أدب الطف الجزء ٩

أدب الطف10%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 363

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 363 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128748 / تحميل: 7962
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ٩

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

السيد جواد القزويني

المتوفى ١٣٥٨

هلا تعود بوادي لعلع وقبا

مرابع ذكرها في القلب قد وقبا

أيام لهو مضت فيمن أحب وقد

أبقت معنى إلى تلك العهود صبا

تعذبت مهجتي يوم الرحيل بهم

كأن طعم عذابي عندهم عذبا

لا تحسبوا أعيني تجري مدامعها

عليك بل لآل المصطفى النجبا

أبكيهم يوم حلّوا بالطفوف ضحى

وشيدوا في محافي كربلا الطنبا

وأقبلت آل حرب في كتائبها

تجرّ حرباً لرحب السبط واخربا

ساموه إما كؤوس الحتف يجرعها

أو أن يذل ولكن الاباء أبى

نفسي الفداء لظامي القلب منفرداً

وغير صارمة في الحرب ما صحبا

لهفي له مذ أحاطت فيه محدقة

أهل الضلال وفيه نالت الإربا

رموه في سهم حقد من عداوتهم

مثلثاً في شظايا قلبه نشبا

من بعده هجمت خيل الضلال على

خدر النبوة بالله فانتهبا

أبدوا عقائل آل الوحي حاسرة

لم يتركوا فوقها ستراً ولا حجبا

الله كم قطعت لابن النبي حشى

في كربلاء وكم رحل بها نهبا

وكم دم قد أراقوا فوق تربتها

وكم يتيم بكعب الرمح قد ضربا

سروا بهن على الأقتاب حاسرة

إلى ابن هند تقاسي الوخد والنصبا

١٨١

الجواد بن الهادي ابن السيد ميرزا صالح ابن الحجة الكبير السيد مهدي القزويني:

هداة اباة في سما المجد أشرقت

وحسبك من هادٍ بشير إلى هادي

ولد سنة ١٢٩٧ ه‍. في قضاء الهندية قبل وفاة جده الكبير بثلاث سنوات نشأ على حب العلم والكمال ودرس مبادئ العلوم على عمه السيد أحمد ثم أرسله أبوه إلى النجف وألحقه بأخويه: السيد محيي والسيد باقر وهما أصغر منه سناً فنالوا قسطاً كبيراً من الفقه على جملة من اعلام النجف كالحاج ميرزا حسين الحاج خليل والشيخ مهدي المازندراني وآية الله الخراساني والملا كاظم إلى أن حدثت الحرب العالمية الاولى سنة ١٣٣٢ ه‍. عاد المترجم له إلى الهندية مزوّداً بجملة من شهادات مشايخه الاعلام التي تخوله نشر الأحكام. وكانت أيام العطل الصيفية هي مواسم المطارحات الأدبية والمبارات الشعرية مضافاً إلى ولعه الشديد بمطالعة كتب الأدب والشعر والأخبار وسيرة أهل البيت حتى ألّف من ذلك مجاميع تضم النوادر والفوائد والشواهد. رأيت بخط الخطيب الشهير الشيخ محمد علي قسام جملة من الرسائل الأدبية والمقاطيع الشعرية والذوق الأدبي، أبرق للسيد محمد علي القزويني بمناسبة تعيينه عضواً في مجلس الأعيان:

تفرست الملوك بك المعالي

وقد أحرزتها بعلوّ شان

فلا عجب إذا أصبحت ( عينا )

لأنك عين انسان الزمان

وله مفردات ومقاطيع قالها في مناسبات شتى وقصائد رثى بها سيد الشهداء أبا عبد الله الحسينعليه‌السلام منها قصيدة التي مطلعها:

هلا دروا بمحبٍّ عندما ذهبوا

تجري مدامعه دمعاً وتنسكب

١٨٢

واخرى أولها:

أحباي لا أصغي للومة لائم

ولا انثني عن ودكم باللوائم

وقوله:

ما للأحبة لا يأوون خلانا

هلا دروا أننا حانت منايانا

وديوانه المخطوط معظمه في الإمام الشهيد كما كتبَ وخلّف من الآثار كتاب ( لواعج الزفرة لمصائب العترة ) يقع في ثلثمائة صفحة استعاره بعض المتأدبين ولم يُرجعه، وكتاب « الفوادح الملمة في مصائب الأئمة » حققه حفيده السيد جودت القزويني، توفي السيد جواد أوائل شعبان سنة ١٣٥٨ ه‍. في الهندية وحمل نعشه على الأعناق مسافة أميال ثم حمل إلى النجف حيث دفن في مقبرة آبائه الخاصة بالاسرة ورثاه فريق من الشعراء كالشيخ قاسم الملا والسيد محمد رضا الخطيب والشيخ عبد الحسين الحويزي وغيرهم.

١٨٣

الشيخ عبد الغنى الحر

المتوفى ١٣٥٨

أنختُ بباب باب الله رحلي

محط رحال كل رجا وسؤلِ

وقد يممت بحر ندى وجود

ومعروفاً بمعروف وفضل

ولذت بظل كهف حمى حسين

لجى اللاجين في حرم وحِلّ

بنائله الظما يروى وروداً

وغيث نداه منهل كوبل

وفدت عليك يحدوني اشتياقي

وأحشائي بنار جواي تغلي

رجاءً أن تحط الثقل عني

فأنت القصد في تخفيف ثقلي

وغوثك فيه يكشف كل خطب

وغيثك فيه يخصب كل محل

وغفران الذنوب وكل وزر

بدا مني بقولٍ أو بفعلِ

ونصري يا ملاذ على الأعادي

وإعزازي على ما رام ذلّي(١)

الشيخ عبد الغني الحر المتوفى سنة ١٣٥٨ ه‍. ترجم له البحاثة الطهراني في نقباء البشر فقال: هو الشيخ عبد الغني ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ علي بن أحمد بن محمد بن محمود بن محمد الحر العاملي.

عالم فاضل وأديب شاعر. كان في النجف الأشرف من أهل العلم والفضلاء

__________________

١ - عن مجموع خطي يحتوي على اربعين قصيدة كلها في رثاء الامام الحسين وأخيه العباس ابن عليعليهم‌السلام وهي بخط الناظم.

١٨٤

الأجلاء وكان على طريقة الاخيارية، وهو شاعر مكثر لا سيما في مدح أهل البيت ورثائهم وهو سريع البديهة جداً وشعره متوسط، طبع له ( منتظم الدرر في مدح الإمام المنتظر ) طبع بالمطبع الحيدرية بالنجف سنة ١٣٣٩ ه‍. يحتوي على ٧٢ صفحة. توفي يوم الثلاثاء منتصف محرم الحرام سنة ١٣٥٨ ه‍. ودفن في الايوان الذهبي في الصحن العلوي الشريف. وله شعر كثير وله تخميس التائية الشهيرة لدعبل بن علي الخزاعي والتي أولها:

تجاوبن بالأرنان والزفرات

نوائح عجم اللفظ والنطقات

وله تخميس قصيدة السيد جعفر كمال الدين الحلي والتي أولها:

يا قمر التمّ إلى مَ السرار

ذاب محبّوك من الانتظار

ومن ذكرياتي عن المترجم له أني كنت أجتمع بجملة من اللبنانيين الأفاضل ورجال العلم في الاسبوع مرة في دار العلامة المرحوم الشيخ عبد الكريم الحر وهو صهر الشيخ المترجم له فكنا نقضي ساعات من الليل في الاستماع إلى شعره الذي كان يحفظه ويردده بانشودته ونبراته ولا أنسى أن كل ما ينظم ويقرأ هو في مدح حجة آل محمد صاحب العصر والزمان الحجة بن الحسن سلام الله عليهما. أمّا ما رواه لي ولده العلامة الشيخ محمد الحر سلمه الله عن سيرة والده رحمه الله قال: كان لا يمرّ يوم من الأيام إلا ونظم من الشعر عشرات الأبيات وقد ألزم نفسه بنظم كل يوم قصيدة كاملة وملكته الشعرية وحافظته القوية وسرعة البديهة مضرب المثل، يقول ما كنت أسمع بديوان شعر إلا واقتنيته وحفظت أكثره عنه أخدانه ومعاصروه كنا نقرأ عليه القصيدة الكاملة مرة واحدة فيحفظها ويقول ولده سلمه الله: أما الذي أدركته منه في أواخر عمره فقد قرأتُ عليه قصيدة تتكون من ستين بيتاً وهو يرغب أن يحفظها قال: إقرأ عليّ منها ثلاثين بيتاً فقط، فقرأتُ فأعادها عليّ حفظاً، ثم قرأت عليه ثلاثين بيتاً بعدها فأعادها عليّ حفظاً، ويقول ولده ان مجموع ما نظمه لا يقل عن أربعة آلاف قصيدة وأكثرها في صاحب الأمر حجة آل

١٨٥

محمد وحدّث العلامة الجليل السيد عبد الرؤوف فضل الله أنه قد سمع من المرجع الديني الورع السيد عبد الهادي الشيرازيرحمه‌الله كان يتحدث عن المترجم له ويقول: إن ولاء الشيخ عبد الغني الحر وحبّه لآل محمد لو وزّع على جميع أهل البلد لما دخل أحد منهم النار.

وحدّث أحد تلاميذه عن سرعة البديهة وقوة الحافظة عند الشيخ الغني فقال: كان يدرّسنا رسائل الشيخ الأنصاري عن ظهر غيب وحفظ العبارة بنصّها، كما كان يحفظ أحاديث الكتب الأربعة ويستظهرها تماماً كما كان يحفظ القرآن الكريم ونهج البلاغة ومقامات الحريري ومقامات بديع الزمان الهمداني. وعندما يتلو بعض الفصول يهتز لها إعجاباً بها، واذكر صوته الجهوري مضافاً إلى بسطته في العلم والجسم ونقل لي ولده بعض الاكتشافات والتجليات والكرامات التي تدل على روحانيته وشدة ولائه وعقيدته ومنها يظهر إيمانه الراسخ بالفكرة والمبدأ.

١٨٦

السيد ناصر الاحسائي

المتوفى ١٣٥٨

هذي مضاجع فهر أم مغانيها

أم السماء تجلت في معانيها

فحط رحل السرى فيها وحي بما

يجري من العين دانيها وقاصيها

ودع قلوصك فيها غير موثقة

وخلّ عنها عساها أن تحييها

ولا تلمها إذا ألوت معاطفها

يوماً لتقبيل باديها وخافيها

فما دهاك دهاها من أسى وجوى

وما دعاك لسكب الدمع داعيها

كلا كما ذو فؤاد بالهوى كلف

وأنتما شركا في ودّ مَن فيها

قوم على هامة العلياء قد بنيت

لهم بيوت تعالى الله بانيها

ومعشر للمعاني الغر قد شرعوا

طرقاً بأخلاقهم ما ضلّ ساريها

وأسره قد سمت كل الورى شرفاً

فلم يكن أحد فيه يدانيها

لووا عن العيش أعطافاً أبين لهم

مسّ الدنية تكريماً وتنزيها

فقاربت بين آجال لهم شيم

إذ المنايا طلاب العز يدنيها

رأوا حياتهم في بذل أنفسهم

في موقف فيه حفظ العز يحييها

ولا يعاب امرؤ يحمي مكارمه

بنفسه فهو حر حيث يحميها

في الهام أمست تغني بيضهم طرباً

وسمرهم تتثنى في الحشا تيها

والخيل من تحتهم فلك جرى بهم

في موج بحر دم والله مجريها

والنقع قام سماءً فوق أرؤسهم

آفاقها أظلمت منه نواحيها

لكن أجرامهم قامت بها شهباً

لولا ضياء شباها ضل ساريها

١٨٧

ترمي العدى بشواظ من صواعقها

فلا ترى مهرباً منه أعاديها

رووا بماء الطلا بيض الظبى ولهم

أحشاء ما ذاق طعم الماء ظاميها

حتى إذا ما أقام الدين واتضحت

آياته وسمت فيهم معانيها

وشيدوا للهدى ركناً به أمنت

أهل الرشاد فلا لافى مساعيها

وشاء أن يجزي الباري فعالهم

من الجزاء بأوفى ما يجازيها

دعاهم فاستجابوا إذ قضوا ظمأ

بأنفس لم تفارق أمر باريها

فصرعوا في الوغى يتلو مآثرهم

في كل آن مدى الأيام تاليها(١)

حجة الإسلام السيد ناصر الاحسائي، مولده في الاحساء سنة ١٢٩١ ه‍. ووفاته سنة ١٣٥٨ ه‍. نشأ نشأة صالحة وتربى على يد أبيه الفقيه الكبير، وبعد وفاة أبيه هاجر إلى النجف الأشرف موطن العلم والعلماء وأكبر جامعة في الفقه فدرس على المرحوم الشيخ محمد طه نجف والشيخ محمود ذهب والشيخ هادي الطهراني ثم عاد إلى الاحساء مرشداً عالماً تقياً ورعاً ثم عاد إلى النجف مرة ثانية فدرس على الشيخ ملا كاظم الأخوند وشيخ الشريعة الأصفهاني والسيد أبو تراب ولما كثر الطلب عليه من أهالي الاحساء لحاجتهم اليه وجعلوا مراجع الطائفة وسائط له عاد ومكث بينهم يفيض من معارفه ويرشدهم إلى ما فيه صلاحهم حتى وافاه الأجل ليلة الاربعاء ثالث شهر شوال سنة ١٣٥٨ ه‍.

تشرفت برؤية محياه الأنور واستمعت إلى حديثه الشهي وتزودت من نصائحه ومعارفه، صباحته ونور أساريره يشهدان له بأنه من ذرية الرسول ومن حَمَلة علومهم، مثالاً للورع والتقى والعبادة والزهادة كنتُ كلما ارتقيت الأعواد أصغى إلى بكله ويستجيد ويستحسن فضائل أهل البيت ومآثرهم ويرتاح لسماع مناقبهم، يعظم الكبير والصغير ولا يستخف بأحد وأذكر أني فرغتُ

__________________

١ - عن الذكرى التي قام بتأليفها الخطيب السيد محمد حسن الشخص.

١٨٨

من خطابي مرةً فجلست - وكان حديثي عن سيرة الإمام الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام . فقال السيدرحمه‌الله ما نصه:

ومن أقوال الإمام الصادقعليه‌السلام : العاقل لا يستخف بأحد وأحق من لا يستخف به ثلاثة: العالم والسلطان والإخوان فمن استخف بالعالم أفسد دينه، ومن استخف بالسلطان أفسد دنياه، ومن استخف بالإخوان أفسد مروأته. وكان موضع تجلّة واحترام من جميع الطبقات وكان لوفاته رنة حزن وأسف وقد أبّنته بقصيدة نشرت في ( الذكرى ) التي قام بطبعها وتحقيقها الخطيب الجرئ السيد محمد حسن الشخص سلمه الله وكان مطلع قصيدتي في رثائه:

نعى البرق رمز التقى والهدى

فقلنا لقد طاح ركن الهدى

ومن رثائه للامام الحسين (ع):

كم قد تؤمل نفسي نيل منيتها

من المعالي وما ترجو من الاربِ

كما تؤمل أن تحظى برؤية من

يزيح عنها عظيم الضر والكرب

ويملأ الأرض عدلاً مثل ما ملئت

بالظلم والجور والابداع والكذب

يا غائباً لم تغب عنا عنايته

كالشمس يسترها داج من السحب

حتى مَ تقعد والإسلام قد نقضت

عهوده بسيوف الشرك والنصب

ويرتجيك القنا العسال تورده

من العداء دماءً فهو ذو سغب

والبيض تغمدها أعناق طائفة

منهم مواليك نالوا أعظم العطب

وتوعد الخيل يوماً فيه عثيرها

سحائب برقها من بارق القضب

تهمى بماء الطلا من كل ناحية

حتى تروي منه عاطش الثوب

فانهض فديتك ما في الصبر من ظفر

فقد يفوت به المطلوب ذا الطلب

أما أتاك حديث الطف إن به

آباءك الغر قاسوا أعظم النوب

غداة رامت أمي أن يروح لها

طوع اليمين أبيٌ واضح الحسب

ويركب الضيم مطبوع على همم

أمضى من السيف مطبوعاً من اللهب

١٨٩

فأقبلت بجنود لا عداد لها

تترى كسيل جرى من شامخ الهضب

من كل وغدٍ لئيم الأصل قد حملت

به العواهر لا ينمى إلى نسب

وكل رجس خبيث قد نماه إلى

شر الخلائق والأنساب شرأب

حتى تضايق منها الطف وامتلأت

رحابه بجيوش الشرك والنصب

فشمرت للوغى إذ ذاك طائفة

لم تدر غير المواضي والقنا الرطب

قوم هم القوم لم تفلل عزائمهم

في موقف فل فيه عزم كل أبي

من كل قرم كأن الشمس غرته

لو لم يحل بها خسف ولم تغب

وكل طود إذا ما هاج يوم وغى

فالوحش في فرح والموت في نصب

وكل ليث شرى لم ينج منه إذا

ما صال قرم باقدام ولا هرب

مشوا إلى الحرب من شوق لغايتها

مشي الظماة لورد البارد العذب

فأضرموها على الأعداء نار وغى

تأتي على كل من تلقاه بالعطب

وأرسلوها بميدان الوغى عرباً

كالبرق تختطف الأرواح بالرهب

وجردوها من الأغماد بيض ضباً

تطوي الجموع كطي السجل للكتب

وأشرعوها رماحاً ليس مركزها

سوى الصدور من الأعداء واللبب

صالوا فرادى على جمع العدى فغدت

صحاحه ذات كسر غير منأرب

وعاد ليلهم يمحونه بضبى

لا يتقى حدها بالبيض واليلب

حتى إذا ما قضوا حق العلا ووفوا

عهد الولى وحموا عن دين خير نبي

وجاهدوا في رضى الباري بأنفسهم

جهاد ملتمس للأجر محتسب

دعاهم القدر الجاري لما لهم

أعد من منزل في أشرف الرتب

فغودروا في الوغى ما بين منعفر

دامى ومنجدل بالبيض منتهب

ظامين من دمهم بيض الضبى نهلت

من بعد ما أنهلوها من دم النصب

لهفي لهم بالعرى أضحى يكفنهم

غادى الرياح بما يسفى من الترب

وفوق أطراف منصوب القنا لهم

مرفوعة أرؤس تعلو على الشهب

ونسوة المصطفى مذ عدن بعدهم

بين الملا قد بدت أسرى من الحجب

وسيّرت ثكلا أسرى تقاذفها

الأمصار تهدى على المهزول والنقب

١٩٠

ان تبكي اخوتها فالسوط واعظها

وفي كعوب القنا إن تدعهم تجب

وبينها السيد السجاد قد وثقت

رجلاه بالقيد يشكو نهشة القتب

يبكي على ما بها قد حلّ من نوب

وتبكي مما عليه حلّ من كرب

واحر قلباه أن تدعُ عشيرتها

غوث الصريخ وكهف الخائف السغب

تدع الأولى لم يحلّ الضيم ساحتهم

من لم يضع بينهم ندب لمنتدب

تدعوهم بفؤاد صيرته لظى الأحزان

ناراً فأذكى شعلة العتب

تقول ما لكم نمتم وقد شهرت

نساؤكم حسراً تدعو بخير أب

حتى متى في عناق الضيم همتكم

وللمواضي عناق الماجد الحسب

ونومكم في ظلال العز عن دمكم

والنوم تحت القنا أولى بكل أبي

ما أنتم أنتم إن لم يضق بكم

رحب الفضاء على المهرية العرب

وتوقدوها على الأعداء لاهبة

حتى يكون بها من أضعف الحطب

فكم لكم في قفار الأرض من فئة

صرعى ومن نسوة أسرى على القتب(١)

__________________

١ - عن ذكرى السيد الاحسائي.

١٩١

السيد مهدي الأعرجي

المتوفى ١٣٥٩

سقت ربعاً بسلع فالغميم

غوادي الدمع لا الغيث العميم

وقفتُ به أُجيل الطرف فيه

على تلك المعالم والرسوم

أُكلّمه وليس يردّ قولاً

فأصدر عنه في قلب كليم

فكم لي فيه من زمن تقضّى

بشرب سلافة وعناق ريم

بحيث العيش للأحباب رغدٌ

ووجه الأرض مخضرّ الأديم

وشمس الراح في يمنى هلال

يطوف بها على مثل النجوم

رشاً رقّت محاسنه فأضحى

يؤلم خدّه مرّ النسيم

فكم من ليلة مرّت علينا

إلى الاصباح وهو بها نديمي

أريه الدمع منثوراً إذا ما

أراني درّ مبسمه النظيم

أرخّم دمع عيني إذ أراه

كحيل الطرف كالظبي الرخيم

فياربع الأحبة طبت ربعاً

وطاب ثراكِ يا دار النعيم

محاك الدهر يا ربع التصابي

وخانك حادث الزمن المشوم

وفيك الدهر لم يحفظ ذمامي

لحاه الله من دهر ذميم

كما لم يرع للهادي ذماماً

بأهليه ذوي الشرف القديم

رماهم بالخطوب فمن شريد

نأى عمّن يحب ومن سميم

ومقتول بجنب النهر ظام

سليب الثوب مسبيّ الحريم

١٩٢

تساق نساه أسرى من ظلوم

على عجف النياق إلى ظلوم

تحفّ بها العداة فمن لئيم

يعنّفها وأفّاكٍ أثيم

وإن يبكي اليتيم أباه شجواً

مسحن سياطهم رأس اليتيم

وليس لها حميّ يوم سارت

يلاحظها سوى مضنى سقيم

براه السقم حتى صار مما

به سقماً يميل مع النسيم

ورأس ابن النبي على قناةٍ

يرتّلُ آي أصحاب الرقيم

وينذر في النهار القوم وعظاً

ويهدي الركب في الليل البهيم

فلم أرَ قبله بدراً تجلّى

له برج من الرمح القويم

وأعظم ما تسحّ له المآقي

بدمع دونه وكف الغيوم

وقوف بنات خير الخلق طراً

أمام طليقها الرجس الزنيم

السيد مهدي الأعرجي ابن السيد راضي ابن السيد حسين ابن السيد علي الحسيني الأعرجي البغدادي. ولد السيد مهدي في النجف الأشرف سنة ١٣٢٢ ه‍. درس فن الخطابة على خاله الخطيب الشهير الشيخ قاسم الحلي زاول نظم الشعر وعمره أربعة عشر سنة. وأول قصيدة نظمها هي قصيدته في رثاء الإمام الحسن السبط (ع).

قضى الزكي فنوحوا يا محبيه

وابكوا عليه فذى الأملاك تبكيه

درس العربية والعروض على العلامة الكبير شيخ الأدب السيد رضا الهنديرحمه‌الله . توفي السيد مهدي سنة ١٣٥٩ ه‍. غريقاً بشطّ الفرات في الحلة يوم الخامس من شهر رجب. جمع ديوانه شقيقه الخطيب السيد حبيب وتزيد صفحاته على الثلثمائة وله مخطوطات كتبها بيده وخطه الجميل في المراسلات والتواريخ وغيرها وأرجوزة في تواريخ المعصومين أكبر من أرجوزة الشيخ الحر العاملي، أصيب بانحلال في الأعصاب تعتريه غفوات مع سكتة لكنه يقظ

١٩٣

حي الشعور، فطن يقوم بواجبه أحسن قيام متدين ورع لم يعبأ بالعسر الذي لازمه وألح عليه ومن شعره في ذلك:

وكأن دهري سيبويه فكم له

بالعالمين تحرك وسكون

وكأنني إسم مضاف دائماً

ودراهمي بين الورى تنوين

أتصوره جيداً وأتمثله نصب عيني، طيب القلب إلى أبعد حدود الطيب ولم يك في البشر ممن رآه ولم يهواه ويحبه لصفائه إذ هو لا يستخف بأحد ولا يحقد على مخلوق مازحته مرة وأكثرت فتألم وتبرّم وفي لقاء آخر إعتذرت اليه فأجابني: أنا راضي بن راضي. لأن أباه هو السيد راضي الأعرجي، وداعبه الشيخ ضياء الدخيلي فاستاء منه وارتجل:

طبعي يقول بأني

أمجّ كل ثقيل

وقد يهون ثقيل

إلا ضياء الدخيل

كانت محافل الأدب مستمرة في النجف فلا يكاد يقترن أحد الادباء إلا وتقام له المحافل الشعرية كل يوم عصراً لمدة ربما استمرت شهراً واحداً أو أكثر لذا تجد الكثير من الأدباء يحتفظ بمجموع أدبي شعري وكان الأعرجي خصب القريحة يشارك في أكثر الحلبات مجلٍّ في مواقفه ومن مميزاته سرعة البديهة والقدرة على نظم الشعر بسرعة فإذا طالبته بنظم قصيدة إعتزل ساعة ثم أخذ يطبق جفنيه ويفتحهما ويكتب، وكثيراً ما يسبق شعوره قلمه. لقد رويت للأخ الخاقاني مرة عن نبوغ هذا الشاعر وسجّل ما رويت له في شعراء الغري.

ذلك أن جلس مرة في الصحن العلوي وجلس إليه الشاعر محمود الحبوبي وجواد قسّام ومَن لا يحضرني اسمه وذلك في فصل الربيع ففاجأتنا غمامة بعزاليها فالتجأنا إلى إحدى غرف الصحن فاقترح أحدهم أن يشترك الجميع بنظم قطعة بوصف الغيث وقال: هطل السحاب على الربى ملثانا فأجازه السيد الأعرجي بقوله: فغدت حبال المحل منه رثاثا

١٩٤

وقال أحدهم: أنظر إلى لطف الكريم ومنّه

فقال: يوليك غيثاها جلاً وغياثا

وقالوا: الأرض تبسم والزهو تضاحكت

فقال: فكأن ذي عطشى وتلك غراثا

وهكذا استمرّ حتى تضاحكوا وشهدوا له بالتفوق. وحضرت معه في مجلس وكان يقرأ احد الحاضرين موضوعاً للمنفلوطي مصطفى في كتابه ( النظرات ) وعنوان المقال ( الغد ) وعندما فرغ أخذ السيد الأعرجي مضمون المقال وحوّله إلى شعر فقال:

يا ناسج الرداء أنت آمنٌ

من أن يكون كفناً لك الردا

ولابس الثوب لتختال به

قل لي متى أمنتَ نزعه غدا

...

يا صاح إن المرء لا يعلم ما

يجيء فيه غده كأمسه

من داره يخرج لا يدرى إلى

العتبة أم إلى شفير رمسه(١)

ويغرس البستان لا علم له

أن لا يكون آكلاً من غرسه

ويجمع المال ولكن كله

يكون بعده لزوج عرسه

...

كانني بالغد وهو رابضٌ

ينظر بالهزء إلى آمالنا

يرى على الدنيا تكالباً لنا

فينثني يضحك من أحوالنا

ثم يرانا لم نزل في غفلة

ليس نفيق قط من إغفالنا

فينثني يصفق راح كفه

تعجباً للسوء من أفعالنا

__________________

١ - إذ أن من قول المنفلوطي: لقد غمض الغد عن العقول حتى لو أن انساناً رفع قدمه ليضعها في خروجه من باب قصره لا يدري أيضعها على عتبة القصر أم على حافة القبر.

١٩٥

كم مُمتلٍ من الغنى في يومه

أصبح في غد فقيرا مملقا

وكم وضيع لم يكد يعرف في

الناس إلى أوج الثريا حلّقا

وكم أناس جمع اليوم لهم

شملاً فأضحى في غد مفترقا

هذا هو الدهر تراه تارةً

مغرّباً وتارةً مشرقا

وفي حفلة أدبية بمناسبة قران أحد الأدباء تقدم الاستاذ ابراهيم الوائلي في داره الواقعة في النجف محلة الحويش ينشدنا عصراً قصيدته التي يتحامل بها على القديم وتقاليد الآباء ويسخر من اللحية فيقول:

قالوا اللحى قلت احلقوها إنها

هي للمدلّس صرام وسنانُ

وفي اليوم الثاني يطلع السيد الأعرجي بقصيدته التي أولها:

كم بالتمدن تملأ الأشداق

ولدى الحقيقة ما له مصداق

قد أجحفوا بحقوق شعبهم كما

بلحاهُم قد أجحف الحلاق

ويشفعها برائعته المطربة وينشدها الخطيب خضر القزويني وأولها:

في ذمة التمدن الكاذب

حلقك للحية والشارب

وللسيد الأعرجي ظرف وخفة روح بالرغم من الجهمة التي لا تفارق محياه فلا تكاد تفوته النادرة والنكتة، فقد دار الحديث مرة عن البلهاء والمغفلين فروى لنا أن أحدهم كان يدير بمسبحته ويذكر الله ويريد أن يقول في الجزء الأول الله أكبر، وفي الجزء الثاني: سبحان الله، وفي الجزء الثالث: الحمد لله ولكنه غفل في الجزء الثاني وضلّ يردد سبحان الله ثم انتبه فأراد أن يسترجع الزائد فجعل يقول: لا سبحان الله، لا سبحان الله ولنستمع إلى ترانيمه المطربة وغزله الرقيق من قصيدة:

بات على غنا الهزار في السحر

يصفق النهر ويرقص الشجر

وبات ثغر الاقحوان باسماً

والنرجس الغض يحدّه النظر

والليل بحر والهلال زورق

والنجم قد طفى عليه كالدرر

أو أنه ملك من الزنج أتى

وعرشه الجوّ وتاجه القمر

١٩٦

وقال يداعب الخطيب خضر القزويني:

يا خضر أنت خليلي في الأنام كما

أنت المؤمل للمعروف من بعدي

تُرى معي كل آن في ملازمة

والخضر ليس يرى إلا مع المهدي

وكتب للحجة الكبير الشيخ هادي ابن الشيخ عباس كاشف الغطاء يطلب منه ( سبيلا ) وهو ما يشرب به التبغ:

يا بن عباس همومي كثرت

في الحشى حتى غدا القلب عليلا

فأنا التائه في سبل الهوى

فاهدني - يا هادي الناس - سبيلا

وكتب للأديب العلامة السيد أحمد السيد رضا الهندي:

أأحمد يا ابن خير الخلق طراً

ومن كان الحريّ بكل مجد

لئن لُقّبتَ بالهندي فينا

فإن السيف يقطع وهو هندي

فأجابه:

أَمهديَّ الورى أطريت وصفي

فكنتَ به جدير الذكر عندي

لئن ضلّ الورى سنن المعالي

فإنك يا ابن خير الخلق مهدي

وقال في وردة بيد صديق:

وزهرة طيبها من طيب صاحبها

تفوح كالعنبر المسحوق بالطيب

من طبعه اكتسبت نشراً لصحبته

والطبع مكتسب من كل مصحوب

ولأن الأعرجي لا يرتضي من الشعر إلا ما كان منبعثاً عن الشعور، فيندفع قائلاً:

ما الشعر إلا شعور

تجيش فيه العواطف

وخيره ما تراه

عن الحقيقة كاشف

ومن ألطف ما أروي له تاريخ وفاة الخطيب المحبوب الشيخ محمد حسين الفيخراني وقد توفاه الله ببغداد على أثر عملية جراحية.

١٩٧

مات في الكرخ حسين

نائي الدار كئيب

فابكه واندب وأرخ

واحسين واغريب

وأرخ عام سحب الماء للنجف على نفقة معين التجار وصديقه رئيس التجار سنة ١٣٤٣ ه‍.

أجرى المعين من الرئيس عليهما

كل الثنا ماء الفرات إلى الغري

فأقام طير البشر فيه مؤرخاً

ان المعين له معين الكوثرِ

وإلى جنب إعجابي به فإن لي عليه مؤاخذات لا أودّ ذكرها ومن تلك المؤاخذات قوله كما رواه الخاقاني في شعراء الغري:

زار يختال كغصن

في الصَبا إذ يتحرك

فافتضحنا بسناه

يا جميل الستر سترك

والمعنى للشيخ البهائي كما روى الشيخ علي كاشف الغطاء في الجزء الرابع من مخطوطه ( سمير الحاظر وأنيس المسافر ) ص ٣٠٨:

زارني ليلاً فبتنا

في ظلام ليس يدرك

وأدرنا الكاس حتى

كادت الحشمة تترك

فأتى الواشي فقلنا

يا جميل الستر سترك

أما ولاؤه لأهل البيت وتفانيه في حبّهم فهو من ألمع ميزاته ولا زلت أتمثله في المآتم الحسينية يجهش بالبكاء وقد أفنى عمره في خدمة المنبر الحسيني وهذه روائعه ومراثيه تذيب الصخر إذ أنها تنصبّ من منبع الألم والثكل وقلب مكلوم.

ومقتول بجنب النهر ظام

سليب الثوب مسبيّ الحريم

تساق نساه أسرى من ظلوم

على عجف النياق إلى ظلوم

وإن يبكي اليتيم أباه شجواً

مسحن سياطهم رأس اليتيم

١٩٨

وإلى جانب هذه الموهبة بالفصحى فهو ذا ملكة قوية بالنظم باللغة الدارجة متفنن فيها ففي الموال والأبوذية والشعر الدارج لا يُجارى وهناك ميزة يتفرّد بها وهي قدرته على نظم الهزل فكان في شهر ربيع الأول يوم الرابع عشر منه وهو يوم هلاك يزيد بن معاوية يسمعنا من نظمه ما يضحك الثكلى فهناك اصطلاحات تختص بها الأقطار والأمصار والبلدان وترى البعض ينتقد البعض ويضحك منها فهو ينظمها ثم ينوّع القصيدة فبيت بالفارسية وآخر بالتركية وثالث بالكردية ورابع بالهندية ومصطلحات الشرقي والغربي وهكذا، وهذا مما يكاد ينفرد به:

ومن حسينياته:

ما بال فهر أغفلت أوتارها

هلا تثير وغى فتدرك ثارها

أغفت على الضيم الجفون وضيعت

يا للحمية عزها وفخارها

عجباً لها هدأت وتلك أمية

قتلت سراة قبيلها وخيارها

عجباً لها هدأت وتلك نساؤها

بالطف قد هتك العدى أستارها

من كل ثاكلة تناهب قلبها

كف الأسى ويد العدو خمارها

لهفي لها بعد التحجب أصبحت

حسرى تقاسي ذلها وصغارها

تدعو أمير المؤمنين بمهجة

فيها الرزية أنشبت أظفارها

أبتاه يا مردي الفوارس في الوغى

ومبيد جحفلها ومخمد نارها

قم وانظر ابنك في العراء وجسمه

جعلته خيل أمية مضمارها

ثار تغسله الدماء بفيضها

عار تكفنه الرياح غبارها

وخيول حرب منه رضت أضلعاً

فيها النبوة أودعت أسرارها

وبيوت قدس من جلالة قدرها

كانت ملائكة السما زوّارها

يقف الأمين ببابها مستأذناً

ومقبلاً أعتابها وجدارها

أضحت عليها آل حرب عنوة

في يوم عاشورا تشن مغارها

١٩٩

كم طفلة ذعرت وكم محجوبة

برزت وقد سلب العدو أزارها

ويتيمة صاغ القطيع لها سواراً

عندما بز العدو سوارها

أين الكماة الصيد من عمرو العلي

عنها فترخص دونها أعمارها

أين الكماة الصيد من عمرو العلي

لتثير للحرب العوان غبارها

وله من التخاميس والتشاطير شيء كثير وقد أثبتّ في مؤلفي ( سوانح الأفكار ) جملة من ذلك، حتى أنه خمّس بعض القصائد بكاملها ومنها قصيدة السيد جعفر الحلي الحسينية وأولها:

وجه الصباح عليّ ليلٌ مظلم

وربيع أيامي عليّ محرم

وهي ٧٥ بيتاً. كما روي لي من نظمه تخميس ميمية السيد حيدر الحلي التي أولها:

إن لم أقف حيث جيش الموت يزدحم

فلا مشت بي في طرق العلا قدم

وروي لي من نظمه تخميسه بيتين للسيد رضا الهندي في وداع زينب الكبرى لجثة أخيها الحسين (ع):

مرّت بهم زينب لما نووا سفرا

بها العدى فأطالت منهم نظرا

ومذ رأت صنوها في الترب منعفرا

همّت لتقضيَ من توديعه وطرا

وقد أبى سوط شمر أن تودعه

إذا دنت منه سوط الشمر أرجعها

ورمح زجر متى تبكيه قنّعها

فلم تودّع محاميها ومفزعها

ففارقته ولكن رأسه معها

وغاب عنها ولكن قلبها معه

ومن روائعه في الولاء قوله في الشهيد مسلم بن عقيل:

يكفيك يا ابن عقيل فخراً في الورى

فيه سموت إلى السماك الأعزل

إذ في رسالته الحسين لك ارتضى

حيث الرسول يكون عقل المرسل

٢٠٠

وقال:

أزائر أكتاف الحمى إبدء بمسلم

وعج لعليِ غوث كل دخيل

فإن علي المرتضى باب أحمد

وباب عليٍ مسلمُ بن عقيل

ويقصد الإمامين الكاظمين ويقف على المرقد ويقول:

لموسى والجواد أتيت أسعى

لأشكو ما بقلبي من لواعج

فذا باب المراد لمن أتاه

وهذا للورى باب الحوائج

ومن قصائده الشهيرة قصيدته في الشهيد مسلم بن عقيل وأولها:

هذي مرابعهم فحيّ وسلّم

واعقل وقف فيها وقوف متيم

وأخرى في زيد الشهيد إبن الإمام السجاد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) وأولها:

خليليّ عوجا بي على ذلك الربع

لأسقيه إن شحّ الحيا هاطل الدمع

وثالثة يذكر فيها أبا الفضل العباس حامل لواء الحسين (ع) يوم كربلاء، أولها:

كم ذا على الأطلال دمعك يسجم

وإلى مَ بالتذكار قلبك مغرم

ورابعة في الصديقة الزهراء (ع) بنت الرسول الأعظم (ص)، أولها:

يا أيها الربع الذي قد درسا

باكرك الغيث صباحاً ومسا

وخامسة في الامام موسى الكاظمعليه‌السلام ، أولها:

رحلوا وما رحلوا أهيل ودادي

إلا بحسن تصبري وفؤادي

ولنقتطف من ديوانه بعض الروائع، قال مخمساً:

شبّ الهوى في الفؤاد نارا

وهيّم القلب فاستطارا

لشادن يشبه العذارى

وأهيف من بني النصارى

بسهم ألحاظه رميتُ

٢٠١

له يدٌ تبهج النفوسا

بيضاء قد فاقت الشموسا

فهو وإن كان مثل موسى

خالف في المعجزات عيسى

فذاك يحيي وذا يميتُ

ومن مراسلاته الأدبية رسالة للمرجع الديني السيد أبو الحسن الاصفهاني قوله فيها:

جاء الشتا وليس لي من عدة

أعتدّ فيها من طوارق الزمن

وها أنا أريد لي عباءة

وإن من أهل العبا أبو الحسن

ومن روائعه قصيدته في الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء عند رجوعه من المؤتمر الإسلامي بفلسطين وأولها:

طلعت علينا طلوع القمر

فأهلاً بهذا المحيّا الأغر

فهذي نوادي العلا أشرقت

وأفق الكمال ازدهى وازدهر

ولقد تحدثتُ منبرياً عن حياة زيد الشهيد إبن علي السجاد إبن الإمام الحسينعليه‌السلام وكان حاظراً فارتجل قائلاً:

أبا يحيى ويا مَن فاق قدراً

على هام السهى والفرقدين

لموقفك الذي استشهدت فيه

كموقف جد السبط الحسين

وقال مقرضاً كتاب ( ثمرات الأعواد ) للخطيب السيد علي الهاشمي:

ولقد بكيت على الحسين بناظر

أدمت مآقي جفنه عبراته

حتى سقيت بأدمعي شجر الأسى

فنما وطال وهذه ثمراته

وقال في مريض لاذ بحرم أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام :

لقد كنتُ بالسلّ المبرح داؤه

فشافاني العباس من مرض السل

ففضّلت بين الناس قدراً وإنما

لي الفضل إذ أني عتيق ( أبي الفضل )

وقال في رثاء الحسينعليه‌السلام ، وأولها:

ما بكائي لرسم ربع بالي

قد محاه مرّ السنين الخوالي

٢٠٢

وقال في مطلع قصيدة عند مطلع شهر المحرم:

ليت الهلال هلال شهر محرم

عجل الخسوف له ولم يتمم

وسجّلتُ في مؤلفي ( سوانح الأفكار ) قصيدته في شباب كربلاء يوم الحسين (ع)، وأولها:

لا تركنن إلى الحياة

إن المصير إلى الممات

وقال في مطلع مرثية للإمام الحسين (ع):

هذي الطفوف فقف بها واستوقف

واسقي ثراها بالدموع الذرف

وقال في الحسينعليه‌السلام وأولها:

حتى متى أجفاننا عبرى

وإلى متى أكبادنا حرّى

كتب عن الشاعر وترجم له جملة من الباحثين وقالوا: كانت سنة وفاته هي الثامنة والخمسين بعد الثلثمائة والألف، والصحيح هي التاسعة والخمسين بعد الثلثمائة والألف وكان تاريخ وفاته ( مهدي غرق ) كما نظم الخطيب الشيخ حسن الشيخ كاظم سبتي في تاريخ وفاته:

قد هجر الدنيا أبو صالح

مهاجراً لله أوّابا

أعماله صالحة لا يرى

قط بدين الله مرتابا

أفديه ليثاً غاب عن أهله

واتخذ القبرَ له غابا

عوّذ بالخمسة مذ أرخوا

مهديّ آل المصطفى غابا

وسلسلة نسب الشاعر كما في الديوان: السيد مهدي بن راضي بن حسين بن علي بن محمد بن جعفر بن مرتضى بن شرف الدين بن نصر الله بن زروز بن ناصر بن منصور بن أبي الفضل النقيب عماد الدين موسى بن علي بن أبي الحسن محمد بن أحمد البن إبن الأمير محمد الأشتر نقيب الكوفة والحائر الحسيني إبن عبيد الله بن علي الصالح بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين الشهيد (ع).

٢٠٣

السيد صالح الحلّي

المتوفى 1359

يرثي علي بن الحسين الأكبر شهيد الطف:

يا نيراً فيه تجلى ظلمة الغسق

قد غاله الخسف حتى انقضّ من أفق

ونبعة للمعالي طاب مغرسها

رقت وراقت بضافي العز لا الورق

حرّ الظبا والظما والشمس أظمأها

وجادها النبل دون الوابل الغدق

يا ابن الحسين الذي ترجى شفاعته

وشبه أحمد في خلق وفي خُلُق

أشبهتَ فاطمة عمراً وحيدرة

شجاعة ورسول الله في نطق

يا خائضاً غمرات الموت حين طمى

فيض النجيع بموج منه مندفق

لهفي عليه وحيداً أحدقت زمر

الأعدا به كبياض العين بالحدق

نادى عليك سلام الله يا أبتا

فجاء يعدو فألفاه على رمق

نادى بنيّ على الدنيا العفا وغدا

مكفكفاً دمعه الممزوج بالعلق

قد استرحت من الدنيا وكربتها

وبين أهل الشقا فرداً أبوك بقي

أبو المهدي السيد صالح ابن السيد حسين ابن السيد محمد حسيني النسب حليّ المحتد والمولد وتناديه عامة الناس أبو مهيدي خطيب أو أشهر خطباء المنبر الحسيني إذ أن شهرته الخطابية لم يحصل على مثلها خطيب حتى اليوم يتحلى بجرأه قوية وبسطة في العلم والجسم. ولد سنة 1289 ه‍. في الحلة وهاجر منها إلى النجف 1308 ه‍. وهو في التاسعة عشرة من عمره وأكمل دروسه في

٢٠٤

العربية والمعاني والبيان عند الشيخ سعيد الحلي والشيخ عبد الحسين الجواهري ودرس كتابي المعالم والقوانين في الأصول على العلامة الشهير السيد عدنان ابن السيد شبر الغريفي الموسوي، وكتابي الرسائل والمكاسب عند الشيخ علي ابن الشيخ باقر الجواهري وعلى الشيخ ملا كاظم الخراساني صاحب الكفاية وهو في كل ذلك يتعاهد ملكته الأدبية ولم تكن له يومئذٍ صلة بالخطابة وفي سنة 1318 ه‍. أحسّ من نفسه القدرة على الخطابة وقوة البيان وطلاقة اللسان فتوجّه أول ما توجه إلى حفظ الكثير من ( نهج البلاغة ) من خطب الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ولم يك في عصره من الخطباء المجددين في الفن إلا المرحوم الشيخ كاظم سبتي فهو أظهر الخطباء وأبرزهم فنبغ السيد صالح وأخذ يجاريه ويزاحمه ومن حسن الصدف أن يولي العالم الكبير والمؤرخ الخبير السيد باقر الهندي عنايته خطيبنا الصالح فيسهر على توجيهه وإرشاده، وهناك لمع نجمه واشتهر اسمه فقد كان من المتعارف أن يجتمع خطيبان في محفل واحد بالتعاقب وصادف أن دُعي الخطيبان: سبتي والحلي ولحداثة سنّ السيد صالح والأصول المتبادلة في إحترام الخطباء للأكبر سناً فقد رضي السيد صالح أن يكون هو الأول كمقدمة للشيخ كاظم. أما المعروف بين الناس أن الخطيب الثاني إنما تظهر براعته إذا تناول نفس الموضوع الذي طرقه الخطيب الأول بإضافة شيء جديد وتتمة للموضوع الأول. فكان حديث السيد صالح عن سيرة أبي الفضل العباس وهكذا تقدم الشيخ كاظم وتكلم فأجاد ولم يك بحسبان شيخنا الخطيب أن السيد صالح قد أعدّ نفسه وهيأ من المادة الكافية للتحدث عن أبي الفضل العباس في الليالي العشر كلها وهذه براعة منبرية وقدرة تؤهله للتقدم والبروز وهكذا استمر في أدوار حياته بطلاً منبرياً وخاض غمرات سياسية وإصلاحية فكان المنتصر في أكثرها وفي الثورة العراقية عام 1920 م. في الفرات الأوسط ومطالبة الشعب بالحكم الوطني كان صوت السيد صالح أعلى الأصوات واستمر يحرض القبائل حتى قبض عليه الإنكليز في بعقوبة وأبعدوه إلى البصرة ثم إلى المحمرة فآواه أميرها الشيخ خزعل خان وأحسن وِفادته

٢٠٥

واستمر في صراعه مع اللادينيين الذين يتسترون بإسم التهذيب والتنظيم ومن المؤسف أن تنجح مؤامرة اولئك الذين يظهرون خلاف ما يبطنون فيروّجون إشاعة سبه للعلماء وتنقسم كلمة رجال الدين فمن مناصر له ومن محارب وتنتعش تلك الطغمة التي لا يطيب لها العيش إلا في الأوحال والقيل والقال. لقد ضعفت قوته وضعف عزمه ولبث ملازماً بيته إلى أن توفاه الله ليلة السبت 29 شوال 1359 ه‍. في الكوفة فحُمل على الرؤوس تعظيماً له حتى دفن بوادي السلام في مقام المهدي ونعاه المنبر وبكته الخطابة ورثاه العلامة الجليل الشيخ عبد المهدي مطر بقصيدة فاخرة منها:

نعتك الخطابة والمنبر

وناح لك الطرس والمزبر

وفيك انطوت صفحة للبيان

بعير لسانك لا تنشر

إهتم الخطيب الأديب السيد محمد حسن الشخص سلمه الله بجمع ديوانه وسجّل له كل شاردة وواردة، وهذه رائعة من روائعه في أبي الفضل العباس ابن أمير المؤمنين (ع):

من هاشم سلبت أمية تاجها

وفرت بسيف ضلالها أوداجها

تخلو عرينة هاشم من أُسدها

وتكون ذئبان الفلا ولاجّها

قوم إذا الهيجا تلاطم موجها

خاضوا بشزّب خيلهم أمواجها

ما بالها أغضت وعهدي أنها

كانت لكل ملمة فرّاجها

ومنها:

للشوس عباس يريهم وجهه

والوفد ينظر باسماً محتاجها

باب الحوائج ما دعته مروعة

في حاجة إلا ويقضي حاجها

بأبي أبي الفضل الذي من فضله

السامي تعلّمت الورى منهاجها

قطعوا يديه وطالما من كفّه

ديم الدما قد أمطرت ثجاجها

أعمود أخبيتي وحامي حوزتي

وسراج ليلي إن فقدت سراجها

أعزز عليك بأن تراني مفرداً

فاجأت من جيش العدى أفواجها

أفدي محيّاً بالتراب قد اكتست

من نوره شمس الضحى أبهاجها

٢٠٦

الشيخ عبد الله الخضري

المتوفى 1359

يستنهض في أولها حجة آل محمد ويتخلص برثاء الحسينعليه‌السلام :

أبا صالح حتى متى أنت غائب

وليس لهذا الدين غيرك صاحب

لقد خفضتنا نصب عينك عصبة

البغاة وثُلّت من حماكم جوانب

يريدون منا أن نفضّل عصبة

لها الكفر دين والمعاصي مذاهب

على مَن أقام الدين في سيفه الذي

له قد أطاعت من قريش كتائب

أباد قريشاً يوم بدر بسيفه

ويوم حنين ليس إلاه ضارب

فكم كفّ عن وجه النبي جيوشهم

وكم ظهرت منه بأحد عجائب

ويوم تبوك حين ناداه أحمد

وقد هربوا منه هُم والأقارب

أغثني فأنت اليوم كهفي وناصري

فلبّاه لا وانٍ ولا هو راهب

فداؤك نفسي ها أنا اليوم قادم

وكان كما ينحط للرجم ثاقب

فأرداهم صرعى وفلّق هامهم

همام بماضيه تفلّ القواضب

ولما أراد الله لقيا رسوله

فأوحى له بلّغ فإنك غالب

فقام رسول الله يخطب فيهم

ألا بلغوا يا قوم من هو غائب

بأن علياً وارثي وخليفتي

على الناس بعدي وهو للأمر صاحب

٢٠٧

ومنها:

دعوه أن اقدم إننا لك شيعة

نجاهد أفواج العدى ونضارب

فأقبل والأنصار كالأسد خلفه

تقلّهم للطّف جردٌ سلاهب

ومذ خيّموا بالطف دارت عليهم

كتائب تقفو إثرهن كتائب

فصالوا عليهم كالليوث وجرّدوا

سيوفاً بها للظلم هدّت جوانب

هم الأسد لكن الرماح أجامها

وليس سوى عوج السيوف مخالب

ومذ خطبوا العليا ولما يكن لها

سوى النفس مهر والمهند خاطب

أبى عزّهم إلا الردى حيث أنه

تنال به عند الإله المراتب

وما مات منهم واحد غير أنه

تموت بكفّيه القنا والقواضب

ومذ عانقوا بيض الصفاح وبعد ذا

تعانقهم في الخلد حور كواعب

الشيخ عبد الله هو ابن الشاعر الفحل الشيخ محسن ابن الشيخ محمد الخضري كان من العلماء والفضلاء ولد في النجف سنة 1297 ه‍. ونشأ بها بكفالة جدّه لأمه الشيخ إسماعيل فهو الذي وجّهه نحو العلم، وتدرّج على أندية آل كاشف الغطاء وهم أعمامه الأدنون منه فبرع في الفقه والأصول مضافاً إلى تقوى وورع ودين وكان يذهب إلى العشائر الفراتية فيعظ ويرشد ويذكرهم بالآخرة حتى أثر أكبر الأثر على نفوسهم واتجهوا لطاعة الله واجتناب المعاصي والتورع عن الحرام وسبق له أن حمل سلاحه وجاهد دفاعاً عن إستقلال العراق وطرد الكافر عن بلاد الإسلام. توفي فجأة عام 1359 ه‍. ببغداد ونقل للنجف فدفن في الإيوان الذهبي من صحن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وخلّف أربعة ذكور الأستاذ عبد الصاحب، والاستاذ نصر، والعلامة الشيخ كاظم، والاستاذ عبد المنعم. وهم يحتفظون بمجموعة من قصائده فمنه قوله متغزّلاً:

٢٠٨

وبدر السعادة لما استهل

ونحس النجوم وشيكاً أفل

وزالت عن القلب أسقامه

بوصل الحبيب عقيب الملل

وزار الحبيب برغم الرقيب

وكان الطبيب لتلك العلل

رشاً قد سبى الغصن في قدّه

وقد علّم البان ذاك الميل

فوجنته الشمس لما بدت

وطلعته البدر لما اكتمل

ومبسمه الدر لما ابتسم

وما الشهد من ريقه والعسل

يزجّ الاسود برمح القوام

ويصمي القلوب بسيف المقل

فحاجبه قوسه، والحمل

سهام له والقوام الأسل

فيا عاذلي كفّ عنك الملام

فقد ضلّ قلبك مَن قد عذل

٢٠٩

الشيخ مهدي الظالمي

المتوفى 1359

كانت الهيئة الروحية تقيم مأتم العزاء لذكرى سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) في مسجد آل الجواهري بالنجف الأشرف في المحرم فكانت هذه القصيدة الحسينية قد خصصت لها ليلة من الليالي:

متى مُضر الحمراء تطلب ثارها

فتسمع آذان الزمان شعارها

وحتى مَ تستقصي البلاد بجولة

على الأرض تهدي للسماء غبارها

إلى مَ بدار الذل تبقى وما لها

على الضيم دهراً لا تملّ قرارها

أتحسب أن غضت عن الحرب طرفها

بغير وصال الموت تقطع عارها

فلا عذر حتى تورد القوم بالظبا

حياض المنايا أو تخوض غمارها

فيا من بها يستدفع الضر والعدى

حذاراً من البلوى تعزز جارها

دعي البيض في ليل القتام سوافراً

إذا حجبت خيل الكماة نهارها

وزفّي لنيل المجد نفساً أبية

ولا تجعلي إلا الرؤوس نثارها

أديري رحى الهيجاء يوماً لعلّها

عليكِ بوادي الطف تنسى مدارها

غداة حسين خرّ للأرض فانثنت

عليه تشنّ العاديات مغارها

فجرّت اليه المحصنات ذيولها

وقدسلبت أيدي العدو ستارها

فطافت به لما سعت بين قومها

تفاديه والأحشاء ترمي جمارها

وأهوت عليه تلثم النحر والعدى

تجاذبها بين الجموع أزارها

أتستر بالأيدي الوجوه وقومها

أعدّت لدفع الضيم عنها شفارها

فليت أبيّ الضيم ساعة أبرزت

من الخدر حسرى تستقيل عثارها

يرى زينباً بين الأجانب بعدما

أماطت يد الأعداء عنها خمارها

٢١٠

ويا ليتَ مَن في الليل كان يصونها

من الوهم مهما كلفته مزارها

يقوم من الأجداث حيّاً وعينه

ترى بين أيدي الظالمين فرارها

تمنّيتُهُ لما استجارت بقومها

ليسمع منها كيف تدعو نزارها

تقول لهم والخيل من كل جانب

أحاطت بها لما استباحت ديارها

أيا إخوتي كيف التصبر والعدا

أعارت خدور المحصنات صغارها

فإن لم تقوموا للكفاح عوابساً

فمَن بعدكم في الروع يحمي ذمارها

فكم طفلة لما أُقيمت بخدرها

عليها العدى قامت تأجج نارها

فيا لخدور قد أُبيحت ونسوة

أُريعت وعين السبط ترعى انذعارها

فأمست بلا حام عقائل حيدر

أزالت ضروب الهائلات قرارها

وأضحت تحيل الطرف بعد حماتها

فلم ترَ إلا مَن يريد احتقارها

وراحت على عجف النياق أسيرة

تجوب الفيافي ليلها ونهارها

الشيخ مهدي الظالمي هو أحد الفضلاء المشهورين بالجدّ والفضل والعلم والأدب نظم باللغتين: الفصحى والدارجة وكتبتُ ديوانه يوم كانت كل محفوظاتي هي الشعر والشعر فقط ولا أُدوّن إلا الشعر عثرت على ديوانه فكتبته ولم يزل في مخطوطاتي ولا زلت أتصوّرُه جيداً طويل القامة حسن الهندام هادئ الطبع يزدحم الشباب على حلقة درسه ويشار اليه بالبنان. ترجم له الخاقاني في شعراء الغري فهو المهدي بن الهادي بن جعفر بن راضي بن حمود بن اسماعيل ابن درويش بن حسين بن خضر بن عباس السلامي، من أسرة علمية نجفية وسبق وأن مرّت ترجمة الشيخ حمود الظالمي، ولد في النجف سنة 1310 ه‍. ونشأ ذواقة للعلم والأدب والدرس والبحث ولم يعمّر كثيراً فقد وافاه الأجل عصر الخميس الثاني من ربيع الثاني عام 1359 ه‍. ودفن في الصحن الحيدري الشريف في الإيوان الذهبي ورثاه فريق من تلامذته وعارفي فضله وأبّنوه شعراً ونثرً وخلّف ولداً أديباً لا زالت قريحته تفيض بالأدب الحي.

٢١١

الحاج حسين الحرباوي

منتصف القرن الرابع عشر

لنا جيرةٌ بالأبرقين نزول

سقى ربعهم غيثٌ أجشّ هطول

تواعدني الأيام بالقرب منهم

فتلك ديون والزمان مطول

أجيراننا ما القلب من بعد بينكم

بسالٍ ولا الصبر الجميل جميل

أجيراننا بالخيف ما زال بعدكم

لنا الدمع جارٍ والعزيز ذليل

فهيهات صفو العيش منا وللهدى

تبدّد شمل واستقلّ قبيل

تحمّل أضعان الطفوف عشية

وأقفرن منهم أربع وطلول

ألا قاصداً نحو المدينة غدوة

يبلّغ عني مسمعاً ويقول

أيا فتية بان السّلو بينهم

وجاور قلبي لوعة وعويل

رأيت نساء تسأل الركب عنكم

تلوح عليها ذلة وخمول

تطلّع من بعد إلى نحو داركم

بطرف يصوب الدمع وهو كليل

نوادب اقذين الجفون من البكا

وأعشبن مغنى الطف وهو محيل

نوادب أمثال الحمام سواجعاً

لها فوق كثبان الطفوف هديل

حملن على عجف النياق حواسراً

لها كل يوم رحلة ونزول

تجاذبها السير العنيف عصابة

لها الشرك حاد والنفاق دليل

تشيم رؤوساً كالبدور على القنا

لهن طلوع فوقها وأفول

وتبصر مغلول اليدين مصفّداً

يراه من السير العنيف نحول

٢١٢

وتنظر ذياك العزيز على الثرى

له الليل سترٌ والهجير مقيل

فتدعو حماة الجار من آل هاشم

بصوت له شمّ الجبال تزول

أهاشم هبّي وامتطي الصعب انه

لك السير إن رمت العراق ذلول

أهاشم قومي وانتضي البيض للوغى

فوِترك وترٌ والذحول ذحول

أصبراً وأنجاد العشيرة بالعرا

على الترب صرعى فتية وكهول

أصبراً ورحل السبط تنهبه العدا

فموتك ما بين السيوف قليل

أصبراً وآجام الأسود بكربلا

بها النار شبّت والهزبر قتيل

وتلك على عجف النياق نساؤكم

لها الله تسبى والكفيل عليل

عهدتكم تأبى الصغار أنوفكم

وأسيافكم للراسيات تزيل

فما بالكم لم تنض للثار قضبكم

فتحمّر من بيض الصفاح نصول

كأن لم يكن للجار فيكم حمية

ولا كان منكم جعفر وعقيل

ألم يأتكم أن الحسين رمية

على الترب ثاوٍ والدماء تسيل

وكم لكم في السبي حرّى من الجوى

ثكول وفي أسر العدو عليل

وكم لكم في الترب طفل معفر

صريع وفي فيض الدماء رميل

وكم طفلة لليتم أمست رهينة

وليس لها يوم الرحيل كفيل

وحسرى تدير الطرف نحو حميّها

فتبصره في الأرض وهو جديل

فتذهل حتى عن تباريح وجدها

وتنحاز للدمع المصوب تذيل

وأبرح ما قد نالكم أن زينباً

لها بين هاتيك الشعاب عويل

شكت وانثنت تدعو الحسين بعبرة

تصدع مها شارف وفصيل

تنادي بصوت صدع الصخر شجوة

وكادت له السبع الطباق تزول

أخيّ عيون الشرك أمست قريرة

بقتلك قرّت والمصاب جليل

أراك بعيني دامي النحر عافراً

عليك خيول الظالمين تجول

نعم أيقنت بالسبي حتى كأنها

لما نابها وهي الوقور ذهول

٢١٣

الحاج حسين الحرباوي، هو شاعر بغدادي رأيت له عدة قصائد يمدح بها أمير المحمرة الشيخ خزعل خان المتوفى سنة 1355 ه‍. فلا بد وأن يكون من معاصريه، ولقد أثبتها الشيخ جواد الشبيبي في مؤلفه المخطوط عن أمير المحمرة. وذكره الباحث علي الخاقاني في شعراء الحلة وهو ليس بحلّي حيث أنه وجد له شعراً مع شعراء الحلة وذكر له مقطوعة في الغزل أولها:

تشعشعت فتولّت عندها الظلم

شمس براحة بدر جاء يبتسم

أهلاً به مقبلاً كالبدر حين غدا

بين السحائب يبدو ثم ينكتم

٢١٤

درويش الصحّاف

منتصف القرن الرابع عشر

عن ناظري بان الكرى ورقادي

وتسعّرت نار الأسى بفؤادي

وتمكنت كل الهموم بمهجتي

والجسم أنحله السقام البادي

لما ذكرت شباب عصر قد مضى

في غفلة ونفى المشيب سوادي

أيقنت بالترحال عن دار بها

أنفقت فيها العمر في الأعياد

ومنها في الإمام الحسينعليه‌السلام :

قالت له الأصحاب يا مولى الورى

نفديك بالأرواح والأولاد

فجزاهم خيراً وأقبل للعدى

والسيف مسلول من الأغماد

وبقي يصول عليهم في عزمة

فكأنه ليث هزبر عاد

ضاها أباه المرتضى ليث الشرى

لم يختشِ أحداً من الأضداد

مذ كرّ فرّوا خشية من بأسه

كالحمر إذ فرّت من الآساد

ومنها:

يا آل بيت محمد المختار يا

ذخري ومَن فيهم صفا ميلادي

أنتم ملاذ المذنبين من الورى

وبكم أصول على الزمان العادي

أنا عبدكم ( درويش بن محمد )

أرجو السلامة في غد بمعادي

٢١٥

والسامعين قصيدتي يا سادتي

والكاتبين لطرسها بمداد

صلى عليكم ربكم يا سادتي

ما غرّد القمري في الأعواد

والقصيدة طويلة وهذا جيّدها:

درويش الصحّاف ابن الحاج محمد الصحاف البغدادي، شاعر أديب له مجموعة مخطوطة جمع فيها بعض القصائد في رثاء الإمام الحسين سيّد الشهداء (ع). ووالده أديب شاعر.

والذي يظهر أن المجموعة كتبت حدود سنة 1350 ه‍. قال الباحث السيد جودت القزويني: إستعرت هذه المجموعة من الخطيب السيد أحمد المؤمن البصير وفيها شيء من نظمه.

٢١٦

الشيخ محمد حسين الأصفهاني

المتوفى 1361

قال في أرجوزته الغرّاء المسماة ب‍ ( الأنوار القدسية ) المطبوعة بمطابع النجف، في فصل تحت عنوان مولد السبط الشهيد:

أسفر صبح اليُمن والسعادة

عن وجه سرّ الغيب والشهادة

أسفر عن مرآة غيب الذات

ونسخة الأسماء والصفات

تعرب عن غيب الغيوب ذاته

تفصح عن أسمائه صفاته

يُنبئ عن حقيقة الحقائق

بالحق والصدق بوجه لائق

لقد تجلّى أعظم المجالي

في الذات والصفات والأفعالِ

روح الحقيقة المحمديه

عقل العقول الكمّل العليّه

فيض مقدّس عن الشوائب

مفيض كل شاهدٍ وغائب

تنفّس الصبح بنور لم يزل

بل هو عند أهله صبح الأزل

وكيف وهو النفس الرحماني

في نفس كل عارف رباني

به قوام الكلمات المحكمة

به نظام الصحف المكرّمه

تنفّس الصبح بالاسم الأعظم

محى عن الوجود رسم العدم

بل فالق الإصباح قد تجلّى

فلا ترى بعد النهار ليلا

فأصبح العلم ملاء النور

وأي فوز فوق نور الطور

ونار موسى قبس من نوره

بل كل ما في الكون من ظهوره

أشرق بدر من سماء المعرفة

به استبان كل إسم وصفه

٢١٧

به استنار عالم الإبداع

والكل تحت ذلك الشعاع

به استنار ما يرى ولا يُرى

من ذورة العرش إلى تحت الثرى

فهو بوجهه الرضي المرضي

نور السماوات ونور الأرض

فلا توازي نوره الأنوار

بل جلّ أن تدركه الأبصار

غرّته بارقة الفتوّة

قرة عين خاتم النبوّة

تبدو على غرّته الغراء

شارقة الشهامة البيضاء

بادية من آية الشهامة

دلائل الإعجاز والكرامة

من فوق هامة السماء همته

تكاد تسبق الفضاء مشيته

ما هامة السماء من مداها

إن إلى ربك منتهاها

أم الكتاب في علوّ المنزله

وفي الإبا نقطة باء البسمله

تمّت به دائرة الشهاده

وفي محيطها له السياده

لو كشف الغطاء عنك لا ترى

سواه مركزاً لها ومحورا

وهل ترى لملتقى القوسين

أثبت نقطة من الحسين

فلا وربّ هذه الدوائر

جلّ عن الأشباه والنظائر

* * *

بشراك يا فاتحة الكتاب

بالمعجز الباقي مدى الأحقاب

وآية التوحيد والرسالة

وسرّ معى لفظة الجلاله

بل هو قرآن وفرقان معا

فما أجلّ شأنه وأرفعا

هو الكتاب الناطق الإلهي

وهو مثال ذاته كما هي

ونشأة الأسماء والشؤون

كل نقوش لوحه المكنون

لا حكم للقضاء إلا ما حكم

كأنه طوع بنانه القلم

رابطة المراد بالإرادة

كأنه واسطة القلادة

ناطقة الوجود عين المعرفة

ونسخة اللاهوت ذاتاً وصفة

في يده أزمّة الأيادي

بالقبض والبسط على العباد

٢١٨

بل يده العليا يد الافاضة

في الأمر والخلق ولا غضاضة

وفيه سرّ الكل في الكل بدا

روحان في روح الكمال اتحدا

لك العروج في السماوات العلى

له العروج في سماوات العلا

مخايل النبوة في الحسين

أنت من الوجود عين العين

فكن قرير العين بالحسين

شبلك في القوة والشجاعة

نفسك في العزة والمناعة

منطقك البليغ في البيان

لسانك البديع في المعاني

طلعتك الغرّاء بالإشراق

كالبدر في الأنفس والآفاق

صفاتك الغرّ له ميراث

والمجد ما بين الورى تراث

لك الهنا يا غاية الإيجاد

بمدّه الخيرات والأيادي

وهو سفينة النجاة في اللجج

وبابها السامي ومَن لجّ ولج

سلطان إقليم الحفاظ والإبا

مليك عرش الفخر اماً وأبا

رافع راية الهدى بمهجته

كاشف ظلمة العمى ببهحته

به استقامت هذه الشريعة

به علت أركانها الرفيعة

بنى المعالي بمعالي هممه

ما اخضرّ عود الدين إلا بدمه

بنفسه اشترى حياة الدين

فيا لها من ثمن ثمين

أحيى معالم الهدى بروحه

داوى جروح الدين من جروحه

حفّت رياض العلم بالسموم

لو لم يروّها دم المظلوم

فأصبحت مورقة الأشجار

يانعة زاكية الثمار

أقعد كل قائم بنهضته

حتى أقام الدين بعد كبوته

قامت به قواعد التوحيد

مذ لجأت بركنها الشديد

وأصبحت قومية البنيان

وعزمه عزائم القرآن

غدت به سامية القباب

معاهد السنّة والكتاب

٢١٩

أفاض كالحيا على الوراد

ماء الحياة وهو ظام صادي

وكضّه الظما وفي طيّ الحشا

ريّ الورى والله يقضي ما يشا

والتهبت أحشاؤه من الظما

فأمطرت سحائب القدس دما

وقد بكته والدموع حمر

بيض السيوف والرماح السمر

تفطّر القلب من الظما وما

تفترّ العزم ولا تثلّما

ومن يدكّ نوره الطور فلا

يندكّ طود عزمه من البلا

تعجب من ثباته الأملاك

ومن تجولاته الأفلاك

لا غرو إنه ابن بجدة اللقا

قد ارتقى في المجد خير مرتقى

شبل علي وهو ليث غابه

نعم وكان الغاب في إهابه

كرّاته في ذلك المضمار

تكوّر الليل على النهار

سطا بسيفه فغاضت الربى

بالدم حتى بلغ السيل الزبى

قام بحق السيف بل أعطاه

ما ليس يعطي مثله سواه

كأن منتضاه محتوم القضا

بل القضا في حدّ ذاك المنتهى

كأنه طير الفنا رهيفه

يقضي على صفوفهم رفيقه

أو صرصر في يوم نحس مستمر

كأنهم أعجاز نخل منقعر

الرأس الكريم

وفي المعالي حقها لما علا

على العوالي كالخطيب في الملا

يتلو كتاب الله والحقائق

تشهد أنه الكتاب الناطق

قد ورث العروج في الكمال

من جدّه لكن على العوالي

هو الذبيح في منى الطفوف

لكنه ضريبة السيوف

هو الخليل المبتلى بالنار

والفرق كالنار على المنار

تالله ما ابتلى نبيّ أو وليّ

في سالف الدهر بمثل ما ابتلي

له مصائب تكل الألسن

عنها فكيف شاهدتها الأعين

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363