أدب الطف الجزء ٧

أدب الطف11%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 328

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 328 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118146 / تحميل: 8911
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

عن المران والممارسة؛ فما من خطيب إلاّ وكانت له البداية صعبة، غير أنّ هذه الصعوبة تزول بالممارسة والتدريب.

وينبغي أن نلفت انتباه الخطيب المبتدئ إلى مراعاته مراحل المران، والممارسة؛ فإنّ لها مراحلَ سنتكلم عنها في أبحاث قادمة إن شاء الله تعالى.

٢١

٢٢

الباب الثاني

إعداد الخطبة

1 - كيف نكتب الخطبة

2 - الإيجاد

3 - الأدلّة

4 - إثارة الأهواء والميول

5 - التفنيد

٢٣

كيف نكتب الخطبة

من أوّل الصعوبات التي تواجه الخطيب المبتدئ عدم معرفته للنحو الذي تكتب به الخطبة، علاوة على عدم معرفته اختيار موضوع مناسب لها.

ولتسهيل هذه المهمّة نتّبع الخطوات التالية:

أولاً: الإيجاد

يراد من ذلك إعمال الفكر لاستنباط الموضوع والوسائل التي من شأنها تقوية مضمون الموضوع واجتذاب إقناع السامع، وإثارة حماسه إلى ما يدعو إليه الخطيب.

إنّ عمل الخطيب أن يقدّم الحقائق، فعليه أن يكون عند تقديمها بحالٍ لا تمنع من قبول كلامه، بل يجب أن يكون بحالٍ تجذب الناس إليه، وتدفعهم إلى الإنصاف له وتقبّله بقبول حسن(1) .

أمّا كيف يختار موضوعه عند جولان فكرهِ؟!

ينبغي للخطيب أن يكون مثله مثل الطبيب بالنسبة إلى المريض، يشخّص المرض الواقعي، ويعالجه علاجاً واقعيّاً، وخلاف ذلك يكون سبباً لانصراف المريض عنه.

الخطيب كذلك، مهمّته إصلاح الفاسد من اُمور المسلمين، وتقوية الخير وتثبيته في نفوسهم، فينبغي أن يتوجّه في اختار موضوع خطبته إلى المشاكل الواقعيّة في حياة المسلمين المخاطبين؛ المشاكل الاجتماعيّة، العقائديّة، الأخلاقيّة وغيرها، يختار ذلك ويضع لها الحول الإسلاميّة؛ فإنّه إن فعل هذا

____________________

(1) المصدر نفسه / 24.

٢٤

كان داعياً إلى إقبال المخاطبين عليه.

ثانياً: الأدلّة

بعد أن وضع الخطيب تفكيره على الموضوع الواقعي فإنّه يلجأ إلى تنسيقه وترتيبه بإيجاد الشواهد والأدلّة المقويّة له، بحيث تكون هذه الوسائل باعثة على تقوية اعتقاد المخاطبين بالفكرة المطروحة في الخطبة، وهذه الوسائل التي يعبّر عنها (بالمواضيع) هي المصادر التي يمكن للخطيب أن يتّخذ منها ما يستدلّ به على دعواه، وتنقسم إلى قسمين:

أ - المواضع الذاتية

وهي الوسائل أو الأدلّة التي تكون من ذات الموضوع لا من شيء خارج عنه، وهي على أنواع:

1 - التعريف

يلجأ الخطيب إلى التعريف في حالات:

أ - لتحرير محلّ النزاع بين فريقين مختلفين في معرفة مفهوم الشيء.

ب - عند مدح شيء، أو ذمّه فيعرّفه بصفاته؛ كقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : «أما إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه، ولن تقتلوه»(1) .

____________________

(1) نهج البلاغة / الخطبة 57.

٢٥

ج - عندما يريد إيضاح أمر اُشكل فهمه على السامعين، فيعمد إلى تعريفه لتجتذب القلوب إليه، ويوضّح للسامعين ما أشكل عليهم أمره.

وطرق التعرف كثيرة، منها بيان أهم خواصه، كقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : «والمتّقون هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع...».

أو بالاستعارات أو التشبيه، أو بيان أنواعه وأقسامه، كقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : «الرزق رزقان؛ رزق تطلبه، ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك...»(1) .

2 - المقابلة

هو أن يعقد الخطيب المقابلة بين شيئين ليبيّن الحقّ فيهما؛ فإنّ الأشياء تتميّز بأضدادها وتُعرف بنظائرها. فالمقابلة أمر معيّن للاستدلال الخطابي، وتعطي الكلام حلاوة ورونقاً، ويكون ذلك بأمرين:

أ - أن يذكر الخطيب الشيء ومقابله، ويذكر صفاتهما، ومن ذلك يتبيّن الحُسن منهما، كما في قول أمير المؤمنينعليه‌السلام للأشعث بن قيس في فضل الصبر: «إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت موزور».

ب - أن يبرهن على بطلان المقابل فيثبت الشيء المطلوب، كما فعل أمير المؤمنينعليه‌السلام عندما ناقشه الخوارج، واعترضوا عليه بإباحة أموال أهل الجمل دون النساء والذريّة، فقد قال: «إنّما أبحت لكم أموالهم

____________________

(1) الخطابة - اُصولها، تاريخها / 27.

٢٦

بدلاً عمّا كانوا أغاروا عليه من بيت مال البصرة قبل قدومي عليهم.

والنساء والذريّة لم يقاتلونا، وكان لهم حكم الإسلام بحكم دار الإسلام، ولم يكن منهم ردّة عن الإسلام، ولا يجوز استرقاق من لم يكفر. وبعد، لو أبحت لكم النساء أيُّكم يأخذ عائشة في سهمه؟!». فخجل القوم(1) .

3 - التشابه وضرب الأمثال

يعمد إليهما الخطيب لتقريب الاُمور التي يدعو إليها من نفوس المخاطبين؛ ليأخذوها قضية مسلّمة لا يناقشون فيها، ولا ينظرون إليها نظرة فاحصة كاشفة؛ فيعقد صلة ومقارنة بين الفكرة الجديدة وبين الأمر المعروف عند المخاطبين والمقبول عندهم، فيقبلوا الجديد بقبول القديم، أو يلجأ إلى المقارنة بين الأمر الذي يدعو المخاطبين إليه والأمر الذي تسلّم به جماعات اُخرى(2) .

وينبغي الترفّع عن ضرب الأمثال العاميّة الساذجة.

____________________

(1) المصدر نفسه / 34.

(2) المصدر نفسه / 35.

٢٧

4 - العلّة والمعلول

التعليل روح الاستدلال، فالعلّة الباعثة على الفعل، والغاية المنشودة منه طريق للحكم عليه بأنّه خير أو شرّ، وبأنّه صحيح أو باطل، وبأنّه سائغ أو غير سائغ؛ لذلك يعمد الخطباء إلى ذكر الباعث على الأفعال، والدوافع إليها؛ ليتخذ منها سنداً في الحكم عليها(1) .

كقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : «... هَذَا أَخُو غَامِدٍ قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الأَنْبَارَ، وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ، وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا.

وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَالأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ؛ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا، وَقَلائِدَهَا وَرُعُثَهَا، مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاّ بِالاسْتِرْجَاعِ وَالاسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ، وَلا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ.

فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً. فَيَا عَجَباً عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ! فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى؛ يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلا تُغِيرُونَ، وَتُغْزَوْنَ وَلا تَغْزُونَ، وَيُعْصَى اللَّهُ وَتَرْضَوْنَ!»(2) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 32.

(2) نهج البلاغة / الخطبة 27.

٢٨

5 - التعميم ثمّ التخصيص

هو أن يبتدئ الخطيب بقضيّة مسلّم بها، أو في منزلة المسلّم بها للتقرير، ثمّ يذكر بعض الجزئيات.

مثال ذلك قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبة الوداع: «... وإنّ رِبا الجاهليّة موضوع، وإنّ أوّل رِباً أبدأ به رِبا عمّي العباس بن عبد المطلب، وإنّ دماء الجاهليّة موضوعة، وإنّ أوّل دمٍ أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب».

فتراهصلى‌الله‌عليه‌وآله يبتدئ بحكم عام، فيسقط الربا كلّه، ثمّ يخص رِبا العباس بالإسقاط، ليبيّن للناس إنّه يبتدأ بتنفيذ الأحكام على أقرب الناس إليه فيكون ذلك أسوة حسنة، وهكذا في الدماء(1) .

6 - التجزئة

وهذه مقابل للتعميم والتخصيص، وهي منهج خطابي يعمد إليه الخطيب عندما يريد المبالغة في إثبات الحكم، والحرص على تأكيده، وتقريره في نفوس السامعين.

فالتجزئة لا يعمد إليها إلاّ في مقام الإطناب، ولا يتّجه إليها الخطيب في مقام الإيجاز. ولها طريقان:

أ - أن تُتبع الجزئيات ليستنبط منها جميعاً حكماً واحداً.

ب - أن تُتبع الجزئيات ليخص واحداً من بينها بحكم؛ لزيادة

____________________

(1) المصدر نفسه / 31.

٢٩

التنبيه على خصائصه، وللحث على الأخذ به، أو التنفير منه(1) .

ب - المواضع العرضية

وهي مصادر خارجة عن ذات الموضوع؛ وذلك لأنّ المخاطب أحياناً لا يدرك ما في ذات الموضوع من خصائص ومزايا وثمرات، فيصعب عليه أن يقتنع بأدلّة تستمد قوّتها من تلك الخصائص، فيستعان على إقناعه باُمور خارجة عن ذات الموضوع.

وهذه الاُمور هي عند المخاطب صادقة، وهو لها مذعن؛ فيبيّن الخطيب أنّ تلك الاُمور تؤيده، وتحثّ على ما يدعو إليه، فيسلّم المخاطَب بما قدّم له من غير جدل، ويذعن لها من غير نقاش(2) .

وأكثر تلك المواضع قوةً وأثراً هي:

1 - الدين

وهو أكثر الاُمور سيطرة على القلوب، خصوصاً قلوب العامّة؛ فإنّه لهم المرشد الأمين، والمربي للوجدان، والموقظ للضمائر، والمسلّي لمَنْ نزلت بهم الهموم، والمتدينون لا يخضعون لشيء كما يخضعون لدينهم، ولا يصدعون إلاّ بحكمه.

فإذا أيّد الخطيب في جماعة متدينة قضاياه بالدين، وربط بينها وبين دينها بصلة أجابت الجماعة نداءه، ولبته في حماسة وقوة(3) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 29.

(2) المصدر نفسه / 39.

(3) المصدر نفسه / 39.

٣٠

2 - العادات

لكلّ جماعة من الناس عادات تسودها، وتسيطر عليها، وهي متمكّنة من نفوسها، ومستولية عليها. فإذا كان لعادات الجماعة هذه القوّة يجب على الخطيب أن يعتمد عليها في مقام التأثير، بأن يقرّب ما يدعو إليه بما يألفون من عادات، وما اصطلحوا عليه من عرف؛ ليسكنوا إلى الأمر، ويخضعوا له، ويطمئنوا إليه؛ لأنّ إقبال الناس يكون شديداً على الاُمور التي تكون من جنس ما يألفون(1) .

3 - أقوال النبي وأهل بيتهعليهم‌السلام

وذلك باب واسع له روعة وهزّة في النفوس؛ فإنّ المخاطَب يقبل أقوالهم بقوّة، مسلّماً لها من غير اعتراض. وهذه الأقوال تعطي للخطبة قوّة في تأييد المعنى المراد إيصاله إلى المخاطبين.

4 - حوادث التاريخ

تحتل الحوادث التاريخية مكاناً مهمّاً في قلوب المخاطبين، فهي فرصة للخطيب أن يدفع عن نفوسهم الملل والتضجّر. إضافة إلى هذا، فإنّها من المؤيّدات القويّة، والشواهد المساعدة على تثبيت المدّعى في قلوب السامعين؛ وذلك بتصوير المدّعى بأنّه أمرٌ واقعي، وليس ضرباً من المثالية والخيال، بأنّ له نظائرَ من الواقع بحدث تأريخي.

____________________

(1) المصدر نفسه / 40.

٣١

5 - المصادر والمواثيق

قد لا يكفي ذكر الشواهد والوسائل المؤيّدة فقط، بل تحتاج إلى ذكر المصادر التي استمد منها الخطيب ما نقله من المؤيّدات، ويكون ذلك خاصة إذا ما نقل من كتب ومصادر المخالفين، أو عند ذكر أمر لم يسبق للمخاطبين التعرّف عليه، وإنّه ممّا يثير في نفوسهم التساؤلات.

6 - الشعر

فهو علاوة على إمكانيّة الاستدلال به على تثبيت المدّعى وتقويته في نفوس السامعين، إنّه يفتح باباً عظيماً لانشراح صدورهم، ويزيل عنهم الملل والتعب، وينشّطهم على المواصلة والمتابعة لما يلقيه الخطيب.

٣٢

إثارة الأهواء والميول

مرمى الإقناع الخطابي ليس هو الإلزام والإفحام فقط، بل مرماه حمل المخاطَب على الإذعان والتسليم، وإثارة عاطفته، وجعله يتعصّب للفكرة التي يدعو لها الخطيب، ويتقدّم لفدائها بالنفس والنفيس عند الاقتضاء.

ولا يكون ذلك بالدلائل المنطقية لتساق جافة، ولا بالبراهين العقلية تقدّم عارية، بل بذلك وبإثارة العاطفة، ومخاطبة الوجدان، وإنّ الخطيب قد يستغني عن الدلائل العقلية، ولا يمكنه في أية حال الاستغناء عن المثيرات العاطفية، بل إنّ أكثر ما يعتمد عليه الخطيب في حمل السامعين على المراد منهم مخاطبة الوجدان، والتأثير في عواطفهم.

وهناك جملة من القواعد التي توصل إلى المراد من الخطبة مباشرة من غير وساطة(1) :

1 - البغض والمحبّة

إذا كان غرض الخطيب تأليف القلوب وجمعها على محبّة شخص، فيبيّن لهم:

أ - ما تحلّى به من السجايا، وما امتاز به من المواهب.

ب - إخلاصه وتواضعه، ولين جانبه في سلوكه مع الناس.

ج - بيان ما في الالتفاف حوله من خير.

أمّا إذا كان غرض الخطيب إثارة البغض على شخص، وإبعاد القلوب عنه، فيبيّن لهم:

____________________

(1) المصدر نفسه / 90.

٣٣

أ - ما طبع عليه من قبح الخصال، في لفظ نزيه وعبارات رفيعة لا تخدش الضمير الاجتماعي.

ب - بيان أعماله السيئة، وماضيه السيّئ.

ج - خبث سريرته، وعدم إخلاصه للجماعة.

د - بيان ما في الالتفاف حوله من عاقبة سيئة، وإعزاز للباطل، وإذلال للحقّ (1) .

2 - الرغبة والنفور

إذا كان غرض الخطيب إثارة الرغبة في أمر من الاُمور:

أ - أن يبيّن منافعه وثمرته التي تعود على الجماعة عند الأخذ به.

ب - تصوير الشيء بصورة تأخذ بالقلوب، وتستولي على الأفهام والعقول.

ج - كون الشيء قريب المتناول، وفي قدرة الناس.

د - بيان أنّ الأخذ به هو الرفعة إلى أسمى مراتب الإنسانيّة.

أمّا إثارة النفور من أمر:

أ - بيان المضار الناجمة عن ملابسته.

ب - تصوير الأمر بصورة تنفر منه النفوس.

ج - تحقيره وتحقير الآخذين به، وإنّهم من صغار الناس(2) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 90.

(2) المصدر نفسه / 91.

٣٤

3 - الفرح والحزن

- دواعي الفرح:

أ - كون الشيء له ثمرات عظيمة، وعاقبة حسنة.

ب - إنّه بعيد المنال، غير ميسور الحصول إلاّ بالجدّ والاجتهاد.

ج - الإشارة إلى شغف طائفة من الناس لطلبه، وإنّه المحبوب عندهم، والغاية المنشودة، والأمل المطلوب.

- وأمّا دواعي الحزن:

أ - ذكر المحنة وأثارها في النفس، وآلام وقعها.

ب - ذكر وقع المحنة في نفوس المؤمنين الصالحين والأولياء.

ج - بسط القول فيما أتى الله تعالى المفقود من مزايا وصفات أختص بها(1) .

4 - الأمل واليأس

الأمل: رغبة مستقبلية ولذّة مرجوّة، فمَنْ أراد أن يثيرها فعليه أن يتبع هذه الخطوات:

أ - بيان المزايا والثمرات في تلك الرغبة المرجوّة، وتصويرها بصورة كونها هي السعادة.

ب - إنّها سهلة التناول، قريبة من ذي الهمة.

ج - العمل والجدّ يخفيان المستحيل، ويكثران من الممكن، ويجعلان كلّ شيء في قدرة الإنسان إلاّ ما اختصّت به الأقدار، وعلا

____________________

(1) المصدر نفسه / 92.

٣٥

عن مغالبة الإنسان.

د - توجيه الناس إلى الاستعانة بالله تعالى، والثقة به، والاطمئنان إلى تأييده ونصرته.

أمّا في إثارة اليأس، وهو إذا رأى الخطيب إنّ الناس تمضي إلى شيء أشبه بالوهم، فهو مضطر أن يلقي في نفوسهم القنوط من هذه الناحية:

أ - أن يبيّن لهم إنّ سبيل المجد هو ما كان عمليّاً، لا ما كان خيالياً، وإنّ التمسك بما هم آخذون به أقرب إلى الخيال، وليحذر أن يكون في ذلك مصادمة لإحساسهم، بل يمهّد لهم بأنّ ما يعتقدون به إنّه مشاركهم في آمالهم، وإنّ إحساسه من إحساسهم، ثمّ يعقّب بعدة استثناءات حتّى يستدرجهم إلى ما يريد، ويأخذهم إلى ما ينبغي.

ب - أن يبيّن لهم المخاطر والمشاقّ التي تكتنف مَنْ يبغي تلك المطالب ويسعى إليها.

ج - ضرب الأمثال بمَنْ جهدوا أنفسهم ولم يصلوا إلى مبتغاهم، ولم ينالوا أملهم، مع انصرافهم عن العمل المجدي النافع؛ وعليه أن يوجّه الناس إلى العمل المنتج المثمر(1) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 96.

٣٦

5 - الغضب والخوف

إذا أراد الخطيب إثارة الحماسة والنخوة، والإباء والحميّة وغيرها على الدين، أو العرض أو غيره؛ فهو يعمد إلى إثارة الغضب ليوقظ تلك السجايا من نومتها، وينبهها من غفلتها.

والطريق لذلك:

أ - أن يذكر الإهانة، ويعظمها، ويصوّرها في صورة مذكية للحفائظ، مثيرة للهمم.

ب - أن يذكر العار الذي يلحق الاُمّة إن لم تتحضّر لدفع تلك الإهانة بالذود عن حماها، والذبّ عن حياضها.

ج - أن يذكر الأمثال بذكر الأشباه والنظائر، ويجعل لهم الأحرار من الناس مثلاً يُحتذى به، وذوي الهمم اُسوة يُقتدى بها(1) .

مثال ذلك قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : «أَيُّهَا الْقَوْمُ الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ، الْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ، الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ، الْمُبْتَلَى بِهِمْ أُمَرَاؤُهُمْ، صَاحِبُكُمْ يُطِيعُ اللَّهَ وَأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ، وَصَاحِبُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللَّهَ وَهُمْ يُطِيعُونَهُ! لَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَنِي بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ؛ فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةَ مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي رَجُلاً مِنْهُمْ»(2) .

أمّا الخوف، وهو فيما إذا كانت الاُمّة في انحراف عن الجادّة فيلقي في نفوسهم

____________________

(1) المصدر نفسه / 100.

(2) نهج البلاغة / الخطبة 95.

٣٧

الرعب ليستقيموا، ويسلكوا سبيل الصواب.

أ - أن يبيّن لهم سوء العاقبة لما يفعلون، وأنّ الطامة الكبرى في طريقهم غير القويم.

ب - أن يبيّن لهم بأنّ فوات كثير من رغباتهم وطلباتهم من استمرارهم على غيهم، وأنّ الحرمان هو النتيجة الأولى لسلوكهم.

ج - أن ينيط عقاباً خاصاً يقع بالمستمر على غيّه الموغل في إثمه، وقد يقع التخويف بسوء العاقبة يوم القيامة(1) .

6 - الرحمة

لغرض إثارة بواعث الرحمة في نفوس السامعين، واستدرار عطفهم على طائفة من الطوائف أو شخص من الأشخاص، أو تحريك هممهم لعمل إنساني جليل فيه المواساة للآخرين يتبع:

أ - أن يذكر بأنّ الجميع أفراداً وجماعات مُعرَّضة للمصاب.

ب - كون بني الإنسان كالجسد الواحد.

ج - مَنْ لا يَرحم لا يُرحم.

د - أن يصوّر الحادثة تصويراً يثير الرغبة في المعاونة.

ﻫ - تصوير الداعي للرحمة في قوله، وعلامات وجهه، ونفحات صوته، وحركاته وإشاراته(2) .

____________________

(1) الخطابة - اُصولها، تاريخها / 101.

(2) المصدر نفسه / 103.

٣٨

التفنيد

يحتاج الخطيب في بعض الأحيان إلى تفنيد وإبطال ما يدّعيه المخالفون وأهل العناد والغي؛ فالتفنيد مقام خطير لا يناله إلاّ مَنْ اُوتي حظّ عظيم من البديهية، والعلم الغزير، والاستيلاء على أساليب القول. فالتفنيد هو إزالة تأثير حجج الخصم من نفوس السامعين.

وللتفنيد طريقان:

أ - أن يتصدّى لنقض براهين الخصم قبل استعراضها؛ وذلك بأن يفنّد كلّ ما يتصوّره دليلاً لخصمه، ويفرض كلّ الفروض ثمّ يهدمها فرضاً فرضاً حتّى لا يبقى أمر ثابت سوى دعواه، ويعمد إلى هذا بعد أن يشبع السامعين بدلائل إيجابيّة على صدق دعواه؛ ليكون التعقيب قطعاً لطريق الإثبات على الخصم، ومهاجمة له في صميم استدلاله.

ب - أن يعرض أدلّة الخصم، ثمّ يبيّن ما فيها من غلط وتلبيس، ويبطل ما يتّجه إليه من نظر(1) .

أوجه الردّ على الخصم:

أ - إبطال مقدّمة دليل خصمه.

ب - إقامة دليل على نقيض دعواه، والموازنة بين الدليلين، وإثبات أنّ دليله أقوم حجّة، وأسدّ منهجاً.

ج - المنع وعدم التسليم ببيان أن لا دليل على ما يقول(2) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 127.

(2) المصدر نفسه / 129.

٣٩

فائدة

أ - إذا أراد الخطيب استخدام التفنيد فعليه ألاّ يفاجئ السامعين بالتصريح بما يعتقده كلّه، بل يشككهم فيما يعتقدون وفيما يفعلون، أو يصرّح لهم ببعض ما تتّجه براهينه حتّى إذا آنس منهم رشداً، وأدرك منهم ميلاً خاطبهم بكلّ ما في نفسه، وقد يكتفي ببيان ذلك القدر إن لم تكن النفوس قد تهيّأت، والعقول قد استيقظت لإدراكه كلّه(1) .

ب - أن لا يصرّح الخطيب باسم صاحب الرأي المخالف، خاصّة إذا كان له أتباع من الحاضرين والسامعين؛ فإنّ التصريح به علاوة على أنّه يغلق كلّ سبيل يؤدّي إلى إقناعهم وكسب موقفهم، فإنّه يهيّج روح التعصّب عندهم، ويؤزّم موقفهم على الخطيب، ويؤجّج روح العداوة في قلوبهم.

فالأفضل بالخطيب أن يقرع حجّة الخصم بالحجّة، ويبيّن للمخالفين مواضع الضعف في معتقداتهم وأفعالهم من غير إثارة أسماء وألقاب تتفاعل معها نفوسهم.

____________________

(1) المصدر نفسه / 121.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

الشيخ موسى الكاظمي الأسدي

القرن الثالث عشر

الشيخ موسى بن جعفر بن محمود الكاظمي الاسدي من شعراء أهل البيتعليهم‌السلام وشعره ذكره ولده الشيخ محمد علي في كتابه ( حزن المؤمنين في مصائب آل ياسين ) طبع بمبى، ألفه للسلطان أمجد علي شاه، وفرغ من تأليفه سنة ١٢٥٥ هـ ومما أورده من شعر أبيه قصيدة أولها:

مصابي بآل الله باق الى الحشر

وحزني عليهم مستمر مدى العمر

وتزداد أشجاني بهم متذكرا

مصاب فتى أودت به أسهم الكفر

لقد جرعته بالطفوف أمية

كؤس المنايا من صوارمها البتر

ولم ترع يالله حرمة احمد

ولا حرمة الكرار والبضعة الطهر

ومنها:

وزينب تبكي ثم تندب جدها

وأدمعها كالسيل من عينها تجري

أيقتل ظلما غوثنا وملاذنا

ويترك شلوا بالعراء بلا قبر

وقال في مطلع قصيدة أخرى في رثاء أبي الفضل العباس حامل راية الحسين (ع):

على العباس يا عين اسعديني

عزيز السبط مقطوع اليمين

٣٠١

السيد حسين بن الشمس

القرن الثالث عشر

السيد حسين بن الشمس الحسيني:

عالم فاضل وصفه الميرزا حسين النوري صاحب مستدركات الوسائل فيما علقه بخطه على هامش رجال أبي علي: بالسيد الحسيب النسيب ذي المجدين وقال: ان له ارجوزة في سني وفاة النبي (ص) والائمةعليهم‌السلام وتاريخ ولادتهم وبيان موضع قبورهم أولها:

قال أبو هاشم في بيانه

ولفظه يخبر عن جنانه

الحمد لله على الايمان

بالمصطفى والآل والقرآن

لقد حداني من له أطيع

لنظم تاريخ له أذيع

فهاك تاريخ النبي المصطفى

وآله المطهرين الخلفا

فمولد النبي عام الفيل

بمكة والحرم الجليل

ومولد الوصي أيضا في الحرم

بكعبة الله العلي ذي الكرم(١)

__________________

١ - أعيان الشيعة للسيد محسن الامين.

٣٠٢

عبد الله القطيفي

القرن الثالث عشر

العالم الكامل الشيخ عبدالله بن احمد بن عبدالله بن عمران قال الشيخ فرج القطيفي في كتابه ( تحفة أهل الايمان في تراجم آل عمران ): كان من شعراء أهل البيتعليهم‌السلام وقفت له على قصيدة مقصورة في رثاء الحسينعليه‌السلام ، ذهب أكثرها ولا بأس بذكر الموجود منها، قالقدس‌سره :

بين روض مونق أنفاسه

يشبه المسك أريجا وشذى

كم سحبت الذيل فيها مارحا

راتعا بين غزال ومهى

لم أخف واش ولا هجرا ولا

أرقب البدر ولا نجم السهى

لا ولا أجزع للركب اذا

قوض الرحل ولا خل ناي

غير أني بت كالملسوع من

وقعة الطف وما فيها جرى

وأذبت القلب هما وأسى

وأسلت الدمع حزنا عندما

لا نسيت السبط اذ حفت به

زمر الاعدا وأولاد الخنا

بعد أن قد كانبوه ونحا

نحوهم يوضح طرقا للهدى

أقول وذكره البحاثة الشيخ آغا بزرك الطهراني في ( الكرام البررة ) في القرن الثالث بعد العشرة.

٣٠٣

الشيخ حسين القطيفي

القرن الثالث عشر

الشيخ حسين بن محمد بن يحيى بن عمران القطيفي ذكره البلادي البحراني في ( أنوار البدرين ) فقال: العالم الكامل الشيخ حسين بن محمد بن يحيى بن عمران القطيفي كان من الفضلاء وله حواش كثيرة على جملة من الكتب ولم أقف له على مصنف.

وكان من شعراء أهل البيتعليهم‌السلام ، وجدت بخطه له قصائد في رثاء الحسينعليه‌السلام ، وكان خطه في غاية الجودة والملاحة، ولا أدري عمن يروي من المشايح والله العالم. انتهى

أقول هناك عشرات من الشعراء أشتهروا بالنظم وخصوصا في الامام الحسينعليه‌السلام ولكني لم أعتر على شعرهم بعد، كما أن لدي وفي مخطوطاتي نضائد من الشعر في الموضوع نفسه لم أعثر على قائليه أو تاريخ حياتهم وعصورهم وما زلت في جد وبحث.

وقل من جد في أمر يحاوله

ـ واستعمل الصبر - الا فاز بالظفر

٣٠٤

المستدركات

٣٠٥

٣٠٦

ابو طالب الجعفري

القرن الثالث الهجري

لي نفس تحب في الله والله حسينا ولا تحب يزيدا

يابن أكالة الكبود لقد أنضجت من لابسي الكساء الكبودا

أي هول ركبت عذبك الرحمن في ناره عذابا شديدا

لهف نفسي على يزيد وأتباع يزيد ضلوا ضلالا بعيدا

يا أبا عبد الله يا بن رسول الله يا أكرم البرية عودا

ليتني كنت يوم كنت فأمسي منك في كربلا قتيلا شهيدا(١)

* * *

أبو طالب الجعفري محمد بن عبدالله بن الحسين بن عبدالله ابن اسماعيل بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب. قال المرزباني في معجم الشعراء ص ٣٨٢: شاعر مقل، سكن الكوفة فلما جرى بين الطالبيين والعباسيين بالكوفة ما جرى وطلب الطالبيون قال أبو طالب:

بني عمنا لا تذمرونا سفاهة

فينهض في عصيانكم من تأخرا

وان ترفعوا عنايد الظلم تجتنوا

لطاعتكم منا نصيبا موقرا

وان تركبونا بالمذلة تبعثوا

ليوثا ترى ورد المنية أعذرا

وله:

قد ساسنا الاهل عسفا

وسامنا الدهر خسفا

__________________

١ - الاقتباس من القرآن الكريم لابي منصور الثعالبي ص ٨٥ و ( امالي ابن الشجري ) ص ١٨٦.

٣٠٧

وصار عدل أناس

جورا علينا وحيفا

والله لولا انتظاري

برءا لدائي أشفى

ورقبتى وعد وقت

تكون بالنجح أوفى

لسقت جيشا اليهم

ألفا وألفا وألفا

حتى تدور عليهم

رحى البلية عطفا

ورأيت في معجم شعراء الطالبيين مخطوط العلامة المعاصر السيد مهدي الخرسان: أبو طالب الجعفري: جده الحسين أخذه بكار الزبيري بالمدينة ايام ولايته عليها فضربه بالسوط ضربا مبرحا فمات. وأبوه عبدالله امتنع من لبس السواد وخرقه لما طولب بلبسه فحبس بسر من رأى حتى مات في الحبس، وذلك في ايام المعتصم. وكان شاعرا ويلقب هو أبوه الحسين بـ كلب الجنة كما كان حفيده أبو العوام أحمد يلقب بذلك. وكان أخو المترجم له اسماعيل بن عبدالله ممن قتل بطبرستان فيمن قتل من وجوه الطالبيين.

أقول ومما رأيته في كتاب الاقتباس هذه الابيات في رثاء الامام الحسين (ع) بقوله، وقال بعضهم:

أيا قتيلا عليك

كان النبي المعزى

قد أقرح الحزن قلبي

كأن في القلب وخزا

اذا ذكرت حسينا

ورأسه يوم حزا

الى اللعين يزيد

سارت به البرد جمزا(١)

فظل ينكث منه

ثغرا وينهز نهزا

فسوف يصلى سعيرا

به يدور ويخزى

__________________

١ - البرد: جمع بريد وسمي البغل يريدا والرسول الذي يركبه بريدا والجمز: ضرب من السير أشد من العنق.

٣٠٨

ابن المستوفي الأربلي

المتوفى ٦٣٧

المبارك بن احمد مستوفى اربل قال من جملة قصيدة يرثي بها الامام الحسين بن عليعليهما‌السلام ، كما في ( تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون ) للصفدي:

أتجحد قتله وتراه اثما

وقد أقبلته بالطف شمرا

وتقرع بالقضيب ثنيتيه

أراك أتيتها نكراء بكرا

* * *

شرف الدين بن المستوفي. أبو البركات المبارك بن أبي الفتح احمد بن المبارك بن موهوب بن غنيمة بن غالب اللخمي، الملقب شرف الدين، المعروف بابن المستوفي الاربلي.

قال ابن خلكان في ( الوفيات ) كان رئيسا جليل القدر كثير التواضع واسع الكرم، لم يصل الى اربل أحد من الفضلاء الا وبادر الى زيارته وحمل اليه ما يليق بحاله، وخصوصا أرباب الادب وكان جم الفضائل عارفا بعدة فنون، منها الحديث وعلومه وأسماء رجاله وجميع ما يتعلق به، كان اماما فيه. وكان ماهرا في فنون الادب من النحو واللغة والعروض والقوافي وعلم البيان وأشعار العرب وأخبارها وأيامها ووقائعها وأمثالها. وكان بارعا في علم الديوان وحسابه وضبط قوانينه على الاوضاع

٣٠٩

المعتبرة عندهم.

وجمع لاربل تاريخا في أربع مجلدات، وله كتاب ( النظام في شرح شعر المتنبي وأبي تمام ) في عشر مجلدات، وله كتاب ( سر الصنعة ) وغير ذلك.

وله ديوان شعر أجاد فيه، فمن شعره:

رعى الله ليلات تقضت بقربكم

قصارا وحياها الحيا وسقاها

فما قلت ايه بعدها لمسامر

من الناس الا قال قلبي آها

قال ابن خلكان في الوفيات: وكنت خرجت من اربل في سنة ست وعشرين وستمائة وشرف الدين مستوفي الديوان، والاستيفاء في تلك البلاد منزلة عليه، وهو تلو الوزارة، ثم بعد ذلك تولى الوزارة في سنة تسع وعشرين وستمائة، وشكرت سيرته فيها ولم يزل عليها الى أن مات مظفر الدين في التاريخ المذكور في ترجمته.

واخذ الامام المستنصر اربل في منتصف شوال من السنة المذكورة فبطل شرف الدين وقعد في بيته، والناس يلازمون خدمته على ما بلغني، ومكث كذلك الى أن أخذ التتر مدينة اربل في سابع عشر شوال سنة أربع وثلاثين وستمائة وجرى عليها وعلى أهلها ما قد اشتهر فكان شرف الدين في جملة من اعتصم بالقلعة وسلم منهم، ولما انتزح التتر عن القلعة انتقل الى الموصل وأقام بها في حرمة وافرة وله راتب يصل اليه وكان عنده من الكتب النفيسة شيء كثير. ولم يزل على ذلك حتى توفي بالموصل يوم الاحد لخمس خلون من المحرم سنة سبع وثلاثين وستمائة ودفن بالمقبرة السابلة خارج باب الجصاصة. ومولده في النصف

٣١٠

من شوال سنة اربع وستين وخمسمائة بقلعة اربل. وهو من بيت كبير كان فيه جماعة من الرؤساء الادباء، ولما مات شرف الدين رثاه صاحبنا يوسف بن النفيس الاربلي:

أبا البركات لو درت المنايا

بأنك فرد عصرك لم تصبكا

كفى الاسلام رزأ فقد شخص

عليه بأعين الثقلين يبكى

انتهى باختصار، وترجم له السيوطي في ( بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ) والزركلي في الاعلام.

٣١١

الشيخ حسن النح

الشيخ حسن النح، شاعر قطيفي من علماء القرن الثامن الهجري

ويعرف بابن النح رأيت له شعرا كثيرا في رثاء الامام الحسينعليه‌السلام كما رأيت له في المخطوطات القديمة شعرا جيدا في مدح النبي الاعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله . وهذه احدى قصائده انتسختها من مخطوطة قديمة قال كاتبها: ومما قاله الاديب العالم الشيخ حسن بن علي النح عليه الرحمة:

أوميض برق في الدجا يتوقد

أم ضوء فرقك قد بدا أم فرقد

وضبا تجرد من جفونك أم ضبا

يرمقن أم بيض حسان خرد

ومعاطف عطفت دلالا أم قنا

تهتز عجبا أم غصون تأود

يا من به يحيى غرامي خالد

وعليه جعفر مدمعي لا يحمد

نعمان خدك مالك لقلوبنا

فعساك تصبح شافعي يا احمد

لي في هواك حديث وجد لم يزل

متواتر لقديم وجدك مسند

ومن العجائب أن دمعي لم يزل

يجري وقلبي ناره لا تخمد

عجبي لفاتر طرفه في فتكه

يستل أبيض وهو لحظ أسود

لا شيء أمضى من مضاربه سوى

سيف الوصي الطهر حين يجرد

الفارس البطل الهمام الاروع

المقدام ولليث الهزبر الامجد

الحاكم العدل الرضي العالم

العلم الولي الزاهد المتعبد

الماجد الندب الشجاع المجتبى

الصادق المتصدق المتهجد

٣١٢

خلق أرق من النسيم وعزمة

عند اللقا منها يذوب الجلمد

هو أشرف الثقلين في حسب وفي

الهيجاء منصور اللواء مؤيد

بمهند ماض الغرار كغزمه

في غير هامات العدى لا يغمد

حتى غدا نون الوقاية ساقطا

عنهم بفعل من علاه يؤكد

يا من له الشرف الذي لا ينتهي

معناه والفخر الذي لا ينفد

حسدوك لما أن علوت عليهم

قدرا ومن رام المعالي يحسد

مولاي لو شهادت ما فعل العدا

يوم الطفوف وأي ظلم جددوا

فعلوا بمولاي الحسين ورهطه

فعلا تكاد لها الجبال تأود

والارض تخسف خشية مما جرى

منهم وتضطرب السماء وترعد

والقصيدة تتكون من ١٠٣ بيت قال في آخر بيت منها:

مولاي نجل النح يرجو منكم

حسن الجزاء وغيركم لا يقصد

وللشيخ حسن النح في مدح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

بمنعرج الجرعاء عن أيمن الهضب

مطالع أقمار بزغن على قضب

بها السفح من وادي العقيق جأذر

نثرن دموع العين كاللؤلؤ الرطب

وبين ثغور المنحنى دون بارق

بروق ثغور حسنها للورى يسبى

أسرن فؤادي حين أطلقن أدمعي

فقلبي ودمعي بين صب ومنصب

ربارب لكن الاسود عرينها

وغاباتها سود المحاجر والهدب

أرقن دمي عمدا وأنكرن ماجرى

وأصدق شيء في الهوى شاهد الحب

بحك قف ان شمت عن أيمن الحمى

سنا بارق قد لاح من ذلك الشعب

وسلعا اذا ما جئت سل عن حبائبي

وان ملت من عجبي الى نحوهم عج بي

لعل اذا مر معتل نشرها

يصح به جسمي وحيى به قلبي

منازل عرب خيموا حين يمموا

بقلبي لا بين الاكلة والحجب

هم الطيبون الطاهرون ومن هم

اذا جار صرف الدهر دون الورى حسبي

٣١٣

هم الحامدون الشاكرون لذي العلى

هم الصادقون الصابرون لدى الكرب

محمد المختار من سائر الورى

أبوهم وحسن الفرع عن أصله ينبي

نبي سمى كل النبيين رفعة

وقد سار حتى صار في حضرة الرب

دنى فتدلى قاب قوسين عندما

رقى وحباه الله بالانس والقرب

وخاطبه الرحمن من فوق عرشه

خطاب محب هام وجدا الى حب

تقدم كل الانبياء بأسرها

وصلى اماما بالملائكة النجب

فيا رتبة لو رام أن يلمس السها

بها لم يكن ما رام بالموقف الصعب

من العرب كل أعجموا عند وصفه

لذلك يدعى سيد العجم والعرب

كريم يد لو قيس بالبحر جوده

لزاد على جدواه بالمورد العذب

ولو يحكه قطر الغمام لما غدت

فجاج الثرى تبغي الامان من الجدب

محا رسم أهل الشرك قاطع عضبه

بحد الى ايجابه نسبة السلب

٣١٤

ناصر بن أحمد المتوج

القرن التاسع الهجري

لقد مرت ترجمة والده الشيخ احمد في الجزء الرابع من هذه الموسوعة وفاتنا أن نتبعها بترجمة الولد وهو الشيخ ناصر فهو الجدير بأن يذكر، يقول صاحب أنوار البدرين: كان نادرة عصره ونسيج وحده وقبره بجنب قبر أبيه وقد زرتهما مرارا ومشهدهما من المشاهد المتبرك به، انتهى كلام شيخنا الرباني الشيخ سليمان الماحوزي البحراني.

وقد ذكر هذا الشيخ الجليل كل من تأخر عنه كالمحدثين البحرانيين والحر في الامل وخريت هذه الصناعة الملا عبدالله أفندي في ( رياض العلماء ) والسيد المعاصر في ( روضاته ) والفاضل المعاصر في آخر المستدرك وأثنوا عليه بكل جميل، وذكره تلميذه الفاضل السبعي الاحسائي شارح قواعد العلامة بما لا مزيد عليه وذكر ان له شروحا على مشكلات القواعد وله ايضا من المصنفات تفسير الكتاب المجيد وله رسالة الناسخ والمنسوخ وله أشعار كثيرة منها نظم مقتل الحسين (ع) رأيناه ومراثي كثيرة وله مدح حسن في أميرالمؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

ومن تلامذته الشيخان الجليلان: الشيخ احمد بن فهد الحلي والشيخ احمد بن فهد المضري الاحسائي ولكل منها شرح على الارشاد فهو من غرائب الاتفاقات.

٣١٥

الشيخ ابراهيم الجيلاني

توفي سنة ١١١٩

الشيخ ابراهيم بن عبدالله الزاهدي الجيلاني:

بلاهيجان. ذكره ابن أخيه الشيخ محمد علي الحزين ابن الشيخ أبي طالب بن عبدالله في تذكرته فقال ما تعريبه: المحقق الحقاني الشيخ ابراهيم بن الشيخ عبدالله الزاهدي الجيلاني عم هذا الفقير مظهر شوارق الانوار والمؤيد بتأييدات الملك الجبار، جامع العلوم الدينية والمعارف اليقينية وحاوى الكمالات الصورية والمعنوية، قرأ على والده متوطن بلدة لاهيجان ومرجع أفاضل كيلان، وصل صيت فضائله ومناقبه بالاعالي والاداني، حسن التقرير والتحرير وفي الشعر والانشاء وكشف اللغز والمعنى بغير نظير، يكتب انواع الخطوط الجيدة، له مصنفات:

١ - حاشية على المختلف اسمها رافعة الخلاف.

٢ - حاشية على الكشاف اسمها كاشفة الغواشي، وصل في الى سورة الاحقاف.

٣ - رسالة في توضيح كتاب اقليدس.

٤ - القصائد الغراء في مدح أهل العباء.

ولما وصل خبر وفاته الى أصفهان رثاه ابن أخيه المذكور بأبيات فارسية. انتهى عن أعيان الشيعة ج ٥ / ٣٢٤.

٣١٦

ابن كنبار

المتوفى ١١٣١

محمد بن يوسف بن علي بن كنبار البلادي البحراني: هو تلميذ الشيخ سليمان بن عبدالله الماحوزي كذا ذكره صاحب ( الذريعة ) ج ٩ / ٩٩٠ وفي ص ٢٨ ما نصه: الشيخ محمد بن يوسف بن علي بن كنبار الصيمري النعيمي البلادي الشهيد بيد الخوارج سنة ١١٣١ هـ كما في ( الفيض القدسي ) أو سنة ١١٣٠ كما في اللؤلؤة، وهو من تلاميذ الشيخ محمد بن ماجد البحراني والسيد المحدث الجزائري، ويروي عنه الشيخ عبدالله السماهيجي كما في اجازته. له ديوان شعر في المراثي كما ذكره في أنوار البدرين وغيره، وله مقتل الحسين وشعر بليغ نفيس. توفي في بلدة ( القطيف ) فانه بعد أن كان فيها مضى الى البحرين وهي في أيدي الخوارج فاتفق وقوع فتنة بين الخوارج وعسكر العجم، وقتل جميع العجم وجرح هذا الشيخ جروحا خطيرة ونقل الى القطيف فبقي أياما قليلة وتوفي ودفن في مقبرة ( الحباكة )(١) .

__________________

١ - ( الذريعة الى تصانيف الشيعة ) للشيخ الطهراني.

٣١٧

السيد هاشم الصياح الستري

قم جدد الحزن في العشرين من صفر

ففيه ردت رؤوس الآل للحفر

يا زائري بقعة أطفالهم ذبحت

فيها خذوا تربها كحلا الى البصر

والهفتا لبنات الطهر يوم رنت

الى مصارع قتلاهن والحفر

رمين بالنفس من فوق النياق على

تلك القبور بصوت هائل ذعر

فتلك تدعو حسينا وهي لاطمة

منها الخدود ودمع العين كالمطر

وتلك تصرخ واجداه وا أبتا

وتلك تصرخ وايتماه في الصغر

يا راجعين السبايا قاصدين الى

أرض المدينة ذاك المربع الخضر

خذوا لكم من دم الاحباب تحفتكم

وخاطبوا الجد هذي تحفة السفر

جاء في أنوار البدرين: من علماء البحرين السيد النجيب الاديب السيد هاشم المعروف بـ ( الصياح ) الستري البحراني، كانرحمه‌الله شاعرا له يد طولى في علم التجويد ولهذا يلقب بالقاري، سمعت من شيخنا الثقة العلامة المرحوم الشيخ احمد ابن المقدس الشيخ صالح أن له كتابا في القراءة سماه ( هداية القاري الى كلام الباري ).

وله القصيدة الغراء التي أولها:

قم جدد الحزن في العشرين من صفر

ففيه ردت رؤوس الآل للحفر

وهي مشهورة، وعندنا كتاب ( مقنعة الشيخ المفيد )رحمه‌الله نسخة قديمة جدا عليها تملكه، وأنهى نسبه فيها للامام موسى بن جعفر (ع) ولم أقف له على ترجمة تغمده الله بالرضوان والرحمة.

٣١٨

تصويب

جاء في ص ١٦٧ عند ترجمة الشيخ حمادي الكواز بيتان هما:

ليهن محاني مشهد الشمس انه

ثوى بدر أنسي عندها بثرى القبر

وكان قديما مشهد الشمس وحدها

فعاد حديثا مشهد الشمس والبدر

نسبناهما له سهوا والصحيح أنهما لأخيه الشيخ صالح الكواز المترجم ص ٢١٣ قالهما في رثاء ولد له صغير دفن في مقبرة ( مشهد الشمس ) بالحلة.

٣١٩

الى الادباء والباحثين

ضاق نطاق هذا الكتاب عن استيعاب شعراء المائة الثالثة بعد الالف فانتقلنا بالبقية الباقية الى الجزء الثامن، وودعنا القرن الثالث عشر على كره منا، فالنفس غير راضية بهذا الانتقال ولا مطمئنة لهذا الانفصال، اذ هي ما زالت تتحسس أو تكاد تلمس أشباحا ممن تبتغي العثور عليهم وحتى نالها التعب في التقصي على آثارهم، وعدت عليها بالتسلية فان المفقود متى عثر عليه يرجع به الى عصره ومصره. وان الانسان يجب أن يعمل مدى الحياة ما دامت الحياة وقد قيل: فتش تجد.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328