أدب الطف الجزء ٩

أدب الطف15%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 363

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 363 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128736 / تحميل: 7957
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ٩

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

الفصل الرّابع

إمامته عليه السلام

قال الشيخ المفيد: كان الامام بعد أبي جعفر عليه‌السلام ابنه أبا الحسن علي بن محمد عليهما‌السلام ، لاجتماع خصال الامامة فيه، وتكامل فضله، وأنه لا وارث لمقام أبيه سواه، وثبوت النص عليه بالامامة، والاشارة إليه من أبيه بالخلافة (1) .

وقال المسعودي: لما حضرت الامام الجواد عليه‌السلام الوفاة نص على أبي الحسن وأوصى إليه، وكان سلم المواريث والسلاح إليه بالمدينة، ومضى في سنة عشرين ومئتين من الهجرة في يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي الحجة (2) .

وفيما يلي نذكر أهم الأدلة الواردة في إمامته عليه‌السلام وكما يلي:

أولاً - نص آبائه عليه عليه‌السلام :

وردت المزيد من النصوص عن النبي والآل المعصومين عليهم‌السلام تصرح بتعيين أوصياء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلفائه من عترته واحدا بعد واحد باسمائهم وأوصافهم، بشكل يجلو العمى عن البصائر وينفي الشك عن القلوب، وسنذكر هنا ثلاثة أحاديث عن آبائه المعصومين عليهم‌السلام كنموذج على تلك النصوص، ونحيل القارئ

__________________

(1) الإرشاد 2: 297.

(2) اثبات الوصية: 192.

١٤١

إلى مظانّ بقيتها (1) .

1 - عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت جابر بن عبداللّه الأنصاري يقول: قال لي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا جابر، إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أوّلهم عليّ، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد ابن علي المعروف بالباقر، ستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم القائم، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، محمد بن الحسن بن علي... » (2) .

2 - وروى ابن شاذان بالاسناد عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، عن سلامة عن أبي سلمى راعي أبل رسول اللّه، قال: سمعت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: « ليلة أُسري بي إلى السماء قال لي الجليل جلّ وعلا: « آمن الرسول بما اُنزل إليه من ربّه ». قلت: والمؤمنون؟ قال: صدقت يا محمد، من خلفت في أمتك؟ قلت: خيرها. قال: علي بن أبي طالب؟ قلت: نعم يا رب. قال: يا محمد، إنّي اطّلعت إلى الأرض اطلاّعة فاخترتك منها، فشققت لك اسما من أسمائي، فلا اذكر في موضع إلاّ ذكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمد، ثم اطّلعت الثانية فاخترت عليّا، وشققت له اسما من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علي.

__________________

(1) راجع: اُصول الكافي 1: 286 - 292 - باب ما نص اللّه ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الأئمّة عليهم‌السلام واحدا فواحدا، إكمال الدين: 250 - 378 - الأبواب 23 - 36، بحار الأنوار 36: 192 - 418 - باب 40 - 48.

(2) ينابيع المودة 3: 398 الباب 94، كشف الغمة / الإربلي 3: 314.

١٤٢

يا محمد، اني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولده من سنخ نور من نوري وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين.

يا محمد، لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي، ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتى يقرّ بولايتكم.

يا محمد، أتحبّ أن تراهم؟ قلت: نعم يارب. فقال لي: التفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي، في ضحضاح من نور قياما يصلّون وهو في وسطهم - يعني المهدي - كأنّه كوكب دري.

قال: يا محمد، هؤلاء الحجج، وهو الثائر من عترتك، وعزتي وجلالي انه الحجة الواجبة لأوليائي، والمنتقم من أعدائي » (1) .

3 - عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: « سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى عليه‌السلام قصيدتي التي أولها:

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما انتهيت إلى قولي:

خروج إمام لا محالة خارج

يقوم على اسم اللّه والبركات

يميز فينا كل حقّ وباطل

ويجزي على النعماء والنقمات

__________________

(1) مقتل الحسين / الخوارزمي 1: 95 - 96، فرائد السمطين 2: 319 / 571.

١٤٣

بكى الرضا عليه‌السلام بكاءً شديدا، ثم رفع رأسه إليّ فقال لي: يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام، ومتى يقوم؟ فقلت: لا يا مولاي، إلاّ أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد، ويملأها عدلاً كما ملئت جورا.

فقال: يا دعبل، الإمام بعدي محمد ابني، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره... » (1) .

ثانيا - نص أبيه عليه عليه‌السلام :

فيما يلي نعرض أهم النصوص الواردة عن أبيه عليه‌السلام في النص عليه والإشارة إليه بالإمامة من بعده.

1 - عن إسماعيل بن مهران، قال « لما خرج أبو جعفر عليه‌السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الاولى من خرجتيه، قلت له عند خروجه: جعلت فداك، إني أخاف عليك في هذا الوجه، فإلى من الأمر بعدك؟ فكر بوجهه إلى ضاحكاً وقال: ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة. فلما اخرج به الثانية إلى المعتصم صرت إليه فقلت له: جعلت فداك، أنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم التفت إلي فقال: عند هذه يخاف علي، الأمر من بعدي إلى ابني علي » (2) .

__________________

(1) إكمال الدين: 372 / 6 باب 35، عيون أخبار الرضا 2: 296 / 35 الباب 66، ينابيع المودة 3: 348 الباب 86، فرائد السمطين 2: 337 / 591.

(2) اُصول الكافي 1: 323 / 1 باب الاشارة والنص على أبي الحسن الثالث عليه‌السلام ، الارشاد 2: 298.

١٤٤

2 - وعن الحسين بن محمد، عن الخيراني، عن أبيه، أنه قال: « كان يلزم باب أبي جعفر عليه‌السلام للخدمة التي كان وكل بها، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يجيئ في السحر في كل ليلة، ليعرف خبر علّة أبي جعفر عليه‌السلام ، وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر عليه‌السلام وبين أبي إذا حضر قام أحمد وخلا به أبي، فخرج ذات ليله وقام أحمد عن المجلس وخلا أبي بالرسول، واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام، فقال الرسول لأبي: إن مولاك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إني ماضٍ والأمر صائر إلى ابني علي، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي.

ثم مضى الرسول ورجع أحمد إلى موضعه، وقال لأبي: ما الذي قد قال لك؟ قال: خيراً. قال: قد سمعت ما قال، فلم تكتمه؟ وأعاد ما سمع فقال له أبي: قد حرم الله عليك ما فعلت، لأنّ الله تعالى يقول: ( وَلَا تَجَسَّسُوا ) (1) فاحفظ الشهادة لعلنا نحتاج إليها يوماً ما، وإياك أن تظهرها إلى وقتها.

فلما أصبح أبي كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع، وختمها ودفعها إلى عشرة من وجوه العصابة، وقال: إن حدث بي حدث الموت قبل أن اطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها.

فلما مضى أبو جعفر عليه‌السلام ذكر أبي أنه لم يخرج من منزله حتى قطع على يديه نحو من أربعمائة إنسان، واجتمع رؤساء العصابة عند محمد بن الفرج يتفاوضون هذا الأمر، فكتب محمد بن الفرج إلى أبي يعلمه باجتماعهم عنده، وأنه لولا مخافة الشهرة لصار معهم إليه، ويسأله أن يأتيه، فركب أبي وصار إليه، فوجد القوم مجتمعين عنده، فقالوا لأبي: ما تقول في هذا الأمر؟ فقال أبي لمن عنده الرقاع:

__________________

(1) سورة الحجرات 49: 12.

١٤٥

احضروا الرقاع، فأحضروها، فقال لهم: هذا ما أُمرت به.

فقال بعضهم: قد كنا نحب أن يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر؟ فقال لهم: قد آتاكم الله عزوجل به، هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة، وسأله أن يشهد بما عنده، فأنكر أحمد أن يكون سمع من هذا شيئاً، فدعاه أبي إلى المباهلة، فقال لما حقق عليه: قد سمعت ذلك، وهذه مكرمة كنت أحب أن تكون لرجل من العرب لا لرجل من العجم، فلم يبرح القوم حتى قالوا بالحق جميعاً » (1) .

3 - وعن محمد بن الحسين الواسطي: أنه سمع أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر يحكي أنه أشهده على هذه الوصية المنسوخة: « شهد أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر أن أبا جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام أشهده أنه أوصى إلى علي ابنه بنفسه وأخواته، وجعل أمر موسى إذا بلغ إليه، وجعل عبد الله بن المساور قائماً على تركته من الضياع والأموال والنفقات والرقيق وغير ذلك إلى أن يبلغ علي بن محمد (2)، صير عبد الله بن المساور ذلك اليوم إليه، يقوم بأمر نفسه واخوانه،

__________________

(1) اُصول الكافي 1: 323 / 2 باب الاشارة والنص على أبي الحسن الثالث عليه‌السلام ، الارشاد 2: 300.

(2) في بيان للعلامة المجلسي قال: لعله للتقية من المخالفين الجاهلين بقدر الامام عليه‌السلام ومنزلته وكماله في صغره وكبره، اعتبر بلوغه في كونه وصياً، وفوض الأمر ظاهراً قبل بلوغه إلى عبد الله، لئلا يكون لقضاتهم مدخلاً في ذلك، فقوله عليه‌السلام : (إذا بلغ) يعني أبا الحسن عليه‌السلام . وقوله عليه‌السلام : (صير) أي بعد بلوغ الامام عليه‌السلام صيره عبد الله مستقلاً في امور نفسه ووكل امور أخواته إليه عليه‌السلام . قوله: (ويصيّر) بتشديد الياء، أي عبد الله أو الامام عليه‌السلام (أمر موسى إليه) أي إلى موسى (بعدهما) أي بعد فوت

١٤٦

ويصير أمر موسى إليه، يقوم لنفسه بعدهما على شرط أبيهما في صدقاته التي تصدق بها، وذلك يوم الأحد لثلاث ليال خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين.

وكتب أحمد بن أبي خالد شهادته بخطه، وشهد الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام - وهو الجواني - على مثل شهادة أحمد بن أبي خالد في صدر هذا الكتاب، وكتب شهادته بيده، وشهد نصر الخادم وكتب شهادته بيده » (1) .

4 - وعن الصقر ابن أبي دلف قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليهما‌السلام يقول: « إن الامام بعدي إبني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والامام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثم سكت، فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الامام بعد الحسن؟ فبكى عليه‌السلام بكاءً شديداً، ثم قال: إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر. فقلت له: يا ابن رسول الله، لم سمي القائم؟ قال: لأنه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته. فقلت له: ولم سمي المنتظر؟ قال: لأن له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقاتون، ويهلك فيها

__________________

عبد الله والامام عليه‌السلام ، ويحتمل التخفيف أيضاً. وقوله: (على شرط أبيهما) متعلق بيقوم في الموضعين. بحار الأنوار 50: 123.

(1) أصول الكافي 1: 325 / 3 باب الاشارة والنص على أبي الحسن الثالث عليه‌السلام .

١٤٧

المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون » (1) .

5 - وعن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه: « أن أبا جعفر عليه‌السلام لما أراد الخروج من المدينة إلى العراق ومعاودتها، أجلس أبا الحسن عليه‌السلام في حجره بعد النص عليه، وقال له: ما الذي تحب أن أهدي إليك من طرائف العراق؟ فقال عليه‌السلام : سيفاً كأنه شعلة نار. ثم التفت إلى موسى ابنه وقال له: ما تحب أنت؟ فقال: فرساً. فقال عليه‌السلام : أشبهني أبو الحسن، وأشبه هذا أمه » (2) .

6 - وعن أحمد بن هلال، عن أمية بن علي القيسي، قال: « قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام : من الخلف من بعدك؟ قال: ابني علي » (3) .

وعنه، قال: « أخبرني محمد بن إسماعيل بن بزيع أنه حضر أمية بن علي وهو يسأل أبا جعفر الثاني عليه‌السلام عن ذلك، فأجاب بمثل ذلك الجواب » (4) .

ثالثاً - اجماع الامامية:

نقل الاجماع على امامة أبي الحسن الهادي عليه‌السلام جملة من أعلام الامامية المعروفين ومنهم:

1 - قال الشيخ المفيد بعد ايراده النص على أبي الحسن عليه‌السلام من أبيه: والأخبار في هذه الباب كثيرة جداً، إن عملنا على إثباتها طال بها الكتاب، وفي إجماع العصابة على إمامة أبي الحسن عليه‌السلام وعدم من يدعيها سواه في وقته ممن

__________________

(1) إكمال الدين: 378 / 3 باب 36.

(2) عيون المعجزات: 119، بحار الأنوار 50: 123 / 5.

(3) كفاية الأثر: 280.

(4) كفاية الأثر: 280.

١٤٨

يلتبس الأمر فيه، غنىً عن إيراد الأخبار بالنصوص على التفصيل (1) .

وقال في موضع آخر: ثم ثبتت الامامية القائلون بإمامة أبي جعفر عليه‌السلام بأسرها على القول بامامة أبي الحسن علي بن محمد من بعد أبيه عليهما‌السلام ونقل النص عليه إلا فرقة قليلة العدد شذوا عن جماعتهم، فقالوا بإمامة موسى بن محمد أخي أبي الحسن علي بن محمد عليهما‌السلام ، ثم إنهم لم يثبتوا على هذا القول إلا قليلاً حتى رجعوا إلى الحق ودانوا بإمامة علي بن محمد عليهما‌السلام ورفضوا القول بإمامة موسى بن محمد، وأقاموا جميعاً على إمامة أبي الحسن عليه‌السلام (2) .

2 - وقال ابن شهرآشوب: رواة النص على إمامة أبي الحسن علي بن محمد النقي عليه‌السلام جماعة منهم: إسماعيل بن مهران، وأبو جعفر الأشعري، والخيراني، والدليل على إمامته إجماع الامامية على ذلك وطريق النصوص والعصمة، والطريقان المختلفان من العامة والخاصة من نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إمامة الاثني عشر، وطريق الشيعة النصوص على إمامته عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام (3) .

رابعاً - شواهد اخرى:

وهناك شهادات نوردها وان كنا في غنى عنها، لكون أغلبها وارد عن مخالفي مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، ولكننا نعتقد أنها تؤكد شهرة النص حتى عند المخالفين، سيما وأنها توكد امامته عليه‌السلام وكونه أحد الأئمة أو عاشرهم. وفيما يلي نذكر بعضها.

1 - قال الذهبي: علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن

__________________

(1) الارشاد 2: 300.

(2) الفصول المختارة: 317.

(3) المناقب / ابن شهرآشوب 4: 402.

١٤٩

زين العابدين، السيد الشريف، أبو الحسن العلوي الحسيني الفقيه، أحد الاثني عشر، وتلقبه الامامية الهادي (1) .

2 - وقال ابن حجر الهيتمي: علي العسكري، سمي بذلك لأنه لما وجه المتوكل لاشخاصه من المدينة المنورة إلى سر من رأى، أسكنه بها، وكانت تسمى العسكر، فعرف بالعسكري، وكان وارث أبيه علماً وسخاء... (2) .

3 - ويقول ابن العماد الحنبلي: أبو الحسن علي بن الجواد محمد بن الرضا علي بن الكاظم موسى بن جعفر الصادق العلوي الحسيني المعروف بالهادي، كان فقيهاً إماماً متعبداً، وهو أحد الأئمّة الاثني عشر (3) .

4 - وقال اليافعي: أبو الحسن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني، عاش أربعين سنة، وكان متعبداً فقيهاً إماماً (4) .

5 - وقال الخطيب البغدادي: علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن الهاشمي، أشخصه جعفر المتوكل على الله من مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بغداد ثم إلى سر من رأى، فقدمها وأقام بها عشرين سنة وتسعة اشهر إلى ان توفي ودفن بها في أيام المعتز بالله، وهو أحد من يعتقد الشيعة والامامية فيه (5)، ويعرف بأبي الحسن العسكري (6) .

__________________

(1) تاريخ الاسلام / الذهبي: 218 وفيات سنة 251 - 260.

(2) الصواعق المحرقة: 207.

(3) شذرات الذهب 2: 128.

(4) مرآة الجنان 2: 119.

(5) الظاهر: الامامة فيه، بلا حرف العطف.

(6) تاريخ بغداد 12: 56 / 6440.

١٥٠

6 - وقال السمعاني: أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المعروف بالعسكري، من عسكر سر من رأى، أشخصه جعفر المتوكل على الله من مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بغداد، ثم إلى سر من رأى، فقدمها وأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر، إلى أن توفي بها في أيام المعتز بالله، وهو أحد من يعتقد الشيعة فيه الامامية (1)، ويعرف بأبي الحسن العسكري (2) .

7 - وقال خير الدين الزركلي: أبو الحسن العسكري، علي الملقب بالهادي ابن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر الحسيني الطالبي، عاشر الأئمّة الاثني عشر عند الامامية، وأحد الأتقياء الصلحاء (3) .

8 - وأذعن أبو عبد الله الجنيدي بأن الامام الهادي عليه‌السلام أعلم منه، وأنه تعلم منه ضروباً من العلم، وأنه خير أهل الأرض، وأنه يحفظ القرآن من أوله إلى آخره ويعلم تأويله وتنزيله، والجنيدي هو الذي عهد إليه عمر بن الفرج الرخجي أن يعلم الامام عليه‌السلام بأمر المعتصم، وكان معروفاً بعداء أهل البيت عليهم‌السلام ، فذهل من حدّة ذكاء الامام عليه‌السلام وغزارة علمه مع كون الامام عليه‌السلام صبياً لم يبلغ الثامنة، الأمر الذي جعل الجنيدي ينتهي عن النصب والعداء لأهل البيت عليهم‌السلام ، ويدين بالولاء لهم ويعتقد بالامامة ويهتدي إلى سواء السبيل (4) .

* * *

__________________

(1) الظاهر: الامامة.

(2) الأنساب 4: 194.

(3) الأعلام 5: 140.

(4) إثبات الوصية / المسعودي: 222.

١٥١

الفصل الخامس

مكارم أخلاقه ومنزلته عليه السلام

يتحلّى أئمة أهل البيت عليهم‌السلام بصفات الكمال ومعالي الأخلاق التي ميزت شخصياتهم العظيمة عن سائر من عاصرهم في العبادة والعلم والحلم والزهد والكرم والشجاعة وغيرها من مظاهر العظمة، ذلك لأنّهم استوحوا من جدهم المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله رساليته وروحانيته وأخلاقيته، وتجسدت فيهم شخصيته، فكانوا اختصارا لجميع عناصرها الأخلاقية والروحية والانسانية، وصاروا رمزا للفضيلة والمروءة وقدوةً صالحة للانسانية.

ولقد أوتي الامام الهادي عليه‌السلام كسائر آبائه الطاهرين من الفضائل ومكارم الأخلاق مالم يؤت أحد من معاصريه، فلم ير مثله في عبادته وتهجّده وطاعته لربه، فضلاً عن زهده وتقواه وحسن سيرته وعلمه الجم وحكمته وبلاغته.

قال الشاعر:

ولست أحصي مكرمات الهادي

فإنها في العدّ كالأعداد (1)

من هنا نال الامام عليه‌السلام إعجاب كبار العلماء والمؤرخين ممن عاصره وغيرهم، على اختلاف نزعاتهم وميولهم، فأشادوا بشخصيته الفذة وصفاته الرفيعة وسجاياه الحميدة ومعالي أخلاقه وتفوقه على سائر المعاصرين له.

__________________

(1) الأنوار القدسية / الشيخ محمد حسين الأصفهاني: 101.

١٥٢

وشهد له عليه‌السلام من رجال البلاط وزير المعتمد عبيداللّه بن يحيى بن خاقان ت 263 هـ الذي وصفه بالفضل والنبل والجزالة لابنه أحمد بن عبيداللّه، وكان قد سأله عن الامام العسكري عليه‌السلام ، فقال له: « يا أبه من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال والكرامة والتبجيل وفديته بنفسك وأبيك؟ فقال عبيداللّه بن خاقان: يابني ذاك إمام الرافضة، ذاك الحسن بن علي المعروف بابن الرضا. فسكت ساعة، ثم قال:... ولو رأيت أباه رأيت رجلاً جزلاً نبيلاً فاضلاً » (1) .

وذكر ابن أبي الحديد عن أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ت 255 هـ في تعداد صفاته وصفات آبائه المعصومين عليهم‌السلام قوله: من الذي يعدّ من قريش أو من غيرهم ما يعدّه الطالبيون عشرة في نسق، كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاكٍ؟ فمنهم خلفاء، ومنهم مرشّحون: ابن ابن ابن ابن، هكذا إلى عشرة، وهم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي عليهم‌السلام ، وهذا لم يتّفق لبيتٍ من بيوت العرب ولا من بيوت العجم » (2) .

وقال ابن شهرآشوب: كان عليه‌السلام أطيب الناس مهجة، وأصدقهم لهجة، وأملحهم من قريب، وأكملهم من بعيد، إذا صمت عليه هيبة الوقار، وإذا تكلم عليه سيماء البهاء، وهو من بيت الرسالة والامامة، ومقر الوصية والخلافة، شعبة من دوحة النبوة منتضاة مرتضاة، وثمرة من شجرة الرسالة مجتناة

__________________

(1) اصول الكافي1: 504 / 1 باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة، إكمال الدين: 42 مقدمة المؤلف، الارشاد2: 322، روضة الواعظين: 250، إعلام الورى 2: 147.

(2) شرح نهج البلاغة 15: 278.

١٥٣

مجتباة (1) .

وقال الشيخ علي بن عيسى الاربلي: إذا قال بذّ الفصحاء، وحير البلغاء، وأسكت العلماء، إن جاد بخل الغيث، وإن صال جبن الليث، وإن فخر أذعن كل مساجل، وسلم إليه كل مناضل، وأقر لشرفه كل شريف،... وإن ذكرت العلوم فهو موضح إشكالها، وفارس جلادها وجدالها، وابن نجدتها وصاحب أقوالها، واطلاع نجادها وناصب أعلام عقالها (2) .

ولسنا نريد من خلال كلمات هؤلاء الأعلام أن ندخل في تقييم الإمام عليه‌السلام لمجرد أنهم شهدوا له، لأنّه عليه‌السلام يختصّ من موقع إمامته بالدرجة الرفيعة عند اللّه، ويتمتّع بملكات قدسية في جميع جوانب المعرفة والروحانية والصلاح والخلق الرفيع، وهي التي جعلت هؤلاء العلماء وآخرين غيرهم يذعنون لعظم شخصيته ويظهرون له الإكبار والاحترام والثناء.

من هنا نأتي إلى ذكر نبذة من معالي الفضيلة وعناصر العظمة والملكات القدسية والخصال الروحانية التي تحلى بها الامام الهادي عليه‌السلام من العلم والعبادة والزهد والكرم والشجاعة وغيرها من مناقبه الفذّة وخصاله الفريدة التي ورثها عن آبائه المعصومين وكما يلي:

أولاً - العلم:

بدت على الامام الهادي عليه‌السلام مظاهر العلم والمعرفة منذ حداثة سنه، فقد تميز كأبيه بالإمامة المبكرة، لأنه أسند إليه منصب الامامة بكل ما تتطلبه من علم كامل بالشريعة وأحكامها وهو في سن الثامنة من عمره الشريف، وتلك

__________________

(1) المناقب 4: 401.

(2) كشف الغمة 3: 164.

١٥٤

ظاهرة نلاحظها لأول مرّة في تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام متمثلة بالامام الجواد وثانياً بولده الامام الهادي عليهما‌السلام ، وهو أمر لا يصدق على سائر الناس، ولا يقع في دائرة الإمكان الا أن يكون المعني محاطاً بالعناية الالهية وواقعاً ضمن دائرة الاصطفاء الالهي الذي جعل عيسى بن مريم عليهما‌السلام يتكلم في المهد ويتولى مهام النبوة وهو في السابعة من عمره، وجعلت يحيى بن زكريا عليهما‌السلام نبياً وهو في بواكير الصبا.

روى الصفار بالاسناد عن علي بن محمد النوفلي، قال: « سمعت أبا الحسن العسكري عليه‌السلام يقول: اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً، وإنما كان عند آصف حرف واحد فتكلم به فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ، فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان عليه‌السلام ، ثم انبسطت له الأرض في أقل من طرفة عين، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً، وحرف واحد عند الله تعالى مستأثر به في علم الغيب » (1) .

وكان الامام الهادي عليه‌السلام أبرز المعاصرين له في العلم والمعرفة والتقوى والعبادة والوجاهة والقيادة والريادة، ولقد تسالم العلماء والفقهاء على الرجوع إلى رأيه المشرق في المسائل المعقدة والغامضة من أحكام الشريعة الاسلامية ومسائل العقائد المختلفة، حتى ان المتوكل العباسي وهو ألدّ أعدائه كان يرجع إلى رأي الامام عليه‌السلام في المسائل التي اختلف فيها علماء عصره، مقدماً رأيه عليه‌السلام على آرائهم، وكانوا يرجعون إليه في كل معضلة، ويلجأون إليه في كل مأزق، وأمرهم في ذلك مشتهر حتى أذعن سائر العلماء المعاصرين له ممن ناظرهم بتفوقه العلمي، ولو رأوا أدنى قصور في ذلك لأظهروه سيما وان من حوله يحاولون الكيد له ويتربّصون به وبأصحابه، ولذلك شواهد كثيرة تدل

__________________

(1) بصائر الدرجات: 231 / 3.

١٥٥

بمجموعها على أنه عليه‌السلام كان أعلم أهل زمانه وأرجحهم كفة بلا خلاف.

نبوغه المبكر:

ذكر الرواة بوادر كثيرة من ذكائه، كان منها أن المعتصم بعد شهادة الامام الجواد عليه‌السلام عهد إلى عمر بن الفرج الرخجي أن يشخص إلى يثرب ليختار معلماً لأبي الحسن الهادي عليه‌السلام ، وقد عهد إليه أن يكون المعلم معروفاً بالنصب والانحراف عن أهل البيت عليهم‌السلام ليميل به عن نهجهم حسب اعتقاده، فاختار أبا عبد الله الجنيدي الذي وقف ذاهلاً أمام نبوغه وتفوقه، حيث كان يملي على المعلم بما فيه استفاده له، وأذعن المعلم بأنه يتعلم منه ولا يعلمه كما يظن الناس، وانه عليه‌السلام خير أهل الأرض وأفضل من خلق الله تعالى، وأخيراً قال بإمامته وعرف الحق وقال به.

روى المسعودي بإسناده عن الحميري، عن محمد بن سعيد مولى لولد جعفر بن محمد، قال: « قدم عمر بن الفرج الرخجي المدينة حاجاً بعد مضي أبي جعفر الجواد عليه‌السلام فأحضر جماعة من أهل المدينة والمخالفين المعادين لأهل بيت رسول الله عليهم‌السلام ، فقال لهم: ابغوا لي رجلاً من أهل الأدب والقرآن والعلم، لا يوالي أهل هذا البيت، لأضمّه إلى هذا الغلام وأوكله بتعليمه، وأتقدم إليه بأن يمنع منه الرافضة الذين يقصدونه. فأسموا له رجلاً من أهل الأدب يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالجنيدي، وكان متقدماً عند أهل المدينة في الأدب والفهم، ظاهر الغضب والعداوة.

فأحضره عمر بن الفرج وأسنى له الجاري من مال السلطان، وتقدم إليه بما أراد، وعرفه أن السلطان أمره باختيار مثله وتوكيله بهذا الغلام، قال: فكان الجنيدي يلزم أبا الحسن عليه‌السلام في القصر بصريا، فإذا كان الليل أغلق الباب

١٥٦

وأقفله، وأخذ المفاتيح إليه، فمكث على هذا مدة، وانقطعت الشيعة عنه وعن الاستماع منه والقراءة عليه.

ثم إني لقيته في يوم جمعة فسلمت عليه، وقلت له: ما حال هذا الغلام الهاشمي الذي تؤدبه؟ فقال منكراً علي: تقول الغلام ولا تقول الشيخ الهاشمي! أنشدك الله هل تعلم بالمدينة أعلم مني؟ قلت: لا. قال: فإني والله أذكر له الحزب من الأدب أظن أني قد بالغت فيه، فيملي علي بما فيه أستفيده منه، ويظن الناس أني أعلمه وأنا والله أتعلم منه.

قال: فتجاوزت عن كلامه هذا كأني ما سمعته منه، ثم لقيته بعد ذلك، فسلمت عليه، وسألته عن خبره وحاله، ثم قلت: ما حال الفتى الهاشمي؟ فقال لي: دع هذا القول عنك، هذا والله خير أهل الأرض، وأفضل من خلق الله تعالى، وإنه لربما همّ بالدخول فأقول له: تنظر حتى تقرأ عشرك. فيقول لي: أي السور تحب أن أقرأها ؟ وأنا أذكر له من السور الطوال ما لم يبلغ إليه، فيهذّها بقراءة لم أسمع أصح منها من أحد قط، بأطيب من مزامير داود النبي التي بها من قراءته يضرب المثل.

قال: ثم قال: هذا مات أبوه بالعراق وهو صغير بالمدينة، ونشأ بين هذه الجواري السود، فمن أين علم هذا؟ قال: ثم ما مرت به الأيام والليالي حتى لقيته فوجدته قد قال بإمامته وعرف الحق وقال به » (1) .

قال الشاعر:

حار فيه فكر الجنيدي مذ

شاهد فيه ما حير الأفكارا

جاء يملي له العلوم صغيراً

فإذا بالصغار تهدي الكبارا (2)

__________________

(1) إثبات الوصية / المسعودي: 222.

(2) الذخائر / اليعقوبي: 63.

١٥٧

روايات عن مقامه العلمي:

ان أهم صفات الامامة بعد ثبوت النص على الامام، هي السبق في العلم والحكمة، لكونها ضرورة لازمة في الامام لأجل أن يكون أهلاً لهذه المنزلة، وكفؤاً لهذه المسؤولية، وقطباً تلتف حوله الناس، وتطمئن إلى سبقه في العلم والحكمة والمعرفة، وقدرته الفائقة في مواجهة ما تبتلى به الاُمّة والدولة، فلا يحتاج إلى غيره ممن هم محتاجون إلى إمام يهديهم ويرشدهم، اذ لا يصح أن يلتف الناس حول رجل ويسلمون إليه قيادهم، وهم يجدون من هو أعلم منه أو أرجح فهماً وحكمةً ومعرفةً في شؤون الدين والدنيا، وهذه الناحية تكاد تكون بديهية لازمت جميع الأنبياء والأوصياء بين أقوامهم، وهي أشد ما تكون بروزاً وظهوراً في حياة خاتم الأنبياء وأوصيائه عليهم‌السلام .

روى الشيخ الصدوق بالاسناد عن أحمد بن علي الأنصاري، عن الحسن ابن الجهم، قال: « حضرت مجلس المأمون يوماً وعنده علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة، فسأله بعضهم فقال له: يا بن رسول الله، بأي شيء تصحّ الامامة لمدعيها؟ قال: بالنص والدليل. قال له: فدلالة الامام فيما هي؟ قال: في العلم واستجابة الدعوة.... » (1) .

وهكذا كان أئمة الهدى عليهم‌السلام ، فلم يعرف عن أحدهم أنه تلكأ يوماً في مسألة، أو أفحمه أحد في حجة، بل كان سبقهم نوعاً من الاعجاز، وأظهر ما يكون ذلك مع الامام محمد الجواد وولده الامام الهادي عليهما‌السلام ، فقد أوتيا العلم والحكمة وفصل الخطاب ولما يبلغا الحلم، وسبقا علماء ومتكلمي عصرهما،

__________________

(1) عيون أخبار الرضا / الشيخ الصدوق 1: 216.

١٥٨

وشهدوا لهما بالفضل والتقدم والسبق.

وللامام الهادي جملة احتجاجات ومناظرات وأجوبة على مسائل شتى ناظر وأجاب خلالها كثيراً من المناوئين وغيرهم، باسلوب هادئ متين مدعم بالحجة والمنطق والبرهان الساطع، ولم يجتمع إليه أحد من أولئك المناظرين إلا وأذعن بتفوقه العلمي وسبقه المعرفي، وفيما يلي نورد بعض الروايات الدالة على غزارة علمه وتفوقه ورجحان كفته.

1 - سورة تخلو من سبعة أحرف:

في شرح شافية أبي فراس، قال: ومما نقل أن قيصر ملك الروم كتب إلى خليفة من خلفاء بني العباس كتاباً يذكر فيه: إنا وجدنا في الانجيل أنه من قرأ سورة خالية من سبعة أحرف حرّم الله تعالى جسده على النار. وهي: الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والفاء، فإنا طلبنا هذه السورة في التوراة فلم نجدها، وطلبناها في الزبور فلم نجدها، فهل تجدونها في كتبكم؟

فجمع الخليفة العلماء وسألهم في ذلك، فلم يجب منهم أحد عن ذلك إلا النقي علي بن محمد بن الرضا عليه‌السلام ، فقال: إنها سورة الحمد، فإنها خالية من هذه السبعة أحرف. فقيل: الحكمة في ذلك أن الثاء من الثبور، والجيم من الجحيم، والخاء من الخيبة، والزاي من الزقوم، والشين من الشقاوة، والظاء من الظلمة، والفاء من الفرقة أو من الآفة. فلما وصل إلى قيصر وقرأه فرح بذلك فرحاً شديداً، وأسلم لوقته، ومات على الاسلام، والحمد لله رب العالمين (1) .

2 - معنى المال الكثير:

روى السمعاني والخطيب البغدادي بالاسناد عن الحسين بن يحيى، قال:

__________________

(1) شرح شافية أبي فراس / ابن أمير الحاج: 563.

١٥٩

« اعتل المتوكل في أول خلافته، فقال: لئن برئت لأتصدقن بدنانير كثيرة، فلما برئ جمع الفقهاء فسألهم عن ذلك فاختلفوا، فبعث إلى علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر، فسأله فقال: يتصدق بثلاث وثمانين ديناراً. فعجب قوم من ذلك، وتعصب قوم عليه وقالوا: تسأله يا أمير المؤمنين من أين له هذا؟ فرد الرسول إليه، فقال له: قل لأمير المؤمنين: في هذا الوفاء بالنذر، لأن الله تعالى قال: « لقد نصركم الله في مواطن كثيرة » (1) . فروى أهلنا جميعاً أن المواطن في الوقائع والسرايا والغزوات كانت ثلاثة وثمانين موطناً، وأن يوم حنين كان الرابع والثمانين، وكلما زاد أمير المؤمنين في فعل الخير كان أنفع له وأجرى (2) عليه في الدنيا والآخرة » (3) .

3 - جواز تكنية الكافر:

عن كتاب الاستدراك: « نادى المتوكل يوماً كاتباً نصرانياً: أبا نوح، فأنكروا كنى الكتابيين، فاستفتى فاختلف عليه، فبعث إلى أبي الحسن عليه‌السلام ، فوقع عليه‌السلام : ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّ‌حْمَـٰنِ الرَّ‌حِيمِ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ) (4)، فعلم المتوكل أنه يحل ذلك، لأن الله قد كنى الكافر » (5) .

4 - من حلق رأس آدم؟:

روى الخطيب البغدادي بالاسناد عن محمد بن يحيى المعاذي، قال: « قال

__________________

(1) سورة التوبة: 9 / 24.

(2) في تاريخ بغداد: وآجر.

(3) تاريخ بغداد 12: 57 / 6440، الأنساب / السمعاني 4: 194.

(4) سورة المسد: 111 / 1.

(5) بحار الأنوار 10: 391 / 4.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

فراحوا يحيونَ المواضي بأنفسٍ

صفت فسمت مجداً على كل ذي مجد

وقد أفرغوا فوق الجسوم قلوبهم

دروعاً بيومٍ للقيامة محتدّ

ولما قضوا حق المكارم والعلى

ببيض المواضي والمطهمة الجردِ

وخطّوا لهم في جبهة الدهر غُرةً

من الفخر في يوم من النفع مسودِ

تهاووا على وجه الصعيد كواكباً

وقد أكلتهم في الوغى قضب الهُندِ

ضحىً قبّلتهم في النحور وقبّلوا

عشياً نحور الحور في جنة الخلد

* * *

ولم يبق إلا قطب دائره العُلى

يدير رحى الهيجاء كالأسد الورد

وحيداً أحاطت فيه من كل جانب

جحافل لا تحصى بحصرٍ ولا عدّ

فدىً لك فرداً لم يكن لك ناصرٌ

سوى العزم والبتار والسلهب النهد

وقفت لنصر الدين في الطف موقفاً

يشيب له الطفل الذي هو في المهدِ

وأرخصت نفساً لا توازن قيمة

بجملة هذا الكون للواحدِ الفردِ

ترد سيول الجحفل المجر والحشى

لقرط الظما والحرّ والحرب في وقد

بعضب الشبا ماضٍ كأنّ فرنده

سَنا البرق في قط الكتائب والغدِ

وتحسب في الهامات وقع صليله

بكل كميّ دارعٍ زجل الرعد

فيكسو جسومَ الدارعين مطارفاً

من الضرب حمزاً ان تعرّى من الغمد

ولما دنا منه القضا شام سيفَه

وليس لما قد خطه الله من ردّ

هوى للثرى نهبَ الأسنة والظبا

بغلة قلب لم تذق بارد الورد

هوى فهوى ركن الهداية للثرى

وأمسى عماد المجد منفطم العقد

وقام عليه الدين يندب صارخاً

ويلطم في كلتا يديه على الخدّ

* * *

تحامته ان تدنو عليه عداته

صريعاً فعادوا عنه مرتعش الأيدي

فيا غيرة الإسلام أين حماته

وذي خفراتُ الوحي مسلوبة البرد

تجول بوادي الطف لم تلف مفزعاً

تلوذ به من شدة الضرب والطرد

وتستعطف الأنذال في عبراتها

فتجبهُ يا لله بالسبّ والردّ

برغم العُلى والدين تُهدى أذلةً

فمن ظالمٍ وغدٍ إلى ظالمٍ وغدِ

٣٢١

السيد حسن البغدادي

المتوفى ١٣٦٧

يا قلب زينب ما لاقيت من محن

فيك الرزايا وكل الصبر قد جُمعا

لو أنّ ما فيك من حزن ومن كمد

في قلب أقوى جبال الأرض لأنصدعا

يكفيك فخراً قلوب الناس كلهم

تقطعت للذي لاقيته جزعا

وكل رضيع يغتذي درّ أمه

ويرضع من ألبانها ثم يُفطَم

سوى أن عبد الله كان رضاعه

دماه وغذّته عن الدرّ أسهم

تبسّم لما جاءه سهم حتفه

وكل رضيع للحلوبة يبسم

تخيّله ماء ليروي غليله

ففاض عليه الغمر لكنه دم

السيد حسن ابن السيد عباس ابن السيد علي بن حسين بن درويش بن أحمد ابن قاسم بن محمد بن كاسب بن قاسم بن فاتك بن أحمد بن نصر الله بن محمود بن علي بن يحيى بن فضل بن محمد بن ناصر بن يوسف بن علي بن يوسف بن علي ابن محمد بن جعفر ( الذي يقال له الطويل وبه عرف بنوه ببني الطويل ) ابن علي بن الحسين شيتي ويُكنى بأبي عبد بن محمد الحائري ( وقبره في واسط وهو المعروف بالعكار ابن الإمام محمد الباقر إبن الإمام زين العابدين بن الحسين الشهيد ابن علي بن أبي طالب (ع).

٣٢٢

نظم والده السيد عباس المتوفى سنة ١٣٣١ ه‍. هذا النسب في ارجوزة له وهي مذكورة في ترجمته. ولد المترجم له سنة ١٢٩٨ ه‍. ونشأ في ظل والده حيث وجهه للخطابة والخدمة الروحية من طريق المنبر الحسيني، وكان كريم الطلعة بهي المنظر تنمّ عليه السيادة وتزدهيه الشمائل العلوية قد أوتي بسطة في العلم والجسم واسع الاطلاع ملماً بالتاريخ العربي والإسلامي بل والتاريخ الاممي وعقيدتي انه بزّ اقرانه فكان منبره من أغزر المنابر مادةً، استمعتُ اليه اكثر من مرة فرأيته متثبتاً كل التثبّت فيما يقول وكلامه كاللؤلؤ المنظوم فإنه يذكر الآية الشريفة ثم يأتي بما يناسبها من الأحاديث النبوية والأقوال الحكمية والشواهد الشعرية، وكان يحفظ الكثير من شعر العرب اما ديوان المهيار الديلمي فيكاد ان يستظهره حفظاً وقال لي مرة ان هذا الديوان الذي طبعته دار الكتب بمصر وزعمت انها شرحته وحققته ودققته فإني سجّلت أغلاطها والمؤاخذات عليها ولعله في كل صفحة من الصفحات عشر مؤاخذات، واستمعتُ اليه يتكلم منبرياً في موضوع الإمامة وإذا ممن اشبع الموضوع بحثاً، وصادف مرة أن قصد زيارة الإمامين العسكريين بسامراء وكان هناك المرجع الديني الكبير السيد أبو الحسن الأصفهاني وأكثر الحوزة العلمية بخدمته، فجاء خطيبنا للسلام عليه فطلب منه التحدث منبرياً فاستجاب وتحدث أكثر من ساعة بما لذّ وطاب عن الآل الأطياب وسلالة داحي الباب وشنف الأسماع والألباب وهكذا استمر كل يوم صباحاً يحضر ويرقى المنبر حتى أكمل شهراً كاملاً كله حول أهل بيت الرحمة السادة الأئمة وفي كل يوم يزداد السيد ابو الحسن اعجاباً به أكثر من سابقه.

مؤلفاته:

١ - الدر المنظوم في الحسين المظلوم وهو مقتل الحسين وما يدور حول فاجعة الطف والشعر الذي قيل فيها ب‍ ١٥٠٠ صفحة رويتُ عنه في الجزء السابق من هذه الموسوعة، فرغ من تأليفه ١٥ جمادى الأولى سنة ١٣٣٩ ه‍.

٣٢٣

٢ - المطالب النفيسة. اخبرني هو عنها وقال تجمع تراجم عظماء الإسلام.

٣ - سفينة النجاة في الأئمة الهداة، ابتدأ بجمعه في ١٥ شهر رمضان ١٣٢٥ ه‍. وانتهى منه في ٥ ذي القعدة سنة ١٣٣٤ ه‍.

٤ - الدر النضيد في رثاء الشهيد يشتمل على مجموعة كبيرة من القصائد في الإمام الحسين (ع).

٥ - كنانة العلم اشبه بالكشكول يضم النوادر الأدبية والتاريخية بدأ به بتاريخ ١١ صفر ١٣٤٦ ه‍. وانتهى منه ٢٦ رمضان سنة ١٣٥١ ه‍.

٦ - مجموع كبير يجمع الشعر والنثر وفيه ( انجيل برنابا ) المطبوع والممنوع قد كتبه بخطه بالرغم من ان ايطاليا قد جمعت هذا الانجيل ومنعت نشره.

وله مخطوطات تقارب ١٢ مخطوط كلها علم وادب وشعر ونثر محفوظة عند ولده السيد شمس الدين الخطيب.

توفي ببغداد يوم الجمعة ١٩ صفر سنة ١٣٦٧ ه‍. على أثر انفجار في الدماغ وكان موته في مستشفى المجيدية ونقل إلى كربلاء وذلك ليلة زيارة الأربعين وكانت هناك مواكب الزائرين من جميع العراق فاشتركت جميع المواكب بتشييعه وشيّعه ما لا يقل عن ربع مليون نسمة، وقد أظهر البصريون في تلك الليلة حبهم وولاءهم له فكانوا في طليعة المشيعين لانه كان خطيبهم في محرم الحرام لمدة ٣٦ عاماً ثم نقل جثمانه إلى النجف الأشرف ودفن عند رأس الإمام أمير المؤمنين (ع) تحت الساباط من جهة يمين الداخل إلى المسجد هناك بقرب قبر الشاعر السيد حيدر الحلي رحمهما الله. كتب عنه البحاثة السيد الشريف المعاصر السيد جودت القزويني وجمع أكثر شعره ونثره قال: وله في وصف ( نهج البلاغة ) لأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

نهجٌ له كل الأنام قد غدت

خرساً وأهدى للطريق الأعدل

فلم نجد أفصح منه منطقاً

سوى لئالى المصحف الغض الجلي

فذا كلام قاله المولى العلي

وذا كلام قاله المولى علي

٣٢٤

ومن رثائه للإمام الحسينعليه‌السلام :

تبسم باللوى ثغر الأقاح

ومنه الأرض ضاحكة النواحي

وقد نسج الربيع له رداءً

تفوّق وشيه أيدي الرياح

قد اعتنق البشام به الخزامى

معانقة المتيم للملاح

إلى أن يقول:

لعمرو أبيك ما جزعي لركب

أغذّ على ذرى النيب الطلاح

ولكن للاولى جزروا عطاشا

بعرصة كربلا جزر الاضاحي

بيوم ليس استأ منه يوم

علا فيه الفساد على الصلاح

لقد صبروا بذاك اليوم صبراً

به ظفروا بجامحة النجاح

تأسوا في أبيّ الضيم مَن قد

أقام الدين حيّ على الفلاح

ولما أن دنا المقدار منهم

هووا ما بين مشتبك الرماح

وعاد ابن النبي هناك فرداً

يعالجها ابن معتلج البطاح

جلا ليل القتام بحرّ وجه

كأن جبينه فلق الصباح

ومذ نور الإله له تجلّى

وناداه فلبّى بالرواح

بوادي الطف آنس نار قدس

فخرّ مكلّماً دامي الجراح

وبات معانقاً سمر العوالي

وبيض الهند في ليل الكفاح

وقال مذيلاً أبيات ابنة حجر بن عدي الكندي في رثاء أبيها والتي رواها المسعودي:

تُرفّع ايها القمر المنير

لعلك أن ترى حجراً يسير

يسير إلى معاوية بن حرب

ليقتله كما زعم الأمير

ترفّعت الجبابر بعد حجر

وطاب لها الخورنق والسدير

وأصبحت البلاد له محلاً

كأن لم يغنها مزنٌ مطير

ألا يا حجر حجر بني عديٍّ

تلقتك السلامة والسرور

فان تهلك فكل زعيم قوم

عن الدنيا إلى هلك يصير

ألا يا ليت حجراً مات موتاً

ولم يُنحر كما نحر البعير

٣٢٥

فقال:

وذبح السبط شابه ذبح حجر

وكلٌ ذبحه إثمٌ كبير

ولكن اين حجرٌ من حسين

وهل رضت لمن معه صدور

وهل سلبوا إلى حجر نساءً

وهل هتكت لنسوته خدور

وهل ذبحوا له طفلاً صغيراً

ألا بأبي وبي الطفل الصغير

وهل تركوه في الرمضا ثلاثاً

تريب الجسم يصهره الهجير

وهل حملوا له رأساً قطيعاً

كأن جبينه القمر المنير

وهل قادوا له مضنى عليلاً

على الأقتاب في غلٍّ يسير

وهل نكثوا له بالعود ثغراً

وهل سكبت بجانبه الخمور

حجر بن عدي الكندي رحمة الله عليه من فضلاء الصحابة ويُعدّ من الأبدال وكان صاحب راية رسول الله (ص) وهو رئيس زاهد محب وإخلاصه لأمير المؤمنين أكثر مما يذكر، وله مواقف مشرفة في مغازي المسلمين وقائد مظفر في الفتح الإسلامي ومن أكبر قواد المسلمين يوم حرب المسلمين مع الروم وهو الذي فتح مرج عذراء(١) جعله أمير المؤمنين علي (ع) يوم صفين على كندة وفي يوم النهروان على ميسرة الأجمع. وقد قُتل حجر وأصحابه بمرج عذراء صبراً بأمر من معاوية بن أبي سفيان حيث لم يتبرأوا من علي بن أبي طالبعليه‌السلام ودفنوا هناك. وقد أوثر عنه في ساعة شهادته قوله: أما والله لئن قتلتموني بها إني لأول فارس من المسلمين سلك في واديها، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها.

__________________

١ - عذراء بفتح المهملة وسكون المعجة. قرية بغوطة الشام.

٣٢٦

الشيخ محمد حسن دِكسن

المتوفى ١٣٦٨

حتامَ يا دنيا التصبر للكرب

وانت على البغضا أقمت على حربي

كأنك من أعدى العدى لابن حرة

فكيف تواخيني وما أنت من صحبي

طبعت على البلوى إلى أن ألفتها

وقلت لصحبي لا يهولنكم كربي

تجرعتُ للدنيا مرارة كأسها

إلى أن حلى عندي ولذّ به شربي

فقابلتُ في صبري جهات ثلاثة

رغبن باتلافي تشاركن في سلبي

ففرقة أوطان وفقد أحبة

وجور زمان حار منه ذوو اللب

فطرتُ على الضراء ما ريع لي حشى

ولكن يوم الطف روّع لي قلبي

فلله يوم طبق الدهر شجوه

وأجرى دماً فيه له أعين السحب

فذلك يوم قام فيه ابن أحمد

خطيباً بدرع الصبر واللدن القضب

أبوه علي لا يقاس بغيره

بحرب وهذا الندب من ذلك الندب

فلولاه قضاء الله يمسكه قضى

بحرب على كوفانها وبني حرب

فلم تره إلا على ظهر سابح

يشق غبار الحرب في صدره الرحب

إلى أن اتاه السهم من كف كافر

فخرّ به من صهوة المهر للترب

فكوّر نور الشمس حزناً لفقده

وأعولت الأملاك ندباً على ندب

٣٢٧

وقل ليتامى المسلمين ألا اعولي

عطوفاً عليك حلؤه عن الشرب

ويا زعماء الدين لا تتفيئوا

ظِلالاً وفي الشمس الحسين بلا ثوب

الخطيب الأديب الورع التقي الشيخ محمد حسن بن عيسى بن مال الله بن طاهر بن أحمد بن محسن بن حبيب بن ياسين الأسدي البصري نال شهرة واسعة في الخطابة. ولد في النجف سنة ١٢٩٦ ه‍. ونشأ بها على أبيه ودرس المقدمات وأخذ الخطابة عن الشيخ علي المعروف ب‍ ( ابن عياش ) فكان من ألمع أقرانه وتوالى عليه الطلب من البصرة والمحمرة للخطابة هناك وإحياء مآتم سيد الشهداء وعلى منبره مسحة من قبول فلا يكاد يخطب ويتخلص للمصيبة حتى تجري دمعته، وألّف مجالس العلماء هناك كالسيد ناصر ابن السيد عبد الصمد البحراني ومن بعده السيد عدنان الغريفي ولمع نجم الشيخ دكسن وطلبه أمير المحمرة وحاكمها المرحوم الشيخ خزعل الكعبي فكانت له المنزلة السامية عنده وفي أيام التحصيل يكون النجف الأشرف مقره مهاجراً اليها بعياله وينكب على الدراسة إلى جنب الخطابة وكنت استمع اليه يقرأ القصائد الطوال في رثاء الحسينعليه‌السلام واكثر ما يقرأ من المراثي للحاج هاشم الكعبي فكان يحتفظ بديوانه المخطوط الذي يحتوي على المراثي والغزل والمديح والتهاني، أما أساتذته في الدراسة فهم كما يلي:

١ - العلامة السيد مهدي البحراني في النحو والمنطق.

٢ - العلامة السيد محمد علي الصائغ في الفقه.

٣ - العلامة الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء معالم الاصول.

٤ - العلامة الشيخ نعمة الله الدامغاني الأسفار والحكمة.

مضافاً إلى انضمامه في حوزة المجتهد الكبير الشيخ علي الشيخ باقر الجواهري. وله آثار مخطوطة منه: شرح الصحيفة السجادية، مخطوط جمع فيه النوادر والأدب والعلم والذي طبع له ( الروضة الدكسنية ) وهو ديوانه

٣٢٨

باللغة الدارجة وكله في مراثي أهل البيت من أرقّ الشعر وأعذبه نستشهد به في مجالسنا الحسينية فيهزّ العواطف ويثير الدمعة، وله ديوان باللغة للفصحى ومنه قوله في النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله :

عج بالنياق ليثرب يا حادي

نبك الاولى من أهل ذاك النادي

وأذرى الدموع وخلّني ولواعج

وحشاشتي وزفيرها الوقاد

ما لي أرى الدار التي قد أشرقت

بالبشر دهراً جلببت بسواد

فأجاب بالدمع الهطول لحادث

أهل الحمى وبنفثة الأكباد

فاليك عني لا تسل عما جرى

فالأمر صعب والخطوب عوادي

وأمضّ ما لاقى الحمى يومٌ به

طرقته طارقة النوى بالهادي

ما مرّ يوم مثل يوم محمد

أشجى الأنام اسى إلى الميعاد

يوم به جبريل أعلن قائلاً

الله أكبر أكبر والدموع بوادي

ويح الزمان ويا له من غادر

أبكى الأمين وفتّ بالأعضاد

وأمض شيء في الحشي صدع الحشا

صوت البتولة من حشي وقاد

ابتاه من لي بعد فقدك سلوة

فلأبكينك يقظتي ورقادي

كيف اصطباري أن أراك مفارقي

فالعين عبرى والأسى بفؤادي

لله صبر المرتضى مما رأى

فقد النبي وفرحة الحساد

لم أدري أي رزية أبكي لها

ألغصب حقي أم لفقد الهادي

الله أكبر يا لها من فجعة

قامت نوادبها بسبع شداد

وبقبره قد أُلحدت أكبادنا

وتراجعت ثكلى بلا أكباد

توفاه الله يوم الأحد في قرية الدعيجي من لواء البصرة سنة ١٣٦٨ ه‍. ونقل جثمانه إلى النجف وارخ وفاته الخطيب الشيخ علي البازي بقوله:

ومنبر السبط بكى تاريخه

لما توفي الخطيب الحسن

وسبب تلقيبه با ( الدكسن ) يقول هو رحمه الله عندما سئل عن ذلك قال: لما كنتُ قصير القامة جهوري الصوت شبهني الناس بالبندقية المعروفة ب‍ ( الدكسن ) لامتيازها بالقصر وقوة الصوت.

٣٢٩

السيد حسن قشاقش

المتوفى ١٣٦٨

قال يصف شهداء الطف:

وردوا على الهيجا ورود الهيم

ورأوا عظيم الخطب غير عظيم

وتنازعوا كأس المنية بينهم

في غير ما لغوٍ ولا تأثيم

يتسابقون إلى الهجوم وكأنهم

خلقوا ليوم تسابق وهجوم

وكأنهم والحرب تزفر نارها

من انسهم في جنة ونعيم

و كأنما بيض الظبا بيض الدمى

لاقتهم برحيقها المختوم

تروي حديث الموت عن عزماتهم

بيض الصفاح على القضا المحتوم

من كل أصيد قد نماه أصيد

وكريم قوم ينتمي لكريم

يستعجلون البذل قبل أوانه

ويسارعون لدعوة المظلوم

نثروا كما نظموا الجماجم والطلى

فتشابه المنثور بالمنظوم

وجدوا الحياة مع الهوان ذميمة

والموت في العلياء غير ذميم

وتقدموا للموت قبل إمامهم

ولقد يجوز تقدّم المأموم

السيد حسن بن محمود بن علي بن محمد الأمين بن أبي الحسن موسى بن حيدر بن إبراهيم بن أحمد الحسيني الشقرائي العاملي المعروف ب‍ ( قشاقش ) والشهير بالأمين وينتهي نسبه إلى الحسين ذي الدمعة بن زيد الشهيد بن علي بن

٣٣٠

الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام عالم جليل وشاعر مطبوع. ولد عام ١٢٩٩ ه‍. في قرية عثرون التي انتقل اليها أبوه من شقراء، قرأ على أخيه السيد علي وفي مدرسته ست سنوات، قال السيد الأمين في الأعيان: هاجر إلى العراق عام ١٣١٦ ه‍. فقرأ فيها عليّ علمي الأصول والفقه إلى أن خرجت من النجف عام ١٣١٩ ه‍. وكان يسكن معي في دار واحدة نحواً من ثلاث سنوات كان فيها مكباً على التحصيل والدرس والتدريس، وقرأ على الشيخ أحمد كاشف الغطاء، وعلى الشيخ علي ابن الشيخ باقر آل الجواهر ثم سافرت إلى الشام وبقي هو في النجف نحواً من عشر سنين يحظر دروس الخارج ويقرأ عليه الطلاب، وعاد إلى جبل عامل عام ١٣٣٠ ه‍. وأراد السكنى في مسقط رأسه عثرون فذهب اليها فلم تستقر به الدار فخرج منها إلى شقراء وبقي فيها عدة سنين استفاد منه جماعة وانتهلوا من علومه منهم الشيخ محمد جواد الشري قبل ذهابه للعراق ثم انتقل إلى خربة سلم بطلب من أهلها فاكرموا وفادته وقاموا بما يجب حياً وميتاً. وكان عالماً فاضلاً فقيهاً بارعاً محققاً مدققاً حاد الفهم وأديباً شاعراً متميزاً في حسن نظمه ورصانة شعره، وترجم له صاحب الحصون المنيعة، وخلّف من الآثار العلمية رسالة في الرد على الوهابية، مجلد في الطهارة، منظومة في الرضاع أسماها ( فصيلة اليراع في مسائل الرضاع )، منظومة في الاجتهاد والتقليد، فمن شعره وهو يتشوق إلى الوطن عندما توجه العراق سنة ١٣١٦ ه‍.

لئن كنت مأسور الفؤاد بنأيكم

فطرفي في قاني المدامع مطلق

ومن عجب قلبي وجسمي تباعدا

فهذا شئاميٌ وذلك معرق

أنام إذا ما هزني الشوق حيلة

لعلّ خيالاً منكم اليوم يطرق

وكنا جميعاً فرّق الدهر بيننا

وما خلتُ يوماً أننا نتفرق

فيا دارنا بالشام هل لك رجعة

لصبٍ يصب الدمع طوراً ويغدق

سقاك الحيا اما تذكرت جيرة

بك استوطنوا أو شكت بالريق أشرق

٣٣١

وبين ضلوعي نار وجد تسعّرت

ولولا دموعي كدت بالوجد أحرق

لحقت بقومي في المكارم والعلى

وما كل من رام المكارم يلحق

وأصبحت لا أبغي سوى العز متجراً

وكل امرء لا يبتغي العزّ أحمق

أراب وقلبي قد تعلّق في ولا

أبي حسن الكرار والقلب يعلق

وصرت له جاراً ومن كان جاره

عليٌ أبو السبطين ذاك الموفق

ترجم له علي الخاقاني فذكر مراسلاته ومجموعة من أشعاره وقال: توفي بمدينة بيروت جمادى الآخرة عام ١٣٦٨ ه‍. ودفن في ( خربة سلّم ) بموكب مهيب مشى فيه أكثر من مائة سيارة اشترك فيه جميع الأعيان والوجوه ورثاه جمع من الشعراء في اليوم السابع وهو يوم اسبوعه، وعدّدوا مزاياه ومميزاته وعدد الشعراء والخطباء ٢٦.

وترجم له السيد الأمين في الأعيان وذكر طائفة من أشعاره فمنها قوله:

لي جسم أضناه ذكر المغاني

وفؤاد أصماه حب الغواني

وضلوع من الغرام تثقّفن

فها هنّ كالقسي حواني

٣٣٢

الشيخ محسن ابو الحب

المتوفى ١٣٦٩

سبط النبي أبو الأئمة

من للخلائق جاء رحمه

هذا الحسين ومن بساق

العرش خطّ الله إسمه

وبقلب كل موحد

قد صوّر الرحمن رسمه

هذا سليل محمد

لبني الولا كهفٌ وعصمه

هذا ابن بنت المصطفى

مولى له شأن وحرمه

من أهل بيت زانهم

كرم ومعروف وحشمه

في شهر شعبان علينا

الخيرَ خالقنا أتمّه

ولد الحسين ونوره

مذ شعّ أذهب كل ظلمه

جبريل هنّأ جدّه

وأباه والزهراء أمه

كان النبي إذا رآه

اليه أدناه وضمّه

غذّاه من إبهامه

لبناً وقبّله وشمّه

فيه تبرّك فطرس

وبه محى الرحمن جرمه

وكذاك دردائيل اعتقه

وأذهب عنه إثمه

وله أجلّ مناقب

وفضائل في الدهر جمّه

كم قد أفاض على الورى

من جوده فضلاً ونعمه

وإذا أتاه لاجيء

يوماً كفاه ما أهمّه

٣٣٣

وله ضريح طالما

تتعاهد الزوار لثمه

قد شعّ نوره جبينه

فجلى الليالي المدلهمه

رام العدى إطفاءه

والله شاء بأن يُتمّه

بشراكم بولادة السبط

الحسين أبي الأئمه

لهفي عليه لقد غدى

جثمانه للبيض طعمه

ما راقبوا لمحمد

في آله إلا وذمه

الخطيب الشهير الشيخ محسن ابن الشيخ محمد حسن ابن الشاعر الشهير الشيخ محسن أبو الحب صاحب القصائد الحسينية المعروفة والذي سبق وأن ترجمنا له. واسرة آل أبي الحب من الاسر العربية التي تنتسب إلى خثعم وكان مبدأ هجرتها من الحويزة إلى كربلاء بقصد طلب العلم الديني. ولد المترجم له في سنة ١٣٠٥ ه‍. وهي السنة التي مات فيها جده ونشأ بتوجيه والده ودرس المقدمات وتخصص بالخطابة حتى نال شهرة واسعة واحتضنته كربلاء واعتبرته خطيبها الأول وشارك في الحفل الحسيني الكبير الذي عقدته الشبيبة الكربلائية يوم ١٣ من محرم الحرام سنة ١٣٦٧ ه‍. أي ١٩٤٧ م. لذكرى استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام في الروضة الحسينية المقدسة وقد ألقى قصيدته ويوم أنشد شاعر العرب محمد مهدي الجواهري رائعته الخالدة، وللمترجم له مواقف أدبية وسياسية وطبع له ديوان بعد وفاته والديوان يضم طائفة كبيرة من النتف والقصائد في أغراض شتى قد قالها بمناسبات مختلفة. وكان نشر الديوان بسعي وتحقيق الأديب الاستاذ السيد سليمان هادي الطعمة وبالمناسبة أقول ان هذا السيد الطاهر خدم بلاده بكل ما يقدر وسخّر قلمه ومواهبه لخدمتها كثّر الله من أمثاله الغيارى وكان طبع الديوان بمطبعة الآداب بالنجف الأشرف سنة ١٣٨٥ ه‍. ١٩٦٦ م.

وتوفي المترجم له في كربلاء فجأة صباح اليوم الخامس من ربيع الأول سنة ١٣٦٩ ه‍. ودفن في مقبرة خاصة له في روضة أبي الفضل العباسعليه‌السلام واقيم له حفل تأبيني رائع في الصحن الشريف يوم اربعينيه ساهم فيه ثُلّة من الادباء، ورجال الفكر.

٣٣٤

المستدركات

٣٣٥

٣٣٦

عبد المحسن الصوري

المتوفى ٤١٩

حيّ ولا تسأم التحيات

وناج ما اسطعت من مناجاتِ

حيّ دياراً أصخت معالمها

بالطف معلومة العلامات

وقل لها يا ديار آل رسول

الله يا معدن الرسالات

وقل عليك السلام ما انبرتِ

الشمس أو البدر للبريات

نِعم مناخ الهدى ومنتجع

الوحي ومستوطن الهدايات

نِعم مصلى الأرض المضمّن مَن

صلى عليهم رب السماوات

إن يتل تالِ الكتاب فضلهم

يتل صنوفاً من التلاوات

خصوا بتلك الآيات تكرمة

أكرم بتلك الآيات آيات

هم خير ماش مشى على قدم

وخير من يمتطي المطيات

قد علّموا العالمين أن عبدوا

الله وألغوا عبادة اللات

عجتُ بأبياتهم اسائلها

فعجتُ منهم بخير أبيات

على قبور زكيةٍ ضمنت

لحودُها أعظما زكيات

أزكى نسيماً لمن تنسمّها

من زاهرات الربى الذكيات

وآصلها الغيث بالغدوّ ولا

صارمها الغيث بالعشيات

الشافعون المشفعون إذا

ما لم يُشفع ذوو الشفاعات

٣٣٧

من حين ماتوا أُحبوا وليس كمن

أحباؤهم في عداد أموات

جلّت رزاياهم فلست أرى

بعد رزياتهم رزيات

نوحاً على سيدي الحسين نعم

نوحا على سيدي ابن سادات

نوحا تنوحا منه على شرف

مجدّل بين مشرفيات

ذيدَ حسين على الفرات فيا

بليّة أحدثت بليات

ما لك ما غرت يا فرات ولم

تسق الخبيثين والخبيثات

كم فاطميين منك قد فطموا

من غير جرم وفاطميات

ويل يزيد غداة يقرع با

لقضيب من سيدي الثنيات

الجن والانس والملائكة

الكرام تبكى بلا محاشاة

على خضيب الأطراف من دمه

يا هول أطرافه الخضيبات

في لمّة من بني أبيه حوت

طيب الأبوات والبنوات

من يسلُ وقتاً فان ذكرهم

مجدد لي في كل أوقاتي

بهم أُجازي يوم الحساب إذا

ما حوسب الخلق للمجازات

تجارتي حبهم وحبّهم

ما زال من أربح التجارات(١)

عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب بن غلبون أبو محمد الصوري شاعر بديع الألفاظ حسن المعاني رائق الكلام مليح النظام مشهور بالاجادة بين شعراء أهل الشام، من حسنات القرن الرابع الهجري جمع شعره بين جزالة اللفظ وفخامة المعنى، وله ديوان شعر يحتوي على خمسة آلاف بيت تقريباً وهو خير شاهد على ما نقول رأيته بمكتبة دار الآثار - بغداد قسم المخطوطات(٢) برقم ١٤٦٢٢ وهو من أقوى النصوص على تشيعه وعدّه ابن شهر آشوب من شعراء أهل البيت المجاهدين، ذكره في اليتيمة وذكر من محاسنه قوله:

__________________

١ - الطليعة من شعراء الشيعة للشيخ محمد السماوي.

٢ - وتوجد نسخة من الديوان بخط الشيخ جواد الشبيبي استنسخها عن نسخة كتبت في القرن السادس كانت بمكتبة السيد عيسى العطار ببغداد.

٣٣٨

عندي حدائق شكر غرس جودكم

قد مسّها عطش فليسق من غرسا

تداركوها وفي أغصانها رمق

فلن يعود اخضرار العود إن يبسا

ومن شعره قوله:

يا غزالاً صاد قلبي

بلحاظ فاصابا

بالذي ألهمَ تعذيبي

ثناياك العِذابا

والذي صيّر حظي

منك هجراً واجتنابا

والذي ألبس خديك

من الورد نقابا

ما الذي قالته عيناك

لقلبي فأجابا

ومن تلويحاته اللطيفة قوله في صبي اسمه عمر.

نادمني مَن وجهه روضة

مشرقة يمرح فيه النظر

فانظر معي تنظر إلى معجز

سيف علي بين جفني عمر

وعقد ابن خلكان له ترجمة ضافية أطراه ووصف شعره كما ترجم له ابن كثير في تاريخه، ومن شعره:

سفرن بدوراً وانتقبن أهلّةً

ومسن غصوناً والتفتن جآذرا

وأبدين أطراف الشعور تستراً

فاغدرت الدنيا علينا غدائرا

وربّتما أطلعن والليل مقبلٌ

شموس وجوه توقف الليل حائرا

فهنّ إذا ما شئن أمسين أو إذا

تعرضن أن يسبحن كنّ قوادرا

وقال يرثي الشيخ المفيد محمد بن محمد بن نعمان المتوفى ٤١٣:

تبارك مَن عمّ الأنام بفضله

وبالموت بين الخلق ساوى بعدله

مضى مستقلاً بالعلوم محمد

وهيهات يأتينا الزمان بمثله

وقال في صبي اسمه مقاتل وله فيه شعر كثير:

احفظ فؤادي فأنت تملكه

واستر ضميري فأنت تهتكه

هجرك سهل عليك أصعبه

وهو شديد عليّ مسلكه

٣٣٩

بسيف عينيك يا مقاتل كم

قتلت قبلي ممن كنت تملكه

أمّا عزائي فلستُ آمله

فيك وصبري ما لست أدركه

وقال تمدح بها علي بن الحسين المغربي والد أبي القاسم الوزير:

أترى بثار أم بدينِ

علقت محاسنها بعيني

في لحظها وقوامها

ما في المهند والرديني

وبوجهها ماء الشبا

ب خليط نار الوجنتين

بكرت عليّ وقالت اختر

خصلة من خصلتين

إما الصدود أو الفراق

فليس عندي غير ذين

فأجبتها ومدامعي

تنهلّ مثل المازمين

لا تفعلي إن حان صدك

أو فراقك حان حيني

فكأنما قلت انهضي

فمضت مسارعة لبيني

ثم استقلّت أين حلّت

عيسها ورمت بأين

ونوائب أظهرن أيامي

إلي بصورتين

سوّدنها وأطلنها

فرأيت يوماً ليلتين

ومنها:

هل بعد ذلك مَن يعرّفني

النضار من اللجين

فلقد جهلتهما لبعد

العهد بينهما وبيني

متكسّباً بالشعر يا

بئس الصناعة في اليدين

كانت كذلك قبل أن

يأتي علي بن الحسين

فاليوم حال الشعر

حالية كحال الشعرتين

ومن شعره الذي رأيته في ديوانه المخطوط قوله:

وأخ مسّه نزولي بقرح

مثلما مسني من الجوع قرح

بتّ ضيفاً له كما حكم الدهر

وفي حكمه على الحرّ قبح

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363