أدب الطف الجزء ٧

أدب الطف11%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 328

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 328 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118412 / تحميل: 8976
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

٢ ـ( هَلْ كُنتُ إلّا بَشَرًا رَّسُولاً ) ومعناه أنّه بشر مأمور لا يستطيع القيام بالممكن من هذه الاُمور إلّا بإذنه سبحانه، شأن كل رسول في إنجاز رسالته.

وبعبارة اُخرى إنّكم إن كنتم تطلبون هذه الاُمور منّي بما أنا بشر، فالممكن منها خارج عن إطار قدرة البشر، وإن كنتم تطلبون مني بما أنني رسول مبلغ فلا أستطيع التصرف بلا إذن ورخصة منه سبحانه، وعلى كل تقدير فهؤلاء الجهلة المجادلون ما كانوا ليؤمنوا ولو جاءهم النبي بأضعاف ما لم يطلبوا به. قال تعالى:( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ المَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إلّا أَن يَشَاءَ اللهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) ( الأنعام / ١١١ ).

والمراد من قوله:( إلّاأَن يَشَاءَ اللهُ ) هو المشيئة القاهرة التي تجبر الناس على الإيمان بالرسالة، وعندئذ لا يقام لمثل هذا الإيمان وزن ولا قيمة(١) .

* * *

٤ ـ طلب طرد الفقراء

روى الثعلبي باسناده عن عبد الله بن مسعود قال: مر الملأ من قريش على رسول الله وعنده صهيب وخباب وبلال وعمّار وغيرهم من ضعفاء المسلمين، فقال: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك أفنحن نكون تبعاً لهم ؟ أهؤلاء الذين منَّ الله عليهم ؟ أطردهم عنك فلعلّك إن طردتهم اتّبعناك، فأنزل الله تعالى:( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ ) (٢) .

__________________

(١) لقد بسطنا الكلام في الجزء الرابع من هذه الموسوعة في تحديد الشروط التي يجب للنبي دونها القيام بالمعجزة وبيّنّاه في مفاد الآيات النافية للإعجاز، لاحظ: ص ٩٥ ـ ١٥٤ من ذلك الجزء.

(٢) مجمع البيان: ج ٤ ص ٣٠٥.

١٨١

قال ابن هشام: وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا جلس في المسجد وجلس إليه المستضعفون من أصحابه: خباب وعمّار وأبو فكيهة يسار مولى صفوان بن اُميّة بن محرث وصهيب وأشباههم من المسلمين، هزأت بهم قريش وقال بعضهم لبعض: هؤلاء أصحابه كما ترون، أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا بالهدى والحق ؟ لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقنا هؤلاء إليه، وما خصّهم الله به دوننا، فأنزل الله تعالى فيهم:( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ *وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَٰؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ *وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( الأنعام / ٥٢ ـ ٥٤ )(١) .

وقد ذكر في شأن نزول الآية وجه آخر يناسب كونها مدنيّة لا مكيّة، علماً بأنّ جميع آيات السورة مكيّة وهذا يبعد أن تكون هذه الآية وحدها مدنيّة مع أنّ لحن الآية يناسب كونها مكّية.

ومثله قوله سبحانه:( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) ( الكهف / ٢٨ ).

والسورة مكيّة ومفاد الآية يشبه مفاد الآيات المكيّة، وقد ذكر في شأن نزولها أيضاً ما يعرب عن كونها مدنيّة، وإليك النص الدال على ذلك:

روى السيوطي في الدر المنثور: جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصين الفزاري فوجدا النبي قاعداً مع بلال وصهيب وعمّار وخباب في اُناس ضعفاء من المؤمنين فلمّا رأوهم حقّروهم، فأتوه فخلوا به فقالوا: إنّا نحب أن تجعل

__________________

(١) السيرة النبويّة، لابن هشام: ج ١ ص ٣٩٢ و ٣٩٣.

١٨٢

لنا منك مجلساً تعرف لنا العرب به فضلاً، فإنّ وفود العرب ستأتيك فنستحيي أن ترانا العرب قعوداً مع هؤلاء الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمه معنا فإذا نحن فرغنا فلتقعد معهم إن شئت، قال نعم، قالوا: فاكتب لنا عليك بذلك كتاباً، فدعا بالصحيفة ودعا عليّا ليكتب ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبرئيل بهذه الآية:( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ) إلى قوله( فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) فألقى رسول الله الصحيفة من يده، فأتيناه وهو يقول:( سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) فكنّا نقعد معه، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فأنزل الله:( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) قال: فكان رسول الله يقعد معنا بعد فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم(١) .

يقول العلّامة الطباطبائي في هذا الصدد: « إستفاضت الروايات على نزول سورة الأنعام دفعةً، هذا والتأمل في سياق الآيات لا يبقي ريباً أنّ هذه الروايات إنّما هي من قبيل ما نسمّيه تطبيقاً، بمعنى أنّهم وجدوا مضامين بعض الآيات تقبل الإنطباق على بعض القصص الواقعة في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فعدّوا القصّة سبباً لنزول الآية لا بمعنى أنّ الآية انّما نزلت وحدها دفعة لحدوث تلك الواقعة ورفع الشبهة الطارئة من قبلها، بل بمعنى أنّ الآية يرتفع بها ما يطرء من قبل تلك الواقعة من الشبهة كما ترفع بها الشبه الطارئة من قبل سائر الوقائع من أشباه الواقعة ونظائرها كما يشهد بذلك ما ترى في هذه الروايات الثلاث الواردة في سبب نزول قوله:( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ ) الآية، فإنّ الغرض فيها واحد لكن القصص مختلفة في عين أنّها متشابهة فكأنهم جاءوا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واقترحوا عليه أن يطرد عنه الضعفاء كرّة بعد كرّة وعنده في كل مرّة عدّة من ضعفاء المؤمنين وفي مضمون الآية إنعطاف إلى هذه الإقتراحات أو بعضها(٢) .

__________________

(١) الدر المنثور: ج ٣ ص ١٣، ونقله في مجمع البيان عند تفسير الآيتين فلاحظ.

(٢) الميزان: ج ٧ ص ١١٠ بتصرّف يسير.

١٨٣

ويضيف قائلاً: « إنّ ما اقترح المشركون على النبي نظير ما اقترحه المستكبرون من سائر الأمم على رسلهم من أن يطردوا عن أنفسهم الضعفاء والفقراء من المؤمنين تعزّزاً وتكبّرا وقد حكى الله سبحانه عن قوم نوح فيما حكى من محاجّتهعليه‌السلام حجاجاً يشبه ما في هذه الآيات من الحجاج قال تعالى:( فَقَالَ المَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إلّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إلّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ) إلى أن قال:( وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُم مُّلاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ *وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) ( هود / ٢٧ و ٢٩ و ٣٠ )(١) .

__________________

(١) الميزان: ج ٧ ص ١١٠ بتصرّف يسير.

١٨٤

د ـ تعذيب النبيّ وأصحابه

قد كان إيقاع الأذى على الدعاة المصلحين من سنن المجتمعات الجاهلية حيث قد كان أهلها يخالونهم أعداء لأنفسهم ومصالحهم فكانوا يقابلونهم بالإيذاء والشتم والضرب والقتل فلم يكن النبي فيما لاقاه من الأذى والسب والتنكيل به وبأصحابه بدعاً من الاُمور.

وقد أدار المشركون رحى الشر عليهم طيلة لبثهم في مكة فجاء الوحي يحثّهم على الصبر والثبات بتعابير وأساليب مختلفة وإليك توضيح ذلك:

١ ـ نزل الوحي مسلّياً بقوله:( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ المُرْسَلِينَ ) ( الأنعام / ٣٤ ) وقوله:( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) ( النحل / ١٢٧ ).

٢ ـ ومحفزاً تارة اُخرى بتذكيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله بجَلَد أولى العزم في إداء رسالاتهم بقوله:( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ) ( الأحقاف / ٣٥ ).

٣ ـ وثالثة داعياً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله تفويض الأمر إلى الله والتريّث حتى يأتي موعده بقوله:( وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ ) ( يونس / ١٠٩ ).

٤ ـ ورابعاً مروّضا لهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قبال ما يكال إليه من

١٨٥

صنوف الايذاء بقوله:( وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً ) ( المزمل / ١٠ ).

٥ ـ وخامساً منبّهاً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله بتجنب ما وقع فيه النبيّ يونس بقوله سبحانه:( وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ ) ( القلم / ٤٨ ).

فهذه الآيات ونظائرها تعرب عن عظم درجة الايذاء والوصب الذي عاناه النبي في سبيل إرساء قواعد دعوته حيث قابلها برحابة صدر وسعة نفس، وعلى الرغم من كل ذلك فلم تتحرك شفتاه بطلب إنزال العذاب عليهم. سواء عندما كان في مكة أم بعد مغادرتها إلى المدينة فكان يقابل تزمّت قومه وعنادهم بالحكمة والموعظة الحسنة ما وجد لذلك سبيلاً.

المضطهدون في صدر البعثة

وقد جاء في كتب السيرة أسماء الذين عذّبوا بيد قريش من صحابة النبي الأكرم وعلى رأسهم « ياسر » و « سميّة » أبوا عمّار، و « صهيب » و « بلال » و « خباب » وقد اُستشهد أبو عمّار واُمّ عمّار بتعذيب المشركين وأمّا عمّار فقد أعطاهم بلسانه ما أرادوا منه وبقي قلبه مطمئن بالإيمان وعندما جاء خبر تعذيب قريش لنبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يزل يلهج بهم ويدعو لهم ويقول: إصبروا آل ياسر موعدكم الجنّة، ويقول: أبشروا آل ياسر موعدكم الجنّة، ويقول: أللّهم اغفر لآل ياسر وقد فعل.

يقول ابن هشام: وكان بنو مخزوم يخرجون بعمّار وأبيه واُمّه وكانوا أوّل أهل بيت في الإسلام إذا حميت الظهيرة يعذّبونهم برمضاء مكّة فيمر بهم رسول الله فيقول: صبراً آل ياسر موعدكم الجنّة. صبراً آل ياسر فإنّ مصيركم إلى الجنّة(١) .

__________________

(١) سيرة ابن هشام: ج ١ ص ٣١٩ ـ ٣٢٠.

١٨٦

يروي أبو نعيم عن عثمان بن عفان قال: لقيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالبطحاء فأخذ بيدي فانطلقت معه، فمرّ بعمّار واُمّ عمار وهم يعذّبون، فقال: صبراً آل ياسر فإنّ مصيركم إلى الجنّة.

وروى أيضاً عن مجاهد: أوّل من أظهر الإسلام سبعة، فعدّ منهم عمّار وسميّة ـ اُمّ عمّار ـ.

وكانوا يلبسونهم أدراع الحديد ثمّ يسحبونهم في الشمس فبلغ منهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ من حر الحديد والشمس، فلمّا كان من العشيّ أتاهم أبوجهل ـ لعنه الله ـ ومعه حربة فجعل يشتمهم ويوبّخهم(١) .

ثمّ إنّ المشركين أصابوا عمّار بن ياسر فعذّبوه ثمّ تركوه ( لأنّه أعطاهم ما يطلبون ) فرجع إلى رسول الله فحدّثه بالذي لقي من قريش.

وفي رواية: أخذ بنو المغيرة فغطّوه في بئر ميمون وقالوا: أكفر بمحمّد، فتابعهم على ذلك وقلبه كاره.

وفي رواية ثالثة: أخذ المشركون عمّار بن ياسر فعذّبوه حتى باراهم في بعض ما أرادوا، فشكى ذلك إلى النبي، فقال النبي: كيف تجد قلبك ؟ قال: مطمئناً بالإيمان، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : فإن عادوا فعد، فنزل قوله سبحانه:( مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ( النحل / ١٠٦ ).

فأخبر الله سبحانه أنّه من كفر بعد إيمانه فعليه غضب من الله وله عذاب أليم، وأمّا من أكره وتكلّم بها لسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوّه فلا حرج عليه، لأنّ الله سبحانه إنّما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم(٢) .

__________________

(١) حلية الأولياء: ج ١ ص ١٤٠.

(٢) تفسير الطبري: الجزء ١٤، ص ١٢٢.

١٨٧

لقد تطرّق إلى بعض القلوب أنّ عمّاراً كفر، فقال النبي: إنّ عمّاراً مِلئ إيماناً من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه، وجاء عمّار إلى رسول الله وهو يبكي، فقال: ما وراءك ؟ فقال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، فجعل رسول الله يمسح عينيه ويقول: إن عادوا لك فعد لهم بما قلت، وأضاف الطبرسي أنّ ياسراً وسميّة أبوي عمّار أوّل شهيدين في الإسلام(١) .

إنّ الأساليب التي أنتهجتها وتبنّتها قريش لشل حركة تقدم الدعوة النبويّة لـمّا أضحت فاشلة، إضطرّت إلى اللجوء إلى أسلوب آخر وهو اثارة الضوضاء والضجيج، للحيلولة دون بلوغ القرآن إلى مسامع الناس.

إثارة الضوضاء عند تلاوة النبي للقرآن

كان القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى للنبي وكانت العرب تعرف بفطرتها أنّه كلام فوق كلام البشر، وأنّ له لحلاوة وأنّ عليه لطلاوة وأنّ أعلاه لمثمر وأنّ أسفله لمغدق وأنّه يعلو وما يعلى عليه(٢) .

هكذا وصف القرآن بعض أعداء النبي، وقد كانت الشباب من قريش وغيره يدركون حلاوة القرآن بذوقهم السليم فيندفعون إلى الإعتناق به حيث كان القرآن يأخذ بمجامع قلوبهم ويوردهم المنهل العذب من الإيمان، فلم ير أعداء النبي بدّاً من نهي العرب عن الاستماع إليه وقد كان النبي يجهر بالقرآن في الأشهر الحرم في المسجد الحرام، فاحتالوا بالمكاء والتصفير والتخليط في المنطق على رسول الله حتى لا يسمع صوته ولا يعلم كلامه، وإليه يشير قوله سبحانه:( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) ( فصّلت / ٢٦ ). حتى يصدّوا بذلك

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٣ ص ٣٨٨.

(٢) اقتباس من كلام الوليد بن المغيرة، راجع مجمع البيان: ج ٥ ص ٣٨٧، والسيرة النبويّة: ج ٥ ص ٣٨٢.

١٨٨

من اَراد استماعه، فإذا لم يسمع ولم يفهم لا يتبعه فيغلبون بذلك محمداً(١) . فأوعدهم الله سبحانه بقوله:( فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ولقد تحقّق وعده سبحانه في الدنيا يوم بدر فقتل منهم من قتل وأسر منهم من اُسر، فنالوا جزاء أعمالهم، وبقي عليهم العذاب الأكبر الذي يجزون به في يوم البعث. يقول سبحانه:( ذَٰلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ) ( فصّلت / ٢٧ و ٢٨ ).

العذر الأخير للإمتناع عن قبول الدعوة

وأقصى ما كان عند قريش من العذر لتبرير عملهم وعدم إعتناقهم لدين النبي، هو أنّهم كانوا يخافون من مشركي الجزيرة العربيّة حيث إنّهم كانوا على خلاف التوحيد بل على عبادة الأصنام، فقالوا: لو اعتنقنا دين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ورفضنا الأصنام والأوثان، لثار الجميع علينا، وهذا ما يحكيه عنهم قوله سبحانه:( وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ) ( القصص / ٥٧ ) والآية تعطي أنّهم كانوا واقفين على أنّ دين النبي حقٌّ ولكن الذي منعهم عن اتباع الهدى مخافة أن تتخطّفهم العرب من أرضهم وليس لهم طاقة بهم(٢) .

فردّه الوحي بأنّ الله سبحانه جعل بهم مكّة دار أمن وأمان ودفع ضرّ الناس عنهم عندما كانوا مشركين فإذا آمنوا واعتنقوا دين الله يعمّهم الأمن والسلامة أيضاً لأنّهم في حالة الإيمان أقرب إلى الله سبحانه من حالة الكفر، فالخالق الذي قطع أيدي الأشرار عن بلدهم قادر في كلتا الحالتين، وإليه يشير قوله سبحانه:( أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ

__________________

(١) تفسير الطبري: الجزء ٢٤ ص ٧٢.

(٢) التخطّف: أخذ الشيء على وجه الإضطراب من كل وجه، والمصطلح الدارج هو الإختطاف.

١٨٩

أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) ( القصص / ٥٧ ).

كان على هؤلاء أن يعتبروا بأقوام متمرّدين الذين أعطوا المعيشة الواسعة، فلم يعرفوا حق النعمة وكفروا فعمّهم الهلاك وهذه ديار عاد وثمود وقوم لوط صارت خالية عن أهلها وهي قريبة منهم، فإنّ ديار عاد إنّما كانت بالأحقاف وهو موضع بين اليمن والشمال وديار ثمود بوادي القرى، وديار لوط بسدوم وكانت قريش تمر بهذه المواضع في تجارتها، وإليه يشير قوله سبحانه:( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ (١) مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إلّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ) ( القصص / ٥٨ ).

هذا آخر ما كان عندهم من المبرّرات لعدم الإيمان بالدّعوة.

خرافة الغرانيق

كان اللازم علينا ضرب الصفح عن تناول هذه الخرافة التاريخية بالبحث لأَنّا قد اعتمدنا في سرد حوادث السيرة النبوية وفق ما ورد في القرآن الكريم، فما جاء في خلال آياته نذكره وما لم يرد نتركه إلى كتب السيرة والتاريخ، غير أنّ هذه القصة لـمّا الصقت بساحة القرآن الكريم القدسيّة بالإستناد إلى بعض الآيات الموهمة لذلك كذباً وزوراً، فصارت ذريعة في الآونه الأخيرة بيد أعداء الدين من المستشرقين ك‍ « بروكلمان » في كتاب تاريخ الشعوب الإسلامية، ص ٣٤، وكتاب « الإسلام » لفرويد هيوم، لزم علينا التطرّق لتلك الخرافة وتحليلها تحليلاً علميّاً مؤيّداً بالبرهان الرصين والحجّة الدّامغة حتى لا يبقى لمشكك شكّ ولا لمريب ريب إلّا من أخذته العصبية العمياء فإنّها داء لا علاج له، خصوصاً ما نشاهده في المؤامرة الأخيرة التي حاكتها بريطانيا وغيرها من أذناب الكفر العالمي حيث زمّروا وطبّلوا لكتاب « الآيات الشيطانية » لمؤلّفه « سلمان رشدي » ومنحوا له جائزة أدبية في ذلك المجال، والرجل

__________________

(١) البطر: الطغيان عن النعمة.

١٩٠

هندي الأصل بريطاني الجنسيّة والدراسة وقد ترجم الكتاب بإيعاز من الدول المستعمرة إلى أكثر اللغات العالميّة مع أنّه ليس بكتاب أدبي ولا علمي ولا تاريخي، بل أشبه بأضغاث أحلام نسجها الخيال وروّج لها الإستعمار، وإليك القصّة على وجه الإجمال:

« جلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ناد من أندية قريش كثير أهله فتمنّى يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه، فأنزل الله عليه:( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ *مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ) فقرأه رسول الله حتى إذا بلغ( أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّىٰ *وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَىٰ ) ألقى عليه الشيطان كلمتين:

« تِلْكَ الغَرَانِيقُ العُلَى وَإِنَّ لَشَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْجَى » فتكلّم بها ثمّ مضى فقرأ السورة كلّها فسجد في آخر السورة وسجد القوم جميعاً معه، ورفع الوليد بن المغيرة تراباً إلى جبهته فسجد عليه وكان شيخاً كبيراً لا يقدر على السجود، فرضوا بما تكلّم به، وقالوا: قد عرفنا أنّ الله يحيي ويميت وهو الذي يخلق ويرزق ولكنّ آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، إذ جعلت لها نصيباً، فنحن معك. قالا ( محمد بن كعب القرظي ومحمد ابن قيس ): فلمّا أمسى أتاه جبرئيلعليه‌السلام فعرض عليه السورة فلمّا بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه، قال: ما جئتك بهاتين، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إفتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل !! فأوحى الله عليه:( كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ) . فما زال مغموماً مهموماً حتّى نزلت عليه:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( الحج / ٥٢ )، قال فسمع من كان من المهاجرين بأرض الحبشة: إنّ أهل مكّة قد أسلموا كلّهم، فرجعوا إلى عشائرهم وقالوا: هم أحبّ إلينا، فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما يلقي الشيطان »(١) .

__________________

(١) تفسير الطبري: الجزء ١٧، ص ١٣١.

١٩١

وتحقيق القوم في تلك القصّة يتوقّف على البحث عن سند الرواية التي أوردها الطبري في تفسيره والسيوطي في الدر المنثور أوّلاً، ودراسة متنها وعرضه على العقل والقرآن ثانياً لكي يتجلّى الحق بأجلى مظاهره.

تحليل سند الرواية

إنّ هذه الروايات لا يمكن الإحتجاج بها لوجهين:

الأوّل: إنّ أسانيدها تنتهي إلى التابعين الذين لم يدركوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

من أمثال:

١ ـ محمد بن كعب القرظي ٢ ـ محمد بن قيس ٣ ـ أبو العالية ٤ ـ سعيد بن جبير ٥ ـ الضحّاك ٦ ـ ابن شهاب.

ولم يدرك واحد منهم النبي قطّ وهم قد ساقوا القصّة من دون أن يذكروا الواسطة بينهم وبينه، وإليك نصوص علماء الرجال في حقّهم:

الف ـ محمد بن كعب القرظي

قال ابن حجر: قال العجلي: مدني تابعي ...، وقال البخاري: إنّ أباه كان ممّن لم يَثْبُت يوم قريظة فترك، وما نقل من قتيبة من أنّه ولد في عهد النبي لا حقيقة له. إنّما الذي ولد في عهده، هو أبوه، وقد ذكروا انّه كان من سبي قريظة ممّن لم يحتلم ولم ينبت فخلّوا سبيله، حكي ذلك البخاري في ترجمة محمد، ويدلّ على ذلك إنّه مات سنة ١٠٨ ه‍ ق وقيل: ١١٧ ه‍ ق وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وجاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من طرق أنّه قال: يخرج من أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد يكون بعده. قال ربيعة: فكنّا نقول: هو محمد بن كعب، والكاهنان قريظة والنضير ـ إلى أن يقول ـ:

١٩٢

... فكان يقص في المسجد فسقط عليه وعلى أصحابه سقف، فمات هو وجماعة معه(١) .

ب ـ محمد بن قيس

وهو محمد بن قيس المدني قاض عمر بن عبد العزيز، روى عن أبي هريرة وجابر، ويقال: مرسل، توفّي أيام الوليد بن يزيد. روى عنه أبو معشر ـ قال ابن معين: ليس بشيء لا يروى عنه(٢) .

ج ـ ابن شهاب

وهو محمد بن مسلم الزهري ـ كان يدلّس في النادر ـ وهو أحد التابعين بالمدينة، وقال ابن حجر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب ابن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري وكنيته أبو بكر وهو من رؤوس الطبقة الرابعة مات سنة خمس وعشرين [ بعد المائة ] وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين(٣) .

د ـ أبو العالية

وهو رفيع بن مهران الرياحي أدرك الجاهلية وأسلم بعد وفاة النبي بسنتين ودخل على أبي بكر وصلّى خلف عمر حتى قيل: إنّه أدرك عليّاً ولم يسمع منه(٤) .

__________________

(١) تهذيب التهذيب: ج ٩ ص ٤٢١.

(٢) تهذيب التهذيب: ج ٩ ص ٤١٤.

(٣) ميزان الإعتدال: ج ٤ ص ٤٠، وتقريب التهذيب: ج ٢ ص ٢٠٧، ووفيات الاعلام: ج ٤ برقم ٥٦٣.

(٤) تهذيب التهذيب: ج ٣ ص ٣٨٤.

١٩٣

ه‍ ـ سعيد بن جبير

فهو سعيد بن جبير الكوفي روى عن ابن عباس وابن الزبير وغيره، قتله الحجّاج صبراً سنة ٩٥(١) .

و ـ الضحّاك

وهو الضحّاك بن عثمان. قال أبو زرعة: ليس بقوي، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. مات بالمدينة سنة ثلاث وخمسين(٢) .

هؤلاء الذين ينتهي إليهم السند كلّهم تابعون، نعم رواه الطبري أيضاً عن ابن عباس فهو ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ـ مات سنة ثمان وستين بالطائف وهو أحد المكثرين من الصحابة، ولكنّه لم يكن حاضراً في زمن القصة بل لم يكن متولّداً فيه ( لأنّ تاريخها يرجع إلى السنة الخامسة من البعثة وهو ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ) فتكون روايته مقطوعة.

وعلى كل تقدير فكل ما رواه الطبري في هذا المجال مراسيل أو مقطوعات لا يمكن الإحتجاج بها.

الثاني: إنّ الأسانيد تشتمل على رجال ضعاف لا يمكن الإحتجاج بهم سوى طريق سعيد بن جبير وقد عرفت أنّه أيضاً مرسل.

هذا ما لدى الطبري في تفسيره وأمّا ما نقله السيوطي فلا يقصر عمّا نقله الطبري في الضعف والإرسال، وقد رواه عن « أبي صالح » وأبي بكر بن عبد الرحمان ابن الحارث و « السدى » أيضاً.

__________________

(١) تهذيب التهذيب: ج ٤ ص ١١.

(٢) تهذيب التهذيب: ج ٤ ص ٤٤٧.

١٩٤

أمّا الأوّل فهو مشترك بين ١٩ شخصاً لم يرو واحد منهم عن النبي فالجلّ لولا الكل تابعون(١) .

وأمّا الثاني فهو أبو بكر بن عبد الرحمان بن الحارث ولد في خلافة عمر(٢) .

وأمّا الثالث فهو محمد بن مروان تابعي. قال ابن معين: ليس بثقه، قال ابن نمير: ليس بشيء وكان كذّاباً(٣) .

نعم رواه أيضاً عن سعيد بن جبير وابن عباس وقد عرفت حالهما، ورواه عن السدي وهو أيضاً تابعي.

مضافاً إلى إشتمال الإسناد على رجال ضعاف، وأمّا ما ذكره السيوطي من أنّه أخرج الطبراني والبزاز وابن مردويه والضياء في المختار بسند رجاله ثقات من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس فهو غير صحيح لما عرفت من أنّ المرسل والمقطوع لا يوصفان بالصحة على الإطلاق ولو وصفا بالصحّة فالمراد هو الصحّة النسبية، فلا يحتج بها.

إنّ علماء الإسلام وأهل العلم والدراية من المسلمين، قد أشبعوا هذه الرواية نقضاً وردّاً وإبراماً فوصفها السيد مرتضى: بأنّها خرافة وضعوها(٤) .

وقال النسفي عند القول بها: غير مرضي. وقال الخازن في تفسيره: إنّ العلماء وهّنوا أصل القصّة ولم يروها أحد من أهل الصحّة، ولا أسندها ثقة بسند صحيح، أو سليم متّصل، وإنّما رواها المفسّرون والمؤرّخون المولعون بكل غريب، الملفّقون من الصحف كل صحيح وسقيم، والذي يدل على ضعف هذه القصّة اضطراب رواتها وانقطاع سندها واختلاف ألفاظها(٥) .

__________________

(١) راجع تهذيب التهذيب: ج ١٢ ص ١٣٠ ـ ١٣١.

(٢) تهذيب التهذيب: ج ١٢ ص ١٣٠ ـ ١٣٣.

(٣) تهذيب التهذيب: ج ٩ ص ٤٣٦ برقم ٧١٩.

(٤) تنزيه الأنبياء: ص ١٠٩.

(٥) الهدى إلى دين المصطفى: ج ١ ص ١٣٠.

١٩٥

وقال القاضي عياض: إنّ هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحّة ولا رواه ثقة بسنده سليم متصل، وإنّما أولع به المفسّرون، والمؤرّخون، المولعون بكل غريب، والمتلقّفون من الصحف كل صحيح وسقيم، وصدق القاضي بكر بن العلا المالكي حيث قال: لقد بلي الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير، وتعلّق بذلك الملحدون مع ضعف نقلته، واضطراب رواياته، وانقطاع أسناده واختلاف كلماته(١) .

وقال أمين الإسلام الطبرسي: أمّا الأحاديث المروية في هذا الباب فهي مطعونة ومضعّفة عند أصحاب الحديث، وقد تضمّنت ما ينزّه الرسل عنه، فكيف يجوز ذلك على النبي وقد قال سبحانه:( كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ) وقال:( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَىٰ ) .

وأقصى ما يمكن أن يقال: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما تلا سورة والنجم وبلغ إلى قوله:( أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّىٰ *وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَىٰ ) علمت قريش من عادته أنّه كان يعيبها، قال بعض الحاضرين من الكافرين: ( تِلْكَ الغَرَانِيقُ العُلَى ) فظنّ الجهّال أن ذلك من قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

وقال السيّد الطباطبائي: إنّ الأدلّة القطعيّة على عصمته تكذّب متنها، وإن فرضت صحّة سندها، فمن الواجب تنزيه ساحته المقدّسة عن مثل هذه الخطيئة، مضافاً إلى أنّ الرواية تنسب إليه أشنع الجهل وأقبحه فقد تلا « تِلْكَ الغَرَانِيقُ العُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى » وجهل أنّه ليس من كلام الله، ولانزل به جبرئيل، وجهل أنّه كفر صريح يوجب الإرتداد، ودام على جهله، حتى سجد وسجدوا في آخر السورة، ولم يتنبّه ثمّ دام على جهله حتى نزل عليه جبرئيل، وأمره أن يعرض عليه السورة فقرأها عليه وأعاد الجملتين وهو مصرّ على جهله، حتى أنكره عليه جبرئيل، ثمّ أنزل عليه آية تثبت نظير هذا الجهل الشنيع والخطيئة الفاضحة لجميع الأنبياء

__________________

(١) الشفاء: ج ٢ ص ١٢٦.

(٢) الطبرسي مجمع البيان: ج ٤ ص ٦١ و ٦٢.

١٩٦

والمرسلين وهي قوله:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) .

لو جاز مثل هذا التصرّف من الشيطان في لسانه بالقائه جملة أو جملتين، في ثنايا الوحي، لارتفع الأمن عن الكلام الإلهي، فكان من الجائز حينئذ أن تكون بعض الآيات القرآنية من إلقاء الشيطان فيلقي نفس هذه الآية( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ) فيضعه في لسان النبي وذكره، فيحسبها من كلام الله الذي نزل به جبرئيل كما حسب حديث الغرانيق كذلك ـ إلى أن قال ـ وبذلك يرتفع الإعتماد والوثوق بكتاب الله من كل جهة، وتلغى الرسالة والدعوة النبويّة بالكليّة جلّت ساحة الحق من ذلك(١) .

هذا كلّه راجع إلى اسناد الرواية وكلمات العلماء بشأنه، وأمّا ما يرجع إلى متنها فنشير إلى أمرين كل واحد كاف لإبطال الرواية:

تحليل متن الرواية

١ ـ إنّ هذه الروايات أجمعت على أنّ النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله قرأ سورة والنجم فلمّا بلغ إلى قوله( أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّىٰ *وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَىٰ ) وسوس إليه الشيطان بهاتين الجملتين ثمّ مضى في التلاوة حتى إذا بلغ آية السجدة في آخر السورة، سجد وسجد معه المشكرون.

فنقول: إنّ الذين كانوا في المسجد كانوا على قدر من الوعي والدراية فكيف يعقل منهم أنّهم سمعوا هاتين الجملتين، اللتين تتضمّنان مدح أصنامهم وأوثانهم، وغاب عن سمعهم ما يتضمّن التنديد والازراء بشأن آلهتهم، فإنّه قد جاء بعد هاتين الجملتين المدّعيتين قوله سبحانه:( إِنْ هِيَ إلّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إلّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن

__________________

(١) الطباطبائي، الميزان: ج ١٤ ص ٤٣٥ و ٤٣٦.

١٩٧

رَّبِّهِمُ الهُدَىٰ ) ( النجم / ٢٣ ).

فهل يتعقّل أن ينسب إلى أوتاد الفصاحة والبلاغة أنّهم أقنعوا بهاتين الجملتين، وفاتهم ما تضمّنته الآيات الكثيرة التي أعقبتها.

فهذه حجة بالغة على أنّ واضع القصة كان غافلاً عن تلك الآيات التي ترد على هاتين الجملتين بصلابة.

٢ ـ إنّ وجود التناقض في طيّات الرواية من جهات شتّى دليل واضح على كونها مختلقة حاكتها أيدي القصّاصين.

وأمّا بيان ذلك التناقض فمن وجوه:

أ ـ تروي الروايات أنّ النبي والمسلمين والمشركين سجدوا إلّا الوليد ابن المغيرة فإنّه لم يتمكّن من السجود لشيخوخته، وقيل: مكانه سعيد بن العاص، وقيل: كلاهما، وقيل: اُميّة بن خلف، وقيل: أبو لهب، وقيل: المطّلب.

ب ـ تضمّن بعضها أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قرأها وهو قائم يصلّي، وتضمّن البعض الآخر أنّه قرأها بينما هو جالس في نادي قومه.

ج ـ يقول بعضها: حدّث بها نفسه، وآخر: جرت على لسانه.

د ـ يقول بعضها: انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تنبّه لها حين تلاوتها، والآخر: انّه لم يتنبّه إلى المساء حتى جاء إليه جبرئيل فعرضها عليه ثمّ تبيّن له الخطأ، إلى غير ذلك من وجوه التناقض التي يقف عليها المتتبع عند التأمّل وامعان النظر في متون الروايات المختلفة التي جمعها ابن جرير والسيوطي في تفسيرهما.

فحصيلة الكلام: إنّ الرواية بشتّى طرقها وصورها لا تصحّ الإحتجاج بها لكون إسنادها مراسيل ومقاطيع من جانب، وكونها متضاربة المضمون من جانب آخر، والذي يسقط الرواية عن الحجّية أنّها تنتهي إلى قصّاصين نظير محمد بن كعب

١٩٨

القرظي ومحمد بن قيس، وهما مولعان بذكر كل صحيح وسقيم في أنديتهم ومجالسهم، لأنّ لكل غريب لذّة، ليس في غيره، خصوصاً أنّ محمد بن كعب ابن بيت يهودي أباد النبي قبيلته، ولم يبق منه إلّا نفراً قليلاً، فمن المحتمل جداً أنّه حاكها على نول الوضع لينتقم من النبي الأكرم وليشوِّه عصمته، والآفة كل الآفة من هؤلاء المستسلمين مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه.

ثمّ إنّ الآية التي زعمت الرواية أنّها نزلت في تلك الواقعة أعني قوله سبحانه:

( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( الحج / ٥٢ ). وقد فرغنا من تفسيره في هذه الموسوعة عند البحث عن عصمة الأنبياء فلا نعيد(١) .

__________________

(١) مفاهيم القرآن: ج ٤ ص ٣٤٨ ـ ٤٥٠.

١٩٩
٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

الشيخ موسى الكاظمي الأسدي

القرن الثالث عشر

الشيخ موسى بن جعفر بن محمود الكاظمي الاسدي من شعراء أهل البيتعليهم‌السلام وشعره ذكره ولده الشيخ محمد علي في كتابه ( حزن المؤمنين في مصائب آل ياسين ) طبع بمبى، ألفه للسلطان أمجد علي شاه، وفرغ من تأليفه سنة ١٢٥٥ هـ ومما أورده من شعر أبيه قصيدة أولها:

مصابي بآل الله باق الى الحشر

وحزني عليهم مستمر مدى العمر

وتزداد أشجاني بهم متذكرا

مصاب فتى أودت به أسهم الكفر

لقد جرعته بالطفوف أمية

كؤس المنايا من صوارمها البتر

ولم ترع يالله حرمة احمد

ولا حرمة الكرار والبضعة الطهر

ومنها:

وزينب تبكي ثم تندب جدها

وأدمعها كالسيل من عينها تجري

أيقتل ظلما غوثنا وملاذنا

ويترك شلوا بالعراء بلا قبر

وقال في مطلع قصيدة أخرى في رثاء أبي الفضل العباس حامل راية الحسين (ع):

على العباس يا عين اسعديني

عزيز السبط مقطوع اليمين

٣٠١

السيد حسين بن الشمس

القرن الثالث عشر

السيد حسين بن الشمس الحسيني:

عالم فاضل وصفه الميرزا حسين النوري صاحب مستدركات الوسائل فيما علقه بخطه على هامش رجال أبي علي: بالسيد الحسيب النسيب ذي المجدين وقال: ان له ارجوزة في سني وفاة النبي (ص) والائمةعليهم‌السلام وتاريخ ولادتهم وبيان موضع قبورهم أولها:

قال أبو هاشم في بيانه

ولفظه يخبر عن جنانه

الحمد لله على الايمان

بالمصطفى والآل والقرآن

لقد حداني من له أطيع

لنظم تاريخ له أذيع

فهاك تاريخ النبي المصطفى

وآله المطهرين الخلفا

فمولد النبي عام الفيل

بمكة والحرم الجليل

ومولد الوصي أيضا في الحرم

بكعبة الله العلي ذي الكرم(١)

__________________

١ - أعيان الشيعة للسيد محسن الامين.

٣٠٢

عبد الله القطيفي

القرن الثالث عشر

العالم الكامل الشيخ عبدالله بن احمد بن عبدالله بن عمران قال الشيخ فرج القطيفي في كتابه ( تحفة أهل الايمان في تراجم آل عمران ): كان من شعراء أهل البيتعليهم‌السلام وقفت له على قصيدة مقصورة في رثاء الحسينعليه‌السلام ، ذهب أكثرها ولا بأس بذكر الموجود منها، قالقدس‌سره :

بين روض مونق أنفاسه

يشبه المسك أريجا وشذى

كم سحبت الذيل فيها مارحا

راتعا بين غزال ومهى

لم أخف واش ولا هجرا ولا

أرقب البدر ولا نجم السهى

لا ولا أجزع للركب اذا

قوض الرحل ولا خل ناي

غير أني بت كالملسوع من

وقعة الطف وما فيها جرى

وأذبت القلب هما وأسى

وأسلت الدمع حزنا عندما

لا نسيت السبط اذ حفت به

زمر الاعدا وأولاد الخنا

بعد أن قد كانبوه ونحا

نحوهم يوضح طرقا للهدى

أقول وذكره البحاثة الشيخ آغا بزرك الطهراني في ( الكرام البررة ) في القرن الثالث بعد العشرة.

٣٠٣

الشيخ حسين القطيفي

القرن الثالث عشر

الشيخ حسين بن محمد بن يحيى بن عمران القطيفي ذكره البلادي البحراني في ( أنوار البدرين ) فقال: العالم الكامل الشيخ حسين بن محمد بن يحيى بن عمران القطيفي كان من الفضلاء وله حواش كثيرة على جملة من الكتب ولم أقف له على مصنف.

وكان من شعراء أهل البيتعليهم‌السلام ، وجدت بخطه له قصائد في رثاء الحسينعليه‌السلام ، وكان خطه في غاية الجودة والملاحة، ولا أدري عمن يروي من المشايح والله العالم. انتهى

أقول هناك عشرات من الشعراء أشتهروا بالنظم وخصوصا في الامام الحسينعليه‌السلام ولكني لم أعتر على شعرهم بعد، كما أن لدي وفي مخطوطاتي نضائد من الشعر في الموضوع نفسه لم أعثر على قائليه أو تاريخ حياتهم وعصورهم وما زلت في جد وبحث.

وقل من جد في أمر يحاوله

ـ واستعمل الصبر - الا فاز بالظفر

٣٠٤

المستدركات

٣٠٥

٣٠٦

ابو طالب الجعفري

القرن الثالث الهجري

لي نفس تحب في الله والله حسينا ولا تحب يزيدا

يابن أكالة الكبود لقد أنضجت من لابسي الكساء الكبودا

أي هول ركبت عذبك الرحمن في ناره عذابا شديدا

لهف نفسي على يزيد وأتباع يزيد ضلوا ضلالا بعيدا

يا أبا عبد الله يا بن رسول الله يا أكرم البرية عودا

ليتني كنت يوم كنت فأمسي منك في كربلا قتيلا شهيدا(١)

* * *

أبو طالب الجعفري محمد بن عبدالله بن الحسين بن عبدالله ابن اسماعيل بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب. قال المرزباني في معجم الشعراء ص ٣٨٢: شاعر مقل، سكن الكوفة فلما جرى بين الطالبيين والعباسيين بالكوفة ما جرى وطلب الطالبيون قال أبو طالب:

بني عمنا لا تذمرونا سفاهة

فينهض في عصيانكم من تأخرا

وان ترفعوا عنايد الظلم تجتنوا

لطاعتكم منا نصيبا موقرا

وان تركبونا بالمذلة تبعثوا

ليوثا ترى ورد المنية أعذرا

وله:

قد ساسنا الاهل عسفا

وسامنا الدهر خسفا

__________________

١ - الاقتباس من القرآن الكريم لابي منصور الثعالبي ص ٨٥ و ( امالي ابن الشجري ) ص ١٨٦.

٣٠٧

وصار عدل أناس

جورا علينا وحيفا

والله لولا انتظاري

برءا لدائي أشفى

ورقبتى وعد وقت

تكون بالنجح أوفى

لسقت جيشا اليهم

ألفا وألفا وألفا

حتى تدور عليهم

رحى البلية عطفا

ورأيت في معجم شعراء الطالبيين مخطوط العلامة المعاصر السيد مهدي الخرسان: أبو طالب الجعفري: جده الحسين أخذه بكار الزبيري بالمدينة ايام ولايته عليها فضربه بالسوط ضربا مبرحا فمات. وأبوه عبدالله امتنع من لبس السواد وخرقه لما طولب بلبسه فحبس بسر من رأى حتى مات في الحبس، وذلك في ايام المعتصم. وكان شاعرا ويلقب هو أبوه الحسين بـ كلب الجنة كما كان حفيده أبو العوام أحمد يلقب بذلك. وكان أخو المترجم له اسماعيل بن عبدالله ممن قتل بطبرستان فيمن قتل من وجوه الطالبيين.

أقول ومما رأيته في كتاب الاقتباس هذه الابيات في رثاء الامام الحسين (ع) بقوله، وقال بعضهم:

أيا قتيلا عليك

كان النبي المعزى

قد أقرح الحزن قلبي

كأن في القلب وخزا

اذا ذكرت حسينا

ورأسه يوم حزا

الى اللعين يزيد

سارت به البرد جمزا(١)

فظل ينكث منه

ثغرا وينهز نهزا

فسوف يصلى سعيرا

به يدور ويخزى

__________________

١ - البرد: جمع بريد وسمي البغل يريدا والرسول الذي يركبه بريدا والجمز: ضرب من السير أشد من العنق.

٣٠٨

ابن المستوفي الأربلي

المتوفى ٦٣٧

المبارك بن احمد مستوفى اربل قال من جملة قصيدة يرثي بها الامام الحسين بن عليعليهما‌السلام ، كما في ( تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون ) للصفدي:

أتجحد قتله وتراه اثما

وقد أقبلته بالطف شمرا

وتقرع بالقضيب ثنيتيه

أراك أتيتها نكراء بكرا

* * *

شرف الدين بن المستوفي. أبو البركات المبارك بن أبي الفتح احمد بن المبارك بن موهوب بن غنيمة بن غالب اللخمي، الملقب شرف الدين، المعروف بابن المستوفي الاربلي.

قال ابن خلكان في ( الوفيات ) كان رئيسا جليل القدر كثير التواضع واسع الكرم، لم يصل الى اربل أحد من الفضلاء الا وبادر الى زيارته وحمل اليه ما يليق بحاله، وخصوصا أرباب الادب وكان جم الفضائل عارفا بعدة فنون، منها الحديث وعلومه وأسماء رجاله وجميع ما يتعلق به، كان اماما فيه. وكان ماهرا في فنون الادب من النحو واللغة والعروض والقوافي وعلم البيان وأشعار العرب وأخبارها وأيامها ووقائعها وأمثالها. وكان بارعا في علم الديوان وحسابه وضبط قوانينه على الاوضاع

٣٠٩

المعتبرة عندهم.

وجمع لاربل تاريخا في أربع مجلدات، وله كتاب ( النظام في شرح شعر المتنبي وأبي تمام ) في عشر مجلدات، وله كتاب ( سر الصنعة ) وغير ذلك.

وله ديوان شعر أجاد فيه، فمن شعره:

رعى الله ليلات تقضت بقربكم

قصارا وحياها الحيا وسقاها

فما قلت ايه بعدها لمسامر

من الناس الا قال قلبي آها

قال ابن خلكان في الوفيات: وكنت خرجت من اربل في سنة ست وعشرين وستمائة وشرف الدين مستوفي الديوان، والاستيفاء في تلك البلاد منزلة عليه، وهو تلو الوزارة، ثم بعد ذلك تولى الوزارة في سنة تسع وعشرين وستمائة، وشكرت سيرته فيها ولم يزل عليها الى أن مات مظفر الدين في التاريخ المذكور في ترجمته.

واخذ الامام المستنصر اربل في منتصف شوال من السنة المذكورة فبطل شرف الدين وقعد في بيته، والناس يلازمون خدمته على ما بلغني، ومكث كذلك الى أن أخذ التتر مدينة اربل في سابع عشر شوال سنة أربع وثلاثين وستمائة وجرى عليها وعلى أهلها ما قد اشتهر فكان شرف الدين في جملة من اعتصم بالقلعة وسلم منهم، ولما انتزح التتر عن القلعة انتقل الى الموصل وأقام بها في حرمة وافرة وله راتب يصل اليه وكان عنده من الكتب النفيسة شيء كثير. ولم يزل على ذلك حتى توفي بالموصل يوم الاحد لخمس خلون من المحرم سنة سبع وثلاثين وستمائة ودفن بالمقبرة السابلة خارج باب الجصاصة. ومولده في النصف

٣١٠

من شوال سنة اربع وستين وخمسمائة بقلعة اربل. وهو من بيت كبير كان فيه جماعة من الرؤساء الادباء، ولما مات شرف الدين رثاه صاحبنا يوسف بن النفيس الاربلي:

أبا البركات لو درت المنايا

بأنك فرد عصرك لم تصبكا

كفى الاسلام رزأ فقد شخص

عليه بأعين الثقلين يبكى

انتهى باختصار، وترجم له السيوطي في ( بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ) والزركلي في الاعلام.

٣١١

الشيخ حسن النح

الشيخ حسن النح، شاعر قطيفي من علماء القرن الثامن الهجري

ويعرف بابن النح رأيت له شعرا كثيرا في رثاء الامام الحسينعليه‌السلام كما رأيت له في المخطوطات القديمة شعرا جيدا في مدح النبي الاعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله . وهذه احدى قصائده انتسختها من مخطوطة قديمة قال كاتبها: ومما قاله الاديب العالم الشيخ حسن بن علي النح عليه الرحمة:

أوميض برق في الدجا يتوقد

أم ضوء فرقك قد بدا أم فرقد

وضبا تجرد من جفونك أم ضبا

يرمقن أم بيض حسان خرد

ومعاطف عطفت دلالا أم قنا

تهتز عجبا أم غصون تأود

يا من به يحيى غرامي خالد

وعليه جعفر مدمعي لا يحمد

نعمان خدك مالك لقلوبنا

فعساك تصبح شافعي يا احمد

لي في هواك حديث وجد لم يزل

متواتر لقديم وجدك مسند

ومن العجائب أن دمعي لم يزل

يجري وقلبي ناره لا تخمد

عجبي لفاتر طرفه في فتكه

يستل أبيض وهو لحظ أسود

لا شيء أمضى من مضاربه سوى

سيف الوصي الطهر حين يجرد

الفارس البطل الهمام الاروع

المقدام ولليث الهزبر الامجد

الحاكم العدل الرضي العالم

العلم الولي الزاهد المتعبد

الماجد الندب الشجاع المجتبى

الصادق المتصدق المتهجد

٣١٢

خلق أرق من النسيم وعزمة

عند اللقا منها يذوب الجلمد

هو أشرف الثقلين في حسب وفي

الهيجاء منصور اللواء مؤيد

بمهند ماض الغرار كغزمه

في غير هامات العدى لا يغمد

حتى غدا نون الوقاية ساقطا

عنهم بفعل من علاه يؤكد

يا من له الشرف الذي لا ينتهي

معناه والفخر الذي لا ينفد

حسدوك لما أن علوت عليهم

قدرا ومن رام المعالي يحسد

مولاي لو شهادت ما فعل العدا

يوم الطفوف وأي ظلم جددوا

فعلوا بمولاي الحسين ورهطه

فعلا تكاد لها الجبال تأود

والارض تخسف خشية مما جرى

منهم وتضطرب السماء وترعد

والقصيدة تتكون من ١٠٣ بيت قال في آخر بيت منها:

مولاي نجل النح يرجو منكم

حسن الجزاء وغيركم لا يقصد

وللشيخ حسن النح في مدح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

بمنعرج الجرعاء عن أيمن الهضب

مطالع أقمار بزغن على قضب

بها السفح من وادي العقيق جأذر

نثرن دموع العين كاللؤلؤ الرطب

وبين ثغور المنحنى دون بارق

بروق ثغور حسنها للورى يسبى

أسرن فؤادي حين أطلقن أدمعي

فقلبي ودمعي بين صب ومنصب

ربارب لكن الاسود عرينها

وغاباتها سود المحاجر والهدب

أرقن دمي عمدا وأنكرن ماجرى

وأصدق شيء في الهوى شاهد الحب

بحك قف ان شمت عن أيمن الحمى

سنا بارق قد لاح من ذلك الشعب

وسلعا اذا ما جئت سل عن حبائبي

وان ملت من عجبي الى نحوهم عج بي

لعل اذا مر معتل نشرها

يصح به جسمي وحيى به قلبي

منازل عرب خيموا حين يمموا

بقلبي لا بين الاكلة والحجب

هم الطيبون الطاهرون ومن هم

اذا جار صرف الدهر دون الورى حسبي

٣١٣

هم الحامدون الشاكرون لذي العلى

هم الصادقون الصابرون لدى الكرب

محمد المختار من سائر الورى

أبوهم وحسن الفرع عن أصله ينبي

نبي سمى كل النبيين رفعة

وقد سار حتى صار في حضرة الرب

دنى فتدلى قاب قوسين عندما

رقى وحباه الله بالانس والقرب

وخاطبه الرحمن من فوق عرشه

خطاب محب هام وجدا الى حب

تقدم كل الانبياء بأسرها

وصلى اماما بالملائكة النجب

فيا رتبة لو رام أن يلمس السها

بها لم يكن ما رام بالموقف الصعب

من العرب كل أعجموا عند وصفه

لذلك يدعى سيد العجم والعرب

كريم يد لو قيس بالبحر جوده

لزاد على جدواه بالمورد العذب

ولو يحكه قطر الغمام لما غدت

فجاج الثرى تبغي الامان من الجدب

محا رسم أهل الشرك قاطع عضبه

بحد الى ايجابه نسبة السلب

٣١٤

ناصر بن أحمد المتوج

القرن التاسع الهجري

لقد مرت ترجمة والده الشيخ احمد في الجزء الرابع من هذه الموسوعة وفاتنا أن نتبعها بترجمة الولد وهو الشيخ ناصر فهو الجدير بأن يذكر، يقول صاحب أنوار البدرين: كان نادرة عصره ونسيج وحده وقبره بجنب قبر أبيه وقد زرتهما مرارا ومشهدهما من المشاهد المتبرك به، انتهى كلام شيخنا الرباني الشيخ سليمان الماحوزي البحراني.

وقد ذكر هذا الشيخ الجليل كل من تأخر عنه كالمحدثين البحرانيين والحر في الامل وخريت هذه الصناعة الملا عبدالله أفندي في ( رياض العلماء ) والسيد المعاصر في ( روضاته ) والفاضل المعاصر في آخر المستدرك وأثنوا عليه بكل جميل، وذكره تلميذه الفاضل السبعي الاحسائي شارح قواعد العلامة بما لا مزيد عليه وذكر ان له شروحا على مشكلات القواعد وله ايضا من المصنفات تفسير الكتاب المجيد وله رسالة الناسخ والمنسوخ وله أشعار كثيرة منها نظم مقتل الحسين (ع) رأيناه ومراثي كثيرة وله مدح حسن في أميرالمؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

ومن تلامذته الشيخان الجليلان: الشيخ احمد بن فهد الحلي والشيخ احمد بن فهد المضري الاحسائي ولكل منها شرح على الارشاد فهو من غرائب الاتفاقات.

٣١٥

الشيخ ابراهيم الجيلاني

توفي سنة ١١١٩

الشيخ ابراهيم بن عبدالله الزاهدي الجيلاني:

بلاهيجان. ذكره ابن أخيه الشيخ محمد علي الحزين ابن الشيخ أبي طالب بن عبدالله في تذكرته فقال ما تعريبه: المحقق الحقاني الشيخ ابراهيم بن الشيخ عبدالله الزاهدي الجيلاني عم هذا الفقير مظهر شوارق الانوار والمؤيد بتأييدات الملك الجبار، جامع العلوم الدينية والمعارف اليقينية وحاوى الكمالات الصورية والمعنوية، قرأ على والده متوطن بلدة لاهيجان ومرجع أفاضل كيلان، وصل صيت فضائله ومناقبه بالاعالي والاداني، حسن التقرير والتحرير وفي الشعر والانشاء وكشف اللغز والمعنى بغير نظير، يكتب انواع الخطوط الجيدة، له مصنفات:

١ - حاشية على المختلف اسمها رافعة الخلاف.

٢ - حاشية على الكشاف اسمها كاشفة الغواشي، وصل في الى سورة الاحقاف.

٣ - رسالة في توضيح كتاب اقليدس.

٤ - القصائد الغراء في مدح أهل العباء.

ولما وصل خبر وفاته الى أصفهان رثاه ابن أخيه المذكور بأبيات فارسية. انتهى عن أعيان الشيعة ج ٥ / ٣٢٤.

٣١٦

ابن كنبار

المتوفى ١١٣١

محمد بن يوسف بن علي بن كنبار البلادي البحراني: هو تلميذ الشيخ سليمان بن عبدالله الماحوزي كذا ذكره صاحب ( الذريعة ) ج ٩ / ٩٩٠ وفي ص ٢٨ ما نصه: الشيخ محمد بن يوسف بن علي بن كنبار الصيمري النعيمي البلادي الشهيد بيد الخوارج سنة ١١٣١ هـ كما في ( الفيض القدسي ) أو سنة ١١٣٠ كما في اللؤلؤة، وهو من تلاميذ الشيخ محمد بن ماجد البحراني والسيد المحدث الجزائري، ويروي عنه الشيخ عبدالله السماهيجي كما في اجازته. له ديوان شعر في المراثي كما ذكره في أنوار البدرين وغيره، وله مقتل الحسين وشعر بليغ نفيس. توفي في بلدة ( القطيف ) فانه بعد أن كان فيها مضى الى البحرين وهي في أيدي الخوارج فاتفق وقوع فتنة بين الخوارج وعسكر العجم، وقتل جميع العجم وجرح هذا الشيخ جروحا خطيرة ونقل الى القطيف فبقي أياما قليلة وتوفي ودفن في مقبرة ( الحباكة )(١) .

__________________

١ - ( الذريعة الى تصانيف الشيعة ) للشيخ الطهراني.

٣١٧

السيد هاشم الصياح الستري

قم جدد الحزن في العشرين من صفر

ففيه ردت رؤوس الآل للحفر

يا زائري بقعة أطفالهم ذبحت

فيها خذوا تربها كحلا الى البصر

والهفتا لبنات الطهر يوم رنت

الى مصارع قتلاهن والحفر

رمين بالنفس من فوق النياق على

تلك القبور بصوت هائل ذعر

فتلك تدعو حسينا وهي لاطمة

منها الخدود ودمع العين كالمطر

وتلك تصرخ واجداه وا أبتا

وتلك تصرخ وايتماه في الصغر

يا راجعين السبايا قاصدين الى

أرض المدينة ذاك المربع الخضر

خذوا لكم من دم الاحباب تحفتكم

وخاطبوا الجد هذي تحفة السفر

جاء في أنوار البدرين: من علماء البحرين السيد النجيب الاديب السيد هاشم المعروف بـ ( الصياح ) الستري البحراني، كانرحمه‌الله شاعرا له يد طولى في علم التجويد ولهذا يلقب بالقاري، سمعت من شيخنا الثقة العلامة المرحوم الشيخ احمد ابن المقدس الشيخ صالح أن له كتابا في القراءة سماه ( هداية القاري الى كلام الباري ).

وله القصيدة الغراء التي أولها:

قم جدد الحزن في العشرين من صفر

ففيه ردت رؤوس الآل للحفر

وهي مشهورة، وعندنا كتاب ( مقنعة الشيخ المفيد )رحمه‌الله نسخة قديمة جدا عليها تملكه، وأنهى نسبه فيها للامام موسى بن جعفر (ع) ولم أقف له على ترجمة تغمده الله بالرضوان والرحمة.

٣١٨

تصويب

جاء في ص ١٦٧ عند ترجمة الشيخ حمادي الكواز بيتان هما:

ليهن محاني مشهد الشمس انه

ثوى بدر أنسي عندها بثرى القبر

وكان قديما مشهد الشمس وحدها

فعاد حديثا مشهد الشمس والبدر

نسبناهما له سهوا والصحيح أنهما لأخيه الشيخ صالح الكواز المترجم ص ٢١٣ قالهما في رثاء ولد له صغير دفن في مقبرة ( مشهد الشمس ) بالحلة.

٣١٩

الى الادباء والباحثين

ضاق نطاق هذا الكتاب عن استيعاب شعراء المائة الثالثة بعد الالف فانتقلنا بالبقية الباقية الى الجزء الثامن، وودعنا القرن الثالث عشر على كره منا، فالنفس غير راضية بهذا الانتقال ولا مطمئنة لهذا الانفصال، اذ هي ما زالت تتحسس أو تكاد تلمس أشباحا ممن تبتغي العثور عليهم وحتى نالها التعب في التقصي على آثارهم، وعدت عليها بالتسلية فان المفقود متى عثر عليه يرجع به الى عصره ومصره. وان الانسان يجب أن يعمل مدى الحياة ما دامت الحياة وقد قيل: فتش تجد.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328