أدب الطف الجزء ٧

أدب الطف17%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 328

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 328 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118287 / تحميل: 8939
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

قضيت الذي كان منك يراد

لتجزى بذلك من ذي المنن

نصبت الهدى ونشرت العلوم

وغيب لفقدك كل حزن

ولا سيما الندب فرد الزمان

خدين المعالي بهذا الزمن

وحيد الفضائل في عصره

ورب التقى والحجى والفطن

حميد الفعال كريم الطباع

له الفضل في سر أو في علن

وعلامة الدهر هادي الانام

لسبل الرشاد محمد حسن

أقام عزاء سليل النبي

وأفضل من من من غير من

لفاتحة في عزاء تفوق

كما فاق فينا على كل فن

وان أبا حسن قد مضى

لخلد الجنان وفيها سكن

فصبرا بنيه وأرحامه

فصبر الفتى ما له من ثمن

ولا زال يغشى ضريحا حواه

سلام من الله ما الليل جن

وللسيد محمد معصوم القطيفي النجفي يرثي الامام الحسين (ع):

أسفي لربات الحجا

ل برزن لا يأوين كنا

تبكي أخا كرم شمردل

طالما أغنى وأقنى

شيخ العشيرة ذا حمى

ما مس منه الضيم ركنا

والمستغاث اذا الخطوب

تراكمت كالليل دجنا

أو لم تكن أنت الذي

بأمورنا في الدهر تعنى

أو لم ترانا بعد حفظك

في يد الاسواء ضعنا

وتعج تهتف والشجى

يبدي خفايا ما استكنا

أمجشما فج الفلا

ما لا يعد الحزن حزنا

عرج بطيبة مبلغا

بعض الذي بألطف نلنا

٦١

مأوى الشجاعة والسماح

وكل معروف وحسنى

قوم اذا حمي الطعان

فهم أحر القوم طعنا

وللسيد محمد ابن السيد معصوم من روضته قصائد هذه اوائلها:

١ - أرزء مثل رزء السبط مشج

له الارضون رجت أي رج

٢٢ بيتا

٢ - ألا يا ليل هل لك من صباح

وهل لاسير حزنك من براح

٢٨ بيتا

٣ - حزني على سبط النبي محمد

بين الفؤاد الى القيامة راسخ

١٣ بيتا

٤ - يا فؤادي ويا لهيب فؤادي

كل يوم من الاسى بازدياد

٤٠ بيتا

٥ - روحي الفداء لمن هانت حياتهم

لديهم وعن الدنيا لقد رغبوا

٣٠ بيتا

ومن روضته:

٦ - يابن النبي محمد ووصيه

وابن البتول البضعة الزهراء

وفي مجموع مخطوط قصيدة أولها:

قف بالمعالم بعد ما أن قوضوا

أفبعدهم عين المكارم تغمض

٦٢

الشيخ حسن الصفواني

توفي سنة ١٢٧١ تقريبا

جاء في شعراء القطيف: هو الاديب الاريب الشيخ حسن بن صالح الصفواني القطيفي من شعراء القرن الثالث عشر. ولم أتحصل على من يتعرف على هذا الشاعر فيمدني بمعلومات حياته غير اني تتبعت كثيرا من ديوانه قراءة فلمست منه انه ذلك التقي الورع الصالح في الرعيل الاول من رجالات الدين وشعراء أهل البيت (ع) وان ديوانه المرتب على حروف المعجم ليعطينا صورة عن كثير من حياته الفذة. توفي رحمه الله تعالى في التاريخ المذكور على حد التقريب. ومبلغ العلم انه موجود سنة ١٢٤٤ معاصر للفاضل الجشي الذي سبق ذكره.

نقتطف من ديوان المترجم هذه القصيد العامرة نظرا لاشتمالها على اسمه الكامل وهي التي دلتنا عليه، لذا رجحنا ذكرها على غيرها من خرائده تغمده الله برحمته.

٦٣

قوله في رثاء الحسينعليه‌السلام :

لما على الدوح صاحت ذات افنان

غدوت أنشد أشعاري بأفنان

واستأصل الحزن قلبي وانطويت على

أن لا أفارق أشجاني وأحزاني

وبت مثل سليم مضه ألم

لم تألف الغمض طول الليل أجفاني

حليف وجد نحيل مدنف قلق

فقل بصبر عليل مؤسر عاني

وذاك لا لضعون زم سائقها

يوم الرحيل ولا قاص ولا داني

ولا لفقد أنيس قد أنست به

ولا لتذكار اخوان وخلان

ولا لتذكار وادي الحرتين ولا

دار خلت من أخلائي وجيراني

ولا لدار خلت من أهلها وغدت

سكنى الفراعل من سيد وسرحان

ولا فراق نديم كان مصطحبي

في العل والنهل عند الشرب ندماني

ولا لمائسة الاعطاف كاملة الا

وصاف ان خطرت تزري على البان

لكن أسفت على من جل مصرعه

وأفجع الخلق من انس ومن جان

أعني الحسين أبا الاسباط أكرم من

ناجى المهيمن في سر واعلان

سبط النبي وفرخ الطهر فاطمة

نجل الوصي حسين الفرقد الثاني

لهفي له حين وافى كربلا وبها

حط المضارب من صحب واخوان

مستنشقا لثراها خاطبا بهم

وهو البليغ بايضاح وتبيان

هذي دياري وفيها مدفني وبها

محط قبري، بهذا الجد أنباني

فما ابن صالح يرجو غير فضلكم

وانه حسن يدعى بصفوان

والوالدين ومن يقرأ لمرثيتي

والسامعين ومن يبكي بأحزان

ثم السلام عليكم ما هما مطر

يوما وما صدحت ورق بأغصان

٦٤

الحاج سليمان العاملي

المتوفى ١٢٧٢

هل المحرم فاستهل مكدرا

قد أوجع القلب الحزين وحيرا

وذكرت فيه مصاب آل محمد

في كربلا فسلبت من عيني الكرى

يوم مباني الدين فيه تزلزلت

وانهد من أركانها عالي الذرى

وارتجت الارضون من جزع وقد

لبست ثياب حدادها أم القرى

خطب له تبكي ملائكة السما

والشمس والقمر المنير تكورا

من مبلغ المختار أن سليله

أضحى بأرض ألطف شلوا بالعرى

* * *

الحاج سليمان بن الشيخ علي بن الحاج زين العاملي والد الشيخ محمد والشيخ أبو خليل الزين ولد سنة ١٢٢٧ وتوفي سنة ١٢٧٢ هـ. قال السيد الامين في الاعيان: كان من أهل الخير والصلاح والمبرات الكثيرة وكان يقوم بنفقات أكثر الطلاب في مدرسة الشيخ عبدالله نعمة في ( جبع ) وله شعر لا بأس به وجدناه بخطه في بعض المجاميع.

وروى لهرحمه‌الله شعرا وقال: انه قاله سنة ١٢٧٦ و ١٢٧٧ أي بعد وفاته بخمس سنين. وقد جاء ذلك سهوا.

٦٥

الشيخ حسن الدورقي

المتوفى ١٢٧٢

قال يخاطب الامام الحسين (ع) في حرب دامية وقعت بكربلا من قبل الوالي داود باشا العثماني سنة ١٢٤٣ هـ.

أسليل المصطفى حتى متى

نحمل المكروه في حب جوارك

طبت نفسا عن مواليك لما

أسلفوا أم لم تطق منعة جارك

أم تعرضت اختبارا صبرنا

أنت تدري ما لنا عشر اصطبارك

أكرم الضيف وان جاء بما

لست ترضاه اذا حل بدارك

انت تدري ما لنا من مطلب

غير أن نأوي الى مأوى قرارك

قم أخا الغيرة واكشف ما بنا

ضاقت الافكار عن وجه الاعتذارك

الذنب فهو من عاداتنا

وتعودت تكافى باغتفارك

أم بنا ضاقت فسيحات الرجا

دون من يأوي الى كهف اقتدارك

أم بتعجيل العقوبات لنا

مفخر حاشا مقامات افتخارك

ثم ان كان ولا بد فدع

هذه واحكم بما شئت بجارك

* * *

الشيخ حسن ابن العلامة جمال الدين الشيخ احمد ابن المحقق الشيخ محمد ابن الشيخ محسن ابن الشيخ علي من آل محسن

٦٦

بطن من ربيعة.

ولد الشيخ حسن سنة ١٢١٣ هـ يقول الشيخ محمد حرز الدين في الجزء الاول من معارفه: كان بحر علم تلاطمت أمواجه وبدر أشرقت به مرابع العلوم وعمت تحقيقاته فهدى وأفاد، جرى تيار معارفه ففاض فعلا الروابي والهضاب، وله تقوى قصرت عن قطع مداها كثير من العباد، وعجزت عن نيل أقل رتبتها الزهاد.

تتلمذ في النجف على يد الشيخ صاحب الجواهر والشيخ محسن الاعسم والشيخ خضر شلال.

مؤلفاته: رسالة في الخمس، ورسالة في المسائل الجبارية في فنون شتى، ورسالة في أجوبة الشيخ محمد الصحاف، ومنظومة في الاصول وكتاب الدرر في الحكمة، ورسالة في حل أخبار الطينة، وحواشي على المدارك والمسالك، وتعليقه على الجواهر والكفاية والمفاتيح والهداية والحدائق ومنسك الحج.

حج بيت الله مرتين، وكان حاملا لواء النظم والنثر فكم له من نظم في أئمة الهدى ومدح العلماء ومراثيهم. توفي يوم الاحد من شهر محرم سنة ١٢٧٢.

٦٧

السيد أحمد الفحام

١٢٧٤

قوله في الحسين (ع):

ما بال عيني أسبلت عبراتها

قاني الدموع وحاربت غفواتها

الذكر دار شطر جرعاء الحمى

أمست خلاء من مهى خفراتها

أم فتية شط فغادرت الحشى

تطوي على الصعداء من زفراتها

لا بل تذكرت الطفوف وماجرى

يوم الطفوف فأسبلت عبراتها

يوما به أضحت سيوف أمية

بالضرب تقطر من دماء هداتها

يوما به أضحت أسنتها تسيل

نفوسها زهقا على صعداتها

سقيت أنابيب الوشيج على الصدى

فقضت على ظمأ دوين فراتها

وعقائل الهادي تقاد ذليلة

أسرى بني الزرقاء في فلواتها

في أي جد تستغيث فلا ترى

الا التقنع في سياط طغاتها

أترى درى خير البرية شمله

عصفت به بألطف ريح شتاتها

أترى درى المختار أن أمية

قد أدركت في آله ثاراتها

تلك البدور تجللت خسفا وقد

سقطت بكف يزيد من هالاتها

أبدت غروبا في الطفوف يديرها

فلك المعالي في أكف بغاتها

تلك الستور تهتكت قسرا وما

رعيت حمايتها بقتل حماتها

نسل العبيد بآل أحمد أدركت

ثاراتها أشفت به أحناتها

٦٨

ويل لها أرضت يزيد وأغضبت

خير الورى في قتلها ساداتها

لهفي لزينب وهي ما بين العدى

مرعوبة تبكي لفقد كفاتها

بعدا ليومك يابن أمي انه

أنضى النفوس وزاد في حسراتها

يا جد ان أمية قد غادرت

بالطف شمل بنيك رهن شتاتها

هذا الحسين بكربلا متوسدا

وعر الصخور لقى على عرصاتها

تحت السنابك جسمه وكريمه

بيد الهوان يدار فوق قناتها

الله أكبر انها لمصيبة

تتقطع الاكباد في خطراتها

أبناء حرب في القصور على أرا

ئكها وآل الله في فلواتها

يمسون قتلى كربلا وأمية

تمشي نشاوى سكبها راحاتها

يا سادتي يا من بحبهم النفو

س تقال يوم الحشر من عثراتها

ماذا أقول بمدحكم وبمدحكم

وافى جميل الذكر من آياتها

صلى الاله عليكم ما ان بدت

وضح الصباح وقد جلت ظلماتها

* * *

جاء في شعراء الغري: السيد أحمد ابن السيد صادق الفحام الاعرجي ذكره السيد الامين في الاعيان فقال: كان أديبا فاضلا وليس لدينا علم بشيء من أحواله كما ذكره صاحب ( الحصون ) وأثبت له من الشعر قوله:

سأقضي بقرب الدار نحبي على أسى

اليك وحاجاتي اليك كما هيا

أرى حارما مالي وما ملكت يدي

وجمعته من طارفي وتلاديا

٦٩

لقا بأعالي الرمل من حصن سامة

مسجى على يأس الرجا من حياتيا

تقلبني أيدي العوائد رأفة

بحالي وتبكي رحمة لشبابيا

وشف الهوى جسمي فلا قمت واقفا

على مدرج الريح استقرت مكانيا

وما أم رسلان ببطن مفازة

نأى السرب عنها ساعة الركب ماضيا

ولما تناءى الركب عنها انثنت له

فألفته محصوص الجناحين طاويا

بأوجد مني يوم أصبحت صارما

حبالي وقد كنت الخليط المصافيا

وقوله:

ثلاثة أشياء: فروح مضاعة

ورابعها ايضا تضمن في الكتب

فدين بلا عقل، ومال بلا ندى

وعشق بلا وصل، وبعد بلا قرب

٧٠

صالح حجي الكبير

١٢٧٥

قال يرثي أبا الفضل العباس شهيد الطف:

هلّ لا هل بالهنا عاشور

فعلى ناظري الكرى محظور

ذاك شهر به تزلزل عرش

الله واندك بيته المعمور

ذاك شهر به تفلل من آل

علي حسامها المشهور

ذاك شهر به انطوى من بني عبد

مناف لواؤها المنشور

يوم فيه قد غال بدر المعالي

الخسف والشمس سامها التكوير

يوم أخنى على أبي الفضل فيه

قدر قبل آدم مقدور

وغدا بعده فريد بني الفضل

فريدا بناظريه يدير

قائلا أين من لصوني معد

ولنصري من والدي مذخور

أين حامي الحقيقة المتحامي

أين كبش الكتيبة المنصور

أين عني خواض بحر المنايا

وهو بالبيض والقنا مسجور

وأتاني بالماء رغما على الاعداء

والماء بالردى مغمور

وأبت نفسه الورود ونفسي

من أوام يشب فيها السعير

يا حميا غداة قل المحامي

ونصيرا غداة عز النصير

من لهذي الاطفال بعدك حام

ولهذي العيال بعدك سور

٧١

فبحر بي تظاهرت آل حرب

يوم ظهري خلا وأودى الظهير

بأبي من بكى الحسين عليه

ونعاه التهليل والتكبير

لست أنساه في الوغى يتهادى

باسم الثغر والعجاج يثور

قد تجلى على العراق مطلا

بسرايا منها الشئام تمور

كر في الحرب والجسوم تهاوى

بظبا الشوس والرؤوس تطير

يتلقى الجم الغفير بعزم

ما لديه الجم الغفير غفير

لم يزل يحصد الاسود الى أن

خر من بينها الهزبر الهصور

ذاك طور الهدى تجلى له النو

ر فلا غرو أن يدك الطور

وبشاطي الفرات يقضي أبو الفضل

أو اما ليت الفرات يغور

يصدر المرهف المهند عنه

ناهلا والمثقف المطرور

دمه غسله ونسج الصبا أكفا

نه والثرى له كافور

يا لها وقعة بها ناظر الدين

الى الحشر بالدما ممطور

لا يجلى ديجورها غير بدر

ينجلي في شروقه الديجور

رحمة الله والذي يكشف الغماء

عنا به وتشفى الصدور

علة الكائنات قطب مدار الـ

ـحق مشكاة نوره والنور

* * *

صالح بن قاسم بن محمد بن احمد بن حجي الطائي الحويزي الزابي النجفي. شاعر معروف وأديب فاضل. ذكره صاحب الحصون المنيعة ج ١ ص ٤١١ فقال: وآل حجي أسرة نجفية معروفة تنحدر من عشيرة الزابية وهي فخذ من قبيلة طي كان مسكنهم على شط الفرات، وأول من رحل منهم الى النجف لتحصيل العلم الشيخ قاسم والد المترجم له فحضر على علماء عصره وانكب على التحصيل والتفوق في دراسة الفقه والاصول

٧٢

حتى حاز على مرتبة المجتهدين العظام، ثم بعد رحل الى بلاد فارس ووصل الى خراسان فخلف هذا المترجم له، ولم يكن في أول أمره مشغولا بالادب والشعر لكن عندما كف بصره جعل الشعر سلوة له فأكثر في النظم.

أقول وجاء ذكره في الحصون اكثر من مرة وفي عدة أجزاء منها. وجاء في ( الطليعة ) انه من العلماء الصلحاء والاجلاء الاتقياء، له شعر كثير ومطارحات مع شعراء عصره وعلماء زمانه.

وترجم له في ( طبقات أعلام الشيعة ) فقال: هو الشيخ صالح ابن الشيخ قاسم ابن الحاج محمد الطرفي الحويزي النجفي، من أعلام الادب في عصره ومن حفاظ القرآن. ( آل حاجي ) من بيوت النجف المعروفة بالفضل والادب، قطنت النجف في القرن الثاني عشر، وهم من قبيلة ( بني طرف ) الحويزيين، وأول من هاجر منهم الى النجف الشيخ قاسم والد المترجم له وسكن محلة ( الحويش )، ولحق جدهم محمدا لقب ( الحاج ) وبقي ملازما لاولاده وأحفاده.

وقال صاحب طبقات الشيعة: وقد ضاع معظم شعر المترجم له وتلف مع سائر آثار أسرته من جراء حوادث الطاعون الذي قضى عليهم وطمس آثارهم الا ما حفظته المجاميع النجفية المخطوطة، وقد رأيت من شعره قصيدة في رثاء الشيخ محمد حسن صاحب ( الجواهر ) وأخرى في رثاء الشيخ محمد بن علي ابن جعفر كاشف الغطاء، وثالثة في رثاء السيد شريف زوين أخ

٧٣

السيد صالح القزويني لأمه، ورابعة في رثاء الشيخ حسن بن جعفر كاشف الغطاء، وخامسة في رثاء السيد حسن بن علي الخرسان وقد أثبتها السيد جعفر الخرسان في مجموعته، وقد خلف ولدين: الشيخ جواد والشيخ مهدي وكلاهما من أهل الفضل والادب.

من شعره قصيدته التي قرض بها موشحة السيد صالح القزويني البغدادي التي مدح بها الشيخ طالب البلاغي:

صاغ من جوهر النظام عقودا

راق كالدر سمطها منضودا

شهدت بالعلى له وأقامت

لعلاها منه عليها شهودا

واستعارت منها الغواني ثنايا

ها الغوالي فنظمتها عقودا

وغدا ابن الاثير وهو أثير

بعلاه كأبن العميد عميدا

وجميلا أرتك غير جميل

واسترقت كأبن الوليد الوليدا

صرعت قبله صريع الغواني

بعد ما صيرت لبيدا لبيدا

كبرت آية لصالح لو شا

هدها قومه لخروا سجودا

فصلتها يدا حميد فأضحى

ذكرها مثل ذكره محمودا

ملك من بني النبي وجدنا

ما بآبائه به موجودا

حدد المكرمات كما وكيفا

بيد جودها تعدى الحدودا

مكرمات زواهر تقتفيها

عزمات تصدع الجلمودا

فهو أعلى من أن يقال مجيد

أو هل غيره يعد مجيدا

ولعمري لهو المعد ليوم

لم يكن غيره له معدودا

بحر علم طمى فلم تلف بحرا

طاميا لم يكن به ممدودا

وجواد لم يكب جريا كلالا

وحسام لم ينب ضربا حدودا

يا سحابا بفيض جدواه فضلا

طوق العالمين جيدا فجيدا

لم نزل والورى جميعا نوافي

كل يوم من الهنا بك عيدا

٧٤

الشيخ قاسم الهر

المتوفى ١٢٧٦

لله درهم كم عانقوا طربا

لدن الرماح عناق الخرد الحور

وصافحوا المشرفيات الصفاح لدى

الحرب العوان بقلب غير مذعور

وكم أشم مجد العصب يختلس الا

رواح والحرب منه ذات تسعير

يلقى المواضي وسمر الخط متشحا

بحادثات المنايا والمقادير

تثنى لسطوتهم شم الجبال اذا

سطو على الهضب والآكام والقور

ما سالموا للعدى حتى اذا انتشروا

كالشهب ما بين مطعون ومنحور

من للهدى والندى بعد الالى كتبت

أسماؤهم فوق عرش الله بالنور

الله أكبر يا لله من نوب

جرت لآل علي بالمصادير

فكم بدور هدى في كربلا محقت

وغير النور منها أي تغيير

وكم نجوم لارباب العلى حجبت

تحت الثرى بعدما غيلت بتكدير

أقول وأول هذه القصيدة الحسينية:

فلّت مواضي الهدى في يوم عاشور

وبيضة الدين قد شيبت بتكدير

يوم بنو الوحي والتنزيل فيه غدوا

طعم العواسل والبيض المباتير

٧٥

الشيخ قاسم بن محمد علي بن احمد الحائري الشهير بالهر والبصير أخيرا، ولد سنة ١٢١٦ والمصادف ١٨٠١ م وتوفي سنة ١٢٧٦ والمصادف ١٨٥٩ م وأضر في آخر عمره، وفي الطليعة: كان أديبا شاعرا عابدا ناسكا، فقد بصره وهو في ميعة شبابه وشرخ صباه، وتلقى العلم في المعاهد الدينية بكربلاء المقدسة أورد بعض شعره في المجموع الرائق، وأخيرا كتب عنه صديقنا الاستاذ السيد سلمان هادي الطعمة في كتابه ( شعراء من كربلاء ) وذكر من كتب عن حياة هذا الشاعر كالسيد الامين في الاعيان والشيخ آغا بزرك الطهراني وغيرهما. توفي المترجم له بكربلاء المقدسه ودفن في الصحن الحسيني المقدس مما يلي باب السدرة ومن أشهر شعره قوله في الامام الحسينعليه‌السلام :

يومان لم أر في الايام مثلهما

قد سرني ذا وهذا زادني أرقا

يوم الحسين رقى صدر النبي به

يوم شمر على صدر الحسين رقا

وقوله في رثاه (ع):

ما أنت يا قلب وبيض الملاح

ووصف كاسات وساق وراح

هلم يا صاح معي نستمع

حديث من في رزئه الجن ناح

لقد قضى ريحانة المصطفى

بين ظبا البيض وسمر الرماح

لهفي عليه مذ هوى ظاميا

موزع الجسم ببيض الصفاح

ثوى أبي الضيم في كربلا

ورحله فيها غدا مستباح

هبوا بني عمرو العلى للوغى

بكل مقدام بيوم الكفاح

نساؤكم بالطف بين العدى

كأنها بالنوح ذات الجناح

وهناك جملة من القصائد الحسينية في المخطوطات النادرة رأيناها في تجوالنا عن أدب الطف.

٧٦

الشيخ عباس الملا

المتوفى ١٢٧٦

وقد ارتجلها في الحائر الحسيني بكربلاء:

يا سيد الشهداء جئت من الحمى

لك قاصدا يا سيد الشهداء

متوسلا بك في قضاء حوائجي

فأذن اذا لحوائجي بقضاء(١)

* * *

الشيخ عباس بن الملا علي بن ياسين البغدادي النجفي من أسرة آل السكافي، أسرة معروفة في النجف تتعاطى التجارة، وأبوه الملا علي من ذوي النسك والصلاح يتعاطى بيع ( البز ) في بغداد، وفي سنة ١٢٤٧ هاجر الملا علي الى النجف رغبة منه في مجاورة مشهد الامام أمير المؤمنين ولولده المترجم له يومئذ من العمر ثلاث سنين، اذ أن مولده كان سنة ١٢٤٤ ففتح عينيه على الجو الادبي الذي يمتاز به هذا البلد واتصل بأدبائه وعلمائه فأين ما اتجه رأى عالما أو محادثا أو مؤلفا وكان له الميل الكامل

__________________

١ - عن ديوانه المطبوع بالمطبعة العلمية - النجف الاشرف جمع وتحقيق الخطيب الاديب الشيخ محمد علي اليعقوبي.

٧٧

لذلك الجو العلمي فبرع في العلم والادب ونظم القريض ونبغ فيه قبل بلوغ سن الرشد فأصبح من ذوي المكانة بين أدباء القرن الثالث عشر الهجري ولا أدل على ذلك من قوله:

أحطت من العلوم بكل فن

بديع والعلوم على فنون

فها أنا محرز قصب المعالي

وما جاوزت شطر الاربعين

وقوله:

كفاني أنني لعلاي دانت

بنو العلياء من قاص ودان

وحسبي أنني من حيث أبدو

أشار الناس نحوي بالبنان

صرح البحاثة الشيخ آغا بزرك الطهراني في الذريعة بأنه تفقه على العلامة الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، وله مساجلات ومطارحات مع أدباء عصره وفي مقدمتهم الشاعر عبد الباقي العمري الموصلي فقد كان من المعجبين به فقد راسله ومدحه بطائفة من القصائد والمفردات منها قوله في قصيدته يمدحه فيها تناهز الـ ٥٠ بيتا مثبتة بديوانه المطبوع واليك شاهدا منها:

له الله من ذي منطق أعجز الورى

وألسنة الافصاح عنه غدت لكنا

ترعرع في حجر النجابة وانثنى

من المجد قبل المهد متخذا حضنا

حبيب اذا أنشأ، صريع اذا انتشى

بديع اذا وشى، غريض اذا غنى(١)

__________________

١ - أشار بالبيت الى أبي تمام حبيب بن أوس، وصريع الغواني مسلم بن الوليد، وبديع الزمان الهمداني، وغريض الاندلسي المغني المعروف.

٧٨

ومفتقر ( مغنى اللبيب ) للفظه

يعلم في اعرابه معبد اللحنا

تسامى على الاقران فهو أجلهم

وأكبرهم عقلا وأصغرهم سنا

وأكثرهم فضلا وأفضلهم ذكا

وأنفذهم فكرا وأشحذهم ذهنا

ومنها:

مراث بنعت الال آل محمد

له الدهر يعطي حين ينشدها الاذنا

ويستوقف الافلاك شجو نشيده

ويستصرخ الاملاك والانس والجنا

فيبكي الحيا والجو يندب والسما

تمور ووجه الارض يملؤه حزنا(١)

وذكره العلامة السماوي في ( الطليعة ) وأورد شواهد من شعره ثم نشر بقلمه في مجلة ( الغري ) السنة ٧ الصادر سنة ١٣٦٥ وخلاصة ما قال: العباس بن علي بن ياسين أبو الامين كان فاضلا أديبا جميل الشكل حسن الصوت لطيف المعاشرة، وكان أبوه تقيا هاجر من

__________________

١ - قال المرحوم الشيخ اليعقوبي معلقا على هذا البيت: سألت الشيخ محمد السماوي فقلت له: لم يكن للشيخ عباس رثاء مشهور في أهل البيت، فما هو قصد العمري في هذه الابيات. فاجاب قائلا: روى لي بعض معاصريه انه كان يستدر الدموع بصوته الرخيم وانشاده الرقيق لما يحفظه من المراثي الحسينينة في بعض الندوات الخاصة التي يعقدها اصحابه ببغداد في أيام عاشوراء كما حدث بذلك المرحوم الحاج حسين الشهربانلي من شيوخ بغداد المعمرين وانه كان ممن شهد تلك الاندية.

٧٩

بغداد الى النجف وابنه رضيع وكان وقاد الذهن حاد الفهم وسيما ذا عارضة شديدة وهمة عالية مشاركا في العلوم على صغر سنه، وصاهره الحسين بن الرضا الطباطبائي على شقيقته فهنأ السيد وهنأ نفسه بمصاهرة آل الرسول، وعرف بالتقوى وامتاز بالورع فهو كما كان من مشاهير الشعراء كان كذلك من مشاهير الاتقياء. توفي في أواسط شهر رمضان سنة ١٢٧٦ وعمره ٣٢ سنة ودفن بالصحن الحيدري تجاه باب الرواق الكبير، ويقال في سبب موته انه هوى ابنة أحد الاشراف وأخفى هواه حتى أنحله الى أن قضى نحبه. رثاه العلامة السيد حسين الطباطبائي آل بحر العلوم بقصيدة تفيض بالحسرات والآلام وهذا أكثرها.

رزء كسا العلياء ثوب حداد

وأماد للاسلام أي عماد

أصمت فوادحه الرشاد فبددت

أركانه بالرغم أي بداد

هل ذاك نفخ الصور قد صرت بنا

زعقاته أم ذاك صرصر عاد

جلل عرا فرمت سهام خطوبه

دين النبي ومعشر الامجاد

هاتيك غر الاكرمين لوجدها

تذري المدامع من دم الاكباد

ثكلى ومن فرط الجوى أحشاؤها

أبدا ليوم الحشر في ايقاد

قف بالديار الدراسات طلولها

وانشد رباها عن أهيل ودادي

بالبنين ان سلبوا القلوب فانهم

خلعوا على الاجساد ثوب سواد

تقفوا النجائب من جوى وجفونها

تهمي متى يحدو بهن الحادي

لله رزء أججت نيرانه

قلب الورى من حاضر أو باد

رزء الفتى السامي أبي الفضل الذي

حاز الفضائل من لدى الميلاد

من فاق أرباب العلى بمفاخر

علم وأخلاق وبسط أيادي

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

الأخرى ، وكذا الحال مع الأثمار ، وهو ما يشير إليه القرآن بقوله :( مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ ) .

وقد نقل قول عالم البيئة (مترلينك) بما يوضح التعبير القرآني بشكل أوضح : (لو قدّر أن تفنى أنواع النحل ـ الوحشي والأهلي ـ فإنّ مائة ألف نوع من النباتات والثمار والأوراد ستفنى ، أي أنّ تمدننا سيفنى أيضا)(1) . ذلك لأنّ دور النحل في نقل حبوب اللقاح من ذكر الأشجار إلى مياسم إناثها من الأهمية بحيث يجعل بعض العلماء يعتقدون أن ذلك أهم من إنتاج العسل نفسه.

والحقيقة أنّ ما يتناوله النحل من أنواع الثمار إنّما هو بالقوّة لا بالفعل ، ولهذا فهو يساهم في عملية تكوينها ، فما أشمل وأدق التعبير القرآني( مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ ) !

2 ـ السّبل المذللة!

لقد توصل العلماء المتخصصون بدراسة حياة النحل إلى ما يلي : تخرج في كل صباح مجموعة من النحل لمعرفة أماكن وجود الأوراد وتعيينها ، ثمّ تعود إلى الخلية لتخبر بقية النحل عن أماكن الورود والجهات التي ينبغي التوجه إليها ، ومقدار الفاصلة بين الورود والخلية.

ويستعمل النحل أحيانا لأجل تعيين طرق وصوله إلى الأوراد علامات خاصّة كأن يشخص طبيعة الروائح المنتشرة على طول الطريق أو ما شابه ذلك ، وذلك لضمان عدم إضاعة الطريق ذهابا وإيابا.

ولعل عبارة( فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً ) إشارة لهذه الحركة.

__________________

(1) أول جامعة ، الجز الخامس ، ص 55.

٢٤١

3 ـ أين يصنع العسل؟

ربّما ، إلى الآن يوجد من يتصور بأنّ النحل يمتص رحيق الأوراد ويجمعه في فمه ثمّ يخزنه في الخلية ، وهذا خلاف الواقع ، فالنحلة تجمع الرحيق في حفر خاصّة داخل بدنها يطلق عليها علميا اسم (الحوصلة) وهي بمثابة معامل مختبرات كيمياوية خاصّة تقوم بعمليات تحويل وتغيير مختلفة لرحيق الأزهار ، حتى يصل إلى إنتاج العسل ، الذي تقوم النحلة بإخراجه وجمعه في الخلية.

والمدهش أن سورة النحل مكية ، وكما هو معلوم بأنّ مكّة منطقة جافة ليس فيها نحل لعدم توفر النباتات والأوراد التي يحتاجها ومع ذلك فالقرآن الكريم يتحدث بكل دقة عن النحل ويشير إلى أدق أعماله (إنتاج العسل) :( يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ ) .

4 ـ ألوان العسل المختلفة

تتفاوت ألوان العسل وفقا لتنوع الأوراد التي يؤخذ رحيقها منها فيبدو أحيانا بلون اللبن القاتم ، وأحيانا أخرى يكون أصفر اللون ، أو أبيض فضي ، أو ليس له لون ، وتارة تراه شفافا ، وتارة أخرى ذهبي أو تمري وقد تراه مائلا إلى السواد!

ولهذا التفاوت في اللون حكمة بالغة قد تبيّنت أخيرا مفادها : إنّ للون الغذاء أثّر بالغ في تحريك رغبة الإنسان إليه.

وهذه الحقيقة ما كانت خافية على القدماء أيضا ، فكانوا يعتنون بإظهار لون الغذاء المشهي لدرجة كانوا يضيفون إليه بعض المواد تحصيلا لما يريدون كإضافة الزعفران وما شابهه.

ولهذا الموضوع بحوث مفصلة في كتب التغذية لا يسمح لنا المجال بعرضها كاملة خوفا من الابتعاد عن مجال التّفسير.

٢٤٢

5 ـ العسل والشفاء من الأمراض :

كما نعلم بأنّ للنباتات والأوراد استعمالات علاجية فعالة لكثير من الأمراض ، ولا زلنا نجهل الكثير من فوائدها على الرغم من كثرة ما عرفناه ، والشيء المهم في موضوعنا ما توصل إليه العلماء من خلال تجاربهم التي أكّدت على أنّ للنحل من المهارة بحيث أنّه في علمية صنعه للعسل لم يبذر فيما تحويه النباتات والأوراد من خواص علاجية ، فالنحل ينقل تلك الخواص بالكامل ويجعلها في العسل!

وقد صرّح العلماء بكثير من تلك الخواص الوقائية والعلاجية والمقوية.

فالعسل : سريع الامتصاص من قبل الدم ، ولهذا فهو غذاء مقوّ ومؤثر جدّا في تكوين الدم.

والعسل : ينقي المعدة والأمعاء من العفونة.

والعسل : رافع لليبوسة.

وهو علاج ضد الأرق (على أن لا يتناول الكثير منه ، لأن الإكثار منه يقلل النوم).

وللعسل : رافع لليبوسة.

وهو علاج ضد الأرق (على أن لا يتناول الكثير منه ، لأن الإكثار منه يقلل النوم).

وللعسل : أثر مهم في رفع التعب وتشنج العضلات.

والعسل : يقوي الشبكية العصبية للأطفال (إذا ما أطعمت الأم أثناء الحمل).

ويرفع نسبة الكالسيوم في الدم.

ونافع لتقوية الجهاز الهضمي (وبالخصوص لمن أبتلي بنفخ البطن).

وبما أنّه سريع الاحتراق فهو يعمل على توليد الطاقة بسرعة فائقة بالإضافة لترميمه للقوى.

والعسل أيضا : مقوّ للقلب ، مساعد في علاج أمراض الرئة ، نافع للإسهال لخاصيته في قتل المكروبات.

ويعتبر العسل عاملا مهما من عوامل معالجة قرحة المعدة والاثنى عشري.

٢٤٣

وهو دواء نافع لعلاج الروماتيزم ، ونقصان قوّة نمو العضلات ، ورفع الآلام العصبية.

وبالإضافة إلى ذلك فهو نافع في رفع السعال وعامل مهم لتصفية الصوت.

والخلاصة : إنّ خواص العسل العلاجية أكثر من أن يحيط بها هذا المختصر.

ومع ذلك كله فإنّه يدخل في صناعة الأدوية لتلطيف الجلد وللتجميل ، ويستعمل لطول العمر ، ولعلاج ورم الفم واللسان والعين ، ويستعمل أيضا لمعالجة الإرهاق ، وتشقق الجلد ، وما شابه ذلك.

أمّا المواد والفيتامينات الموجودة في العسل فكثيرة جدّا. وفيه من المواد المعدنية : الحديد ، الفسفور ، البوتاسيوم ، اليود ، المغنيسيوم ، الرصاص ، النحاس ، السلفور ، النيكل ، الصوديوم وغيرها.

ومن المواد الآلية فيه : الصمغ ، حامض اللاكتيك ، حامض الفورميك ، حامض السيتريك والتاتاريك والدهون العطرية.

أمّا ما يحويه من الفيتامينات ، ففيه ، فيتامينات (أ، ب ، ث ، د ، ك)

( K ,D ,C ,B ,A ).

ويعتقد البعض باحتوائه على فيتامين (پ ب) ( P B ) أيضا.

وأخيرا : فالعسل علاج لصحة وجمال الإنسان.

وصرحت الرّوايات كذلك بخواص العسل العلاجية ، وورد الكثير عن أمير المؤمنينعليه‌السلام والإمام الصادقعليه‌السلام وبعض الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام من أنّهم قالوا : «ما استشفى الناس بمثل العسل»(1) .

وبرواية أخرى : «لم يستشف مريض بمثل شربة عسل»(2) .

وروي عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من شرب العسل في كل شهر مرّة يريد ما

__________________

(1) وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 73 ، إلى 75.

(2) المصدر السابق.

٢٤٤

جاء به القرآن ، عوفي من سبعة وسبعين داء»(1) .

وثمّة أحاديث أخرى حول أهمية العسل في علاج آلام البطن.

ونذكر أنّ لكل حكم عام أو قاعدة كلية استثناء ، ولهذا فقد ورد النهي عن تناول العسل في بعض الحالات النادرة.

6 ـ( لِلنَّاسِ ) :

وممّا يجذب النظر أن خبراء النحل يرون كفاية امتصاص وردتين أو ثلاث لسد جوع النحلة ، إلّا أنّها تحط على (250) وردة في كل ساعة (كمعدل) ولأجل ذلك تقطع مسافة كيلومترات ، وعلى الرغم من قصر عمر النحلة ، إلّا أنّها تنتج كمية لا بأس بها من العسل ، وقد لا يصدق كثرة ما تنتجه قياسا لما تعيشه من عمر ، ولكنّ ما تقوم به من مثابرة وعمل دؤوب لا يعرف الكلل والملل قد هيأها لأن تقوم بهذا العمل الكبير العجيب.

وكل ذلك السعي وتلك المثابرة ليس في واقعه لملء بطنها بقدر ما عبّر عنه القرآن الكريم ب( لِلنَّاسِ ) .

7 ـ ملاحظات مهمّة بخصوص العسل :

أثبت العلم الحديث أنّ العسل من المواد الغذائية التي تبقى على الدوام طازجة وسالمة ومحافظة على كل ما تحويه في فيتامينات مهما طالت المدّة لأنّه من المواد غير القابلة للفساد.

ويعزو العلماء سبب ذلك لوجود نسبة البوتاسيوم الوافية فيه المانع من نمو الجراثيم ، بالإضافة لاحتوائه على بعض المواد المقاومة للعفونة كحامض الفورميك فمضافا لكون العسل مانع من نمو الجراثيم ، فهو قاتل لها أيضا ولهذا السبب فقد استعمله المصريون القدماء في عملية التحنيط.

__________________

(1) سفينة البحار ، ج 2 ، ص 190.

٢٤٥

ويقول العلماء : لا ينبغي حفظ العسل في أواني فلزية.

ويقول القرآن في هذا الجانب :( ... مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ) ، أي : إنّ بيوت النحل لا ينبغي أن تكون إلّا بين الأحجار والأخشاب.

وملاحظة مهمّة أخرى : للاستفادة من خواصه الصّحيحة والعلاجية ينبغي عدم تعريضه لحرارة الطبخ. يعتقد البعض أنّ تعبير القرآن بكلمة «شراب» إشارة لهذه المسألة ، فهو من المشروبات وليس من المأكولات كي يعرض لحرارة الطبخ.

وثمة ملاحظة أخرى : على الرغم ممّا تسببه لسعة النحل من الألم ، إلّا أن لهذا أثر علاجي أيضا ، ومع ذلك ونتيجة لطبع النحل اللطيف فإنّه لا يلسع أحدا بلا سبب ، بل نحن ندفعه إلى ذلك ونضطره ليلسعنا عن علم أو جهل.

ومن الأسباب التي تدفع النحل للسع الإنسان : عدم ارتياحه للروائح الكريهة ، وعند ما يقترب الإنسان من الخلية لجني نتاج النحل فهي لا تلسعه إلّا إذا كانت يده ملوّثة أو أن في لباسه رائحة كريهة ، أو عند ما يمدّ الإنسان يده إلى خلية ما وبدون أن يغسل يده يمدّها إلى خلية أخرى ، فإن نحل الثّانية ستسرع في لسعه لأنه قد نقل إليها رائحة خلية أجنبية!

وعلى الرغم من أنّ اللسع يحمل أهدافا دفاعية ، إلّا أنّه بالنسبة للنحل يعني الانتحار لأنّه بمجرّد أن تقوم النحلة باللسع فإنّها قد كتبت على نفسها مصير الموت!

وقد وضع العلماء المتخصصون برنامجا معينا لمعالجة الأمراض كالروماتيزم والمالاريا والآلام العصبية وغيرها عن طريق لسعات النحل ، وإلّا فإنّ لسع النحل قد يؤدي إلى آلام مؤذية تصل في بعض حالاتها إلى مخاطر كبيرة.

وقد يتحمل الإنسان لسعة أو عدّة لسعات ، ولكنّ الأمر حينما يصل إلى (200 ـ 300) لسعة فإنّ ذلك سيؤدي إلى التسمم واضطرابات في القلب ، وإذا ما وصل العدد إلى (500) لسعة فسوف يؤدي إلى شلل الجهاز التنفسي ، وربّما يؤدي إلى الموت.

٢٤٦

8 ـ عجائب حياة النحل

كان القدماء يعرفون القدر اليسير عن حياة النحل ، أمّا اليوم ونتيجة لدراسات العلماء الواسعة فقد تبيّن أن للنحل حياة منظمة جدّا ويتخللها : تقسيم أعمال ، توزيع مسئوليات وبرنامج عمل دقيق جدّا.

ومدينة النحل : أكثر المدن نظافة ، وأكثرها نظاما ، كلّها عمل إنّها مدينة على خلاف كل مدن البشر ، فليس فيها بطالة ولا فقر ، والكل يعيش حياة تمدن جميل وكل أفراد المدينة يخضعون لقوانينها ولا ترى مخالفا للضوابط القانونية ولا مقصرا في عمله إلّا ما ندر ، وإذا ما حدث ذلك كأن تذهب إحدى النحلات إلى وردة كريهة الرائحة وتمتص رحيقها ، فإنّها ستخضع للتفتيش عند أعتاب المدينة ثمّ تحاكم في محكمة صحراوية ، والإعدام بالموت هو المعروف عن ارتكاب مثل هذه الأخطاء!

يقول (مترلينك) عالم البيئة البلجيكي الذي أجرى العديد من الدراسات حول حياة النحل والنظام العجيب الذي يحكم مدنها : إنّ ملكة النحل (أو على الأصح أمّ الخلية) لا تعيش في مدينتها ، كما نتصور من سلطتها وإصدارها الأوامر ، بل هي كسائر أفراد هذه المدينة في إطاعتها للقواعد والأنظمة الكلية السائدة إنّنا لا نعلم كيف وضعت هذه القوانين والأنظمة ، وننتظر أن نفهم هذا الأمر يوما ما ، ونعرف واضع هذه المقررات ، إلّا أنّنا نسميه مؤقتا (روح الخلية)!!

إنّ الملكة تطيع روح الخلية شأنها شأن بقية الأفراد.

إنّنا لا نعلم أين توجد روح هذه الخلية؟ وفي أي فرد من سكنة مدينة النحل قد حلّت؟

إلّا أنّنا نعلم أن روح الخلية ليست شبيهة بغريزة الطيور ، ونعلم أيضا أنّ روح الخلية ليست عادة وإرادة عمياء تحكم عنصر ونوع النحل ، إنّ روح الخلية تقوم بتحديد وظيفة كل فرد من أفراد الخلية وفق استعداده ، وتوجه كل واحد منها نحو عمل معين.

٢٤٧

إنّ روح الخلية تأمر النحل المهندس والبناء والعامل ببناء البيوت ، وهي التي تأمر سكنة المدينة جميعا بالهجرة منها في يوم معين وساعة معينة ، وتتجه نحو حوادث ومشاق غير معلومة من أجل تحصيل مسكن ومأوى جديد!

إنّنا لا نستطيع أن نفهم في أي مجمع شورى قد طرحت قوانين مدينة النحل التي وضعتها روح الخلية واتخذ قرارها بتنفيذها ، من يصدر الأمر بالحركة في اليوم المعين؟

نعم ، إنّ في الخلية مقدمات هجرة من أجل إطاعة الإله الذي بيده مصير النحل(1) .

إنّ العالم المذكور قد واجه الإبهام في فهم هذه المسألة ، لما علقت في ذهنه من ترسبات الفكر المادي!

ولكننا نفهم بيسر من أين جاءت تلك القوانين والبرامج؟ ومن الآمر بها؟ وذلك من خلال الاستهداء بنور القرآن.

ما أجمل ما عبّر عنه القرآن حين قوله :( وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) !

أو هل ثمة تعبير أوسع وأشمل وأنطق من هذا؟!

لم نذكر فيما قلناه عن النحل إلّا النزر اليسير لأنّ منهج التّفسير لا يسمع لذا بمواصلة هذا الموضوع(2) .

ونظن كفاية هذا القدر للمتفكر السائر نحو معرفة عظمة الله :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) .

* * *

__________________

(1) تلخيص من كتاب (النحل) ، تأليف مترلينك.

(2) اعتمدنا في بحثنا عن النحل وخواص العسل على جملة كتب منها : أوّل جامعة وآخر نبي ، والنحل ، تأليف مترلينك ، وعجائب عالم الحيوانات.

٢٤٨

الآيات

( وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) )

التّفسير

سبب اختلاف الأرزاق :

بيّنت الآيات السابقة قسما من النعم الإلهية المجعولة في عالمي النبات والحيوان ، لتكون دليلا حسيا لمعرفته جل شأنه ، وتواصل هذه الآيات مسألة إثبات الخالق جل وعلا بأسلوب آخر ، وذلك بأن تغيير النعم خارج عن اختيار الإنسان ، وذلك كاشف بقليل من الدقة والتأمل على وجود المقدّر لذلك.

٢٤٩

فيبتدأ القول ب( وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ) .

فمنه الممات كما كانت الحياة منه ، ولتعلموا بأنّكم لستم خالقين لأي من الطرفين (الحياة والموت).

ومقدار عمركم ليس باختياركم أيضا ، فمنكم من يموت في شبابه أو في كهولته( وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ) (1) .

ونتيجة هذا العمر الموغل في سني الحياة( لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً ) (2) .

فيكون كما كان في مرحلة الطفولة من الغفلة والنسيان وعدم الفهم نعم ف( إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) فكل القدرات بيده جل وعلا ، وعطاؤه بما يوافق الحكمة والمصلحة ، وكذا أخذه لا يكون إلّا عند ما يلزم ذلك.

ويواصل القرآن الكريم استدلاله في الآية التالية من خلال بيان أنّ مسألة الرزق ليست بيد الإنسان وإنّما( وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ) فأصحاب الثروة والطول غير مستعدين لإعطاء عبيدهم منها ومشاركتهم فيها خوفا أن يكونوا معهم على قدم المساواة:( فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ ) .

واحتمل بعض المفسّرين أنّ الآية تشير إلى بعض أعمال المشركين الناتجة عن حماقتهم ، حينما كانوا يجعلون لآلهتهم من الأصنام سهما من مواشيهم ومحاصيلهم الزراعية ، بالرغم من عدم وجود أيّ أثر لتلك الأحجار والأخشاب

__________________

(1) «أرذل» : من (رذل) بمعنى الحقارة وعدم المرغوبية ، والمقصود من «أرذل العمر» : السنين المتقدمة جدّا من عمر الإنسان حيث الضعف والنسيان ، ولا يستطيع تأمين احتياجاته الأولية ، ولهذا سماها القرآن بأرذل العمر، وقد اعتبر بعض المفسّرين أنّها تبدأ من عمر (75) عامّا ، وبعض آخر من (90) وآخرون اعتبروها من (95) والحق أنّها لا تحدد بعمر ، وإنّما تختلف من شخص لآخر.

(2) عبارة( لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً ) يمكن أن تكون غاية ونتيجة للسنين المتقدمة من حياة الإنسان ، فيكون مفهومها أنّ دماغ الإنسان وأعصابه في هذه السنين تفقد القدرة على التركيز والحفظ فيسيطر على الإنسان النسيان والغفلة. ويمكن أن يكون معناها العلّة ، أي أنّ الله تعالى يوصل الإنسان إلى هذا العمر لكي يصاب بالنسيان ، فيفهم الناس بأنّهم لا يملكون شيئا من أنفسهم.

٢٥٠

على حياتهم! بل كان الأولى بهم لو التفتوا إلى خدمهم وعبيدهم ليعطوهم شيئا جزاء ما يقدمونه لهم من خدمات ليل نهار!

هل التفاضل في الرّزق من العدالة؟!

وهنا يواجهنا سؤال يطرح نفسه : هل أنّ إيجاد التفاوت والاختلاف في الأرزاق بين الناس ، ينسجم مع عدالة اللهعزوجل ومساواته بين خلقه ، التي ينبغي أن تحكم نظام المجتمع البشري؟

لأجل الإجابة ، ينبغي الالتفات إلى الملاحظتين التاليتين :

1 ـ إنّ الاختلاف الموجود بين البشر في جانب الموارد المادية يرتبط بالتباين الناشئ بين الناس جزاء اختلاف استعداداتهم وقابليتهم من واحد لآخر.

والتفاوت في الاستعدادين الجسمي والروحي يستلزم الاختلاف في مقدار ونوعية الفعالية الاقتصادية للأفراد ، ممّا يؤدي إلى زيادة وارد بعض وقلّة وارد البعض الآخر.

ولا شك أنّ بعض الحوادث والاتفاقات لها دخل في اشراء بعض الناس ، الّا أنّه لا يمكن أن نعوّل عليها عند البحث لأنّها ليست أكثر من استثناء ، أمّا الضابط في أكثر الحالات فهو التفاوت الموجود في كمية وكيفية السعي (ومن الطبيعي أن بحثنا يتناول المجتمع السليم والبعيد عن الظلم والاستغلال ، ولا نقصد به تلك المجتمعات المنحرفة التي تركت قوانين التكوين والنظام الإنساني جانبا وانزلقت في طرق الظلم والاستغلال).

وقد يساورنا التعجب حينما نجد بعض الفاقدين لأي مؤهل أو استعداد يتمتعون برزق وافر وجيد ، ولكننا عند ما نتجرّد عن الحكم من خلال الظواهر ونتوغل في أعماق مميزات ذلك البعض جسميا ونفسيا وأخلاقيا ، نجد أنّهم يتمتعون بنقاط قوة أوصلتهم إلى ذلك (ونكرر القول بأنّ بحثنا ضمن إطار مجتمع

٢٥١

سليم خال من الاستغلال).

وعلى أية حال فالتفاوت بين دخل الأفراد ينبع من التفاوت بالاستعدادات ، وهو من المواهب والنعم الإلهية أيضا ، وإن أمكن أن يكون بعض ذلك اكتسابيا ، فالبعض الآخر غير اكتسابي قطعا. فإذن وجود التفاوت في الأرزاق أمر غير قابل للإنكار من الناحية الاقتصادية ، ويتمّ ذلك حتى داخل المجتمعات السليمة إلّا إذا افترضنا وجود مجموعة أفراد كلهم في هيئة واحدة من حيث : الشكل ، اللون ، الاستعداد ولا يعتريهم أيّ اختلاف! وإذا ما افترضنا حدوث ذلك فإنّه بداية المشاكل والويلات!

2 ـ لو نظرنا إلى بدن إنسان ما ، أو إلى هيكل شجرة أو باقة ورد ، فهل سنجد التساوي بين أجزاء كل منها ومن جميع الجهات؟

وهل أنّ قدرة ومقاومة واستعداد جذور الشجرة مساوية لقدرة ومقاومة واستعداد أوراق الوردة الظريفة؟ وهل أن عظم قدم الإنسان لا يختلف عن شبكية عينه؟

وهل من الصواب أن نعبر كل ذلك شيئا واحدا؟!

ولو تركنا الشعارات الكاذبة والفارغة من أيّ معنى ، وافترضنا تساوي الناس من جميع النواحي ، فنملأ الأرض بخمسة مليارات من الأفراد ذوي : الشكل الواحد ، الذوق الواحد ، الفكر الواحد ، بل والمتحدين في كل شيء كعلبة السجائر فهل نستطيع أن نضمن أنّ حياة هؤلاء ستكون جيدة؟ ستكون الإجابة بالنفي قطعا ، وسيحرق الجميع بنار التشابه المفرط والرتيب الكئيب ، لأنّ الكل يتحرك في جهة واحدة ، والكل يريد شيئا واحدا ، ويحبون غذاء واحدا ، ولا يرغبون إلّا بعمل واحد!

وبديهيا ستكون حياة كهذه سريعة الانقراض ، ولو افترض لها الدوام ، فإنّها ستكون متعبة ورتيبة وفاقدة لكل روح. وبعبارة أشمل سوف لا يبعدها عن الموت

٢٥٢

بون شاسع.

وعلى هذا فحكمة وجود التفاوت في الاستعدادات المستتبعة لهذا التفاوت قد ألزمتها ضرورة حفظ النظام الاجتماعي ، وليكون التفاوت في الاستعدادات دافعا لتربية وإنماء الاستعدادات المختلفة للأفراد. ولا يمكن للشعارات الكاذبة أن تقف في وجه هذه الحقيقة التي يفرضها الواقع الموضوعي أبدا.

ولا ينبغي أن نفهم من هذا الكلام أنّنا نريد منه إيجاد مجتمع طبقي أو نظام استغلالي واستعماري ، لا. أبدا وإنّما نقصد بالاختلافات التفاوت الطبيعي بين الأفراد (وليس المصطنع) الذي يعاضد بعضه الآخر ويكمله (وليس الذي يكون حجر عثرة في طريق تقدم الأفراد ويدعو إلى التجاوز والتعدي على الحقوق).

إنّ الاختلاف الطبقي (والمقصود من الطبقات هنا : ذلك المفهوم الاصطلاحي الذي يعني وجود طبقة مستغلة وأخرى مستغلة) لا ينسجم مع نظام الخليقة أبدا ، ولكنّ الموافق لنظام الخليقة هو ذلك التفاوت في الاستعدادات والسعي وبذل الجهد ، والفرق بين الأمرين كالفرق بين السماء والأرض ـ فتأمل.

وبعبارة أخرى ، إن الاختلاف في الاستعدادات ينبغي أن يوظف لخدمة مسيرة البناء ، كما في اختلاف طبيعة أعضاء بدن الإنسان أو أجزاء الوردة ، فمع تفاوتها إلّا أنّها ليست متزاحمة ، بل إنّ البعض يعاضد البعض الآخر وصولا للعمل التام على أكمل وجه.

وخلاصة القول : ينبغي أن لا يكون وجود التفاوت والاختلاف في الاستعدادات وفي الدخل اليومي للأفراد دافعا لسوء الاستفادة وذلك بتشكيل مجتمع طبي(1) .

ولهذا يقول القرآن الكريم في ذيل الآية مورد البحث :( أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ

__________________

(1) لقد بحثنا بشكل مفصل موضوع فلسفة الاختلاف في الاستعدادات والفوائد الناتجة عن ذلك في ذيل الآية (32) من سورة النساء ـ فيراجع.

٢٥٣

يَجْحَدُونَ ) .

وذلك إشارة إلى أن هذه الاختلافات في حالتها الطبيعية (وليس الظالمة المصطنعة) إنّما هي من النعم الإلهية التي أوجدها لحفظ النظام الاجتماعي البشري.

وتبدأ الآية الأخيرة من الآيات مورد البحث بلفظ الجلالة «الله» كما كان في الآيتين السابقتين ، ولتتحدث عن النعم الإلهية في إيجاد القوى البشرية ، ولتتحدث عن الأرزاق الطيبة أيضا تكميلا للحلقات الثلاثة من النعم المذكورة في آخر ثلاث آيات ، حيث استهلت البحث بنظام الحياة والموت ، ثمّ التفاوت في الأرزاق والاستعدادات الكاشف لنظام (تنوع الحياة) لتنتهي بالآية مورد البحث ، حيث النظر إلى نظام تكثير النسل البشري و.. الأرزاق الطيبة.

وتقول الآية :( وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً ) لتكون سكنا لأرواحكم وأجسادكم وسببا لبقاء النسل البشري.

ولهذا تقول وبلا فاصلة :( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ) .

«الحفدة» بمعنى (حافد) وهي في الأصل بمعنى الإنسان الذي يعمل بسرعة ونشاط دون انتظار أجر وجزاء ، أمّا في هذه الآية ـ كما ذهب إلى ذلك أكثر المفسّرين ـ فالمقصود منها أولاد الأولاد ، واعتبرها بعض المفسّرين بأنّها خاصّة بالإناث دون الذكور من الأولاد.

ويعتقد قسم آخر من المفسّرين : أن «بنون» تطلق على الأولاد الصغار ، و «الحفدة» تطلق على الأولاد الكبار الذين يستطيعون إعانة ومساعدة آبائهم.

واعتبر بعض المفسّرين أنّها شاملة لكل معين ومساعد ، من الأبناء كان أم من غيرهم(1) .

__________________

(1) وفي هذه الحال يجب أن لا تكون «حفدة» معطوفة على «بنين» بل على «أزواجا» ، ولكنّ هذا العطف خلاف الظاهر الذي يشير إلى عطفها على «بنين» ـ فتأمل.

٢٥٤

ويبدو أن المعنى الأوّل (أولاد الأولاد) أقرب من غيره ، بالرغم ممّا تقدم من سعة مفهوم «حفدة» في الأصل.

وعلى أية حال فوجود القوى الإنسانية من الأبناء والأحفاد والأزواج للإنسان من النعم الإلهية الكبيرة التي أنعمها جل اسمه على الإنسان ، لأنّهم يعينون ماديا ومعنويا في حياته الدنيا.

ثمّ يقول القرآن الكريم :( وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ) .

«الطيبات» هنا لها من سعة المفهوم بحيث تشمل كل رزق طاهر نظيف ، سواء كان ماديا أو معنويا ، فرديا أو اجتماعيا.

وبعد كل العرض القرآني لآثار وعظمة قدرة الله ، ومع كل ما أفاض على البشرية من نعم ، نرى المشركين بالرغم من مشاهدتهم لكل ما أعطاهم مولاهم الحق ، يذهبون إلى الأصنام ويتركون السبيل التي توصلهم إلى جادة الحق( أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ) .

فما أعجب هذا الزيغ! وأية حال باتوا عليها! عجبا لهم وتعسا لنسيانهم مسبب الأسباب ، وذهابهم لما لا ينفع ولا يضر ليقدسوه معبودا!!!

* * *

بحثان

1 ـ أسباب الرزق :

على الرغم ممّا ذكر بخصوص التفاوت من حيث الاستعداد والمواهب عند الناس ، إلّا أنّ أساس النجاح يمكن في السعي والمثابرة والجد ، فالأكثر سعيا أكثر نجاحا في الحياة والعكس صحيح.

ولهذا جعل القرآن الكريم ارتباطا بين ما يحصل عليه الإنسان وبين سعيه ،

٢٥٥

فقال بوضوح :( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ) (1) .

ومن الأمور المهمّة والمؤثرة في مسألة استحصال الرزق الالتزام بالمبادي من قبيل:التقوى، الأمانة ، إطاعة القوانين الإلهية والالتزام بأصول العدل ، كما أشارت إلى ذلك الآية (96) من سورة الأعراف :( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) .

وكما في الآيتين (2 و 3) من سورة الطلاق :( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) .

وكما أشارت الآية (17) من سورة التغابن بخصوص أثر الإنفاق في سعة الرزق ـ :( إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ ) .

ولعلنا لا حاجة لنا بالتذكير أن فقدان فرد أو جمع من الناس يضر بالمجتمع ولهذا فحفظ سلامة الأفراد وإعانتهم يعود بالنفع على كل الناس (بغض النظر عن الجوانب الإنسانية والروحية لذلك).

وخلاصة القول إنّ اقتصاد المجتمع إن بني على أسس التقوى والصلاح والتعاون والإنفاق فالنتيجة أن ذلك المجتمع سيكون قويا مرفوع الرأس ، أمّا لو بني على الاستغلال والظلم والاعتداء وعدم الاهتمام بالآخرين ، فسيكون المجتمع متخلفا اقتصاديا وتتلاش فيه أواصر الحياة والاجتماعية.

ولذلك فقد أعطت الأحاديث والرّوايات أهمية استثنائية للسعي في طلب الرزق المصحوب بالتقوى ، وحتى روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «لا تكسلوا في طلب معايشكم ، فإن أباءنا كانوا يركضون فيها ويطلبونها»(2) .

وروي عنه أيضا : «الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله»(3) .

__________________

(1) سورة النجم ، 39.

(2) الوسائل ، ج 12 ، ص 48.

(3) الوسائل ج 12 ، ص 43.

٢٥٦

وحتى أنّ الأمر قد وجّه إلى المسلمين بالتبكير في الخروج لطلب الرزق(1) وذكر أنّ من جملة من لا يستجاب لهم الدعاء أولئك الذين تركوا طلب الرزق على ما لهم من استطاعة ، انزووا في زوايا بيوتهم يدعون الله أن يرزقهم!

وهنا يتبادر الى الذهن تساؤل عن الآيات القرآنية والرّوايات التي تؤكد على أنّ الرزق بيد الله ، وذم السعي فيه ، فكيف يتمّ تفسير ذلك؟!

وللاجابة نذكر الملاحظتين التاليتين :

1 ـ دقة النظر والتحقق في المصادر الإسلامية يوضح أنّ الآيات أو الرّوايات التي يبدو التضاد في ظاهر ألفاظها ـ سواء في هذا الموضوع أو غيره ـ إنّما ينتج من النظرة البسيطة السطحية ، لأنّ حقيقة تناولها لموضوع ما إنّما يشمل جوانب متعددة من الموضوع ، فكل آية أو رواية إنّما تنظر إلى بعد معين من أبعاد الموضوع ، فتوهم غير المتابع بوجود التضاد.

فحيث يسعى الناس بولع وحرص نحو الدنيا وزخرف الحياة المادية ، ويقومون بارتكاب كل منكر للوصول إلى ما يريدونه ، تأتي الآيات والرّوايات لتوضح لهم تفاهة الدنيا وعدم أهمية المال.

وإذا ما ترك الناس السعي في طلب الرزق بحجة الزهد ، تأتيهم الآيات والرّوايات لتبيّن لهم أهمية السعي وضرورته.

فالقائد الناجح والمرشد الرشيد هو الذي يتمكن من منع انتشار حالتي الإفراط والتفريط في مجتمعه.

فغاية الآيات والرّوايات التي تؤكّد على أنّ الرزق بيد الله هي غلق أبواب الحرص والشر وحبّ الدنيا والسعي بلا ضوابط شرعية ، وليس هدفها إطفاء شعلة

__________________

(1) الوسائل ، ج 12 ، ص 50.

٢٥٧

الحيوية والنشاط في الإعمال والاكتساب وصولا لحياة كريمة ومستقلة.

وبهذا يتّضح تفسير الرّوايات التي تقول : إنّ كثيرا من الأرزاق إن لم تطلبوها تطلبكم.

2 ـ إنّ كلّ شيء من الناحية العقائدية تنتهي نسبته إلى اللهعزوجل ، وكل موحد يعتقد أن منبع وأصل كل شيء منه سبحانه وتعالى ، ويردد ما تقوله الآية (26) من سورة آل عمران :( بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

وينبغي عدم الغفلة عن هذه الحقيقة وهي أنّ كل شيء من سعي ونشاط وفكر وخلاقية الإنسان إنّما هي في حقيقتها من اللهعزوجل .

ولو توقف لطف الله (فرضا) عن الإنسان ـ ولو للحظة واحدة ـ لما كان ثمّة شيء اسمه الإنسان.

ويقول الإنسان الموحد حينما يركب وسيلة : «سبحان الذي سخر لنا هذا».

وعند ما يحصل على نعمة ما ، يقول : «وما بنا من نعمة فمنك»(1) .

ويقول عند ما يخطو في سبيل الإصلاح ـ كما هو حال الأنبياء في طريق هدايتهم للناس ـ :( وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) (2) .

وإلى جانب كل ما ذكر فالسعي والعمل الصحيح البعيد عن أي إفراط أو تفريط ، هو أساس كسب الرزق ، وما يوصل إلى الإنسان من رزق بغير سعي وعمل إنّما هو ثانوي فرعي وليس بأساسي ، ولعل هذا الأمر هو الذي دفع أمير المؤمنينعليه‌السلام في كلماته القصار في تقديم ذكر الرزق الذي يطلبه الإنسان على الرزق الذي يطلب الإنسان ، حيث قال : «يا ابن آدم ، الرزق رزقان : رزق تطلبه ، ورزق يطلبك»(3) .

__________________

(1) من أدعية التعقيبات لصلاة العصر ، كما في كتب الدعاء.

(2) سورة هود ، 88.

(3) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، رقم 379.

٢٥٨

2 ـ مواساة الآخرين :

أشارت الآيات إلى بخل كثير من الناس ممن لم يتّبعوا سلوك وهدي الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام ، وقد أكّدت الرّوايات في تفسيرها لهذه الآيات على المساواة والمواساة ومنها : ما جاء في تفسير علي بن إبراهيم في ذيل الآية : «لا يجوز الرجل أن يخص نفسه بشيء من المأكول دون عياله»(1) .

وروي أيضا عن أبي ذر أنّه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول عن العبيد : «إنّما هم إخوانكم فاكسوهم ممّا تكسون وأطعموهم ممّا تطعمون» فما رؤي عبده بعد ذلك إلّا ورداؤه وإزاره من غير تفاوت(2) .

والذي نستفيده من الرّوايات المذكورة والآية المبحوثة حين تقول :( فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ ) أنّ الإسلام يوصي بمراعاة المساواة كبرنامج أخلاقي بين أفراد العائلة الواحدة ومن يكون تحت التكفل قدر الإمكان ، وأن لا يجعلوا لأنفسهم فضلا عليهم.

* * *

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، ج 3 ، ص 68.

(2) تفسير نور الثقلين ، ج 3 ، ص 68

٢٥٩

الآيتان

( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (74) )

التّفسير

لا تجعلوا لله شبيها :

تواصل هاتان الآيتان بحوث التوحيد السابقة ، وتشير إلى موضوع الشرك ، وتقول بلهجة شديدة ملؤها اللوم والتوبيخ :( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً ) .

وليس لا يملك شيئا فقط ، بل( وَلا يَسْتَطِيعُونَ ) أن يخلقوا شيئا.

وهذه إشارة إلى المشركين بأن لا أمل لكم في عبادتكم للأصنام ، لأنّها لا تضرّكم ولا تنفعكم وليس لها أيّ أثر على مصيركم ، فالرزق مثلا والذي به تدور عجلة الحياة سواء كان من السماء (كقطرات المطر وأشعة الشمس وغير ذلك) أو ما يستخرج من الأرض ، إنّما هو خارج عن اختيار الأصنام ، لأنّها موجودات فاقدة لأية قيمة ولا تملك الإرادة ، وإن هي إلّا خرافات صنعتها العصبية الجاهلية

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328