أدب الطف الجزء ٦

أدب الطف17%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 336

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 336 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 113866 / تحميل: 8863
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ولكنّه كان يعطي من قصده من ذوي الحاجات ولا يخيّب رجاء لمن استعان به على مروءة.

وفاء وشجاعة:

وقد اشتهر مع الجود بصفتين من أكرم الصفات الإنسانيّة وأليقهما ببيته وشرفه، وهُما الوفاء والشّجاعة؛ فمن وفائه أنّه أبى الخروج على معاوية بعد وفاة أخيه الحسن؛ لأنّه عاهد معاوية على المسالمة، وقال لأنصاره الذين حرّضوه على خلع معاوية: إن بينه وبين الرّجل عهداً وعقداً لا يجوز له نقضه حتّى تمضي المدة. وكان معاوية يعلم وفاءه وجوده معاً، فقال لصحبه يوماً وقد أرسل الهدايا إلى وجوه المدينة من كسي وطيب وصلات: إن شئتم أنبأناكم بما يكون من القوم أمّا الحسن فلعلّه ينيل نساءه شيئاً من الطيب ويهب ما بقي مَن حضره ولا ينتظر غائباً، وأمّا الحُسين فيبدأ بأيتام من قُتل مع أبيه بصفّين، فإن بقي شيء نحر به الجزر وسقى به اللبن

وشجاعة الحُسين صفة لا تستغرب منه؛ لأنّها الشيء من معدنه كما قيل، وهي فضيلة ورثها عن الآباء وأورثها الأبناء بعده، وقد شهد الحروب في افريقية الشّمالية وطبرستان والقسطنطينية، وحضر مع أبيه وقائعه جميعاً من الجمل إلى صفّين. وليس في بني الإنسان مَن هو أشجع قلباً ممّن أقدم على ما أقدم عليه الحُسين في يوم كربلاء.

٦١

وقد تربّى للشجاعة كما تلقاها في الدم بالوراثة، فتعلّم فنون الفروسية كركوب الخيل والمصارعة والعدو من صباه، ولم تفته ألعاب الرياضة التي تتمّ بها مرانة الجسم على الحركة والنّشاط ومنها لعبة تشبه الجولف عند الأوروبيّين كانوا يسمونها المداحي ( جمع مدحاة ): وهي أحجار مثل القرصة يحفرون في الأرض حفرة ويرسلون تلك الأحجار، فمن وقع حجره في الحفيرة فهو الغالب.

* * *

أمّا عاداته في معيشته، فكان ملاكها لطف الحسّ وجمال الذوق والقصد في تناول كلّ مباح، كان يحبّ الطيب والبخور، ويأنق للزهر والريحان. وروى أنس بن مالك: أنّه كان عنده فدخلت عليه جارية بيدها طاقة من ريحان فحيّته بها، فقال لها:(( أنت حرّة لوجه الله تعالى )). فسأله أنس - متعجباً -: جارية تجيئك بطاقة ريحان فتعتقها؟! قال:(( كذا أدّبنا الله قال تبارك وتعالى: ( وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدّوهَا ) (١) ...وكان أحسن منها عتقها )).

وكان يميل للفكاهة ويأنس في أوقات راحته لأحاديث أشعب وأضاحيكه، ولكنّه على شيوع الترف في عصره لم يكن يقارب منه إلاّ

____________________

(١) سورة النّساء / ٨٦.

٦٢

ما كان يجمل بمثله، حتّى تحدّث المتحدثون: أنّه لا يعرف رائحة الشّراب وكانت له صلوات يؤدّيها غير الصّلوات الخمس، وأيّام من الشّهر يصوم نهارها ويقوم ليلها

وقد عاش سبعاً وخمسين سنة بالحساب الهجري، وله من الأعداء من يصدقون ويكذبون فلم يعبه أحد منهم بمعابة ولم يملك أحد منهم أن ينكر ما ذاع من فضله، حتّى حار معاوية بعيبه حين استعظم جلساؤه خطاب الحُسين له، واقترحوا عليه أن يكتب إليه بما يصغّره في نفسه، فقال: إنّه كان يجد ما يقوله في عليّ، ولكن لا يجد ما يقوله في حُسين.

تلك جملة القول في سيرة أحد الخصمين

خُلق يزيد:

ويقف خصمه أمامه موقف المقابلة والمناقضة لا موقف المقارنة والمعادلة في معظم خلائقه وعاداته وملكاته وأعماله.

فيزيد بن معاوية عريق النّسب في بني عبد مُناف ثمّ في قريش، ولكن الأصدقاء والخصوم والمادحين والقادحين متّفقون على وصف الخلائق التي اشتهر بها أبناء هذا الفرع من عبد مُناف, وأشهرها الأثرة،

٦٣

وأحمد ما يُحمد منها أنّها تنفع النّاس من طريق النّفع لأصحابها، وندر من وجوه الاُمويّين في الجاهليّة أو الإسلام من اشتهر بخصلة تجلب إلى صاحبها ضرراً أو مشقّة في سبيل نفع النّاس

وبيت أبي سفيان بيت سيادة مرعية لا مراء فيها ولكن الحقيقة التي ينبغي أنْ نذكرها في هذا المقام: إنّ معاوية بن أبي سفيان لم يكن ليرث شيئاً من هذه السّيادة التي كان قوامها كلّه وفرة المال، لأنّ أبا سفيان - على ما يظهر - قد أضاع ماله في حروب الإسلام ولم يكن له من الوفر ما يبقى على كثرة الورّاث. وروي أنّ امرأة استشارت النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في التزوّج بمعاوية، فقال لها:(( إنّه صعلوك )).

كذلك ينبغي أنْ نذكر حقيقة اُخرى في هذا المقام، وهي أنّ معاوية لم يكن من كتّاب الوحي - كما أشاع خدّام دولته بعد صدر الإسلام -، ولكنّه كان يكتب للنبيعليه‌السلام في عامّة الحوائج وفي إثبات ما يُجبى من الصدقات وما يُقسّم في أربابها، ولم يُسمع عن ثقة قط أنّه كتب للنبي شيئاً من آيات القرآن الكريم.

وعُرفت لمعاوية خصال محمودة من خصال الجدّ والسّيادة؛ كالوقار والحلم والصبر والدهاء، ولكنّه على هذا كان لا يملك حلمه في فلتات تميد بالملك الرّاسخ، ومنها قتله حجر بن عدي وستة من أصحابه؛ لأنّهم كانوا

٦٤

ينكرون سبّ عليّ وشيعته، فما زال بقية حياته يندم على هذه الفعلة ويقول: ما قتلت أحّداً إلاّ وأنا أعرف فيم قتلته، ما خلا حجراً فإنّي لا أعرف بأيّ ذنب قتلته!

واُمّ يزيد هي ميسون بنت مجدل الكلبية من كرائم بني كلب المعرّقات في النّسب، وهي التي كرهت العيش مع معاوية في دمشق وقالت تتشوق إلى عيش البادية:

لـلبسُ عباءةٍ وتقرَّ عيني

أحبُّ إليَّ منْ لبسِ الشّفوفِ

وبـيتٌ تخفق الأرواحُ فيه

أحبُّ إليَّ منْ قصرٍ منيفِ

ومن هذه الأبيات قولها:

وخِرقٌ منْ بني عمِّي فقيرٌ

أحبُّ إليَّ منْ علجٍ عنيفِ

فأرسلها وابنها يزيد إلى باديتها، فنشأ يزيد مع اُمّه بعيداً عن أبيه.

* * *

وقد أفاد من هذه النشأة البدوية بعض أشياء تنفع الأقوياء، ولكنّها على ما هو مألوف في أعقاب السّلالات القويّة تضيرهم وتجهز على ما بقي من العزيمة فيهم

٦٥

فكان ما استفاده من بادية بني كليب بلاغة الفُصحى، وحُبّ الصيد، وركوب الخيل، ورياضة الحيوانات ولا سيّما الكلاب.

وهذه صفات في الرّجل القوي تزينه وتشحذ قواه، ولكنّها في أعقاب السّلالات أو عكارة البيت - كما يُقال بين العامّة - مدعاة إلى الإغراق في اللهو والولع بالفراغ؛ لأنّها هي عنده كلّ شيء وليست مدداً لغيرها من كبار الهمم وعظائم الهموم.

وهكذا انقلبت تلك الصفات في يزيد من المزية إلى النّقيصة فكان كلفه بالشعر الفصيح مغرياً له بمعاشرة الشعراء والندماء في مجالس الشراب، وكان ولعه بالصيد شاغلاً يحجبه عن شواغل الملك والسّياسة، وكانت رياضته للحيوانات مهزلة تلحقه بأصحاب البطالة من القرادين والفهادين، فكان له قرد يدعوه ( أبا قيس )، يُلبسه الحرير ويطرّز لباسه بالذهب والفضّة ويحضره مجالس الشراب، ويركبه أتاناً في السّباق ويحرص على أن يراه سابقاً مجلياً على الجياد، وفي ذلك يقول يزيد كما جاء في بعض الرّوايات:

تـمسَّك أبـا قيسٍ بفضلِ عنانها

فـليسَ عليها إنْ سقطتَ ضمانُ

ألا منْ رأى القردَ الذي سبقتْ بهِ

جـيادَ أمـير الـمؤمنين أتـانُ

٦٦

وقد يكون عبد الله بن حنظلة مُبالغاً في المذمّة حين قال فيما نُسب إليه: والله، ما خرجنا مع يزيد حتّى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السّماء، إنّ رجلاً ينكج الاُمّهات والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة، والله، لو لم يكن معي أحد من النّاس، لأبليت الله فيه بلاء حسناً.

* * *

ولكن الرّوايات لم تجمع على شيء كإجماعها على إدمانه الخمر، وشغفه باللذات، وتوانيه عن العظائم وقد مات بذات الجنب وهو لما يتجاوز السّابعة والثلاثين، ولعلّها إصابة الكبد من إدمان الشراب والإفراط في اللذات. ولا يعقل أن يكون هذا كلّه اختلاقاً واختراعاً من الأعداء؛ لأنّ النّاس لم يختلقوا مثل ذلك على أبيه أو على عمرو بن العاص وهُما بغيضان أشدّ البغض إلى أعداء الاُمويّين ولأنّ الذين حاولوا ستره من خدّام دولته لم يحاولوا الثناء على مناقب فيه تحلّ عندهم محلّ مساوئه وعيوبه، كأن الاجتراء على مثل هذا الثناء من وراء الحسبان.

ولم يكن هذا التخلّف في يزيد من هزال في البنية أو سقم اعتراه كذلك السّقم الذي يعتري أحياناً بقايا السّلالات التي تهمّ بالانقراض والدثور، ولكنّه كان هزالاً في الأخلاق وسقماً في الطوية قعد به عن العظائم مع وثوق بنيانه وضخامة جثمانه واتصافه ببعض الصفات الجسدية

٦٧

التي تزيد في وجاهة الاُمراء كالوسامة وارتفاع القامة وقد اُصيب في صباه بمرض خطير - وهو الجدري - بقيت آثاره في وجهه إلى آخر عمره، ولكنّه مرض كان يشيع في البادية ولم يكن من دأبه أن يقعد بكلّ من اُصيب به عن الطموح والكفاح.

* * *

وعلى فرط ولعه بالطراد حين يكون الطراد لهواً وفراغاً، كانت همّته الوانية تفترّ به عن الطراد حين تتسابق إليه عزائم الفرسان في ميادين القتال ولو كان دفاعاً عن دينه ودُنياه.

فلمّا سيّر أبوه جيش سفيان بن عوف إلى القسطنطينية لغزو الرّوم ودفاعاً عن بلاد الإسلام - أو بلاد الدولة الاُمويّة -، تثاقل وتمارض حتّى رحل الجيش، وشاع بعد ذلك أنّه اُمتحن في طريقه ببلاء المرض والجوع، فقال يزيد:

ما أن أُبالي بما لاقتْ جُمُوعهم

بالفرقدُونةِ من حمّى ومنْ مُومِ

إذا اتكأتُ على الأنماطِ مرتفقاً

بـدَيرِ مـرّان عندي أُم كلثومِ

فأقسم أبوه حين بلغه هذان البيتان ليلحقن بالجيش؛ ليدرأ عنه عار

٦٨

النكول والشّماتة بجيش المسلمين بعد شيوع مقاله في خلواته

* * *

ومن أعجب عجائب المناقضة التي تمّت في كلّ شيء بين الحُسين ويزيد، أنّ يزيد لم يختصّ بمزية محمودة تقابل نظائرها من مزايا الحُسين، حتّى في تلك الخصال التي تأتي بها المصادفة ولا فضل فيها لأصحابها ومنها مزية السن وسابقة الميلاد فلمّا تنازعا البيعة كان الحُسين في السّابعة والخمسين مكتمل القوّة ناضج العقل وفي المعرفة بالعلم والتجربة، وكان يزيد في نحو الرّابعة والثلاثين لم يمارس من شئون الرّعاة ولا الرّعية ما ينفعه بين هؤلاء أو هؤلاء.

ومزيّة السن هذه قد يطول فيها الأخذ والرّد بين أبناء العصور الحديثة، ولكنّها كانت تقطع القول في اُمّة العرب، حيث نشأ الأسلاف والأخلاف على طاعة الشّيوخ ورعاية الأعمار وهذا على أنّ السّابعة والخمسين ليست بالسن التي تعلو بصاحبها في الكبر حتّى تسلبه مزيّة الفتوّة ومضاء العزيمة

كذلك لا يُقال أنّ الوراثة المشروعة في الممالك كان لها شأن يرجح بيزيد على الحُسين في ميزان العروبة والإسلام. فقد كان توريث معاوية ابنه على غير وصية معروفة من السّلف بدعة هرقلية كما سمّاها المسلمون

٦٩

في ذلك الزمان، ولم يكن معقولاً أنّ العرب في صدر الإسلام يوجبون طاعة يزيد لأنّه ابن معاوية وهّم لم يوجبوا طاعة آل النّبي في أمر الخلافة لأنّهم قرابة مُحمّدعليه‌السلام .

فقد شاءت عجائب التاريخ إذن أن تقيم بين ذينك الخصمين قضية تتضح فيها النزعة النفعية على نحو لم تتضحه قط في أمثالها من القضايا، وقد وجب أن ينخذل يزيد كلّ الخذلان لولا النزعة النفعية التي أعانته وهو غير صالح لأن يستعين بها بغير أعوان من بطانته وأهله، ولئن كان في تلك النزعة النفعية مسحة تشوبها من غير معدنها الوضيع لتكونن هي عصبية القبيلة من بني اُميّة، وهي هُنا نزعة مواربة تعارض الإيمان الصريح ولا تسلم من الختل والتلبيس.

* * *

لهذا شكّ بعض النّاس في إسلام ذلك الجيل من الاُمويّين، وهو شكّ لا نرتضيه من وجهة الدلائل التاريخية المتّفق عليها. فقد يخطر لنا الشكّ في صدق دين أبي سفيان؛ لأنّ أخباره في الإسلام تحتمل التأويلين، ولكن معاوية كان يؤدّي الفرائض ويتبرّك بتراث النّبي ويوصي أن تُدفن معه أظافره التي حفظها إلى يوم وفاته. وليس بيسير علينا أن نفهم كيف ينشأ معاوية الثاني على تلك التقوى وذلك الصلاح وهو ناشئ في بيت مدخول الإسلام، ويتصارح أهله أحياناً بما ينمّ على الكفر به أو التردّد فيه

٧٠

إنّما هي الأثرة، ثمّ الخرق في السّياسة، ثمّ التمادي في الخرق مع استثارة العناد والعداء. وفي تلك الأثرة ولواحقها ما ينشئ المقابلة من أحد طرفيها في هذه الخصومة، ويتمّ المناظرة في شتّى بواعثها بين ذينك الخصمين الخالدين، ونعني بهما هُنا المثالية والواقعية، وما الحُسين واليزيد إلاّ المثالان الشّاخصان منهما للعيان

* * *

٧١

٧٢

أعوان الفريقين

رجال المعسكرين:

كان الحُسين في طريقه إلى الكوفة - يوم دعاه شيعته إليها - يسأل من يلقاهم عن أحوال النّاس فينبئونه عن موقفهم بينه وبين بني اُميّة، وقلّما اختلفوا في الجواب

سأل الفرزدق وهو خارج من مكّة - والفرزدق مشهور بالتشيّع لآل البيتعليهم‌السلام - فقال له: قلوب النّاس معك وسيوفهم مع بني اُميّة، والقضاء ينزل من السّماء، والله يفعل ما يشاء.

وقال له مجمع بن عبيد العامري: أمّا أشراف النّاس فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائزهم فهم ألب واحد عليك، وأمّا سائر النّاس بعدهم فإنّ قلوبهم تهوى إليك وسيوفهم غداً مشهورة عليك.

وقد أصاب الفرزدق وأصاب مجمع بن عبيد، فإنّ النّاس جميعاً كانوا بأهوائهم وأفئدتهم مع الحُسين بن عليّ ما لم تكن لهم منفعة موصولة بمُلك بني اُميّة، فهم إذن عليه بالسّيوف التي تشهرها الأيدي دون القلوب.

٧٣

وقد أعظمت الرّشوة للرؤساء وأعظمت لهم من بعدها الوعود والآمال، فعلموا أنّ دوام نعمتهم من دوام مُلك بني اُميّة

فأمّا الرؤساء الذين كانت لهم مكانتهم بمعزل عن الملك القائم، فقد كانوا ينصرون حُسيناً ولا ينصرون الاُمويّين أو كانوا يصانعون الاُمويّين ولا يبلغون بالمصانعة أن يشهروا الحرب على الحُسين.

ومن هؤلاء؛ هانئ بن عروة من كبار الزعماء في قبائل كندة، وشريك بن الأعور، وسليمان بن صرد الخزاعي، وكلاهما من ذوي الشّرف والدين.

بل كان من العاملين لبني اُميّة من يخزه ضميره إذا بلغ العداء للحُسين أشدّه، فيترك معسكر بني اُميّة ليلوذ بالمعسكر الذي كتب عليه الموت والبلاء، كما فعل الحرّ بن يزيد الرّياحي في كربلاء وقد رأى القوم يهمّون بقتل الحُسين ولا يقنعون بحصاره، فسأل عمر بن سعد قائد الجيش: أمُقاتل أنت هذا الرّجل؟

فلمّا قال: نعم، ترك الجيش الأموي وذهب يقترب من الحُسين حتّى داناه، فقال له: جُعلت فداك يابن رسول الله! أنا صاحبك حبستك عن الرجوع وجعجعت بك في هذا المكان، وما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم. ووالله، لو علمت أنّهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت مثل الذي ركبت، وإنّي تائب إلى الله ممّا صنعت، فهل ترى لي من توبة؟

فقبل الحُسين توبته وجعل الرّجل يُقاتل من ساعتها حتّى قُتل،

٧٤

وآخر كلمة على لسانه فاه بها: السّلام عليك يا أبا عبد الله.

* * *

فمجمل ما يقال على التحقيق انه لم يكن في معسكر يزيد رجل يعينه على الحسين إلاّ وهو طامع في مال، مستميت في طمعه استماتة من يهدر الحرمات ولا يبالي بشيء منها في سبيل الحطام.

ولقد كان لمعاوية مشيرون من ذوي الرأي كعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه، وأضرابهم من اُولئك الدهاة الذين يسمّيهم التاريخ أنصار دول وبناة عروش وكان لهم من سمعة معاوية وذرائعه شعار يدارون به المطامع ويتحللون من التأثيم، لكن هؤلاء بادوا جميعاً في حياة معاوية، ولم يبقَ ليزيد مشير واحد ممّن نسمّيهم بأنصار الدول وبناة العروش، وإنّما بقيت له شرذمة على غراره أصدق ما توصف به أنها شرذمة جلادين، يقتلون من أمروا بقتله ويقبضون الأجر فرحين ...

فكان أعوان معاوية ساسة وذوي مشورة، وكان أعوان يزيد جلادين وكلاب طراد في صيد كبير، وكانوا في خلائقهم البدنية على المثال الذي يعهد في هذه الطغمة

٧٥

من النّاس، ونعني به مثال المسخاء المشوهين اُولئك الذين تمتلئ صدورهم بالحقد على أبناء آدم ولا سيّما مَن كان منهم على سواء الخلق وحسن الأحدوثة، فإذا بهم يفرغون حقدهم في عدائه وإن لم ينتفعوا بأجر أو غنيمة، فإذا انتفعوا بالأجر والغنيمة فذلك هو حقد الضراوة الذي لا تُعرف له حدود

وشرّ هؤلاء جميعاً هُم: شمر بن ذي الجوشن، ومُسلم بن عقبة، وعبيد الله بن زياد، ويلحق بزمرتهم على مثال قريب من مثالهم عمر بن سعد بن أبي وقاص؛ فشمر بن ذي الجوشن كان أبرص كريه المنظر قبيح الصورة، وكان يصطنع المذهب الخارجي ليجعله حجة يحارب بها عليّاً وأبناءه، ولكنّه لا يتخذه حجّة ليحارب بها معاوية وأبناءه كأنّه يتّخذ الدين حجّة للحقد، ثمّ ينسى الدين والحقد في حضرة المال.

* * *

ومُسلم بن عقبة مخلوق مسمم الطبيعة في مسلاخ إنسان، وكان أعور أمغر ثائر الرّأس، كأنّما يقلع رجليه من وحل إذا مشي. وقد بلغ من ضراوته بالشرّ وهو شيخ فانٍ مريض، أنّه أباح المدينة في حرم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أيّام، واستعرض أهلها بالسّيف جزراً كما يجزر القصّاب الغنم حتّى ساخت الأقدام في الدم، وقتل أبناء المهاجرين

٧٦

والأنصار وذرّيّة أهل بدر، وأخذ البيعة ليزيد بن معاوية على كلّ من استبقاه من الصحابة والتابعين على أنّه عبدٌ قنٌّ لأمير المؤمنين

وانطلق جنده في المدينة إلى جوار قبر النّبي يأخذون الأموال ويفسقون بالنّساء، حتّى بلغ القتلى في تقدير الزهري سبعمئة من وجوه النّاس وعشرة آلاف من الموالي، ثمّ كتب إلى يزيد يصف له ما فعل وصف الظافر المتهلل، فقال بعد كلام طويل:

فأدخلنا الخيل عليهم فما صلّيت الظهر أصلح الله أمير المؤمنين إلاّ في مسجدهم بعد القتل الذريع والانتهاب العظيم وأوقعنا بهم السّيوف وقتلنا من أشرف لنا منهم واتبعنا مدبرهم وأجهزنا على جريحهم وانتهبناها ثلاثاً كما قال أمير المؤمنين أعزّ الله نصره، وجعلت دور بني الشّهيد عثمان بن عفان في حرز وأمان، والحمد لله الذي شفا صدري من قتل أهل الخلاف القديم والنّفاق العظيم، فطالما عتوا وقديماً ما طغوا، أكتب هذا إلى أمير المؤمنين وأنا في منزل سعيد بن العاص مدنفاً مريضاً ما أراني إلاّ لما بي فما كنت أبالي متى متّ بعد يومي هذا

* * *

وكلّ هذا الحقد المتأجج في هذه الطوية العفنة إنّما هو الحقد في طبائع المسخاء الشّائهين يوهم نفسه أنّه الحقد من ثأر عثمان أو من خروج قوم على مُلك يزيد

وكان عُبيد الله بن زياد متّهم النّسب في قريش؛ لأنّ أباه زياداً كان

٧٧

مجهول الأب، فكانوا يسمونه زياد بن أبيه، ثمّ ألحقه معاوية بأبي سفيان؛ لأنّ أبا سفيان ذكر بعد نبوغ زياد، أنّه كان قد سكر بالطائف ليلة فالتمس بغياً فجاءوه بجارية تدعى سميّة، فقالت له بعد مولد زياد: أنّها حملت به في تلك الليلة. وكانت اُمّ عبيد الله جارية مجوسية تدعى مرجانة، فكانوا يعيرونه بها وينسبونه إليها.

ومن عوارض المسخ فيه - وهي عوارض لها في نفوس العرب دخلة تورث الضغن والمهانة - إنّه كان ألكن اللسان لا يقيم نطق الحروف العربيّة، فكان إذا عاب الحروري من الخوارج، قال: هروري. فيضحك سامعوه، وأراد مرّة أن يقول: اشهروا سيوفكم. فقال: افتحوا سيوفكم فهجاه يزيد بن مفرغ قائلاً:

ويومَ فتحتَ سيفكَ من بعيدٍ

أضعتَ وكلّ أمركَ للضّياعِ

ولم يكن أهون لديه من قطع الأيدي والأرجل والأمر بالقتل في ساعة الغضب لشبهة ولغير شبهة، ففي ذلك يقول مُسلم بن عقيل وهو صادق مؤيد بالأمثال والمثلات: ويقتل النّفس التي حرّم الله قتلها على الغضب وسوء الظن، وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئاً.

وقد كانت هذه الضراوة على أعنفها وأسوئها يوم تصدّى عبيد الله بن زياد لمنازلة الحُسين؛ لأنّه كان يومئذ في شره الشباب لم يتجاوز

٧٨

الثامنة والعشرين، وكان يزيد يبغضه ويبغض أباه؛ لأنّه كان قد نصح لمعاوية بالتمهل في الدعوة إلى بيعة يزيد، فكان عبيد الله من ثمّ حريصاً على دفع الشّبهة والغلو في إثبات الولاء للعهد الجديد

والذين لم يمسخوا في جبلتهم وتكوينهم هذا المسخ من أعوان يزيد بن معاوية، كان الطمع في المناصب والأموال واللذات قد بلغ ما يبلغه المسخ من تحويل الطبائع وطمس البصائر ومغالطة النّفوس في الحقائق

* * *

ومن هذا القبيل عمر بن سعد بن أبي وقاص، الذي أطاع عبيد الله بن زياد في وقعة كربلاء، ولم يعدل بتلك الوقعة عن نهايتها المشئومة، وقد كان العدول بها عن تلك النّهاية في يديه.

فقد أغرى عمر بن سعد بولاية الرّي - وهي درّة التاج في مُلك الأكاسرة الأقدمين - وكان يتطلع إليها منذ فتحها أبوه القائد النبيل العزوف، ويُنسب إليه أنّه قال وهو يراود نفسه على مقاتلة الحُسين:

فوالله ما أدري وإني لحائرٌ

أُفكر في أمري على خطرينِ

٧٩

أأتـركُ مـلكَ الـريّ مـنيتي

أم أرجـعُ مـأثوماً بقتلِ حُسينِ

وفي قتلِهِ النّارُ التي ليسَ دونَها

حـجابٌ وملكُ الريّ قرةُ عيني

فإن لم تكن هذه الأبيات من لسانه فهي ولا شك من لسان حاله؛ لأنّها تسجّل الواقع الذي لا شبهة فيه

ومن الواقع الذي لا شبهة فيه أيضاً، أنّ عمر بن سعد هذا لم يخل من غلظة في الطبع على غير ضرورة ولا استفزاز، فهو الذي ساق نساء الحُسين بعد مقتله على طريق جثث القتلى التي لم تزل مطروحة بالعراء فصحن وقد لمحنها على الطريق صيحة أسالت الدمع من عيون رجاله، وهُم ممّن قاتل الحُسين وذويه

هؤلاء وأمثالهم لا يُسمون ساسة مُلك ولا تُسمى مهنتهم تدعيم سلطان، ولكنّهم يُسمون جلاّدين متنمرين يطيعون ما في قلوبهم من غلظة وحقد، ويطيعون ما في أيديهم من أموال ووعود وتُسمى مهمّتهم مذبحة طائشة لا يُبالي مَن يسفك فيها الدماء أي غرض يُصيب

* * *

ومنذ قضي على يزيد بن معاوية أن يكون هؤلاء وأمثالهم أعواناً له في

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

قد شعشعت سائر الأكوان مذ جليت

فقلت ينبوع نور فار باللهب

السمع في طرب والذوق في ضرب

والجو في لهب والقوم في عجب

آيات نظمك قد سيرتها مثلا

كالشمس تطلع في ناء ومقترب

أبعدت شوطك في مضمار سبقهم

ولم تدع للمجاري فيه من قصب

فصرت تمشي الهوينا إذ بلغت مدى

قد أمعنوا فيه بالتقريب والخبب

فلتسم قدراً وتزدد رتبة وعلا

مع مالها من رفيع القدر والرتب

وكتب عنه الأستاذ الخاقاني في ( شعراء الحلة ) وذكره صاحب ( الحصون ) ج ٩ ص ١٥٧ فقال: كان فاضلاً أديباً، بارعاً وشاعراً، حسن الشعر مقله حلو الانسجام بديع النظام، سكن النجف مدة ثم عاد إلى الحلة حيث أقام أبوه وأخوه، وبعد وفاة أبيه استوطن النجف هو وأخوه.

أقول إلى هذا الشاعر خاصة - دون غيره من آل النحوي - تنتمي الأسرة المعروفة في النجف الأشرف بـ ( آل الشاعر ). كانت وفاة الهادي النحوي سنة ١٢٣٥ - على الأشهر.

٢٤١

الشيخ حمزة النحوي

القرن الثالث عشر

قفوا بديار فاح من عرفها ند

ديار سعود ما لا ربابها ند

وإن أصحت قفراء من بعد أهلها

سلوا ربعها عن ريعها أيها الوفد

وخصوا سلام الصب عرب عريبها

سلام سليم لا يفارقه الود

محارب أعداهم وسلم محبهم

وباغض شانيهم وحر لهم عبد

لنحوكم النحوي ( حمزة ) قاصد

فحاشا لديكم أن يخيب له قصد

جفاني الكرى حتى أضر بي الجوى

وقرح أجفاني لبعدكم السهد

فمن وجدهم فان وجودي وقد غدا

ودادي لهم باق له خلدي خلد

فطوبى لحزوى والعقيق ورامة

ونجد لعمري للعليل بها نجد

إذا فاح طيب من أطائب طيبة

تأرج منه المندل الرطب والرند

هم شفعائي والذين أدخرتهم

ليوم به لا ينفع المال والولد

هم الذاكرون الله آناء ليلهم

نهارهم صوم وليلهم سهد

هم العالمون العالمون بهم هدوا

بواطنهم علم ظواهرهم رشد

٢٤٢

منار هدى أبياتهم كعبة الورى

ركوع سجود دون اعتابها الوفد

إلى أن عفت من بعدهم عرصاتها

وأمست خلاء لا سعاد ولا هند

سطت حادثات الدهر في كل نكبة

على أهلها خير العباد إذ عدوا

أآل منى نال المنى بولائكم

عبيدكم لا بل لعبدكم عبد

ويصف شجاعة الحسينعليه‌السلام بقوله:

لقد شهدت أفعاله الطف والعدا

كما شهدت أفعال والده أحد

بكرب البلا في كربلا يشتكي الظما

وليس له إلا دما نحره ورد

فيالك مقتولاً أجل الورى أباً

ويالك مظلوماً، له المصطفى جد

٢٤٣

الشيخ حمزة النحوي

شاعر أديب وفاضل أريب، والظاهر أنه من بيت النحوي الحليين المشهورين وفيهم شعراء أدباء كثيرون ذكروا في مطاوي هذا الكتاب، له القصيدة الدالية في مدح الأئمةعليهم‌السلام نحو ١٢٠ بيتاً لم يتيسر لنا الإطلاع على أولها:

قفوا بديار فاح من عرفها ند

ديار سعود مالاربابها ند

قال الشيخ اليعقوبي في البابليات: لم نقرأ من شعره في المجاميع سوى هذه القصيدة الدالية وهي طويلة وجدتها في مجموعة من مخطوطات أوائل القرن الثالث عشر فيها بعض القصائد والمقاطيع لكبير هذه الأسرة الشيخ أحمد النحوي، ولا أعلم ماذا يكون المترجم منه، وهل هو من أولاده أو أحفاده.

وجاء في شعراء الحلة للبحاثة الخاقاني:

الشيخ حمزة النحوي هو أحد أولئك الشعراء الذين شاءت الحوادث أن ينسى فقد جهلت كتب التراجم ذكره ولو لا العقيدة التي بعثت بكثير من المسجلين أن يدونوا ما قيل من الشعر في الإمام الحسين (ع) وآل البيت للدوافع القدسية التي فرضت عليهم أن يتبعوا ما قاله الشعراء لفاتنا أن نعرف اسمه أيضاً كما فاتنا أن نعرف من هو وما هي علاقته بآل النحوي فقد وجدت في أكثر من مجموع يرجع عهده إلى أكثر من قرن ونصف ذكر قصيدة له إلى جنب ما ذكر من شعراء الحلة ومن بينهم الشيخ أحمد وأبناءه محمد رضا وهادي وبمثل هذه القرائن وبما احتفظ به من لقب يجمعه بهم يتولد لدينا أنه من هذه الأسرة التي خدمت الأدب العربي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر للهجرة ولو لا هذه القصيدة لبقي الشيخ حمزة نسياً منسياً، انتهى.

٢٤٤

السيد باقر العطار

المتوفى ١٢٣٥

إلى الله أشكو وقع دهياء معضل

يشب لظى نيرانها بالضمائر

يعز على الإسلام أن حماته

تئن لهم حزناً قلوب المنابر

يعز على الدين الحنيفي أن غدت

معارفه مطموسة بالمناكر

يعز على الأشراف أن عميدها

يغيب بعين الله عن كل ناظر

يعز على المختار أن أمية

رمت ولده ظلماً بأدهى الفواقر

يعز على الكرار أن رجاله

أبيدوا بأطراف القنا والبواتر

عجبت لشمس كورت من بروجها

وبدر علا قد غاب بين الحفائر

عجبت لذي الأفلاك لم لا تعطلت

وغيب من آفاقها كل زاهر

ومن عجب أن يمنع السبط ورده

وفيض يديه كالبحور الزواخر

٢٤٥

السيد باقر بن ابراهيم بن محمد الحسني البغدادي

توفي سنة ١٢٣٥ ودفن في النجف الأشرف. في الطليعة، كان فاضلا أديباً مشاركاً وكان ناثراً شاعراً، قدم النجف لطلب العلم وبقي بها مدة مدح علماءها كالشيخ موسى والشيخ علي ابني الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء. وروى له جملة من الشعر. وذكره صاحب ( الروض النضير ) فقال: كان من أهل العلم والأدب والفضل والتقوى، وكانت وفاته حدود ١٢٤٠ وله شعر في أنواع شتى.

أما الصحيح في تاريخ وفاته فهو ما ذكره ولد الشاعر السيد حسن من أنه توفى سنة ١٢١٨ والناس أعرف بآبائهم من غيرهم. وترجم له البحاثة الخاقاني في ( شعراء الغري ) وذكر جملة من مراسلاته ومدائحه لعلماء عصره.

أقول ديوان المرحوم العلامة السيد باقر ابن السيد ابراهيم ابن السيد محمد الحسني الشهير بالعطار مخطوط بخط ولده السيد حسن المعروف بالأصم وقال في أوله:

ولد الوالد صاحب هذا الديوان السيد باقر يوم الأربعاء قبيل الظهر ثالث أو رابع شهر رمضان المبارك سنة ١١٧٧ وتوفي في يوم الخامس عشر من صفر سنة ١٢١٨.

وجاء في مقدمة الديوان: وبعد فيقول الفقير إلى الله الغني حسن بن باقر

٢٤٦

ابن ابراهيم الحسني، أني جامع في هذه الأوراق ما رق من شعر الوالد المرحوم وراق، ليضوع ولا يضيع وينشر طيب رياه ويشيع، وأرجو من الله التوفيق فهو حسبي ونعم الرفيق.

فمن شعره يستنهض الإمام المهديعليه‌السلام :

طلاب المعالي بالرقاق البواتر

ونيل الأماني بالعتاق الضوامر

وبالسابغيات المضاعف نسجها

وبالسمهريات اللدان الشواجر

تلوى بأيدى الشوس ليناً كأنها

صلال الأفاعي من خلال المغافر

وبالغارة الشعواء في ليل عثير

ترى القوم فيها دارعاً مثل حاسر

وبالعزمة الغراء لمع وميضها

تبسم عن ماض الغرارين باتر

وبالفتحة العضباء عن حد نجدة

تجد بها الأعناق دون المناخر

ورب جهول قد تعرض للعلى

ولم يحض منها بالخيال المزاور

فقلت له خفض عليك فإنها

مطامح لم تدرك سناء لناظر

فما كل من جاب القفار بجائب

وما كل من خاض الغمار بظافر

ولا كل خفاق البروق بماطر

ولا كل زهر في الرياض بعاطر

ولم يبلغ العلياء إلا أخو نهى

توطأ هامات الرجال البحاتر

وليس يليق التاج إلا لأصيد

تلفع في بردي علا ومفاخر

ولا يرتقي الأعواد أعواد منبر

سوى صادح بالحق ناه وآمر

وتلك العلى وقف على كل ما جد

تربى وليداً في حجور المفاخر

فطوبى لنفس تشهد الملك في يدي

مليك وسيف الله في كف شاهر

وتبصر مولى المؤمنين مؤيداً

بجند من الرحمن للدين ناصر

وتنظره في الدست من حول صحبه

كبدر سماء في نجوم زواهر

٢٤٧

يقيم قناة الدين بعد التوائها

باسمر خطار وأبيض باتر

ويملك تصريف المقادير كيفما

يشاء ويجري حكمه في المقادر

يشمر أذيال الخلافة ساحباً

على هامة الجوزاء ذيل التفاخر

فقل بفتى جبريل خادم جده

وخادمه والخضر خير موازر

هو الخلف المنصور والحجة التي

بها يهتدي من ضل سبل البصائر

حسام إذا ما اهتز يوم كريهة

تدين له طوعاً رقاب الجبابر

إمام إليه الدهر فوض أمره

بأمر إله خصه بالأوامر

همام إذا ما جال في حومة الوغى

فلم تلق إلا ضامراً فوق ضامر

جواد إذا ما انهل وابل كفه

به غني العافون عن كل ماطر

وجوهو قدس لا يقاس بمثله

وشتان ما بين الحصى والجواهر

له المعجزات الغر يبهرن للحجى

فاكرم بها من معجزات بواهر

مكارم فضل لا تحد لواصف

وآيات صدق لا تعد لحاصر

من البيض يحمى البيض بالبيض والقنا

ويرمي العدا قسراً بإحدى الفواقر

إذا انقض في قلب الخميس تنافرت

جموعهم مثل النعام النوافر

وإن حل في أرض تضوع نشرها

وأخصب من أطلالها كل دائر

ويحي به الله العباد جميعها

فمن رابح فيه هناك وخاسر

ويأذن في نبش القبور ويصلح

الأمور ويعلو ذكرهن في المنابر

بكل عفيف الذيل من دنس الخنا

وأبلج ميمون النقيبة طاهر

وأصيد لا يعطى الوغى فضل مقود

ولو ملئت بيداؤها بالحوافر

وأمجد من عليا معد نجاره

إذا عدت الأنساب يوم التفاخر

يذبون عن غر كرام أطائب

غطارفة شوس كماة مغاور

هناك ترى نور النبوة ساطعاً

منوطاً بنور للامامة زاهر

هناك ترى التوفيق بالبشر صادحاً

وتقدمه أم العلى بالتباشر

٢٤٨

هناك نرى ربع المسرة ممرعاً

وروض الأماني بين زاه وزاهر

هناك نروى القلب من كل غاشم

ونأخذ ثار السبط من كل غادر

فسارع لها يا ابن النبي بوثبة

فما طالب ذحلاً سواك بثائر

هلم بنا واجبر قلوباً كسيرة

فليس لها إلاك يا خير جابر

أيا ابن الميامين اللذين وجوههم

توقد عن نور من الله زاهر

فخذ من بنات الفكر مني غادة

تفوق جمالاً كل عذراء باكر

بها ( باقر ) يبدى اعتذار مقصر

بمدحكم يرجو قبول المعاذر

ومن يكن القرآن جلا بمدحه

فأنى يوفي مدحه وصف شاعر

عليكم سلام الله ما لاح بارق

وجادت مرابيع السحاب المواطر(١)

وقال يرثي الحسين (ع):

يا عين لا لا دكار البان والعلم

ولا على ذكر جيران بذى سلم(٢)

وقل من دمع عيني أن يفيض أسى

أجل ولا كان ممزوجاً بصوب دم

على أجل قتيل من بني مضر

زاكي الأرومة والأخلاق والشيم

كيف السلو وروح الطهر فاطمة

ملقى ثلاثة أيام على الاكم

واحسرتا أيموت السبط من ظمأ

وجده خير رسل الله كلهم

وأمه البضعة الزهراء ووالده

خير القبائل من عرب ومن عجم

__________________

١ - عن الديوان المخطوط بخط ولد الناظم وهو السيد حسن المعروف بالأصم - الموجود في مكتبة السيد عبدالعزيز الحيدري.

٢ - هذه القصيدة وما بعدها عن ( الرائق ).

٢٤٩

لم أنسه في عراص الطف منفرداً

يقول يا قوم هل راعيتم ذممي؟

هل منكم ناصر يرجو الشفاعة في

يوم المعاد غداً من شافع الأمم؟

لم أنسه وهو يسطو شبه قسورة

والقوم منهزم في إثر منهزم

فخر عن مهره للأرض تحسب أن

هوى غدات هوى عال من الأطم

ومر نحو الخيام المهر يندبه

والدمع يهمل من عينيه كالديم

فمذ رأته النسا أقبلن في دهش

كل تنوح ومنها القلب في ألم

هاتيك حاسرة بين الطغاة وذي

تقول أين كفيلي أين معتصمي

تقول يا قوم ما أقسى قلوبكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

غادرتم أسرة الكرار حيدرة

منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

لهفي له وهو في الرمضاء منجدل

والخيل توطئه قسراً بجريهم

ورأسه فوق رأس الرمح مرتفع

يضيء تحسبه نوراً على علم

أين النبي وأين الطهر فاطمة

وأين أين علي القدر والهمم

وأين أين أسود الغاب من مضر

ومن سمو كل ذى مجد بمجدهم

اليوم خابت ظنوني واعتدى زمني

فواعنائي وواذلي وواندمي

ثم أنثنت تندب الهادي النبي وفي

أحشائها ضرم ناهيك من ضرم

يا جد إن ابنك السجاد مضطهد

بين الطغاة يعاني كربة السقم

وقيدوه بأصفاد الهوان ولم

يراقبوا فيه من إل ولا ذمم

أعظم بها نكبة دهياء قد عظمت

على النبي ورب البيت والحرم

متى يقوم ولي الأمر من مضر

فينجلي بمحياه دجى الغمم

الحجة الخلف المهدي من ختم

الله الإمامة فيه خير مختتم

هو الإمام الذي ترجى حميته

بكل هول من الأهوال مقتحم

ملك له عزمة في الروع ثابتة

تغنيه عن كل مصقول الشبا خذم

مولى سرى عدله في كل ناحية

كما سرى البرق في داج من الظلم

متى نراه وقد حفت به زمر

الأنصار من كل مغوارو كل كمي

٢٥٠

ويملأ الأرض عدلاً مثلما ملئت

جوراً وذئب الفلا يرعى مع الغنم

ويغتدي كل من والاه مبتهجاً

في خفض عيش رغيد دائم النعم

يا ابن النبي ومن قد راق مدحهم

ورق حتى حلا تكراره بفم

ومن أتى مدحهم في هل أتى وسبا

وجاء فضلهم في نون والقلم

إليك من لج بحر الفكر جوهرة

فريدة الحسن قد جلت عن القيم

يرجو بها باقر أن يضام غداً

وهل يضام؟ ومن والاك لم يضم

وكيف أخشى معاذ الله يوم غد

سوء العذاب وجدي شافع الأمم

أقل عثاري وخذ يا سيدي بيدى

عند الصراط إذا زلت به قدمي

قد أفلح المومنون المادحون لكم

واستوثقوا بوثاق غير منفصم

صلى الإله عليكم ما سرت سحب

وأومض البرق في الظلماء من إضم

وقال يرثي الحسينعليه‌السلام :

أطيلي النوح معولة اطيلي

على رزء القتيل ابن القتيل

وسحى الدمع باكية عليه

ولا تصغى إلى عذل العذول

ونادي يا رسول الله يا من

حباه الله بالفضل الجزيل

أتعلم أن رأس السبط يهدى

إلى الأوغاد في رمح طويل

ويضحى جسمه بالطف ملقى

تكفنه الصبا نسج الرمول

ويقرع ثغره الطاغي يزيد

ولا يخشى من الملك الجليل

وزين العابدين يقاد فيهم

برغم منه في قيد ثقيل

لعمري لا يحق النوح إلا

لمقتول الأسنة والنصول

بنفسي ضامياً والماء طام

وليس له إليه من سبيل

ينادي وهو في الهيجاء فرداً

ألا هل ناصر لبني الرسول

أأقتل فيكم ظلماً وجدي

شفيع الخلق في اليوم المهول

أأقتل ضامياً وأبي علي

بيوم الحشر ساقي السلسبيل

٢٥١

فلما أن راى الأعداء كل

كليم القلب يطلب بالذحول

تصدى للقتال ومر يسطو

على الأبطال كالليث الصؤول

فيا لله كم قد فل جمعاً

بحد حسامه العضب الصقيل

إلى أن جاءه الأجل المسمى

فخر مجدلاً تحت الخيول

فأقبلن الكرائم حاسرات

نوادب للمحامي والكفيل

وزينب بينهن عليه تذرى

عقيق الدمع في الخد الأسيل

وتدعو أمها الزهراء شجواً

ومنها القلب في داء دخيل

ألا يا بضعة المختار طه

من الأجداث قومي واندبي لي

ونوحي للغريب المستظـ

ـام البعيد النازح الدار القتيل

يعز عليك يا أماه ما قد

تطوقنا من الخطب الجليل

ألا يا أم كلثوم هلمي

لقد نادى المنادي بالرحيل

وجاءت فاطم الصغرى تنادي

أباها وهي تعلن بالعويل

أبي عز الكفيل فهل ترى لي

فديتك يا بن فاطم من كفيل

أبي أحرقتني بجفاك فامنن

علي بنظرة تطفي غليلي

أبي إن ابنك السجاد أضحى

عليلاً لهف نفسي للعليل

أيسلمني الزمان وأنت كهفي

وتألمني الخطوب وأنت سولي

مصابك يابن فاطمة كساني

ثياب الهم والحزن الطويل

وخبطك هد أركان المعالي

وثل قواعد المجد الأثيل

واذكى جمرة في قلب طه

ومهجة حيدر وحشا البتول

ألا يابن الأطائب من قريش

وخير الخلق من بعد الرسول

ويا ابن الأكرمين ومن بكته

السموات العلى بدم همول

إليك خريدة حسناء رقت

وراقت بهجة لذوي العقول

تؤم حماك قاصدة ومنها

دموع العين كالغيث الهطول

بها يرجو غدات الحشر منكم

سليلك باقر خير القبول

وتنقذه من النيران فيها

وتنقله إلى ظل ظليل

٢٥٢

وخذ بيديه يوم الحشر وامنن

عليه بشربة من سلسبيل

فليس له سواكم من معين

إذا ما جاء في حوب ثقيل

فلا زالت صلوة الله تترى

عليكم بالغدات وبالأصيل

وقال متوسلاً إلى الله بالنبي والأئمة الطاهرين:

يا رب بالهادي النبي المصطفى

ووصيه المولى علي المرتضى

وبفاطم ست النساء ونجلها

الحسن الزكي وبالحسين المجتبى

وسليله زين العباد وباقر

وبجعفر والطهر موسى والرضا

ومحمد وعلي نجل محمد

والعسكري وبالإمام المرتجى

الطف بعبدك وابن عبدك باقر

وأنله في يوم الجزا خير الجزا

٢٥٣

الملا حسين جاويش

المتوفى ١٢٣٧

ما للديار تنكرت أعلامها

وعفت مرابعها وأمحل عامها

صاح الغراب بشمل ساكنها ضحى

فلذا تبدد شملها ولمامها

سرعان ما ألقى بكلكله الردى

عمداً عليها فانقضت أيامها

عصفت أعاصير الرياح بربعها

فعفا وصوح شيحها وخزامها

ظعنوا برغم المكرمات عشية

والنفس إثر الركب زاد هيامها

كم لي وقد زموا الركائب خلفهم

عبرات وجد لا تجف سجامها

فذكرت مذ بانوا ركائب فتية

ضربت على شاطى الفرات خيامها

زحفت عليها للطغات كتائب

أموية ملأ الفضا إرزامها

فتكت بها أرجاس حرب فانثنى

بيد الذئاب فريسة ضرغامها

قتلت على ظمأ وكوثر جدها

منه الأنام غداً يبل أوامها

لله أدمية بشهر محرم

لرضى ابن هند يستحل حرامها

فرؤوسها من فوق خرصان القنا

وعلى الصعيد رمية أجسامها

من مبلغن سراة هاشم إنه

قد جذ غاربها وجب سنامها

وأفاه منهم سهم بغي صائب

إن المنايا لا تطيش سهامها

فهوى الجواد عن الجواد كأنما

من قنة العلياء خر دعامها

كالطود يعلوه الرغام ولم أخل

يعلو على الشم الرعان رغامها

يا ذروة الشرف انهضوا فسراتكم

ذبحت بسيف الظالمين كرامها

٢٥٤

خضب الدماء جباها ولطالما

لله طال سجودها وقيامها

يايوم عاشوراء كم لك في الحشا

قبسات وجد لا يبوخ ضرامها

كم فيك من ابناء احمد فتية

شم الانوف كبابها اقدامها

ياصاحبي قف بالطفوف مخاطبا

اين الالى بانو واين مقامها

الله اكبر اي غاشية بها

دار النبوة دكدكت اعلامها

الله اكبر اي جلى فتتت

احشاء خير الرسل وهو ختامها

عجباً لهذ الخلق لا يبكي دماً

عوض المدامع كلها وغلامها

لفتى بكاه محمد ووصيه

الهادي أمير المؤمنين امامها

كل الرزايا دون وقعة كربلا

تنسى وان عظمت تهون عظامها

نكثت عهود المصطفى حسداً لمن

ضلت عن النهج القويم طغامها

والله ما قتل الحسين سوى الألى

سجدت مخافة بأسه أصنامها

قد أججوها في ( ) فتنة

في الال يوم الطف شب ضرامها

كتبوا صحيفتهم والوا أنها

حتى القيامة لا يفض ختامها

فتداولتها بعدهم أبناؤها

فتضاعفت لما جنت اثامها

قدمت على حرب الحسين ببغيها

وتسابقت لقتاله أقدامها

نقضت عهود نبيها في اله

فلبئس ما قد أخلفته لئامها

يا سادة جلت مناقب فضلها

من أن تحيط بوصفها أوهامها

أتهاب نفس حسين أو تخشى غداً

ظيما وأنتم في المعاد عصامها

يمضي الزمان وحزنها بمصابكم

باق الى أن تنقضي أيامها

واليكموها غادة حليةُ

قد طاب فيكم بدؤها وختامها

٢٥٥

الملا حسين جاويش

الحسين بن ابراهيم بن داود. من أسرة تعرف قديماً بآل « جاوش » وقد وجدت شهادات موقعة بخطوط جماعة منهم في وثيقة رسمية مصدقة من نائب الحلة « القاضي » سنة ١١٠١ هـ « إحدى ومائة وألف » وهي تخص بعض أوقاف السادة الأقدمين من « آل كمال الدين » ومن الشهود فيها عثمان بن مصطفى جاوش - جد المترجم - ويوجد حتى اليوم شارع قديم في إحدى محلات الحلة الشمالية يدعى بـ « الجاووشية » بالقرب من مرقد أبي الفضائل بن طاوس نسبة إلى الأسرة المذكورة التي نبغ منها شاعرنا المترجم ويعرف في المجاميع القديمة بالملا حسين جاوش. مولده ونشأته ومسكنه ووفاته في الحلة ولم يتحقق لدينا تاريخ ولادته لنعرف مدة عمره سوى أن وفاته كانت سنة ١٢٣٧ هـ ولم يكن ممن يجتدي بأشعاره أو يساوم ببنات أفكاره وإنما كان يمتهن بعض الحرف التي يعتاش منها وهو معدود في شعراء أواخر القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر تبودلت بينه وبين أدباء عصره مراسلات ومساجلات ونظم كثيراً من القصائد في جملة من الحوادث التي وقعت بين أهل الحلة والعشائر والحكومة يومئذ كما جاء في تاريخ الحلة بهذا القرن وشعره جزل الألفاظ عذب الأسلوب مكثر فيه من رثاء آل الرسول « ص » رأيت له قصيدة في رثاء الحسين (ع) في كتاب ( المجالس والمراثي ) للفاضل الأديب الشيخ أحمد بن الحسن قفطان النجفي سنة ١٢٨٥ ومن خطه نقلتها من الفصل الثالث من الكتاب المذكور:

وله من قصيدة في الرثاء:

هاج أحزان مهجتي وشجاها

خطب من جل في الآنام عزاها

* * *

٢٥٦

هل يولي أمر الخلافة إلا

من بنى أصلها وشاد علاها

سيد الأوصياء في كل عصر

تاجها عقدها منار هداها

من رقى منكب النبي وصلى

معه في السماء يوم رقاها

ذاك مولى بسيفه وهداه

آية الشرل والضلال محاها

وله في رثاء السيد سليمان الكبير المتقدم ذكره والمتوفى سنة ١٢١١ هـ.

الا خلياني يا خليلي من نجد

وتذكار سعدى في حمى بانة السعد

فما هاج وجدي ذكر حزوى وحاجر

ولا رامة فيها مرامي ولا قصدي

ولا تعذلاني إن قضيت من الأسى

وخدد دمع العين في سكبه خدي

فما أنا من يصغي إلى العذل سمعه

واني في شغل عن العذل بالوجد

سلا ظاهر الأنفاس عن باطن الأسى

فإن الذي أخفيه أضعاف ما أبدي(١)

أفي كل يوم لي حبيب مفارق

إلى القبر أضعان المنايا به تخدي

لقد ذهب العيش الرغيد بذاهب

هوى في الثرى لما رقى ذروة المجد

وعطل أحكام ( الشرايع ) فقد من

هو المقتدى في الحل منها وفي العقد

ومن سبل ( الارشاد ) ضاقت ( مسالك )

الرشاد وكانت قبل واضحة النجد(٢)

فلهفي عليه ثم لهفي لو أنه

يفيد الفتى طول التلهف أو يجدي

ولو رد ميت بالبكاء لرده

بكائي وأنى يسمح البين بالرد

أصاب الردى عمداً ( سليمان ) عصرنا

أخا النسب الوضاح والحسب العد(٣)

على الحلة الفيحاء من بعده العفا

فقد غاب عن آفاقها قمر السعد

وكان لها كفاً تكف به الأذى

وقد جذه صرف الحمام من الزند

يحامي عن الدين القويم بمرهف

اللسان كما تحمى العرينة بالأسد

__________________

١ - البيت مطلع قصيدة للشريف الرضي وأخذه المترجم بتصرف.

٢ - النجد: الطريق المرتفع ومنه قوله تعالى ( وهديناه النجدين ).

٣ - العد بالكسر: القديم.

٢٥٧

فيا بدر تم غاله الخسف بعدما

هدى في الدجى المسترشدين إلى الرشد

وشمساً تغشاها الكسوف وطالما

جلت ظلمات الشك في القرب والبعد

بكيتك للود القديم وكم بكى

عليك من الناس امرؤ غير ذي ود

وقد حال مني كل شيء عهدته

فلم يبق محفوظاً عليك سوى عهدي

فهذي جفوني من دموعي في حياً

وقلبي من ـر الكآبة في وقد

وهي طويلة. وفي آخرها يؤرخ عام وفاته بقوله:

وصدر جنان الخلد وافى مؤرخاً

سليمان طب نفساً فمأواك بالخلد

وفي قوله وصدر جنان الخلد إشارة إلى « الجيم » لأن عجز البيت وفيه مادة التاريخ ينقص ثلاثة وفي الجيم يتم العدد « ١٢١١ » وكان سريع البداهة حاضر النكتة. نزل هو والشيخ صالح التميمي الشهير ضيفين على رجل من بني « لام » بين واسط والبصرة فلم يكرم مثواهما وزاحمهما من شدة جشعه على الزاد الذي قدمه إليهما في صحن صغير فنظما هذه القطعة المشتركة والصدور منها للتميمي والاعجاز لصاحب الترجمة.

رأينا من عجيب الدهر صحناً

صغير الحجم بين يدي لئيم

كأن حنو صاحبه عليه

( حنو المرضعات على الفطيم )(١)

تدافع دونه كلتا يديه

مدافعة الغيور عن الحريم

يود بأن عيناً لا تراه

فيحجبه بكهف أو رقيم

فلو بالخلد قابله اكيل

لفر به إلى أصل الجحيم

ذميم الخلق والأخلاق أمسى

يزاحمنا على العيش الذميم

لعكس الحظ عاشرنا أناساً

بطرق اللؤم اهدى من تميم

__________________

١ - هو لأبي نصر أحمد السليكي المنازي من أبيات مشهورة وقد تضمن شاعرنا عجز البيت.

٢٥٨

فغضب التميمي من تعريضه في البيت الأخير وأمسك عن النظم فاعتذر المترجم بأن القافية عرضت له في الطريق.

« ايضاح » أن المترجم له غير ملا حسين - بالتصغير والتشديد - الحلي الذي كان شعره مقصوراً على اللغة العامية صاحب القصائد الزجلية من « الميمر » وغيره في مدح وادي بن شفلح « رئيس زبيد » المتوفى سنة ١٢٧١ وبينه وبين الشيخ عبدالحسين محي الدين صاحب ( ذرب بن مغامس ) رئيس خزاعة مطارحات في اللغة نفسها وله نوادر وحكايات مضحكة مع العلامة السيد مهدي القزويني المتوفي سنة ١٣٠٠ ومع الشيخ جعفر الصغير حفيد كاشف الغطاء المتوفى سنة ١٢٩٠ كما في « العبقات العنبرية » وكل هؤلاء متأخرون عن عصر شاعرنا ( ابن جاوش ) ولكن سيدنا الأمين - في الـ ج ٢٦ من الاعيان ذكر أن وفاة الملا حسين الشاعر العامي سنة ١٢١٢ وهذا التاريخ أيضاً متقدم على عصر هؤلاء بكثير والصواب أن وفاته في اخريات القرن الثالث عشر ويحتمل أن ولادته كانت في التاريخ الذي ذكر في الأعيان. انتهى عن ( البابليات ).

٢٥٩

الشيخ محمد رضا الازري

المتوفى ١٢٤٠

خذ بالبكاء فما دمع بمذخور

من بعد نازلة في عشر عاشور

يوم تنقبت الدنيا بغاشية

من المصاب لفقد العالم النوري

واردف الملأ الأعلى براجفة

أللعوالم آنت نفخة الصور

يوم سرى ابن رسول الله يجلبها

قب البطون تهادى في المضامير

ترغو عليها فحول من بني مضر

معودون على حز المناحير

من كل مزدلف للروع يصحبه

أنف حمى وجاش غير مذعور

حيث السلاهب تنزو في شكائمها

نزو الثعابن في مشبوبة القور

واصيد مطمئن الجأش لو جأشت

في الروع وعوعة الأسد المغاوير

وللجبال الرواسي في دكادكها

مور بدكدكة الجرد المحاضير

فلو تراها وقد شالت نعامتها

والقوم ما بين مطعون ومنحور

لما رأيت سوى معزى يبددها

زئير ذي لبدة دامي الأظافير

حتى إذ حم أمر الله وانتزعت

مراشة سددت من كف مقدور

وافاة شمر فألفاه على رمق

فكان ما كان من إنفاذ مسطور

وشال رأس رئيس المسلمين على

أصم مطرد الكعبين مطرور

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336