أدب الطف الجزء ٨

أدب الطف16%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 355

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 355 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118213 / تحميل: 9555
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ٨

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

طرف من اخبار شيعة علي عليه‌السلام في سنوات الصلح

عكرشة بنت الأطش :

دخلت عِكرِشة بنت الأطش على معاوية وهي متوكئة على عكاز لها فسلمت عليه بالخلافة ، فقال لها معاوية : هية يا عكرشة الآن صرت أمير المؤمنين؟

قالت : نعم إذ لا عليَّ حيٌّ.

فقال لها معاوية : ألستِ صاحبة الكور المسدول ، والوسط المشدود والمتقلدة بالسيف ذي الحمائل ، وأنت واقفة بين الصفين يوم صفين تقولين :

أيها الناس عليكم أنفسكم ، لا يضركم من ضل إذ اهتديتم إنَّ معاوية دلف إليكم بعجم العرب ، غلف القلوب ، لا يعرفون الإيمان ولا يدرون ما الحكمة ، دعاهم بالدنيا فأجابوه ، واستدعاهم إلى الباطل فلبوه. فالله ، الله عباد الله في دين الله وإياكم والتواكل فإن ذلك نقض عرى الإٍلام وإطفاء نور الحق ، وإظهار الباطل ، وذهاب للسنة.

هذه بدر الصغرى ، والعقبة الأخرى ...

ثم قال : ما حملك على ذلك؟

قالت : يا أمير المؤمنين ، يقول الله ، عز وجل( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) المائدة / 101 ، إنَّ اللبيب إذا كره شيئاً لا يحب إعادته.

قال : صدقت ، اذكري حاجتك.

قالت يا أمير المؤمنين ، إن الله تعالى جعل صدقاتنا على فقرائنا ومساكيننا ، وردَّ أموالنا فينا إلا بحقها ، وإنّا فقدنا ذلك ، فما ينتعش لنا فقير ولا ينجبر لنا كسير ، فإن كان ذلك من رأيك فمثلك من انتبه من الغفلة ، وراجع العقل وإن كان عن غير رأيك فما مثلك من استعان بالخونة ، واستعمل الظلمة.

قال معاوية : يا هذه ، إنه تنوبنا النوائب هي أولى بنا منكم ، من بحور تنبثق ، وثغور تنفتق.

١٢١

قالت : يا سبحان الله ما فرض الله لنا حقاً جعل فيه ضرراً على غيرنا ولو علم جل ثناؤه أنَّ في ما جعل لنا ضرراً على غيرنا لما جعله لنا ، هو علام الغيوب.

قال معاوية :

هيهات يا أهل العراق قد فقهكم علي بن أبي طالب فلن تطاقوا.

ثم أمر لها برد صدقاتها ، وإنصافها ، وضيَّفها ، وأطرفها ، وردها إلى أهلها مكرَّمة.(1)

دارمية الحجونية(2) :

بعث إليها فجيء بها ، فلما رآها قال لها :

كيف حالك يا بنت حام؟ قالت : بخير ، ولست لحام ، ولكني ابنة أبيك ، ولن يضر المرء نسب أمه.

قال : صدقت ، فهل تعلمين لِمَ بعثتُ إليك؟

قالت : يا سبحان الله العظيم ، لا يعلم الغيب إلا الله.

قال : بعثت إليك أسألك علام أحببت علياً وأبغضتني ، وعلام واليته وعاديتني؟

قالت : أو تعفيني يا أمير المؤمنين من ذلك؟!

قال : ما كنت بفاعل ، ولا أعفيك!

قالت : أما إذا أبيتَ عليَّ :

فإني أحببت عليّاً على عدله في الرعية وقسمته بالسوية ،

وأبغضتك على قتالك من هو أولى بالأمر منك ، وطلبك ما ليس لك ،

وواليت علياً على حبه المساكين وإعطائه أهل السبيل وفقهه في الدين وبذله الحق من نفسه ، وما عقد له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الولاية ،

__________________

(1) ابن طيفور ،بلاغات النساء ص 86. ابن عبد ربه ،العقد الفريد ج 1 ص 222 ، ابن بكار الضبي ،اخبار الوافدات من النساء ، مؤسسة الرسالة 1983 م ، ص 37 ، ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج 73 ص 215.

(2) نسبة إلى داروم قلعة بعد غزة للقاص إلى مصر على ساحل البحر نزل بها بنو حام كما يظهر من قول معاوية يا بنت حام والحجون مكان معروف بمكة. كانت دارمية تنزل بها فنسبت إليها. هامش الغدير ج 2 ص 415.

١٢٢

وعاديتك على إرادتك الدنيا ، وسفكك الدماء ، وشقك العصا ...

ثم قال لها معاوية : هل رأيتِ علياً قط؟

قالت : إي والله لقد رأيتُه.

قال : كيف رأيتِه؟

قالت : رأيته شَثِنَ القدم والكف ، لم يعبَ بالملك ، ولم تشغله النعمة.

قال : فهل سمعتِ كلامه؟

قالت : نعم.

قال : كيف سمعتِه؟

قالت : كان يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت الطست من الصدأ.

قالت : صدقت ، هل لك من حاجة؟

قالت : أو تفعل ذلك إذا سألتك؟

قال : نعم.

قالت : تعطيني مائة ناقة حمراء ، وألف راعية من رواعي فحولها وغلمانها.

قال لها معاوية : ما تصنعين بها؟

قالت : اغذوا بألبانها الصغار ، وأُتحِف بها الكبار ، وأُصلح بها بين العرب.

قال : فإن أعطيتِك هل أحلُّ منكِ محلَّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؟

قالت : يا سبحان الله! أو دونه قليلاً؟

فأنشأ معاوية يقول :

إذا لم اجُدْ بالحلم مني عليكم

فمن ذا الذي بعدي يؤمَّل للحلم

خذيها هنيئاً ، واذكري فعل ماجد

حباكِ على حين العداوةِ بالسلم

ثم قال لها : والله لو كان علياً ما أعطاكِ شيئاً.

قالت : لا والله ، ولا وبرة واحدة من مال المسلمين يعطيني.

ثم أمر لها بما سألت ، وردها إلى منزلها مكرمة.(1)

__________________

(1) ابن طيفور ،بلاغات النساء ص 88. وابن عبد ربه ، العقد الفريد ج 1 ص 222 ـ 223. وابن بكار الضبي ،اخبار الوافدات من النساء ص 40.

١٢٣

سودة بنت عمارة الهمدانية :

لما دخلت على معاوية قال لها :

هيه يا ابنة الأشل ، ألست القائلة لأخيك يوم صفين :

شمر كفعل أبيك يا بن عمارة

يم الطعان وملتقى الأقران

وانصر علياً والحسين ورهطه

واقصد لهند وابنها بهوان

إن الإمام أخا النبي محمدٍ

علم الهدى ومنارة الإيمان

فَقِهِ الحتوفَ وسِرْ أمام لوائه

قُدُما بأبيضَ صارم وسنان؟

قالت : بلى يا أمير المؤمنين وما مثلي رغب عن الحق ، واعتذر بالكذب.

قال : فما حملك على ذلك؟

قالت : حب عليّعليه‌السلام ، واتباع الحق.

قال : والله ما أرى عليك من عليِّ أثرا!

قالت : أنشدك الله يا أمير المؤمنين وإعادة ما مضى وتذكار ما نُسِي.

قال : هيهات ما مثل مقام أخيك يُنسى ، وما لقيت من أحد ما لقيت من قومك.

قالت : صدق فوكَ يا أمير المؤمنين ، لم يكن أخي والله ذميم المقام ، ولا خفيَّ المكان هو والله كقول الخنساء :

وإن صخراً لتأتم الهداة به

كأنه علم في رأسه نار

فأطرقت ، ثم قالت : وأنا أسأل يا أمير المؤمنين إِعفائي مما استعفيته.

قال : قد فعلت ، فما حاجتك؟

قالت : يا أمير المؤمنين ، إنك أصبحت للناس سيداً ، ولأمورهم متقلداً والله سائلك عن أمرنا ، وما افترض عليك من حقنا ، ولا يزال يقدم علينا من ينوء بعزك ، يبطش بسلطانك ، فيحصدنا حصاد السنبل ، ويدوسنا دياس البقر ، ويسومنا الخسف ، ويسألنا الجليلة. هذا ابن أرطاة قدم ، فقتل رجالنا ، وأخذ أموالنا ، يقول لي. فوهى بما استعصم بالله منه وألجأ إليه فيه ولولا الطاعة لكان فينا عِز ومِنعَة. فأما عزلته فشكرناك ، وأما لافعرفناك.

١٢٤

فقال معاوية : أبقومك تهددين؟ لقد هممت أن أحملك على قتب أشرس ، فأدركك إليه فينفد فيك حكمه.

فبكت. ثم رفعت رأسها وهي تقول :

صلى الإله على روح تضمَّنَها

فبرٌ فأصبح فيها العدل مدفونا

قد حالف الحق لا يبغي به بدلا

فصار بالحق والإيمان مقرونا

قال : ومن ذلك؟

قالت : علي ابن أبي طالب.

قال : وما علمك به؟

قالت : أتيته في رجل ولاه صدقاتنا ، لم يكن بيننا وبينه إلا ما بين الغث والسمين ، فوجدته قائماً يصلي ، فلما نظر إليّ انفتل من صلاته ثم قال لي برأفة وتعطف : ألك حاجة؟ فأخبرته الخبر. فبكى ثم قال : اللهم أنت الشاهد عليّ وعليهم ، إني لم آمرهم بظلم خلقك ، ولا بترك حقك.

ثم أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجراب ، ثم كتب فيها :

بسم الله الرحمن الرحيم

(قد جاءكم بينة من ربكم :

( أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (86)) هود / 85 ـ 86.

إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك م عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام.

فأخذته والله ، وما خزمه بخزام ، ولا ختمه بطين.

فقال : رحم الله أبا الحسن. أكتبوا لها بالعدل.

قالت : لي خاصة ، أم لقومي عامةً.

قال : ما أنتِ وغيركِ؟

١٢٥

قالت : هي والله إذاً الفحشاء واللؤم إن كان عدلاً شاملاً ، وإلا فأنا كسائر قومي.

فقال :

هيهات يا أهل العراق ، لقد لمظكم علي بن أبي طالب الجرأة على السلطان فبكيء ما تفطمون.

أكتبوا لها ولقومها.(1)

الزرقاء بنت عدي بنت غالب بن قيس الهمدانية :

كتب معاوية إلى عامله بالكوفة أن يوفد إليه الزرقاء بنت عدي الهمدانية مع ثقة من ذوي محارمها وعدة من فرسان قومها فلما دخلت على معاوية قال : مرحبا وأهلا! قدمت خير مقدم قدمه وافد ، كيف حالك؟

قالت : بخير يا أمير المؤمنين أدام الله لك النعمة ، قال : كيف كنت في مسيرك؟ قالت : ربيبة بيت أو طفلا ممهدا ، قال : بذلك أمرناهم ، أتدرين فيم بعثت إليك؟

قالت : أنى لي بعلم ما لم أعلم؟ قال : ألست الراكبة الجمل الأحمر والواقفة بين الصفين [يوم صفين] تحضين على القتال وتوقدين الحرب؟ فما حملك على ذلك؟ قالت : يا أمير المؤمنين مات الرأس وبتر الذنب ، ولم يعد ما ذهب ، والدهر ذو غير ، ومن تفكر أبصر ، والأمر يحدث بعد الأمر ،

قال لها معاوية : [صدقتِ] أتحفظين كلامك؟ [يوم صفين] قالت : لا والله! لا أحفظه ، ولقد أنسيته ،

قال : لكني أحفظه ، لله أبوك! حين تقولين :

أيها الناس! ارعووا وارجعوا ، إن المصباح لا يضئ في الشمس ، ولا تنير الكواكب مع القمر ، ولا يقطع الحديد إلا الحديد ، إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها ، فصبرا يا معشر المهاجرين [والأنصار] على الغصص ، ألا وإن خضاب النساء الحناء وخضاب الرجال الدماء ، ولهذا اليوم ما بعده ، والصبر خير في الأمور عواقبا ، إيها في

__________________

(1) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج 73 ص 168 ـ 169. وابن بكار الضبي ، اخبار الوافدات من النساء ص 67. وابن عبد ربه ، العقد الفريد ، ج 1 ص 218.

١٢٦

الحرب قدما غير ناكصين ولا متشاكسين.

ثم قال لها : والله يا زرقاء! لقد شركت عليا في كل دم سفكه.

قالت : أحسن الله بشارتك وأدام سلامتك! فمثلك بشر بخير وسر جليسه ،

قال لها : أو يسرك ذلك؟ قالت : نعم والله لقد سررت بالخير ، فأنى لي بتصديق الفعل؟

فضحك معاوية ،

وقال : والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له في حياته!

اذكري حاجتك.

قالت : يا أمير المؤمنين آليت على نفسي أن لا أسأل أميرا أعنت عليه أبدا ، ومثلك أعطى عن غير مسألة وجاد من غير طلبة ،

قال : صدقت! وأمر لها وللذين جاؤوا معها بجوائز وكُسا.(1)

أم سنان بنت خيثمة :

روى أحمد بن أبي طاهر : أن مروان حبس غلاما من بني ليث ، فخرجت أم سنان جدته لأبيه إلى معاوية ،

فقال لها : ما أقدمك أرضي وقد عهدتك تشنأينني وتحضين علي عدوي؟

قالت : إن لبني عبد مناف أخلاقا طاهرة وأعلاما زاهرة ، لا يجهلون بعد علم ولا يسفهون بعد حلم ولا يتعقبون بعد عفو ، فأولى الناس باتباع سنن آبائه أنت ،

قال : صدقت نحن كذلك ، فكيف قولك :

عزب الرقاد فمقلتي ما ترقد

والليل يصدر بالهموم ويورد

يا آل مذحج لا مقام فشردوا

إن العدو لآل أحممد يقصد

__________________

(1) ابن عبد ربه ، العقد الفريد ، ج 1 ص 220. وابن طيفور ،بلاغات النساء : ص 49 وأكملناه من البلاغات. انظر ايضا محمد تقي التستري ،قاموس الرجال ، مؤسسة النشر الإسلامي جامعة مدرسين قم 1419 هـ ، ج 12 ص 259 ـ 260. وابن بكار الضبي ،اخبار الوافدات من النساء ص 63 ، وابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج 73 ص 124.

١٢٧

هذا علي كالهلال يحفه

وسط السماء من الكواكب أسعد

هير الخلائق وابن عم محمد

وكفى بذاك لمن شناه تهدد

ما زال مذ عرف الحروب مظفرا

والنصر فوق لوائه ما يفقد

قالت : كان ذلك وأنا لنطمع بك خلفا.

فقال رجل من جلسائه : كيف؟ وهي القائلة :

أما هلكت أبا الحسين فلم تزل

بالحق تعرف هاديا مهديا

فاذهب عليك صلاة ربك ما دعت

فوق الغصون حمامة قمريا

قد كنت بعد محمد خلفا لنا

أوصى إليك بنا فكنت وفيا(1)

قالت يا أمير المؤمنين لسان نطق وقول صدق ولئن تحقق فيك ما ظنناه لحظك الأوفر والله ما أورثك الشنآن في قلوب المسلمين إلا هؤلاء فأدحض مقالتهم وأبعد منزلتهم فإنك إن فعلت ذلك تزدد من الله قربا ومن المؤمنين حبا.

قال وإنك لتقولين ذلك.

قالت يا سبحان الله والله ما مثلك من مدح بباطل ولا اعتذر إليه بكذب وإنك لتعلم ذلك من رأينا وضمير قلوبنا كان والله علي أحب إلينا منك وأنت أحب إلينا من غيرك.

قال ممن :

قالت من مروان ابن الحكم وسعيد بن العاص.

قال وبم استحققت ذلك عندك.

قالت بسعة حلمك وكريم عفوك.

قال وإنهما يطمعان في ذلك.

قالت هما والله لك من الرأي علي مثل ما كنت عليه لعثمان بن عفان رحمه الله تعالى.

__________________

(1) ابن طيفور ،بلاغات النساء ص 79. ابن عبد ربه ،العقد الفريد ، ج 1 ص 221. ومحمد تقي التستري ،قاموس الرجال ج 12 ص 210. وابن بكار الضبي ،اخبار الوافدات من النساء ص 23. وابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج 74 ص 182.

١٢٨

قال والله لقد قاربت فما حاجتك؟

قالت يا أمير المؤمنين إن مروان تبنَّك(1) بالمدينة تبنك من لا يريد منهما البراح لا يحكم بعدل ولا يقضي بسنة يتتبع عثرات المسلمين ويكشف عورات المؤمنين حبس ابن ابني فأتيتته فقال كيت وكيف فألقمه أخشن من الحجر وألعقته أمر من الصبر ثم رجعت إلي نفسي باللائمة وقلت لم لا أصرف ذلك إلى من هو أولي بالعفو منه فأتيتك يا أمير المؤمنين لتكون في أمري ناظرا وعليه معديا.

قال صدقت لا أسألك عن ذنبه ولا عن القيام بحجته اكتبوا لها بإطلاقه.

قالت يا أمير المؤمنين وأنى لي بالرجعة وقد نفذ زادي وكلت راحلتي فأمر لها براحلة موطأة وخمسة آلاف درهم.(2)

أروى بنت الحارث :

قال ابن أبي طاهر طيفور روى ابن عائشة عن حماد بن سلمة عن حميد الطويل عن انس بن مالك قال دخلت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب على معاوية بن أبي سفيان بالموسم وهي عجوز كبيرة.

فلما رآها معاوية قال : مرحبا بك يا خالة! كيف كنت بعدي؟

قالت : كيف أنت يا ابن أختي؟ لقد كفرت النعمة وأسأت لابن عمك الصحبة وتسميت بغير اسمك وأخذت غير حقك ، بلا بلاء كان منك ولا من آبائك في ديننا ولا سابقة كانت لكم ، بل كفرتم بما جاء به محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فأتعس الله منكم الجدود وأصغر منكم الخدود ، ورد الحق إلى أهله ، فكانت كلمتنا هي العليا ، ونبينا هو المنصور على من ناواه ، فوثبت قريش علينا من بعده حسدا لنا وبغيا ، فكنا بحمد الله ونعمته أهل بيت فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون ، وكان سيدنا فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى ، وغايتنا الجنة وغايتكم النار ...

__________________

(1) تبنك : أي تمكن.

(2) أحمد زكي صفوت ،جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ط 1 ، 1352 هـ / 1923 م ، ج 2 ص 379.

١٢٩

ثم قال : يا خالة اقصدي لحاجتك ودعي أساطير النساء عنك.

قالت : تعطيني ألفي دينار وألفي دينار وألفي دينار. قال : ما تصنعين بألفي دينار؟

قالت : أزوج بها فقراء بني الحارث بن عبد المطلب.

قال : هي كذلك ، فما تصنعين بألفي دينار؟

قالت : استعين بها على شدة الزمان وزيارة بيت الله الحرام.

قالت : قد أمرت بها لك ، فما تصنعين بألفي دينار؟

قالت : أشتري بها عينا خرارة في أرض حوارة تكون لفقراء بني الحارث بن عبد المطلب.

قال : هي لك يا خالة ، أما والله لو كان ابن عمك علي ما أمر بها لك!

قالت : تذكر عليا فضل الله فاك وأجهد بلاك! ثم علا نحيبها وبكاؤها ، وجعلت تقول :

ألا يا عين ويحك فاسعدينا

ألا فابكي أمير المؤمنينا

رزئنا خير من ركب المطايا

وجال بها ومن ركب السفينا

ومن لبس النعال ومن حذاها

ومن قرأ المثاني والمئينا

إذا استقبلت وجه أبي حسين

رأيت البدر راق الناظرينا

...

كأن الناس إذ فقدوا عليا

نعام جال في بلد سنينا

فلا والله لا أنسى عليا

وحسن صلاته في الراكعينا

لقد علمت قريش حيث كانت

بأنه خيرها حسبا ودينا

قال : فبكى معاوية! ثم قال : يا خالة لقد كان كما قلت وأفضل.(1)

أم الخير بنت الحريش بن سراقة :

لما قدمت على معاوية قالت : السلام عليك يا أمير المؤمنين.

__________________

(1) ابن بكار الضبي ،اخبار الوافدات من النساء ص 47. وابن عبد ربه ،العقد الفريد ج 1 ص 225. وابن طيفور ،بلاغات النساء ص 27. ومحمد تقي التستري ،قاموس الرجال ، ج 12 ص 181.

١٣٠

فقال : وعليكِ السلام ، وبالرغم منكِ والله دعوتِني أمير المؤمنين.

قالت : يام أمير المؤمنين مَهْ ، فإنَّ بديهة السلطان مدحضة لما يجب علمه.

قال : صدقت. كيف حالك يا خالة؟ وكيف كنت في مسيرك؟

قالت : بخير لم أزل في عافية ، وسلامة حتى أدتني إليك الرِّكاب.

قال : أخبريني كيف كان كلامُك يوم قتل عمار بن ياسر؟

قالت : لم أكن رويته قبل ، ولا درسته بعد ، وإنها كانت كلمات نفثهن لساني حين الصدمة ، فإن أحببت أن أحدث لك مقالاً غيره فعلت.

قال : لا.

ثم التفت إلى أصحابه فقال : أيكم يحفظ كلامها؟

فقال رجل من القوم : يا أمير المؤمنين ، أنا أحفظه كحفظي سورة الحمد.

قال : هاته. قال : نعم ، كأني بها في ذلك اليوم وعليها برد زبيدي كثيف الحاشية ، وهي على جمل ، وبيدها سوط ، وهي كالفحل يهدر في شقشقته ، وهي تقول :

... هلموا ، رحمكم الله إلى الإمام العدل ، والتقيِّ الوفي ، والصدِّيق الوصي إنها إحَن بدرية ، وضغائن جاهلية ، وأحقاد أحدية ، وثب بها معاوية عند الغفلة ، ليدرك بها الفرصة من ثارات بني عبد شمس ثم قالت :( وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) التوبة / 12.

... أيها الناس أفراراً عن ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزوج إبنته ، وأبي سبطيه. خُلق والله من طينته ، وتفرع من نبعته ، وخصه بسره وجعله باب مدينته ، و (علم) بحبه (المؤمنين) ، وأبان ببغضه المنافقين.(1)

__________________

(1) ابن طيفور ، بلاغات النساء ص 52.أقول : في النص (وعلم بحبه المسلمين) ولكنني اخترت لفظة (المؤمنين) حيث ورد في الحديث النبوي (لا يحب عليا منافق ولا يبغضه مؤمن) ابن الاثير ، ، جامع الأصول ، مكتبة الحلواني ـ مطبعة الملاح ـ مكتبة دار البيان 1972 م ، ج 8 ص 494. محمد تقي التستري ، قاموس الرجال ج 12 ص 202. ابن بكار الضبي ،اخبار الوافدات من النساء ص 27. ابن عبد ربه ،العقد الفريد ، ج 1 ص 223. ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج 74 ص 172.

١٣١

أم البراء بنت صفوان بن هلال :

عن جعدة بن هبيرة المخزومي ، قال : استأذنت أم البراء بنت صفوان بن هلال على معاوية ، فأذن لها ، فدخلت في ثلاثة دروع تسحبها قد كارت على رأسها كورا كهيئة المنسف ، فسلمت ثم جلت ، فقال : كيف أنت يا بنت صفوان؟ قالت : بخير يا أمير المؤمنين ، قال : فكيف حالك؟ قالت : ضعفت بعد جلد وكسلت بعد نشاط ،

قال : سيان بينك اليوم وحين تقولين :

يا عمرو دونك صارما ذا رونق

عضب المهزة ليس بالخوار

أسرج جوادك مسرعا ومشمرا

للحرب غير معرد لفرار

أجب الإمام ودب تحت لوائه

وافر العدو بصارم بتار

يا ليتني أصبحت لست بعورة(1)

فأذب عنه عساكر الفجار

قالت : قد كان ذاك يا أمير المؤمنين ومثلك عفا ، والله تعالى يقول : عفا الله عما سلف.

قال : هيهات! أما إنه لو عاد لعدت ، لكنه اخترم دونك ، فكيف قولك حين قتل؟

قالت : نسيته يا أمير المؤمنين.

فقال بعض جلسائه : هو والله حين تقول يا أمير المؤمنين :

يا للرجال لعظم هول مصيبة

فدحت فليس مصابها بالهازل

الشمس كاسفة لفقد إمامنا

خير الخلائق والإمام العادل

يا خير من ركب المطي ومن مشى

فوق التراب لمحتف أو ناعل

حاشا النبي لقد هددت قواءنا

فالحق أصبح خاضعا للباطل

فقال معاوية : قاتلك الله يا بنت صفوان! ما تركت لقائل فقال مقالا ، اذكري حاجتك.

قالت : هيهات بعد هذا! والله لا سألتك شيئا. ثم قامت فعثرت ،

__________________

(1) في كتاب القشلندي ،صبح الاعشى في صناعة الانشا ، دار الكتب العلمية بيروت ، ج 1 ص 308 «لست قعيدة».

١٣٢

فقالت : تعس شانئ علي ، فقال : يا بنت صفوان (زعمت ان لا تعودي إلى ما كنت عليه في أيام علي فما هذا الكلام)(1) .

قالت : هو ما علمت.

فلما كان من الغد بعث إليها بكسوة فاخرة ودراهم كثيرة وقال : إذا أنا ضيعت الحلم فمن يحفظه؟.(2)

ضرار بن ضمرة :

ذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب(3) قال : قال معاوية لضرار الصدائي : يا ضرار صف لي عليا ، قال : اعفني يا أمير المؤمنين ، قال : لتصفنه ، قال : أما إذ لابد من وصفه :

فكان والله بعيد المدى ، شديد القوى ،

يقول فصلا ، ويحكم عدلا ،

يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ،

ويستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل ووحشته ،

وكان غزير العبرة ، طويل الفكرة ،

يعجبه من اللباس ما قصر ، ومن الطعام ما خشن.

كان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، وينبئنا إذا استنبأناه ، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبه له.

يعظم أهل الدين ويقرب المساكين.

لا يطمع القوي في باطله ولا ييئس الضعيف من عدله.

وأشهد اني لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضا

__________________

(1) ما بين القوسين من كتابجواهر المطالب في فضائل الامام علي لاحمد بن علي الدمشقي الباعوني الشافعي ، دانش قم 1415 هـ ، ص 257.

(2) ابن طيفور ، بلاغات النساء : ص 76 ، الباعوني ،جواهر المطالب ، 257 ، القشلندي ،صبح الاعشى ت 871 ج 1 / 308.

(3) ابن عبد البر ،الاستيعاب ، ج 2 ص 52.

١٣٣

على لحيته يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ويقول يا دنيا غري غيري أبي تعرضت أم إلي تشوفت.

هيهات هيهات قد باينتك ثلاثا لا رجعة فيها ، فعمرك قصير وخطرك قليل.

آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.

فبكى معاوية وقال رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟

قال حزن من ذبح ولدها وهو في حجرها.(1)

عدي بن حاتم الطائي :

روى ابن عساكر :

قال : دخل عدي بن حاتم على معاوية وكانت عينه أصيبت يوم الجمل ،

فلما دخل قال له ابن الزبير متى أصيبت عينك يا أبا طريف ،

قال يوم قتل أبوك وضُرِبتَ على قفاك وأنت مولي ،

فضحك معاوية ، وقال له ما فعلت الطرفات يا أبا طريف؟

قال : قُتِلوا.

قال ما أنصفك ابن أبي طالب أن قُتل بنوك معه وبقي له بنوه؟

قال : إن كان ذلك لقد قتل وبقيت أنا من بعده.(2)

__________________

(1) قال ابن أبي الحديد فيشرح نهج البلاغة ج 18 ص 331 : بعد ان أورد وصف ضرار : إن الرياشي روى خبره ، ونقلته أنا من كتاب عبد الله بن إسماعيل بن أحمد الحلبي في «التذييل على نهج البلاغة ، ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج 26 ص 278. أبو نعيم ،حلية الأولياء ، ج 1 ص 126 ، المسعودي ، مروج الذهب ج 2 ص 546 ، ذكر أبو مخنف لوط بن يحيى وغيره من الأخباريين أن الأمر لما أفضى إلى معاوية أتاه أبو الطفيل الكناني فقال له معاوية : كيف وَجدُك على خليلك أبي الحسن. قال : كوجد أم موسى على موسى ، وأشكو إلى الله التقصير. المسعودي ،مروج الذهب ج 3 ص 14 ، قال مُعاوية لأبي الطُّفيل : كيف وَجْدُك على عليّ؟ قال : وَجدُ ثمانين مُثْكِلا ؛ قال : فكيف حُبُّك له؟ قال : حُبّ أم موسى ، وإلى الله أشْكو التَقْصير. ابن عبد ربه ،العقد الفريد ج 3 ص 216.

(2) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 78 ، البلاذري ،انساب الاشراف ج 5 ص 127 ، المسعودي ،مروج الذهب ج 3 ص 7 ، ابن عبد ربه ،العقد الفريد ج 3 ص 215.

١٣٤

وقد روى ابن قتيبة كلام عدي في صفين : قال قام عدي بن حاتم ، فقال : أيها الناس ، إنه والله لو غير علي دعانا إلى قتال أهل الصلاة ما أجبناه ، ولا وقع بأمر قط إلا ومعه من الله برهان ، وفي يديه من الله سبب ...

وقاتل أهل الجمل على النكث ، وأهل الشام على البغي ،

فانظروا في أموركم وأمره ، فإن كان له عليكم فضل ، فليس لكم مثله ، فسلموا له ، وإلا فنازعوا عليه ،

والله لئن كان إلى العلم بالكتاب والسنة إنه لأعلم الناس بهما ،

ولئن كان إلى الإسلام إنه لأخو نبي الله ، والرأس في الإسلام ،

ولئن كان إلى الزهد والعبادة ، إنه لأظهر الناس زهدا ، وأنهكهم عبادة ،

ولئن كان إلى العقول والنحائز إنه لأشد الناس عقلا ، وأكرمهم نحيزة ،

ولئن كان إلى الشرف والنجدة إنه لأعظم الناس شرفا ونجدة.(1)

الأحنف بن قيس :

قال الأحنف بن قيس دخلت على معاوية فقدم لي من الحار والبارد والحلو والحامض ما كثر تعجبي منه ثم قدم لونا لم اعرف ما هو.

فقلت ما هذا؟

فقال مصارين البط محشوة بالمخ قد قلي بدهن الفستق وذر عليه بالطبرزد.

فبكيت فقال ما يبكيك؟

قلت ذكرت عليا بينا أنا عنده وحضر وقت الطعام وإفطاره وسألني المقام فجئ له بجراب مختوم

فقلت ما في هذا الجراب؟

قال سويق شعير.

قلت خفت عليه ان يؤخذ؟ أم بخلت به؟

__________________

(1) ابن قتيبة ،الامام والسياسة ، الشريف الرضي قم 1413 ، ج 1 ص 141.

١٣٥

فقال لا ولا احدهما ولكني خفت ان يلته الحسن والحسين بسمن أو زيت.

فقلت محرم هو يا أمير المؤمنين؟

فقال لا ولكن يجب على أئمة الحق ان يعدوا انفسهم من ضعفة الناس لئلا يطغي الفقير فقره.

فقال معاوية ذكرت ما لا ينكر فضله.(1)

معاوية يطلب من ابن عباس ان يخبره عن عليعليه‌السلام

روى ابن شاذان عن عبد الملك بن عمير ، عن أبيه ، عن ربعي ، عن خراش قال : سأل معاوية ابن عباس قال : فما تقول في علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

قال : أبو الحسنعليه‌السلام علي ، كان والله علم الهدى ، وكهف التقى ، ومحل الحجى ، ومحتد الندا ، وطود النهى ، وعلم الورى ، ونورا في ظلمة الدجى ، وداعيا إلى المحجة العظمى ، ومستمسكا بالعروة الوثقى ، وساميا إلى المجد والعلا ، وقائد الدين والتقى وسيد من تقمص وارتدى ، بعل بنت المصطفى ، وأفضل من صام وصلى ، وأفخر من ضحك وبكى ، صاحب القبلتين ، فهل يساويه مخلوق كان أو يكون.

كان والله كالأسد مقاتلا ولهم في الحروب حاملا على مبغضيه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين إلى يوم التناد.

إيضاح : المحتد بالكسر الأصل ، والندا : العطاء ، والطود الجبل العظيم.(2)

حوار بين معاوية وقيس بن سعد بن عبادة

وقال معاوية لقيس بن سعد : رحم الله أبا حسن ، فلقد كان هشا بشا ، ذا فكاهة.

قال قيس : نعم ، كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يمزح ويبتسم إلى أصحابه ، وأراك تسر حسوا في ارتغاء ، وتعيبه بذلك!

__________________

(1) المرعشي ،شرح إحقاق الحق ، مكتبة المرعشي النجفي قم ، ج 32 ص 261 ، نقلا عن التذكرة الحمدونية للعلامة ابن حمدون ص 69.

(2) شاذان بن جبرئيل القمي ،الروضة في فضائل أمير المؤمنين ، 1423 هـ ، 74.

١٣٦

أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى ، تلك هيبة التقوى ، وليس كما يهابك طغام أهل الشام!(1)

نماذج من أحاديث حملة الحديث من الكوفيين

الذين دخلوا الشام

يعلى بن مرة الثقفي :

يعلى بن مرة بن وهب بن جابر بن عتاب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسي وهو ثقيف أبو المرازم الثقفي ، له صحبة عداده في أهل الكوفة وقيل في أهل البصرة وله بها دار شهد مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم الحديبية وخيبر والفتح وحنينا والطائف وروى عنه أحاديث ت س ق وعن علي بن أبي طالب.

روى عنه أبو قابت أيمن بن ثابت وراشد بن سعد بخ وسعيد بن راشد ت ق ويقال بن أبي راشد مولى آل معاوية وعبد الله بن حفص بن أبي عقيل الثقفي س وابناه عبد الله بن يعلى بن مرة وعثمان بن يعلى بن مرة ت وعطاء بن السائب قد مرسل وعياض أبو أشرس السلمي ومحمد ويقال محمود بن أبي جبيرة والمنهال بن عمرو الأسدي ق مرسل ويونس بن خباب ق كذلك وأبو البختري قد وأبو حفص بن عمرو ت س على خلاف فيه ذكره محمد بن سعد في الطبقة الثالثة من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من ثقيف وقال أسلم وشهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الحديبية وبيعة الرضوان وخيبر وفتح مكة والطائف وحنينا وكان فاضلا.(2)

قال البخاري قال لنا أبو صالح نا معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي قاضي الاندلس ت (158)(3) عن راشد بن سعد الحمصي (ت 114) عن يعلى بن مرة قال خرجنا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فدعينا لطعام قال فإذا الحسين يلعب في الطريق فأسرع

__________________

(1) ابن أبي الحديد ،شرح نهج البلاغة ، ج 1 ص 25.

(2) المزي ،تهذيب الكمال ، مؤسسة الرسالة بيروت 1985 م ، ج 32 ص 398.

(3) كان معاوية بن صالح قد انهزم الى الاندلس من (حمص) مع عبد الرحمن بن معاوية والي الأندلس ، وثقه أحمد بن حنبل وقال ابن عدي هو عندي صدوق. قال الذهبي : قلت لم يحتج به البخاري ، توفي سنة ثمان وخمسين ومائة وكان من أوعية العلم ومن معادن الصدق رحمه الله تعالى.

١٣٧

النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إمام القوم يعني ثم بسط يديه فجعل حسين يمر مرة ههنا ومرة ههنا والنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يضاحكه حتى أخذه فجعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إحدى يديه في ذقنه والأخرى بين رأسه ثم اعتنقه فقبله وقال : حسين مني وأنا منه (من حسين) أحب الله من أحب الحسي (حسين) الحسن والحسين سبطان من الأسباط.(1)

أقول : اما راوي الحديث عن يعلى فهو (راشد بن سعد المقرائي الحبري الحميري) من أهل حمص قال ابن سعد كان ثقة مات سنة 108 وذكره بن حبان في الثقات وقال (مات سنة 13 أي بعد المائة وكذا أرخه أبو عبيد وخليفة والحربي وابن قانع وقد ذكر البخاري أنه شهد صفين مع معاوية).(2) وشهد المقرائي صفين مع معاوية وهو ابن العشرين ، ومن الطبيعي ان يلتقي المقرائي الحمصي مع يعلى بن مرة في سنوا الصلح بين سنة 40 وسنة 50 هجرية.

وليعلى بن مرة روايات أخرى لابد انه قد حدق بها في الشام منها :

ما رواه ابن الاثير عن أبي العباس بن عقدة حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة حدثنا حسن بن زياد عن عمرة بن سعد النصري عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه (عبد الله بن يعلى)(3) عن جده يعلى قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فلما قد عليٌ الكوفة نشد الناس فانتشد له بضعة عشر رجلا فيهم أبو أيوب صاحب منزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وناجية بن عمرو الخزاعي أخرجه أبو نعيم وأبو موسى.(4)

وروى هذا الحديث ابن حجر بترجمة ناجية بن عمرو الخزاعي قال ذرك بن عقدة في كتاب الموالات وأخرج من طريق عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول من كنت مولاه فعلي مولاه فلما قدم

__________________

(1) المزي ،تهذيب الكمال ، ج 32 ص 398.

(2) الزي ،تهذيب الكمال ، ج 3 ص 435 ـ 436.

(3) ابن حبان ،المجروحين ، تحقيق محمود إبراهيم زايد ، دار الوعي حلب ، 1396 ، ج 2 ص 25 عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي يروي عن أبيه عداده في أهل الكوفة روى عنه ابنه عمر بن عبد الله لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد لكثرة المناكير في روايته على أن ابنه واه أيضا فلست أدري البلية فيها منه أو من ابنه.

(4) ابن الاثير ،اسد الغابة ، ج 5 ص 6.

١٣٨

علي الكوفي نشد الناس فانتشدنا له بضعة عشر رجلا منهم أبو أيوب وناجية بن عمرو الخزاعي.(1)

وما رواه ابن عدي قال ثنا محمد بن جعفر بن يزيد المطيري ، ثنا إبراهيم بن سليمان النهمي الكوفي ، ثنا عبادة بن زياد ، ثنا عمر بن سعد ، عن عمر بن عبد الله الثقفي ، عن أبيه ، عن جده يعلى بن مرة الثقفي قال : سمعت ـ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : (من أطاع عليا فقد أطاعني ومن عصى عليا فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا كافر أو منافق).(2)

وما رواه الخطيب البغدادي بسنده عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيهي عن جده. وعن أنس بن مالك قالا : أهدي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم طير ، ما نراه إلا حبارى. فقال : (اللهم ابعث إلي أحب أصحابي إليك يواكلني هذا الطير).(3)

وما رواه ابن حبان وأخرجه عن أبي حاتم بسنده عن أبي يعلى قال : حدثنا سهل بن زنجلة قال : حدثنا الصباح بن محارب عن عمر بن عبد الله بن أبي يعلى بن مرة ع أبيه عن جده «أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم آخى بين الناس وترك عليا آخرهم لا يرى أن له أخا فقال : يا رسول الله آخيت بين الناس وتركتني قال : ولم تراني تركتك؟ لنفسي أنت أخي وأنا أخوك فإن حاجك أحد فقل إني أخو عبد الله ورسوله لا يدعيها أحد بعدك إلا كذاب.(4)

ومنها ما رواه الشوكاني قال وأخرج ابن أبي حاتم عن يعلي بن مرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رأيت بني أمية على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء. واهتم رسول الله صلى الله علي هوآله وسلم لذلك.(5)

__________________

(1) ابن حجر ، الاصابة ، ج 6 ص 401.

(2) ابن عدي ، الكامل في ضعفاء الرجال ، دار الفكر بيروت 1988 م ، ج 5 ص 560 برقم / 1182.

(3) الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج 11 ص 375.

(4) ابن حبان ، المجروحين ، ج 2 ص 91 ـ 92.

(5) الشوكاني ، فتح القدير ، عالم الكتب ، ج 3 ص 240.

١٣٩

وما رواه الحاكم النيسابوري قال : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج الحجازي بحمص ، ثنا بقية بن الوليد عن أبي بكر بن مريم ، عن راشد بن سعد عن أبي ذر قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إذا بلغت بنو أمية أربعين تخذوا عباد الله خولا ومال الله خولا وكتاب الله دخلا».(1)

ومنها : ما رواه عبد الرزاق الصنعاني عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن حفص عن يعلي بن مرة قال اجتمعنا ـ أصحاب علي ـ فقلنا لو حرسنا أمير المؤمنين فإنه محارب ولا نأمن عليه أن يغتال قال فبتنا عند باب حجرته حتى خرج لصلاة الصبح قال فقال ما شأنكم؟ فقلنا له حرسناك يا أمير المؤمنين فإنك محارب وخشينا أن تغتال فحرسناك فقال أفمن أهل السماء تحرسوني أم من أهل الأرض؟ قال فقلنا بل من أهل الأرض وكيف نستطيع أن نحرسك من أهل السماء قال فإنه لا يكون في الأرض شيء حتى يقدر في السماء وليس من أحد إلا وقد وكل به ملكان يدفعان عنه ويكلانه حتى يجئ قدره فإذا جاء قدره خليا بينه وبين قدره.(2)

ورواه ابن عساكر قال ونا أبو داود نا محمد بن بشار نا عبد الرحمن نا زائدة بن قدامة عن عطاء بن السائب عن أبي البختري عن يعلى بن مرة قال كان علي يخرج بالليل إلى المسجد ليصلي تطوعا وكان الناس يفعلون ذلك حتى كان شبث الحروري فقال بعضنا لبعض لو جعلنا علينا عقبا يحضر كل ليلة منا عشرة فكنت في أول من حضر فألقى درته ثم قام يصلي فلما فرغ أتانا فقال ما يجلسكم قلنا نحرسك فقال من أهل السماء قال فإنه لا يكون في الأرض شيء حتى يقضى في السماء وإن علي من الله جنة حصينة فإذا جاء أجلي كشف عني وإنه لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه ليكن ليصيبه.

قال وحدثنا أبو داود نا محمد بن كثير نا همام عن عطاء بن السائب عن يعلى بن مرة قال ائتمرنا أن نحرس عليا كل ليلة عشرة قال فخرج فصلى كما كان يصلي

__________________

(1) الحاكم النيسابوري ،المستدرك على الصحيحين ، ج 4 ص 480. والطبراني ،المعجم الكبير ج 19 ص 897.

(2) عبد الرزاق الصنعاني ،تفسير القرآن ، تحقيق : الدكتور مصطفى مسلم محمد 1989 ، ج 2 ص 332 ـ 333.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

سعته ما بين صنعاء فيه أكواب عدد نجوم السماء »(١) .

الخامس : قال : دليل آخر على إمامة علي ( عليه السلام ) ، يدلّ على ذلك قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « من كنت مولاه فعلي مولاه » والاستدلال بهذا الخبر من وجوه ثلاثة نذكرها بعد أن نذكر جملة من أسانيد هذا الخبر ، ممّا وقع لنا ، ثمّ يدلّ على صحّته :

حدّثنا السيد علي بن أبي طالب فذاه ، قال : أخبرنا الشيخ أبو القاسم علي ابن محمّد الإيراني ، قال أخبرنا السيد الثاير في الله أبو الفضل جعفر بن محمّد ، قال : أخبرنا الناصر للحق علي بن الحسين ( عليه السلام ) ، قال : أخبرنا بشير بن عبد الوهاب ، قال : حدّثنا عبيد الله بن موسى ، قال : حدّثنا كامل بن العلا ، قال : سمعت حبيب بن أبي ثابت يحدّث عن يحيى بن جعدة ، عن زيد بن أرقم ، قال : خرجنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتّى انتهينا إلى غدير خم ، قال : فقام فأمر بدوح ، فجمع في يوم ما أثر علمنا يوم أشدّ منه ، فقام فحمد الله عزّ وجلّ وأثنى عليه ، ثمّ قال : « يا أيّها الناس ، وأنا أوشك أن أدعى فأجيب ، وإنّي تارك فيكم ما إن تضّلوا بعده ، كتاب الله عزّ وجلّ(٢) »(٣) .

السادس : قال : وبهذا الإسناد عن الناصر للحق ( عليه السلام ) قال : أخبرنا محمّد بن علي بن خلف العطّار ، قال : حدّثنا يحيى بن هاشم ، قال : حدّثنا الجارود زياد ابن المنذر الهمداني وفطر بن حليفة المخزومي ، عن أبي الطفيل ، عامر بن واثلة الكناني ، قال : كنّا في الرحبة عند علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قال : فجاء قوم من قبل اليمن فقالوا : السلام عليك يا مولانا ، فقال : « إنّي مولاكم عتاقة » فقالوا :

____________

١ ـ المحيط بالإمامة : ١٨٥ ، مخطوط مصوّر.

٢ ـ المحيط بالإمامة : ٢١٢ ، مخطوط مصوّر.

٣ ـ أقول السقط واضح في هذه العبارة.

٢٢١

لا ، نحن قوم من العرب سمعنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول يوم غدير : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه » قال : فهاجه ذلك فنادى في الناس ، فاجتمعوا حتّى امتلأت الرحبة منهم ، فقام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثمّ قال : « أنشدكم بالله تعالى من شهد يوم غدير خم إلاّ قام ، ولا يقوم رجل يقول(١) إلاّ رجل سمعته أذناه ، ووعاه قلبه » قال : فقام اثنى عشر رجلاً ، ثمانية من الأنصار ورجلان من قريش ، ورجل من خزاعة والآخر لا أدري من هو ، قال : « اصطفّوا » فاصطفّوا ، فقال : « هاتوا ما سمعتم » قالوا : نشهد أنّا أقبلنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حجّة الوداع حتّى إذا كان لغدير خمّ ، نزل وأنزلنا حتّى إذا كان صلوة الظهر خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأمر بسمرات(٢) وقممن ، ثمّ ألقى عليهن ثوباً ، ثمّ نادى الصلاة ، فخرجنا ، وصلّينا معه ، ثمّ إذا انصرف قام فحمد الله عزّ وجلّ ، وأثنى عليه بما هو أهله ، ثمّ قال : « يا أيّها الناس ، إنّي أوشك أن أدعى فأجيب ، وإنّي مسؤل وإنّكم مسؤلون فماذا أنتم قائلون؟ » ثمّ قال : « يا أيّها الناس ، إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وأهل بيتي ، ألا وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، سألت الله عزّ وجلّ ذلك لهما فأعطانيه »(٣) .

أبو الحسن علي بن الحسين بن محمّد الزيديّ :

قال ابن أبي الرجال ( ت ١٠٩٢ هـ ) في مطلع البدور : العلاّمة الكبير رئيس العراق ، حجّة الزيديّة أبو الحسن علي بن الحسين بن محمّد ، شاه شريحان

____________

١ ـ بياض في الأصل.

٢ ـ بياض في الأصل.

٣ ـ المحيط بالإمامة : ٢١٣ ـ ٢١٤ ، مخطوط مصوّر.

٢٢٢

الزيدي ، صاحب المحيط بالإمامة(١) .

قال إبراهيم بن القاسم بن المؤيّد ( ت ١١٥٢ هـ ) في الطبقات : علي بن الحسين بن محمّد ، المعروف بشاه سريحان ، الشيخ العالم أبو الحسن الزيدي ، صاحب المحيط.

ثمّ قال : يروي عن أبيه الحسين بن محمّد ، عن أبي يعلى حمزة بن سليمان ، عن شيخ الزيديّة عبد العزيز بن إسحاق الزيدي البقّال رواية متّسعة ، وعن أبيه عن أبي يعلى ، عن أبي طاهر العنسي ، وعن أبيه ، عن القاضي عبد الجبّار بن أحمد ، عن زيد بن إسماعيل بن محمد الحسني ، عن السيد أبي العبّاس الحسني أحمد بن إبراهيم.

ثمّ قال : والعلاّمة صاحب المحيط ممّن قرأ على أبي الحسن علي بن أبي طالب الملقّب بالمستعين بالله(٢) .

قال عبد الله القاسمي ( ت ١٣٧٥ هـ ) في الجواهر المضيّة : علي بن الحسين بن محمّد المعروف بشاه سريحان ، أبو الحسن الزيدي ، صاحب المحيط بأصول الإمامة ، يروي عن أبيه الحسين ، ولأبيه طرق متّسعة ، وعن السيد أبي طالب الحسني ، عن الشيخ أبي القاسم ، وعن السيد أبي عبد الله يحيى بن الحسين الحسني ، وعن الحسن بن علي الصفّار ، وعن ابن جرير الطبري ، وغيرهم(٣) .

قال عبد السلام الوجيه في أعلام المؤلّفين الزيديّة : علي بن الحسين بن

____________

١ ـ مطلع البدور ٣ : ١٢٩.

٢ ـ طبقات الزيديّة ٣ : ١١١.

٣ ـ الجواهر المضيّة في تراجم بعض رجال الزيديّة : ٦٦.

٢٢٣

محمّد الديلمي ، أبو الحسن الزيدي ، المعروف بشاه سريحان ، من كبار علماء الزيديّة في العراق.

وعدّه من أعلام القرن الخامس(١) .

المحيط بالإمامة :

قال ابن أبي الرجال ( ت ١٠٩٢ هـ ) في مطلع البدور : أبو الحسن علي بن الحسين بن محمّد شاه شريحان الزيدي ، صاحب المحيط بالإمامة ، وله(٢) كتاب حافل في مجلّدين ضخمين أو أكثر على مذهب الزيديّة.

ثمّ قال : وهو كالشرح لكتاب الدعامة للإمام أبي طالب ، وإن كان على غير ترتيبه(٣) .

قال إبراهيم بن المؤيّد ( ت ١١٥٢ هـ ) في الطبقات : علي بن الحسين بن محمّد ، إلى أن قال : صاحب المحيط بأصول الإمامة ، وهو كالشرح لكتاب الدعامة ، وإن كان على غير ترتيبه ، ثمّ قال : قلت : ثمّ رواه الشيخ الإمام أبو الحسين زيد بن علي البيهقي ، وقال في الأصل : قرأ على الفقيه الإمام أبو الحسين زيد بن علي « أعزّه الله » الكتاب من أوّله إلى آخره ، وهو كالشرح لكتاب الدعامة ، وإن كان على غير ترتيبه ، قراءة فهم وضبط ، وكتبه له علي بن الحسين بخطّ يده ، انتهى ، قال القاضي(٤) : هو العلاّمة الكبير رئيس العراق ، وحجّة الزيديّة أبو الحسن صاحب كتاب المحيط بالإمامة ، وهو كتاب حافل

____________

١ ـ أعلام المؤلّفين الزيديّة : ٦٧١.

٢ ـ ( له ) تصحيف من « هو » كما هو نص كلام صاحب الطبقات الآتي في المتن عندما نقل كلام ابن أبي الرجال هذا.

٣ ـ مطلع البدور ٣ : ١٢٩.

٤ ـ هو ابن أبي الرجال صاحب مطلع البدور.

٢٢٤

في مجلّدين ضخمين على مذهب الزيديّة(١) .

نسبه إليه عبد الله القاسمي في كتابه الجواهر المضيّة تحت عنوان ( المحيط بأصول الإمامة )(٢) ، ونسبه إليه أيضاً المؤيّدي في لوامع الأنوار(٣) ، وعبد السلام الوجيه في أعلام المؤلّفين الزيّدية(٤) ، وأحمد الحسيني في مؤلّفات الزيديّة(٥) كلّهم تحت عنوان المحيط بالإمامة.

قال مجد الدين المؤيّدي في اللوامع : وأروي كتاب المحيط بالإمامة بالأسانيد السابقة إلى الإمام الحجّة عبد الله بن حمزة ( عليهما السلام ) ، قال في الشافي : ونحن نروي كتاب المحيط بالإمامة عن مشايخنا ، عن القاضي جعفر بن أحمد ، عن زيد بن الحسن البيهقي ، عن المؤلّف. قلت : عموم عبارة الإمام ( عليه السلام ) تفيد أنّه يرويه عن جميع مشايخه ، فأمّا عن الشيخ محيي الدين القرشي ( رضي الله عنه ) فأنا مطلّع على روايته له عنه.

ثمّ قال : وقد اختصرت أخباره في مؤلّف لطيف سمّيته : منهج السلامة في أخبار المحيط بالإمامة ، وقد سبق الكثير من أخباره(٦) .

____________

١ ـ طبقات الزيّدية ٣ : ١١١.

٢ ـ الجواهر المضيّة : ٦٦.

٣ ـ لوامع الأنوار ٢ : ٣٣.

٤ ـ أعلام المؤلّفين الزيّدية : ٦٧٢.

٥ ـ مؤلّفات الزيديّة ٢ : ٤٣٤.

٦ ـ لوامع الأنوار ٢ : ٣٣ ، ٣٤.

٢٢٥
٢٢٦

حديث الثقلين عند الزيديّة

القرن السادس الهجري

٢٢٧
٢٢٨

مؤلّفات المتوكّل على الله أحمد بن سليمان ( ت ٥٦٦ هـ )

( ٤١ ) حقائق المعرفة

الحديث :

الأوّل : قال : وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني ، أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(١) .

الثاني : قال : وأيّ حجّة أتمّ من كتاب الله ، وإجماع أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي » ، الخبر(٢) .

الثالث : قال : ومن سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما نورده : فإنّه روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنّه قال : « تركت فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم به لن تضّلوا من بعدي : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(٣) .

الرابع : قال : وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي »(٤) .

____________

١ ـ حقائق المعرفة : ٣٥ ، مخطوط مصوّر.

٢ ـ حقائق المعرفة : ٧٦ ، مخطوط مصوّر.

٣ ـ حقائق المعرفة : ٢٩٠ ، مخطوط مصوّر.

٤ ـ حقائق المعرفة : ٢٩٢ ، مخطوط مصوّر.

٢٢٩

الخامس : قال : وقال الحسن بن علي الناصر ( عليه السلام ) من ولد الحسين بن علي ( عليهما السلام ) في عصر الهادي إلى الحقّ ، ثمّ قال : وروي عنه ( عليه السلام ) : أنّ أصناف الرعيّة ، إلى أن قال : فإنّا نحن تراجمته ، وأولى الخلق به ، وهو الذي قُرن بنا وقرنّا به ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي مخلّف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي »(١) .

السادس : قال : وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(٢) .

السابع : قال : فصل في الكلام في الفرقة الناجية ، فإنّه روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنّه قال في خطبة الوداع : « أيّها الناس ، إنّي أمرء مقبوض ، وقد نعيت إليّ نفسي ، وستفترق أمّتي من بعدي على ثلاث وسبعين فرقة كلّها هالكة إلاّ فرقة واحدة » فلمّا سمع منه ذلك ضاق به المسلمون ذرعاً ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي : كتاب الله وعترتي ، أهل بيتي إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا على الحوض » ، والأمّة مجمعة على صحّة هذا الخبر ، وكلّ فرقة من فرق الإسلام تتلقّاه بالقبول(٣) .

المتوكّل على الله أحمد بن سليمان :

قال عبد الله بن حمزة ( ت ٦١٤ هـ ) في الشافي : الإمام الأجلّ المتوكّل

____________

١ ـ حقائق المعرفة : ٣٠٠ ، مخطوط مصوّر.

٢ ـ حقائق المعرفة : ٣٠٩ ، مخطوط مصوّر.

٣ ـ حقائق المعرفة : ٣١٨ ، مخطوط مصوّر.

٢٣٠

على الله عزّ وجلّ ، أمير المؤمنين وإمام المسلمين أحمد بن سليمان بن محمّد ابن المطهّر بن علي بن الناصر أحمد بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ابن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب ( عليهم أفضل الصلاة والسلام ) فإنّه قام في أرض اليمن بمدينة صعدة.

ثمّ قال : وظهر أمره ( عليه السلام ) في مخاليف اليمن ، فاستولى على صعدة ونجران وبلاد وادعة وشريف وسمنان وبلاد خولان والجوف والظاهر وصنعا وأعمالها وبلاد مدحج ونواحيها ، وفتح زبيد ، وهي أكبر مدينة من أعمال تهامة ، وأقام في اليمن آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ، داعياً إلى الله سبحانه مجاهداً للظالمين خمساً وثلاثين سنة(١) .

قال حميد المحلّي ( ت ٦٥٢ هـ ) في الحدائق ـ بعد أن ذكر اسمه ونسبه ـ : درس في الأصولين على الفقيه العالم فخر الدين زيد بن الحسن بن علي الخراساني البيهقي.

ثمّ قال : ودرس على الفقيه عبد الله العنسي اليماني الواصل من جهة الجيل والديلم بعلوم أهل البيت ( عليهم السلام ) ، سنة إحدى وخمسمائة ، وعلى الشيخ العالم إسحاق بن أحمد بن عبد الباعث ( رحمه الله ) ، هؤلاء من مشائخ الزيديّة.

ثمّ قال : وله تصانيف جمّة في الأصول والفروع.

ثمّ قال : وكانت له كرامات جمّة تكشف عن فضله وشرفه عندالله عزّ وجلّ.

ثمّ قال : أنشأ دعوته في سنة اثنين وثلاثين وخمسمائة ، إلى أن قال :

____________

١ ـ الشافي ١ : ٣٤٢.

٢٣١

وتوفّي ( عليه السلام ) في شهر ربيع سنة ستّ وستّين وخمسمائة بحيدان من أرض خولان ، وقبره مشهور مزور ، ومولده سنة خمسمائة من الهجرة(١) .

قال الحسن بن بدر الدين ( ت ٦٧٠ هـ ) في الأنوار ـ بعد أن ذكر اسمه ونسبه وكراماته ـ : وكانت ولايته ( عليه السلام ) ثلاثاً وثلاثين سنة ، وأصابه العمى بعد ذلك ، وتوفّي سنة ست وستّين وخمسمائة(٢) .

قال إبراهيم بن المؤيّد ( ت ١١٥٢ هـ ) في الطبقات ـ بعد أن ذكر اسمه ونسبه ومشايخه ـ : وقد سأله جماعة من العلماء أن يصحّح لهم الأخبار التي جمعها في أصول الأحكام ، فأنا أذكر ما خطر عليّ من ذلك : فأمّا كتاب الأحكام فأخذته من الشيخ الأجلّ إسحاق بن أحمد بن عبد الباعث مناولة ، وهو بخطّه ، وأمّا كتاب المنتخب فهو عندي لما كان بخزانة الإمام الناصر أحمد بن يحيى ، وفيه خطوط المتقدّمين من بني الهادي إلى الحقّ ( عليه السلام ) ، وأخذت الشرحين شرح التجريد وتعليق القاضي زيد من طريق الشريف الفاضل أبي محمّد الحسن بن محمّد ـ إلى آخر ما يذكر من الكتب ـ ثمّ قال إبراهيم بن المؤيّد : قلت : وأخذ عنه محيي الدين حميد بن أحمد بن الوليد والقاضي جعفر والقاضي محمّد بن حمزة بن أبي النجم وسليمان بن ناصر صاحب شمس الشريعة وغيرهم ، إلى أن قال : توفّي في شهر ربيع ، وقيل في يوم الخميس خامس شهر ذي الحجّة سنة ست وستّين وخمسماية(٣) .

وقد صنّف سليمان بن يحيى الثقفي ، وهو من أعلام القرن السادس كتاباً

____________

١ ـ الحدائق الورديّة ٢ : ٢١٩.

٢ ـ أنوار اليقين : ٣٥٥.

٣ ـ طبقات الزيديّة ٣ : ١٧.

٢٣٢

جمع فيه سيرة المتوكّل على الله أحمد بن سليمان(١) .

وقد نقلت عن هذه السيرة أكثر المصادر التي ترجمت أحمد بن سليمان.

حقائق المعرفة :

قال حميد المحلّي ( ت ٦٥٢ هـ ) في الحدائق : وله كتاب الحقائق في أصول الدين(٢) .

قال السيد أحمد الشرفي ( ت ١٠٥٥ هـ ) في اللآلي : وللإمام أحمد بن سليمان ( عليه السلام ) مصنّفات كثيرة ، منها : كتاب حقائق المعرفة في أصول الدين(٣) . ونقل عنه في كتابه شفاء صدور الناس(٤) .

ونسبه إليه الحسن بن بدر الدين في أنوار اليقين ، ونقل عنه بعض

____________

١ ـ أعلام المؤلّفين الزيديّة : ٤٧٢.

وانظر في ترجمة المتوكّل على الله أيضاً : كاشفة الغمّة عن حسن سيرة إمام الأمّة : ٣٣ ، ٢٤٣ ، قواعد عقائد آل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) : ٤٠٣ ، مآثر الأبرار في تفصيل مجملات جواهر الأخبار ٢ : ٧٤٨ ، اللآلي المضيّة في أخبار أئمّة الزيديّة ٢ : ٢٢٣ ، المقصد الحسن والمسلك الواضح السنن : ٤٧ ، مطمح الآمال في إيقاظ جهلة العمّال : ٢٤٣ ، الجواهر المضيّة في تراجم بعض رجال الزيديّة : ١٠ ، بلوغ المرام : ٣٩ ، مقدّمة البحر الزخّار ( كتاب الجواهر والدرر ) : ٢٣٠ ، الفلك الدوّار : ٦٦ ، التحف شرح الزلف : ١٥٧ ، مصادر التراث في المكتبات الخاصّة في اليمن : انظر الفهرست ، لوامع الأنوار ٢ : ٣٥ ، المقتطف من تاريخ اليمن : ١٧٨ ، مؤلّفات الزيديّة : انظر الفهرست ، الزيديّة في اليمن : ١١ ، الأعلام ١ : ١٣٢ ، ٤ : ١٢٣ ، مسند زيد بن علي : ٢٦ ، المقدّمة ، معجم المؤلّفين ١ : ٢٣٩ ، هديّة العارفين ١ : ٨٦ ، الذريعة ٢٦ : ٢٧٨ ، الإرشاد إلى سبيل الرشاد : ٧١ ، في الهامش ، تحقيق سالم عزّان ، مجلّة تراثنا ٢٠ : ٩٣ ، الزيديّة لأحمد صبحي : ٧٤٨ ، هجر العلم ومعاقله ١ : ٥٣٧.

٢ ـ الحدائق الورديّة ٢ : ٢٢٢.

٣ ـ اللآلي المضيّة في أخبار أئمة الزيديّة ٢ : ٢٢٤.

٤ ـ شفاء صدور الناس في شرح معاني الأساس : ٤٨١.

٢٣٣

الأخبار(١) ، وعبد الله القاسمى في الجواهر المضيّة(٢) .

وكذلك نسبه إليه المؤيّد في التحف شرح الزلف(٣) ، ونسبه إليه غير هؤلاء(٤) .

قال السيد أحمد الحسيني في مؤلّفات الزيديّة : حقائق المعرفة ، تأليف : الإمام المتوكّل أحمد بن سليمان الحسين اليمني ، في الأصول والعقائد وتفصيل المعارف ، وهي ثلاث عشرة معرفة ، وقد بني الكتاب على الاختصار ، وفيه نقل لأقوال ومذاهب الأئمّة من أهل البيت ( عليهم السلام )(٥) .

وقد ذكر عبد السلام الوجيه في أعلام المؤلّفين الزيديّة أنّ لهذا الكتاب أكثر من ١٠ نسخ في مكتبات اليمن وغيرها(٦) .

____________

١ ـ أنوار اليقين : ٣٥٩ ، ٣٨٦.

٢ ـ الجواهر المضيّة في تراجم بعض رجال الزيديّة : ١٠.

٣ ـ التحف شرح الزلف : ١٥٩.

٤ ـ انظر ما قدّمنا ذكره من المصادر في هامش ترجمة المصنّف.

٥ ـ مؤلّفات الزيديّة ١ : ٤٢٨.

٦ ـ أعلام المؤلّفين الزيديّة : ١١٤.

٢٣٤

( ٤٢ ) الحكمة الدريّة والدلالة النوريّة

الحديث :

الأوّل : قال : ما روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنّه لمّا كان في حجّة الوداع ، وخطب خطبة الوداع ، وأعلم الناس باقتراب أجله ، فقالوا : من تخلف فينا يارسول الله؟

قال : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً : كتاب(١) وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(٢) .

الثاني : قال : كما روي أنّه سئل في حجّة الوداع ، لمّا أخبر الناس باقتراب أجله ، فقال له المسلمون من تخلف فينا يا رسول الله.

قال : « كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(٣) .

الثالث : قال : وقال فيهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي : كتاب الله وعترتي أهل بيتي »(٤) .

الحكمة الدريّة والدلالة النوريّة :

قال حميد المحلّي ( ت ٦٥٢ هـ ) في الحدائق : وله كتاب الحكمة الدريّة

____________

١ ـ كلمة الله غير موجودة في المتن ، الظاهر أنّها ساقطة.

٢ ـ الحكمة الدريّة والدلالة النوريّة : ٨ ، مخطوط مصوّر.

٣ ـ الحكمة الدريّة والدلالة النوريّة : ٩٥ ، مخطوط مصوّر.

٤ ـ الحكمة الدريّة والدلالة النوريّة : ١٠٤ ، مخطوط مصوّر.

٢٣٥

والدلالة النوريّة ، شرح فيها فضائل أهل البيت ( عليهم السلام )(١) .

ونسبه إليه الحسن بن بدر الدين ( ت ٦٧٠ هـ ) في أنوار اليقين ، قال : وله ( عليه السلام ) في معنى كتابنا هذا ما لا يتّسع لجميعه هذا الموضع ، غير أنّا نذكر منه زبدة تدلّ على غيرها ، قال ( عليه السلام ) في كتاب الحكمة(٢) ، إلى آخر نقله عنه.

ونسبه إليه أيضاً : الشرفي في اللآلي المضيّة(٣) ، وإبراهيم بن المؤيّد في الطبقات(٤) ، والقاسمي في الجواهر المضيّة(٥) ، وغيرهم(٦) .

قال السيد أحمد الحسيني في مؤلّفات الزيديّة : الحكمة الدريّة والدلالة النبويّة ( النورية ) تأليف : الإمام المتوكّل أحمد بن سليمان الحسني اليمني ، في سيرة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وفضائله وفضائل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وذكر فيه الفرق الإسلاميّة المتشيّعة لآل البيت ( عليهم السلام ) وعقائدها(٧) .

قال عبد السلام الوجيه في أعلام المؤلّفين الزيديّة ـ بعد أن نسب الكتاب لأحمد بن سليمان ، وذكر للكتاب عدّة نسخ في عدّة مكتبات ـ قال : وقد شكّك السيد مجد الدين المؤيّدي في نسبة الكتاب إلى مؤلّفه(٨) .

____________

١ ـ الحدائق الورديّة ٢ : ٢٢٢.

٢ ـ أنوار اليقين : ٣٥٩.

٣ ـ اللآلي المضيّة ٢ : ٢٢٤.

٤ ـ طبقات الزيديّة ٣ : ١٨.

٥ ـ الجواهر المضية : ١٠.

٦ ـ انظر ما قدمنا ذكره من المصادر في هامش ترجمة المصنف.

٧ ـ مؤلفات الزيدية ٤٣٤ : ١.

٨ ـ أعلام المؤلفين الزيدية : ١١٥.

٢٣٦

( ٤٣ ) الرسالة المتوكليّة في هتك أستار الإسماعيليّة

الحديث :

قال : وبذلك وضعنا جدّنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى أن قال : فقال : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي »(١) .

الرسالة المتوكّلية في هتك أستار الإسماعيليّة :

نسبها إليه عبد السلام الوجيه في أعلام المؤلّفين الزيديّة ، قال : الرسالة المتوكّليّة في هتك أستار الإسماعيليّة ، منه مخطوط سنة ١٠٥٤ هـ ، ضمن مجموعة ٨١ من ورقة ١٢٨ إلى ١٣٢ ، مكتبة الأوقاف بالجامع الكبير ، أخرى ضمن مجموع بمكتبة المولى مجد الدين المؤيّدي(٢) .

ونسبها إليه أيضاً في كتابه مصادر التراث(٣) .

قال السيد أحمد الحسيني في مؤلّفات الزيديّة : الرسالة المتوكّليّة في هتك أستار الإسماعيليّة ، تأليف : الإمام المتوكّل أحمد بن سليمان الحسني اليمني ، ردّ على الإسماعيليّة الباطنيّة ، وتحذير عن الاغترار بأمرهم ، وإثبات كفرهم في عقائدهم ، وهي في ثلاثة فصول(٤) .

____________

١ ـ الرسالة المتوكلية : ٢ ، ضمن مجموع مخطوط مصور.

٢ ـ أعلام المؤلفين الزيّدية : ١١٥.

٣ ـ مصادر التراث في المكتبات الخاصة في اليمن ٢٥٩ : ٢.

٤ ـ مؤلفات الزيدية ٣٨ : ٢.

٢٣٧
٢٣٨

حديث الثقلين عند الزيديّة

القرن السابع الهجري

٢٣٩
٢٤٠

تقول عبد الله ما ذنبه

منفطماً آب بسهم الردى

لم يمنحوه الورد إذ صيروا

فيض وريديه له موردا

أفديه من مرتضع ظامياً

بمهجتي لو أنه يفتدى

فطر من فرط الصدا قلبه

يا ليت قد فطر قلبي الصدا

الشيخ محمد رضا بن ادريس بن محمد بن جنقال بن عبد المنعم بن سعدون ابن حمد بن حمود الخزاعي النجفي، ولد بالنجف عام ١٢٩٨ ونشأ بها وتوفي سنة ١٣٣١ عن عمر يناهز الثلاثين سنة. وجده حمد هذا هو شيخ خزاعة المشهور المعروف ب‍ ( حمد ال حمود ) ترجم له صاحب ( الحصون المنيعة ) وجاء في الطليعة: كان فاضلاً مكباً على الاشتغال في النجف لتحصيل العلم ملتزماً بالتقى وكان أديباً مقلّ الشعر في جميع أحواله فمن شعره:

سقتني الأماني الهنا والسرورا

فكان شرابي شراباً طهورا

وأزهر كوكب روض الفخار

وغصن العلى عاد غضّاً نضيرا

والقصيدة محبوكة القوافي على هذا النفس العالي رواها الخاقاني في شعراء الغري وروى له غيرها في التشبيب والغزل والفخر والحماسة والمراسلات، ويقول إن والد المترجم له كان من ذوي الفضل وترجم له السيد الأمين في ( أعيان الشيعة ) ج ٤٤ / ٣٤٣ وذكر من مراثيه للحسين قصيدته التي أولها:

مشين يلئن الأزر فوق قنا الخط

ويسحبن في وجه الثرى فاضل المرط

٢٤١

السيد عباس البغدادي

المتوفى ١٣٣١

يرثي الحسين (ع) عام ١٢٩٧:

دهى الدين خطب فادح هدّ ركنه

ودكّ من الشم الرعان ثقالها

غداة بأرض الطف حرب تجمعت

وحثّت على الحرب العوان رجالها

لتنحر أبناء النبي محمد

بأسيافها ما للنبي وما لها

أما كان يوم الفتح آمنها وقد

أعزّ ببيض المرهفات حجالها

فكيف جزته في بنيه بغدرها

عشية جاءتهم تقود ضلالها

كأني باسد الغاب من آل غالب

وقد تخذت مر المنون زلالها

فياما أُحيلاهم غداة تقلدوا

من البيض بيض المرهفات صقالها

فايمانهم تحكي ندىً سحب السما

وأوجههم في الحرب تحكي هلالها

فثاروا وأيم الله لولا قضاؤه

لما نالت الأعداء منهم منالها

فسل كربلا تنبيك عما جرى بها

فحين التقى الجمعان كانوا جبالها

نعم ثبتوا فيها إلى أن ثووا بها

فعطّر نشر الأكرمين رمالها

وعاد فريد الدهر فرداً يرى العدى

تجول وقد سلّت عليه نصالها

فصال بسيف ثاقب مثل عزمه

ورمح ردينيٍّ يشبّ نزالها

فتعدوا فراراً حين يعدو وراءها

وتنثال حيث السيف منه أمالها

وقد ملأ الغبرا دما من جسومهم

وضيّق بالكفر الطغام مجالها

فوافاه منهم في الحشى سهم كافر

فليت بقلبي يال قومي نبالها

٢٤٢

ألا منجد ينحو البقيع بمقلة

تهل كغيث المزن منها إنهلالها

فيحثو الثرى مستنهضاً أسد الثرى

من اتخذت نقع الجياد اكتحالها

ومَن ضربت فوق الضراح قبابها

فمرّت على شهب السماء ظلالها

بني مضر الغرّ التي سادت الورى

وقد ملأت ستّ الجهات نوالها

ألستم بها ليل الوغى يوم معرك

وفرسانها عند اللقا ورجالها

فكيف قعدتم والفواطم حسراً

وأنتم إذا جار العدو حمىًٍ لها

فوالله لا أنسى المصونة زينباً

غداة استباح الظالمون رحالها

لها الله من ولهانة بين نسوة

ركبن من النيب العجاف هزالها

تجوب بها شرق البلاد وغربها

وتنحو بها سهل الفلا وجبالها

تحنّ فيجري من دم القلب دمعها

حنين نياق قد فقدن فصالها

وأعظم رزء صدّع الصخر رزؤه

وأخمد من شمس الوجود اشتعالها

وقوف بنات الوحي حسرى بمجلس

به سمعت آل الطليق مقالها

السيد عباس الموسوي البغدادي، ابن علي بن حسين بن درويش بن أحمد بن قاسم بن محمد بن كاسب بن قاسم بن فاتك بن أحمد نصر الله بن ربيع ابن محمود بن علي بن يحيى بن فضل بن محمد بن ناصر بن يوسف بن علي بن يوسف بن علي بن محمد بن جعفر ( الذي يقال له الطويل وبه عرف بنوه بنو الطويل ) ابن علي بن الحسين شيتي ( ويكنى بأبي عبد الله ) ابن محمد الحائري وقبره في واسط وهو المعروف ب‍ ( العكار ) ابن ابراهيم المجاب بن محمد العابد بن الامام موسى الكاظم بن الامام جعفر الصادق بن الامام محمد الباقر ابن الامام زين العابدينعليهم‌السلام .

كان من خطباء بغداد البارزين بل خطيبها الأول، اشتهر بالفضل والصلاح. ولد سنة احدى وسبعين ومائتين بعد الألف هجرية ١٢٧١ بمدينة بغداد ونشأ

٢٤٣

فيها. درس النحو والمنطق وقد سجل المترجم له مبدأ تدرجه على الخطابة في كتابه ( المآتم المشجية لمن رام التعزية ) فقال:

كنت في عنفوان الشباب شديد الاشتياق إلى استماع المراثي الحسينية وأتطلب المجالس التي تعقد لمصابه فتبيّن أبي مني ذلك فقال: أتحب أن تكون ذاكراً لمصاب سيد الشهداء فأطرقت براسي حياءً منه، وعرف مني الرغبة فجعلني عند سلطان الذاكرين وعز المحدثين الملّه محمد بن ملّه يوسف الحلي الشهير بآل القيم وذلك سنة ١٢٨٤ ه‍ فبذل إلى الجد والجهد والقصائد الغرر وأفاض من بحر تلك الدرر، وكان عندنا يومئذ ببغداد فبقيت ملازماً له حتى بلغت من العمر سبعة عشر سنة فزوجني أبي من ابنة معلمي المزبور وذلك سنة الف ومائتين وسبع وثمانين ١٢٨٧ ه‍ ((١) وبقيت معه التقط من نائله ست سنوات، ثم مضى بعدها للحلة الفيحاء وفيها قومه وعشيرته، وهم يعدون من اشرافها فمكث فيها ستة أشهر وتوفي فيها سنة الف ومائتين وثلاث وتسعين ١٢٩٣ ه‍ تغمده الله برحمته. أقول كتب الشاب المهذب السيد جودت السيد كاظم القزويني ترجمة وافية للسيد عباس الخطيب وعدد فيها مآثره وذلك في مخطوطه ( الروض الخميل ) وأن وفاته عصر السبت ١٤ شعبان سنة ١٣٣١.

__________________

١ ـ وهي شقيقة الشاعر الشيخ حسن القيّم، فكان القيّم يعتزّ بهذه المصاهرة فلما توفي السيد علي والد السيد عباس نظم في رثائه وذلك سنة ١٣١٦ فقال:

تخطّى الردى في فيلق منه جرار

اليه فأخلى أُجمة الأسد الضاري

وفلّ شبا عضب يصمم في العدا

بأقطع من ماضي الغرارين بتار

أبا أحمد جاورت في ذلك الحمى

أخا المصطفى غوث الندا حامي الجار

لقد حملوا بالأمس نعشك والتقى

فيا لك نعشاً والتقى معه ساري

٢٤٤

ورثاه جمع من الادباء منهم السيد حسون ابن السيد صالح القزويني البغدادي بقصيدة مطلعها:

مصاب عرا قد أرعب الكون هائله

به المجد عمداً قد أُصيبت مقاتلة

ورثاه الشيخ قاسم الحلي نجل المرحوم الشيخ محمد الملا بقصيدة عامرة في ٣٥ بيتاً، مطلعها:

عصفت على الدنيا بأشأم أنكد

صرّ بها نسفت جبال تجلدي

ورثاه ولده السيد حسن بقوله:

تزلزلت الدنيا وساخت هضابها

غداة انطوى تحت التراب كتابها

وهذه المراثي موجودة في ديوانه المخطوط الذي جمعه ولده السيد حسن وفرغ منه في آخر صفر سنة ١٣٤٥ ه‍ ومعها قصائد في مدائحه وخاصة ما قيل فيه عند رجوعه من حج بيت الله مع والده السيد علي.

مؤلفاته:

ترك المترجم له من الاثار: ١ ـ المجالس المنظمة في مقاتل العترة المحترمة.

__________________

ووسدت فيها حفرة جاء نشرها

بمسكيّة من نافح الطيب معطار

أبا حسن صبراً وإن مضّ داؤها

رزايا سقاكم صرفها رنق أكدار

فكم حازم في الخطب يبدي تجلّداً

وزند الجوى من نار مهجته واري

تسيء الليالي للكرام كأنما

تطالبهم في النائبات بأوتار

بقيت برغم الحاسدين بنعمة

يوفرها عمر الزمان لك الباري

فكم أفوه أخرسن منك لسانه

شقاشق فحل بالفصاحة هدار

دعوه وغايات الفخار فإنه

جرى سابقاً كم يكبُ قط بمضمار

تطيب بك الأفواه ذكراً كأنما

بكل فم أودعت جونة عطار

فلا زال نوء اللطف يسقي ضريحه

بمنسكب من هاطل العفو مدرار

٢٤٥

٢ ـ ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ٣ ـ معاجز الائمة ٤ ـ مقتل الحسينعليه‌السلام ٥ ـ سلسلة الأنوار في النبي المختار ٦ ـ الرحلة الرضية ـ منظومة تبلغ الألف بيتاً نظمها عند زيارته للامام الرضا (ع) سنة ١٣٠٠ ه‍.

أقول وله قصيدة تنشد في المجالس الحسينية ومنها:

فيا راكباً مهرية شأت الصبا

كأن لها خيط الخيال زمام

كنت أرويها كثيراً وأنشدها.

وهو أبو الأشبال الأربعة: ١ ـ السيد حسين، ٢ ـ السيد حسن، ٣ ـ السيد صالح، ٤ ـ السيد هاشم، رأيتهم واستمعت إلى خطبهم وأحاديثهم. وبعد لقد قضى السيد عباس عمراً في خدمة المنبر الحسيني واعظاً ومرشداً ومحدثاً وناصحاً، ومنابر بغداد تشهد له ومحافلها تذكره بكل إعزاز وفخر.

٢٤٦

الشيخ علي الجاسم

المتوفى ١٣٣٢

إن جزتَ نعمان الاراك فيمم

حيي به الحيّ النزيل وسلّم

فالروض في مغناه يضحك نوره

ببكاء غادية السحاب المرزم

قد رصعته بقطرها فكأنما

نثرت عليه لآلئاً لم تنظم

واسأل بجرعاء اللوى عن جيرة

رحلوا ولم يروا ذمام متيم

بانوا فأبقوا لوعة من بينهم

قد أرقصت قلب المشوق المغرم

وارحمتاه لتائق كتم الهوى

فأذاعه رجاف دمع مسجم

تتصاعد الزفرات من أنفاسه

عن حرّ نار في الفؤاد مكتّم

نضح الحشى من ناضريه أدمعا

يوم النوى لكنما هي من دم

يا بعد دارهم على ابن صبابة

قد زودته أمضّ داء مسقم

فكأنهم مذ شطّ عنه مزارهم

تركوا حشاه بين نابي أرقم

لم ينسه عهد الديار وأهلها

إلا مصاب بني النبي الأكرم

بالطف كم معها أريق دم وكم

منها استحلّ محرّم بمحرم

يوم أتت حرب لحرب بني الهدى

في فيلق جمّ العديد عرمرم

فاستقبلته فتية من هاشم

من كل ليث للقراع مصمم

منه يراع الموت بابن حفيظة

حامي الحقيقة باللواء معمم

قوم إذا سلّوا السيوف مواضياً

صقلوا شباها بالقضاء المبرم

٢٤٧

لو قارعت يوماً بقارعة الوغى

صعب القياد ربيعة بن مكدم(١)

لتقاصرت منه خطاه رهبة

وانصاع منقاداً بأنف مرغم

لم تدرّع ما كان أحكم نسجها

داود من حلق الدلاص المحكم

لكنها أدرعت بملحمة الوغى

حلق الحفاظ بموقف لم يذمم

في موقف ضنكٍ يكاد لهوله

ينهدّ ركنا يذبل ويلملم

يمشون تحت ظلال أطراف القنا

نحو الردى مشي العطاش الهوّم

يتسارعون إلى الحتوف ودونه

جعلوا القلوب دريّة للاسهم

وهووا على حرّ الصعيد بكربلا

صرعى مضرجة الجوارح بالدم

فكأنما نجم السماء بها هوى

وكأنها كانت بروج الأنجم

وبقي ابن امّ الموت فرداً لم يجد

في الروع غير مهند ومطهم

فنضا حساماً أومضت شفراته

ومضَ البروق بعارض متجهم

وتكشفت ظلمات غاشية الوغى

عن وجه أبلج بالهلال ملثم

وسقى العدى من حرّ طعنة كفه

كأساً من السم المداف بعلقم

وعن الدنية أقعدته حمية

نهضت به من عزة وتكرم

شكرت له الهيجاء نجدته التي

تردي من الأقران كل غشمشم

حمدت مواقفه الكريمة مذ بها

لفّ الصفوف مؤخراً بمقدم

ومعرّض للطعن ثغرة نحره

ليس الكريم على القنا بمحرم

فهوى صريعاً والهدى في مصرع

أبكى به عين السماء بعندم

منه ارتوت عطشى السيوف وقلبه

من لفح نيران الظما بتضرم

وعليه كالأضلاع بين ضلوعه

مما انحنين من القنا المتحطم

وأمض خطب قد تحكمت العدى

بكرائم التنزيل أي تحكم

من كل محصنة قعيدة خدرها

لا تستبين لناظر متوسم

__________________

١ ـ ربيعة بن مكدّم يضرب به المثل في الجاهلية في حمايته للظعن بعد مقلته.

٢٤٨

قد أصبحت بعد الخفارة تتقي

ضرب السياط بكفها والمعصم

ومروعة جمعت على حرق الأسى

منها شظايا قلبها المتألم

تدعو ودفاع الحريق بقلبها

من حرّ ساعرة الجوى المتضرم

وتقول للحادي رويدك فاتئد

هذي معاهد كربلاء فيمم

قف بي أُقيم على مصارع إخوتي

نوحاً كنوح الثاكلات بمأتم

أنعاهم فرسان صدق لم تكن

هيابة عند اللقا في المقدم

وتعج تنفث عن حشى حرانةٍ

عتباً نوافذة كوخز الأسهم

هتفت بعليا هاشم من قومها

شمّ الانوف لها المكارم تنتمي

لا عذر أو تزجي الجياد إلى الوغى

من كل أشقر سابح أو أدهم

حتى تجول بها على هام العدى

وتعوم من دمها ببحر مفعم

أتسومها ضيماً امية بعدما

كانت لها قدماً مواطئ منسم

أكلت ضباها البيض شلو زعيمها

ما آن تهتف هاشم بالصيلم(١)

قوموا فكم ولجت ذئاب امية

لكم غداة الطف أُجمة ضيغم

كم حرمة بالطف قد هتكت لكم

من سلب أبراد وحرق مخيم

كم منكم من ثاكل عبرى ولا

من ثاكل منهم ولا من أيّم

ومخدرات الوحي بين امية

تسبى برغمكم كسبي الديلم

الشيخ علي بن قاسم الأسدي ولد سنة ١٢٤٠ بالحلة وامتد عمره إلى ٩٣ سنة وكان في ريعان شبابه وعنفوان كهولته معدوداً في جملة قراء الحلة وذاكريها في المحافل الحسينية وله في انشاد الشعر من الرثاء وغيره تلحين خاص وطريقة معروفة امتاز برقة نغمتها على غيره، وتعرف حتى اليوم ب‍ ( الطريقة القاسمية )

__________________

١ ـ الصيلم هو الهقاف بحلف الفضول أشرف حلف أُسس في الجاهلية لنصرة المظلوم وردع الظالم، ولما جاء الاسلام أيّده وأقرّه، وسمي بالفضول لفضله أو لأن الذين قاموا به أسماؤهم فضل وفضيل وفاضل وكان الذي دعى لتأسيسه الزبير بن عبد المطلب لقصة حدثت في مكة

٢٤٩

وكان هو المنشد الوحيد يومئذ لأكثر قصائد معاصريه في الحلة والنجف وبصورة خاصة لشعر السيد حيدر الحلي(١) .

لم يكن مكثراً من نظم الشعر وتوجد من شعره في الغزل والمدح والنسيب والرثاء جملة في مجموعة عند ابن اخت له في الحلة يعرف بالشيخ أحمد الراضي، لأن المترجم له لم تك له ذرية حيث لم يتزوج قط وتوفي في جمادى الأولى سنة ١٣٣٢ ونقل إلى النجف ودفن في وادي السلام، نقل الشيخ اليعقوبي عن مجموعته طائفة من غزله ومديحه ورثائه واليكم هذه القطعة في الغزل وهي من قصيدة:

لله من رشأ قد زارنا سحراً

كأنما فرعه من جنحه الداجي

إذا رنا ينفث السحر الحلال فلم

يترك لهاروت سحراً طرفه الساجي

فيا له قمراً تسبيك طلعته

يغشى العيون بنور منه وهاج

فهزّ أعطافه دلاً على نغم

واختال يخطر من زهو بديباج

وطاف في أُخت خديه موردة

ممزوجة بملّث القطر ثجاج

ما راق للعين شيء مثل منظره

في الحسن إي وسماء ذات أبراج

لو أن إكليله المعقوص من شعر

يراه كسرى قد تاه في التاج

وللشاعر عدة قصائد في رثاء أهل البيتعليهم‌السلام رأيتها في مخطوطة الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي والتي هي اليوم في حيازة ولده الخطيب الشيخ موسى اليعقوبي واليك مطالعها:

١ ـ يا غادياً يطوي

بمسراه السهولة والوعورة

٢ ـ أيها الممتطي الشملة يطوي

في سراه أديم تلك النواحي

٣ ـ أبا الفضل يا ليث الكريهة إن سطا

يُراع الردى منه بضنك الملاحم

٤ ـ أقم المطي بساحة البطحاء

في خير حيٍّ من بني العلياء

٥ ـ ما بال هاشم عن بني الطلقاء

قعدت ولم توقد لظى الهيجاء

٦ ـ انتثري يا شهب أبراج السما

لقد أطلّ فادح قد عظما

__________________

١ ـ البابليات للشيخ اليعقوبي.

٢٥٠

السيد ناصر البحراني البصري

المتوفى ١٣٣٢

لم لا نجيب وقد وافى لنا الطلب

وكم نولّي ومنا الأمر مقترب

ماذا الذي عن طلاب العز يقعدنا

والخيل فينا وفينا السمر واليلب

تأبى عن الذل أعراق لنا طهرت

فلا تلمّ على ساحاتها الريب

هي المعالي فمن لم يرق غاربها

لم يجده النسب الوضاح والحسب

أكرم ببطن الثرى عن وجهه بدلاً

إن لم تنل رتبة من دونها الرتب

كفاك في ترك عيش الذل موعظة

يوم الطفوف ففي أبنائه العجب

قطب الحروب أتى يطوي السابسب من

فوق النجائب أدنى سيرها الخبب

يحمي حمى الدين لا يلوي عزيمته

فقد النصير ولا تعتاقه النوب

وكيف تثني صروف الدهر عزمته

وهي التي من سناها تكشف الكرب

أخلق بمن تشرق الدنيا بطلعته

ومن لعلياه دان العجم والعرب

ركن العبادة فيها قام يبعثه

داعي المحبة لا خوف ولا رغب

قد ذاق كاس حميا الحبّ مترعة

وعنه زال الغطا وانزاحت الحجب

لم أنسه لمحاني الطف مرتحلاً

تسري به القود والمهرية النجب

حتى أناخ عليها في جحاجحة

تهون عندهم الجلّى إذا غضبوا

أسود غاب يروع الموت بأسهم

ولا تقوم لهم اسد الوغى الغلب

الضارب الهام لا يأدي قتيلهم

والسالب الشوس لا يرتدّ ما سلبوا

٢٥١

أيمانهم في الوغى ترمي بصاعقة

وفي الندى من حياها تخجل السحب

واسوا حسيناً وباعوا فيه أنفسهم

ووازروه وأدّوا فيه ما يجب

حتى تولوا وولّى الدهر خلفهم

وما بقي للعلى حبل ولا سبب

وظل سبط رسول الله منفرداً

لا إخوة دونه تحمي ولا صحب

يا سيداً سمت الأرض السماء به

وأصبحت تغبط الحصبا بها الشهب

إن تبق ملقى على البوغاء منجدلاً

مبضع الجسم تسفي فوقك الترب

فربّ جلاء قد جلّيت كربتها

ورب هيجا خبا منها بك اللهب

فيك المدايح طابت مثلما حسنت

فيك المراثي وفاهت باسمك الندب

أرى المعالي بعد السبط شاحبة

منها الوجوه ومنها الحسن مستلب

وكيف لا تنزع العلياء جدّتها

ومفخر الدين قد أودى به العطب

السيد ناصر السيد أحمد ابن السد عبد الصمد البحراني البصري. يتصل نسبه بالسادة آل شبانه وينتهون بنسبهم غلى الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام . كان من العلماء الأعلام هاجر إلى النجف وحضر بحث الشيخ مرتضى الانصاريرحمه‌الله فاعجب الشيخ به وطلب من أبيه إبقاءه في النجف الأشرف للاشتغال ولو مقدار سنتين ثم سافر للبصرة وكان الطلب من أهلها بالبقاء عندهم إذ كانت مؤهلات رجل الاصلاح متوفرة فيه وهكذا أصبحت شخصيته الوحيدة في البصرة ونال بها زعامة الدين والدنيا وخضع له الامراء والوزراء وهابه الملوك والسلاطين وامتثل أمره القاصي والداني، وكان قاعدة رصينة للفضيلة وتحقيق الحق وان صدى احاديثه وسيرته حديث الأندية وسيبقى لأنه مثال من أمثلة الاستقامة والعدالة.

قال صاحب أنوار البدرين: للسيد من المصنفات كتاب في التوحيد على قواعد الحكماء والمتكلمين، استعرته منه وطالعته في بعض أسفاري ولا أنسى

٢٥٢

أني قرضته بخطي، وله منظومة في الإمامة ولا سيما في يوم الغدير، قرأ عليّ سلمه الله جملة منها وله قصائد جيدة في رثاء الحسينعليه‌السلام بليغة. انتهى

ولد بالبحرين سنة ١٢٦٠ ه‍. وتوفي يوم الجمعة ٢٢ رجب سنة ١٣٣١ في البصرة وعمره أكثر من سبعين سنة ونقل إلى النجف الأشرف في الفرات(١) وقال فيه السيد جعفر الحلي عدة قصائد مثبتة مشهورة. ومن شعره ما أجاب به السيد جعفر معتذراً عن تأخير رسالة:

يا جيرة الحي وأهل الصفا

قد برح الوجد بنا والخفا

قد لاح لي من أرضكم بارق

ذكرني رسماً لسلمى عفا

فقلت أهلاً بأهيل النقا

وإن بدا منهم أشدّ الجفا

هيهات أجفوهم وقلبي لهم

لم ير عنهم أبداً مصرفا

جاء كتاب منك تشكو به

جفاه خلٍّ عنك لم يصدفا

لكنما جشمتني خطة

كلفتني فيها خلاف الوفا

فحيث أدليت بعذر لنا

قلنا عفا الرحمن عمن عفا

جرحت جرحاً ثم آسيته

فأنت منك الدا، وأنت الشفا

وقال أحد مترجميه: عالم البصرة والرئيس المطاع فيها وفي نواحيها، حكي عنه أن كل آبائه إلى الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام علماء فضلاء ادباء. وقد تخرج في النجف على الشيخ مهدي الجعفري والشيخ راضي النجفي ثم انتقل إلى البصرة وأقام فيها علماً ومرجعاً، وكان آية في الذكاء وقوة الحافظة والملح والنوادر مع الجلالة والعظمة والوقار والهيبة وحسن المعاشرة لا يمل جليسه، محمود السيرة محسناً إلى الفقراء والغرباء والمترددين شاعراً أديباً لم يعقب. وكان مولدهرحمه‌الله بالبحرين ومن أجمل ما أروي له من الشعر قوله:

__________________

١ ـ دفن في أحدى غرف الساباط في الصحن الحيدري الشريف، وهي حجرة السيد محمد خليفة.

٢٥٣

مني تعلمت السحائب وكفها

وبي اقتدت في نوحها الورقاء

أنّى لها ببلوغ شأوي في الهوى

وأنا الفصيح وها هي العجماء

رأيتها في كتاب ( أحسن الوديعة ) ويتناقل الناس باعجاب عظمته وحسن سيرته وخشونته بذات الله وكيف كان لا تأخذه في الله لومة لائم حتى نقل لي بعض المؤمنين أن فلاحاً فقيراً ضربه أكبر اقطاعي بالبصرة وصدفة جاء هذا الثري لزيارة السيد فانتفض السيد غاضباً واقتص منه لذلك الفقير، فما كان من هذا الثري المختال إلا أن يعتذر ويقبل يد السيد.

وعندما نقرأ ما دار من المراسلة بينه وبين الشيخ محمد جواد الشبيبي نعرف عظمة هذه الشخصية ونفوذها الاجتماعي. ذكره الشيخ النقدي في الروض النضير فقال: عالم علامة في علوم شتى من الرياضية والطبيعية والأدبية والدينية وكانت له حافظة غريبة قلّ ما توجد في مثله من أهل هذا العصر، وكان على جلالته يباحث حتى المبتدئين من طلاب العلم، ملك أزمّة قلوب الشرق عموماً حتى الملوك والحكام، وكانت الدولة التركية تحترمه غاية الاحترام، وكان لكلامه نفوذ تام لديهم، وكان له توفيق غريب في الزعامة مع ديانة وأمانة ورصانة وعبادة وتقوى لإظهار أبهة العلم، حسن الملبس والمأكل والمشرب، يكره التقشف وأهله. وذكره السيد الصدر في ( التكملة ) فقال: حكي عن السيد ناصر أن كل آبائه إلى الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام علماء فضلاء ادباء. وذكره المصلح الكبير الشيخ كاشف الغطاء في هامش ديوان ( سحر بابل ) فاطراه بما هو أهله.

وذكره صاحب الدرر البهية فقال: نزيل البصرة وعالمها والرئيس المطاع فيها وفي نواحيها، وهو من آل شبانة ـ بيت كبير من بيوت الشرف والعلم والرياسة قديم في البحرين ذكر صاحب ( السلافة ) جماعة منهم.

وله خزانة كتب كبيرة ولكن لم يبق لها أثر حيت كان عقيما ومات ولم يعقب. توفي في رجب بالبصرة. أرخ وفاته السيد حسن بحر العلوم بقوله:

٢٥٤

اليوم ناصر آل بيت محمد

أرخ بجنات النعيم مخلد

وقال الشاعر الكبير مفخرة الحلة الفيحاء الشيخ حمادي نوح يمدح السيد بهذه القصيدة الغراء وقد أهداها له، وهذا ما وجدناه منها:

أيسحرني عن غاية الشرف الهوى

ويقمرني عن مركز الفخر قامر

عليّ لنعت الدار فياضة العلا

فرائد ذكر دونهن الجواهر

إذا غاب عن آفاق بابل ناصري

فلي من أعالي البصرة اليوم ( ناصر )

له سطعت أفعال أروع ماجد

إذا غيبت شهب المنى فهو حاضر

وأرقلت الركبان في أمر رشده

إذا عاج منها وارد هاج صادر

وإن جاهدتني في القريض عصابة

تبادرني في جهدها وأُبادر

تصوّر أتقاني فردّ مقالها

حميداً بذكري وهو جذلان شاكر

كأن معاليه على الدهر أنجم

بسود الأماني ناصعات زواهر

وذكر اليعقوبي في البابليات أن مقطعاً من هذه القصيدة يخصّ الإمام الحسين (ع) ومنه:

ليومك يابن المصطفى انصدع الهدى

فما لصدوع الفخر بعدك جابر

ومَن لسماء العلياء يرفع سمكها

ودارت بقطب الكائنات الدوائر

عفاءً على الدنيا إذا ماد عرشها

وقد ثلّه سيف من البغي باتر

تراق دماء الأصفياء عداوة

ودينهم عن كل فحشاء زاجر

وتُنحر قسراً في الطفوف كأنها

أضاع عراها في منى النسك جازر

وتهدى بأطراف الرماح رؤوسها

ليمرح مأفون ويفرح فاجر

ويقدمها رأس ابن بنت محمد

به تتجلّى للسراة دياجر

منيراً يراعي نسوة بعد قتله

به لذن حسرى ما لهنّ معاجر

محجبة قبل الزوال بسيفه

فما زال إلا والصفايا حواسر

٢٥٥

عبد المهدي الحافظ

المتوفى ١٣٣٢

هي صعدة سمراء أم قد

هي وردة حمراء أم خد

وافى بهنّ غزيّل

غنج خفيف الطبع أغيد

متقلّد من لحظه

سيفاً يفوق على المهند

كالبدر إلا أنه

أبهى وأسنى بل وأسعد

شفتاه قالت للعذار

فما العقيق وما الزبرجد

وافترّ مبسمه فلاح

خلاله الدرّ المنضد

فضح الضباء بأتلع

من جيده، والغصن بالقد

ما مرّ إلا والجمال

يصيح: صلوا على محمد

عاتبته يوماً وقلت

إلى متى التعذيب والصد

أيحلّ قتلُ متيم

غادرته قلقاً مسهد

أدنى هواك له السقام

ومنه صفو العيش نكّد

فأجاب هل لك شاهد

في ذاك قلت الحال يشهد

فأزور من قولي واعرض

مغضباً عني وعربد

فزجرت قلبي قائلاً

أرأيت كيف أساء بالرد

ما آن أن تثني عنان

الغيّ عنه عساك ترشد

فاعدل بنا نحو الغري

وعُد بنا فالعود أحمد

٢٥٦

وامدح به سرّ الآءله

وبابه والعين واليد

مَن مهّد الايمان صارمه

وللاسلام شيّد

لولا صليل حسامه

لرأيت لات القوم يعبد

من خاض غمرتها

غداة حنين والهامات تحصد

إلا أبو حسنٍ أمير النحل

والتنزيل يشهد

أم مَن تصدّى لابن ودّ

ومَن لشمل القوم بدد

ومنها:

وأهتف بخير الخلق

بعد المصطفى المولى المؤيد

وأطلق له العتب الممض

وقل له أعلمتَ ما قد

فعلت بنو الطلقاء في

أبناء فاطمة وأحمد

قد جمّعوا لقتالهم

من كل أشئم إثر أنكد

جيشاً تغضّ به البسيطة

مستحيل الحصر والعد

وقفت لدفعهم كماةٌ

ـ لا تهاب الموت ـ كالسد

من كل قرم لا يرى

للسيف إلا الهام مغمد

فيهم أبو السجاد يقدمهم

على طِرفٍ معوّد

إن عارض الأبطال قطّ

وإن علاهم سيفه قد

فرماه أشقى الأشقياء

هناك بالسهم المحدد

فاغبرّت الأكوان منه

وعاد طرف الشمس أرمد

وتجاوبت بالنوح أملاك

السماء على ابن أحمد

وغدت بنات الوحي

حسرى فوق مصرعه تردد

عبراتها تنهلّ والأحشاء

من حزن توقّد

تتصفح القتلى وتدعو

حرّة الأكباد يا جد

٢٥٧

هذا حسينك في عراص

الطف مقتول مجرد

أنصاره مثل الأضاحي

أصيد في جنب أصيد(١)

الحاج عبد المهدي بن صالح بن حبيب بن حافظ الحائري المتوفى بكربلاء سنة ١٣٣٤ ودفن بها، كان أديباً من أعيان تجار كربلاء وملاكهم يعرف التركية والفارسية والفرنسية، انتخب مبعوثاً في زمن الدولة التركية كما انتخب رئيساً لبلدية كربلاء، ترجم له السيد الأمين في الأعيان والأديب المعاصر سلمان هادي الطعمة وقال: إنه من ألمع شخصيات الأدب والسياسة في مطلع قرن العشرين، ولد بكربلاء ونشأ في اسرة عربية تعرف ب‍ آل الحافظ تنتسب إلى قبيلة خفاجة، هاجر جدها الأعلى ـ حافظ ـ من قضاء الشطرة واستوطن كربلاء في مطلع القرن الثالث عشر الهجري ولمع منها في الأوساط التجارية والأدبية رجال عديدون منهم شاعرنا المترجم له.

درس شاعرنا في معاهد كربلاء العلمية وتلمذ في العروض على الشاعر الشيخ كاظم الهر وساعده ذكاؤه وفطنته فحفظ عيون الشعر وكان مجلسه المطل على الروضة الحسينية المقدسة محط أنظار رجالات البلد وملتقى أهل الأدب، وشعره يمتاز بالرقة ودقة الفكر فمن ذلك قوله:

إلى الله أشكو ما أُقاسي من الجوى

غداة استقلّت بالحبيب ركائبه

وأقفر ربع طالما كان خالياً

به فخلت اكنافه وملاعبه

فبتّ أُقاسي ليلة مكفهرة

وليس سوى الشعرى بها مَن اخاطبه

اكفكف فيها الدمع والدمع مرسل

كغيث همى لما ارجحنّت كتائبه

وأذكر داراً طالما بتّ آنساً

بها بأغنٍّ ما طل الوعد كاذبه

غريراً إذا ما قصّر الليل وصله

أمدّت ليالينا القصار ذوائبه

أهمّ بلثم الغصن من ورد خده

فيمنعني من عقرب الصدغ لاسبه

__________________

١ ـ سوانح الأفكار في منتخب الاشعار ج ٢ / ١٩٣.

٢٥٨

وهناك مراسلات أدبية من شعر ونثر مع الأديب الكبير الحاج محمد حسن أبو المحاسن فقد كتب للمترجم له يستدعيه لحضور مجلس انس يضم نخبة من الادباء فقال:

من مبلغ عني أبا صالح

قول محب صادق الودّ

ما بال مشتاق إلى وصله

معذّب بالهجر والصد

لا يهتدي الانس إلى مجلس

تغيب عنه طلعة ( المهدي )

ونحن كالعقد إنتظمنا فهل

يزينه واسطة العقد

كتب عنه الخاقاني في شعراء الغري وذكر مراسلة الشيخ محمد جواد الشبيبي له.

٢٥٩

الشيخ مهدي الخاموش

المتوفى ١٣٣٢

الشيخ مهدي ابن الشيخ عبود الحائري الشهير ب‍ الخاموش وهي كلمة فارسية تعني خفوت الصوت فيقال: خاموش شد(١) .

ولد بكربلاء حدود سنة ١٢٦٠ وتوفي بها سنة ١٣٣٢ وتدرج على مجالس العلم وأندية الأدب فبرع في الخطابة بحسن التعبير وجميل الاسلوب ونظم في كثير من المناسبات من مدح ورثاء وتهان وأعظم حسنة له أن تخرّج على يده السيد جواد الهندي خطيب كربلاء، وعمّر المترجم له حتى تجاوز السبعين من العمر ومن قصائده المشهورة قصيدته في الإمام الحسينعليه‌السلام ـ وأكثر شعره في أهل البيت:

أما والهوى والغانيات الكواعب

بغير ذوات الدل لستُ براغب

وفي آخرها يصف ندبة عيال الحسين على مصارع القتلى:

تناديه مذ ألفته في الطف عارياً

بأهلي مرضوض القرى والجوانب

فمن لليتامى يابن امّ وللنسا

إذا طوّحت فيها حداة الركائب

__________________

١ ـ يقال أنه عرضت له بحّة في صوته فصار إذا تحدث للناس لا يسمع صوته كاملاً، فكان بعض الايرانيين يقول عنه: خاموش شد ـ أي خفي صوته، وسلاح الخطيب نبرات الصوت، ولذا نجد الناجح من الخطباء هو ذو الصوت الجهوري. يقول ايليا أبو ماضي:

الصوت من نعم الآءله ولم تكن

ترضى السما إلا عن الصداح

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355