربه، يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، فأُخذ على ما وجد عليه، وحُمل إلى المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كأس، فلما رآه أعظمَه وأجلسه إلى جنبه، ولم يكن في منزله شئ مما قيل فيه، ولا حالة يتعلل عليه بها. فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال: يا أمير المؤمنين، ما خامر لحمي ودمي قط فأعْفِنِي منه، فأعفاه، وقال: أنشدني شعراً أستحسنه، فقال: إني لقليل الرواية للأشعار، فقال: لا بد أن تنشدني. فأنشده:

باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرسهمْ

غُلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ

واستُنْزِلُوا بعد عِزٍّ عن مَعَاقِلهمْ

فأُودعُوا حُفَراً يا بِئسَ ما نَزلوا

ناداهُمُ صارخٌ من بعد ما قُبروا

أينَ الأسِرَّةُ والتيجانُ والحُلَلُ

أينَ الوجوهُ التي كانت مُنَعَّمَةً

من دونها تُضرُب الأستارُ والكِللُ

فأفصحَ القبرُ عنهمْ حين ساءلهمْ

تلكَ الوجوهُ عليها الدُّودُ يَقْتَتِل

قد طالَ ما أكلُوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكِلوا

وطالما عَمروا دوراً لتحصنهمْ

ففارقوا الدورَ والأهلينَ وانتقلوا

وطالما كنزوا الأموالَ وادَّخروا

فخلَّفُوها على الأعداء وارتحلوا

أضحت مَنازِلُهم قَفْراً مُعَطَّلَةً

وساكنوهَا إلى الأجْدَاثِ قد رَحَلُوا

قال: فأشفق كل من حضر على علي، وظنوا أن بادرة تبدر منه إليه، قال: والله لقد بكى المتوكل بكاء طويلًا حتى بلت دموعه لحيته، وبكى من حضره، ثم أمر

٧٠

برفع الشراب، ثم قال له: يا أبا الحسن، أعليك دَينٌ؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها إليه، ورده إلى منزله من ساعته مكرماً ».

ورواها الذهبي في تاريخ الإسلام « ١٨ / ١٩٩ » ، فقال: « سُعِيَ بأبي الحسن إلى المتوكل وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم، ومن نيته التوثب، فكَبَسَ بيته ليلاً فوجده في بيت عليه مدرعة صوف، متوجهاً إلى ربه يترنم بآيات، فأُخذ كهيئته إلى المتوكل وهويشرب ». واليافعي في مرآة الجنان: ٢ / ١١٩، والقلقشندي في معالم الخلافة: ١ / ٢٣٢، والأبشيهي في المستطرف: ٢ / ٨٧٤، وغيرهم، وغيرهم .

٣. وكان يقول: أعياني أمرُ ابن الرضا!

كان المتوكل ذات يوم غاضباً متوتراً، لأنه عجز أن يجرَّ الإمام الهادي (ع) الى شرب الخمر، ثم يُظهره للناس سكراناً لتسقط عقيدتهم به!

وهذه لجاجةٌ منه لأنه يعرف أن الإمام (ع) من العترة الذين طهرهم الله تعالى! روى في الكافي « ١ / ٥٠٢ »: « حدثني أبوالطيب المثنى يعقوب بن ياسرقال: كان المتوكل يقول: ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا! أبى أن يشرب معي أوينادمني أوأجد منه فرصة في هذا! فقالوا له: فإن لم تجد منه، فهذا أخوه موسى قَصَّافٌ عَزَّاف، يأكل ويشرب ويتعشق. قال: إبعثوا إليه فجيئوا به حتى نُمَوِّهَ به على الناس ونقول ابن الرضا! فكتب إليه وأشخص مكرماً وتلقاه جميع بني هاشم والقواد والناس على أنه إذا وافى أقطعه قطيعة، وبنى له فيها، وحول الخمارين والقيان إليه، ووصله وبره وجعل له منزلاً سرياً، حتى يزوره هوفيه!

٧١

فلما وافى موسى تلقاه أبوالحسن (ع) في قنطرة وصيف، وهو موضع يتلقى فيه القادمون، فسلم عليه ووفاه حقه، ثم قال له: إن هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك، فلا تقر له أنك شربت نبيذاً قط.

فقال له موسى: فإذا كان دعاني لهذا فما حيلتي؟ قال: فلا تضع من قدرك ولا تفعل، فإنما أراد هتكك، فأبى عليه، فكرر عليه. فلما رأى أنه لا يجيب قال: أما إن هذا مجلس لا تجمع أنت وهوعليه أبداً!

فأقام ثلاث سنين، يبكر كل يوم فيقال له: قد تشاغل اليوم فَرُحْ فَيروح. فيقال: قد سكر فبكِّر، فيبكر. فيقال: شرب دواءً! فما زال على هذا ثلاث سنين حتى قتل المتوكل، ولم يجتمع معه عليه ».

أقول: لما رأى الإمام (ع) إصرار أخيه على المنكر، وعلى إعطاء المتوكل مبرراً للطعن بإمامة العترة النبوية (ع)، دعاعليه بأن لا يلتقي بالمتوكل أبداً، وهو يعلم أن الله تعالى لا يردُّ له طلبة، فأخبره بأنه لن يجتمع مع صاحبه الخليفة الخمَّار أبداً!

هذا، وقد روي أن موسى المبرقع تاب بعد ذلك وأناب واستقام. وله ذرية كثيرة، وفيهم أبرار وعلماء أجلاء.

٤. يتفاءل المتوكل بنفسه ويتشاءم بالإمام (ع):

« عن فارس بن حاتم بن ماهويه قال: بعث يوماً المتوكل إلى سيدنا أبي الحسن (ع) أن اركب وأخرج معنا إلى الصيد لنتبرك بك، فقال للرسول: قل له إني راكب، فلما خرج الرسول قال لنا: كذب، ما يريد إلا غير ما قال! قالا: قلنا: يا

٧٢

مولانا فما الذي يريد؟ قال: يظهر هذا القول فإن أصابه خير نسبه إلى ما يريد بنا ما يبعده من الله، وإن أصابه شرٌّ نسبه إلينا، وهويركب في هذا اليوم ويخرج إلى الصيد فيرد هو وجيشه على قنطرة على نهر، فيعبر سائر الجيش ولا تعبر دابته، فيرجع ويسقط من فرسه فتزل رجله وتتوهن يداه، ويمرض شهراً.

قال فارس: فركب سيدنا وسرنا في المركب معه والمتوكل يقول: أين ابن عمى المدني؟ فيقول له: سائرٌ يا أمير المؤمنين في الجيش، فيقول: ألحقوه بنا، ووردنا النهر والقنطرة، فعبر سائر الجيش وتشعثت القنطرة وتهدمت، ونحن نسير في أواخر الناس مع سيدنا، ورُسل المتوكل تحثُّه، فلما وردنا النهر والقنطرة امتنعت دابته أن تعبر، وعبر سائر الجيش ودوابنا، فاجتهدت رسل المتوكل عبور دابته فلم تعبر، وعثر المتوكل فلحقوا به، ورجع سيدنا، فلم يمض من النهار إلا ساعات حتى جاءنا الخبر أن المتوكل سقط عن دابته وزلت رجله وتوهنت يداه، وبقي عليلاً شهراً! وعتب على أبي الحسن (ع) قال: أبوالحسن (ع) إنما رجع عنا لئلا تصيبنا هذه السقطة فنشأم به، فقال أبو الحسن (ع): صدق الملعون ».

٥. وكانت أم المتوكل تعتقد بالإمام (ع) وتنذر له:

روى في الكافي « ١ / ٤٩٩ »: « عن إبراهيم بن محمد الطاهري قال: مرض المتوكل من خَرَّاجٍ خرج به وأشرف منه على الهلاك، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة، فنذرت أمه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن علي بن محمد مالاً جليلاً من مالها. وقال له الفتح بن خاقان: لو بعثت إلى هذا الرجل فسألته فإنه لا يخلوأن يكون

٧٣

عنده صفة يفرج بها عنك، فبعث إليه ووصف له علته، فرد إليه الرسول بأن يؤخذ كُسْبُ الشاة « بالضم عُصارة الدهن » فيداف بماء ورد، فيوضع عليه.

فلما رجع الرسول فأخبرهم أقبلوا يهزؤون من قوله، فقال له الفتح: هو والله أعلم بما قال. وأحضر الكسب وعمل كما قال ووضع عليه فغلبه النوم وسكن، ثم انفتح وخرج منه ما كان فيه وبشرت أمه بعافيته، فحملت إليه عشرة آلاف دينار تحت خاتمها. ثم استقل من علته فسعى به البطحائي العلوي، بأن أموالاً تحمل إليه وسلاحاً، فقال لسعيد الحاجب: أُهْجُمْ عليه بالليل وخذ ما تجد عنده من الأموال والسلاح، واحمله إليَّ.

قال إبراهيم بن محمد: فقال لي سعيد الحاجب: صرت إلى داره بالليل ومعي سلم فصعدت السطح، فلما نزلت على بعض الدرج في الظلمة، لم أدر كيف أصل إلى الدار، فناداني: يا سعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت فوجدته: عليه جبة صوف وقلنسوة منها وسجادة، على حصير بين يديه، فلم أشك أنه كان يصلي، فقال لي: دونك البيوت فدخلتها وفتشتها فلم أجد فيها شيئاً، ووجدت البدرة في بيته مختومة بخاتم أم المتوكل وكيساً مختوماً وقال لي: دونك المصلى، فرفعته فوجدت سيفاً في جفن غير ملبس.

فأخذت ذلك وصرت إليه، فلما نظر إلى خاتم أمه على البدرة بعث إليها فخرجت إليه، فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت له: كنت قد نذرت في علتك لما آيست منك إن عوفيت حملت إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه، وهذا خاتمي على الكيس، وفتح الكيس الآخر فإذا فيه أربعمائة دينار، فضم إلى البدرة بدرة أخرى وأمرني بحمل ذلك إليه فحملته، ورددت السيف

٧٤

والكيسين وقلت له: يا سيدي عَزَّ عليَّ! فقال لي: وَسَيَعْلَمُ أَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ».

أقول: البطحائي العلوي، الذي افترى على الإمام (ع) هو مع الأسف: محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي (ع).

٦. بنى المتوكل عاصمة جديدة بالإجبار:

من غطرسة المتوكل وبذخه: أنه قرر بناء عاصمة قرب سامراء، وسماها سامراء وأجبر الناس على أن يبنوا بيوتهم فيها، وكان يعطيهم نفقاتها، أو قسماً منها.

فقال الإمام الهادي (ع) كما في الهداية / ٣٢٠: « إن هذا الطاغية يبني مدينة يقال لها سامرا، يكون حتفه فيها على يد ابنه المسمى بالمنتصر، وأعوانه عليه الترك ...

ثم كان من أمر بناء المتوكل الجعفري وما أمر به بني هاشم وغيرهم من الأبنية هناك ما تحدث به، ووجه إلى أبي الحسن (ع) بثلاثين ألف درهم، وأمره أن يستعين بها على بناء دار، وركب المتوكل يطوف على الأبنية، فنظر إلى دار أبي الحسن (ع) لم ترتفع إلا قليلاً، فأنكر ذلك وقال لعبيد الله بن يحيى بن خاقان: عليَّ وعليَّ يميناً وأكدها: لئن ركبت ولم ترتفع دار أبي الحسن (ع) لأضربنَّ عنقه، فقال له عبيد الله: يا أمير المؤمنين لعله في إضاقة، فأمر له بعشرين ألف درهم وجه بها إليه مع أحمد ابنه، وقال له: تحدثه بما جرى، فصار إليه وأخبره بما جرى فقال: إنْ رَكِب فليفعل ذلك! ورجع أحمد إلى أبيه عبيد الله فعرفه ذلك، فقال عبيد الله: ليس والله يركب »! أي قال رئيس الوزراء: إن المتوكل لن يركب، لأنه يعرف أن الإمام (ع) يتكلم بإلهام من الله تعالى!

٧٥

٧. حاول المتوكل إذلال الإمام (ع) فدعا عليه:

« عن زرافة حاجب المتوكل وكان شيعياً أنه قال: كان المتوكل لحظوة الفتح بن خاقان عنده وقربه منه دون الناس جميعاً، ودون ولده وأهله، أراد أن يبين موضعه عندهم. فأمر جميع مملكته من الأشراف من أهله وغيرهم، والوزراء والأمراء والقواد وسائر العساكر ووجوه الناس، أن يَزَّينوا بأحسن التزيين، ويظهروا في أفخر عُدَدهم وذخائرهم، ويَخرجوا مشاة بين يديه، وأن لا يَركب أحد إلا هو والفتح بن خاقان خاصة بسر من رأى!

ومشى الناس بين أيديهما على مراتبهم رَجَّالَة، وكان يوماً قائظاً شديد الحر.

وأخرجوا في جملة الأشراف أبا الحسن علي بن محمد (ع) وشقَّ ما لقيه من الحر والزحمة. قال زرافة: فأقبلت إليه وقلت له: يا سيدي يعز والله عليَّ ما تلقى من هذه الطغاة، وما قد تكلفته من المشقة، وأخذت بيده فتوكأ عليَّ وقال: يا زرافة ما ناقة صالح عند الله بأكرم مني، أوقال بأعظم قدراً مني، ولم أزل أسائله وأستفيد منه، وأحادثه إلى أن نزل المتوكل من الركوب وأمر الناس بالإنصراف. فقدمت إليهم دوابهم فركبوا إلى منازلهم، وقدمت بغلة له فركبها وركبت معه إلى داره فنزل وودعته وانصرفت إلى داري، ولوُلدي مؤدبٌ يتشيع من أهل العلم والفضل، وكانت لي عادةٌ بإحضاره عند الطعام، فحضر عند ذلك وتجارينا الحديث، وما جرى من ركوب المتوكل والفتح، ومشي الأشراف وذوي الأقدار بين أيديهما، وذكرت له ما شاهدته من أبي الحسن علي بن محمد

٧٦

وما سمعته من قوله: ما ناقة صالح عند الله بأعظم قدراً مني. وكان المؤدب يأكل معي فرفع يده وقال: بالله إنك سمعت هذا اللفظ منه؟ فقلت له: والله إني سمعته يقوله، فقال لي: إعلم أن المتوكل لا يبقى في مملكته أكثر من ثلاثة أيام ويهلك! فانظر في أمرك وأحرز ما تريد إحرازه وتأهب لأمرك كي لا يفجؤكم هلاك هذا الرجل فتهلك أموالكم بحادثة تحدث أوسبب يجري.

فقلت له: من أين لك ذلك؟ فقال: أما قرأت القرآن في قصة صالح والناقة وقوله تعالى: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ. ولا يجوز أن تبطل قول الإمام (ع)! قال زرافة، فوالله ما جاء اليوم الثالث حتى هجم المنتصر ومعه بغا ووصيف والأتراك على المتوكل فقتلوه وقطعوه، والفتح بن خاقان جميعاً، قطعاً حتى لم يعرف أحدهما من الآخر، وأزال الله نعمته ومملكته!

فلقيت الإمام أبا الحسن (ع) بعد ذلك وعرفته ما جرى مع المؤدب وما قاله، فقال: صدق إنه لما بلغ مني الجهد رجعت إلى كنوز نتوارثها من آبائنا هي أعز من الحصون والسلاح والجنن، وهودعاء المظلوم على الظالم، فدعوت به عليه فأهلكه الله ». « مهج الدعوات / ٢٦٧ ».

وفي الخرائج: ١ / ٤٠٢: ذكر زرافة حديثه مع مؤدبه وقال: « فغضبت عليه وشتمته وطردته من بين يدي، فخرج. فلما خلوت بنفسي تفكرت وقلت: ما يضرني أن آخذ بالحزم، فإن كان من هذا شئ كنت قد أخذت بالحزم، وإن لم يكن لم يضرني ذلك، قال: فركبت إلى دار المتوكل فأخرجت كل ما كان لي فيها، وفرقت كل ما

٧٧

كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم، ولم أترك في داري إلا حصيراً أقعد عليه. فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل وسلمت أنا ومالي، فتشيعت عند ذلك وصرت إليه، ولزمت خدمته، وسألته أن يدعولي وتوليته حق الولاية ».

وفي الثاقب / ٥٣٩: « سمعت من سعيد الصغير الحاجب قال: دخلت على سعيد بن صالح الحاجب فقلت: يا أبا عثمان قد صرت من أصحابك، وكان سعيد يتشيع. فقال: هيهات! قلت: بلى والله. فقال: وكيف ذلك؟ قلت: بعثني المتوكل وأمرني أن أكبس على علي بن محمد بن الرضا فأنظر ما فعل، ففعلت ذلك فوجدته يصلي فبقيت قائماً حتى فرغ، فلما انفتل من صلاته أقبل عليَّ وقال: يا سعيد، لا يكف عني جعفر أي المتوكل حتى يقطع إرباً إرباً! إذهب واعزب، وأشار بيده الشريفة فخرجت مرعوباً ودخلني من هيبته ما لا أحسن أن أصفه! فلما رجعت إلى المتوكل سمعت الصيحة والواعية، فسألت عنه فقيل: قتل المتوكل، فرجعنا وقلتُ بها ».

أقول: كذب سعيد، فقد كان جلوازاً سيَّافاً عند بني العباس، ثم ادعى التشيع!

وفي الخرائج: ١ / ٤١٢: « حدثنا ابن أرومة قال: خرجت أيام المتوكل إلى سر من رأى فدخلت على سعيد الحاجب ودفع المتوكل أبا الحسن إليه ليقتله، فلما دخلت عليه، قال: تحب أن تنظر إلى إلهك؟ قلت: سبحان الله إلهي لا تدركه الأبصار. قال: هذا الذي تزعمون أنه إمامكم! قلت: ما أكره ذلك. قال: قد أمرت بقتله وأنا فاعله غداً وعنده صاحب البريد فإذا خرج فادخل إليه.

٧٨

فلم ألبث أن خرج قال: أدخل، فدخلت الدار التي كان فيها محبوساً فإذا هو ذا بحياله قبر يحفر، فدخلت وسلمت وبكيت بكاءً شديداً، قال: ما يبكيك؟ قلت: لما أرى. قال: لا تبك لذلك فإنه لا يتم لهم ذلك. فسكن ما كان بي فقال: إنه لا يلبث أكثر من يومين حتى يسفك الله دمه ودم صاحبه الذي رأيته. قال: فوالله ما مضى غير يومين حتى قتل وقتل صاحبه ».

٨. أظهر الله قدرة وليه (ع) فخاف الطاغية:

روى الخصيبي في الهداية الكبرى / ٣٢٢: « عن الحسن بن مسعود وعلي وعبيد الله الحسني، قال: دخلنا على سيدنا أبي الحسن (ع) بسامرا وبين يديه أحمد بن الخصيب ومحمد وإبراهيم الخياط، وعيونهم تفيض من الدمع، فأشار الينا (ع) بالجلوس فجلسنا وقال: هل علمتم ما علمه إخوانكم؟ فقلنا: حدثنا منه يا سيدنا ذكراً. قال: نعم، هذا الطاغي قال مسمعاً لحفدته وأهل مملكته: تقول شيعتك الرافضة إن لك قدرة، والقدرة لا تكون إلا لله، فهل تستطيع إن أردت بك سوءً أن تدفعه؟ فقلت له: وإن يمسك الله بسوء فلا كاشف له إلا هو.

فأطرق ثم قال: إنك لتروي لكم قدرة دوننا، ونحن أحق به منكم، لأننا خلفاء وأنتم رعيتنا. فأمسكت عن جوابه، لأنه أراد أن يبين جبره بي، فنهضت فقال: لتقعدن وهو مغضب، فخالفت أمره وخرجت، فأشار إلى من حوله: الآن خذوه، فلم تصل أيديهم إليَّ وأمسكها الله عني! فصاح: الآن قد أريتنا قدرتك والآن نريك قدرتنا، فلم يستتم كلامه حتى زلزلت الأرض ورجفت!

٧٩

فسقط لوجهه، وخرجتُ فقلت: في غدٍ الذي يكون له هنا قدرة يكون عليه الحكم لا له. فبكينا على إمهال الله له وتجبره علينا وطغيانه.

فلما كان من غد ذلك اليوم، فأذن لنا فدخلنا فقال: هذا ولينا زرافة يقول إنه قد أخرج سيفاً مسموماً من الشفرتين، وأمره أن يرسل إليَّ فإذا حضرت مجلسه أخلى زرافة لأمته مني ودخل إلي بالسيف ليقتلني به، ولن يقدر على ذلك.

فقلنا: يا مولانا إجعل لنا من الغم فرجاً. فقال: أنا راكب إليه فإذا رجعت فاسألوا زرافة عما يرى. قال: وجاءته الرسل من دار المتوكل، فركب وهويقول: إن كيد الشيطان كان ضعيفاً. ولم نزل نرقب رجوعه إلى أن رجع ومضينا إلى زرافة فدخلنا عليه في حجرة خلوته فوجدناه منفرداً بها واضعاً خده على الأرض يبكي ويشكر الله مولاه ويستقيله، فما جلس حتى أتينا إليه فقال لنا: أجلسوا يا إخواني حتى أحدثكم بما كان من هذا الطاغي، ومن مولاي أبي الحسن (ع)، فقلنا له: سُرَّنَا سَرَّك الله، فقال: إنه أخرج إلي سيفاً مسموم الشفرتين وأمرني ليرسلني إلى مولاي أبي الحسن إذا خلا مجلسه فلا يكون فيه ثالث غيري وأعلومولاي بالسيف فأقتله. فانتهيت إلى ما خرج به أمره إليَّ فلما ورد مولاي للدار وقفت مشارفاً فاعلم ما يأمر به، وقد أخليت المجلس وأبطأت، فبعث إلي هذا الطاغي خادماً يقول إمض ويلك ما آمرك به. فأخذت السيف بيدي ودخلت، فلما صرت في صحن الدار ورآني مولاي فركل برجله وسط المجلس فانفجرت الأرض، وظهر منها ثعبان عظيم فاتحٌ فاه، لوابتلع سامرا ومن فيها لكان في فيه

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477