• البداية
  • السابق
  • 323 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 46112 / تحميل: 7877
الحجم الحجم الحجم
العمل وحقوق العامل في الإسلام

العمل وحقوق العامل في الإسلام

مؤلف:
العربية

تحدثنا في البحوث السابقة عن حقيقة العمل ومعناه في الانظمة الحديثة كما بينا أحكامه وأنواعه في الاسلام، وقد أسهبنا بعض الاسهاب في ذلك، وقد طال الأمد على القراء حيث انهم فيما نحسب يهمهم الاطلاع على حالة العامل في ظل النظامين الرأسمالي والشيوعي وعلى معرفة حقوقه التي منحها الاسلام له ليقفوا على أي الأنظمة اكثر فعالية، وأضمن لحقوقه ومصالحه وقبل الخوض في بيان ذلك لا بد لنا من ذكر ما يقصد بالعامل من معنى في قانون العمل وبيان أصنافه التي جاءت فيه وما يقدمه الاسلام من مفهوم والى القراء ذلك:

1 - معنى العامل

عرف قانون العمل (العامل) « بأنه الشخص الذي يؤدي عملاً لرب العمل لقاء أجر بموجب اتفاق خاص أو عام شفهي أو تحريري، ويكون عند أدائه تحت توجيهه وإرادته، أو على سبيل التدريب أو التجربة »(1) وعلى هذا التحديد فليس كل من أدى عملاً وقام به يعتبر عاملاً بل اذا توفرت فيه هذه الأمور التي نص عيها هذا القانون(2) فاذا انعدم بعضها لا يعتبر عاملاً

____________________

1 - قانون العمل العراقي رقم (1) سنة 1958 م.

2 - تجد بيان هذه المواد في شرح قانون العمل ص 7 - 13.

٢٠١

بالاصطلاح القانوني.

ولكن الاسلام يفترق افتراقاً أساسياً عن هذا المفهوم التقليدي ويقدم مفهوماً شاملاً له طابعه الخاص وله أصالته الفكرية كما مر بنا (في العمل وأنواعه) وسيأتي تفصيله في بيان حقوق العامل في ظل النظام الاسلامي.

2 - أصنافه

العمال صنفان: (الصنف الأول) العمال المستقلون وهم الذين يشتغلون لحسابهم الخاص، وهم كأرباب الحرف الذين يملكون محلاتهم الخاصة، وكاصحاب المهن الذين لهم مكاتبهم الخاصة.

« الصنف الثاني » العمال التابعون وهم الذين يستخدمون لقاء أجر أو راتب معين كالعمال في الزراعة، والمستخدمين في الصناعة، والتجارة، والخدمات سواء أكان عملهم للافراد أم للدولة، ويؤلف هذان الصنفان مجموع قوة العمل في القطر.

والبحث عن حقوق العامل في الأنظمة الحديثة إنما يعني بالدرجة الأولى النصف الثاني من العمال وهم الذين لا يشتغلون لحسابهم الخاص، وأما الاسلام فقد عنى بكل الأصناف، وشرع لهم من الحقوق العادلة التي تضمن لهم الكرامة والعيش

٢٠٢

الرغيد، والضمان الاجتماعي الذي سنه ويشمل جميع أصنافهم - كما سنبينه - ولنعد بعد هذا الى ذكر حالة العامل في الأنظمة القائمة، وفي ظل نظام الاسلام، والى القراء ذلك:

1 - النظام الرأسمالي

ولن يتم لنا الوقوف على حالة العامل في ظل النظام الرأسمالي إلا بعد معرفة الخطوط الرئيسية التي تبتني عليها الرأسمالية وبيان المؤاخذات التي تترتب عليها فان الاحاطة بذلك - ولو إجمالاً - أمر لا بد منه وهي كما يلي:

1 - ملكية الفرد

ويقرر النظام الرأسمالي الملكية المطلقة للفرد فكل ما تصل اليه يده بأي وسيلة كانت فهو ملك له يتصرف فيه حيثما شاء وعلى الدولة القيام بحمايته، وتمكينه من التصرف فيه.

إن النظام الرأسمالي يبتني على الاعتراف بملكية الفرد لجميع ألوان الثروة من أرض، وآلات ومباني، وغيرها من وسائل الانتاج، وللفرد أن يملك ما شاء لا يمنع عنه، حتى ولو تضخمت نقوده، وبلغت الملايين فليس للدولة الحق في

٢٠٣

الاستيلاء عليها أو تأميم ممتلكاته ونزعها منه بل عليها أن تفسح المجال أمامه لتنمية أمواله وزيادة أرباحه، وليس لها بأي حال أن تقوم بعمليات اقتصادية تناهض النشاط الفردي.

إن النظام الرأسمالي يؤمن بجميع الوسائل التي تؤدي الى تضخم الثراء الفاحش، كالربا والاحتكار والاستغلال وغير ذلك من الطرق الملتوية التي تعتمد على الخداع والختل، وتؤدي الى فقر المجتمع وحصر ثروته عند فئة قليلة تتحكم في مصيره، حيث ان جميع ذلك من الوسائل المشروعة في عرفهم ما دامت تؤدي الى تراكم رأس المال الفردي.

2 - الحرية

ويكفل النظام الرأسمالي الحرية التامة للفرد في جميع المجالات العملية فله أن يستعمل جميع الوسائل في الحصول على الأرباح، كما له أن يتوسع في انتاج البضائع، وان يبيعها بما شاء من الثمن القليل أو الكثير حتى لو أفرط في وضع أغلى الاثمان للسلعة فانه حر في ذلك لا سلطان لأحد عليه.

إن النظام الرأسمالي يضمن الحرية بنطاقها الواسع للفرد في سبيل الحصول على الارباح، وتنمية المال حتى لو أدى ذلك الى إرهاق العمال وعنائهم.

٢٠٤

إن النظام الرأسمالي لا يهتم بأي حال بما يصيب العمال من حيف وظلم وحرمان، وذلك لأجل حرية صاحب المال واتساع ثروته.

إن حرية الفرد في استحصال الثروة هي الحجر الاساسي التي تبتني عليها الرأسمالية، وقد ذهب اليها مؤسسو علم الاقتصاد وأعاظم رجاله كالفيزيوقراطيين، وآدم سميث، ومالثوس، وريكاردوا، وأضرابهم، ويسمى هذا المذهب ب‍ « المذهب الفردي » لانهم يعتبرون الفرد قطب الحركة الاقتصادية ومحورها الذي تدور عليه في جميع اوضاعها، واطوارها ان الحرية الاقتصادية عند الرأسماليين سبب لتنمية الانتاج واتساع الثروة العامة في البلاد، وعلى الدولة القيام بتوسيع المجال للاعمال الفردية بقدر ما تستطيع ورفع جميع الموانع التي تؤثر في حرية الفرد.

لقد ذهبوا الى انه لا سبيل الى حق الانسان في الحياة إلا أن يمنح الحرية الواسعة في كل ما يصبو اليه في هذه الحياة.

3 - المنفعة الذاتية

ويبتني النظام الرأسمالي على المنفعة الذاتية، فهي المحفزة للعمل، وانتاج جميع المواد الاستهلاكية، وانها من العناصر

٢٠٥

الرئيسية التي تتكون منها معالم الرأسمالية فقد ذكر (ج. م. كيز) ان دور المال وحب المال عند الفرد من أهم مقومات الرأسمالية(1) .

إن المنفعة الذاتية من الصفات المتأصلة، وانها هي التي تدفعه الى العمل والخوض في معترك الحياة، فاذا فتحت أبواب المنفعة أمام الشخص فان الانتاج يزداد ويتوسع، واذا سدت أبوابها في وجهه فان الحياة الاقتصادية العامة تصاب بانتكاسة كبرى، ويقضى على معالم الحياة الاقتصادية في البلاد.

هذه بعض الخطوط الرئيسية التي يبتني عليها النظام الرأسمالي، وقد حفل بجميع ركائزه وخطوطه بالظلم الاجتماعي، وتمثل على مسرحه الغبن بجميع مفاهيمه وألوانه، وأدى الى نشر القلق والاضطراب في الأرض، والى تحطيم المثل العليا وإقصاء العدالة الاجتماعية عن واقع الحياة العامة.

4 - المؤاخذات

وحفل النظام الرأسمالي بالسيئات والمفاسد، وعلينا أن نشير الى بعض المآسي التي تترتب عليه والى حالة العامل في ظلاله وهي:

____________________

1 - هذه هي الرأسمالية تأليف فرنسوابيرو ترجمة محمد عيتاني ص 40.

٢٠٦

1 - نهب الثروات

إن النظام الرأسمالي لما قضى باطلاق حرية الفرد في الكسب وإباحة جميع الوسائل لاستحصاله للثروة، عمد الرأسماليون الى الإمعان في الطرق المؤدية الى الاستيلاء على مقدرات الأمة ونهب ثرواتها الاقتصادية، والتآمر على مصالحها، وقد اعترف بذلك آدم سميث بقوله: « قلما يجمع التجار وأهل الحرف والصناعات مجلس من المجالس إلا انتهى بمؤامرة منهم على مصلحة الجمهور أو قرار لرفع أسعار البضائع، حتى لا تكاد تخلو المناسبات التي يتسنى لهم الاجتماع فيها من اقتراف مثل هذه الجريمة الشنيعة(1) .

لقد تكدست ثروات المجتمع عند فئة قليلة فراحت تتحكم في مصير البلاد، وتبني مصالحها الخاصة على اماتة الشعب وافقاره والحكومة القائمة سند لها تحافظ على ثرائها وتهيئ لها جميع الوسائل التي تؤدي الى استغلال الجماهير واستعبادها الأمر الذي أدى الى شيوع الفقر، وحدوث الاضطراب الشامل في المحيط الاقتصادي والاجتماعي.

لقد نهبت الدول الاستعمارية الكبرى جميع الثروات المعدنية

____________________

1 - اسس الاقتصاد بين الاسلام والنظم المعاصرة: ص 48.

٢٠٧

من شعوب العالم وخصوصاً من العالم الاسلامي، فقد استغلت جميع ثرواته ومن أهمها البترول فقد استولت عليه فقدر ربحها سنة (1955) ما يساوي 500 الف مليون دولار بالاضافة الى الآبار التي حدثت أخيراً فكان ربحها في كل عام 900 الف مليون دولار(1) وتوزع هذه الأرباح الهائلة على الشركات المساهمة في لندن وباريس ونيويورك، والعالم الاسلامي يحيطه الفقر والعري والمرض والجهل.

2 - التحكم في مصير الشعوب

إن الرأسماليين الذين يملكون الشركات الرأسمالية الكبرى يتحكمون في مصير الشعوب، ويتلاعبون في مقدراتها، ويسيرون الدول حسب أطماعهم، فقد كان لهم ضلع كبير في إثارة الحرب العالمية الأولى والثانية، لأن بضائعهم أخذت تتزاحم في الاسواق العالمية فلم يجدوا مجالاً لتصريفها والظفر بالأرباح الهائلة إلا باشعال نار الحرب في العالم فالهبوا نيران الحروب، وأحرقوا البلاد والعباد في سبيل تضخم أموالهم، فاحتكروا بضائعهم ومنتجاتهم وباعوها بأغلى الأثمان، كما تلاعبوا في الأسواق، وقد نهبوا

____________________

1 - رسالة الثروة المعدنية للدكتور سعيد محمد عودة ص 9.

٢٠٨

بذلك ثروات الأمم وامتصوا دماء الشعوب وتركوا الفقر جاثماً عليها.

إن جهاز الحكم في الدول الاستعمارية الكبرى توجهه فئة من الرأسماليين، فهي التي ترسم خطوط السياسية الاستعمارية على أساس ضمان منافعها الخاصة وزيادة أرباحها، كما أنها تتدخل تدخلاً سافراً في شؤون الشعوب الداخلية فتعرقل سير كل حركة اصلاحية تعمل على نشر الوعي وعلى استقلال البلاد والتخلص من الاستعمار.

3 - اشاعة البطالة

إن الانقلاب الصناعي الذي حدث في هذه العصور قد غير مجرى الانتاج العالمي في العصور الأولى فان الأعمال التي كانت تقوم بها القوى الانسانية من قبل أصحبت تقوم بها الآلات الحديثة فان عدداً قليلاً من العمال أخذوا ينجزون من العمل بتوسط الآلة ما يعجز عن القيام به المئات من العمال من قبل، وكان من الطبيعي أن يؤدي ذلك الى تعطيل الكثيرين من العمال.

إن الانتاج الميكانيكي قد عطل كثيراً من الطاقات الانسانية كما سبب نشر البطالة التي أصبحت من أهم المشاكل العامة في

٢٠٩

العصور الحديثة فقد عانت منها الدول الكبرى أشق ألوان المصاعب السياسية والاجتماعية.

إن الانتاج الحديث قد اضطر العمال الى التهافت على المعامل والخضوع لأربابها والتماس العمل منهم فالذين ساعدهم الحظ قبلوا فيها، وخضعوا في نفس الوقت لجميع الشروط التي يمليها عليهم صاحب المعمل مهما كانت قاسية، ومهما كان الأجر زهيداً، والذين لم يساعدهم التوفيق بقوا حيارى ينهشهم الجوع ويلسعهم البؤس حتى اضطروا الى ارتكاب الجرائم والموبقات.

إن النظام الرأسمالي هو نظام الازمات الاقتصادية المتواترة التي تحدث البطالة والتعطل بين العمال، فقد حدثت البطالة في أوربا، وأمريكا، وقدر عدد المعطلين فيهما بنحو ستين مليوناً أو سبعين مليوناً من العمال(1) وكان معنى هذا التعطل ان تعرض العمال للجوع والعري والمرض والموت.

2 - اقصاء الاخلاق

وأعقب النظام الرأسمالي اقصاء الاخلاق وتحطيم القيم الانسانية فان المصلحة الشخصية هي الهدف الأسمى للرأسماليين فلا يوجد للفضيلة أي واقع في اتجاهاتهم، قد اترعت مشاعرهم

____________________

1 - برنادشو لسلامة موسى: ص 65.

٢١٠

بالفسق والفجور، والختل والغدر، والتآمر على حقوق الضعيف وإشاعة الجوع في البلاد إن النظام الرأسمالي لا يمت بصلة الى الأخلاق الرفيعة، لأن الوسيلة الأولى فيه هي الظفر بالمادة وتحصيلها بأي طريق كان، فان الانسان ما دام لا يؤمن بسوى المادة، ولا يقيم وزناً إلا لمنفعته الخاصة فلا يهمه أن يؤسس بيتاً للدعارة أو للمقامرة، أو للخمور، أو يتجر بالمخدرات المهلكة وبآلات الحروب المبيدة في سبيل تراكم ثروته، وإشباع رغباته المادية.

فالنظام الرأسمالي قد أقصى الأخلاق، وحطم المثل العليا ونحى الناس عن كل معنى من معاني الخير والتعاون، وملأ الأرض بالمآسي والخطوب، وترك أفكار الناس مشغولة بالناحية الاقتصادية من حياتهم، وأبعد عنهم روح المودة والصفاء.

إن الأهداف النبيلة، والقيم الرفيعة لا ظل لها في النظام الرأسمالي الذي بني على خلق الطبقات وايجاد التفاوت والامتياز بين الناس، ومن طريف ما ينقل عن واقع ذلك المجتمع المنهار ان صاحب مقبرة للكلاب في واشنطن أعلن عام (1947) انه لا يقبل جثث الكلاب التي تملكها الزنوج ويعلل ذلك بأنه يعلم ان الكلاب لا تجد غضاضة في أن تدفن كلها في جبانة

٢١١

واحدة ولكنه لاحظ ان زبائنه البيض قد ساءهم أن تعامل كلابهم المدللة هذه المعاملة المنكرة بعد وفاتها فتساوي كلاب الزنوج(1) كما انه قد قضت القوانين في بعض أنحاء الولايات المتحدة بعدم السماح للعمال والزنوج أن يقيموا مع العمال البيض على صعيد واحد في المصانع كما لا يجوز للزنوج أن يدخلواأو يخرجوا من الأبواب التي يدخل منها البيض أو يخرجون منها.

فاالمبادئ الأصيلة لا وجود لها في الحياة الرأسمالية التي بنيت على التمايز العنصري حيث قوبل الزنوج في أمريكا بكل قسوة وجفاء، وكذلك الملونون في جنوب أفريقيا فانهم قد حرموا من حقوقهم الطبيعية وعوملوا معاملة الحيوان السائم بينما الاسلام قد ساوى بين جميع الطبقات فالعربي والفارسي وغيرهما في صعيد واحد لا فضل لعنصر على آخر إلا بالتقوى، فان سين بلال خير من شينهم، و (سلمان منا أهل البيت) كما قال الرسول (ص): إنه لا يفرق بين جنس وآخر فالأبيض والأسود سواء « إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم ».

إن الاسلام ينشد كرامة الانسان، ويتطلب رفع مستواه ويحطم جميع الامتيازات بين الناس فهم في شرعه العادل ونظامه

____________________

1 - مجلة المسلمون.

٢١٢

الرفيع سواسية كاسنان المشط لا فضل لأحد على أحد ولا تقديم لقوم على آخرين إلا بالتقوى والعمل الصالح الذي يقرب الانسان من ربه، ويبعده عن الشر ويوجهه نحو عمل الخير، فلا المال ولا الملك ولا المتع الملذوذة في الدنيا لها دخالة في حساب الشرف والفخر عند الاسلام.

5 - الغاء الأديان

إن النظام الرأسمالي قد بنى على اقصاء الدين عن واقع الحياة فانه يدعو الى توفير الانتاج بأي طريق كان فالربا والاحتكار والرشوة والاستغلال وغير ذلك من الطرق المحرمة هي سائغة في العرف الرأسمالي بينما الأديان لا ترضى بذلك وقد حرمته في جميع المجالات.

فالفلسفة الرأسمالية لا تقيم أي وزن للأديان فهي لا ترى سوى المادة وتدعو الناس الى أن يكرسوا جهودهم ونشاطهم في سبيلها، أما الإيمان باللّه، والإنقياد لأوامر رسله وأنبيائه فكل ذلك لا ظل له في النظام الرأسمالي.

6 - حالة العمال

إن النظام الرأسمالي خال من المواساة، والتعاون، والتراحم وسائر العواطف الانسانية وقد عانى العمال فيه ألواناً من الاضطهاد

٢١٣

ولاقوا أبشع صور الأرهاق والمجاعة، فقد قامت الشركات الرأسمالية باضطهادهم واحتكار جهودهم، وأشاعت البؤس في أوساطهم.

إن المجتمع الرأسمالي قد تكدست فيه الثروة وتضخمت عند أفراد قلائل من الناس لا يهمها شقاء الشعب وهلاكه جوعاً، وفقراً.

إن الغاليبة العظمى من العمال تعاني الإرهاق والآلام قد أحاط بها البؤس والشقاء وألم بها المرض والحرمان، وسدت عليها نوافذ الحياة، فلم تظفر بالراحة، ولا بالدعة، ولا بالعيش قد استغلتها فئة من الاحتكاريين الذين لا بصيص من الرحمة والرأفة في مشاعرهم وعواطفهم، وقد أترعت نفوسهم بالجشع والطمع فنهبوا جهود العمال وامتصوا دماءهم ولم يمنحوهم إلا اجوراً زهيدة لا تكفيهم ولا تقيم أودهم، ولا تفي بسد حاجاتهم.

لقد زاد في شقاء العمال وعنائهم اختراع الآلات الحديثة التي استعني بها عن الكثيرين منهم فازدحموا على أبواب المعامل واضطروا الى العمل باجور بسيطة لأنها خير من البطالة، ولكنهم مع ذلك قد منوا بدخول النساء والاطفال في المعامل باجور بسيطة، وقد أدى ذلك الى نشر البطالة وتردي الحالة

٢١٤

الاقتصادية الأمر الذي أوجب ذيوع الأعمال المنكرة، كالبغاء واللصوصية وما ضارعها من الأعمال الاجرامية.

إن استغلال العمال قد أحدث النزاع الطبقي، والتناحر بين العمال وأصحاب العمل فثار العمال، وأضربوا عن العمل مطالبين بزيادة الاجور وتحسين حالتهم الاقتصادية، وقد ملئت قلوب أرباب المصانع بالذعر والخوف من العمال فقد ألحقوا بهم الخسائر الفادحة، والأضرار الفظيعة، وقد قامت الحكومات الرأسمالية بدورها في الحماية والذب عن أصحاب رؤوس الأموال فمنعوا العمال من الاضرابات والمظاهرات وأطلقوا عليهم النار وزجوا الكثيرين منهم في السجون بحجة ان أعمالهم هذه تخل بالأمن العام ولكن ذلك لم يكن يجدي شيئاً فان الفقر والبؤس لا يمكن الصبر عليهما والرضوح لهما.

واستمر الصراع والتناحر بين العمال وأرباب المعامل حتى ظهرت الرأسمالية الجديدة فمنحت العمال بعض حقوقهم فرفعت من أجور العمال والمستخدمين، وقللت من ساعات العمل، وروجت بعض مشروعات التأمين الاجتماعي كما أجازت بصفة رسمية تشكيل نقابات العمال، واعترفوا بالمبدأ القائل « ينبغي أن يفرض على الاستثمار الفردي من القيود والحدود ما لا يعود

٢١٥

مضراً بالمصلحة الاجتماعية ولا يقوم بفرض مثل هذه القيود والحدود إلا الحكومة » ولكنها مع ذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن توفر الحياة الكريمة للعمال فان الاستغلال الفظيع لهم لا يزال موجوداً، ولاتزال الشركات الرأسمالية الكبرى تصب العذاب الأليم على الانسان وتتآمر على مصالحه، ولا تحفل بأي مصلحة عامة تعود بالخير على البلاد.

والرأسمالية الجديدة لم تفلح في معالجتها لمشاكل العمال حيث ان الازمات الاقتصادية لا تزال موجودة ولا تزال إضرابات العمال ومظاهراتهم مستمرة وذلك ينم عن تردي حالتهم الاقتصادية وعدم استطاعة النظام الرأسمالي الجديد على نشر الاستقرار والرفاهية بين العمال.

وخلاصة القول ان النظام الرأسمالي بجميع أشكاله وألوانه لا يمكن أن تسعد به الانسانية لأنه نظام الفقر والغناء فالفقر والجوع والعري للعمال ولسواد الشعب وللرأسماليين الثراء والرخاء والنعيم.

إن النظام الرأسمالي لا يؤمن بمصلحة العامل ولا يهمه ما مني به من البؤس والفقر قد الغيت فيه مصلحة المجتمع، وانعدمت فيه الرحمة والايثار، كما شكل في نفس الوقت الصراع

٢١٦

الدائم بين أفراد المجتمع، ولا بد أن تطوى معالمه، ويقضى عليه إن عاجلاً وإن آجلاً.

2 - في ظل النظام الشيوعي

إن النظام الشيوعي الذي رفع شعاره ماركس، وتبنته روسيا والدول الاشتراكية يبتني على فلسفة مادية خاصة فهي تفسر التأريخ والاجتماع والاقتصاد بتفسير مادي بحت، وتنظر الى الانسان بأنه كائن ارضي بحت لا يرتفع بمشاعره وعواطفه عن واقع المادة، وانه لا بد أن يصاغ في قالب خاص من حيث تفكيره، ووجهة نظره الى الحياة، وانه لا بد من تجريده من غريزة حب الذات، وسكب العقلية الجماعية في نفسه بحيث لا يفكر إلا في المصلحة الاجتماعية ولا يندفع إلا في سبيلها، ولذلك بنوا على الغاء الملكية الفردية وقضوا بتمليك جميع وسائل الانتاج للدولة باعتبارها الوكيل الشرعي عن المجموع ولكن من المعلوم عدم إمكان ذلك واستحالته فان الغزائز الاصيلة في الانسان يستحيل عليها التغيير والتبديل، فان حب الانسان لنفسه من أقوى الغرائز الذاتية فيه فكيف يمكن أن

٢١٧

يتجرد منها ؟ والقول بذلك إنما هو خيال محض، وتزييف للحقيقة، وإنكار للضرورة، والشيء متى صادم الواقع، وخالف الفطرة، وشذ عن طباع الناس فانما هو أمر وهمي لا ينبغي أن يصدق أو يلتقت اليه.

لقد ذكرنا في غضون هذا الكتاب بعض الخطوط الرئيسية التي تبتني عليها الفلسفة الشيوعية، وأثبتنا هزالها ومجافاتها لمنطق العلم والواقع، وانها لا تلتقي بأي حال من الاحوال بمصلحة المجتمع ولا بأهدافه، ولكن لا بد لنا مع ذلك أن نبين حالة العامل في ظل أنظمتهم، والى القراء ذلك:

1 - سحق الحريات

لقد بذل الشيوعيون المزيد من الدعايات في البلاد الاسلامية من أن النظام الشيوعي يضمن للعامل حريته وكرامته، ويغدق عليه بالرزق الموفور، والحياة الكريمة، ولكن ذلك لون من ألوان الاضاليل والخداع فان الدولة قد تدخلت في صميم الشؤون العمالية، وسيطرت على نشاطهم المهني فصاروا ملزمين باتباع أوامرها لا إرادة لهم، ولا اختيار، وإنما هم مستعبدون أقنان تتحكم الدولة في جميع شؤونهم لا أثر للحرية، ولا ظل لها في واقع حياتهم، فانها تحصي عليهم أنفاسهم وتحاسبهم على

٢١٨

كل همسة أو خاطر يتنافى مع التعاليم الشيوعية، تحاسبهم بالقتل وتحاسبهم بالاعتقالات والسجون حتى أصبح الشعب باسره مكبلاً بالقيود لا يعرف معنى لحرية الرأي والقول قد اكرهه النظام على طراز الزامي في الحياة والتفكير.

إن استعباد العمال في النظام الشيوعي أمر واضح لا جدال فيه فليس لهم ولا لغيرهم من المواطنين نصيب من الحرية والكرامة، وقد أدلى لينين بذلك بعد قيام الثورة الشيوعية عام (1920) فقال: « نحن لا نستطيع أن نأخذ بآراء المخبولين الذين يطالبون بالحرية فنحن في ظل ديكتاتورية البروليتاريا لا نستطيع أن نمنح المواطنين حريتهم السياسية »(1) .

إن النظام الشيوعي يقوم على سحق الحريات، وهدر الكرامات، وقد صرح لينين بأن القوانين الشيوعية لم توضع لحماية جماهير الشعب، وإنما وضعت لحماية الدولة فقال:

« يقع كثير من الناس في خطأ فاحش هو الاعتقاد بأن القوانين يجب أن تحمي الحريات ونحن نرد على هؤلاء البلهاء قائلين: بأن القوانين لا توضع لحماية الحريات، وإنما توضع

____________________

1 - النظام الشيوعي.

٢١٩

لحماية الدولة »(1) .

إن الشعب الذي يعيش من دون حرية انما يعيش عيشة السجين والمعتقل فالحرية كالهواء للرئة لا تستقيم الحياة ولا تطيب بدونها.

ان الاستعباد يسير مع الحكم الشيوعي جنباً الى جنب فلا يسمح للفرد بالتعبير عن حقه كما لا يسمح له أن ينال ما يريده إلا بسماح الدولة، كما لا يمكن أن تطبع صحيفة أو مجلة ما لم تقم الدولة بالاشراف عليهما يقول (مسيمو): « انه لا وجود عندهم لحرية القول أو لحرية الاجتماع، ولا لأي إجراءات تمكن المواطنين من ممارسة أية رقابة على السلطات العامة، والخطب التي تمثل رأي جانب واحد تأخذ عندهم مكان المناقشات العامة. فحكومة الاقليات الصغيرة التي تتألف من الهيئة التنفيذية للحزب الشيوعي لا تدير شؤون الدولة فحسب بل تمتد سلطتها الى إرادة دفة الاقتصاد والتعليم فهم يتحكمون في النشاط الديني والثقافي، وفي أوقات الفراغ، وهم يدعون أنهم يقومون بهذا العمل نيابة عن الشعب مع أنه لا وجود عندهم لانتخابات حرة تمكن الشعب من التعبير عن رغباته

____________________

1 - النظام الشيوعي ص 28.

٢٢٠