أدب الطف الجزء ٩

أدب الطف15%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 363

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 363 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128650 / تحميل: 7931
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ٩

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

السيد عدنان الغريفي

المتوفى ١٣٤٠

استجار بأبي الفضل العباس (ع) يوم مرضه وقال:

ندبت أبا الفضل الذي هو لم يزل

قديماً حديثاً في النوائب يقصد

يمدّ على جسمي السقيم بكفه

وإن لم تكن يوم الطفوف له يد

* * *

السيد عدنان الغريفي : ابن السيد شبر بن السيد علي المشعل الأصغر ابن السيد محمد الغياث بن السيد علي المشعل الأكبر بن السيد احمد المقدس بن السيد هاشم البحراني بن السيد علوي عتيق الحسينعليه‌السلام بن السيد حسين الغريفي البحراني.

ولد في البصرة في غرة جمادي الثانية سنة ١٢٨٣ ه‍. وتوفي في الكاظمية في الخامس من شعبان سنة ١٣٤٠ ه‍. ونقل إلى النجف الأشرف ودفن في إحدى حجر الصحن العلوي الشريف عن يسار الداخل من الباب السلطاني. وهو العلم الشهير الغني عن التعريف أجيز في الاجتهاد والفتوى ولم يبلغ الثلاثين من عمره وكان آية في الحفظ والذكاء. وله شعر كثير ورائق. وقد ترجمه أرباب المعاجم وكتب الدكتور حسين علي محفوظ رسالة في أحواله سمّاها ( النابغة البحراني ).

٢١

ومن شعره قوله مؤرخاً إصلاح مرقد أبي الفضل العباس (ع):

مثوى أبو الفضل العباس ثوى فيه

مثوى تودّ الثريا أن تدانيه

قصر مشيدٌ وبيت عزّ جانبه

من أن يساويه بيت أو يضاهيه

عبد المجيد علا سلطانه شرفاً

وزاده بسطة في الحكم باريه

أرسى على الشرف الأوفى قواعده

فجازت الفلك الأعلى أعاليه

أنى يضاهى علاً قل يا مؤرخه

( مثوى أبي الفضل والسلطان بانيه )

أقول: زوّدنا بهذه الترجمة صديقنا العلامة الورع السيد محيي الدين الغريفي سلمه الله كما تفضّل بتراجم أعلام الاسرة وستأتي قريباً إن شاء الله، وكتب البحاثة شيخنا الشيخ اغا بزرك الطهراني عن المترجم له وقال: مات أبوه وهو صغير فربّاه خاله السيد سلمان، وكانت دراسته في النجف على عمه السيد علي والد السيد مهدي البحراني، والميرزا حبيب الله، والسيد محمد سعيد الحبوبي. وتلمذ عليه السيد ناصر الاحسائي والخطيب السيد صالح الحلي، وأخصهم به الشيخ عيسى ابن الشيخ ناصر الخاقاني القائم مقامه ووصيه والقيم على أولاده الصغار وهم: علي، حسن، محمد علي وشبير.

مؤلفاته وآثاره: قبسة العجلان، حاشية على العروة، حاشية على القوانين، ارجوزة في الحج، الأنساب المشجرة وهو عند ولده السيد حسن في المحمرة. وترجم له الخاقاني في دليل الآثار المخطوطة، قال: وقد جمعت ديوانه من مختلف المجاميع المخطوطة ويبلغ مائة وستين صفحة، وفرغت من جمعه في النجف ١٠ ذي القعدة سنة ١٣٦١ ه‍. وترجم له تلميذه وابن عمه السيد مهدي في بعض إحازاته. وذكر لنا الدكتور حسين علي محفوظ أنه جمع أشعاره في مجلد ضخم وأسماه ( النابغة البحراني ) ومؤلفه ( قبسة العجلان ) مطبوع طباعة حجرية وعلى هامشه قصيدته المتضمنة لحديث الكساء الشريف، وأولها:

دع عنك حزواء واترك شعب سعدان

واستوقف العيس في أكناف كوفان

٢٢

وحدثني العلامة الجليل المغفور له السيد عباس شبر عن سيرة المترجم له شيئاً كثيراً، قال: وجاء في تاريخ وفاته على لسان الشيخ جمعة الحائري:

ونعى به الروح الأمين مؤرخاً

عدنانُ قوّض بعدك الاسلام

وللحاج عبد المجيد العطار مؤرخاً:

بوركت من تربة ضممت فتى

كان لعين الزمان انسانا

فما تعدّى الحجا مؤرخها

جنات عدن مثوى لعدنانا

ذكره صاحب الحصون المنيعة فقال: هو فاضل معاصر تركه أبوه بسن الطفولة وقد كفلته امه وسعت في تربيته فهاجر إلى النجف ودخلها وهو ابن الأربعة عشرة سنة وكان بهذا السن يحفظ أربعة عشر الف بيت من الشعر، ويحفظ القصيدة طالت أو قصرت بمجرد تلاوتها.

ومن شعره قوله وقد أرسلها للحجة الكبير الشيخ عبد الكريم الجزائري:

على الجزع حيث الجزع بالبيض مونق

مراح بأطراف الرماح مسردق

نعان لظمياء الوشاحين لم تزل

حذاراً إذا مرت به الريح تخفق

تعان بعين الشهب حصباء أرضه

ويفضح طوق البدر بدر مطوق

فكم غاضت الكف الخضيب خضيبة

وكم دق قاب القوس قوس مفوق

أعاريب لا ذل الحضارة نافق

لديها ولا عزّ البداوة مخلق

أواسط يحميها عن الضيم خلقها

وعن شظف الألفاظ منها التخلق

غيارى فلا ذكر النساء بجائز

لديها ولا يلفى لديها التعشق

إذا عبرت بالغرب زفرة عاشق

تنفس منها بالظبا البيض مشرق

وماشية مشي النزيف كأنما

يميل بعطفيها السلاف المروق

مهذبة الأطراف تحسب أنها

كما تتشهى صوّرت يوم تخلق

منعمة لو لا تورّد خدها

لأيقنت أن الحسن إذ ماج زيبق

٢٣

أتت وجبين الغرب بالشمس أحمر

لنا وفؤاد الشرق بالنجم أبلق

على حين لا قلب الصبور بواجف

عليها ولا ظهر الطريق مطرق

فظلت تدير الطرف وهو مقسّم

وظلت أرم القلب وهو مفرق

وما أنس للأشياء لا أنس قولها

أفق انما أنت اللبيب الموفق

رويدك ان الأمر قد جدّ جده

وان فؤاد الدهر بالسر ضيق

تجاوزت مقدار الشهامة فاتئد

فغير الذي يممته بك ألق

فقلت عداك الشر لم يبق منزع

لقوس الهوى لولا الحيا والتخلق

طغى الأمر حتى لست أستطيع حمله

وما بي لولا الحلم أبدا وأخرق

جزتك الجوازي يا بثينة ما الذي

يضرك لو اعتقت من ليس يعتق

أفي الحق أن أقضي الزمان ولا أرى

رسولاً يمنى أو كتاباً يشوق

ومن قوله في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع):

إمام الهدى وغياث الورى

وحاكمها السيد المقسط

إمام به هلك المبغضون

وفي حبّه هلك المفرط

كلا الجانبين عدوٌ له

وشيعته النمط الأوسط(١)

* * *

وسئل يوماً عما يحفظ من الشعر فأجاب انه يستحضر ثلاثين الف بيت من الشعر، وكان يحفظ أغلب المتون وشرح ابن الناظم على الألفية متناً وشرحاً، معروف بالذكاء والفطنة وسرعة البديهة.

وترجم له الخاقاني في شعراء الغري فذكر غرائب عن ذكائه وفطنته مما يدل أنه نابغة العصور، قال وكان لا يسمع شيئاً إلا حفظه حتى اللغة الأجنبية من مرة واحدة على الأكثر، ومن مرتين نادراً كاللغة التركية والفارسية والهندية

__________________

١ - ديوان السيد عدنان البحراني المخطوط.

٢٤

والانجليزية. قال الخاقاني: بهذا أصبحت اصدق ما ذكره التاريخ عن ذكاء أبي العلاء المعري وحماد عجرد وأبي تمام. وقال مقترحاً على الشاعرين: السيد جعفر الحلي والسيد محمد سعيد الحبوبي تشطير هذه الأبيات الثلاثة من نوع لزوم ما لا يلزم قال:

واعجبا منك يا فؤادي

يسعرك الدمع وهو غيث

وانت يا قلب تختشيه

وهو غزال وأنت ليث

مرّ يريث الخطى وئيداً

كذاك مشي القطاة ريث

وفي مجموع اللغة خمس قوافي من هذا النوع، فعجز كل واحد منهما عن التشطير وسجل الخاقاني مجموعة كبيرة من شعره على الحروف الهجائية(١) .

وفي كتاب ( الرجال ) المخطوط للباحث السيد جودت القزويني:

اجتمع ذات يوم الشاعر المعروف السيد جعفر الحلي، والعلامة الشهير السيد محمد سعيد الحبوبي في الصحن الحيدري الشريف، فجاء المرحوم السيد عدنان، فقال السيد جعفر ( للاتحاد الروحي بينهما ): جاءتنا ريح السمك من البحرين!

فوصل، وسلم وقال: خير من الباقلاء فانها لا رائحة لها!

فقال السيد جعفر له: إن رائحة الشعر لتتنسم من الحلة الفيحاء من مسير خمسة فراسخ!

فقال له السيد عدنان:

إذا سالت دموع في خدود

تبيّن من بكى ممن تباكا

فأما ان تنظم ابياتاً، وانا اشطرها في الحال، واما ان انظم ابياتاً وامهلك إلى سنة، فاستغرب قوله، وقال قل: فقال السيد عدنان:

__________________

١ - كما قام الاستاذ هاشم محمد الغريفي البصري يجمع شعره أيضاً، ولا يزال مجموعه مخطوطاً. وفقه الله لنشره.

٢٥

واعجباً منك يا فؤادي

يسعرك الدمع وهو غيث

وانت يا قلب تختشيه

وهو غزال وانت ليث

مرّ يريث الخطى وئيداً

لذاك مشي القطاة ريث

فقال المرحوم الحبوبي للسيد جعفر: ولا عمرك تستطيع تشطرها لأن في اللغة العربية خمس كلمات نظم السيد ثلاثاً، وابقى اثنين، وهنّ غيث، وليث، وريث!!

نقل هذه القصة الخطيب المرحوم السيد محمد سعيد العدناني في الترجمة الضافية التي سميتها عن حياة الامام السيد عدنان البحراني، وقد نقلها شفاهاً إلى العلامة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، وعند انتهائه من سردها قال: فكّر الشيخ كاشف الغطاء وقال: لو كنت حاضراً لشطرتها فان هناك كلمة سادسة غابت عن فكرة السيد الحبوبي وهي ( غيث، حيث، ليث، ريث، ميث، جيث ).

فقال له العدناني: مرحباً بك يا سيدي كم ترك الأول للآخر!!

ومن تخميساته التي لم تنشر قوله:

وغيداء بالليل البهيم تسترت

فلم ترني كفاً ولا هي أُبصرت

فلما برزنا للمصاب وشمّرت

بدا لي منها معصمٌ حين شمّرت

وكفٌ خضيبٌ زينت ببنان

جنيتُ على نفسي، وما كنتُ جانيا

فملكتها بالطوع مني بنانيا

وقمتُ إلى رمي المحصب ساهيا

فو الله ما أدري، وإن كنتُ داريا

بسبعٍ رميت الجمر أم بثمانِ

ومن المهم أن أُشير إلى أن الخاقاني اشتبه في نسبة بعض الشعر إلى البحراني المذكور كما في شعراء الغري ج ٦، ومن ذلك أبياته في ( هلال محرم ) صفحة ٢١٣ والتي أولها:

٢٦

قيل ما بال السما مغبرة

بعد صفو وهي ذات الحبك

والصواب أنها للشاعر الكربلائي الحاج محمد علي كمونة وهي مطبوعة في ديوانه الذي حقّقه الاستاذ محمد كاظم الطريحي فراجعه إن أحببت.

كما نسبَ له الخاقاني تخميساً لأبيات أبي نواس الشهيرة في الصفحة (٢٢٨) من كتابه السالف الذكر، وأول التخميس:

هات الصبوح، وسارع فالاخلاءُ

من شدة السكر أمواتٌ وأحياءُ

ألم أقل لك إذ حارَ الأطباءُ

دَع عنك لومي فإنّ اللوم إغراءُ

وداوني بالتي كانت هي الداءُ

والصواب إن هذا التخميس للشاعر العبقري الحاج محمد رضا النحوي، وهو مما لم يُطبع من شعره. وقد وقفتُ على مجموعة تخميساته ( مفردةً في كتاب ) ضمن مخطوطات مكتبة العلامة المرحوم الشيخ محمد حسن كبّة البغدادي المتفرقة ومن ضمنها التخميس المذكور. ولا تخفي عليك قُبح هذه النسبة وبشاعتها(١) !!

__________________

١ - الرجال / مخطوط - الجزء الرابع للسيد جودت القزويني.

٢٧

الشيخ علي البلادي

المتوفى ١٣٤٠

الشيخ علي بن حسن بن علي بن الشيخ سليمان البلادي البحراني.

من منظومته المسماة ( جامعة الأبواب ) لمن هم لله خير باب(١) :

ومولد السبط شهيد كربلا

ثالث شعبان على قول علا

وقيل في الخامس منه بعد أن

مضت من الهجرة ج فافهمن

قد ختم الله له الشهادة

كما له قد ختم السعادة

بعاشر المحرم المشوم

بكربلا بالحائر المعلوم

مصابه قد هدّ اركان العلا

وجلبب الأكوان شجواً وبلا

فلعنة الله على مَن قتله

ومَن رضي بفعل من قد فعله

الشيخ علي بن حسن بن علي بن سليمان البلادي البحراني المتوفى سنة ١٣٤٠.

ترجم نفسه في كتابه ( أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والإحساء والبحرين ) قال: توفي والدي الشيخ حسن عند رجوعه من الحج بالمكان المعروف ب‍ ( رابغ ) سنة ١٢٨١ ولي من العمر حينذاك ثمان سنوات، وكان مولدي سنة ١٢٧٤ ه‍. فدرست مبادئ العلوم في بلاد القطيف من نحو وصرف وبلاغة ثم

__________________

١ - وهي في مكتبتي بخطه.

٢٨

هاجرت إلى النجف لتحصيل العلوم ودرست على المرحوم الشيخ محمد حسين الكاظمي والسيد مرتضى الكشميري والشيخ محمود ذهب وقد أجازني استاذي الورع الزاهد التقي السيد مرتضى الكشميري إجازة رواية الكتب الأربعة وكتب جميع الأصحاب بل كتب جميع علماء الإسلام من الخاص والعام.

ولي من الكتابات: ١ - منظومة في الاصول الخمسة أسميتها جواهر المنظوم. ٢ - ومنظومة ثانية في معرفة الكبائر. ٣ - منظومة في مواليد النبي والأئمة والزهراء ووفياتهمعليهم‌السلام سميتها ( جامعة الأبواب لمن هم لله خير باب ) ومنظومة سميتها ( جامعة البيان في رجعة صاحب الزمان ). ٤ - حواش كثيرة على شرح إبن أبي الحديد. ٥ - كتاب ( رياض الأتقياء الورعين في شرح الأربعين وخاتمة الأربعين ) يشتمل على ٥٢ حديثاً مشروحة مبسوطة في الاصول والفروع والمواعظ والمناقب وغير ذلك من المؤلفات.

توفي قدس سره صبيحة يوم الحادي عشر من شهر جمادى الاولى سنة ١٣٤٠ وجاء تاريخ وفاته:

بدر سماء الدين لما اختفى

دجا بأفق الحق ديجور

فانبجست عيني دماً عندما

أرخته غاب لنا نور

أقول: وقد عثرت على إجازة كتبها بخطه لجدي السيد محمد شبّر قدس الله سره سنة ١٣٢٧ ه‍. وها هي بختمه وتوقيعه وخط يده، قال: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين. أما بعد حمد الله الكريم على سبوغ أفضاله وجسيم آلائه والشكر لله على جزيل نواله وعموم نعمائه، والصلاة والسلام على خيرته من بريته محمد وآله خزنة وحيه وامنائه. وبعد فيقول العبد الجاني علي بن المرحوم الشيخ حسن ابن المقدس الشيخ علي ابن المرحوم الشيخ سليمان البلادي البحراني عفى الله عنه وعنهم وعن جميع المؤمنين وأعطاهم بمنّه ولطفه خير الدنيا والدين بحق محمد المصطفى الأمين وآله الطاهرين الميامين صلى الله عليه

٢٩

وعليهم أجمعين، انه لما وفقني الله الكريم رب العالمين لزيارة مولاي أمير المؤمنين وسيد المسلمين وامام المتقين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين سهم الله الصائب وسيفه الضارب قمر بني هاشم أبي الحسن علي بن أبي طالب سلام الله عليه وعلى الطاهرين من بنيه الأطائب، وتشرفت بالوقوف على ابوابه ولثم اعتابه ومنّ الله علينا بالاجتماع في أفضل البقاع، الوادي المقدس الغروي والنادي الأقدس المرتضوي بالمولى الإمام صدر جريدة الأماجد الكرام وبيت قصيدة السادات العظام وزبدة العلماء الأعلام الورع اللوذعي التقي النقي العالم الكامل الزكي غصن الدوحة الأحمدية وفرع السلالة العلوية وثمر الجرثومة الفاطمية، المولى والزكي الأنور السيد السند والركن المعتمد سيدنا السيد محمد ابن المرحوم المبرور المقدس العلي السيد علي ابن المرحوم المبرور الزكي السيد حسين ابن المقدس المبرور خدين الولدان والحور السيد الأيّد الأمجد العلامة الفهامة الأوحد، العالم الرباني المجلسي الثاني صاحب التصانيف الكثيرة والعلوم الغزيرة، المعجب ملائكة السماء بتقواه سيدنا السيد عبدالله المعروف ب‍ ( شُبّر ) ابن المرحوم المقدس الرضي السيد محمد رضا ابن السيد محمد ابن السيد محسن ابن السيد أحمد ابن السيد علي ابن السيد محمد ابن السيد ناصر الدين ابن السيد شمس الدين محمد ابن السيد محمد ابن السيد نعيم الدين ابن السيد رجب بن الحسن ابن السيد محمد ابن السيد حمزة ابن السيد احمد ابن السيد أبي علي علي ابن السيد عمر بن برطلّه ابن الحسن الأفطس ابن علي الأصغر بن الإمام زين العابدين بن الإمام السبط السعيد أبي عبد الله الحسين الشهيد ابن الإمام أمير المؤمنين وسيد المسلمين علي بن أبي طالبعليهم‌السلام .

نسبٌ كأن عليه من شمس الضحى

نوراً ومن فلق الصباح عمودا

الكاظمي النجفي، أمدّه الله بالتوفيقات الربّانية وأيّده بالألطاف السبحانية والعنايات الصمدانية، سألني وأنا احق بسؤاله وأن اكون من جملة تلامذته ورجاله لا من شكله وأمثاله، لكن أمره المطاع واجب الاتباع، أن

٣٠

اجيزه ما صحت إليّ روايته وثبتت لديّ إجازته من كتب اصحابنا الأبرار ومؤلفات اسلافنا الثقات الأخيار المتصلة اسانيدهم بالأئمة الأطهار، الآخذين علومهم عن جدهم وسيدهم المصطفى المختار، المتلقاة من جبرائيل الأمين من الرب الملك القهار صلى عليه وآله الأكرمين الأبرار، ولا سيما الكتب الأربعة التي عليها المدار المشتهرة في جميع الأزمان والأمصار اشتهار الشمس في رابعة النهار وهي: الكافي الوافي، ومن لا يحضره الفقيه، والتهذيب، والاستبصار، للمحمدين الثلاثة الأوائل الثقاة العلماء الأخيار والجوامع الأربعة وهي: الوسائل، والوافي، والحدائق، وبحار الأنوار للمحمدين الثلاثة المتأخرة الأبرار، والمحدث المحقق البحراني جليل المقدار، وغيرها من مؤلفات اصحابنا الأعيان ومصنفات ثقاتنا الأخيار ذوي الايقان والاتقان، بل الله أجداثهم بمياه الرضوان وأحلّهم من الجنان أعلا مكان، بل وجميع كتب علماء الإسلام من العربية واللغوية والأدبية والرياضية والهندسية مما عُلم نسبة الجميع إلى مؤلفيها الأعيان. فأجزتُ له ادام الله ايامه واسبغ عليه أنعامه ان يروي جميع ذلك عني، عن السيد الرضي العالم العابد، العامل الكامل الزاهد، المعرض عن الدنيا وأهلها المقبل على الآخرة وشغلها التقي النقي المتتبع اللوذعي الزكي سيدنا المبرور المحبور السيد مرتضى ابن المرحوم المبرور العالم السيد مهدي الكشميري النجفي تغمده الله برحمته وغفرانه وأحلّه دار كرامته ورضوانه، عن جملة من المشايخ العظام والعلماء الأعلام وأساطين الايمان والإسلام وذوي النقض والابرام. وقد أجازه اكثر علماء زمانه وفضلاء عصره وأوانه عرباً وعجماً وهم كثيرون، فلنذكر منهم المشاهير منهم تبركاً بذكرهم وتشرفاً بنشر فضلهم وفخرهم، فمنهم فخر الشيعة وركن الشريعة حجة الاعلام وعلم الاعلام الذي أذعنت له إجلالاً واعظاماً الملوك والحكام وألقت له فضل الزمام، العلم العلامة الحبر الفهامة المرحوم المبرور الميرزا محمد حسن الشيرازي قدس الله تربته، ومنهم العالم السري والعامل الزكي صاحب المصنفات الكثيرة والتحقيقات

٣١

الشهيرة السيد السند السيد محمد مهدي القزويني النجفي المجاور بالحلة السيفية برهة من الزمان قدس الله سره ونور قبره، ومنهم العالم الامين والامام المحقق المكين الزاهد العابد صاحب هداية الانام في شرح شرايع الإسلام الاوحد الامين شيخنا المبرئ من كل شين الشيخ محمد حسين ابن المرحوم الشيخ هاشم الكاظمي النجفي روّح الله روحه وتابع فتوحه، ومنهم العالم العامل الفاضل الكامل ذي الفضل والشرف شيخنا الشيخ محمد طه نجف، ومنهم العالم الرباني والعالم الصمداني الشيخ لطف الله المازندراني قدس الله نفسه وطهر رمسه، ومنهم العالم المحقق المدقق الكامل الأمين المرحوم المبرور الحاج الميرزا محمد حسين ابن المرحوم الحاج ميرزا خليل الطهراني تغمده الله برحمته وحباه بدار كرامته، ومنهم المولى العلامة المحقق المدقق الفهامة الميرزا حبيب الله الرشتي النجفيقدس‌سره ، ومنهم العالم العامل الرباني المحقق الصمداني الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري.

وهؤلاء العلماء الاعلام والاجلاء العظام كلهم ما عدا سيدنا التقي السيد مهدي القزويني وشيخنا ذا الشرف الشيخ محمد طه نجف كلهم يروون عن الإمام العلامة الفقيه المحقق صاحب الجواهر الذي ثبتت له المنّة على علمائنا الأواخر، عن المحقق الأفخر والشيخ الأكبر كاشف الغطاء عن الشريعة العَراء شيخنا الشيخ جعفر النجفي، عن الوحيد المجدد الرباني الاغا باقر البهبهاني عن والده الأفضل الأكمل الشيخ محمد، عن شيخنا غواص بحار الأنوار وراصد أسرار الأئمة الأطهار الشيخ محمد باقر المجلسي عن أبيه التقي النقي المحقق المدقق جامع العلوم والمعارف واليقين الشيخ محمد بهاء الملة والدين عن والده المحقق المدقق عز الدين الشيخ حسين ابن الشيخ عبد الصمد العاملي الجباعي الحارثي عن شيخنا العالم الرباني الشيخ زين الدين الشهيد الثاني - ح - وعن سيدنا العلامة الزكي الصفي السيد محمد مهدي القزويني الحلي النجفي عن عمه العالم العامل ذي الكرامات والمآثر السيد باقر القزويني عن خاله بحر العلوم والمحيي من آثار

٣٢

آبائه الدروس والرسوم السيد مهدي الطباطبائي، عن جملة من مشايخه الاعلام، منهم المحدث المحقق الرباني الشيخ يوسف العصفوري البحراني صاحب الحدائق الناضرة وغيرها من المصنفات الفاخرة، عن جملة من المشايخ العظام منهم العالم الأفخر والمحقق الأكبر الشيخ حسين إبن الشيخ محمد بن جعفر الماحوزي البحراني، عن شيخه علامة البشر والعقل الحادي عشر العالم الرباني والمحقق الذي ليس له ثاني الشيخ سليمان الماحوزي البحراني عن شيخه الفقيه والحبر النبيه الشيخ سليمان ابن الشيخ علي بن أبي ظبية الشاخوري البحراني، عن العلامة المحدث النبيه الوحيد الفقيه الشيخ علي بن سليمان القدمي البحراني الملقب بأم الحديث، عن شيخنا العلامة البهائي رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم وجعل الجنة مثواهم.

- ح - وعن شيخنا ذي المجد والشرف الشيخ محمد طه نجف عن العالم التقي سلمان زمانه الزاهد العابد الحاج شيخ ملا علي ابن المرحوم الحاج ميرزا خليل الطهراني النجفي قدس الله سره، عن شيخه العلم الظاهر الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر.

- ح - وعن شيخنا الفقيه الأمين الازهد الشيخ محمد حسين الكاظمي النجفي والتقي الشيخ لطف الله المازندراني كلاهما عن شيخنا علم الأعلام الإمام المرتضى المحقق المدقق الشيخ مرتضى الأنصاري ( والنسبة للانصاري لكونه من ذرية جابر بن عبد الله بن حزام الأنصاري ) عن شيخه العالم الأمجد الشيخ أحمد النراقي صاحب المستند وغيره، عن أبيه العالم المحقق الشيخ محمد مهدي النراقي صاحب مشكاة العلوم وتجريد الاصول وجامع السعادات في تهذيب النفس ومكارم الأخلاق ( وهو من ذرية أبي ذرّ الغفاري الصحابي ) عن شيخه المحقق المدقق الشيخ يوسف البحراني رضي الله عنهم.

- ح - وعن شيخنا العلامة الشيخ سليمان الماحوزي البحراني عن السيد السند السيد هاشم ابن المرحوم السيد سليمان التوبلي الكتكتاني البحراني صاحب

٣٣

البرهان الكبير في التفسير، ومدينة المعاجز، ومعالم الزلفى، وغاية المرام، وغيرها عن جملة من المشايخ الكرام منهم الفقيه النبيه التقي الشيخ فخر الدين ابن طريح النجفي الرماحي صاحب مجمع البحرين والمنتخب.

- ح - وعن شيخنا الشيخ سليمان الماحوزي البحراني عن شيخه طود التحقيق ومركز التدقيق الشيخ احمد ابن الشيخ محمد بن يوسف المقابي المقشاعي البحراني عن أبيه المذكور وعن المولى المجلسي وابيه عن شيخنا البهائي.

- ح - وعن شيخنا العالم الرباني الشهيد الثاني عن جملة من المشايخ منهم المحقق الشيخ علي الميسي العاملي عن المحقق الثاني شمس الدين الشيخ علي بن عبد العال الكركي العاملي عن المحقق الفقيه العابد الزاهد الشيخ علي بن هلال الجزائري عن العالم العامل شمس الدين الشيخ محمد المعروف بابن المؤذن العاملي عن الشيخ الفاضل ضياء الدين علي عن أبيه وشيخه المحقق الأجل شمس الملة والدين أبي عبد الله الشيخ محمد بن مكي الشهيد الأول صاحب الذكرى واللمعة وقواعد الاصول وغيرها عن جملة من المشايخ العلماء الاعلام منهم السيد المحقق السيد عميد الدين صاحب شرح تهذيب الاصول ومنهم فخر المحققين ابو طالب الشيخ محمد عن ابيه العلامة على الاطلاق شيخ مشايخ الدنيا فضلاً عن العراق آية الله في العالمين جمال الملة والدين الشيخ حسن عن والده المحقق الافخر الشيخ يوسف ابن المطهر الحلي عن المحقق شيخ مشايخ العراق نجم الدين الشيخ جعفر بن سعيد الحلي الهذلي صاحب الشرائع والمعتبر والنافع وغيرها.

- ح - وعن العلامة عنه وعن السيدين الجليلين النبيلين الأعلمين الأفضلين رضي الدين ذي الكرامات السيد علي صاحب كتاب الاقبال والطرائف والمهج وغيرها، وأخيه جمال الدين المحقق السيد احمد صاحب المصنفات الكثيرة التي من جملتها بشرى الشيعة في احكام الشريعة، في مجلدات كثيرة ابني آل أبي طاووس قدس الله ارواحهم ونوّر أشباحهم.

٣٤

- ح - وعن العلامة الحلي عن المحقق الحكيم المتكلم نصير الملة والدين الخواجه محمد بن محمد بن الحسن الطوسي.

- ح - وعن العلامة الحلي قدس الله سره عن الفيلسوف الحكيم العالم الرباني الشيخ ميثم ابن الشيخ علي ابن الشيخ ميثم بن المعلا البحراني الماحوزي صاحب الشروح الثلاثة على نهج البلاغة وكتاب البحر الخضم وقواعد العقائد وغيرها.

- ح - وعن العلامة الحلي عن الفاضل الفقيه التقي الشيخ حسين ابن المحقق المدقق الشيخ علي بن سليمان الستري البحراني، وهو والمحقق الشيخ ميثم كلاهما عن أبيه الشيخ علي المذكور عن العلامة محقق الحقائق الشيخ أحمد بن سعادة البحراني الستري ايضاً صاحب كتاب قواعد العقائد في علم الكلام وقد شرحها المحقق والخواجه شرحاً جيداً.

- ح - وعن المحقق الحلي عن العلامة الفهامة الشيخ بن نما عن الفاضل أبي عبدالله محمد بن ادريس الحلي العجلي صاحب كتاب السرائر.

- ح - وعن المحقق الحلي عن السيد الجليل السيد فخار الدين عن الفقيه الشيخ شاذان بن جبرائيل القمي عن ابي القاسم الشيخ محمد بن جرير الطبري الامامي عن المفيد الثاني ابي علي الحسن عن والده شيخ الطائفة المحقة وعماد الفرقة الحقة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي صاحب تهذيب الأحكام والاستبصار والمبسوط والنهاية وغيرها عن الشيخ الامام السعيد أبي عبدالله الشيخ محمد بن النعمان المفيد البغدادي عن الامام أبي القاسم الشيخ جعفر بن قولويه صاحب كامل الزيارات وغيره عن الشيخ الامام رئيس المحدثين الفقيه ابي جعفر محمد ابن علي بن موسى بن بابويه القمي عن أبيه الفقيه علي بن بابويه وعن جملة مشايخه المذكورين في مشيخة من لا يحضره الفقيه أعلى الله درجاتهم وضاعف حسناتهم.

٣٥

- ح - وعن شيخ الطائفة عن سيدنا الامام المرتضى علم الهدى وعن الشيخ المفيد عن علم الاعلام وحجة الاسلام أبي جعفر الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ثقة الاسلام صاحب الكافي الوافي بالأحكام وجميع الطرق التي لأصحابنا ترجع إلى شيخ الطائفة الطوسي وقد ذكرها في الفهرست وغيره وعن شيخنا الشيخ المفيد طاب ثراه عن مشايخه ورجاله الذين ذكرهم ثقة الاسلام في الكافي إلى أن تنتهي أسانيد هؤلاء الثقاة الأعلام عن أئمتنا الطاهرين الكرام المتصلة أخبارهم الى جدهم وسيدهم الرسول المصطفى عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام عن جبرئيل الأمين عن رب العالمين.

ثم ليعلم سيدنا وعمادنا ومولانا وملاذنا ان لهؤلاء المشايخ الكرام المذكورين من المبدأ إلى الختام طرقاً كثيرة وروايات وفيرة لو أردنا استقصاءها لكانت في مجلد ضخم، وفي هذا كفاية والله ولي التوفيق والهداية. وأحسن ما جمعهم على الترتيب الأنيق والاسلوب الرشيق الشيخ الفاضل صاحب الحدائق في لؤلؤته، والمحدث الشيخ عبدالله بن صالح السما هيجي البحراني في اجازته الكبرى التي أجازها الفاضل الشيخ ناصر الجارودي القطيفي والفاضل المتتبع ثقة الاسلام الحاج ميرزا حسين النوري في المجلد الثالث من مستدرك الوسائل وغير ذلك جزاهم الله خير الجزاء وحباهم أفضل الحباء، من أراد ذلك فليرجع إلى ما هنالك.

ولنختم هذه الاجازة الشريفة بحديث متصل الاسناد إلى سادات العباد أئمتنا الأمجاد حتى ينتهي إلى الرسول المصطفى خيرة الملك الجواد وأفضل من برأه الله من جميع الخلق والعباد، فنقول بالسند المتقدم إلى رئيس المحدثين أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي أعلى الله مقامه في دار المقامة قال حدّثنا محمد بن القاسم الجرجاني قال حدثنا محمد بن يوسف بن زياد وعلي بن

٣٦

محمد بن سنان عن ابويهما عن مولانا وسيدنا أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه أمير المؤمنين عليهم الصلاة والسلام قال قال رسول الله (ص) لبعض أصحابه ذات يوم يا عبد الله: أحبب في الله وأبغض في الله ووالِ في الله وعادِ في الله فانه لا تنال ولاية الله إلا بذلك، ولا يجد رجل طعم الايمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك، وقد صارت مواخاة الناس يومكم هذا على علاء الدنيا عليها يتواددون وعليها يتباغضون وذلك لا يغنى عنهم عن الله شيئاً، قال الرجل يا رسول الله كيف لي أن أعلم أني واليت في الله وعاديت في الله، ومَن وليّ الله حتى أواليه، ومن عدوّه حتى أعاديه. فأشار رسول الله (ص) الى عليعليه‌السلام ، وقال: أترى هذا، قال بلى، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وليّ هذا وليّ الله وعدوّ هذا عدوّ الله، فوالِ وليّ هذا ولو أنه قاتل أبيك، وعادِ عدوّ هذا ولو أنه أبوك وولدك. انتهى كلامه عليه وآله الطاهرين صلوات الله وسلامه.

فليرو سيدنا ومولانا أدام الله ظلاله وأصلح أحواله وأزاد في الصالحات والطاعات اقباله وكثر في الفرقة الناجية أمثاله لمن شاء وأحب محتاطاً في ذلك سلك الله به وبنا وباخواننا المؤمنين أحسن المسالك وجنبنا جميعاً جميع المهالك انه وليّ ذلك سائلاً من ذاته السليمة وأخلاقه التي هي على نهج الهداية مستقيمة أن يمدّنا بصالح الدعوات ولا سيما في مظان الاجابات.

وكتب العبد الجاني علي بن حسن بن علي بن سليمان البلادي البحراني عفى الله عن ذنوبهم أجمعين وأعطاهم خير الدنيا والدين بحق محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم كل آن وحين والحمد لله رب العالمين. باليوم ١٨ من شهر

٣٧

جمادي الثانية من السنة ١٣٢٧ السابعة والعشرين بعد الثلثمائة والألف هجرية على مُهاجرها وآله آلاف الصلوات والتحية.

الختم

ظن علي بربه حسن

وترجم له صديقنا المعاصر الشيخ علي المرهون في ( شعراء القطيف ) وذكر له من المراثي للامام الحسينعليه‌السلام قصيدته التي يقول في أولها:

يا لخطب زلزل السبع الشدادا

ولقد أوهى من الدين العمادا

ورمى الاسلام سهماً صائباً

فأصاب القلب منه والفؤادا

واخرى مطلعها:

هلّ المحرم فاخلع حُلّة الطرب

والبس به حلل الارزاء والكرب

واحرم وطف كعبة الأحزان منتحراً

هدي السرور مدى الاباد والحقب

٣٨

الشيخ عبدالله باش أعيان

المتوفى ١٣٤٠

الشيخ عبدالله ضياء الدين باش أعيان العباسي، قال مشطراً البيتين الشهيرين وهما من نظم عثمان الهيتي المترجم في الأجزاء السابقة من هذه الموسوعة:

رميت الخيزرانة من يميني

ولو كانت من الدنيا حطامي

سأتركها ولا أصبو اليها

وأكره أن أُشاهدها أمامي

ولستُ بحامل ما عشتُ عوداً

مدى الأيام أو يأتي حمامي

أأحمل في يدي عوداً غشوماً

بها قرعوا ثنايا ابن الامامِ

* * *

الشيخ عبدالله ضياء الدين باش أعيان: هو ابن الشيخ عبد الواحد باش أعيان البصرة ترجم له الأديب المعاصر حسون كاظم البصري في مؤلفه المسمى ( ذكرى الشيخ صالح باش اعيان العباسي ) فقال: كان سماحته مثال المروءة ودماثة الخلق وكرم النفس واليد، يتفقد الصغير والكبير والغني والفقير، درس على علماء زمانه مثل الشيخ أحمد نور الدين الأنصاري والشيخ عبد

٣٩

الوهاب الأنصاري والشيخ اسماعيل الكردي والشيخ أحمد الكوهجي والشيخ احمد الحلبي وأجازه أحد العلماء الألوسيين فأصبح عالماً فاضلاً وأديباً وشاعراً ونال رتبة من الحكومة العثمانية، هي رتبة ( بلاد خمس ) وتعيّن في مناصب منها:

١ - عضواً في محكمة التمييز بالبصرة سنة ١٢٩٢ ه‍.

٢ - عضواً في المحاكم العدلية سنة ١٢٩٧ ه‍.

٣ - وكيلاً لرئاسة محكمة الجزاء الشرعية والحقوق ومدعي عموم البصرة وعضواً في مجلس المعارف والأوقاف، وعضواً في مجلس إدارة الولاية مدة خمس سنوات.

وكان كثير القراءة والتتبع، فترى معظم كتب الاسرة تحمل تعليقات وهوامش بخطه، وألّف بضعة رسائل منها:

١ - رسالة عن تراجم أعيان البصرة، محفوظة في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد.

٢ - رسالة صغيرة عنوانها ( الفتوحات الكوازية في السياحة إلى الأراضي الحجازية ) وقد طبعت.

٣ - بحوث ورسائل في مختلف العلوم.

وأنجب من الاولاد:(١) الشيخ عبد الواحد(٢) الشيخ صالح الذي طبعت له ذكرى بقلم حسون كاظم البصري(٣) الشيخ محمد أمين عالي وتوفي سنة ١٣٤٠ ه‍.

وهذا ثاني أنجاله وهو الشيخ صالح باش أعيان الذي لمع نجمه واشتهر فضله، وذاع صيته واستوزر اكثر من مرة وتنقل في المناصب العالية. وكان مولده عام ١٢٩١ ه‍. ووفاته سنة ١٩٤٦ م. ١٣٦٥ ه‍. وكان من نظمه في مدح الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ومن هنا فإنّ خطاب الآية الأولى موجه للناس ، فهي تقول :( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) ، خاصّة وأنّه قد وردت لفظة( مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) بدل منكم ، وهي تشير إلى شدة ارتباط النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالناس ، حتى كأنّ قطعة من روح الناس والمجتمع قد ظهرت بشكل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولهذا السبب فإنّه يعلم كل آلامهم ، ومطلع على مشاكلهم ، وشريكهم في غمومهم وهمومهم ، وبالتالي لا يمكن أن يتصور صدور كلام منه إلّا في مصلحتهم ، ولا يخطو خطوة إلّا في سبيلهم ، وهذا في الواقع أوّل وصف للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر في هذه الآية.

ومن العجيب أنّ جماعة من المفسّرين الذين وقعوا تحت تأثير العصبية القومية والعربية قالوا : إنّ المخاطب في هذه الآية هم العرب! أي أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد جاءكم من هذا الأصل!.

إنّنا نعتقد أن هذا هو أسوأ تفسير ذكر لهذه الآية ، لأنا نعلم أنّ الشيء الذي لم يجر له ذكر في القرآن الكريم هو مسألة الأصل والعرق ، ففي كل مكان تبدأ خطابات القرآن ب( يا أَيُّهَا النَّاسُ ) و( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) وأمثالها ، ولا يوجد في أي مورد «يا أيّها العرب» و «يا قريش» وأمثال ذلك.

إضافة الى أنّ ذيل الآية الذي يقول :( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) ينفي هذا التّفسير بوضوح ، لأنّ الكلام فيه عن كل المؤمنين ، من أي قومية أو عرق كانوا.

وممّا يثير الأسف أنّ بعض العلماء المتعصبين قد حجّموا عالمية القرآن وعموميته لكل البشر ، وحاولوا حصره في حدود القومية والعرق المحدودة.

وعلى كل حال ، فبعد ذكر هذه الصفة( مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) أشارت الآية إلى أربع صفات أخرى من صفات النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السامية ، والتي لها الأثر العميق في إثارة عواطف الناس وجلب انتباههم وتحريك أحاسيسهم.

ففي البداية تقول :( عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ ) أي أن الأمر لا ينتهي في أنّه لا يفرح لأذاكم ومصاعبكم ، بل إنّه لا يقف موقف المتفرج تجاه هذا الأذى ، فهو يتألم

٢٨١

لألمكم ، وإذا كان يصرّ على هدايتكم ويتحمل الحروب المضنية الرهيبة ، فإنّ ذلك لنجاتكم أيضا ، ولتخليصكم من قبضة الظلم والاستبداد والمعاصي والتعاسة.

ثمّ تضيف أنّه( حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ) ويتحمس لهدايتكم.

«الحرص» في اللغة بمعنى قوة وشدة العلاقة بالشيء ، واللطيف هنا أن الآية أطلقت القول وقالت :( حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ) فلم يرد حديث عن الهداية ، ولا عن أي شيء آخر ، وهي تشير إلى عشقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكل خير وسعادة ورقي لكم. وكما يقال : إن حذف المتعلق دليل على العموم.

وعلى هذا ، فإنّه إذا دعاكم وسار بكم إلى ساحات الجهاد المريرة ، وإذا شدّد النكير على المنافقين ، فإنّ كل ذلك من أجل عشقه لحريتكم وشرفكم وعزتكم.

وهدايتكم وتطهير مجتمعكم.

ثمّ تشير إلى الصفتين الثّالثة والرّابعة وتقول :( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) وعلى هذا فإنّ كل الأوامر الصعبة التي يصدرها ، (حتى المسير عبر الصحاري المحرقة في فصل الصيف المقرون بالجوع والعطش لمواجهة عدو قوي في غزوة تبوك) فإنّ ذلك نوع من محبته ولطفه.

وهناك بحث بين المفسّرين في الفرق بين «الرؤوف» و «الرحيم» ، إلّا أنّ الذي يبدو أن أفضل تفسير لهما هو أنّ الرؤوف إشارة إلى محبّة خاصّة في حقّ المطيعين ، في حين أنّ الرحيم إشارة إلى الرحمة تجاه العاصين ، إلّا أنّه يجب أن لا يغفل عن أن هاتين الكلمتين عند ما تفصلان يمكن أن تستعملا في معنى واحد ، أمّا إذا اجتمعتا فتعطيان معنى مختلفا أحيانا.

وفي الآية التي تليها ، وهي آخر آية في هذه السورة ، وصف للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه شجاع وصلب في طريق الحق ، ولا ييأس بسبب عصيان الناس وتمردهم ، بل يستمر في دعوتهم إلى دين الحق :( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) فهو حصنه الوحيد أجل لا حصن لي إلّا الله ، فإليه استندت و( عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ

٢٨٢

رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) .

إنّ الذي بيده العرش والعالم العلوي وما وراء الطبيعة بكل عظمتها ، وهي تحت حمايته ورعايته ، كيف يتركني وحيدا ولا يعينني على الأعداء؟ فهل توجد قدرة لها قابلية مقاومة قدرته؟ أم يمكن تصور رحمة وعطف أشد من رحمته وعطفه؟

إلهنا ، الآن وقد أنهينا تفسير هذه السورة ، ونحن نكتب هذه الأسطر ، فإن أعداءنا قد أحاطوا بنا ، وقد ثارت أمتنا الرشيدة لقلع جذور الظلم والفساد والاستبداد ، بوحدة لا نظير لها ، واتحاد بين كل الصفوف والطبقات بدون استثناء حتى الأطفال والرضع ساهموا في هذا الجهاد والمقارعة ، ولم يتوان أي فرد عن القيام بأي نوع من التضحية والفداء.

ربّاه ، إنّك تعلم كل ذلك وتراه ، وأنت منبع الرحمة والحنان ، وقد وعدت المجاهدين بالنصر ، فعجل النصر وأنزله علينا ، وارو هؤلاء العطاشى والعشاق من زلال الإيمان والعدل والحرية ، إنّك على كل شيء قدير.

* * *

٢٨٣
٢٨٤

سورة يونس

مكيّة

وعدد آياتها مائة وتسع آيات

٢٨٥
٢٨٦

«سورة يونسعليه‌السلام »

محتوى وفضيلة هذه السورة

هذه السورة من السور المكية ، وعلى قول بعض المفسّرين فإنّها نزلت بعد سورة الإسراء وقبل سورة هود ، وتوكّد ـ ككثير من السور المكية ـ على عدة مسائل أساسية وأصولية ، وأهمها مسألة المبدأ والمعاد.

غاية ما في الأمر أنّها تتحدث أوّلا عن مسألة الوحي ومقام النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ تتطرق إلى نماذج وعلامات الخلقة العظيمة التي تدل على عظمة اللهعزوجل ، وبعد ذلك تدعو الناس إلى الالتفات إلى عدم بقاء الحياة المادية في هذه الدنيا ، وحتمية زوالها ، ووجوب التوجه إلى الآخرة والتهيؤ لها عن طريق الإيمان والعمل الصالح.

وقد ذكرت السورة ـ كدلائل وشواهد على هذه المسائل ـ أقساما مختلفة من حياة كبار الأنبياء ، ومن جملتهم نوح وموسى ويونسعليهم‌السلام ولهذا سمّيت بسورة يونس.

وقد ذكرت كذلك ، لتأييد هذه المباحث ، كلاما عن عناد وتصلب عبدة الأوثان ، وترسم وتوضح لهم حضور الله سبحانه في كل مكان وشهادته ، وتستعين لإثبات هذه المسألة بأعماق فطرة هؤلاء التي تتعلق بالواحد الأحد عند ما يقعون في المشاكل والمعضلات ، حيث يتّضح هذا التعلق الفطري بالله سبحانه.

٢٨٧

وأخيرا فإنّها تستغل كل فرصة للبشارة والإنذار ، البشارة بالنعم الإلهية التي لا حدود لها للصالحين ، والإنذار والإرعاب للطاغين والعاصين ، لتكملة البحوث أعلاه.

ولهذا فإنّنا نقرأ في رواية عن الإمام الصّادقعليه‌السلام : «من قرأ سورة يونس في كل شهرين أو ثلاثة مرّة ، لم يخف عليه أن يكون من الجاهلين ، وكان يوم القيامة من المقربين»(1) ، وذلك لأنّ آيات التحذير والوعيد وآيات التوعية كثيرة في هذه السورة ، وإذا ما قرئت بدقة وتأمل ، فإنّها ستكشف ظلمة الجهل عن روح ابن آدم ، وسيبقى أثرها عدّة أشهر على الأقل ، وإذا ما أدرك الإنسان محتوى السورة وعمل بها ، فإنّه سيكون ـ يقينا ـ يوم القيامة من المقربين.

ربّما لا نحتاج أن نذكّر بأنّ فضائل السور ـ كما قلنا سابقا ـ لا يمكن تحصيله بمجرّد تلاوة الآيات من دون إدراك معناها ، ومن دون العمل بمحتواها ، لأن التلاوة مقدمة للفهم، والفهم مقدمة للعمل!.

* * *

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، ج 2 ، ص 290 ، وتفاسير أخرى.

٢٨٨

الآيتان

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )

( الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ(2) )

التّفسير

رسالة النّبي :

في هذه السورة نواجه ـ مرّة أخرى ـ الحروف المقطعة في القرآن ، والتي ذكرت بصورة (ألف ولام وراء) وقد تحدثنا في بداية سورة البقرة وآل عمران والأعراف في تفسير هذه الحروف بالقدر الكافي ، وسنبحثها في المستقبل ـ إن شاء الله تعالى ـ في الموارد المناسبة ، وسنضيف إليها مباحث ومطالب جديدة.

بعد هذه الحروف تشير الآية أوّلا إلى عظمة آيات القرآن وتقول :( تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ) .

إنّ التعبير ب (تلك) وهي اسم إشارة للبعيد ، بدل (هذه) التي تشير للقريب،والذي

٢٨٩

جاء نظيره في بداية سورة البقرة ، يعتبر من التعبيرات الجميلة واللطيفة في القرآن ، وهو كناية عن عظمة ورفعة مفاهيم القرآن ، لأنّ المطالب اليسيرة والبسيطة يشار لها غالبا باسم الإشارة القريب ، أمّا المطالب المهمّة العالية المستوى ، والتي تعانق السحاب في علو أفقها ، فإنّها تبيّن باسم الإشارة البعيد.

إنّ توصيف الكتاب السماوي ـ أي القرآن ـ بأنّه (حكيم) هو إشارة إلى أن آيات القرآن محكمة ومنظمة ودقيقة ، بحيث لا يمكن أن يأتيها أو يخالطها أي شكل من أشكال الباطل والخرافة ، فهي لا تقول إلّا الحق ، ولا تدعو إلّا إلى طريق الحق.

أمّا الآية الثّانية فإنّها تبيّن ـ ولمناسبة تلك الإشارة التي مرّت إلى القرآن والوحي الإلهي في الآية السابقة ـ واحدا من إشكالات المشركين على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو نفس الإشكال الذي جاء في القرآن بصورة متكررة. وهذا التكرار يبيّن أن هذا الإشكال من إشكالات المشركين المتكررة ، وهو : لماذا نزل الوحي الإلهي من الله على إنسان مثلهم؟ ولماذا لم تتعهد الملائكة بمسؤولية هذه الرسالة الكبيرة؟ فيجيب القرآن عن هذه الأسئلة فيقول :( أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ ) .

الواقع أنّ كلمة «منهم» تضمنت الجواب على سؤالهم ، أي إنّ القائد والمرشد إذا كان من جنس أتباعه ، ويعلم أمراضهم ، ومطلع على احتياجاتهم ، فلا مجال للتعجب ، بل العجب أن يكون القائد من غير جنسهم ، بحيث يعجز عن قيادتهم نتيجة عدم اطلاعه على وضعهم.

ثمّ تشير إلى محتوى الوحي الإلهي. وتلخصه في أمرين :

الأوّل : إنّ الوحي الذي أرسلناه ، مهمته إنذار الناس وتحذيرهم من عواقب الكفر والمعاصي :( أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ ) .

والثّاني : هو( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) .

وفي الوقت الذي يوجد بحث بين المفسّرين في المقصود من «قدم الصدق» ، إلّا

٢٩٠

أنّ أحد التفاسير الثلاثة المذكورة هنا ـ أوكل الثلاثة ـ قابل للقبول بصورة علمية.

فالتّفسير الأوّل : إن «قدم الصدق» هذا إشارة إلى أن الإيمان له بـ «سابقة فطرية» ، وإنّ المؤمنين عند ما يظهرون إيمانهم فهم في الحقيقة يصدقون فطرتهم ـ لأنّ أحد معاني القدم هو السابقة ـ كما يقولون : لفلان قدم في الإسلام ، أو قدم في الحرب ، أي إنّ له سبقا في الإسلام أو الحرب.

والثّاني : إنّه إشارة إلى مسألة المعاد ونعيم الآخرة ، لأنّ أحد معاني القدم هو المقام والمنزلة ، وهو يناسب كون الإنسان يرد إلى منزله ومقامه برجله ، وهذا التّفسير يعني أنّ للمؤمنين مقاما ومنزلة ثابتة وحتمية عند الله سبحانه ، وأن أي قوّة لا تستطيع تغييرها وجعلها في شكل آخر.

أمّا التّفسير الثّالث فهو أن القدم بمعنى القدوة والزعيم والقائد ، أي إننا أرسلنا للمؤمنين قائدا ومرشدا صادقا.

لقد وردت عدّة روايات عن طريق الشيعة والسنة لهذه الآية تفسر قدم الصدق بأنّه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو ولاية عليعليه‌السلام وتؤيد هذا المعنى(1) .

وكما قلنا فإنّ من الممكن أن تكون البشارة بكل هذه الأمور هي المرادة من التعبير أعلاه.

وتنهي الآية حديثها بذكر اتهام طالما كرّره المشركون واتهموا به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت :( قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ ) .

إنّ كلمة (إن) و «لام» التأكيد وصفة «المبين» ، كلها دلائل على مدى تأكيد أولئك الكفار على هذه التهمة ، وعبروا ب (هذا) لتصغير مقام النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتقليل من أهميته.

أمّا لماذا اتهموا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسحر؟ فجوابه واضح ، ذلك أنّهم لم يكونوا

__________________

(1) تفسير البرهان ، ج 2 ، ص 177 ، وتفسير القرطبي ، ج 5 ، ص 3145.

٢٩١

يمتلكون الجواب المقنع مقابل إعجاز كلامه وشريعته وقوانينه العادلة الرفيعة. فلم يكن لهم سبيل إلّا أن يفسروا هذه الظواهر الخارقة للعادة بأنّها سحر ، وبهذا فقط يمكنهم إبقاء البسطاء تحت سيطرة الجهل وعدم الاطلاع على الواقع.

إنّ أمثال هذه التعبيرات التي كانت تصدر من ناحية الأعداء ضد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دليل بنفسها على أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقوم بأعمال خارقة للعادة ، بحيث تجذب القلوب والأفكار نحوها ، خاصّة وأن التأكيد على السحر في شأن القرآن المجيد هو بنفسه دليل قاطع وقوي على الجاذبية الخارقة الموجودة في هذا الكتاب السماوي ، ولأجل خداع الناس فإنّهم كانوا يجعلونه في إطار السحر.

وسنتحدث عن هذا الموضوع في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.

* * *

٢٩٢

الآيتان

( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4) )

التّفسير

معرفة الله والمعاد :

بعد أن أشار القرآن الكريم إلى مسألة الوحي والنّبوة في بداية هذه السورة ، انتقل في حديثه إلى أصلين أساسيين في تعليمات وتشريعات جميع الأنبياء ، ألا وهما المبدأ والمعاد ، وبيّن هذين الأصلين ضمن عبارات قصيرة في هاتين الآيتين.

فيقول أوّلا :( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) . وكما أشرنا سابقا ، فإنّ كلمة (يوم) في لغة العرب ، وما يعادلها في سائر اللغات ، تستعمل

٢٩٣

في كثير من الموارد بمعنى المرحلة ، كما نقول : في يوم ما كان الاستبداد يحكم بلادنا ، أمّا اليوم فهي في ظل الثورة الاسلامية تنعم الحرية ، ويعني أن مرحلة الاستبداد قد انتهت وجاءت مرحلة استقلال الشعب وحريته(1) .

وعلى هذا فإنّ مفهوم الجملة أعلاه يكون : إنّ الله سبحانه قد خلق السماء والأرض في ستة مراحل ، ولما كنّا قد تحدثنا عن هذه المراحل الستة سابقا ، فإنّنا لا نكرر الكلام هنا(2) .

ثمّ تضيف الآية :( ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ) . كلمة «العرش» تأتي أحيانا بمعنى السقف ، وأحيانا بمعنى الشيء الذي له سقف ، وتارة بمعنى الأسرّة المرتفعة ، هذا هو المعنى الأصلي لها ، أمّا معناها المجازي فهو القدرة ، كما نقول : فلان تربع على العرش ، أو تحطمت قوائم عرشه ، أو أنزلوه من العرش ، فكلها كناية عن تسلم القدرة أو فقدانها ، في الوقت الذي يمكن أن لا يكون للعرش أو الكرسي وجود في الواقع أصلا ، ولهذا فإنّ( اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ) تعني أنّ الله سبحانه قد أمسك بزمام أمور العالم(3) .

«التدبر» من مادة (التدبير) وفي الأصل من (دبر) بمعنى الخلف وعاقبة الشيء ، وعلى هذا فإنّ معنى التدبير هو التحقق من عواقب الأعمال ، وتقييم المنافع ، ثمّ العمل طبق ذلك التقييم. إذن ، وبعد أن تبيّن أنّ الخالق والموجد هو الله سبحانه ، اتّضح أنّ الأصنام ، ـ هذه الموجودات الميتة والعاجزة ـ لا يمكن أن يكون لها أي تأثير في مصير البشر ، ولهذا قالت الآية في الجملة التالية :( ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ) (4) .

__________________

(1) من أجل مزيد التوضيح ، وذكر الأمثلة في هذا المجال راجع ذيل الآية (54) من سورة الأعراف.

(2) المصدر السّابق.

(3) لمزيد التوضيح والاطلاع على معاني العرش المختلفة ، راجع تفسير الآية (54) من سورة الأعراف و (255) من سورة البقرة.

(4) لقد أوضحنا توضيحا كافيا مسألة الشفاعة المهمّة في المجلد الأوّل في تفسير الآية (47) من سورة البقرة.

٢٩٤

وتتحدث الآية التالية ـ كما أشرنا ـ عن المعاد ، وتبيّن في جمل قصار أصل مسألة المعاد ، والدليل عليها ، والهدف منها!.

فتقول أوّلا :( إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً ) وبعد الاستناد إلى هذه المسألة المهمّة والتأكيد عليها تضيف :( وَعْدَ اللهِ حَقًّا ) ثمّ تشير إلى الدليل على ذلك بقولها :( إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) أي إنّ هؤلاء الذي يشكّون في المعاد يجب عليهم أن ينظروا إلى بدء الخلق ، فإنّ من أوجد العالم في البداية يستطيع أن يعيده من جديد. وقد مر بيان هذا الاستدلال بصورة أخرى في الآية (29) من سورة الأعراف ضمن جملة قصيرة تقول :( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) وقد سبق شرح ذلك في تفسير سورة الأعراف.

إنّ الآيات المرتبطة بالمعاد في القرآن توضح أنّ العلة الأساسية في تشكيك وتردد المشركين والمخالفين ، هي أنّهم كانوا يشكون في إمكان حدوث مثل هذا الشيء ، وكانوا يسألون بتعجب بأنّ هذه العظام النخرة التي تحولت إلى تراب ، كيف يمكن أن تعود لها الحياة وترجع إلى حالتها الأولى؟ ولهذا نرى أنّ القرآن قد وضع إصبعه على مسألة الإمكان هذه ويقول : لا تنسوا أن الذي يبعث الوجود من جديد ، ويحيي الموتى هو نفسه الذي أوجد الخلق في البداية.

ثمّ تبيّن الهدف من المعاد بأنّه لمكافأة المؤمنين على جميع أعمالهم الصالحة حيث لا تخفى على الله سبحانه مهما صغرت :( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ ) أمّا أولئك الذين اختاروا طريق الكفر والإنكار ، ولم تكن لديهم أعمال صالحة ـ لأنّ الإعتقاد الصالح أساس العمل الصالح ـ فإنّ العذاب الأليم وأنواع العقوبات بانتظارهم :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ ) .

وهنا نقطتان تسترعيان الانتباه :

1 ـ لما لم يكن لله سبحانه وتعالى مكان خاص ، وخاصّة إذا علمنا أنّه موجود

٢٩٥

في كل مكان في جميع العوالم ، وأنّه أقرب إلينا منّا ، فإنّ هذه الحقيقة قد جعلت المفسّرين يفسرون( إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً ) في هذه الآية ، والآيات الأخرى في القرآن ، تفاسير مختلفة : فقيل تارة أن المقصود هو أنّكم ترجعون إلى جزاء الله سبحانه.

وربّما اعتبر بعض الجاهلين هذا التعبير دليلا على تجسم الله سبحانه في يوم القيامة ، وبطلان هذه العقيدة أوضح من أن يحتاج إلى بيان وإثبات.

إلّا أنّ الذي يبدو بدقة من خلال آيات القرآن الكريم ، إنّ عالم الحياة كقافلة تحركت من عالم العدم وتستمر في مسيرتها اللانهائية نحو اللانهاية التي هي ذات الله المقدسة ، بالرغم من أنّ المخلوقات محدودة ، والمحدود لا يمكن أن يكون لا نهائيا قط ، غير أنّ سيره إلى التكامل لا يتوقف أيضا ، وحتى بعد قيام القيامة فإنّ السير التكاملي سيستمر ، كما أوضحنا ذلك في بحث المعاد.

يقول القرآن الكريم :( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً ) .

ويقول :( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ ) .

ولما كان بداية الحركة من جهة الخالق ، حيث شعت منه أوّل بارقة للحياة ، وأن هذه الحركة التكاملية ـ أيضا ـ تسير نحوه ، فقد عبّرت الآية بالرجوع. وبعبارة مختصرة فإنّ هذه التعبيرات إضافة إلى أنّها تشير إلى أن بداية حركة عامّة الموجودات من الله سبحانه ، فإنّها تبيّن أيضا أنّ هدف هذه الحركة وغايتها ، هي ذات الله المقدسة. وإذا لا حظنا أن تقديم كلمة «إليه» يدل على الحصر ، سيتّضح أن اي وجود غير ذات الله المقدسة لا يمكن أن يكون هدفا وغاية لهذه الحركة التكاملية لا الأصنام ولا أي مخلوق آخر ، لأنّ كل هذه الوجودات محدودة ، ومسير الإنسان مسير لا نهائي.

2 ـ إنّ كلمة «القسط» تعني في اللغة إعطاء سهم آخر ، ولذلك فقد أخفي فيها

٢٩٦

مفهوم العدل والإنصاف. واللطيف أنّ الآية قد استعملت هذه الكلمة في حق ذوي الأعمال الصالحة فقط ، ولم تذكرها في جزاء الكافرين والسيئي الأعمال ، وذلك لأنّ العذاب ليس على شكل الحصص والأرباح ، وبتعبير أخر فإنّ كلمة القسط تناسب الجزاء الحسن فقط ، لا العقاب.

* * *

٢٩٧

الآيتان

( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) )

التّفسير

جانب من آيات عظمة الله :

لقد مرّت في الآيات السابقة إشارة عابر إلى مسألة المبدأ والمعاد ، إلّا أن هذه الآيات وما بعدها تبحث بصورة مفصلة هذين الأصلين الأساسيين اللذين يمثلان أهم دعامة لدعوة الأنبياء ، وبتعبير آخر فإنّ الآيات اللاحقة بالنسبة للسابقة بمثابة التفصيل للإجمال.

لقد أشارت الآية الأولى التي نبحثها إلى جوانب من آيات عظمة الله سبحانه في عالم الخلقة فقالت :( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً ) .

إنّ الشمس التي تعم العالم بنورها لا تعطي النور الحرارة للموجودات فحسب ، بل هي العامل الأساس في نمو النباتات وتربية الحيوانات ، وإذا دقّقنا النظر رأينا

٢٩٨

أنّ كل حركة على وجه الكرة الأرضية ، حتى حركة الرياح وأمواج البحار وجريان الأنهار والشلالات ، هي من بركات نور الشمس ، وإذا ما انقطعت هذه الأشعة الحياتية عن كرتنا الأرضية يوما فإنّ السكون والظلمة والموت سيخيّم على كل شيء في فاصلة زمنية قصيرة.

والقمر بنوره الجميل هو مصباح ليالينا المظلمة ، ولا تقتصر مهمّته على هداية المسافرين ليلا وإرشادهم إلى مقاصدهم ، بل هو بنوره المناسب يبعث الهدوء والنشاط لكل سكان الأرض.

ثمّ أشارت الآية إلى فائدة أخرى لوجود القمر فقالت :( وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ) أي إنّكم لو نظرتم إلى القمر ، وأنّه في أوّل ليلة هلال رفيع ، ثمّ يكبر حتى يكون بدرا في ليلة النصف من الشهر ، وبعدها يبدأ بالنقصان التدريجي حتى اليوم أو اليومين الأخيرين حيث يغيب في المحاق ، ثمّ يظهر على شكل هلال من جديد ويدور إلى تلك المنازل السابقة ، لعلمتم أن هذا الاختلاف ليس عبثا ، بل إنّه تقويم طبيعي دقيق جدّا يستطيع الجاهل والعالم قراءته ، ويقرأ فيه تاريخ أعماله وأمور حياته(1) .

ثمّ تضيف الآية : إن هذا الخلق والدوران ليس عملا غير هادف ، أو هو من باب اللعب ، بل( ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ ) .

وفي النهاية توكّد الآية :( يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) إلّا أنّ هؤلاء الغافلين وفاقدي البصيرة بالرغم من أنهم يمرون كثيرا على هذه الآيات والدلائل ، إلّا أنّهم لا يدركون أدنى شيء منها.

وتتطرق الآية الثّانية إلى قسم آخر من العلامات والدلائل السماوية والأرضية الدالّة على وجوده سبحانه ، فتقول :( إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي

__________________

(1) لقد بحثنا في المجلد الثاني حول كون القمر تقويما طبيعيا يمكن من خلال حالاته المختلفة تعيين أيام الشهر بدقة (راجع تفسير الآية 189 من سورة البقرة).

٢٩٩

السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ) فليست السماء والأرض بذاتهما من آيات الله وحسب ، بل إن كل واحدة من الموجودات التي توجد فيهما تعتبر آية بحد ذاتها ، إلّا أنّ الذين يدركون تلك الآيات هم الذين سمت أرواحهم وصفت نتيجة لتقواهم وبعدهم عن المعاصي ، وهم الذين يقدرون على رؤية وجه الحقيقة وجمال المعشوق.

* * *

ملاحظات

وهنا ملاحظات ينبغي الانتباه لها :

1 ـ هناك نقاش طويل بين المفسّرين في الفرق بين كلمتي الضياء والنور ، فالبعض منهم اعتبرهما مترادفتين وأن معناهما واحدا ، والبعض الأخر قالوا : إنّ الضياء استعمل في ضوء الشمس فالمراد به النور القوي ، أمّا كلمة النور التي استعملت في ضوء القمر فإنّها تدل على النور الأضعف.

الرأي الثّالث في هذا الموضوع هو أنّ الضياء بمعنى النور الذاتي ، أمّا النور فإنّه أعم من الضياء ويشمل الذاتي والعرضي ، وعلى هذا فإنّ اختلاف تعبير الآية يشير إلى هذه النقطة. وهي أنّ الله سبحانه قد جعل الشمس منبعا فوّارا للنور ، في الوقت الذي جعل للقمر صفة الاكتساب ، فهو يكتسب نوره من الشمس.

والذي يبدو أنّ هذا التفاوت مع ملاحظة آيات القرآن ، هو الأصح ، لأنا نقرا في الآية (16) من سورة نوح :( وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً ) وفي الآية (61) من سورة الفرقان ،( وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً ) فإذا لا حظنا أنّ نور السراج ينبع من ذاته ، وهو منبع وعين للنور ، وأن الشمس قد شبهت في الآيتين بالسراج ، سيتّضح أنّ هذا التفاوت مناسب جدا في الآيات مورد البحث.

2 ـ هناك اختلاف بين أهل الكتاب وكتّاب اللغة في أن (ضياء) جمع أم مفرد ،

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363