أدب الطف الجزء ٧

أدب الطف17%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 328

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 328 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118355 / تحميل: 8954
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وعن الصادق عن آبائه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: ( تُكلِّم النارُ يوم القيامة ثلاثة: أميراً، وقارئاً، وذا ثروةٍ من المال، فتقول للأمير: يا مَن وهَبَ اللّه له سلطاناً فلَم يعدل، فتزدَرِدَه كما يَزدَرِدَ الطير حبّ السمسم.

وتقول للقارئ: يا مَن تزَيّن للناس وبارَز اللّه بالمعاصي فتزدرده.

وتقول للغني: يا من وهب اللّه له دنيا كثيرةً واسعةً فيضاً، وسأله الحقير اليسير قرضاً فأبى إلاّ بُخلاً فتزدرده )(١).

وليس هذا الوعيد الرهيب مقصوراً على الجائرين فحسب، وإنّما يشمل من ضلع في ركابهم، وارتضى أعمالهم، وأسهم في جورهم، فإنّه وإيّاهم سواسية في الإثم والعقاب، كما صرحت بذلك الآثار:

قال الصادقعليه‌السلام : ( العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به، شركاء ثلاثتهم )(٢) .

لذلك كانت نُصرة المظلوم، وحمايته من عسف الجائرين، من أفضل الطاعات، وأعظم القربات إلى اللّه عزّ وجل، وكان لها وقعها الجميل، وآثارها الطيّبة في حياة الإنسان المادّيّة والروحيّة.

قال الإمام الكاظمعليه‌السلام لابن يقطين: ( اضمَن لي واحدةً أضمنُ لك ثلاثاً، اضمن لي أنْ لا تلقى أحداً مِن موالينا في دار الخلافة إلاّ بقضاء حاجته، أضمن لك أنْ لا يصيبك حدّ السيف أبداً، ولا يظلّك

_____________________

(١) البحار م ١٦ ص ٢٠٩ عن الخصال للصدوق ( ره ).

(٢) الوافي ج ٣ ص ١٦٣ عن الكافي.

١٢١

سقف سجن أبداً، ولا يدخل الفقر بيتك أبداً )(١) .

وقال أبو الحسنعليه‌السلام : ( إن لله جل وعزّ مع السلطان أولياء، يدفع بهم عن أوليائه ).

وفي خبر آخر: ( أولئك عتقاء اللّه من النار )(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( كفّارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان )(٣).

وعن محمّد بن جمهور وغيره من أصحابنا قال: كان النجاشي - وهو رجلٌ من الدهاقين - عاملاً على الأهواز وفارس، فقال بعض أهل عمله لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : إنّ في ديوان النجاشي عليّ خراجاً، وهو ممّن يَدين بطاعتك، فإنّ رأيت أنْ تكتب لي إليه كتاباً. قال: فكتب إليه أبو عبد اللّه: ( بسم اللّه الرحمن الرحيم سُرَّ أخاك يَسُرّك اللّه ).

فلمّا ورَد عليه الكتاب وهو في مجلِسه، فلمّا خلا ناوله الكتاب وقال: هذا كتاب أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، فقبّله ووضعه على عينيه ثُمّ قال: ما حاجتك ؟ فقال: عليّ خراج في ديوانك. قال له: كم هو؟ قال: هو عشرة آلاف درهم.

قال: فدعا كاتبه فأمره بأدائها عنه، ثُمّ أخرَج مثله فأمره أنْ يثبتها له لقابل، ثُمّ قال له: هل سررتك ؟ قال نعم. قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم أُخرى فقال له: هل سررتك ؟ قال: نعم جعلت فداك.

_____________________

(١) كشكول البهائي طبع إيران ص ١٢٤.

(٢)، (٣) الوافي ج ١٠ ص ٢٨ عن الفقيه.

١٢٢

فأمر له بمركب، ثُمّ أمر به بجاريةٍ وغلام، وتخت ثياب، في كلّ ذلك يقول: هل سررتك ؟ فكلّما قال: نعم، زاده حتّى فرغ، فقال له: احمل فرش هذا البيت الذي كنت جالساً فيه حين دفعتَ إليَّ كتاب مولاي فيه، وارفع إليّ جميع حوائجك. قال: ففعل، وخرج الرجل فصار الى أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، فحدثه بالحديث على جهته، فجعل يستبشر بما فعله.

قال له الرجل: يابن رسول اللّه، قد سرّك ما فعل بي ؟ قال: ( إي واللّه، لقد سرّ اللّه ورسوله )(١).

وخامة الظلم:

بديهي أنّ استبشاع الظلم واستنكاره، فطريٌّ في البشَر، تأباه النفوس الحرّة، وتستميت في كفاحه وقمعه، وليس شيء أضرّ بالمجتمع، وأدعى الى تسيبه ودماره من شيوع الظلم وانتشار بوائقه فيه.

فالإغضاء عن الظلم يشجّع الطغاة على التمادي في الغيّ والإجرام، ويحفّز الموتورين على الثأر والانتقام، فيشيع بذلك الفوضى، وينتشر الفساد، وتغدو الحياة مسرحاً للجرائم والآثام، وفي ذلك انحلال الأُمم، وفقد أمنها ورخائها، وانهيار مجدها وسلطانها.

_____________________

(١) الوافي ج ١٠ ص ٢٨ عن الكافي.

١٢٣

علاج الظلم:

من العسير جدّاً علاج الظلم، واجتثاث جذوره المتغلغلة في أعماق النفس، بيد أنّ من الممكن تخفيف جماحه، وتلطيف حدته، وذلك بالتوجيهات الآتية:

١ - التذكر لما أسلفناه من مزايا العدل، وجميل آثاره في حياة الأمم والأفراد، من إشاعة السلام، ونشر الوئام والرخاء.

٢ - الاعتبار بما عرضناه من مساوئ الظلم وجرائره المادّيّة والمعنويّة.

٣ - تقوية الوازع الديني، وذلك بتربية الضمير والوجدان، وتنويرهما بقِيَم الإيمان ومفاهيمه الهادفة الموجّهة.

٤ - استقراء سيَر الطغاة وما عانوه من غوائل الجور وعواقبه الوخيمة.

جاء في كتاب حياة الحيوان عند ذكر الحِجْلان: أنّ بعض مقدّميُّ الأكراد حضَر على سِماط بعضِ الأمراء، وكان على السماط حِجْلتان مشويتان، فنظر الكرديُّ إليهما وضحك، فسأله الأمير عن ذلك، فقال: قطعت الطريق في عنفوان شبابي على تاجر فلمّا أردت قتله، تضرّع فما أفاد تضرّعه، فلمّا رآني أقتله لا محالة، التفت إلى حِجْلتين كانتا في الجبل، فقال: اشهدا عليه إنّه قاتلي، فلمّا رأيت هاتين الحجلتين تذكرت حمقه ) فقال الأمير: قد شهدتا، ثُمّ أمر بضرب عنقه(١) .

_____________________

(١) كشكول البهائي طبع إيران ص ٢١.

١٢٤

وفي سراج الملوك لأبي بكر الطرطوسي: أنّ عبد الملك بن مروان أرِق ليلةً، فاستدعى سميراً له يحدّثه، فكان فيما حدّثه أنْ قال: يا أمير المؤمنين، كان بالموصل بومة، وبالبصرة بومة، فخطبت بومة الموصل إلى بومة البصرة بنتها لابنها، فقالت بومة البصرة: لا أفعل إلاّ أنْ تجعلي صداقها مِئة ضيعة خراب! فقالت بومة الموصل: لا أقدر على ذلك الآن، ولكن إنْ دام والينا علينا، سلّمه اللّه تعالى سنةً واحدة فعلت ذلك، فاستيقظ عبد الملك، وجلَس للمظالم، وأنصف الناس بعضهم من بعض، وتفقّد أمر الولاة(١) .

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ١١٠.

١٢٥

الإخلاص

الإخلاص: ضدّ الرياء، وهو صفاء الأعمال مِن شوائب الرياء، وجعلها خالصةً للّه تعالى.

وهو قوام الفضائل، وملاك الطاعة، وجوهر العبادة، ومناط صحّة الأعمال، وقبولها لدى المولى عزّ وجل.

وقد مجّدته الشريعة الإسلاميّة، ونوّهت عن فضله، وشوّقت إليه، وباركَت جهود المتحلّين به في طائفة مِن الآيات والأخبار:

قال تعالى:( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (١) .

وقال سُبحانه:( فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) (٢).

وقال عزَّ وجل:( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (٣).

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن أخلص للّه أربعين يوماً،

_____________________

(١) الكهف: ١١٠.

(٢) الزمر ( ٢ - ٣ ).

(٣) البيّنة: ٥.

١٢٦

فجّر اللّه ينابيع الحكمة مِن قلبه على لِسانه )(١) .

وقال الإمام الجوادعليه‌السلام : ( أفضل العبادة الإخلاص )(٢).

وعن الرضا عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( الدنيا كلّها جهل إلاّ مواضع العِلم، والعِلم كلّه حجّة إلاّ ما عُمِل به، والعمَل كلّه رياءٌ إلاّ ما كان مخلِصاً، والإخلاص على خطر، حتّى ينظُر العبد بما يُختَم له )(٣).

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا أبا ذر، لا يفقه الرجل كلّ الفقه، حتّى يرى الناس في جنب اللّه أمثال الأباعر، ثُمّ يرجع إلى نفسه فيكون هو أحقر حاقرٍ له )(٤).

فضيلة الإخلاص:

تتفاوت قِيَم الأعمال، بتفاوت غاياتها والبواعث المحفّزة عليها، وكلّما سمَت الغاية، وطهُرَت البواعث مِن شوائب الغشّ والتدليس والنفاق، كان ذلك أزكى لها، وأدعى إلى قبولِها لدى المولى عزّ وجل.

وليس الباعث في عرف الشريعة الإسلامية إلاّ ( النيّة ) المحفّزة على الأعمال، فمتى استهدفت الإخلاص للّه تعالى، وصَفَت مِن كدر

_____________________

(١)، (٢) البحار م ١٥ ص ٨٧ عن عدّة الداعي لابن فهد.

(٣) البحار م ١٥ ص ٨٥ عن الأمالي والتوحيد للصدوق.

(٤) الوافي ج ١٤ ص ٥٤ في وصيّة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذر.

١٢٧

الرياء نبلت وسعدت بشرف رضوان اللّه وقبوله، ومتى شابها الخِداع والرياء، باءت بسخَطِه ورفْضِه.

لذلك كان الإخلاص حجَراً أساسيّاً في كيان العقائد والشرائع، وشرطاً واقعيّاً لصحّة الأعمال، إذ هو نظام عقدها، ورائدها نحو طاعة اللّه تعالى ورضاه.

وناهيك في فضل الإخلاص أنّه يُحرّر المرء من إغواء الشيطان وأضاليله:( فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) .

عوائق الإخلاص:

وحيث كان الإخلاص هو المنار الساطع، الذي ينير للناس مناهج الطاعة الحقّة، والعبوديّة الصادقة، كان الشيطان ولوعاً دؤوباً على إغوائهم وتضليلهم بصنوف الأماني والآمال الخادعة: كحب السمعة والجاه، وكسب المحامد والأمجاد، وتحرّي الأطماع المادّيّة التي تمسخ الضمائر وتمحق الأعمال، وتذرها قفراً يباباً من مفاهيم الجمال والكمال وحلاوة العطاء.

وقد يكون إيحاء الشيطان بالرياء هامساً خفيفاً ماكراً، فيمارس الانسان الطاعة والعبادة بدافع الإخلاص، ولو محصها وأمعن فيها وجدها مشوبةً بالرياء. وهذا مِن أخطر المزالق، وأشدّها خفاءً وخداعاً. ولا يتجنّبها إلاّ الأولياء الأفذاذ.

كما حُكي عن بعضهم أنّه قال: ( قضَيت صلاةَ ثلاثين سنة كنت

١٢٨

صلّيتها في المسجد جماعة في الصفّ الأوّل، لأنّي تأخّرت يوماً لعُذرٍ، وصلّيت في الصفّ الثاني، فاعترتني خَجْلةٌ مِن الناس، حيث رأوني في الصفّ الثاني، فعرفت أنّ نظر الناس إليّ في الصفّ الأوّل كان يسرّني، وكان سبب استراحة قلبي.

نعوذ باللّه مِن سُبات الغفلة، وُخِدَع الرياء والغرور. من أجل ذلك يحرص العارفون على كتمان طاعاتهم وعباداتهم، خَشية من تلك الشوائب الخفيّة.

فقد نُقل: أنّ بعض العبّاد صام أربعين سنة لم يعلَم به أحد مِن الأباعد والأقارب، كان يأخذ غذاءه فيتصدّق به في الطريق، فيظنّ أهله أنّه أكل في السوق، ويظنّ أهل السوق، أنّه أكل في البيت.

كيف نكسب الإخلاص:

بواعث الإخلاص ومحفّزاته عديدة تلخصّها النقاط التالية:

١ - استجلاء فضائل الإخلاص السالفة، وعظيم آثاره في دنيا العقيدة والإيمان.

٢ - إنّ أهمّ بواعث الرياء وأهدافه استثارة إعجاب الناس، وكسب رضاهم، وبديهي أنّ رضا الناس غايةٌ لا تُدرك، وأنّهم عاجزون عن إسعاد أنفسهم، فضلاً عن غيرهم، وأنّ المُسعِد الحقّ هو اللّه تعالى الذي بيده أزِمّة الأُمور، وهو على كلّ شيء قدير، فحريٌّ بالعاقل أنْ يتّجه

١٢٩

إليه ويخلص الطاعة والعبادة له.

٣ - إنّ الرياء والخِداع سرعان ما ينكشفان للناس، ويسفران عن واقع الإنسان، ممّا يفضح المرائي ويعرضه للمقت والازدراء.

ثوب الرياء يشفّ عمّا تحته

فإذا التحفتَ به فإنّك عاري

فعلى المرء أنْ يتّسم بصدق الإخلاص، وجمال الطوية، ليكون مثلاً رفيعاً للاستقامة والصلاح.

فقد جاء في الآثار السالفة: ( إنْ رجلاً مِن بني إسرائيل قال: لأعبدنّ اللّه عبارة أُذكَر بها، فمكث مدّةً مبالِغاً في الطاعات، وجعَل لا يمرّ بملأٍ من الناس إلاّ قالوا: متصنّعٍ مراءٍ، فأقبل على نفسه وقال: قد أتعبت نفسك، وضيّعت عُمرك في لا شيء، فينبغي أنْ تعمل للّه سُبحانه، وأخلص عمله للّه، فجعل لا يمرّ بملأٍ من الناس إلاّ قالوا ورعٍ تقيّ ).

١٣٠

الرياء

وهو: طلب الجاه والرِّفعة في نفوس الناس، بمراءاة أعمال الخير.

وهو مِن أسوأ الخصال، وأفظع الجرائم، الموجبة لعناء المرائي وخسرانه ومقته، وقد تعاضدت الآيات والأخبار على ذمّه والتحذير منه.

قال تعالى في وصف المنافقين:( يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ) (١).

وقال تعالى:( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (٢).

وقال سبحانه:( كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ ) (٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( كلّ رياء شِرك، أنّه مَن عمِل للناس كان ثوابه على الناس، ومَن عمِل للّه كان ثوابه على اللّه )(٤).

وقالعليه‌السلام : ( ما مِن عبدٍ يُسِرُّ خيراً، إلاّ لم تذهب الأيّام

_____________________

(١) النساء: ١٤٢.

(٢) الكهف: ١١٠.

(٣) البقرة: ٢٦٤.

(٤) الوافي ج ٣ ص ١٣٧ عن الكافي.

١٣١

حتّى يُظهِر اللّه له خيراً، وما مِن عبدٍ يُسِرُّ شرَّاً إلاّ لم تذهب الأيّام حتّى يُظهِر له شرَّاً )(١).

وعنهعليه‌السلام قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( سيأتي على الناس زمانٌ تخبث فيه سرائرهم، وتحسن فيه علانيتهم، طمَعاً في الدنيا، لا يُريدون به ما عند ربِّهم، يكون دينهم رياءاً، لا يُخالطهم خوف، يعمّهم اللّه بعقاب فيدعونه دعاءَ الغريق فلا يستجيب لهم )(٢).

وعن موسى بن جعفر عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يؤمَر برجال إلى النار، فيقول اللّه جلّ جلاله لمالك: قل للنار لا تحرق لهم أقداماً، فقد كانوا يمشون إلى المساجد، ولا تحرق لهم وجهاً، فقد كانوا يسبغون الوضوء، ولا تحرق لهم أيدِيَاً، فقد كانوا يرفعونها بالدعاء، ولا تحرق لهم ألسُناً، فقد كانوا يُكثرون تلاوة القرآن. قال: فيقول لهم خازن النار: يا أشقياء ما كان حالكم ؟ قالوا: كنّا نعمل لغير اللّه عزّ وجل فقيل لنا خذوا ثوابكم ممّن عملتم له )(٣).

_____________________

(١) الوافي الجزء الثالث ص ١٤٧ عن الكافي.

(٢) الوافي الجزء الثالث ص ١٤٧ عن الكافي، ودعاء الغريق: أي كدعاء المشرف على الغرق، فإنّ الاخلاص والانقطاع فيه إلى اللّه عزّ وجل أكثر من سائر الأدعية.

(٣) البحار م ١٥ بحث الرياء ص ٥٣ عن عِلل الشرائع وثواب الاعمال.

١٣٢

أقسام الرياء

ينقسم الرياء أقساماً تُلخّصها النقاط التالية:

١ - الرياء بالعقيدة: بإظهار الايمان وإسرار الكُفر، وهذا هو النفاق وهو أشدّها نُكراً وخطَراً على المسلمين ؛ لخفاء كيده، وتستّره بظلام النفاق.

٢ - الرياء بالعبادة مع صحّة العقيدة:
وذلك بممارسة العبادات أمام ملأ الناس، مراءاةً لهم، ونبذها في الخَلوة والسرّ، كالتظاهر بالصلاة، والصيام، وإطالة الركوع والسجود والتأنّي بالقراءة والأذكار وارتياد المساجد، وشهود الجماعة، ونحوه من صور الرياء، في صميم العبادة أو مكمّلاتها، وهنا يغدو المُرائي أشدُّ إثماً مِن تارك العبادة، لاستخفافه باللّه عزّ وجل، وتلبيسه على الناس.

٣ - الرياء بالأفعال: كالتظاهر بالخشوع، وتطويل اللحية، ووسم الجبهة بأثر السجود، وارتداء الملابس الخشنة ونحوه من مظاهر الزهد والتقشّف الزائفة.

٤ - الرياء بالأقوال: كالتشدّق بالحكمة، والمراءاة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتذكير بالثواب والعقاب مداجاةً وخداعاً.

دواعي الرياء:

للرياء أسباب ودواع نُجملها فيما يلي:

١ - حُب الجاه: وهو مِن أهمّ أسباب المراءاة ودواعيه.

١٣٣

٢ - خوف النقد: وهو دافع على المراءاة بالعبادة، وأعمال الخير، خشية من قوارص الذم والنقد.

٣ - الطمع: وهو من محفّزات الرياء وأهدافه التي يستهدفها الطامعون، إشباعاً لأطماعهم.

٤ - التستّر: وهو باعث على تظاهر المجرمين بمظاهر الصلاح المزيفة، إخفاءاً لجرائمهم، وتستّراً عن الأعيُن.

ولا ريب أنّ تلك الدواعي هي من مكائد الشيطان، وأشراكه الخطيرة التي يأسر بها الناس، أعاذنا اللّه منها جميعاً.

حقائق:

ولا بدّ من استعراض بعض الحقائق والكشف عنها إتماماً للبحث:

١ - إختلفت أقوال المحقّقين، في أفضليّة اخفاء الطاعة أو اعلانها.

ومجمل القول في ذلك، إنّ الأعمال بالنيات، وأنّ لكلّ امرئ ما نوى، فما صفا مِن الرياء فسَواء إعلانه أو إخفاؤه، وما شابه الرياء فسيّان إظهاره أو إسراره.

وقد يُرجّح الإسرار أحياناً للذين لا يُطيقون مدافعة الرياء لشدّة بواعثه في الإعلان. كما يُرجّح إعلان الطاعة، إنْ خلُصت من شوائب الرياء، وقُصِد به غرضٌ صحيح، كالترغيب في الخير والحثّ على الاقتداء.

٢ - ومَن استهدف الإخلاص في طاعته وعبادته، ثُمّ اطلع الناس

١٣٤

عليها، وُسرّ باطلاعهم واغتبط، فلا يقدح ذلك في إخلاصه، إنْ كان سروره نابعاً عن استشعاره بلطف اللّه تعالى، وإظهار محاسنه والستر على مساوئه تكرماً منه عزّ وجل.

وقد سئل الامام الباقرعليه‌السلام عن الرجل يعمل الشيء مِن الخير فيراه إنسانٌ فيسرّه ذلك، فقال: ( لا بأس، ما مِن أحدٍ إلاّ وهو يحبُّ أنْ يظهر اللّه له في الناس الخير، اذا لم يكن صنع ذلك لذلك )(١).

٣ - وحيث كان الشيطان مجدّاً في إغواء الناس، وصدّهم عن مشاريع الخير والطاعة، بصنوف الكيد والإغواء، لزِم الحذر والتوقّي منه، فهو يُسوّل للناس ترك الطاعة ونبذ العبادة، فإنْ عجَز عن ذلك أغراهم بالرياء، وحبّبه إليهم، فإنْ أخفَق في هذا وذاك، ألقى في خُلدِهم أنّهم مراؤون وأعمالهم مشوبةٌ بالرياء، ليسوّل لهم نبذها وإهمالها.

فيجب والحالة هذه طرده، وعدم الاكتراث بخِدَعه ووَساوِسه، إذ المخلص لا تضرّه هذه الخواطر والأوهام.

فعن الصادق عن أبيهعليهما‌السلام : إنّ النبيّ قال: ( اذا أتى الشيطان أحدكم وهو في صلاته فقال: إنّك مرائي، فليُطل صلاته ما بدا له، ما لم يفته وقت فريضة، واذا كان على شيء من أمر الآخرة فليتمكث ما بدا له، واذا كان علي شيء من أمر الدنيا فليسترح...)(٢) .

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٤٨ عن الكافي.

(٢) البحار م ١٥ ص ٥٣ عن قرب الإسناد.

١٣٥

مساوئ الرياء:

الرياء من السجايا الذميمة، والخِلال المقيتة، الدالّة على ضِعة النفس، وسُقم الضمير، وغباء الوعي، إذ هو الوسيلة الخادعة المُدجَلة التي يتّخذها المتلوّنون والمنحرفون ذريعةً لأهدافهم ومآربهم، دونَما خجَلٍ واستحياءٍ مِن هوانِها ومناقضتها لصميم الدين والكرامة والإباء.

وحسبُ المرائي ذمّاً أنّه اقترف جُرمين عظيمين:

تحدّى اللّه عزّ وجل، واستخفّ بجلاله، بإيثار عباده عليه في الزلفى والتقرّب، ومخادعة الناس والتلبّس عليهم بالنفاق والرياء.

ومثَل المرائي في صفاقته وغبائه، كمَن وقَف إزاء ملِكٍ عظيم مظهِراً له الولاء والإخلاص، وهو رغم موقفه ذلك يخاتل الملِك بمغازلة جواريه أو استهواء غِلمانه.

أليس هذا حريّاً بعقاب الملك ونكاله الفادحين على تلصصه واستهتاره.

ولا ريب أنّ المرائي أشدّ جرماً وجنايةً من ذلك، لاستخفافه باللّه عزّ وجل، ومخادعة عبيده. والمرائي بعد هذا حليف الهم والعناء، يستهوي قلوب الناس، ويتملق رضاهم، ورضاهم غاية لا تنال، فيعود بعد طول المعاناة خائباً، شقيّاً، سليب الكرامة والدين.

ومن الثابت أنّ سوء السريرة سرعان ما ينعكس على المرء، ويكشف واقعه، ويبوء بالفضيحة والخُسران.

١٣٦

ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تُعلم

وقد أعرب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك قائلاً: ( مَن أسرّ سريرةً ردّأه اللّه رِداءها، إنْ خيراً فخير، وإنْ شرَّاً فشر )(١).

علاج الرياء:

وبعد أنْ عرفنا طرَفاً مِن مساوئ الرياء، يجدر بنا أنْ نعرض أهمّ النصائح الأخلاقيّة في علاجه وملافاته، وقد شرحت في بحث الإخلاص طرفاً من مساوئ الرياء ومحاسن الإخلاص فراجعه هناك.

علاج الرياء العمَلي:

وذلك برعاية النصائح المجملة التالية:

١ - محاكمة الشيطان، وإحباط مكائده ونزعاته المرائيّة، بأُسلوب منطقي يقنع النفس، ويرضي الوجدان.

٢ - زجر الشيطان وطرد هواجسه في المراءاة، طرداً حاسماً، والاعتماد على ما انطوى عليه المؤمن من حبّ الاخلاص، ومقت الرياء.

٣ - تجنب مجالات الرياء ومظاهره، وذلك باخفاء الطاعات والعبادات وسترها عن ملأ الناس، ريثما يثق الإنسان بنفسه، ويحرز فيها الاخلاص.

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٤٧ من خبر عن الكافي.

١٣٧

ومِن طرائف الرياء والمرائين ماقيل:

إنّ أعرابيّاً دخل المسجد، فرأى رجلاً يُصلّي بخشوعٍ وخضوع، فأعجبه ذلك، فقال له: نعم ما تُصلّي.

قال: وأنا صائم، فإنّ صلاة الصائم، تَضعُف صلاةَ المفطر.

فقال له الأعرابي: تفضّل واحفظ ناقتي هذه، فإنّ لي حاجةً حتّى أقضيها. فخرج لحاجته، فركب المصلّي ناقته وخرَج، فلمّا قضى الأعرابي حاجته، رجع ولم يجد الرجل ولا الناقة، وطلبه فلم يقدر عليه، فخرج وهو يقول:

صلّى فأعجبني وصام فرامني

منح القَلُوص عن المصلّي الصائم

وصلّى أعرابيّ فخفّف صلاته، فقام إليه عليّعليه‌السلام بالدرّة وقال: ( أعِدْها )، فلمّا فرغ، قال: ( أهذه خير أم الأولى ؟) قال: بل الأُولى، قال: ( ولِمَ )، قال: لأنّ الأُولى للّه وهذه للّدرة.

١٣٨

العُجُب

وهو استعظام الإسنان نفسه، لاتّصافه بخِلّةٍ كريمة، ومزيّةٍ مشرّفة، كالعِلم والمال والجاه والعمَل الصالح.

ويتميّز العجُب عن التكبّر، بأنّه استعظام النفس مجرّداً عن التعالي على الغير، والتكبّر هما معاً.

والعُجُب من الصفات المَقيتة، والخلال المنفّرة، الدّالة على ضعة النفس، وضيق الأفق، وصفاقة الأخلاق، وقد نهت الشريعة عنه، وحذّرت منه.

قال تعالى:( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) (١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( من دخله العُجب هلك )(٢)

وعنهعليه‌السلام قال: ( قال إبليس ( لعنَه اللّه ) لجنوده: اذا استمكنت مِن ابن آدَم في ثلاث لم أُبال ما عمَل، فإنّه غير مقبولٍ منه، إذا استكثر عمَله، ونسيَ ذنبه، ودخلَه العُجُب )(٣).

_____________________

(١) النجم: ٣٢.

(٢) الوافي ج ٣ ص ١٥١ عن الكافي.

(٣) البحار م ١٥ ج ٣ موضوع العجب بالأعمال عن الخصال للصدوق.

١٣٩

وقال الباقرعليه‌السلام : ( ثلاثٌ هن قاصمات الظهر: رجلٌ استكثر عمله، ونسي ذنوبه، وأعجب برأيه )(١).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( أتى عالمٌ عابداً فقال له: كيف صلاتك ؟ فقال: مثلي يُسأل عن صلاته ؟ وأنا أعبُد اللّه تعالى مُنذ كذا وكذا، قال: فكيف بكاؤك ؟ قال: أبكي حتّى تجري دموعي. فقال له العالِم: فإنّ ضحكك وأنت خائف خير ( أفضل خ ل ) مِن بكائك وأنت مُدِل، إنّ المدل لا يصعّد مِن عمله شيء )(٢) .

وعن أحدهماعليهما‌السلام ، قال: ( دخل رجُلان المسجد أحدهما عابدٌ والآخر فاسق، فخرجا من المسجد، والفاسق صدّيق، والعابد فاسق، وذلك: أنّه يدخل العابد المسجد مدلاًّ بعبادته، يُدِلّ بها، فيكون فكرته في ذلك، ويكون فكرة الفاسق في الندم على فسقه، ويستغفر اللّه تعالى لما ذَكَرَ من الذنوب )(٣).

وعن أبي عبد اللّه عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لولا أنّ الذنب خيرٌ للمؤمن من العجُب، ما خلّى اللّه بين عبده المؤمن وبين ذنبٍ أبداً )(٤).

والجدير بالذكر: أنّ العُجُب الذميم هو استكثار العمَل الصالح،

_____________________

(١) البحار م ١٥ ج ٣ موضوع العجُب بالأعمال عن الخصال للصدوق.

(٢) الوافي ج ٣ ص ١٥١ عن الكافي.

(٣) الوافي ج ٣ ص ١٥١ عن الكافي.

(٤) البحار م ١٥ ج ٣ بحث العجُب عن أمالي أبي عليّ ابن الشيخ الطوسي.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وأعظم من نحته النيب قدرا

وأشرف من به الرحمن باهى

وأطيب من بني الدنيا نجارا

وأقدم مفخرا وأتم جاها

وأصبرها على مضض الليالي

وأبصرها اذا عميت هداها

وأحلمها اذا دهمت خطوب

تطيش لها حلوم ذوي نهاها

وأنهضها بأعباء المعالي

اذا عن نيلها قصرت خطاها

وأشجعها اذا ما ناب أمر

يرد الدارعين الى وراها

وان هم أوقدوا للحرب نارا

أحال الى لظاها من وراها

وان طرقت حماها مشكلات

وارزم في مرابعها رجاها

جلاها من لعمري كل فضل

الى قدسي حضرته تناهى

أمام هدى حباه الله مجدا

وأولاه علاء لن يضاهى

وبحر ندى سما الافلاك قدرا

فدون مقامه دارت رحاها

وبدر علا لابناء الليالي

سناه كل داجية محاها

متى ودقت مرابعها غيوث

فمن تيار راحته سخاها

أو اجتازت مسامعها علوم

فزاخر فيض لجته غثاها

وان نهجت سبيل الرشد يوما

فمن أنوار غرته اهتداها

وثم مناقب لعلاه أمست

يد الاحصاء تقصر عن مداها

وانى لي بحصر صفات مولى

له الاشياء خالقها براها

وما مدحي وآيات المثاني

على علياه مقصور ثناها

أخا المختار خذ بيدي فاني

غريق جرائم داج قذاها

وعدل في غد أودي لأني

وقفت من الجحيم على شفاها

وكف بفضلك الاسواء عني

فقد أخنى على جلدي أذاها

وباعد بين ما أبغي ودهر

أبت أحداثه الا سفاها

فأنت أجل من يدعى اذا ما

تفاقمت الحوادث لانجلاها

فزعت الى حماك ونار شوقي

للثم ثراك مسعور لظاها

وبت لديك والآمال تجري

على خلدي وظلك منتهاها

١٨١

السيد عبد الرحمن الالوسي

١٢٨٤

في مخطوطة بمكتبة الاوقاف العامة ببغداد، عدد ٢٥٣٢٧ ما يلي: هذه الابيات قالها الفقير الى الله السيد عبد الرحمن الالوسي رثاء في حق جده سيد الشهداء وذلك في عاشر محرم ١٢٨٠ هـ:

هو الطف فاجعل فضة الدمع عسجدا

وضع لك فولاذ الغرام مهندا

ورد منهل الاحزان صرفا وكررن

حديثا لجيران الطفوف مجددا

وما القلب الا مضغة جد بقطعها

ودعها فداء السبط، روحي له الفدا

أترضى حياة بعد ما مات سيد

غدا جده المختار للناس سيدا

أترضى اكتحال الجفن بعد مصابه

وجفن التقى والدين قد بات أرمدا

خذ النوح في ذاك المصاب عزيمة

الى الفوز واجعل صهوة الحزن مقعدا

بكت رزءه الاملاك والافق شاهد

ألم تره من دمعه قد توردا

١٨٢

فيا فرقدا ضاء الوجوه بنوره

فما بعده نلقى ضياءا وفرقدا

وريحانة طاب الوجود بنشرها

بها عبثت أيدي الطغاء تعمدا

ودرة علم قد أضاءت فأصبحت

تمانعها الاوغاد منعا مجردا

بروحي منها منظرا بات في الثرى

ويا طال ما قد بات في حجر أحمدا

وثغرا فم المختار مص رضابه

وهذا يزيد بالقضيب له غدا

ورأسا يد الزهراء كانت وسادة

له فغدا في الترب ظلما موسدا

لئن أفسدوا دنياك يا بن محمد

سيعلم أهل الظلم منزلهم غدا

لئام أتوا بالظلم طبعا وانما

لكل امرء من نفسه ما تعودا

وحقك ما هذا المصاب بضائر

لأن الورى والخلق لم يخلقوا سدى

فألبسك الرحمن ثوب شهادة

وألبسهم خزيا يدوم مدى المدا

لبستم كساء المجد وهو اشارة

بأن لكم مجدا طويلا مخلدا

وطهركم رب العلى في كتابه

وقرر كل المسلمين وأشهدا

أتنكر هذا يا يزيد وليس ذا

بأول قبح منك يا غادر بدا

بني المصطفى عبد لكم وده صفا

فأضحى غذاء للقلوب وموردا

غريب عن الاوطان ناء فؤاده

تضرم من نار الاسى وتوقدا

ألم به خطب من الدهر مظلم

تحمل من أكداره وتقلدا

نضى سيفه في وجهه متعمدا

وجرده عن حقه فتجردا

بباكم ألقى العصا وحريمكم

أمان اذا دهر طغى وتمردا

أتاكم صريخا من ذنوب تواترت

على ظهره في اليوم مثنى ومفردا

أتاكم ليستجدي النوال لأنكم

كرام نداكم يسبق الغيث والندا

أتاكم ليحمي من أذى الدهر نفسه

وأنتم حماة الجار ان طارق بدا

أتاكم أتاكم يا سلالة حيدر

كسيرا يناديكم وقد أعلن الندا

حسين أقلني من زمان شرابه

حميم وغسلين اذا ما صفا صدا

على جدك المختار صلى الهنا

وسلم ما حاد الى أرضه حدا

١٨٣

السيد عبد الرحمن الالوسي مفخرة من مفاخر العلم والادب وواعظ شهير قضى أكثر عمره في التدريس، والارشاد وكان درسه ووعظه في جامع الشيخ صندل بالكرخ ببغداد، ملم بالتفسير والفقه والحديث. أخذ العلم عن شقيقه الاكبر العلامة النحرير أبي الثناء السيد محمود شهاب الدين الالوسي ويتحلى بأخلاق فاضلة ونفس طاهرة، محترما لدى الوزراء موقرا عند الامراء ولا سيما عند صاحب الدولة نامق باشا حين كان واليا ومشيرا على العراق حيث كان المترجم له حلو المفاكهة لطيف المسامرة، ترجم له السيد محمود شكري الالوسي في الجزء الاول من ( المسك الاذفر ) المطبوع بمطبعة الآداب ببغداد سنة ١٣٤٨.

توفي يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر ربيع الثاني من شهور السنة الرابعة والثمان بعد المائتين والالف من الهجرة ودفن قرب مرقد أخيه العلامة الشهير وعمره يقارب الستين عاما ورثاه جملة من الادباء منهم محمد سعيد النجفي فقد أنشد قصيدة غراء في مجلس العزاء وأولها:

من لوى من بني لويً - لواها

وطوى طود عزها وعلاها

الى أن يقول:

ان أم العلوم تنعى ولكن

باسم عبد الرحمن كان نعاها

علم من بني لوي لوته

حادثات الردى فشلت يداها

كان للناس مقتدى واماما

من ترى بعد فقده مقتداها

ندبته مدارس العلم شجوا

حيث مات الندب الذي أحياها

١٨٤

الشيخ عبد الحسين شكر

المتوفى ١٢٨٥

يرثي الحسينعليه‌السلام :

تربة الطف لاعدتك السجال

بل سقاك الرذاذ والهطال(١)

وتمشى النسيم في روضتيك

الصبح والعصر جائلا يختال

طاولي السبعة الشداد ببوغا

ء على سبط أحمد تنهال

انما أنت مطلع لهلال

من سنا ضوئه استمد الهلال

مهبط الوحي عنده في هبوط

وعروج جبريلها ميكال

انما أنت مجمع الرسل لكن

لهم عنك بالأسى اشغال

فيك قد حل سيد الرسل طه

وعلي وفاطم والآل

وسرايا بني نزار ولكن

فيك جذت يمينها والشمال

يوم في عثير الضلال أمي

عثرت أي عثرة لاتقال

واستفزت لحرب آل علي

عصبا قادها العمى والضلال

وعليهم قد حرمت يالقومي

ورد ماء الفرات وهو الحلال

فاستثارت لنصرة الدين أسد

ترجف الارض منهم والجبال

وأقاموا مربا مست النجم

علوا لكنها قسطال(٢)

حيث سمر الرماح عمتها الها

م وللشزب الجسوم نعال

__________________

١ - الرذاذ المطر الصغار القطر.

٢ - القسطال والقسطل بالفتح الغبار.

١٨٥

فامتطت للغوى العتاق رجل

كنجوم السما زهير هلال

افرغوا السابغات وهي دلاص

شحذوا المرهفات وهي صقال

بأكف ما استنجدت غير نصل

ولأيديهم خلقن النصال

طعنوا بالقنا الخفاف فعادت

وهي من حملها القلوب ثقال

صافحتهم أيدي الصفاح المواضي

ودعاهم داعي القضا فانثالوا

فانثنى ليث أجمة المجد فردا

ناصراه الهندي والعسال

فسصا من الباس عضبا

كتبت في فرنده الآجال

فرأت منه آل سفيان يوما

فيه للحشر تضرب الامثال

وأبيه لولا القضا والمقاد

يرمحتهم دون اليمين الشمال

لكن الله شاء أن يتناهبن

حشاه سمر القنا والنبال

حين شام الحسام وامتثل الا

مر امام من شأنه الامتثال(١)

وهوى ساجدا على الترب ذاك

الطود لله كيف تهوي الجبال

كادت الارض والسما أن تزولا

وعلى مثله يحق الزوال

يالقومي لمعشر بينهم لم

ترع يوما لاحمد أثقال

لم توقر شيوخه لمشيب

وليتم لم ترحم الاطفال

ورضيع يال البرية لم يبلغ

فصالا له السهام فصال

ونساء عن سلبها وسباها

لم تصنها خدورها والحجال

ابرزوها حسرى ولكن عليها

اسدل النور حجبه والجلال

فتعادين والقلوب حرار

وتداعين والدموع تذال

أيها الراكب المجد اذا ما

نفحت فيك للسرى مرقال

عج على طيبة ففيها قبور

من شذاها طابت صبا وشمال

ان في طيها اسودا اليها

تنتمي البيض والقنا والنزال

فاذا استقبلتك تسأل عنا

من لوي نساؤها والرجال

__________________

١ - شام السيف بمعنى غمده وشامه سله من غمده وهو من الاضداد.

١٨٦

فاشرح الحال بالمقال وما

ظني تخفى على نزار الحال

ناد ما بينها: بني الموت هبوا

قد تناهبنكم حداد صقال

تلك أشياخك على الارض صرعى

لم يبل الشفاه منها الزلال

غسلتها دماؤها قلبتها

ارجل الخيل كفنتها الرمال

ونساء عودتموها المقاصير

ركبن النياق وهي هزال

هذه زينب ومن قبل كانت

بفنا دارها تحط الرحال

والتي لم تزل على بابها الشا

هق تلقي عصيها السؤال

أمست اليوم واليتامى عليها

يال قومي تصدق الانذال

ما بقي من رجالها الغلب الا

من على جوده الوجود عيال

وهو يا للرجال قد شفه السقم

وسير الهزال والاغلال

آل سفيان لا سقى لك ربعا

مغدق الودق والحيا الهطال

أي جرم لاحمد كان حتى

قطعت من أبنائه الاوصال

فالحذار الحذار من وثبة الا

سد فلليث في الشرى اشبال

انما يعجل الذي يختشى الفو

ت ومن لم يكن اليه المئال

* * *

الشيخ عبد الحسين بن الشيخ احمد بن شكر النجفي بن الشيخ أحمد بن الحسن بن محمد بن شكر الجباوي النجفي. توفي بطهران سنة ١٢٨٥ وكان والده الشيخ احمد من العلماء المصنفين.

رثى أهل البيتعليهم‌السلام بقصائد كثيرة تزيد على الخمسين منها روضة مرتبة على الحروف، وشعره يرويه رجال المنبرالحسيني في المحافل الحسينية، وقد تصدى الخطيب الشهير الشيخ محمد علي اليعقوبي لجمع ما نظمه الشاعر في أهل البيت

١٨٧

عليهم‌السلام من القصائد والمقاطيع من مديح ورثاء فنشره في كراسة تناهز المائة صفحة طبعت على نفقة الوجيه الحاج عبد الله شكر الصراف بالمطبعة العلمية بالنجف الاشرف عام ١٣٧٤ هـ ولأجله. وممن ترجم للشاعر المذكور شيخنا البحاثة الشيخ السماوي في ( الطليعة ) والعلامة الجليل الشيخ علي آل كاشف الغطاء في ( الحصون المنيعة ).

وآل شكر أسرة قديمة من الاسر العربية الشهيرة بالنجف عرفت باسم ( شكر ) أحد أجدادها الاقدمين وأصلهم من عرب الحجاز.

واليكم بعض قصائده الحسينية:

هبوا بني مضر الحمرا على النجب

قد جذ - عرنينكم في صارم الغلب

سلت أمي - حدادا من مغامدها

قادت بها الصعب منكم بل وكل أبي

ومعرك غادر ابن المصطفى غرضا

لأسهم غير قلب الدين لم يصب

لله أعباء صبر قد تحملها

لم يحتملها نبي أو وصي نبي

فان تكن آل اسرائيل قد حملت

كريم يحيى على طشت من الذهب

فآل سفيان يوم الطف قد حملت

رأس ابن فاطمة فوق القنا السلب

وهل حملن ليحيى في السبا حرم

كزينب ويتاماها على القتب

هل سيروا الرأس فوق الرمح هل شربوا

عليه هل قرعوه الثغر بالقضب

هل قنعت آله الاسواط هل سلبوا

منها المقانع بعد الخدر والحجب

كل تنادي ولا غوث يجيب ندا

أين السرايا سرايا اخوتي وأبي

وان يكن يونس آساه مذ نبذت

جثمانه الحوت في قفر الفضا الرحب

١٨٨

فابن النبي عن اليقطين ظلله

نبت الأسنة في جثمانه الترب

وان يكن يفد بالكبش الذبيح فقد

أبى ابن أحمد الا أشرف الرتب

حتى فدى الخلق حرصا في نجاتهم

بالنفس والاهل والابناء والصحب

ونار نمرود ان كانت حرارتها

على الخليل سلاما من أذى اللهب

ففي الطفوف رأى ابن المرتضى حرقا

ان تلق كل الرواسي بعضها تذب

حر الحديد هجير الشمس حر ظمأ

أودى بأحشاه حر السمر والقضب

وأعظم الكل وقدا حال صبيته

ما بين ظام ومطوي الحشا سغب

ونصب عينيه من أبنائه جثث

كأنها هضب سألت على الهضب

يا نفس ذوبي أسى يا قلب مت كمدا

يا عين سحي دما يا أدمع انسكبي

هذي المصائب لا ما كان في قدم

لآل يعقوب من حزن ومن كرب

أنى يضاهي ابن طه أو يماثله

في الحزن يعقوب في بدء وفي عقب

ان حدبت ظهره الاحزان أو ذهبت

عيناه في مدمع والرأس ان يشب

فان يوسف في الاحياء كان سوى

أن الفراق دهى أحشاه بالعطب

هذا ويحضره من ولده فئة

وانه لنبي كان وابن نبي

فكيف حال ابن بنت الوحي حين رأى

شبيه أحمد في خلق وفي خطب

مقطعا جسمه بالبيض منفلقا

بضربة رأسه ملقى على الكثب

هناك نادى على الدنيا العفا وغدا

يكفكف الدمع اذ ينهل كالسحب

١٨٩

وله أيضا:

لم لا تثير نزار الحرب والرهجا

وعضب حرب فرى اكبادها ووجا(١)

هلا امتطت من بنات البرق شزبها

وأفرغت مالها داود قد نسجا

واعتمت البيض سودا من عمائمها

واستلت البيض كيما تدرك الفلجا(٢)

هل بعدما نهبت بالطف مهجتها

ترجو حياة وتستبقي لها مهجا

عهدي بها وهي دون الظيم ما برحت

خواضة من دما أعدائها لججا

فما لها اليوم في الغابات رابضة

ومن حسين فرت أعداؤها ودجا

تستمرئ الماء من بعد الحسين ومن

حر الظما قلبه في كربلا نضجا

وتستظل وحاشا فهر أخبية

والشمس قد ضوعت من جسمه الأرجا

فلتنض اكفانها ان ابن فاطمة

مر الشمال له الاكفان قد نسجا

ولتبد في برد الهيجا كواكبها

فشمسها اتخذت وجه الثرى برجا

ورأسه فوق مياد أقيم ومن

ثقل الامامة أبصرنا به عوجا

بدر ولكن ببرج الذابح انخسفت

انواره فكست حمر الدماسبجا(٣)

ترى النصارى المسيح اليوم مرتفعا

والمسلمون تخال المصطفى عرجا

وانما هم لسان الله قد رفعوا

فلم يزل ناطقا في وحيه لهجا

لله من قمر حفت به شهب

والكل منها لعمر الله بدر دجى

__________________

١ - الرهج الغبار ووجا بمعنى انتزع.

٢ - الظفر والفوز.

٣ - السواد.

١٩٠

ما للنهار تجلى بعد أوجهها

والليل من بعد هاتيك الجعود سجا

لكن أشجى مصاب شج من مضر

هاماتها وملا صدر الفضاء شجى

ولا أرى بعده لا والأباء على

الاجداث ان لفظت أجسادها حرجا

سبي الفواطم يال الله حاسرة

مذاب أكبادها في دمعها امتزجا

أتلك زينب لم تهطل مدامعها

الافرى رمح زجر قلبها ووجا

بحران في مقلتيها غير ان لظى

احشائها بين بحري دمعها مزجا

أولئك الخزر أم آل النبي على

هزل عوار سرى الحادي بها دلجا(١)

ضاقت بها الارض أنى وجهت نظرا

رأت بها الرحب أمسى ضيقا حرجا

لم ينجح أشياخها سن ولا حجب

نساءها لا ولا الطفل الرضيع نجا

أمسى بها قلب طه لاعجا وغدا

قلب ابن هند بما قد نالها ثلجا

وله أيضا:

دهى الكون خطب فسد الفسيحا

وغادر جفن المعالي قريحا

ورزء عرا المجد والمكرمات

فأزهق منهن روحا فروحا

أطلت على الرسل أشجانه

فأشجى الكليم وأبكى المسيحا

وأوقد بالحزن نار الخليل

وجلبب بالثكل والنوح نوحا

وغير عجيب اذا زلزلت

فوادحه عرشها والصفيحا

حقيق قوائمه أن تميد

ففي الطف أضحى حسين طريحا

وان لا نرى الشمس بعد الطفوف

وقد غيرت منه وجها صبيحا

أتصهره الشمس وهو ابن من

بمرأى من الناس كم رد يوحا(٢)

__________________

١ - الدلج والادلاج السير أول الليل.

٢ - يوح ويوحى بضمها. من أسماء الشمس.

١٩١

ذبيح فياليتما الكائنات

فدته اذ الكبش يفدي الذبيحا

عقرن جياد بها قد غدا

من العدو جسم ابن طه جريحا

فقد سودت أوجه العاديات

وكسرن للدين جسما صحيحا

برغم بني هاشم هشمت

جوارحه فاستحالت جروحا

تهشم أنوار قدس هوت

وفي غرة العرش كانت شبوحا(١)

تروح وتغدو على ماجد

لأحمد قد كان روحا وروحا

برغم نزار غدا رقهم

لسبي حرائرهم مستبيحا

فواقد ثكلى تروم المناح

فتمنع بالضرب من أن تنوحا

وزينب تدعو وفي قلبها

أسى ترك الجفن منها قريحا

أغثني أبي يا غياث الصريخ

ومن في الحروب أبان الفتوحا

وقم يا هزبر الوغى منقذا

حرائر طه وشق الضريحا

تكتم من خيفة شجوها

فتستمطر العين دمعا سفوحا

صبرت وكيف على فادح

برى الاصطبار وسد الفسيحا

ألم تدر حاشا وأنت العليم

الى قلبك الوحي لا زال يوحى

بأن سنانا براس السنان

من السبط علا محيا صبيحا

على منبر السمر يتلو الكتاب

فيخرس فيه الخطيب الفصيحا

وان ابن سعد عليه اجال

من السابحات سبوحا سبوحا

فيا لرزايا لقد طبقت

غياهبها أرضها والصفيحا

أبت تنجلي بسوى صارم

بنصر من الله يبدي الفتوحا

بكف امام اذا ما بدا

ترى الخضر حاجبه والمسيحا

يثير لتدمير آل الضلال

كصرصر عاد من الحتف ريحا

__________________

١ - تسبوح وأشباح جمع شبح وهو الشخص.

١٩٢

وله في رثاء الحسينعليه‌السلام وهي من أشهر قصائده:

البدار البدار آل نزار

قد فنيتم ما بين بيض الشفار(١)

قوموا السمر كسروا كل غمد

نقبوا بالقتام وجه النهار

سوموا الخيل أطلقوها عرابا

واتركوها تشق بيد القفار

طرزوا البيض من دماء الاعادي

فلقوا الهام بالضبا البتار

افرغوا السابغات وهي دلاص

ذاهب برقهن بالابصار(٢)

واسطحوا من دم على الارض أرضا

وارفعوا للسما سماء غبار

خالفوا السمر بين بيض المواضي

وامتطوا للنزال قب المهار

وابعثوها ضوابحا فأمي

وسمت أنف مجدكم بالصغار

سلبتكم بالرغم أي نفوس

ألبستكم ذلا مدى الاعمار

يوم جذت بالطف كل يمين

من بني غالب وكل يسار

لا تلد هاشمية علويا

ان تركتم أمية بقرار

ما لأسد الشرى وغمض جفون

تركتها العدى بلا أشفار(٤)

طاطؤ الروس ان رأس حسين

رفعوه فوق القنا الخطار

لا تذوقوا المعين واقضوا ظمايا

بعد ظام قضى بحد الغرار

لا تمدوا لكم عن الشمس ظلا

ان في الشمس مهجة المختار

أنزار نضوا برود التهاني

فحسين على البسيطة عار(٥)

__________________

١ - جمع شفرة حد السيف والسكين وما عرض من الحديد.

٢ - جمع سابغة وهي الدرع الطويلة والدلاص الملساء اللينة.

٣ - الصغار الذل.

٤ - جمع شفر بالفتح والضم أصل منبت الشعر في الجفن.

٥ - نض بالضاد المعجمة أي خلع ومنه قول امرئ القيس ( فجئت وقد نضت لنوم ثيابها ).

١٩٣

حق أن لا تكفنوا هاشميا

بعدما كفن الحسين الذاري

لا تشقوا لآل فهر قبورا

فابن طه ملقى بلا اقبار

هتكوا عن نسائكم كل خدر

هذه زينب على الاكوار

هل خبا بعد محصنات حسين

ساتر دون محصنات نزار

باكيات لولا لهيب جواها

كدن يغرقن بالدموع الجواري

شأنها النوح ليس تهدأ آنا

عن بكا بالعشي والابكار

نادبات فلو وعتها لوي

قصمت من لوي كل فقار

أين من أهلها بنو شيبة الحمـ

ـد ليوث الوغى حماة الذمار

أين هم عن عقائل ما عرفن

السير كلا ولا الهزال العواري

أين هم عن حرائر بأنين

يتشاكين عن قلوب حرار

فليسدوا رحب الفضا بالعوادي

وليهبوا طرا لاخذ الثار

وليقلوا الاعلام تخفق سودا

بأيادي في الطعن غير قصار

وليؤموا الى زعيم لوي

أسد الله حيدر الكرار

وليضجوا بعولة وانتحاب

ولينادوا بذلة وانكسار

عظم الله في بنيك لك الاجر

فهم في الطفوف نهب الغرار

قم أثر نقعها فان حسينا

قد غدا مرتعا لبيض الشفار

حاش لله أن تغض جفونا

وبأحشاك أي جذوة نار

لا ولكنما رزايا حسين

حدبت من قراك أي فقار(١)

__________________

١ - القرى بالفتح: الظهر، والفقار: جمع فقارة ما انتضد من عظام الصلب.

١٩٤

السيد راضي القزويني

المتوفى ١٢٨٥

قال في أبي الفضل العباسعليه‌السلام :

أبا الفضل يا من أسس الفضل والابا

أبى الفضل الا أن تكون له أبا

تطلبت أسباب العلى فبلغتها

وما كل ساع بالغ ما تطلبا

ودون احتمال الضيم عز ومنعة

تخيرت أطراف الأسنة مركبا

وفيت بعهد المشرفية في الوغى

ضرابا وما أبقيت للسيف مضربا

لقد خضت تيار المنايا بموقف

تخال به برق الأسنة خلبا

اذا لفظت حرفا سيوفك مهملا

تترجمه سمر العوامل معربا

ولما أبت أن يشرب الماء طيبا

أمية لا ذاقت من الماء طيبا

جلا ابن جلا ليل القتام كأنه

صباح هدى جلى من الشرك غيهبا

وليث وغي يأبى سوى شجر القنا

لدى الروع غابا والمهند مخلبا

يذكرهم بأس الوصي فكلما

رمى موكبا بالعزم صادم موكبا

وتحسب في أفق القتام حسامه

لرجم شياطين الفوارس كوكبا

وقفت بمستن النزال ولم تجد

سوى الموت في الهيجا من الضيم مهربا

الى أن وردت الموت والموت عادة

لكم عرفت تحت الأسنة والضبا

ولا عيب في الحر الكريم اذا قضى

بحر الضبا حرا كريما مهذبا

١٩٥

رعى الله جسما بالسيوف موزعا

وقلبا على حر الظما متقلبا

ورأس فخار سيم خفضا فما ارتضى

سوى الرفع فوق السمهرية منصبا

بنفسي الذي واسى أخاه بنفسه

وقام بما سن الأخاء وأوجبا

رنا ظاميا والماء يلمع طاميا

وصعد أنفاسا بها الدمع صوبا

وما همه الا تعطش صبية

الى الماء أوراها الاوام تلهبا

على قربه منه تنائى وصوله

وأبعد ما ترجو الذي كان أقربا

ولم أنسه والماء ملء مزاده

وأعداه ملء الارض شرقا ومغربا

وما ذاق طعم الماء وهو بقربه

ولكن رأى طعم المنية أعذبا

تصافحه البيض الصفاح دواميا

وتعدو على جثمانه الخيل شزبا

مضت بالهدى في يوم عاشور نكبة

لديها العقول العشر تقضي تعجبا

فليت علي المرتضى يوم كربلا

يرى زينبا والقوم تسلب زينبا

وللخفرات الفاطميات عولة

وقد شرق الحادي بهن وغربا

حواسر بعد السلب تسبى وحسبها

مصابا بأن تسبي عيانا وتسلبا

لها الله اذ تدعوا أباها وجدها

فلم تر لا جدا لديها ولا أبا

* * *

السيد راضي بن السيد صالح بن السيد مهدي الحسيني القزويني النجفي البغدادي شاعر موهوب. ولد في النجف الاشرف عام ١٢٣٥ ونشأ بها ودرس على والده مبادئ العلوم والاصول والادب واستمد من مجالس النجف ومن أعلام الادب روحا أدبية عالية، ساجل فحول الشعراء وباراهم، ولما انتقل أبوه الى بغداد انتقل معه عام ١٢٥٩ وسافر الى ايران أكثر من مرة واتصل بالشاه ناصر الدين القاجاري وكانت له منزلة في

١٩٦

نفس الشاه ومكانة سامية، كما كانت له صلات مع أمراء العراق في عهد الدولة العثمانية وتجد في ديوانه كثيرا من التقاريظ والموشحات لشعر عبد الباقي العمري والسيد حيدر الحلي وغيرهما توفي بتبريز في شهر المحرم عام ١٢٨٥ هـ والمصادف ١٨٦٨ م ونقل جثمانه الى النجف فدفن تحت الميزاب الذهبي في الصحن الحيدري وخلف ولدين هما: الشاعر السيد احمد والسيد محمود، ورثاه فريق من الشعراء منهم أبوه السيد صالح الشاعر الشهير والآتية ترجمته.

جمع ديوانه أخوه السيد حسون بن السيد صالح وفرغ من جمعه له في ١٥ شعبان ١٣٤١ هـ، وقد ترجم له البحاثة علي الخاقاني في شعراء الغري وقال: ذكره صاحب الحصون المنيعة في ج ٩ ص ٢٠٦ وقال عنه: كان أديبا وشاعرا بارعا مفلقا، جيد النظم رقيق الغزل حسن الانسجام ماهرا في التشطير والتخميس لا يكاد يعثر على مقطوعة أو ( دو بيت ) وقد استحسنهما الا خمسهما.

وتوفي بعده والده المعمر عالم بغداد الجليل في وقته والمعاصر للعلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين في سنة ١٣٠٥ هـ.

فمن قوله في تخميس أبيات أبي نؤاس:

ليت شعري كم خضت للشعر بحرا

منه توجت مفرق الدهر درا

وبشعري لما اكتسى الكون فخرا

قيل لي أنت أشعر الناس طرا

في المعاني وفي الكلام البديه

مثل ما رق في الزجاج مدام

رق معنى له وراق انتظام

وكما ضاحك الرياض غمام

لك من جيد القريض نظام

يثمر الدر في يدي مجتنيه

كم معان أبرزتهن شموسا

بمبان زينت فيها الطروسا

١٩٧

كنت حقا لدرها قاموسا

فلماذا تركت مدح ابن موسى

والخصال التي تجمعن فيه

خل ما قلت من بديع نظام

ودواعي تشوق وغرام

واصنع المدح في امام همام

قلت لا أستطيع مدح امام

كان جبريل خادما لأبيه

ومن شعره قوله في الغزل:

خل عنك الهوى ودعوى التصابي

بعد عصر الصبا وشرخ الشباب

ان توديعك الشباب وداع

لوصال الكواعب الاتراب

طالما أجج الهوى لك نارا

في الحشى من صبابة وتصابي

ذهبت بالمنى الشبيبة عني

مثل أمس فما لها من اياب

يا خليلي هل تعود ليال

سلفت في سوالف الاحقاب

حيث شرخ الشباب غض قشيب

يا رعى الله عهد شرخ الشباب

يا حمام الاراك دعني وشجوي

ما باحشاك من جوى مثل ما بي

هل لاحبابنا غداة استقلوا

من دنو بعد النوى واقتراب

كدرى ما صفا بهم فعسى أن

تصفوه لهم فيصفوا شرابي

وبروحي من الظبا شمس خدر

قد توارت من النوى في حجاب

حي بدرا حيا بشمس المحيا

وحباها بالمزج شهب الحباب

لك أشكو من سقم عينيك سقما

وعذابا من الثنايا العذاب

فتكت بالحشى لواحظ ريم

تتقي فتكها أسود الغاب

بت أجني من وجنتيه ورودي

وورودي من سلسبيل الرضاب

وخلعت العذار في خلوات

بين شكوى الهوى ونشر عتاب

ورثى رحمة لقلب مذاب

وبكى رقة لصب مصاب

واعتنقنا حتى الصباح بليل

فيه زرت على العفاف ثيابي

من معيد ما مر من عهد وصل

فيه عيشي حلا وساغ شرابي

في رياض مثل النضار صفاء

وحياض مثل اللجين المذاب

١٩٨

محمد عبد الصمد الاصفهاني

المتوفى ١٢٨٧

ذكره صاحب روضات الجنات من جملة أساتيده الذين تلقى عنهم العلم فقال: ومنهم السيد السند، النبيل المعتمد والفقيه الاوحد الامير سيد محمد بن السيد عبد الصمد وهو السيد النسيب الحسيني الاصبهاني المنتهى اليه رياسة التدريس والفتوى في هذا الزمان بأصبهان، لم نر أحدا يدانيه في وصف الاشتغال بأمر العلم والتعليم، كان معظم تلمذه وقرائته على المرحوم الحاج محمد ابراهيم، وعلى الفاضل العلاني الكربلائي سيد محمد بن الامير سيد علي الطباطبائي.

وكتب سلمه الله في الفقه والاصول كثيرا منها شرحه الشريف الموسوم بـ ( أنوار الرياض ) على الشرح الكبير المسمى بـ ( رياض المسائل ) ومنها كتاب سماه ( العروة الوثقى ) في الفقه وآخر سماه ( الغاية القصوى ) في الاصول. ومنها منظومته الفقهية التي لم يكتب مثلها في الاستدلال المنظوم. ونظمه رائق فائق جدا لفظا ومعنى، وأنشد كثيرا بالعربية في مراثي أبي عبدالله الحسين (ع). وهو الان متجاوز ببناء عمره السعيد حدود السبعين. انتهى(١) توفي بأصفهان سنة ١٢٨٧.

__________________

١ - روضات الجنان الطبعة الثانية ج ٢ ص ١٠٦.

١٩٩

علي آل عبد الجبار

المتوفى ١٢٨٧

ذكره في أنوار البدرين في شعراء القطيف فقال: العالم العامل الشيخ علي بن الشيخ احمد بن الشيخ حسين آل عبد الجبار، كان حكيما فيلسوفا أديبا محققا له ديوان شعر كبير في مراثي الحسينعليه‌السلام ومدائح آل محمد (ع) من الشعر الجيد وله منظومة في اصول الدين وأخرى في التوحيد ورسالة في التجويد ورسائل آخر بخطه وحواشي كثيرة على الكتب الفقهية. بل قل ما رأيت كتابا من كتبه أو رسالة من الرسائل مما دخل في ملكه الا وله عليه حواشي وتحقيقات. فمن شعره في القناعة قوله:

لقد طالبتني النفس من سوء حرصها

برزق غد والموت منها بمرصد

فقلت لها هاتي كفيلا بأنني

اذا ما ملكت الرزق أبقى الى غد

توفيرحمه‌الله وقد نيف على الثمانين سنة ١٢٨٧، ورثاه شيخنا الصالح العلامة الامجد الشيخ صالح بمرثية وأرخ وفاته بقوله في آخر المرثية:

( غاب بدر المجد ) ذا تاريخه

يا ليوم فيه بدر المجد غاب

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328