أدب الطف الجزء ١٠

أدب الطف18%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 320

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127288 / تحميل: 10636
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ) .

«الأذن» في الأصل تطلق على الجزء الظاهر من الحاسة السامعة (الصيوان) ، لكنّها تطلق على الأفراد الذين يصغون كثيرا لكلام الناس أو كما يقال : سمّاع.

هؤلاء المنافقون اعتبروا هذه الصفة ـ والتي هي سمة ايجابية للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتي يجب توفرها في أي قائد كامل ـ نقطة ضعف في سيرته ومعاملتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكأنّهم غفلوا عن أن القائد إذا أراد أن يحبه الناس لا بدّ أن يظهر لهم كل محبّة ولطف ، وأن يقبل عذر المعتذر ما أمكن ، ويستر على عيوبهم ، (إلّا أن تكون هذه الصفة الحميدة سببا لاستغلالها من قبل البعض).

من هنا نلاحظ أنّ القرآن قد ردّهم مباشرة ، وأمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول لهم بأنّه إذا كان يصغي لكلامكم ، ويقبل أعذاركم ، أو كما تظنون بأنّه أذن ، فإنّ ذلك في مصلحتكم ولمنفعتكم( قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ) ، فإنّه بذلك يحفظ ماء وجوهكم وشخصيتكم ، ولا يجرح شعوركم وعواطفكم ، وبذلك ـ أيضا ـ يسعى لحفظ وحدتكم واتحادكم ومودتكم ، ولو أراد أن يرفع الستار عن أفعالكم القبيحة ، ويفضح الكاذبين على رؤوس الأشهاد ، لضرّكم ذلك وشق عليكم ، وافتضح عدّة منكم ، وعندها سيغلق أمامهم باب التوبة ممّا يؤدي إلى توغلهم في الكفر والابتعاد عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن كان من المحتمل هدايتهم.

إن القائد الرحيم والمحنّك يجب أن يكون مطّلعا على كل شيء ، لكن لا ينبغي له أن يجابه أفراده بأمورهم الخاصّة والمجهولة عند الآخرين حتى يتربى من لهم الاستعداد والقابلية وتبقى اسرار الناس في طي الكتمان.

ويحتمل في تفسير الآية أن يراد معنى آخر ، وهو أنّ الله سبحانه وتعالى يقول في جواب هؤلاء الذين يعيبون على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إصغاءه للآخرين : ليس الأمر كما تظنون بأنّه يسمع كل ما يقال له ، بل إنّه يصغي إلى الكلام الذي فيه نفعكم ، أي أنّه يسمع الوحي الإلهي ، والاقتراح المفيد ، ويقبل اعتذار الأفراد إذا كان هذا القبول

١٠١

في صالح المعتذرين والمجتمع(1) .

ومن أجل أن لا يستغل المتتبعون لعيوب الناس ذلك ، ولا يجعلون هذه الصفة وسيلة لتأكيد كلامهم ، أضاف الله تعالى أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤمن بالله ويطيع أوامره ، ويصغي إلى كلام المؤمنين المخلصين ، ويقبله ويرتب عليه الأثر ،( يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) ، وهذا يعني أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان له طريقان وأسلوبان في عمله :

أحدهما : الحفاظ على الظاهر والحيلولة دون هتك الأستار وفضح أسرار الناس.

والثّاني : في مرحلة العمل ، فقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البداية يسمع من كل أحد ، ولا ينكر على أحد ظاهرا ، أمّا في الواقع العملي فإنّه لا يعتني ولا يقبل إلّا أوامر الله واقتراحات وكلام المؤمنين المخلصين ، والقائد الواقعي يجب أن يكون كذلك فإن تأمين مصالح المجتمع لا يتم إلّا عن هذا الطريق ، لذلك عبر عنه بأنّه رحمة للمؤمنين( وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) .

ويمكن أن يطرح هنا سؤال ، وهو أننا نلاحظ في بعض الآيات التعبير عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه( رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ) ،(2) لكننا نقرأ هنا أنّه رحمة للمؤمنين ، فهل يتطابق ذلك العموم مع هذا التخصيص؟

إلّا أنّنا إذا لا حظنا نقطة دقيقة سيتّضح جواب هذا السؤال ، وهي أنّ للرحمة درجات ومراتب متعددة ، فإحداها مرتبة (القابلية والاستعداد) ، والأخرى (الفعلية).

فمثلا : المطر رحمة إلهية ، أي أنّ هذه القابلية واللياقة موجودة في كل قطرات المطر ، فهي منشأ الخير والبركة والنمو والحياة ، لكن من المسلّم أنّ آثار هذه

__________________

(1) في الحقيقة ، بناء على التّفسير الأوّل فإنّ( أُذُنُ خَيْرٍ ) التي هي مضاف ومضاف إليه من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة ، وعلى التّفسير الثّاني فهي من قبيل إضافة الوصف إلى المفعول ، فعلى الاحتمال الأوّل يكون المعنى ، إنّه إنسان يقبل الكلام وهو خير لكم ، وعلى الاحتمال الثّاني فالمعنى : إنّه يسمع الكلام المفيد الذي ينفعكم ، لا أنّه يسمع كل كلام.

(2) الأنبياء ، 107.

١٠٢

الرحمة لا تظهر إلّا في الأراضي المستعدّة ، وعلى هذا فإنّه يصح قولنا : إنّ جميع قطرات المطر رحمة ، كما يصح قولنا : إنّ هذه القطرات أساس الرحمة في الأراضي التي لها القابلية والاستعداد لتقبل هذه الرحمة ، فالجملة الأولى إشارة إلى مرحلة (الاقتضاء والقابلية) ، والجملة الثّانية إشارة إلى مرحلة (الوجود والفعل) ، وعلى هذا فإنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أساس الرحمة لكل العالمين بالقوة ، أمّا بالفعل فهو مختص بالمؤمنين.

بقي هنا شيء واحد ، وهو أنّ هؤلاء الذين يؤذون النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكلامهم ويتتبعون أحواله لعلهم يجدون عيبا يشهّرون به يجب أن لا يتصوروا أنّهم سوف يبقون بدون جزاء وعقاب ، فصحيح أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مأمور ، ومن واجبه ـ كقائد ـ أن يقابل هؤلاء برحابة صدر ولا يفضحهم ، لكن هذا لا يعني أنّهم سوف يبقون بدون جزاء ، ولهذا قال تعالى في نهاية الآية :( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

* * *

١٠٣

الآيتان

( يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) )

سبب النّزول

يستفاد من أقوال بعض المفسّرين أنّ الآيتين المذكورتين مكملتان للآية السابقة ، ومن الطبيعي أن يكون سبب نزولها نفس السبب السابق ، إلّا أن جمعا آخر من المفسّرين ذكر سببا آخر لنزول هاتين الآيتين ، وهو أنّه لما نزلت الآيات التي ذمت المتخلفين عن غزوة تبوك ووبختهم قال أحد المنافقين : أقسم بالله أنّ هؤلاء أشرافنا وأعياننا ، فإن كان ما يقوله محمّد حقّا فإنّ هؤلاء أسوا حالا من الدواب ، فسمعه أحد المسلمين وقال : والله إن ما يقوله لحق ، وإنّك أسوأ من الدابة. فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبعث إلى ذلك المنافق فأحضر ، فسأله عن سبب قوله ذلك الكلام ، فحلف أنّه لم يقل ذلك ، فقال الرجل المؤمن الذي كان طرفا في خصومة الرجل وأبلغ كلامه لرسول الله : اللهم صدّق الصادق وكذّب الكاذب. فنزلت الآيتين أعلاه.

١٠٤

التّفسير

المنافقون والتظاهر بالحق :

إن إحدى علامات المنافقين وأعمالهم القبيحة والتي أشار إليها القرآن مرارا هي إنكارهم الأعمال القبيحة والمخالفة للدين والعرف ، وهم إنّما ينكرونها من أجل التغطية على واقعهم السيء وإخفاء الصورة الحقيقية لهم ، ولما كان المجتمع يعرفهم ويعرف كذبهم في هذا الإنكار فقد كانوا يلجؤون إلى الأيمان الكاذبة من أجل مخادعة الناس وإرضائهم.

وفي الآيات السابقة الذكر نرى أنّ القرآن المجيد يكشف الستار عن هذا العمل القبيح ليفضح هؤلاء من جهة ، ويحذّر المسلمين من تصديق الإيمان الكاذبة من جهة أخرى.

في البداية يخاطب القرآن الكريم المسلمين وينبههم إلى أنّ هدف هؤلاء من القسم هو إرضاؤكم( يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ ) ، ومن الواضح إذن أن هدف هؤلاء من هذه الأيمان لم يكن بيان الحقيقة ، بل إنّهم يسعون عن طريق المكر والخديعة إلى أن يصوروا لكم الأشياء والواقع على غير صورته الحقيقة ، ويصلون عن هذا الطريق إلى مقاصدهم ، وإلّا فلو كان هدفهم هو إرضاء المؤمنين الحقيقيين عنهم ، فإنّ إرضاء الله ورسوله أهم من إرضاء المؤمنين ، غير أنا نرى أنّهم بأعمالهم هذه قد أسخطوا الله ورسوله ، ولذا عقبت الآية فقالت :( وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ ) .

ممّا يلفت النظر أن الجملة المذكورة لما كانت تتحدث عن الله ورسوله ، فعلى القاعدة النحوية ينبغي أن يكون الضمير في «يرضوه» ضمير التثنية غير أن المستعمل هنا هو ضمير المفرد ، وهذا الاستعمال والتعبير يشير إلى أن رضا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من رضا الله. بل أنّه لا يرتضي من الأعمال إلّا ما يرتضيه الله سبحانه ، وبعبارة أخرى : فإنّ هذا التعبير يشير إلى حقيقة (توحيد الأفعال) ، لأنّ النّبي

١٠٥

الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يملك استقلالية العمل في مقابل الله ، بل إن غضبه ورضاه وكل أعماله تنتهي إلى الله ، فكل شيء من أجل الله وفي سبيله.

روي أنّ رجلا في زمن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ضمن كلامه : من أطاع الله ورسوله فقد فاز، ومن عصاهما فقد غوى. فلما سمع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلامه غضب ـ حيث أن الرجل ذكر الله ورسوله بضمير التثنية فكأنّه جعل الله ورسوله في درجة واحدة ـ وقال : «بئس الخطيب أنت ، هلا قلت : ومن عصى الله ورسوله»(1) ؟!

وفي الآية الثّانية نرى أنّ القرآن يهدد المنافقين تهديدا شديدا ، فقال :( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ) ومن أجل أن يؤكّد ذلك أضاف تعالى( ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ ) .

(يحادد) مأخوذ من (المحادّة) وأصلها (حدّ) ، ومعناها نهاية الشيء وطرفه ، ولما كان الأعداء والمخالفون يقفون في الطرف الآخر المقابل ، لذا فإن مادة (المحادّة) قد وردت بمعنى العداوة أيضا ، كما نستعمل كلمة (طرف) في حياتنا اليومية ونريد منها المخالفة والعداوة.

* * *

__________________

(1) تفسير أبي الفتوح الرازي ، ذيل الآية.

١٠٦

الآيات

( يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (66) )

سبب النّزول

ذكرت عدّة أسباب لنزول هذه الآيات ، وكلّها ترتبط بأعمال المنافقين بعد غزوة تبوك. فمن جملتها : إنّ جمعا من المنافقين كانوا قد اجتمعوا في مكان خفي وقرّروا قتل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند رجوعه من غزوة تبوك ، وكانت خطتهم أن ينصبوا كمينا في إحدى عقبات الجبال الصعبة ، وعند ما يمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تلك العقبة ينفرون بعيره ، فأطلع الله نبيّه على ذلك ، فأمر جماعة من المسلمين بمراقبة الطريق والحذر ، فلمّا وصل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى العقبة ـ وكان عمار يقود الدابة وحذيفة يسوقها ـ اقترب المنافقون متلثّمين لتنفيذ مؤامرتهم فأمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حذيفة أن يضرب وجوه دوابهم ويدفعهم ، ففعل حذيفة ذلك.

فلمّا جاوز النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العقبة ـ وقد زال الخطر ـ قال لحذيفة : هل عرفتهم؟ فقال:

١٠٧

لم أعرف أحدا منهم ، فعرّفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهم ، فقال حذيفة : ألا ترسل إليهم من يقتلهم؟ فقال : «إني أكره أن تقول العرب : إنّ محمّدا لما انقضت الحرب بينه وبين المشركين وضع يده في قتل أصحابه».

وقد نقل سبب النزول هذا عن الإمام الباقرعليه‌السلام ، وجاء أيضا في العديد من كتب التّفسير والحديث.

وذكر سبب آخر للنزول وهو : أنّ مجموعة من المنافقين لما رأوا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد تهيّأ للقتال واصطف أمام الأعداء ، قال هؤلاء بسخرية : أيظن هذا الرجل أنّه سيفتح حصون الشام الحصينة ويسكن قصورها ، إن هذا الشيء محال ، فأطلع الله نبيّه على ذلك ، فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسدوا عليهم المنافذ والطرق ، ثمّ ناداهم ولا مهم وأخبرهم بما قالوا ، فاعتذروا بأنّهم إنّما كانوا يمزحون وأقسموا على ذلك.

التّفسير

مؤامرة أخرى للمنافقين :

لا حظنا في الآيات السابقة كيف أنّ المنافقين اعتبروا نقاط القوّة في سلوك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نقاط ضعف ، وكيف حاولوا استغلال هذه المسألة من أجل بثّ التفرقة بين المسلمين. وفي هذه الآيات إشارة إلى نوع آخر من برامجهم وطرقهم.

فمن الآية الأولى يستفاد أنّ الله سبحانه وتعالى يكشف الستار عن أسرار المنافقين أحيانا ، وذلك لدفع خطرهم عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفضحهم أمام الناس ليعرفوا حقيقتهم ، ويحذروهم وليعرف المنافقون موقع اقدامهم ويكفّوا عن تآمرهم ، ويشير القرآن إلى خوفهم من نزول سورة تفضحهم وتكشف خبيئة أسرارهم فقال :( يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ ) .

إلّا أنّ العجيب في الأمر أن هؤلاء ولشدة حقدهم وعنادهم لم يكفّوا عن استهزائهم وسخريتهم ، لذلك تضيف الآية : بأنّهم مهما سخروا من أعمال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٠٨

فإن الله لهم بالمرصاد وسوف يظهر خبيث أسرارهم ويكشف عن دنيء نيّاتهم ، فقال :( قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ ) .

تجدر الإشارة إلى أنّ جملة (استهزءوا) من قبيل الأمر لأجل التهديد كما يقول الإنسان لعدوّه : اعمل كل ما تستطيع من أذى وإضرار لترى عاقبة أمرك ، ومثل هذه الأساليب والتعبيرات تستعمل في مقام التهديد.

كما يجب الالتفات إلى أنّنا نفهم من الآية بصورة ضمنية أنّ هؤلاء المنافقين يعلمون بأحقية دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدقها ، ويعلمون في ضميرهم ووجدانهم ارتباط النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالله سبحانه وتعالى ، إلّا أنهم لعنادهم وإصرارهم بدل أن يؤمنوا به ويسلموا بين يديه ، فإنّهم بدأوا بمحاربته وإضعاف دعوته المباركة ، ولذلك قال القرآن الكريم :( يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ ) .

وينبغي الالتفات إلى أنّ جملة( تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ ) لا تعني أن أمثال هذه الآيات كانت تنزل على المنافقين ، بل المقصود أنّها كانت تنزل في شأن المنافقين وتبيّن أحوالهم.

أمّا الآية الثّانية فإنّها أشارت إلى أسلوب آخر من أساليب المنافقين ، وقالت :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ) (1) . أي إذا سألتهم عن الدافع لهم على هذه الأعمال المشينة قالوا : نحن نمزح وبذلك ضمنوا طريق العودة ، فهم من جهة كانوا يخططون المؤامرات ، ويبثون السموم ، فإذا تحقق هدفهم فقد وصلوا إلى مآربهم الخبيثة أمّا إذا افتضح أمرهم فإنّهم سيتذرعون ويعتذرون بأنّهم كانوا يمزحون ، وعن هذا الطريق سيتخلصون من معاقبة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناس لهم.

إن المنافقين في أي زمان ، تجمعهم وحدة الخطط ، والضرب على نفس الوتر ،

__________________

(1) خوض على وزن حوض ، وهو ـ كما ورد في كتب اللغة ـ بمعنى الدخول التدريجي في الماء ، ثمّ أطلقت على الدخول في مختلف الأعمال من باب الكناية ، إلّا أنّها جاءت في القرآن غالبا بمعنى الدخول أو الشروع بالأعمال أو الأقوال القبيحة البذيئة.

١٠٩

لذا فلهم نغمة واحدة ، وهم كثيرا ما يستفيدون ويتبعون هذا الطرق ، بل إنّهم في بعض الأحيان يطرحون أكثر المسائل جدية لكن بلباس المزاح الساذج البسيط ، فإن وصلوا إلى هدفهم وحققوه فهو ، وإلّا فإنّهم يفلتون من قبضة العدالة بحجّة المزاح.

غير أنّ القرآن الكريم واجه هؤلاء بكل صرامة ، وجابههم بجواب لا مفرّ معه من الإذعان للواقع ، فأمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخاطبهم( قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ ) ، أي إنّه يسألهم : هل يمكن المزاح والسخرية حتى بالله ورسوله وآيات القرآن؟!

هل إنّ هذه المسائل التي هي أدق الأمور وأكثرها جدية قابلة للمزاح؟!

هل يمكن إخفاء قضية تنفير البعير وسقوط النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تلك العقبة الخطيرة ، والتي تعني الموت ، تحت عنوان ونقاب المزاح؟ أم أنّ السخرية والاستهزاء بالآيات الإلهية وإخبار النّبي بالانتصارات المستقبلية من الأمور التي يمكن أن يشملها عنوان اللعب؟ كل هذه الشواهد تدل على أنّ هؤلاء كان لديهم أهداف خطيرة مستترة خلف هذه الأستار والعناوين.

ثمّ يأمر القرآن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول للمنافقين بصراحة :( لا تَعْتَذِرُوا ) ، والسبب في ذلك أنّكم( قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ ) ، فهذا التعبير يشعر أن هذه الفئة لم تكن منذ البداية في صف المنافقين ، بل كانوا مؤمنين لكنّهم ضعيفو الإيمان ، بعد هذه الحوادث الآنفة الذكر سلكوا طريق الكفر.

ويحتمل أيضا في تفسير العبارة أعلاه أن هؤلاء كانوا منافقين من قبل ، إلّا أنّهم لم يظهروا عملا مخالفا ، فإنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين كانوا مكلّفين أن يعاملوهم كأفراد مؤمنين ، لكن لما رفع النقاب بعد أحداث غزوة تبوك ، وظهر كفرهم ونفاقهم أعلم هؤلاء بأنّهم لم يعودوا من المؤمنين.

واختتمت الآية بهذه العبارة :( إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ

١١٠

كانُوا مُجْرِمِينَ ) فهي تبيّن أنّ طائفة قد استحقت العذاب نتيجة الذنوب والمعاصي ، وهذا دليل على أن أفراد الطائفة الأخرى إنّما شملهم العفو الإلهي لأنّهم غسلوا ذنوبهم ومعاصيهم بماء التوبة من أعماق وجودهم.

وفي الآيات القادمة ـ كالآية 74 ـ قرينة على هذا المبحث.

وقد وردت روايات عديدة في ذيل الآية ، تبيّن أن بعض هؤلاء المنافقين الذين مرّ ذكرهم في هذه الآيات قد ندموا على ما بدر منهم من أعمال منافية للدين والأخلاق فتابوا، غير أن البعض الآخر قد بقي على مسيرته حتى النهاية.

ولمزيد التوضيح والاطلاع راجع : تفسير نور الثقلين ، ج 2 ، ص 239.

* * *

١١١

الآيات

( الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) )

١١٢

التّفسير

علامات المنافقين :

البحث في هذه الآيات يدور كالسابق حول سلوك المنافقين وعلاماتهم وصفاتهم ، «فالآية الأولى من هذه الآيات تشير إلى أمر كلّي ، وهو أن روح النفاق يمكن أن تتجلّى بأشكال مختلفة وتبدو في صور متفاوتة بحيث لا تلفت النظر في أوّل الأمر ، خصوصا أن روح النفاق هذه يمكن أن تختلف بين الرجل والمرأة ، لكن يجب أن لا يخدع الناس بتغيير صور النفاق بين المنافقين ، المنافقين يشتركون في مجموعة من الصفات تعتبر العامل المشترك فيما بينهم ، لذلك يقول الله سبحانه :( الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ) .

وبعد ذلك يشرع القرآن الكريم في ذكر خمس صفات لهؤلاء :

الأولى والثّانية : إنّهم يدعون الناس إلى فعل المنكرات ويرغبونهم فيها من جهة ، ويبعدونهم وينهونهم عن فعل الأعمال الصالحة من جهة أخرى( يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ) أي أنّهم يسلكون طريقا ويتّبعون منهاجا هو عكس طريق المؤمنين تماما ، فإنّ المؤمنين يسعون دائما ـ عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ إلى أن يصلحوا المجتمع وينقوه من الشوائب والفساد ، بينما يسعى المنافقون إلى إفساد كل زاوية في المجتمع واقتلاع جذور الخير والأعمال الصالحة من بين الناس من أجل الوصول إلى أهدافهم المشؤومة ، ولا شك أنّ وجود مثل هذا المحيط الفاسد والبيئة الملوّثة ستساعدهم كثيرا في تحقيق أهدافهم.

الثّالثة : إنّ هؤلاء بخلاء لا يتمتعون بروح الخير للناس فلا ينفقون في سبيل الله ، ولا يعينون محروما ، ولا يستفيد أقوامهم ومعارفهم من أموالهم ، فعبّر عنهم القرآن :( وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ) ولا شك أنّ هؤلاء إنّما يبخلون بأموالهم لأنّهم لا يؤمنون بالآخرة والثواب والجزاء المضاعف لمن أنفق في سبيل الله ، بالرغم من أنّهم كانوا

١١٣

يبذلون الأموال الطائلة من أجل الوصول إلى أغراضهم وآمالهم الشريرة الدنيئة ، وربّما بذلوها رياء وسمعة ، لكنّهم لا يقدمون على البذل على أساس الإخلاص لله سبحانه وتعالى.

الرّابعة : إنّ كل أعمالهم وأقوالهم وسلوكهم يوضح أن هؤلاء قد نسوا الله ، والوضع الذي يعيشونه يبيّن أن الله قد نسيهم في المقابل ، وبالتالي فإنّهم قد حرموا من توفيق الله وتسديده ومواهبه السنية ، أي أنّه سبحانه قد عاملهم معاملة المنسيين ، وآثار وعلامات هذا النسيان المتقابل واضحة في كل مراحل حياتهم ، وإلى هذا تشير الآية :( نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ) .

وهنا نودّ الإشارة إلى أن نسبة النسيان إلى الله جلّ وعلا ليست نسبة واقعية وحقيقية ـ كما هو المعلوم بديهة ـ بل هي كناية عن معاملة لهؤلاء معاملة الناسي ، أي إنّه لا يشملهم برحمته وتوفيقه لأنّهم نسوه في البداية ، ومثل هذا التعبير متداول حتى في الحياة اليومية بين الناس ، فقد نقول لشخص مثلا : إنّنا سوف ننساك عند إعطاء الأجرة أو الجائزة لأنّك قد نسيت واجبك ، وهذا تعبير يعني أنّنا سوف لا نعطيه أجره ومكافأته. وهذا المعنى ورد كثيرا في روايات أهل البيتعليهم‌السلام (1) .

وممّا ينبغي الالتفات إليه أنّ موضوع نسيان الله تعالى قد عطف بفاء التفريع على نسيان هؤلاء القوم ، وهذا يعني أنّ نتيجة نسيان هؤلاء لأوامر الله تعالى وطغيانهم وعصيانهم هي حرمانهم من مواهب الله ورحمته وعنايته.

الخامسة : إنّ المنافقين فاسقون وخارجون من دائرة طاعة أوامر الله سبحانه وتعالى ، وقالت الآية :( إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) .

ونلاحظ أنّ هذه الصفات المشتركة متوفرة في المنافقين في كل الاعصار. فمنافقو عصرنا الحاضر وإن تلبسوا بصور وأشكال جديدة ، إلّا أنّهم يتحدون في الصفات والأصول المذكورة أعلاه مع منافقي العصور الغابرة ، فإنّهم كسابقيهم

__________________

(1) راجع تفسير نور الثقلين ، ج 2 ، ص 239 ـ 240.

١١٤

يدعون الناس إلى الفساد ويرغبونهم فيه ، وينهون الناس عن فعل الخير ويمنعونهم إن استطاعوا ، وكذلك في بخلهم وإمساكهم وعدم إنفاقهم ، وبعد كل ذلك فإنّهم يشتركون في الأصل الأهم ، وهو أنّهم قد نسوا الله سبحانه وتعالى في جميع مراحل حياتهم ، وتعديهم على قوانينه وفسقهم. وممّا يثير العجب أنّ هؤلاء بالرغم من كل هذه الصفات القبيحة السيئة يدّعون الإيمان بالله والإعتقاد الرصين بأحكام الدين الإسلامي وأصوله ومناهجه!

في الآية التي تليها نلاحظ الوعيد الشديد والإنذار بالعذاب الأليم والجزاء الذي ينتظر هؤلاء حيث تقول :( وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ ) وأنّهم سيخلدون في هذه النّار المحرقة( خالِدِينَ فِيها ) وأن هذه المجازاة التي تشمل كل أنواع العذاب والعقوبات تكفي هؤلاء ، إذ( هِيَ حَسْبُهُمْ ) وبعبارة أخرى : إنّ هؤلاء لا يحتاجون إلى عقوبة أخرى غير النّار ، حيث يوجد في نار جهنم كل أنواع العذاب : الجسمية منها والروحية.

وتضيف الآية في خاتمتها أن الله تعالى قد أبعد هؤلاء عن ساحة رحمته وجازاهم بالعذاب الأبدي( وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ ) ، بل إن البعد عن الله تعالى يعتبر بحد ذاته أعظم وأشد عقوبة وآلمها.

تكرر التأريخ والإعتبار به :

من أجل توعية هؤلاء المنافقين ، وضعت الآية الآتية مرآة التاريخ أمامهم ، ودعتهم إلى ملاحظة حياتهم وسلوكهم ومقارنتها بالمنافقين والعتاة المردة الذين تمردوا على أوامر الله سبحانه وتعالى ، وأعطتهم أوضح الدروس وأكثرها عبرة ، فذكّرهم بأنّهم كالمنافقين الماضين ويتبعون نفس المسير وسيلقون نفس المصير :( كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) علما أنّ هؤلاء( كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً ) .

وكما أنّ هؤلاء قد تمتعوا بنصيبهم في هذه الحياة الدنيا ، وصرفوا أعمارهم في

١١٥

طريق قضاء الشهوات والمعصية والفساد والانحراف ، فإنّكم قد تمتعتم بنصيبكم كهؤلاء :( فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ ) والخلاق في اللغة بمعنى النصيب والحصة ، يقول الراغب في مفرداته : أنّها مأخوذة من مادة (خلق) ، ويحتمل ـ على هذا ـ أن الإنسان قد يستفيد ويتمتع بنصيبه في هذه الحياة الدنيا بما يناسب خلقه وخصاله.

ثمّ تقول بعد ذلك : إنّكم كمن مضى من أمثالكم قد أوغلتم وسلكتم مسلك الاستهزاء والسخرية ، تماما كهؤلاء :( وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا ) (1) .

ثمّ تبيّن الآية عاقبة أعمال المنافقين الماضين لتحذر المنافقين المعاصرين للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكل منافقي العالم في جملتين :

الأولى : إن كل أعمال المنافقين قد ذهبت أدراج الرياح ، في الدنيا والآخرة ، ولم يحصلوا على أي نتيجة حسنة ، فقالت :( حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ) .

الثّانية : إنّ هؤلاء هم الخاسرون الحقيقيون بما عملوه من الأعمال السيئة :( وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ) .

إن هؤلاء المنافقين يمكن أن يستفيدوا ويحققوا بعض المكاسب والامتيازات من أعمال النفاق ، لكن ما يحصلون عليه مؤقت ومحدود ، فإنّنا إذا أمعنا النظر فسنرى أن هؤلاء لم يجنوا من سلوك هذا الطريق شيئا ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، كما يعكس التاريخ هذه الحقيقة ، ويبيّن كيف أنّ المنافقين على مرّ الدهور والأيّام قد توالت عليهم النكبات وأزرت بهم وحكمت عليهم بالفناء والزوال ، كما أن ممّا لا شك فيها أنّ هذه العاقبة الدنيوية تبيّن المصير الذي ينتظرهم في الآخرة.

__________________

(1) إن جملة( كَالَّذِي خاضُوا ) في الواقع بمعنى : كالذي خاضوا فيه ، وبعبارة أخرى ، فإنّها تشبيه لفعل منافقي اليوم بفعل المنافقين السابقين ، كما شبهت الجملة السابقة استفادة هؤلاء من النعم والمواهب الإلهية في طريق الشهوات كالسابقين منهم ، وعلى هذا فإنّ هذا التشبيه ليس تشبيه شخص بشخص لنضطر إلى أن نجعل (الذي) بمعنى (الذين) أي المفرد بمعنى الجمع ، بل هو تشبيه عمل بعمل.

١١٦

إن الآية الكريمة تنبه المنافقين المعاصرين للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتقول لهم : إنّكم ترون أنّ هؤلاء السابقين رغم تلك الإمكانات والقدرات والأموال والأولاد لم يصلوا إلى نتيجة ، وأنّ أعمالهم قد أصبحت هباء منثورا لأنّها لم تستند إلى أساس محكم ، بل كانت أعمال نفاق ومراوغة ، فإنّكم ستواجهون ذلك المصير بطريق أولى ، لأنّكم أقل من هؤلاء قدرة وقوة وامكانات.

وبعد هذه الآيات يتحول الحديث من المنافقين ويتوجه إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتبع أسلول الاستفهام الإنكاري ، فتقول الآية :( أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ ) (1) فإنّ هذه الأقوام كانت في الأزمان السالفة تسيطر على مناطق مهمّة من العالم ، إلّا أن كل فئة قد ابتليت بنوع من العقاب الإلهي نتيجة لانحرافها وطغيانها وإجرامها ، وفرارها من الحق والعدالة ، وإقدامها على الظلم والاستبداد والفساد.

فقوم نوح عوقبوا بالطوفان والغرق ، وقوم عاد (قوم هود) بالرياح العاصفة والرعب ، وقوم ثمود (قوم صالح) بالزلازل والهدم والدمار ، وقوم إبراهيم بسلب النعم ، وأصحاب مدين (قوم شعيب) بالصواعق المحرقة ، وقوم لوط بخسف المدن وفنائهم جميعا. ولم يبق من هؤلاء إلّا الجثث الهامدة ، والعظام النخرة تحت التراب أو في أعماق البحار.

إنّ هذه الحوادث المرعبة تهز وجدان وأحاسيس كل إنسان إذا امتلك أدنى إحساس وشعور عند مطالعتها وتحقيقها.

ورغم طغيان هؤلاء وتمردهم فانّ الله الرؤوف الرحيم لم يحرم هؤلاء من رحمته وعطفه لحظة ، وقد أرسل إليهم الرسل بالآيات البينات لهدايتهم وإنقاذهم من الضلالة إذ( أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ) إلّا أن هؤلاء لم يصغوا إلى آية موعظة ولم

__________________

(1) المؤتفكات مأخوذة من مادة الائتفاك ، بمعنى انقلاب الأسفل إلى الأعلى وبالعكس ، وهي إشارة إلى مدن قوم لوط التي قلب عاليها سافلها نتيجة الزلزلة.

١١٧

يقبلوا نصيحة من أنبياء الله وأوليائه ، ولم يقيموا وزنا لجهاد ومتاعب هؤلاء الأبرار وتحملهم كل المصاعب في سبيل هداية خلق الله ، وإذا كان العقاب قد نالهم فلا يعني أن اللهعزوجل قد ظلمهم ، بل هم ظلموا أنفسهم بما أجرموا فاستحقوا العذاب( فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) .

* * *

١١٨

الآيتان

( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) )

التّفسير

صفات المؤمنين الحقيقيين :

مرّ في الآيات السابقة ذكر بعض الصفات المشتركة بين المنافقين ، الرجال منهم والنساء ، وتلخصت في خمس صفات : الأمر بالمنكر ، والنهي عن المعروف ، والبخل وعدم الإنفاق ، ونسيان الله سبحانه وتعالى ، ومخالفة وعصيان أوامر الله.

وتذكر هذه الآيات صفات وعلامات المؤمنين والمؤمنات ، وتتخلص في خمس صفات أيضا ، فتقابل كل صفة منها صفة من صفات المنافقين ، واحدة بواحدة ، لكنّها في الاتجاه المعاكس.

١١٩

وتشرع الآية بذكر صفات المؤمنين والمؤمنات ، وتبدأ ببيان أنّ بعضهم لبعض ولي وصديق( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) .

إنّ أوّل ما يلفت النظر أن كلمة (أولياء) لم تذكر أثناء الكلام عن المنافقين ، بل ورد (بعضهم من بعض) التي توحي بوحدة الأهداف والصفات والأعمال ، ولكنّها تشير ضمنا إلى أن هؤلاء المنافقين وإن كانوا في صف واحد ظاهرا ويشتركون في البرامج والصفات ، إلّا أنهم يفتقدون روح المودة والولاية لبعضهم البعض ، بل إنّهم إذا شعروا في أي وقت بأنّ منافعهم ومصالحهم الشخصية قد تعرضت للخطر فلا مانع لديهم من خيانة حتى أصدقائهم فضلا عن الغرباء ، وإلى هذه الحالة تشير الآية (14) من سورة الحشر :( تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ) .

وبعد بيان هذه القاعدة الكلية ، تشرع ببيان الصفات الجزئية للمؤمنين :

1 ـ ففي البداية تبيّن أن هؤلاء قوم يدعون الناس إلى الخيرات( يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ) .

2 ـ إنّهم ينهون الناس عن الرذائل والمنكرات( وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) .

3 ـ إنّهم بعكس المنافقين الذين كانوا قد نسوا الله ، فإنّهم يقيمون الصلاة ، ويذكرون الله فتحيا قلوبهم وتشرف عقولهم( وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) .

4 ـ إنّهم ـ على عكس المنافقين والذين كانوا يبخلون بأموالهم ـ ينفقون أموالهم في سبيل الله وفي مساعدة عباد الله وبناء المجتمع وإصلاح شؤونه ، ويؤدون زكاة أموالهم( وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ ) .

5 ـ إنّ المنافقين فسّاق ومتمردون ، وخارجون من دائرة الطاعة لأوامر الله ، أمّا المؤمنون فهم على عكسهم تماما ، إذ( وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) .

أمّا ختام الآية فإنّه يتحدث عن امتيازات المؤمنين ، والمكافأة والثواب الذي ينتظرهم ، وأوّل ما تعرضت لبيانه هو الرحمة الإلهية التي تنتظرهم ف( أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ ) .

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

هلال بن بدر

المتوفى ١٣٨٥

روع الكون وادلهم السماء

يوم ضجت بخطبها كربلاء

يالخطب من دونه كل خطب

ومصاب قد عز فيه العزاء

لبس الدهر فيه ثوب حداد

فهو والدهر ما له انضاء

ليت شعري وهل يبلغني الشعر

مقاما يجود فيه الرثاء

انما غايتي رثاء امام

يقصر الشعر عنه والشعراء

سبط خير الانام والصفوة الكبرى

أبوه وأمه الزهراء

كنز سر العلوم مذ لقنته

وهو في المهد سرها الانبياء

بطل حازم أبي كمي

أريحي منزه وضاء

خذلته العراق لما استبانت

آية الحق وهي منها براء

وبكته من بعد ذاك طويلا

بعد غيض الدموع منها الدماء

موقف للحسين جل عن الوصف

ولم ترو مثله الامناء

سار نحو العراق يزحف نحو

الموت تحدوه عزة قعساء

ضربت حوله العداة نطاقا

مزقته بعزمها الخلصاء

قادة حرب ان لظى الحرب شبت

ولدى السلم ساسة خطباء

لهف نفسي على ليوث تصدت

لعديد ما ان له احصاء

ثبتت في مواقف الموت حتى

فنيت، والفناء منها وفاء

جدد الحرب بعد ذاك أخو الحرب

وما كل عزمه المضاء

أم نحو الصفوف ظمآن صاد

ويل أم العدو لولا الظماء

وقضى بينها فخر صريعا

وعليه من الجلال رداء

٢٠١

ان صرعى الطفوف لا شك عندي

أنهم عند ربهم أحياء

عجبا يقتل الحسين وتبقى

في هناء من بعده الاشقياء

وتضام الاباة ان طلبوا الحق

وتسبى من الخدور النساء

النساء المطهرات من العيب

اللواتي شعارهن الحياء

لا رعى الله يا حسين زمانا

أخذت فيه ثارها الاعداء

قاتل الله من أمية فردا

كمنت في ضميره الشحناء

بأبي الطاهر الزكي ونفسي

وبيوم طالبت به الظلماء

فصلاة من الاله عليه

وسلام ورحمة وثناء

الشاعر هلال بن بدر البوسعيدي، ولد في مدينة مسقط ١٣١٤ ه‍ وتلقى علومه على يد علمائها الاباظيين. وتدرج في المناصب من سكرتير والي الى أن أصبح رئيسا لاول بلدية انشئت في مسقط عام ١٣٧٤ ه‍ ثم انتقل في مناصب اخرى حتى أصبح سكرتيرا خاصا للسلطان سعيد بن تيمور، ثم اعتزل العمل وتقاعد حتى وافاه الموت في ٦ شهر رمضان عام ١٣٨٥ ه‍. له جملة قصائد غير أنها لم تجمع في مجموع خاص، وانه اتلف الكثير منها.

٢٠٢

الشيخ محمد رضا الشبيبي

المتوفى ١٣٨٥

قال: ينحو باللائمة على أحد قتلة الحسين بن عليعليه‌السلام ، ذلك هو بجدل بن سليم الكلبي الذي حارب الامام الحسين (ع) وجاء اليه بعد قتله لينال من سلبه شيئا فلم يجد حيث سلبه القوم جميع ثيابه، لكن رأى خاتمه في خنصره حاول انتزاعه فلم يقدر لجمود الدم عليه فتناول قطعة سيف وجعل يحز الخنصر حتى قطعه وأخذ الخاتم، فقال شيخنا الشبيبي:

ما بال بجدل لا بلت مضاجعه

قد حز اصبعه في مخذم ذرب

لو كان يطلب منه بذل خاتمه

لقال هاك، وهذا قبل فعل أبي

أشهر أعلام الادب ووجه العراق الناصع هو الشيخ محمد رضا ابن الشيخ جواد ابن الشيخ محمد بن شبيب بن ابراهيم صقر البطائحي النجفي، ولد في النجف ٦ شهر رمضان عام ١٣٠٦ ه‍ ونشأ على والده الجليل نشأة سامية، تعلم المبادئ وقرأ المقدمات وقرض الشعر فأجاد فيه من بداية عهده وحضر في الفقه والاصول على علماء وقته كالشيخ محمد كاظم الخراساني وغيره، ولخصوبة ذهنه وسعة آفاقه الفكرية لم يقتصر على العلوم القديمة بل شارك في فنون اخرى فبرع في البلاغة والفلسفة حتى نبغ في سن مبكرة واشترك مع شيوخ الادب يومذاك وجال في ميادينه بين النابهين من رجاله وهو في طليعة حاملي مشعل الحركة الفكرية

٢٠٣

والنهضة الوطنية في العراق، فقد جاهد في احياء الثقافة والآداب العربية على عهد الاتراك يوم كانت معالم اللغة مطموسة، وطرق جميع الفنون فنظم في التربية والسياسة والوصف والغزل والوجدانيات والوطنيات، وحسبك ما نشرته الصحف والمجلات، وله في البلاغة والبيان ملكة نادرة حيث لا يقل نثره عن شعره وبحوثه الممتعة الطافحة بالمادة ترويها امهات المجلات وهو بالاضافة الى محاسنه الكثيرة لغوي كبير ومن الخبراء المتضلعين. قام أيام الثورة العراقية بخدمات جليلة ومهام خطيرة وانتدب من قبل وجوه العراق من علماء وزعماء واحرار فأوفد الى الحجاز لمقابلة الملك حسين وتسليمه المضابط التي نظمها العراقيون ووقعوا عليها وذلك عام ١٣٣٧ ه‍ سافر الشيخ فوصل الحجاز بعد عناء شديد واجتمع بالشريف وأطلعه على الحال فأرسلها الشريف الى نجله الامير فيصل في باريس، ولم يعد المترجم له حتى تم تعيين فيصل ملكا على العراق فجاء معه هو وجملة من الزعماء.

والشبيبي شخصية متعددة الجوانب وقد تقلب في المناصب وهي تزدهي به وتفتخر بكماله وببزته الروحية وكأنه زان المناصب ولم تزنه.

رشح لعضوية نادي القلم البريطاني في سنة ١٣٥٦ وشغل وزارة المعارف عدة مرات، ومنحته مصر شهادة الدكتوراه في الآداب دون أن يطلبها، وترأس المجمع العلمي العراقي، وكان عضو المجمع العلمي العربي بدمشق، وعضو المجمعين العلمي واللغوي بمصر وغير ذلك.

وله آثارعلمية وأدبية وفلسفية وتأريخية منها (تاريخ الفلسفة) من أقدم عصورها ومنها (أدب النظر) في فن المناظرة و (التذكرة) في بعث ما عثر عليه من الكتب والآثار النادرة وديوان شعر طبع سنة ١٣٥٩ و (فلاسفة اليهود في الاسلام) و (المأنوس في لغة القاموس) ويقصد بالمأنوس ما كان مألوفا عند فصحاء العرب وفي المختار من كلامهم. ويقابله الغريب الذي يستهجن استعماله ويعد من عيوب فصاحة الكلام و (المسألة العراقية)

٢٠٤

وهو تاريخ مطول لبلدة النجف الاشرف مع تطور العلم والآداب فيها و (مؤرخ العراق ابن الفوطي) في اجزاء طبع الاول في سنة ١٣٧٠ قام بنشره المجمع العلمي العراقي وقد ذكر أغلب هذه الآثار روفائيل بطي في كتابه (الادب العصري) وهذه بعض روائعه:

فتنة الناس - وقينا الفتنا -

باطل الحمد ومكذوب الثنا

رب جهم حولاه قمرا

وقبيح صيراه حسنا

أيها المصلح من أخلاقنا

أيها المصلح الداء هنا

كلنا يطلب ما ليس له

كلنا يطلب ذا حتى أنا

ربما تعجبنا مخضرة

أربع بالامس كانت دمنا

لم تزل - ويحك يا عصر أفق

عصر ألقاب كبار وكنى

حكم الناس على الناس بما

سمعوا عنهم وغضوا الاعينا

فاستحالت وأنا من بينهم

أذني عينا وعيني أذنا

اننا نجني على أنفسنا

حين نجني، ثم ندعو: من جنى

بلغ الناس الاماني حقه

وبلغناها ولكن بالمنى

أخطأ الحق فريق بائس

لم يلومونا ولاموا الزمنا

خسرت صفقتكم من معشر

شروا العار وباعوا الوطنا

أرخصوه ولو اعتاضوا به

هذه الدنيا لقلت ثمنا

يا عبيد المال خير منكم

جهلاء يعبدون الوثنا

انني ذاك العراقي الذي

ذكر الشام وناجى اليمنا

انني اعتد نجدا روضتي

وأرى جنة عدني عدنا

ايها الجيل اكتشف لي حاضرا

كلما خرب ماضيك بنى

ينهض الشعب فيمشي قدما

لو مشى الدهر اليه ما انثنى

غير راقي النفس والروح فتى

وضع الروح ورقى البدنا

حالة النفس التي تسعدها

وتريها كل صعب هينا

ففقير من غناه طمع

وغني من يرى الفقر غنى(١)

وقوله وعنوانها: رجال الغد:

__________________

١ - الى ولدي للمؤلف طبع النجف ١٣٧٣ ه‍.

٢٠٥

انتم متعتم بالسؤدد

يا شباب اليوم - أشياخ الغد

يا شبابا درسوا فاجتهدوا

لينالوا غاية المجتهد

وعد الله بكم أوطانكم

ولقد آن نجاز الموعد

أنتم جيل جديد خلقوا

لعصور مقبلات جدد

كونوا الوحدة لا تفسخها

نزعات الرأي والمعتقد

أنا بايعت على أن لا أرى

فرقة، هاكم على هذا يدي

عقد العالم شتى فاحصروا

همكم في حل تلك العقد

لتكن آمالكم واضعة

نصب عينيها حياة الابد

لتعش افكاركم مبدعة

دأبها ايجاد ما لم تجد

لا ينال الضيم منكم جانبا

غير ميسور منال الفرقد

أو تخلون - وأنتم سادة

لاعاديكم - مكان السيد

الوفا حفظم أو رعيكم

- بعدعهد الله - عهد البلد

لا تمدوها يدا واهية

ليد مفرغة في الزرد

تشبه الارض التي تحمونها

عبث الاعداء غاب الاسد

دبروا الارواح في أجسادها

فاق داء الروح داء الجسد

ان عقبى العلم من غير هدى

هذه العقبى التي لم تحمد

من أتانا بالهدى من حيث لم

يتأدب حائر لم يهتد

غير مجد - ان جهلتم قدركم

عدد العلم وعلم العدد

واذا لم ترصدوا أحوالكم

لم تفدكم درجات الرصد

واذا لم تستقم أخلاقكم

ذهب العلم ذهاب الزبد

عد عنك الروض لا أرتاد لي

غير أخلاق هي الروض الندي

* * *

بوركت ناشئة ميمونة

نشأت في ظل هذا المعهد

من جنى من علمه فائدة

غير من عاش فلم يستفد

ما يرجى - ليت شعري - والد

أهمل التعليم عند الولد

سيرة الآباء فينا قدوة

كل طفل بأبيه يقتدي

ليس هذا الشعر ما تروونه

ان هذي قطع من كبدي(١)

__________________

١ - الى ولدي للمؤلف طبع بالنجف الاشرف ١٣٧٣ ه‍.

٢٠٦

ومن منظومه الذي جرى مجرى المثل ولا زال الادباء يستشهدون بها قوله:

ما العبقري الفذ الا فكرة

ان مات عاش بها الرميم الهامد

لا بد من نقد الزمان فانما

نحن المعادن، والزمان الناقد

وقوله:

خيرا لك أن أخاف وتأمني

يا نفس، من أن تأمني لتخافي

لي نية في الدهر فيها نية

والحكم للمستقبل الكشاف

وقوله:

الشعر شيء ناطق في ذاته

أو قوة في نفسها تتكلم

ولربما روت الطبيعة شعرها

خرساء لا ثغر هناك ولا فم

وقوله:

قالوا: أتكره نقد الناس قلت لهم

اذا استعار عدوي ثوب منتقد

قالوا: فناظر، وصوت الحق مرتفع

فقلت، هذا قياس غير مطرد

وقوله:

ولربما عرف المحبون التي

تجني الشقاء فأصبحوا عشاقها

شأن الفراشة واللهيب فانها

تغشاه وهو مسبب احراقها

وقوله:

تفاهمتا عيني وعينك لحظة

وأدركتا أن القلوب شواهد

مشت نظرة بيني وبينك وانبرى

من القلب مدلول على القلب رائد

أحاديث لم تلفظ، وللنفس منطق

وجيز، وألفاظ اللسان زوائد

دواوين أهل الحب تفنى وللهوى

هوى الروح، ديوان من الشعر خالد

٢٠٧

وقوله:

أضاع صوابا عامل غير عالم

سيسأل عنه عالم غير عامل

أحب الى الديان من علم عالم

اذا هو لم ينفع به جهل جاهل

وقوله:

لا تملأوا لي أقداحا فقد ملئت

الى الرؤوس سقاة الحي أقداحي

أولى الخمارين بي ما كان منبعثا

عن سورة الشوق لا عن سورة الراح

٢٠٨

الشيخ حسن صادق

المتوفى ١٣٨٦

يا ال بيت محمد أنا عبدكم

قرت بذلك - ان قبلت - عيوني

بل عبد عبدكم وكل مشايع

لكم تولاكم ولاء يقين

اني فطرت على محبتكم وقد

شابت بحمد الله فيه قروني

ما ان ذكرت مصابكم وذكرت

تنعاب الغراب على ربى جيرون

وترنم الطاغي يزيد بقوله

فلقد قضيت من النبي ديوني

الا وجللني الاسى وتقرحت

مني العيون وجن فيه جنوني

أتعاقب الايام تنسيني وقوف عقائل

للوحي بين يدي أخس لعين

حسرى كما شاء العدو قد ارتدت

ثوب المذلة ضافيا والهون(١)

حسن ابن العلامة الكبير الشاعر الشهير الشيخ عبد الحسين الذي تقدمت ترجمته وشعره وهو ابن الشيخ ابراهيم ابن الشيخ صادق.

ولد في النجف الاشرف سنة ١٣٠٦ وتدرج على العلم والادب كسيرة آبائه يتوارثون العلم والفضيلة أبا عن جد، وما ظنك بمن أبوه الشيخ عبد الحسين ذلك الفطحل. اشتهر المترجم له بين أخدانه بالفهم والذكاء وسرعة البديهة وحسن الخلق بهي الصورة جميل الشكل. اتقن مبادئ العلوم وهو في سن مبكرة ودرس الفقه والاصول دراسة وافية وأساتذته امثال شيخ الشريعة الاصفهاني النجفي والسيد كاظم اليزدي وغيرهما، هاجر الى لبنان موطن آبائه وأجداده فرشحته الحكومة اللبنانية للافتاء

__________________

١ - ديوانه المطبوع في بيروت - دار الحياة.

٢٠٩

هناك. وهو في السن أكبر من أخيه العلامة الشيخ محمد تقي واشعر منه لكنه لم يكن أفقه منه كتب عنه الكثير وقالوا: كان قوي النظم سريع البديهة يأتي بالشعر المنسجم والقافية المحبوكة طرق ابواب الشعر فأجاد وحفظ الادباء له من أنواع النظم عدة قصائد من وطنيات ووجدانيات وسياسيات فمن شعره قصيدته التي جاء فيها وقد نظمها سنة ١٣٦٦:

حاضر الامر وماضيه سواء

بالاهازيج وهذا الخيلاء

نجتلي عيد جلاء رائعا

فمتى من صدء القلب جلاء

ويقول فيها:

مهبط الايحاء كم سال على

سفح مغناك دموع ودماء

فيك كم طل دم من مصلح

بكت الارض عليه والسماء

كالاولى بالطف من عمرو العلى

هاشم المجد لها نفسي الفداء

أنجم مطلعها من يثرب

ولها كانت مغيبا كربلاء

جاء في مقدمة ديوانه المطبوع في لبنان والذي أسماه (سفينة الحق) انه درس في النجف عشرين سنة وحضر على الفطاحل من اساتذة الفقه والاصول وعلم الكلام، اما ديوانه فيحتوي على مجموعة كبيرة من الشعر في النبي وآله عليهم الصلاة والسلام، وقصائد مرصوصة في الوطنيات والوجدانيات والتغزل والرثاء ويتضمن جملة من خواطره.

٢١٠

الشيخ محمد رضا فرج الله

المتوفى ١٣٨٦

أقم للحزن يا شيعي مأتم

ودع عنك الهنا هل المحرم

ودخل الدمع من عينيك يهمي

ففاطم دمعها فيه همى دم

الشيخ محمد رضا ابن الشيخ طاهر بن فرج الله بن محمد رضا بن عبد الشيخ ابن محاسن - ينتهي نسبه الى الاحلاف، قبيلة في جنوب العراق، من رجال الفضل والكمال بحاثة ذواقة ولد في النجف يوم عيد الفطر سنة ١٣١٩ ه‍ ونشأ بها في حجر والده درس المبادئ وقرأ العربية والمنطق ومقدمات العلوم ثم درس السطوح على أخيه الشيخ محمد طه والشيخ عبد الحسين الحلي والسيد هادي الميلاني والشيخ كاظم الشيرازي وغيرهم، ثم حضر الخارج في الفقه والاصول على الشيخ احمد كاشف الغطاء والسيد أبي الحسن الاصفهاني والسيد محمد تقي البغدادي والشيخ ضياء العراقي والشيخ عبد الله المامقاني والميرزا فتاح والشيخ محمد رضا آل ياسين له مكتبة نفيسة تجمع النوادر من المخطوطات والمطبوعات له من الآثار (الاعتقاد الصحيح) في أصول الدين و (الغدير في الاسلام) طبع في النجف سنة ١٣٦٢ و (المعلم والتلميذ) و (علي والامامة) ترجم له الخاقاني في شعراء الغري وذكر طائفة من أشعاره في المدح والرثاء والغزل والمراسلات وتفضل ولده الاستاذ حميد فرج الله بمجموعة من قصائده في رثاء الحسينعليه‌السلام وفي الغزل والمراسلات.

٢١١

حسين بستانة

المتوفى ١٣٨٧ ه‍

١٩٦٨ م

« نهضة الحسين »

قد ثار للحق لم تقعد به السبل

ولا ثنت عزمه العسالة الذبل

وطالب الحق لا يرضى به بدلا

ولو تواشج في أشلائه الاسل

كيف السكوت وشرع الله مهتضم

يجور فيه وفي احكامه ثمل

تجلبب الخزي لم يبرح غوايته

لا الدين يمنعه عنها والخجل

خليفة الله هذا ما يدين به

الكاس والطاس والندمان والغزل

نال الخلافة عن مكر وعن دجل

حتى تجسد فيه المكر والدجل

يا بئس ما فعلوا اذ زملوه بها

فاي رجس بثوب المصطفى زملوا

سار الحسين لدين الله ينصره

وليس الا الهدى في الركب والامل

وفتية كليوث الغاب ان عرضت

أولى الطرائد آساد اذا بسلوا

مطهرون شذيات عوارفهم

هي المكارم ان صالوا وان وصلوا

لا ينجلي النقع الا عن نواظرهم

كأنها في ميادين الوغى شعل

٢١٢

تجري بهم سابحات شزب عرب

تجري الرياح بمجراها اذا حملوا

توري الصفاة متى اصطكت سنابكها

كما تقادح من ربد الدجى مقل

طوع القياد نجيبات معودة

ان لا تحيد اذا ما هابها البطل

يرتاع خصمهم اما انتحوه بها

حتى يبين على أنفاسه الوجل

يخيم كل شجاع عند نخوتهم

كما يخيم لصوت الاجدل الحجل

الصائلون كما صالت أوائلهم

والفاعلون على اسم الله ما فعلوا

والموردون العوالي كل فاهقة

كيما تعل صواديها وتنتهل

والشاهرون غداة الروع مرهفة

عضبا يسيل على شفرائها الاجل

لا يعرف البأس الا في وجوههم

ولا الشجاعة الا حيثما نزلوا

هم الفوارس ما ذلت رقابهم

لله ما أرخصوا منها وما بذلوا

صالوا وقد حال دون القصد حينهم

ما كان أغلبهم لو أنهم مهلوا

عز النصير لهم والبغي محتدم

ضار تساور في أنيابه الغيل

تعاورتهم ذئاب لا ذمام لها

يقودها الافك والتدليس والحيل

فمزقوا الادم الزاكي بلا ترة

وروعوا كبد الزهرا وما حفلوا

ها هم بنوها على الرمضا مقبلهم

هذا ذبيح وهذا في الثرى رمل

وذا يمج على الغبراء مهجته

وساجد القوم تبري جسمه العلل

حتى الرضيع الذي جفت حشاشته

قد أنهلوه بما راشوا وما نبلوا

لم يبق منهم سوى حوراء نادبة

حرى الفؤاد بجمر الحزن تأتكل

تصيح بين صبيات مروعة

« بالامس كانوا معي واليوم قد رحلوا »

يا لهف نفسي لهم اذ ريع سربهم

وهتكت عن بنات المصطفى الحلل

أقول والحزن جياش بجانحتي

نفسي الفداء لمن بالطف قد قتلوا

واليكم القصيدة التي ألقاها الاستاذ حسين بستانة معاون مدير التسوية في لواء الديوانية وأولها:

وتر النبي وروع الاسلام

وابيح بيت الله وهو حرام

٢١٣

الاستاذ حسين بن علي بن حسين الكروي المعروفين بآل بستانة من عشيرة الكروية من قبائل قيس عيلان من فخذ المصاليخ، ولد في بغداد سنة ١٣٢٥ ه‍ والموافق ١٩٠٧ درس القرآن الكريم في الكتاب وفي سنة ١٩١٨ حيث فتحت المدارس قبل في الصف الثالث، وعند اكماله الصف الرابع دخل كلية الامام الاعظم، فبلغ فيها السنة الدراسية الرابعة، وانقطع الى الدراسات الخاصة والبلاغة والمنطق والرياضيات وعلوم الطبيعة والاحياء، وفي سنة ١٩٢٥ التحق بجامعة آل البيت، ونجح مطردا بامتياز في سنيها الثلاث فعين مدرسا، وبعد سنتين انتدب في بعثة الى دار العلوم العليا بمصر للتخصص باللغة العربية والتربية، وعند عودته عين مدرسا ثم مديرا ونقل بعدها الى وظائف متعددة. لقد ولع بجيد الكلام منثورة ومنظومة وحفظ في كليهما ما وعى وأثرى فروى، وكانت أول قصيدة ألقاها في القنصلية العراقية بمصر سنة ١٩٣١ يستعدي فيها الوفد المصري على معاهدة نوري السعيد والتي أبرمت عام ١٩٣٢ وله من المؤلفات كتاب (المنتخبات الادبية). انتهى عن اعلام العراق الحديث.

٢١٤

الشيخ علي البازي

المتوفى ١٣٨٧

الحق في كربلا والباطل اصطدما

كل يحاول أن يحظى بما رسما

يا غربة الحق اما عز ناصره

على مناوئه ان جار أو ظلما

ولا محام به تسمو حفيظته

يحمي حماه ويوليه يدا وفما

بمن وفيمن تراه يستغيث سوى

الصيد الاباة فهم للخائفين حمى

هم أظهروه على الطغيان حين طغى

وركزوا باسمه فوق السهى علما

هم الغياث اذا ما أزمة أزمت

أو عم جدب وبحر النائبات طمى

وجاهدوا دونه بالطف حين رأوا

وجودهم بعده بين الملا عدما

نفسى الفداء لمن ضحى باسرته

والصحب دون الهدى في قادة كرما

لله فردا أعز الدين صارمه

وقد أذل طغاة تعبد الصنما

وأحدقوا فيه والطفل الرضيع قضى

في حجره مذ له سهم العدى فطما

وفوجئ العالم العلوي في جلل

ابكى السماوات والاملاك والقلما

ويوم نادى حسين وهو منجدل

هيا اقصدوني بنفسي واتركوا الحرما

أبكى السماء دما لما قضى عطشا

لما قضى عطشا أبكى السماء دما

والفاطميات فرت من مخيمها

في يوم صاح ابن سعد احرقوا الخيما

الشيخ علي البازي ابن حسين بن جاسم اشتهر بالبازي اذ هو لقب لجده الاعلى، اديب لو ذعي وشاعر شهير ومؤرخ كبير امتاز بنظم التاريخ الابجدي، ولد المترجم له في النجف في شهر شوال سنة ١٣٠٥ ه‍ وتدرج على الكتابة والقراءة في الكتاتيب ودرس

٢١٥

النحو والصرف وقسما من علم المنطق وتتلمذ على مجاس آل القزويني في قضاء الهندية يوم كانت هذه الاندية تغني عن مدرسة وتدرج على الخطابة الحسينية واشتهر بها.

والبازي شخصية وطنية واكبت الحكم الوطني والثورة العراقية من بدايتها فقد رصد احداثها وأرخها بالشعر الفصيح، وكان حديثه ملذا لا تفوته النكتة والظرافة ويكاد جليسه ينسى نفسه لخفة روح الشيخ البازي وعذوبة حديثه وشارك في الحلبات الادبية وساجل الادباء والشعراء فكان له القدح المعلى، وقد قضى شطرا من عمره يسكن (الكوفة) وكان لسانها المدافع عن حقوقها في كل المواقف وممثلها في أكثر المناسبات، أحبه كل من عرفه وامتزج بمختلف الطبقات ومن أشهر مخلفاته ديوان شعره، ادب التاريخ هو وثيقة تاريخية تشير الى أكثر الحوادث العراقية وقد نشر الكثير منه في مجلة (البيان) النجفية كما انه يجيد النظم باللغة الدارجة فقد نشر جزئين في رثاء اهل البيتعليهم‌السلام من منظومة تحت عنوان (وسيلة الدارين) ومن أشهر شعره الفصيح ملحمته ملحمة الثورة العراقية الكبرى فقد استعرض مبادئ الثورة وأسرارها وذكر ابطالها ورجالها والمواقع التي التحم فيها القتال وبسالة الفرات الاوسط ومواقفه المدهشة، وأولها:

قف بالرميثة واسأل ما جرى فيها

غداة ثارت بشوال ضواريها

٢١٦

ضياء الدخيلي

المتوفى ١٣٨٧

موكب سار في نحور البيد

يطبع العز أحرفا للخلود

في جلال يضم هول المنايا

بجناح يصيح بالارض ميدي

تنهل الترب في خطاه حياة

واكتسى الميت منه ايراق عود

تتوارى عن وجهه حجب الليل

ويمحى من فجره بعمود

فهو صبح الازمان قد فاض في

الوديان حتى طغى الهدى للنجود

موجة للرشاد سارت عليها

هالة من قداسة التوحيد

بامام فيه الهدى لنفوس

حائرات يبتن في تنكيد

هد صرح الضلال اذ اعوز

الصحب بعزم كفاه خفق البنود

قد اراد الطاغي ليلبسه الذل

وهيهات رضخه للقيود

كسر الغل ثائرا يملأ الكون

دويا وكان بطش الاسود

ها هنا أغضبت نفوس كرام

فتداعت لهدم حكم يزيد

زلزلته وخططت بدماها

صور الاحتجاج فوق الحديد

رددته الاجيال درسا بليغا

مذكيا كل ثورة بوقود

يا امام الاباة يا مثلا أعلى

جثت عنده منى مستزيد

ان يمت في القديم سقراط

اصرارا على مبدء وحفظ عهود

فلقد مت ميتة هزت الدهر

وجاوزته صلابة عود

نهشتك الخطوب ضارية

الفتك فصدت بعزة الجلمود

لم يزلزل خطاك هول ضحاياك

وسوق العدى سيول الجنود

بأبي عاريا كسته المواضي

من دما نحره بأزكى برود

كيف يرضى ابن فخر يعرب أن يضحى

ذليلا يساق سوق العبيد

يالرهط هانت عليه المنايا

ساخرا من ضرامها الموقود

٢١٧

زحفوا في الوغى ليوثا وماتوا

في جهاد العدو ميتة صيد

ثبتوا كالجبال ذودا عن الحق

لجيش قد سد وجه البيد

يا ابن حامي الديار خلدت للاجيال

درسا في يومك المشهود

ضياء الدين ابن الشيخ حسن آل الشيخ دخيل الحجامي، أديب شاعر، ولد في النجف الاشرف عام ١٣٣٠ ه‍ من أبوين عربيين، ونشأ على أبيه الذي عني بتربيته فولع بدراسة مقدمات العلوم فأتقنها وحصل على مقدمات من الفقه والاصول وشاءت رغبته أن ينتقل الى الدراسة الحديثة فأنهى الدراسة الابتدائية والاعدادية والتحق بكلية الطب ببغداد واستمر لمدة اربع سنوات كان مثال الطالب المجد غير أن الصدف الملعونة دفعته الى مصادمة عميد الكلية مما أوجب فصله وحرمانه من الاستمرار وذهبت اتعابه سدى حين عاكسته الحياة وطوحت به وولدت في نفسه عقدة قوية وتبخرت آماله الطويلة العريضة. وقد كنت اذكره ينافس الادباء والشعراء ويقف خطيبا في كثير من حفلات الادب وقد نشر الكثير من شعره في الصحف والمجلات. ترجم له الباحث علي الخاقاني في (شعراء الغري) وذكر له روائع من أحاسيسه ومنها قصيدته التي أولها:

اليوم نمنح ذي البلاد جلالا

ونحطم الاصفاد والاغلالا

سنعيد دور الفاتحين ونمتطي

من ذروة المجد الاعز منالا

كتبت على وجه الزمان فعالنا

بدم لترشد بعدنا الاجيالا

ودع الحياة في سن السابعة والثمانين بعد الثلثمائة والالف من الهجرة.

٢١٨

الشيخ حسين القديحي

المتوفى ١٣٨٧

اي خطب عرى البتول وطاها

ونحى أعين الهدى فعماها

اي خطب أبكى النبيين جمعا

وله الاوصياء عز عزاها

لست أنساه في ثرى الطف أضحى

في رجال الهها زكاها

نزلوا منزلا على الماء لكن

لم يبلوا من الضرام شفاها

وقفوا وقفة لو أن الرواسي

وقفتها لزال منها ذراها

بأبي مالكي نفوس الاعادي

صرعتها العداة في بوغاها

وبنفسي ربائب الخدر أضحت

للعدى مغنما عقيب حماها

بعدما كن في الخدور بصون

سلبت لكن العفاف غطاها

لهف نفسي لها على النيب حسرى

لم تجد في السباء من يرعاها

ومن شعره ما أورده في مؤلفه (رياض المدح والرثاء):

يا ابن الوصي المرتضى

لم لا حسامك ينتضى

طال انتظارك سيدي

نهضا فقد ضاق الفضا

حاشاك - لست أقول عن

ثارات جدك معرضا

يا حجة الله الذي

في طوعه أمر القضا

ماذا التصبر والحسين

بكربلا ظام قضى

قد ظل عار بالعرى

والجسم منه رضضا

والراس منه بالقنا

كالبدر لما ان أضا

٢١٩

الشيخ حسين البلادي البحراني

هو ابن الشيخ علي البلادي مؤلف كتاب (انوار البدرين في تراجم علماء الاحساء والقطيف والبحرين) ابن الشيخ حسن آل سليمان البلادي.

ولد في النجف الاشرف ١٨ شهر شعبان سنة ١٣٠٢ وأرخ مولده الشيخ فرج ابن ملا حسين آل عمران القطيفي بأبيات، كانت التاريخ قوله:

وأشرق الزمان اذ

ارخت: نجم قد ظهر

كتب ولده العلامة الشيخ علي ابن الشيخ حسين المترجم له ترجمة والده في مقدمة كتاب (منية الاديب وبغية الاريب) المطبوع بالنجف بمطبعة النعمان سنة ١٣٨٢ ه‍ وذكر جملة من أشعاره في أهل البيتعليهم‌السلام وقال: له منظومة في (الامامة) وأخرى في الاصول الخمسة لم تتم ومنظومة في آداب الاكل والشرب. وقال: ان والديرحمه‌الله قد غلب عليه الزهد والخشوع والخضوع لله والاعراض عن الدنيا، ختم القرآن الشريف مع تعلم الكتابة في أربعة أشهر، درس النحو على العلامة الشيخ محمد ابن الحاج ناصر آل نمر ودرس على والده الفقه والاصول. ومن مؤلفات الشيخ حسين كتابه الذي تقتنيه الخطباء المسمى ب‍ المجالس العاشورية. طبع بمطبع النعمان في النجف. كتب وألف فمن مؤلفاته كنز الدرر ومجمع الغرر وقد قرظه بالشعر جناب السيد رضا الهندي الذي أخذ عن الشيخ اجازة الرواية، كما قرظه ايضا الخطيب الشيخ حسن سبتي، والخطيب السيد محمد آل شديد ومن مؤلفاته كتاب (نزهة الناظر) يشبه الكشكول و (كتاب سعادة الدارين في أحوال مولانا الحسين) وغيرها في الادعية والزيارات، وله رياض المدح والرثاء، وقال في (منية الاديب) وقلت هذه الابيات لاعلقها في ضريح الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام :

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320