أدب الطف الجزء ٨

أدب الطف16%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 355

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 355 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118480 / تحميل: 9619
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ٨

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يسطو فتصعق من بوارقه

وبعزمه كف الردى يسطو

يا روضة الدنيا وبهجتها

ودليلها إن راعها خبط

تقضي ظماً والماء تشربه

عصب الشقا والوحش والرط

الله أكبر أيّ نازلة

بالدين قام بعبئها السبط

سلبت من الدنيا أشعتها

وبها السماء اغتالها الشط

يقضي ابن فاطمة ولا رفعت

سوداء ملؤ إهابها سخط

وهذا نموذج من شعره في الغزل ـ وهذه القطعة من الروضة:

سل عن جوى كبدي لظى أنفاسي

تخبرك عنه وما له من آس

سفك الغرام دمي ولا من ثائر

كمهلهل فيه على جساس

سيان حدّ السيف والمقل التي

بسوادها يبيض شعر الراس

سرّ الهوى أودعت قلبا واثقاً

لولا الدموع وحرقة الأنفاس

سأقول إن عدنا وعاد حديثنا

واها لقلبك من حديد قاسي

ومن غزله قوله:

أهلاً بها بعد الصدود

هيفاء واضحة الخدود

بكر كغصن البان

باكره الصبا بربى زرود

تختال في برد الصبا

أحبب بهاتيك البرود

فسكرتُ في نغماته

وطربت فيه بغير عود

حتى إذا صال الصبا

ح على الدجنّة في عمود

ألوى فقمتُ معانقا

شغفا به جيداً بجيد

مضنى الحشاشة قائلاً

حذر القطيعة والصدود

عُدلي بوصلك وادّكر

يا ظبي ( أوفوا بالعقود )

حتى تريح من الجوى

قلباً به ذات الوقود

فرنا إليّ بمقلة

تصطاد هاصرة الاسود

١٤١

متلفتاً كالريم حلأ

ه الرماة عن الورود

حذر الوشاة فليتهم

فزعوا لقاطعة الوريد

وتذكر العهد القديم

فجاد بالوصل الجديد

ترجم له صاحب الحصون المنيعة ترجمة ضافية وقال: جمع ديوانه بنفسه وبخطه الجيد ويبلغ خمسة عشر الف بيت كله من الرصين المحكم وأكثره في مدايح ومراثي أهل البيتعليهم‌السلام كما ضمّنه مفاكهات ومراسلات مع العلماء من أحبابه والادباء والاشراف من أترابه، أقول وكان الشيخ السماوي يحتفظ بنسخة من الديوان ويقول البعض أنها مستنسخة من نسخة المرحوم الحاج مهدي الفلوجي الحلي، وترجم له الشيخ اغا بزرك الطهراني في ( نقباء البشر في القرن الرابع عشر ) وترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الحلة.

جاء في ( طبقات أعلام الشيعة ) ج 2 صفحة 430: الشيخ حسين الحلي، هو الشيخ حسين بن مصبح الحلي النجفي فاضل جليل. كان من فضلاء عصره في النجف، ويظهر من بعض الخصوصيات أنه كان من الأجلاء. استعار بعض الكتب العلمية في حدود (1240) كما على ظهر ( إثبات الهداة ) في النصوص والمعجزات في مكتبة السيد اغا التستري في النجف، فالظاهر أن وفاته بعد التاريخ، وهو جد الشاعر الشهير الشيخ حسن مصبح الحلي ابن حسين ابن المترجم، المولود في حدود (1246) المتوفى في 1317 ه‍ كما ترجمناه في ( نقباء البشر ) م 1 صفحة 429.

١٤٢

الشيخ محمد نظر علي

المتوفى 1317

قال من قصيدة يرثي بها الحسين (ع):

لهفي لزينب بعد الصون حاسرة

بين اللئام ومنها الخدر مبتذل

تقول وآضيعتا بعد الحسين أخي

من لي وقد خاب مني الظن والأمل

وأخرجوا السيد السجاد بينهم

يساق قسراً وبالاغلال يعتقل

إذا وَنى قنّعوه بالسياط وإن

مشى أضرّ به من قيده ثقل

وقد سروا ببنات المصطفى ذللا

تسرى بها في الفيافي الأنيق البزل

ما بين باكية للخدّ لاطمة

وبين ثاكلة أودى بها الثكل

وبين قائلة يا جدنا فعلوا

بنا علوج بني مروان ما فعلوا

وقال:

يا قلب ذب كمداً لما

قد ناب أبناء النبيّ

أيلومني الخالي بهم

أين الخليّ من الشجيّ

قد جرعتني علقما

أرزاء نهر العلقميّ

أجسامهم فوق الثرى

ورؤوسهم فوق القنيّ

وعقائل المختار تسبى

بعدهم لابن الدعيّ

وحملن من بعد الخدور

سوافراً فوق المطيّ

* * *

هو ابن الشيخ جعفر بن نظر علي، وبجده هذا يعرف بين الحليين فيعبرون عنه ب‍ ( الشيخ محمد بن نظر علي ) ويلقبونه بالمحدث أيضاً لطول باعة وسعة

١٤٣

أطلاعه في علم الحديث، فقد كان ذا إحاطة واسعة بأحاديث النبي وأهل بيته الأطهار خصوصاً ما ورد منها في صحاح الإمامية وما ألف بعدها من الكتب المعتبرة وقد استفاد كثيراً في هجرته من الحلة إلى النجف من منبر العلامة المتأله الشيخ جعفر التستري ومن ثمة اشتهر أمره بالصلاح والورع وحسن الأساليب في مواعظه وخطابته المنبرية، ودرس عنده جماعة منهم الشيخ محمد حسين بن حمد الحلي، وقد ترك جملة من الاثار والمجاميع المخطوطة كان قد دوّن فيها ما وعاه من مشايخه وما انتخبه من أُمهات الكثب في سيرة أهل البيت وآثارهم وقد تلف قسم منها وبقي بعضها عند صهريه على كريمتيه، الأول منهما خطيب الفيحاء الشيخ محمد آل الشيخ شهيب ( والد الدكتور محمد مهدي البصير ) والثاني السيد جعفر ابن السيد محمد حسن آل السيد ربيع ـ من أطباء العيون في النجف ـ وكان المترجم لهرحمه‌الله يحب العزلة ولا يغشى أندية الفيحاء على كثرتها يوم ذاك عدا نادي آل السيد سلمان في عهد المرحوم السيد حيدر وعمه السيد مهدي بن السيد داود لقرب بيته من بيوتهم. وما زال منقطعاً إلى التهجد والاذكار في مسجدهم الواقع تجاه داره وهو المعروف بمسجد ( أبو حواض ). كانت ولادة المترجم له في الحلة سنة 1259 على التقريب ونشأ وتأدب فيها وكان يقضي شهري المحرم وصفر في البصرة للوعظ والارشاد في المحافل الحسينية كغيره من الخطباء فعاد في آخر سنيّ حياته منها وقد أُصيب فيها بمرض الحمى النافضة ( الملاريا ) فلم تمهله إلا أياماً حتى أجاب داعي ربه سنة 1317 ه‍ أو قبلها بسنة، ورثاه جماعة من شعراء الفيحاء الذين كانوا معجبين بفضله ونسكه منهم الأديب الحاج عبد المجيد الشهير بالعطار والشاعر الفحل الحاج حسن القيم ـ فمن قصيدة القيم قوله:

بادرا في بردة النسك أدرجاه

واعقدا اليوم على التقوى رداه

لي بقايا كبد بينكما

بالبكا يا ناظريّ اقتسماه

وهذا الشيخ وان كان ذا موهبة شعرية ولكنه لا ينظم إلا في اهل البيتعليهم‌السلام . ( انتهى عن البلابليات )

١٤٤

الشيخ محمد العوّامي

المتوفى 1318

مصائب عاشورا تهيج تضرمي

فلله من يوم بشهر محرم

بها المجد ينعى مصدر الفيض إذ غدا

بلا قيّم يأوى إليه وينتمى

ومن قصيدة أخرى:

فيا مضر الحمرا ويا أُسد الشرى

ويا غوث مَن يبغي الندا ويريد

وأمنع مَن في الأرض جاراً وجانبا

وأمنتح مَن أمّت اليه وفود

فيا مطعمي الأضياف يوم مجاعة

ويا خير مَن يبنى العلا ويشيد

ويا مخمدي نار الوغى إن تضرّمت

وشبّ إلى الحرب العوان وقيد

وبدر واحد يشهدان لهاشم

ورب السما من فوق ذاك شهيد

ولما بدت من آل حرب ضغائن

لثارات بدر أظهرت وحقود

وأخرجت المولى الحسين مروّعاً

وقد سبقت منكم اليه عهود

فلهفي عليه من وحيد مضيّع

على الماء يقضي وهو عنه بعيد

بني مضر ماذا القعود عن العدا

وفي كربلا مولى الوجود فريد

وكيف بقى ملقى ثلاثاً على الثرى

تواريه من نسج الرياح برود

١٤٥

الشيخ محمد بن عز الدين الشيخ عبد الله العوامي القطيفي. اشتهر بأبي المكارم لمكارم أخلاقه، ولدرحمه‌الله سنة 1255 ه‍ ثالث شهر شعبان وبدت طلائع النبوغ على أساريره ونمت مداركه ومعارفه فأصبح منهلاً ينتهل منه وبحراً يغترف السائلون من عبابه، حج سنة 1317 ه‍ فأبهر الحاج بعلمه وكرمه وسخائه وعطائه، وعندما تشرف بزيارة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستقرّ بالمدينة المنورة فاجأه السقام فمكث أياماً والمرض يلازمه حتى قبضه الله اليه في عصر يوم السابع والعشرين من شهر محرم الحرام سنة 1318 وعمره ثلاث وستون سنة فدفع بالبقيع، وأولاده أربعة كلهم من أهل الفضل، أما آثاره العلمية فهي:

1 ـ أجوبة المسائل النحوية، كتاب مختصر.

2 ـ المناظرات في مسائل متفرقة.

3 ـ المسائل الفقهية.

4 ـ ديوان شعره يحتوي على: منظومة في عقائد الاصول، من توحيد وعدل ونبوة وإمامة ومعاد.

شكوى وعتاب:

ترجمت في هذه الموسوعة بأجزائها الثمانية لمجموعة كبيرة من ادباء البحرين والاحساء والقطيف ممن كانوا في زوايا النسيان ذلك لأن بلاد البحرين من أقدم بلاد الله في العلم والأدب والتشيع لأهل البيت وعريقة في الشعر. وأمامنا ردم من القصائد لم نقف بعد على ترجمة أربابها وكم كتبنا واستنجدنا بعلمائها وادبائها ليزودونا بمعلومات عن تراثهم وحياة أسلافهم، ولكن لا حياة لمن تنادي.

١٤٦

الشيخ حسن القيِّم

المتوفى 1318

قال يرثي الامام الحسين (ع):

إن تكن جازعاً لها أو صبورا

فلياليك حكمها أن تجورا

تصحبنك الضدين ما دمت حياً

نوبا تارة وطوراً سرورا

ربما استكثر القليل فقير

وغنيٌ بها استقل الكثيرا

فكأن الفقير كان غنياً

وكأن الغني كان فقيرا

فحذاراً من مكرها في مقام

ليس فيه تحاذر المحذورا

نذرت أن تسيء فعلاً فأمست

في بني المصطفى تقضّي النذورا

يوم عاشور الذي قد أرانا

كل يوم مصابه عاشورا

يوم حفت بابن النبي رجال

يملؤن الدروع بأساً وخيرا

عمروها في الله أبيات قدس

جاورت فيه بيته المعمورا

ما تعرّت بالطف حتى كساها

الله في الخلد سندساً وحريرا

لم تعثّر أقدامها يوم أمسى

قدم الموت بالنفوس عثورا

بقلوب كأنما البأس يدعو

هالقرع الخطوب كوني صخورا

رفعت جرد خيلهم سقف نقع

ألف الطير في ذراه الوكورا

حاليات يرشحن بالدم مرجاناً

ويعرقن لؤلؤاً منثورا

عشقوا الغادة التي أنشقتهم

من شذاها النقع المثار عبيرا

فتلقوا سهامها بصدور

تركوهن للسهام جفيرا

١٤٧

لازموا الوقفة التي قطّرتهم

تحت ظل القنا عفيراً عفيرا

فخبوا أنجماً وغابوا بدوراً

وهووا أجبلا وغاضوا بحورا

من صريع مرمل غسّلته

من دماء السيوف ماء طمورا

ومعرى على الثرى كفنته

أُمّه الحرب نقعها المستثيرا

عفّر الترب منهم كل وجه

علّم البدر في الدجا أن ينيرا

ونساء كادت بأجنحة الرعب

شظايا قلوبها أن تطيرا

قد أداروا بسوطهم فلك الضرب

عليهنّ فاغتدى مستديرا

صرن في حيث لو طلبن مجيراً

بسوى السوط لم يجدن مجيرا

لو يروم القطا المثار جناحاً

لأعارته قلبها المذعورا

يا لحسرى القناع لم تلف إلا

آثماً من أمية أو كفورا

أوقفوها على الجسوم اللواتي

صرن للبيض روضة وغديرا

فغمرن النحور دمعاً ولو لم

يك قانٍ غسلن تلك النحورا

علّ مستطرقاً يرى الليل درعاً

وعلى نسجه النجوم قتيرا

يبلغن المهديّ عني شكوى

قلّ في أنها تضيق الصدورا

قل له إن شممت تربة أرض

وطأت نعله ثراها العطيرا

وتزودت نظرة من محيّا

تكتسي من بهائه الشمس نورا

قم فأنذر عداك وهو الخطاب

الفصل أن تجعل الحسام نذيرا

كائناً للمنون هارون في البعث

لموسى عوناً له ووزيرا

قد دجا في صدورهم ليل غي

فيه يهوى نجم القنا أن يغورا

أو ما هزّ طود حلمك يوم

كان للحشر شره مستطيرا

يوم أمسى الحسين منعفر الخد

ين فيه ونحره منحورا

أفتديه مخدّراً صار يحمي

بشبا السيف عن نساء الخدورا

ليس تدري محبوكة الدرع ضمّت

شخصه في ثباته أم ثبيرا

١٤٨

أعدت السيف كفه في قراها

فغدا في الوغى يضيف النسورا

صار موسى وآل فرعون حرباً

والعصى السيف والجواد الطورا

وأصريعاً بثوب هيجاء مدرو

جاً وفي درع صبره مقسورا

كيف قرت في فقد مسكنها الأر

ض وقد آذنت له أن تمورا

وقضى في الهجير ظام ولكن

بحشى حرها يذيب الهجيرا

صار سدراً لجسمه ورق البيض

ونقع الهيجا له كافورا

أحسين تقضي بغير نصير

مستظاماً فلا عدمت النصيرا

بأبي رأسك المشهرّ أمسى

يحمل الرمح منه بدراً منيرا

* * *

الشيخ حسن ابن الملا محمد القيّم الحلي أحد نوابغ عصره. كان شاعراً بارعاً من اسرة كانوا قوّاماً في بعض المشاهد فلذلك لقّب بالقيّم، في شعره يحذو حذو المهيار ويعارض قصائده. كان أبوه أيضاً شاعراً خفيف الروح. والشيخ حسن القيم عارض قصيدة المهيار التي أولها:

لمن الطلول كأنهنّ رقوم

تصحو لعينك تارة وتغيم

بقصيدة شهيرة يرويها أكثر خطباء المنبر الحسيني وأولها:

عطن بذات الرمل وهو قديم

حنّت بواديه الخماص الهيم

ولد سنة 1278 ه‍ فاحتضنه أبوه، وهو يومئذ استاذ الخطابة في بغداد والحلة، حتى إذا نشأ وترعرع كان السيد حيدر الحلي، والشيخ حمادي نوح من أوائل مَن تلقفوه وتعاهدوا ملكاته الأدبية. ثم كان له من حانوته الضيق الذي إذا أراد أن يدخله ينحني مع شدة قصره وضآلة جسمه ما يغنيه عن أن يمدّ يد الارتزاق لأحد، حيث احترف فيه حياكة المناطق الحريرية المعروفة ب‍ ( الحُيُص ) ولعلّ هذه المهنة المتواضعة هي الباعث على الاعتقاد بأنه أُميّ لا يقرأ ولا يكتب رغم أن الشيخ محمد علي اليعقوبي يعلق على هذا الزعم بقوله:

١٤٩

وقد رأينا كثيراً من مسودات قصائده بخط يده عند ولده المرحوم عبد الكريم ولقد توفق الاستاذ الخطيب الشيخ اليعقوبي لجمع وتحقيق ديوان الشاعر القيم ونشره في مطابع النجف الأشرف سنة 1385 ه‍ وعثرت أخيراً على مخطوطة للخطيب السيد عباس البغدادي وفيه مرثية نظمها شاعرنا في رثاء سيدة من آل القزويني في سنة 1317 ويعزي العلامة الكبير السيد محمد القزويني قال:

هي نفس تقدست فحباها

محض تقديسها عُلا لا يُضاهى

كيف منها الردى استطاع دنواً

وبأسد الشرى يُحاط خباها

يا لنفس لها نفائس أوصاف

بها الله للملائك باهى

سكنت خدرها المنيع إلى أن

سكنت خير مرقد واراها

فهب اللحد في ثراه طواها

أفهل يستطيع طيّ علاها

شكرت أجرها صحيفتها الملآى

بما قدمت فيا بشراها

فمضت والعفاف يتبعها بالنوح

والنسك ثاكلا ينعاها

يا خطوب الزمان إن خلت أن لا

عاصم اليوم للعلى من أساها

فقد استعصمت ببأس ( أبي

القاسم ) من كل معضل يغشاها

بدر علم وطودُ حلم ولجيّ

صفات جلّت فلا تتناهى

نير المحتد الذي تتجلى الشمس

فيه فيستشف ضياها

طاهر البرد معدن الرشد سامي

المجد غوث الأنام في بأساها

فالقوافي بنعته انشقتنا

نفحات يحيى النفوس شذاها

جمع الله فيه شمل المعالي

وأعزّ الاله فيه حماها

سادة العالمين آل معز الدين

فيكم سمت شريعة طه

فبكم تكشف الحوادث عنا

وتنال النفوس أقصى مُناها

ولنا تُرسل السحائب من أنملكم

حفّلا يفيض نداها

والينا شوارق العلم منكم

تتجلّى فنهتدي بهداها

١٥٠

وجميل اصطباركم بشّر الله

به الصابرين في أُخراها

قدس الله تربة عطّرتها

بنت خير الورى بنشر تقاها

لا عداها صوب الغوادي لأني

قلت أرخ ( صوب الغوادي سقاها )

وفي المخطوطة قصيدة اخرى يرثي بها السيد علي الموسوي ويعزي ولده السيد عباس الخطيب سنة 1316 وأولها:

تخطّى الردى في فيلق منه جرار

اليه فأخلى أُجمة الأسد الضاري

كتب عنه الدكتور البصير في مؤلفه ( نهضة العراق الأدبية في القرن التاسع عشر ) فقال: أخبرني شاهد عيان ثقة أن حانوته الصغير كان ندوة أدب خطيرة الشأن ـ ذلك لأنه كان يطلع تلاميذه من صغار الحاكة على خير ما يقرأ وخير ما ينظم ويرشدهم الى ما في هذا كله من سحر وجمال وفن وصناعة. وكان عارفو فضله من أهل العلم والأدب يختلفون إلى حانوته دائماً يستمتعون بحديثه العذب وأدبه الغض.

توفيرحمه‌الله سنة 1319 ولم يتجاوز الخامسة والأربعين. أما صفاته فقد كان أبيّاً وفياً ذكيّ القلب خفيف الروح بارع النكتة شديد التأمل في شعره كثير التنقيح له، قرض الشعر وهو عامل بسيط فلم تحدثه نفسه في يوم من الأيام أن يتخذه وسيلة لجرّ المغانم وكسب الجوائز ولو أراد هذا لكان ميسوراً سهلاً، ولكنه أبى إلا أن يصطنع الأدب للأدب وأن يقرض الشعر للشعر. ولذلك كان شعره رثاءً لأهل البيت أو غزلاً أو تهنئة لصديق أو مديحاً أو رثاء له، أو نكتة تستدعيها مناسبة طريفة، وللتدليل على ذلك نذكر إحدى طرفه وذلك أنه عاده في مرضه جمع من الأصدقاء وجاء أحد الثقلاء يهمّه أن يتكلم ولا يهمه أن يكون كلامه مفيداً ام غير مفيد مقبولاً أم غير مقبول، فأكثر من الهذيان إلى أن قال: أكثر ما يؤذيك شدّة الحر ـ وكان الفصل صيفاً ـ فأجابه شاعرنا قائلاً: وكثرة الهذيان.

١٥١

ومن درره هذه المرثية الحسينية التي أشرنا اليها:

عطن بذات الرمل وهو قديم

حنت بواديه الخماص الهيم

وتذكرت بالأنعمين مرابعاً

خضر الأديم ونبتهن عميم

أيام مرتبع الركائب باللوى

خضل وماء الواديين جميم

ومن العذيب تخب في غلس الدجى

بالمدلجات مسومات كوم

والركب يتبع ومضة من حاجر

فكأنه بزمامها مخطوم

سل أبرق الحنّاء عن أحبابنا

هل حيهم بالأبرقين مقيم

والثم ثرى الدار التي بجفونها

يوم الوداع ترابها ملثوم

واحلب جفونك ان طفل نباتها

عن ضرع غادية الحيا مفطوم

عجباً لدار الحي تنتجع الحيا

وأخو الغوادي جفني المسجوم

ومولّع باللوم ما عرف الجوى

سفهاً يعنف واجداً ويلوم

فأجبته والنار بين جوانحي

دعني فرزئي بالحسين عظيم

أنعاه مفطور الفؤاد من الظما

وبنحره شجر القنا محطوم

جمّ المناقب منه يضرب للعلا

عرق بأعياص الفخار كريم

فلقد تعاطى والدماء مدامة

ولقد تنادم والحسام نديم

في حيث أودية النجيع يمدّها

بطل بخيل الدارعين يعوم

يغشى الطريد شبا الحسام ورأسه

قبل الفرار أمامه مهزوم

لبّاس محكمة القتير مفاضة

يندق فيها الرمح وهو قويم

يعدو وحبات القلوب كأنها

عقد بسلك قناته منظوم

ومضى يريد الحرب حتى أنه

تحت اللواء يموت وهو كريم

واختار أن يقضي وعمّته الضبا

فيها وظِلته القنا المحطوم

وقضى بيوم حيث في سمر القنا

قِصدٌ وفي بيض الضبا تثليم

ثاوٍ بظل السمر يشكر فعله

في الحرب مصرعه بها المعلوم

١٥٢

فدماؤه مسفوكة وحريمه

مهتوكة وتراثه مقسوم

عجباً رأى النيران بابن قسيمها

برداً خليل الله ابراهيم

وابن النبي قضي بجمرة غلة

منها يذيب الجامدات سموم

وكريمة الحسبين بابن زعيمها

هتفت عشية لا يجيب زعيم

هتكوا الحريم وأنت أمنع جانباً

بحميةٍ فيها تصان حريم

ترتاع من فزع العدو يتيمة

ويأن من ألم السياط يتيم

تطوي الضلوع على لوافح زفرة

خرساء تقعد بالحشا وتقوم

في حيث قدر الوجد يوقد نارها

ملؤ الجوانح زفرة وهموم

فتعج بالحادي ومن أحشائها

جمعت شظايا ملؤهن كلوم

إما مررت على جسوم بني أبي

دعني ولولوث الأزار أقيم

وأرواح ألثم كل نحرٍ منهم

قبلي بأفواه الضبا ملثوم

وأشمّ من تلك النحور لطائماً

فيهن خفاق النسيم نموم

وبرغمهم أسري وأترك عندهم

كبداً ترف عليهم وتحوم

أنعى بدوراً تحت داجية الوغى

يطلعن فيها للرماح نجوم

أكل الحديد جسومهم ومن القنا

صارت لأرؤوسهم تنوب جسوم

ماتوا ضرباً والسيوف بوقفة

فيها لأظفار القنا تقليم

ومشوا لها قدماً وحائمة الردى

لهم بأجنحة السيوف تحوم

وقضوا حقوق المجددون مواقف

رعفت بهنّ أسنة وكلوم

* * *

١٥٣

وله في الامام الحسينعليه‌السلام :

بأيّ حمى قلب الخليط مولع

وفي أي واد كاد صبرك ينزع

وقفن بها لكنها أيّ وقفة

وجدن قلوباً قد جرت وهي ادمع

ترجّع ورقاء الصدى في عراصها

فتنسيك مَن في الأيك باتت ترجّع

مضت ومضى قلب المشوق يؤمها

فلا نأيها يدنو ولا القلب يرجع

فأسرعت دمعي فيهم حيث أسرعوا

وودعت قلبي فيهم حيث ودعوا

كأن حنيني وانصباب مدامعي

زلازل إرعاد به الغيث يهمع

جزعت ولكن لا لمن كان ركبهم

ولولاك يوم الطف ما كنت أجزع

قضت فيك عطشى من بني الوحي فتية

سقتها العدى كأس الردى وهو مترع

بيوم أهاجوا للهياج عجاجة

تضيّع وجه الشمس من حيث تطلع

بفيض نجيع الطعن والسمر شرّع

ويسود ليل النقع والبيض لمّع

بخيل سوى فرسانها ليس تبتغي

وقوم سوى الهيجاء لا تتوقع

تجرد فوق الجرد في كل غارة

حداد سيوف بينها الموت مودع

عليها من الفتيان كل ابن بجدة

يردّ مريع الموت وهو مروع

أحب اليها في الوغى ما يضرها

إذا كان من مال المفاخر ينفع

وما خسرت تلك النفوس بموقف

يحافظ فيها المجد وهي تضيع

تُدفّع من تحت السوابق للقنا

نفوساً بغير الطعن لا تتدفع

كأن رماح الخط بين أكفهم

أراقم في أنيابها السمّ منقع

ولما أبت إلا المعالي بمعرك

به البيض لا تحمي ولا الدرع تمنع

هوت في ثرى الغبرا ولكن سما لها

على ذروة العلياء عزٌ مرفّع

فبين جريح فهو للبيض أكلة

وبين طعين وهو للسمر مرتع

ثوت حيث لا يدري بيوم ثوائها

اصيبت اسود ام بنو الوحي صرّع

فمنعفر خداً وصدر مرضض

ومختضبٌ نحراً وجسم مبضع

١٥٤

كأني بها في كربلا وهي كعبة

سجود عليها البيض والسمر ركع

فيا لوجوه في ثرى الطف غيبت

ومن نورها ما في الأهلة يسطع

ولما تعرّت بالعراء جسومها

كساها ثياباً مجدها ليس ينزع

وظمآنة كادت تروي غليلها

بأدمعها لو كان يروي وينقع

فذا جفنها قد سال دمعاً وقلبها

بكف الرزايا بات وهو موزع

هوت فوق أجساد رأت في هوّيها

حشاشتها من قلبها فهي وقّع

تبيت رزايا الطف تأسر قلبها

وتطلقه أجفانها وهي أدمع

فيا منجد الاسلام إن عز منجد

ويا مفزع الداعي إذا عزّ مفزع

حسامك من ضرب الرقاب مثلّمٌ

ورمحك من طعن الصدور مصدّع

فما خضت بحر الحتف إلا وقد طغى

بهام الأعادي موجه المتدفع

إذا حسرت سود المنايا لثامها

وللشمس وجه للغبار مقنع

ولم أدر يوم الطعن في كل موقف

قناتك ام طير القرى فيه اطمع

فجمعت شمل الدين وهو مفرق

وفرقت شمل الشرك وهو مجمع

إذا لم تفدهم خطبة سيفك اغتدى

خطيباً على هاماتهم وهو مصقع

له شعلة لو يطلب الأفق ضوءها

لأبصرت شمساً لم تغب حين تطلع

ولو كان سمعٌ للصوارم لاغتدى

مجيباً إلى داعي الوغى وهو مسرع

وقفتَ وقد حمّلتَ ما لو حملنَه

الجبال الرواسي أوشكت تتصدع

ورحّبتَ صدراً في امور لو أنها

سرت بين رحب ضاق وهو موسّع

بحيث الرماح السمهريات تلتوي

عليك وبيض المشرفيات تلمع

فلا عجب من هاشم حيث لم تكن

تذب بيوم الطف عنك وتدفع

إذا ضيعوا حتى الوصي ولم تقم

بنصرته فاليوم حقك أضيع

تشيّع ذكر الطف وقعتك التي

بقيت لديها عافراً لا تشيّع

لقد طحنت أضلاعك الخيل والقنا

بجنبك يوم الطعن فيهن ضلّع

١٥٥

فنحرك منحور وصدرك موطأ

ورأسك مشهور وجسمك مودع

إذا لم تضيّع حق عهد جفوننا

عليك فعهد الصبر منا مضيع

وإن جف صوب الدمع باتت قلوبنا

لهن عيون في مصابك تدمع

وإن أدركت بالطف وترك هاشم

فلا المجد منحط ولا الأنف أجدع

تروّي القنا الخطار وهي عواطش

وتشبع ذؤبان الفلا وهي جوّع

تدافع عن خدر التي قد تقنعت

بسوط العدى اذلا حماة تقنّع

أموقع يوم الطف أبقيت حرقة

لها كل آن بين جنبيّ موضع

سأبكيك دهري ما حييت وإن أمت

فلي مقلة عبرى وقلب مفجّع

بنفسي أوصال المكارم واصلت

سيوف العدى حتى انحنت تتقطع

مصارعها في كربلا غير أنها

لها كل آنٍ نصب عينيّ مصرع

* * *

١٥٦

الشيخ محمد سعيد السكافي

المتوفى 1319

يقلّ لدمعي دماً أن يصوبا

وللقلب مني أسىً أن يذوبا

لما قد ألمّ بآل النبي

فأجرى الدموع وأورى القلوبا

ولا مثل يومهم في الطفوف

فقد كان في الدهر يوماً عصيبا

غداة حسين وخيل العدى

تسدّ عليه الفضاء الرحيبا

دعته لينقاد سلس القياد

وتأبى حميته أن يجيبا

فهبّ لحربهم ثائراً

بفتيان حرب تشبّ الحروبا

فمن كل ليث وغىً تتقي

له في الوغى الاسد بأساً مهيبا

وأروع يغشى الوغى باسما

ووجه المنية يبدي قطوبا

فكم ثلمت للمواضي شبا

وكم حطمت للعوالي كعوبا

إلى أن ثوت في الثرى جثّما

تضوّع من نشرها الترب طيبا

وأضحى فريداً غريب الديار

بنفسي أفدي الفريد الغريبا

فراح يخوض غمار الحتوف

ونار حشاه تشبّ لهيبا

وأضحى بجنب العرى عاريا

كسته الأعاصير برداً قشيبا

وسيقت حرائره كالإماء

تجوب حزونا وتطوي سهوبا

ويا رب نادبة والحشى

يكاد بنار الجوى أن يذوبا

أريحانة المصطفى هل ترى

درى المصطفى بك شلواً سليبا

يعز على المصطفى أن يرى

على الترب خدك أمسى تريبا

١٥٧

يعزّ على المصطفى أن يرى

بقاني الدما لك شيباً خضيبا

يعزّ على المصطفى أن يرى

بأيدي العدى لك رحلاً نهيبا

ألانت قناتي يد الحادثا

ت وقد كان عود قناتي صليبا

فهل لليالي بهم أوبة

وهيهات ما قد مضى أن يؤوبا

* * *

الشيخ محمد سعيد الاسكافي ابن الشيخ محمود بن سعيد النجفي الشهير بالاسكافي شاعر مبدع وأديب له شهرته في عصره، ولد في النجف الأشرف 14 رجب 1250 ه‍ ترجم له صاحب الحصون المنيعة نقلاً عن ( كنز الأديب في كل فن عجيب ) تأليف الشيخ أحمد بن الحاج درويش علي الحائري البغدادي المتوفى 1322 فقال: الشيخ محمد سعيد ابن الشيخ محمود الشاعر، الجامع لاشتات المفاخر، كانت لابائه نيابة التولية والنظارة في الحضرة المنورة الحيدرية حينما كان الخازن لها هو المتولي للحكومة السنية في النجف برهة من الزمن وهو الملا يوسف، ثم تغيرت الأحوال بعد وفاة أبيه وابن عم أبيه فصرفت عنهم هذه التولية. توفي والده الشيخ محمود بعد ولادة المترجم له بسنتين وشبّ الصبي وترعرع وتدرج على الأدب والعلم باللغتين الفارسية والعربية ومن أوائل نظمه قوله:

وأخ وفيٌ لا أُطيق فراقه

حكم الزمان بأن أراه مفارقي

بان الأسى مذبان وابيضت أسى

لنواه سود نواظري ومفارقي

ومما يجدر ذكره أنه من اسرة تعرف ب‍ ( آل الحاج علي هادي ) ولم يكن من آل السكافي ( البيت النجفي المعروف ) وإنما يتصل بالقوم من طريق الخؤلة، ومما يتحدث به المعمرون من أسرته التي أشرنا اليها أن أصلهم يرجع إلى الملوك البويهيين الذين ملكوا العراق في غرة القرن الرابع وأنشأوا العمارات الضخمة في النجف وغيرها من العتبات المقدسة، وإذا صحّ ذلك فهم من أقدم البيوت

١٥٨

التي تقطن النجف زهاء الف عام، وتوجد عند بقيتهم صكوك رسمية ( فرامين ) يتوارثونها خلفاً عن سلف قد صودق عليها من قبل الشاهات الصفويين والسلاطين العثمانيين تدل على قدمهم في النجف ورسوخ قدمهم في خدمة الروضة العلوية.

وشاعرنا المترجم له نال هذه الملكة الأدبية بحكما لتربية وأثرها من خاله الذي نشأ في حجره وهو الشاعر المعروف الشيخ عباس بن الملا علي المتوفى سنة 1276 ومن ثمة تجد شاعرنا هذا يسلك في شعره طريقة خاله في الرقة والجزالة وحسن السبك وسرعة البديهة ومن غزله قوله متغزلاً ومتحمساً وقد كتبه بخطه الجيد فانه خطاط مليح الخط قال:

تذكرت عهداً بالحمى راق لي دهرا

فهاجت تباريح الغرام لي الذكرى

وأومض من وادي الغضا لمع بارق

فأذكى لنيران الغضا في الحشا جمرا

فيا حبذا تلك المغاني وإن نأت

وياما أُحيلى العيش فيها وإن مرّا

فيا طالما بالانس كانت أواهلا

وان هي أمست بعد موحشة قفرا

عشية عاطاني المدامة شادن

أغنّ غضيض الطرف ذو غرة غرا

حكى الغصن قداً والجأذر لفتة

وعين ألمها عيناً وبيض الضبا نحرا

فبتنا وقد مدّ الظلام رواقه

علينا وأرخى من جلابيبه سترا

وقد هدأت عنا العيون وهوّمت

سوى أن عين النجم ترمقنا شزرا

من العدل يا ظبي الصريمة أن ترى

وصالي حراماً في الهوى ودمي هدرا

لقد هنت قدراً في هواك وإنني

لأعلى الورى كعباً وأرفعهم قدرا

ويا رب لاح قط ما خامر الهوى

حشاه ولا فاضت له مقلة عبرى

يلوم فلم أرع المسامع عذله

كأن باذني عند تعنيفه وقرا

وهيهات يصغى للملامة وامق

معنّى الحشى مضنى أخو كبد حرى

وقائلة مالي أراك مشمراً

لجوب القفار البيد توسعها مسر

تجوب الفلا أو تركب البحر جاهداً

فلم تتئد أن تقطع البر والبحرا

١٥٩

فقلت لها كفيّ الملامة إنما

هلال الدجى لولا السرى لم يكن بدرا

سأفرى نحور البيد شرقاً ومغربا

وأقطع من أجوازها السهل والوعرا

لأمنية أحظى بها أو منية

فان لم تك الاولى فيا حبذا الاخرى

وللشاعر ديوان جمعه في حياته وروى لنا الأخ الخاقاني في ( شعراء الغرى ) طائفة من روائعه، أقول واختار شاعرنا لنفسه أن يسكن في إحدى المدارس الدينية ويعيش عيشة طلاب العلم الروحيين فقضى شطراً من حياته في مدرسة ( البقعة ) بكربلاء المقدسة حتى استأثرت بروحه الرحمة الالهية وحيداً لا عقب له ودون أن يتزوج وذلك ليلة الاربعاء سلخ ربيع الأول سنة 1319 ه‍ ودفن في صحن الإمام الحسين (ع) وكان عمره 69 عاماً.

ومن رثائه للحسين (ع):

معاهدهم بالسفح من أيمن الحمى

سقاهن وجافّ الغمام إذا همى

وقفت بها كيما أبثّ صبابتي

فكان لسان الدمع عنها مترجما

دهتها صروف الحادثات فلم تدعد

بها أثراً إلا طلولاً وأرسما

بلى إنها الأيام شتى صروفها

إذا ما رمت أصمت ولم تخط مرتمى

وليس كيوم الطف يوم فإنه

أسال من العين المدامع عندما

غداة استفزت آل حرب جموعها

لحرب ابن من قد جاء بالوحي معلما

فلست ترى إلا أصمّ مثقفاً

وأبيض إصليتا وأجرد أدهما

أضلّت عداها الرشد والهدي والحجى

وباعت هداها يوم باعته بالعمى

أتحسب أن يستسلم السبط ملقياً

اليها مقاليد الامور مسلّما

ليوث وغىً لم تتخذ يوم معرك

بها أجماً إلا الوشيج المقوّما

ولم ترض غير الهام غمداً إذا انتضت

لدى الروع مشحوذ الغرارين مخذما

ومذ عاد فرد الدهر فرداً ولم يجد

له منجداً إلا الحسام المصمما

رمى الجيش ثبت الجأش منه بفيلق

يردّ لُهام الجيش أغبر أقتما

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

أم شربة السم إذ دسّت إلى حسن

منها ومن شربها كأس الردى شربا

قد جلّ رزء الزكي المجتبى حسن

لكن رزء حسين قد سمى رتبا

إن قطّع السم منه في حرارته

أحشاه والقلب منه كابد الوصبا

فإن حرّ الظما من صنوه قطع

الأحشاء من حيث قد أذكى بها لهبا

وإن اصيب له في خنجر فخذ

فالسبط بالباترات البيض قد ضُربا

أو صيّرت نعشه حرب لأسهمها

مرمىً ولم يرعووا أو يرعوا النسبا

فإن جسم حسين يوم مصرعه

درية لسهام القوم قد نُصبا

أو أنهم سلبوا منه عمامته

فبعد قتل حسين جسمه سلبا

وإن قضى حسن تلقاء اسرته

فالسبط بات بأرض الطف مغتربا

ومذ قضى حسن ألفت جنازته

التشييع والندبَ حتى أودع التربا

والسبط لما قضى لم يلف من أحد

سوى نساه تصوب الدمع منسكبا

أو دفنه القوم تلقا جدّه منعوا

وغيره جاور المختار مغتصبا

فالسبط عن دفنه أعداءه منعوا

حتى أقام ثلاثاً بالعرى تربا

وإن رآه حسين في الفراش لقىً

وحوله معشر من قومه نجبا

فقد رأى السبط زين العابدين لقى

وآله حوله صرعى بحرّ ربى

وله ثالثة مطلعها:

نقيبة رب المجد للذلّ تسأم

وعيش الفتى بالذلّ عيشٌ مذمم

١٨١

السيد عبد الوهّاب الوهّاب (١)

المتوفى ١٣٢٢

قال يرثي الحسين:

خلت أربع ممن تحبّ وأرسمُ

وأنتَ بها صبٌ مشوق متيّم

أمهما جرى ذكر العذيب وحاجر

بهتّ فلا سمع لديك ولا فم

سقى الوابل الوكاف أكناف حاجر

وأومض ثغر البرق فيهن يبسم

وما كنت أستجدي السحاب لربعها

وسقياه لولا الدمع من أعيني دم

أرقت ولم ترق الدموع ولا خبت

بجنبي نارٌ للجوى تتضرم

ذكرت السيوف الغر من آل هاشم

غدت بسيوف الهند وهي تثلّم

ولم يبق إلا السبط في الجمع مفردا

ولا ناصر إلا حسامٌ ولهذم

لئن عاد فرداً بين جيش عرمرم

ففي كل عضو منه جيشٌ عرمرم

وخيّر بين الموت غير مذمم

عزيزاً وبين العيش وهو مذمم

رمى جمرات الحرب منهم بفتية

ليوث يراع الموت في الحرب منهموا

فصال وصالوا معلمين كأنهم

وهم في ظلام النقع بدرٌ وأنجم

فما يذبلٌ إن هدّ من فوق شاهق

بأدهى على الأعداء منهم وأعظم

فلم يرَ إلا السيف ينثر أرؤساً

على الأرض والرمح الردينيّ ينظم

إلي أن ثووا صرعى على الأرض لم تجد

سبيلاً عليهم للملامة لوّم

__________________

١ ـ السبب في تسمية هذه الاسرة ب‍ ( آل الوهاب ) تيمناً بذكرى شهدائها في الحادثة الوهابية المفجعة، وهي غير آل الوهاب من آل طعمة: الفائزيين.

١٨٢

تساقوا كؤس الموت حتى انثنوا وهم

نشاوى على وجه البسيطة نوّم

قضوا فقضوا حق المعالي أماجداً

بيوم به الاسد الضراغم تحجم

ويصف بسالة الامام الحسين (ع) بقوله:

كأن لديه الحرب إذ شبّ نارها

حدائق جنات وأنهارها دم

كأن المواضي بالدماء خواضبا

لديه أقاح بالشقيق مكمم

كأن لديه السمهريات في الوغى

نشاوى غصون هزهنّ التنسم

مُحّلاً سعى للحرب غير مقصّرٍ

ولكنه عن بارد الماء محرم

بذي شفرة تبكي النحور له دماً

إذا ما تبدى ثغره المتبسم

كأن الحسام المشرفيّ بكفه

عذاب من الجبار يصلاه مجرم

كأن الرماح الخط أقلام كاتب

يخط بها والموت يقضي ويحكم

إلى أن هوى فوق الصعيد فمذ هوى

هوى عمد الدين الحنيف المقوم

هوى ضامياً لم يروَ منه غليله

ومن نحره يروى الحسام المصمم

فراح به ظفر الغواية ضافراً

وعاد به صبح الهدى وهو مظلم

أيدري قسيم النار أن سليله

قضى وهو للارزاء فييء مقسّم

فلهفي لحذر المصطفى بعد نهبه

وسلب أهاليه به النار تضرم

ولهفي لربات الخدور وقد غدت

على خدرها الأعداء بالخيل تهجم

ولهفي لآل الله تسبى حواسراً

ولا ساتر إلا لها الصون يعصم

تكفّ عيون الناظرين أكفّها

ويعصمهم عن أعين الناس معصم

تشاهد رأس السبط فوق مثقف

فينهل منها الدمع كالغيث يسجم

* * *

السيد عبد الوهاب بن علي بن سليمان بن عبد الوهاب من سلالة آل السيد يوسف الموسويين من آل زحيك الحائري الذين هم من سلالة الإمام الكاظم (ع)

١٨٣

ولد في كربلاء سنة ١٢٩١ وتوفي في رمضان سنة ١٣٢٢ بالوباء في ضياع لهم خارج كربلاء ودفن هناك ثم نقل إلى كربلاء ودفن في الرواق الشريف بالقرب من مرقد صاحب ( الرياض ).

ذكره في الطليعة وقال: كان أبوه من خدمة الروضة الحسينية أباً عن جد فطلب هو العلم والفضل والأدب فناله بمدة قليلة ونال ملكة في أغلب العلوم مع تقى ونسك وعبادة ومن شعره ما أنشد نيه من لفظه:

وأغنّ يمنعه الحياء كلامه

فتخاله لا يحسن التكليما

أعطى القلوب بوصله وبصدّه

في حالتيها جنة ونعيما

وقوله مراسلا:

أحباي ما حيلتي فيكم

ولستُ على هجركم صابرا

فكيف السبيل لسلوانكم

وقد عاد لي عاذلي عاذرا

وقوله من ابيات:

أقل من اللوم أو فازدد

فما موردي أمس بالمورد

وما ابيض مفرقه بالمشيب

إلا بيوم النوى الاسود

فلا عذر وابيض منه العذار

إن هام بالرشأ الأغيد

وأذهله عن سؤال الطلول

سؤال المؤمل والمجتدي

أأقنع بالخفض فعل الذليل

وأقعد عن نهضة السيد

لئن أنا لم تعل بي همة

فترقى على هامة الفرقد

لرحت إذاً ورداء العقوق

من امّ المعالي به أرتدي

ولست بواف ذمام العلى

إذا خان قولي فعل اليد

ابا حوا حمى الله في ارضه

وردوا الضلال كما قد بُدي

فمن غادر بعد يوم الغدير

وما غاب عن ذلك المشهد

ومن ملحد خان عهد النبي

والمصطفى بعد لم يُلحد

ترجم له السيد الأمين في الأعيان وذكر طائفة من شعره، وكتب عنه صديقنا سلمان هادي الطعمة في مجلة ( العرفان ) فقال: كان قوي الحجة اشتهر بدراسته لعلم الكواكب وعلم الجفر مضافاً لدراسة الفقه والاصول.

١٨٤

ابن رمضان الاحسائي

المتوفى ١٣٢٣

الحاج علي بن موسى بن رمضان القارئ الاحسائي

قال في الحسين (ع):

باب الهدى الهادي عليٌ ذو التقى

مجري القضا مهما تحدّر وارتقى

من نوره اقتبست مصابيح السما

لما أضا والبدر منه أشرقا

وبدا لموسى منه نور ساطع

بلغ السما لما على الجبل ارتقى

فدعاه وهو مترجم عن ربه

إني أنا الباري فكن بي موثقا

وبسرّه نار الخليل قد انطفت

من بعد ما كانت حريقاً محرقا

منها:

يا قبلة المتهجدين وكعبة

المسترفدين، ومَن تورّع واتقى

فلك العزا والأجر في السبط الذي

لمصابه انصدع الهدى وتفرقا

يا ليت عينك شاهدته بكربلا

عار بلاغسل على البوغا لقى

وبقية الأطهار من أهل العبا

أضحى بجامعة الحديد مطوقا

منها:

يا صفوة الباري الذين ذواتهم

قد وحّدته وآدم لن يخلقا

إن فاتني ادراك نصركم ولن

أحضى به في كربلا وأوفقا

فلأنصرنكم بنشر قصائد

هجرية ما دمت في رسم البقا

أرجو به مع والديّ واسرتي

والمؤمنين الفوز يوم الملتقى

عن مخطوط العلامة الشيخ حسين الشيخ علي القديحي المسمى ب‍ ( نجوم السماء في تراجم علماء وادباء الاحساء ) نقلاً عن مخطوطة لجده راضي بن محمد بن علي، وللشاعر فيها قصائد غير هذه وفي ( الروضة الندية في المراثي الحسينية ) للشيخ فرج آل عمران مرثية اخرى للشاعر نفسه.

١٨٥

السيد علي الترك

المتوفى ١٣٢٤

نهضاً فقد نسيت لُويّ شعارها

فأزل بسيفك عن لويٍّ عارها

هدأت على حسك الردى موتورة

فانهض فديتك طالباً أوتارها

فمتى تقرّ العين طلعتك التي

حسدت مصابيح الدجى أنوارها

ومتى تشنّ على الأعادي غارة

شعواء ترفع للسماء غبارها

ومتى أراك على الجواد مشمراً

تحتَ العجاجة صارماً أعمارها

ومتى تصولُ على الطغاة مطهراً

منها البسيطة ماحياً آثارها

وتحيل ليلَ النقع بالبيض الظبا

صبحاً وليلاً بالقتام نهارها

لا صبرَ يابن العسكري فشرعة ال‍

‍هادي النبي استنصرت أنصارها

هُدمت قواعدها وطاح منارها

فأقم بسيفك ذي الفقار منارها

حتى مَ تصبر والعبيد طغت على

السادات حتى استعبدت أحرارها

وإلى مَ تغضي والطغاة تحكّمت

في المسلمين وحكّمت أشرارها

وبنت على ما أسست آباؤها

من قبل حين تتبعت أخبارها

وبنت على ذاك الأساس امية

غصب الإله ووازرت خمارها

وتواترت بالطف تطلب وترها

عصب الضلال فأدركت أوتارها

ثارت على أبناء آل محمد

في كربلا حتى أصابت ثارها

سلوا سيوف الشرك حتى جدّلوا

فوق الصعيد صغارها وكبارها

١٨٦

نفسي الفداء لاسرة قد أرخصت

دون ابن بنت نبيها أعمارها

ولفتية مضرية حمت العلى

فقضت وما صبغ المشيب عذارها

صامت بيوم الطف لكن صيّرت

عصب الضلالة بالدما إفطارها

ما جاءها الموت الزؤام مقطباً

إلا رثى بوجوهها استبشارها

صيدٌ إذا اشتبكت أنابيب القنا

وأطارت البيض الرقاق شرارها

والخيل تعثر بالجماجم والشوى

والصيد رعباً أشخصت أبصارها

هزوا الردينيات حتى حطّموا

بحشى الكماة طوالها وقصارها

حيث الظبا ترمي العدا جمراً كما

بمنى رمت زمر الحجيج جمارها

خطبوا لبيضهم النفوس وصيّروا

الاعمار مهراً والرؤس نثارها

غرسوا الصوارم بالطلى لكنما

في جنة المأوى جنت أثمارها

ودعاهم داعي القضا لمراتب

قد شاءها الباري لهم واختارها

ركبوا مناياهم ففازوا بالمنى

أبداً وحازوا عزها وفخارها

وهووا على وجه الثرى ونفوسهم

عرجت إذ الباري أحبّ جوارها

ثاوين تحسب أنهم صرعى وهم

بجنان عدن عانقوا أبكارها

وغدا فريد المجد ما بين العدى

فرداً يوبّخ ناصحاً أشرارها

فهناك هزّ من الوشيج مثقفاً

واستلّ من البيض الظبا بتارها

ماضي المضارب ما اكفهرت غارة

إلا تألق ومضه فأنارها

ضاق الفضا حتى انتضى ابن المرتضى

عضباً به لولا القضا لأبارها

وسطا فقل بالليث أصحَر طاوياً

والصقر شدّ على القطا فأطارها

يطفو ويرسب بالالوف بسيفه

ويخوض من لجج الحتوف غمارها

غيران ثقّف بالمثقف أضلعاً

منها وقدّ بذي الفقار فقارها

إن كرّ فرّت منه خيفة بأسه

والخوف يمزج بالعثار فرارها

فكأنه تخذ الكريهة روضة

تزهو ونقع الصافنات غرارها

١٨٧

أو خال مستنّ النزال حديقة

من جلنار والدما أنهارها

ويرى صليل المرهفات غوانيا

أمست تحرك للغنا أوتارها

وكأنما السمر الكعاب كواعبٌ

رقصت لديه ورددت أشعارها

أو أنها أغصان بانٍ هزّها

مرّ النسيم فأطربت أطيارها

لو شاء ما أبقى من الأعداء ديا

راً وعَفى الحسام ديارها

لكن تجلت هيبة الباري له

فهوى كليماً حين آنس نارها

ورأى المنية مذ أتته هي المنى

كالصب شام من الدُما معطارها

فهوى على حرّ الظهيرة بالعرا

واري الحشا وظماه زاد أوارها

لم تروَ غلّة صدره لكنما الا

سياف روت من دماه شفارها

الله أكبر يا لها من نكبة

فقماءَ لم تنسَ الورى تذكارها

الله أكبر يا لها من وقعة

قدحت بأحناء الضلوع شرارها

أيبيت سرّ الكون عارٍ والعدى

في كربلا أجرت عليه مهارها

رضّت صدور بني النبي وصيّرت

ظلماً على صدر الحسين مغارها

صدرٌ به علم الامامة مودع

وبه النبوة أودعت أسرارها

صدر تربّى فوق صدر محمد

تخذته خيل امية مضمارها

وودايع الرحمن صيح برحلها

نهباً ولم ترع الطغاة ذمارها

فتناهبت نوب الدهور فؤادها

وأكفّ شاربة الخمور خمارها

برزت بعين الله تندب ندبها

بمدامع يحكي الحيا مدرارها

وغدت تشوط لهولها مذعورة

مثل الحمائم ضيعت أوكارها

ودنت إلى نحو الغري ونادت ال‍

‍كرار فارس هاشم مغوارها

حامي الحمى طلاع كل ثنية

مقدام كل كريهة مسعارها

هذا حبيبك بالتراب معفر

فيه المنية أنشبت أظفارها

وكرائم التنزيل أضحت كالإما

حسرى تطوف بها العدا أمصارها

١٨٨

سلب العدو سوارها وبسوطه

قد صاغ ـ يا شلّت يداه ـ سوارها

تدعو بهاشمها ولم ترَ منعماً

منهم وتندب فهرها ونزارها

وترى الرؤوس على الرماح وقد علا

رأس الحسين من القنا خطّارها

بأبي رؤوساً طبقت أنوارها

الدنيا وفاقت بالسنا أقمارها

بابي جسوماً وزعت أشلاءها

عصب الضلال مطيعة أمارها

لم ترع فيهم ذمة الهادي ولا

الشهر المحرم إذ قضت أوطارها

ولقد أحلت فيه سفك دمائها

وهو الحرام وحرّمت إقبارها

يا أقبراً شيدت بعرصة كربلا

أضحت ملائكة السما زوارها

حياك خفاق النسيم مواضباً

وحدا اليك من السحاب عشارها

يا عترة الهادي النبي ومن بكم

قبل الاله من الورى استغفارها

أنتم نجاة الخلق إن هي أقبلت

للحشر تحمل للجزا أوزارها

نطق الكتاب بفضلكم وبمدحكم

أهل الفصاحة وشحّت أشعارها

زهت المنابر والمنائر باسمكم

وبمدحكم حدت الحداة قطارها

ولكم مزايا لو أخذت بوصفها

حتى القيامة لم أصف معشارها

فعليكم صلى المهيمن كلما

هزّ النسيم على الثرى أشجارها

وعليكم صلى المهيمن كلما

روة الرواة بفضلكم أخبارها

* * *

١٨٩

السيد علي الترك هو ابن أبي القاسم بن فرج الله الموسوي الشهير ب‍ ( الترك ) خطيب شهير وأديب بارع، ولد في النجف الأشرف عام ١٢٨٥ ونشأ بها بعناية والده العالم الكبير وبعد أن درس المقدمات اختار لنفسه أن يدرس فنّ الخطابة فتدرب على المنبري المعروف الشيخ محمد علي الجابري فعنى بتربيته لما يرى من لياقته ونباهته وحدة ذكائه ونبرات صوته وجلب انتناه الرأي العام اليه بإلمامه بعدة من اللغات كالفارسية والتركية بالاضافة الى العربية. سافر إلى إيران فأقام في طهران في عهد الشاه مظفر الدين القاجاري فحظى عنده وقدمه على مجموعة من الخطباء ومكث هناك اكثر من عامين كان فيها موضع احترام كافة الطبقات ثم قفل راجعاً إلى النجف، وفي عام ١٣٢٤ سافر إلى حج بيت الله الحرام وبعد اداء المناسك وتوجهه من منى إلى مكة في الرابع من عيد الأضحى توفي على اثر انتشار داء الهيضة الذي تفشّى في ذلك العام، قال الشيخ النقدي في ( الروض النضير ) جمع المترجم له مجموعة من الشعر الحسيني لمختلف الشعراء تقع في ثلاثة اجزاء ضخمة، اقول: وخير المخلفات المؤلفات.

* * *

١٩٠

الشيخ علي عَوَض

المتوفى ١٣٢٥

علاقة حبّ لا يخف ضرامها

ودمعة صبٍّ لا يجفّ انسجامها

ومهجة عان لا تزال مشوقة

يزيد على نزر الوصال غرامها

بنفسي الخليط المدلجون لرامة

وما رامة لولاهم ومرامها

فما كنت أدري قبل شدّ حدوجهم

بأن الحشا بين الحدوج مقامها

فمن لي بقلبي أن يقرّ قراره

ومَن لي بعيني أن يعود منامها

فلا عيش في الدنيا يروق صفاؤه

ولم يك عذباً شربها وطعامها

فلو أنها تصفو صفت لابن احمد

وما ناضلته في المنايا سهامها

أتته بنو حرب تجرّ جموعها

مثال الدبى سدّ الفضاء جهامها

فثار لها ابن المرتضى بصفيحة

ذعاف المنايا حدها وسمامها

وأثكل أمّ الحرب أبناءها ضحى

فضجت عراقاها وريعت شئامها

على سابح قد كاد يسبق ظله

ولما تحسّ الوطء منه رغامها

رماها أبو السجاد منه بعزمة

يجبنّ آساد العرين اصطدامها

فأورد أولاها بكاس أخيرها

وخرّت سجوداً طوع ماضيه هامها

هو ابن الذي أودى بمرحب سيفه

وعاث بعمرو مذرءاه حمامها

فكيف يهاب الموت وهو حمامه

ويخشى لظى الهيجاء وهو ضرامها

نعم قد رأى أن الحياة مذلة

وعزته في القتل يسمو مقامها

١٩١

هناك قضى نفسى الفداء لمن قضى

وغلّته لم يطف منها أُوامها

بكته السما والأرض والجن كلها

وناحت له وحش الفلا وحمامها

وكادت له تهوي السماء ومن بها

وتندك غبراها ويهوي شمامها

فيا ثلمة في الدين أعوز سدّها

ويا خطة شان الوجود اجترامها

كرائم بيت الوحي أضحت مهانة

ترامى بها عرض الفلاة لئامها

يسار بها عنفاً على سوء حالة

بها خفرت للمسلمين ذمامها

عفاء على الدنيا غداة أُسرتُم

بني خير مبعوث وانتم كرامها

فلو كان لي صبرٌ لقلتُ عدمته

بلى وقوى عادت هباء رمامها

ولما يفت ثار به الله طالب

ولم تهن الدعوى وانتم خصامها

كأني بداعي الحق حان قيامه

وقد حان منه للطغاة اخترامها

على حين لا وتر يضيع لواتر

وفي كفّ مهديّ الزمان حسامها

فثمّ ترى نهج الشريعة واضحاً

تقشع عنها ريبها وظلامها

فيا خير مَن يرجى لكل عظيمة

إذا خيّب الراجي هناك عظامها

دعوناك في الدنيا لترأب صدعنا

وفي عقبات لا يطاق اقتحامها

بيوم به كل رهين بذنبه

سواء به اذنابها وكرامها

فأنت لنا في هذه الدار منعة

وللنفس في يوم الحساب اعتصامها

* * *

ابو الأمين علي بن حسين بن علي العوضي نسبة إلى آل عوض من اقدم الاسر العربية الحلية، ويصرح المترجم له في شعره ان نسبه يمت بامراء آل مزيد الاسديين ـ مؤسسي الحلة وامرائها في اخريات القرن الخامس إلى اواخر القرن السادس للهجرة، قال الشيخ السماوي في ( الطليعة ): علي بن الحسين من آل عوض الأسدي الحلي كان اديباً شاعراً ظريفاً حلو الحديث الى تقى ونسك وديانة قوية، حاضرته فرأيت منه رجلاً صافي السريرة نقي القلب طاهر

١٩٢

الثوب وراسلني بشعر في المدح وأجبته بمثله ثم ذكر قطعة شعرية من غزله، قال السماوي: وتوفي سنة ١٣٢٥ ه‍ في الحلة ودفن بالنجف، وترجم له الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) وقال: يمتاز شعره بالرقة والعذوبة فمن غزله:

من لي بوصل مهفهف

ينأى على قرب المزار

ذات الوقود بخده

وبجفنه ذات الفقار

قال: وقد وقفت على ديوان شعره الذي جمعه ولده الأكبر الشيخ محمد أمين بعد وفاة والده، وكان يحتفظ به ويبقية آثاره المخطوطة والمطبوعة ولكنها بعد وفاة ولده المذكور بيعت، وللمترجم له رسالة صغيرة بخطه أودعها مقاطيع من شعره وبعض نوادر ( الكوازين ) وغيرهما كتبها باقتراح من العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء في إحدى زياراته الحلة ولا تزال في مكتبته بالنجف ولعلها هي التي أشار اليها شيخنا في ( الذريعة ) ج ٤ / ٦٢ بقوله: تراجم المعاصرين من علماء الحلة للشيخ علي عوض. وذكر في آخرها أن ولادته كانت في الحلة سنة ١٢٥٣ وتوفي كما أخبرني ولده الأمين في ثاني جمادى الثانية سنة ١٣٢٥ ونقل إلى النجف، وهذه قطعة من شعره في الرثاء قالها يرثي بها العلامة الحجة السيد مهدي القزويني:

منك الفراق ومني الوجد والحرق

وشأن شأني عليك الدمع والأرقُ

يا أمن كل حشا كانت مروعة

عليك كل حشا أودى بها الفرق

لأنت واحد هذا العصر إذ عجزت

عن نعتك البلغاء القالة النطق

علامة إن عرت شوهاء مشكلة

كشفتها فكأن الصبح منفلق

كالبدر والبحر في يومي هدى وندى

من كفك السيل أم من وجهك الشفق

يشع من غرة المهدي نور هدى

للمدلجين إذا ما ضمها الغسق

قد كان للركب زاداً حينما نزلوا

ومعقلاً إن تناهى الخوف والرهق

هذي فواضل لا تخفى صنايعها

وذي فضائل لا تغشى وتنمحق

١٩٣

أأستقى لثراك الغيث مجتدياً

وفيه قد حلّ منك الوابل الغدق

بلى سرت من نسيم الخلد نفحتها

فعطّرت منك رمساً كله عبق

ومن نوادره ان جلس يوماً مع الشاعر الذائع الصيت الشيخ صالح الكواز. فعصفت ريح هوجاء أظلمت منها مدينة الحلة، فقال الشيخ صالح مرتجلاً:

قد قلت للفيحاء مذ عصفت

فيها الرياح وبات الناس في رعف

ما فيكِ مَن يدفع الله البلاء به

إن شئتِ فانخسفي أو شئتِ فانقلبي

فقال له شاعرنا العوضي: أيها الشيخ إني نظمت هذين البيتين قبل مدة في مثل هذه العاصفة على غير هذه القافية وأنشد:

قد قلت للفيحاء مذ عصفت

فيها الرياح وبات الناس في رعب

ما فيكِ مَن يدفع الله البلاء به

إن شئت فانخسفي أو شئت فانقلبي

فقال له الكواز: أنت والله قلبتها هذه الساعة.

وله مهنياً العلامة السيد مهدي القزويني بقدوم السيد محمد حسين ابن السيد ربيع من مشهد الامام الرضاعليه‌السلام من قصيدة مطلعها:

هم بالعذيب فثمّ أعذب مورد

وأشرب على ذكر الحبيب وغرّد

ومنها:

هيفاء قد لعب الدلال بقدّها

لعب الشمول بقدّها المتأود

نظرت اليك بمقلة ريم الحمى

وجلت لعينك غرة كالفرقد

أملت عليّ حديثها فحسبته

سلكا وهي من لؤلؤ متنضد

ولقد أغار لنقطة من عنبر

قد حكّمت في خدها المتورد

ولقد تشير بأنمل من فضة

مصبوغة عند الوداع بعسجد

حتى فرغت إلى السلوّ فخانني

فيه الضمير وعزّ ثمّة مسعدي

هل تلكم العتمات ثمّ رواجع

فأنال منها بلغة المتزود

١٩٤

أيام لا صبغ الشبيبة ناصل

منى ولا وصل الحسان بمنفد

فلتلح لوّامي وتكثر حسّدي

وتشي وشاتي، وليجدّ مفندي

أنا ذلك الصب الذي ألف الهوى

قلبي وأعطيت الصبابة مقودي

لا أنثني أو أبلغ السبب الذي

حاولته ولو أنه في الفرقد

وكذا محمد الحسين سرى به

عزم لطوس وهو أكرم مقصد

فيها بأكرم مرقد بلغ الرضا

بلغ الرضا فيها بأكرم مرقد

وغدا يطوف على ضريح كم به

طاف الملائك ركعاً في سجّد

تعنو له صيد الملوك جلالة

ومتى تعد نظراً اليه تسجد

هو ذاك غوث الناس وابن ربيعها

وخضم جود قال للدنيا: رِدي

ساد الأنام بفضله وشآهم

في حلمه، وكذاك شأن السيد

ولكم أجار من الليالي خائفاً

ما زال يرصده الزمان بمرصد

ولكم أسال على الوفود نواله

كمسيل وادٍ بالمواهب مزبد

الطاهر الأعراق مَن شهدت له

أفعاله الحسنى بطيب المولد

من مبلغ عني بشارة رجعة

لجناب ( مهدي ) الزمان محمد

علامة العلماء شمس الملّة الـ

ـغراء غوث الدهرغيث المجتدي

الموقد النار التي بوقودها

قد راح ساري الليل فيها يهتدي

هو ذاك بدر سماء العلاء وإنه

لأبو أماجد كلهم كالفرقد

قلّدته ديني، وقلّد أنعماً

جيدي، فراح مقلِدي ومقلّدي

وقال في قدوم السيد محمد القزويني من الحج سنة ١٢٩٦:

أضاءت ثنيات الغرى إلى نجد

بأبيض طلاع الثنايا إلى المجد

فللذكوات البيض عندي صنيعة

بتجديدها مافات من سالف العهد

أتت بابن ودٍّ لا عدمت وفاءه

سواء على قرب من الدار أو بعد

كريم متى استجديته فاض جوده

عليّ كفيض البحر مداً على مدّ

١٩٥

طليق المحيّا لم تصافح يمينه

يمينك إلا باليسار وبالرفد

له شغف بالمكرمات، وغيره

له شغف لكن بملياء أو دعد

ترقّى لما لم يبلغ الفكر كنهه

ولم تقف الأوهام منه على حد

أتى عرفات بعد ما عرفت له

شميم فخار دونه فائح الند

ونالت مِني فيه المُنى بعدما رمى

جمار الجوى في مهجة الخصم عن قصد

فيا كعبة أضحى يطوف بكعبة

ولا عجب أن يقرن السعد بالسعد

أتتك فريدَ المكرمات فريدة

تهادى بنظم راق من شاعر فرد

أتت والمعاني الغر تبهج لفظها

كما تبهج الأيام في طلعة المهدي

غدت أربع الفيحاء من نشر علمه

كاخلاقه فيحاء بالندّ والورد

فيا عالماً أعيت مذاهب فكرتي

معانيه حتى لا أعيد ولا أُبدي

فدتك اناس أخطأ الرشد رأيهم

وقد علموا معنى الاصابة والرشد

وإن علاً أمسيت بدر سمائها

لتزهر فيها منكم أنجم السعد

نظمت بنيك لغر عقداً لجيدها

وأنت برغم الخصم واسعة العقد

١٩٦

الشيخ حمّادي نوح

المتوفى ١٣٢٥

قال في احدى روائعه في الحسين:

أهاتفة البان بالأجرع

مليّاً بفرع الاراك اسجعي

وأمنا فما ريع سرب القطا

بنافحة الروض من لعلع

يقرّ المقيل لذات الهديل

بدور البليل على المرتع

جزعنا التياعاً ليوم الحسين

فإن كنت والهة فاجزعي

ليوم به انكسف المشرقان

بغاشية الغسق الأسفع

وغودر في الطف سبط الرسول

صريع الظما بالقنا الشرّع

سقى حفراً بثرى كربلا

نمير الحيا غدق المربع

توارت بها أنجم المكرمات

بأدراع غلب هوت صرع

بمصرعها يصدع الحامدون

ثوت والمكارم في مصرع

تعفرها سافيات الرياح

عصفن بآفاقها الأربع

تحف بعاقد أعلامها

وملحقها بالذرى الأرفع

قضى عطشا ولديه الزلال

تدفق عن طافح مترع

فيا ظامياً شكرت فيضه

ظوامي ثرى الخصب الممرع

أيا غادياً بذرى جسرة

متى اتقدت هضب تقطع

أمون تجانب لمع السراب

إذا عبث اللمع بالألمعي

إذا جزت متقّد الحرتين

وشمت سَنا يثرب فاخشع

١٩٧

وقبّل ثرى روضة المصطفى

وصلّ وسلّم ولج واصدع

سقتك العدى يا نبيّ الهدى

بكأس الردى رنق المنقع

أتاحت لأبناك ضنك الفناء

وأفناهم ضنك الموقع

وصمّاء جعجع فيها بنوك

نفوساً على أقتم جعجع

جلتها جسومهم النيرات

ممزقة بالظبا اللمع

هوت وقّعاً من ذرى الصافنات

كأقمار تمٍّ هوت وقّع

تمزّقها شفرات الضبا

بكف ابن رافثة ألكع

وجوه كشارقة الزبرقان

لها السمر منزلة المطلع

تناديك تحت مهاوي السيوف

بآخر صوت فلم تسمع

أُريقت دماك فلم تنتقم

وسيقت نساك فلم تهلع

مروّعة بصدى هجمة

أطارت لها أعين الروع

فأبرزن من خيم أضرمت

بذاكية اللهب المسفع

تشدّ براقعها خيفة

فتغلب قهراً على البرقع

وخائفة فزعت رهبة

فاهوت على جسد المفزع

تلوذ به فتنحي بها

بعنف يدا لُكع أكوع

ومرضعة نحرت طفلها

من القوس نافذة المنزع

تلاقى السما بدما نحره

أفي الله هان دم الرضّع

* * *

وثاكلة صرخت حوله

تناديك عن كبد موجع

أيا جدّ صلّى عليك المجيد

ونلت ثنا الافوه المصقع

حبيبك بين ذويك الكرام

أضاحي منى بتن في موضع

تقلّبها حلبات الخيول

سليبة ضافية المدرع

ومضنى يئنّ بثقل القيود

مشالاً على جمل أضلع

١٩٨

يرى حرم الوحي إن أرسلت

مدامعها بالقنا تُقرَع

أُسارى يكلفهنّ الحداة

رسيما على هزلٍّ ضُلّع

تجشمّها ربوات الفلى

وتحضرها مجلس ابن الدعي

ويُدنى القضيب لثغر الحبيب

فان ضاء مبسمه يقرع

تسرّع فيك ابن مرجانة

فنال المنى أمل المسرع

وساق عيالك سوق الإما

تجوب فلى مربع مربع

أألله يا غضب الأنبياء

لهتك الهدى بضبا الوضّع

* * *

فيا صفوة الله من خلقه

ومن لشفاعتهم مرجعي

أُجلكم أن أزور القبور

وحمل ذنوبي غدا مضلعي

أبى الله يخزي وليّ الكرام

ويدعو بها يا كرام اشفعي(١)

أقول وكأن الشاعر كان متأثراً بقصيدة الشيخ حسن التاروتي القطيفي المتوفى سنة ١٢٥٠ ه‍ ـ والذي كان يعيش من صيد السمك ـ وأولها:

أللراعبية بالاجرع

صبابة وجد فلم تهجع

فجاراه بها وزناً وقافية، ذكرناها في ترجمته صفحة ٣١٠ من الجزء السادس من هذه الموسوعة. وستأتي ـ بعون الله في جزء آتٍ ـ رائعة محمد مهدي الجواهري ـ شاعر العرب اليوم ـ فهي على هذا الوزن والقافية والتي استوحاها من ضريح الإمام الحسينعليه‌السلام ومطلعها:

فداءً لمثواك من مضجع

تبلّج بالأبلج الأروع

وهي من غرر أشعاره.

__________________

١ ـ عن ديوانه المخطوط ـ مكتبة آل القزويني، ولأول مرة تنشر هذه القصيدة بكاملها.

١٩٩

الشيخ حمادي نوح هو أبو هبة الله محمد بن سلمان بن نوح الغريبي الكعبي الأهوازي الأصل الحلي المعروف بالشيخ حمادي نوح والصحيح اسمه ( محمد ) كما كان يوقع. ولد سنة ١٢٤٠ وتوفي في صفر ٢٣ منه سنة ١٣٢٥ بالحلة وحمل إلى النجف الأشرف فدفن فيها فيكون عمره خمسة وثمانين سنة.

والكعبي نسبة إلى قبيلة كعب التي تقطن في الأهواز، أخذ عن السيد مهدي ابن السيد داود الحلي والشيخ حسن الفلوجي ـ الأديب الحلي ـ وخرج إلى الأهواز والجزائر مدة ومنها أصله. وكان يتنسك وأنشأ أوراداً وأذكاراً من الشعر لتعقيبه في الصلاة. وهو شاعر مفلق مكثر طويل النفس وكان أهله بزازين في الحلة وكان هو صاحب حانوت فيها يبيع البزّ ويجتمع اليه الادباء والشعراء يتناشدون أشعارهم وقد أخذ عن المترجم له جماعة، منهم الشيخ محمد الملا، والحاج حسن القيم وابن أخيه الشيخ سلمان نوح، والحاج مهدي الفلوجي. وكان كثير الاعجاب بشعره وإذا أنشده أحد شعراً لغيره نادى: كرب. كرب. أي هذا يشبه كرب النخل، وجلّ ادباء الحلة يرون له فضل السبق والتقدم في صناعة القريض شغوفاً بغريب اللغة وشواردها، مفضلاً لأساليب الطبقة الاولى على الأساليب الحديثة بعيداً عن استخدام البديع والصناعات اللفظية لذلك ترى الغموض غالباً على شعره، ولا يعجبه من الشعراء الأقدمين أحد غير المتنبي ويفضله على شعراء العرب ويتأثر به.

لقد دوّن شعره في حياته وسماه ( اختبار العارف ونهل الغارف ) فجاء في مجلد ضخم يربو على ٥٥٠ صفحة على ورق جيد بخط أحسن الخطاطين في الحلة آنذاك، رتّبه على سبعة فصول: الفصل الأول في الالهيات والعرفانيات، والفصل الثاني الحسينيات وهو ما قاله في أهل البيت عامة، والحسين خاصة مدحاً ورثاءاً ويبلغ ٣١ قصيدة من غرر الشعر، قال الخطيب الأديب الشيخ يعقوب في تقريضه قصيدة منها:

مدحت بني النبوة في قواف

ترددهن ألسنة الرواة

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355