أدب الطف الجزء ١٠

أدب الطف18%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 320

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127225 / تحميل: 10618
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

المبحث الخامس

كيف نؤمن بأنّ المهديّ قد وُجد؟

١٠١

١٠٢

ونصل الآن إلى السؤال الرابع وهو يقول:

هب أنّ فرضيّة القائد المنتظر ممكنة بكلّ ما تستبطنه من عمر طويل، وإمامة مبكّرة، وغيبة صامتة، فإنّ الإمكان لا يكفي للاقتناع بوجوده فعلاً.

فكيف نؤمن فعلاً بوجود المهديّ؟ وهل تكفي بضع روايات تُنقل في بطون الكتب عن الرسول الأعظم (ص)، للاقتناع الكامل بالإمام الثاني عشر، على الرغم ممّا في هذا الافتراض من غرابة وخروج عن المألوف؟ بل كيف يمكن أن نثبت أنّ للمهدي (ع) وجوداً تاريخياً حقّاً، وليس مجرد افتراض توفّرت ظروف نفسية لتثبيته في نفوس عدد كبير من الناس؟ (1)

والجواب: إنّ فكرة المهديّ بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الأفضل، قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم عموماً، وفي روايات أئمّة أهل البيت

____________________

(1) هذه التساؤلات يطرحها السيد الشهيد (ص) بصفتها من الإشكالات التي أثيرت وتُثار عادةً حول المهديّ (ع)، وهي أقصى ما يُثار في هذا الصدد، حتى أنّ بعض الكتّاب المعاصرين قد أثاروها أخيراً مدفوعين بدوافع غير علمية، مصحوبة تلك الإثارة بضجيج مكثّف، ومحاولات بائسة من الوهابية لترويجها وتبنّيها، ولا تخفى الدوافع بعد ذلك على أحد. وقد أجاب الإمام الشهيد بجواب علمي لمَن يريد الحقيقة. راجع ما كتبناه في المقدمة أيضاً.

(2) يلاحظ كتاب (المهديّ) للسيد (العم) الصدر قدّس الله روحه الزكية. (الشهيد الصدر).

راجع: ما أثبته الشيخ العبّاد في مجلد الجامعة الإسلامية / العدد 3 سنة 1969.

وراجع: المهديّ الموعود المنتظر / الشيخ نجم الدين العسكري.

١٠٣

خصوصاً، وأُكّدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى إليها الشكّ، وقد أُحصي أربعمِئة حديث عن النبيّ (ص) من طرق إخواننا أهل السنّة (1) ، كما أُحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهديّ من طرق الشيعة والسنّة، فكان أكثر من ستة آلاف رواية (2) ، وهذا رقم إحصائي كبير لا يتوفّر نظيره في كثير من قضايا الإسلام البديهية، التي لا يشكّ فيها مسلم عادة.

وأمّا تجسيد هذه الفكرة في الإمام الثاني عشر (عليه الصلاة والسلام)، فهذا ما توجد مبرّرات كافية وواضحة للاقتناع به.

ويمكن تلخيص هذه المبرّرات في دليلين:

أحدهما إسلامي

والآخر علمي

فبالدليل الإسلامي نثبت وجود القائد المنتظر.

وبالدليل العلمي نبرهن على أنّ المهديّ ليس مجرّد أُسطورة وافتراض، بل هو حقيقة ثبت وجودها بالتجربة التاريخية.

أمّا الدليل الإسلامي:

فيتمثّل في مئات الروايات الواردة عن رسول الله (ص) (3) والأئمّة من أهل

____________________

(1) يلاحظ كتاب (المهديّ) للسيد (العم) الصدر قدّس الله روحه الزكية. (الشهيد الصدر).

راجع: ما أثبته الشيخ العبّاد في مجلة الجامعة الإسلامية / العدد 3 سنة 1969.

وراجع: المهديّ الموعود المنتظر / الشيخ نجم الدين العسكري.

(2) يلاحظ كتاب منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر، للشيخ لطف الله الصافي. (الشهيد الصدر).

(3) راجع: معجم أحاديث الإمام المهديّ / مؤسّسة المعارف الإسلاميّة / الجزء الأَوّل - أحاديث النبيّ.

١٠٤

البيت (ع)، والتي تدلُّ على تعيين المهديّ (ع)، وكونه من أهل البيت (1) :

ومن وُلد فاطمة (2)

ومن ذرية الحسين (3)

وأنّه التاسع من وُلد الحسين (4)

____________________

(1) أخرج أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجة ونعيم بن حمّاد في الفتن، عن علي (ع) قال: (قال رسول الله (ص): (المهديّ منّا أهل البيت يُصلحه الله في ليلة) .

راجع: الحاوي للفتاوي / السيوطي 2: 213 و 215 وفيه، أيضاً: أخرج أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود، عن عليّ، عن النبيّ (ص) قال: (لو لم يبقَ من الدهر إلاّ يومٌ، لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً)، و راجع: صحيح سنن المصطفى 2: 207، وسنن ابن ماجة 2: 1367 / 4085.

وراجع: معجم أحاديث المهديّ 1: 147 وما بعدها، إذ ينقل أحاديث كثيرة عن الصحاح والمسانيد في هذا المعنى. موسوعة الإمام المهديّ / ترتيب مهدي فقيه إيماني، الجزء الأَوّل، وفيها نسخة مصوّرة عن محاضرة الشيخ العبّاد حول ما جاء من الأحاديث والآثار في المهديّ (ع).

(2) الحاوي للفتاوي / السيوطي جلال الدين 2: 214، قال: وأخرج أبو داود وابن ماجة والطبراني والحاكم عن أمّ سلمة قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: (المهديّ من عترتي من وُلد فاطمة) . راجع صحيح سُنن المصطفى لأبي داود 2: 208.

(3) حديث المهديّ من ذرية الحسين (ع)، كما في المصادر الآتية على ما نقل في معجم أحاديث المهديّ وهي: الأربعون حديثاً لأبي نعيم الأصفهاني كما في عقد الدرر للمقدسي الشافعي، وأخرجه الطبراني في الأوسط على ما في المنار المنيف لابن القيّم، وفي السيرة الحلبية 1: 193، وفي القول المختصر لابن حجر. راجع منتخب الأثر للشيخ لطف الله الصافي في ما نقله من كتب الشيعة، وراجع توهين الرواية التي تقول بأنّه من وُلد الإمام الحسن (ع)، كتاب السيد العميدي (دفاع عن الكافي 1: 296).

(4) راجع الرواية التي تنص على أنّه التاسع من وُلد الحسين (ع) في: ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي: ص 492، وفي مقتل الإمام الحسين للخوارزمي 1: 196، وفي فرائد السمطين للجويني الشافعي 2: 310 - 315 الأحاديث من 561 - 569، وراجع منتخب الأثر للعلاّمة الشيخ الصافي إذ خرّجها من طرق الفريقين (دفاع عن الكافي 1: 294).

١٠٥

وأنّ الخلفاء اثنا عشر (1) :

فإنّ هذه الروايات تحدّد تلك الفكرة العامة، وتشخّصها في الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت، وهي روايات بلغت درجة كبيرة من الكثرة والانتشار، على الرغم من تحفّظ الأئمّة (ع) واحتياطهم في طرح ذلك على المستوى العام؛ وقايةً للخلف الصالح من الاغتيال أو الإجهاز السريع على حياته (2) .

وليست الكثرة العددية للروايات هي الأساس الوحيد لقبولها، بل هناك إضافةً إلى ذلك مزايا وقرائن تبرهن على صحّتها، فالحديث النبوي الشريف عن الأئمّة أو الخلفاء أو الأمراء بعده، وأنّهم اثنا عشر إماماً أو خليفةً أو أميراً - على اختلاف متن الحديث في طرقه المختلفة - قد أحصى بعض المؤلّفين رواياته فبلغت أكثر من مئتين وسبعين روايةً (3) مأخوذة من أشهر كتب الحديث عند الشيعة والسنّة، بما في ذلك البخاري (4) ومسلم (5) والترمذي (6) وأبي داود (7)

____________________

(1) حديث (الخلفاء بعدي اثنا عشر كلهم من قريش) أو (لا يزال هذا الدين قائماً ما وليه اثنا عشر، كلهم من قريش) .

هذا الحديث متواتر، روته الصحاح والمسانيد بطرق متعدّدة وإن اختلف في متنه قليلاً.

نعم، اختلفوا في تأويله واضطربوا. راجع: صحيح البخاري 9: 101 كتاب الأحكام / باب الاستخلاف. وصحيح مسلم 2: 119 كتاب الإمارة. مسند أحمد 5: 90، 93، 97.

(2) راجع الغيبة الكبرى / السيد محمد الصدر: ص 272 وما بعدها.

(3) راجع التاج الجامع للأصول 3: 40، قال: رواه الشيخان والترمذي، وراجع في تحقيق الحديث وطرقه وأسانيده كتاب الإمام المهديّ (ع) / عليّ محمد عليّ دخيل.

(4) صحيح البخاري / المجلد الثالث / 9: 101، كتاب الأحكام / باب الاستخلاف. طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت.

(5) و (6) و (7) راجع: التاج الجامع للأصول 3: 40، قال تعقيباً على الحديث: رواه الشيخان والترمذي، وفي الهامش قال: رواه أبو داود في كتاب المهدي بلفظ: (لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفةً...) ، وراجع سنن أبي داود 2: 207.

١٠٦

ومسند أحمد (1) ومستدرك الحاكم على الصحيحين (2) ، ويلاحظ هنا أنّ البخاري الذي نقل هذا الحديث كان معاصراً للإمام الجواد والإمامين الهادي والعسكريّ، وفي ذلك مغزىً كبير ; لأنّه يبرهن على أنّ هذا الحديث قد سُجّل عن النبيّ (ص)، قبل أن يتحقّق مضمونه، وتكتمل فكرة الأئمّة الاثني عشر فعلاً، وهذا يعني أنّه لا يوجد أي مجال للشك في أن يكون نقل الحديث، متأثراً بالواقع الإمامي الاثني عشري وانعكاساً له ; لأنّ الأحاديث المزيّفة التي تُنسب إلى النبيّ (ص) - وهي انعكاسات أو تبريرات لواقع متأخر زمنياً - لا تسبق في ظهورها وتسجيلها في كتب الحديث ذلك الواقع الذي تشكّل انعكاساً له، فما دمنا قد ملكنا الدليل المادي، على أنّ الحديث المذكور سبق التسلسل التاريخي للأئمّة الاثني عشر، وضُبط في كتب الحديث قبل تكامل الواقع الإمامي الاثني عشري، أمكننا أن نتأكد من أنّ هذا الحديث ليس انعكاساً لواقع، وإنّما هو تعبير عن حقيقة ربانية، نطق بها مَن لا ينطق عن هوى (3) ، فقال: (إنّ الخلفاء بعدي اثنا عشر) (4) ، وجاء الواقع الإمامي الاثني عشري ابتداءً من الإمام عليّ وانتهاءً بالمهديّ ; ليكون التطبيق الوحيد المعقول (5) لذلك الحديث النبوي الشريف.

____________________

(1) مسند الإمام أحمد 5: 93، 100.

(2) المستدرك على الصحيحين 3: 618.

(3) إشارة إلى قوله تعالى: ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) النجم: 3 - 4.

(4) تقدّم تخريج الحديث.

(5) اضطرب العلماء في تأويله بعد إطباقهم على صحته، وما أوردوه من مصاديق لا يمكن قبولها، بل أنّ بعضها غير معقول تماماً، كإدخالهم يزيد بن معاوية المجاهر بالفسق، المحكوم بالمروق والكفر، أو مَن هو على شاكلته. راجع ما نقله السيد ثامر العميدي من أقوالهم، وقد ناقش هذه القضية مناقشةً وافيةً وعلمية، وأبطل تأويلاتهم بما لا مزيد عليه في دفاع عن الكافي 1: 540 وما بعدها.

١٠٧

وأمّا الدليل العلميّ:

فهو يتكوّن من تجربة عاشتها أمّة من الناس فترة امتدّت سبعين سنة تقريباً، وهي فترة الغيبة الصغرى.

ولتوضيح ذلك نمهّد بإعطاء فكرة موجزة عن الغيبة الصغرى (1) .

إنّ الغيبة الصغرى تعبّر عن المرحلة الأُولى من إمامة القائد المنتظر (عليه الصلاة والسلام)، فقد قُدّر لهذا الإمام منذ تسلّمه للإمامة أن يستتر عن المسرح العام، ويظلُّ بعيداً باسمه عن الأحداث، وإن كان قريباً منها بقلبه وعقله، وقد لوحظ أنّ هذه الغيبة إذا جاءت مفاجئةً حقّقت صدمةً كبيرة، للقواعد الشعبية للإمامة في الأمّة الإسلامية ; لأنّ هذه القواعد كانت معتادةً على الاتّصال بالإمام في كلّ عصر، والتفاعل معه والرجوع إليه في حلّ المشاكل المتنوّعة، فإذا غاب الإمام عن شيعته فجأةً، وشعروا بالانقطاع عن قيادتهم الروحية والفكرية، سبّبت هذه الغيبة (2) المفاجئة - الإحساس بفراغ دفعي هائل قد يعصف بالكيان كلّه ويشتّت شمله - فكان لابدّ من تمهيد لهذه الغيبة ; لكي تألفها هذه القواعد بالتدريج، وتكيّف نفسها شيئاً فشيئاً على أساسها، وكان هذا التمهيد هو الغيبة الصغرى، التي اختفى فيها الإمام المهديّ عن المسرح العام، غير أنّه كان دائم الصلة بقواعده وشيعته عن طريق وكلائه ونوّابه، والثقات من أصحابه، الذين يشكّلون همزة الوصل بينه وبين الناس المؤمنين بخطه الإمامي (3) .

وقد شَغل مركز النيابة عن الإمام في هذه الفترة أربعة،

____________________

(1) راجع: الغيبة الصغرى / السيد محمد الصدر، فقد توسّع في بحثها.

(2) إشارة إلى الغيبة الكبرى.

(3) راجع: تبصرة الولي فيمَن رأى القائم المهديّ / السيد هاشم البحراني. ودفاع عن الكافي / السيد ثامر العميدي 1: 568 وما بعدها.

١٠٨

ممّن أجمعت تلك القواعد على تقواهم وورعهم ونزاهتهم التي عاشوا ضمنها.

وهم كما يلي:

1 - عثمان بن سعيد العمريّ.

2 - محمد بن عثمان بن سعيد العمريّ.

3 - أبو القاسم الحسين بن روح.

4 - أبو الحسن عليّ بن محمد السمريّ.

وقد مارس هؤلاء الأربعة (1) مهامّ النيابة بالترتيب المذكور، وكلما مات أحدهم خلفه الآخر الذي يليه بتعيين من الإمام المهديّ (ع).

وكان النائب يتصل بالشيعة ويحمل أسئلتهم إلى الإمام، ويعرض مشاكلهم عليه، ويحمل إليهم أجوبته شفهيةً أحياناً وتحريريّة (2) في كثير من الأحيان، وقد وجدت الجماهير التي فقدت رؤية إمامها، العزاء والسلوة في هذه المراسلات والاتّصالات غير المباشرة، ولاحظت أنّ كلّ التوقعيات والرسائل، كانت ترد من الإمام المهديّ (ع) بخطّ واحد وسليقة واحدة (3) ، طيلة نيابة النوّاب الأربعة التي استمرت حوالي سبعين عاماً، وكان السمّريّ هو آخر النوّاب، فقد أعلن عن انتهاء مرحلة الغيبة الصغرى التي تتميز بنوّاب معيّنين، وابتداء الغيبة الكبرى، التي لا يوجد فيها أشخاص معيّنون بالذات للوساطة بين الإمام القائد والشيعة، وقد عبّر التحوّل من الغيبة الصغرى إلى الغيبة الكبرى عن تحقيق

____________________

(1) راجع ترجمة هؤلاء الأربعة في كتاب الغيبة الصغرى للسيد محمد الصدر، الفصل الثالث: ص 395 وما بعدها، نشر دار التعارف للمطبوعات / بيروت 1980.

(2) وهذه تُعرف بالتوقيعات، وهي الأجوبة التحريريّة والشفويّة التي نُقلت عن الإمام المهديّ (ع). راجع: الاحتجاج / الطبرسي 2: 523 وما بعدها.

(3) ممّا استقر في الأوساط الأدبية، وعند نقّاد الأدب قديماً وحديثاً، أنّ الأسلوب هو الرجل، وهذه المقولة صحيحة. ومن هنا رأينا وسمعنا أنّ كثيراً من الأدباء وقارئي الأدب، يميّزون بمجرّد قراءة النصّ شعريّاً كان أم نثريّاً أنّه لفلان، وما ذلك إلاّ لأنّ الأسلوب هو الرجل، وأنّ لكلّ كاتب سمةً وطابعاً خاصّاً في كتابته يمكن تمييزه من غيره، هذا فضلاً على تميّز خطّه الشريف من غيره من الخطوط.

١٠٩

مرحلة الغيبة الصغرى التي تتميز بنوّاب معيّنين، وابتداء الغيبة الكبرى، التي لا يوجد فيها أشخاص معيّنون بالذات للوساطة بين الإمام القائد والشيعة، وقد عبّر التحوّل من الغيبة الصغرى إلى الغيبة الكبرى، عن تحقيق الغيبة الصغرى لأهدافها وانتهاء مهمتها ; لأنّها حصّنت الشيعة بهذه العملية التدريجية، عن الصدمة والشعور بالفراغ الهائل بسبب غيبة الإمام، واستطاعت أن تكيّف وضع الشيعة على أساس الغيبة، وتعدّهم بالتدريج لتقبّل فكرة النيابة العامة عن الإمام، وبهذا تحوّلت النيابة من أفراد منصوصين (1) إلى خطّ عام (2) ، وهو خط المجتهد العادل البصير بأمور الدنيا والدين، تبعاً لتحوّل الغيبة الصغرى إلى غيبة كبرى.

والآن بإمكانك أن تقدّر الموقف في ضوء ما تقدّم؛ لكي تدرك بوضوح أنّ المهديّ حقيقة عاشتها أمّة من الناس، وعبّر عنها السفراء والنوّاب طيلة سبعين عاماً من خلال تعاملهم من الآخرين، ولم يلحظ عليهم أحدٌ كلّ هذه المدة تلاعباً في الكلام، أو تحايلاً في التصرف، أو تهافتاً في النقل.

فهل تتصور - بربّك - أنّ بإمكان أكذوبة أن تعيش سبعين عاماً، ويمارسها أربعة على سبيل الترتيب كلهم يتّفقون عليها، ويظلّون يتعاملون على أساسها، وكأنّها قضية يعيشونها بأنفسهم ويرونها بأعينهم، دون أن يبدر منهم أي شيء يثير الشكّ، ودون أن يكون بين الأربعة علاقة خاصة متميّزة تتيح لهم نحواً من التواطؤ، ويكسبون من خلال ما يتّصف به سلوكهم من واقعية ثقة الجميع، وإيمانهم بواقعية القضية التي يدّعون أنّهم يحسّونها ويعيشون معها؟!

لقد قيل قديماً: إنّ حبل الكذب قصير، ومنطق الحياة يثبت أيضاً، أنّ من

____________________

(1) إشارة إلى النوّاب الأربعة المذكورين.

(2) وهو ما اصطلح عليه (بالمرجعيّة الدينيّة)، ويلاحظ هنا الصفات التي يرى الإمام الشهيد لزوم توفّرها في المرجعيّة.

١١٠

المستحيل عمليّاً بحساب الاحتمالات، أن تعيش أكذوبة بهذا الشكل، وكلّ هذه المدّة، وضمن كلّ تلك العلاقات والأخذ والعطاء، ثمّ تكسب ثقة جميع مَن حولها.

وهكذا نعرف أنّ ظاهرة الغيبة الصغرى، يمكن أن تعتبر بمثابة تجربة علمية لإثبات ما لها من واقع موضوعيّ، والتسليم بالإمام القائد بولادته (1) وحياته وغيبته، وإعلانه العام عن الغيبة الكبرى التي استتر بموجبها عن المسرح، ولم يكشف نفسه لأحد (2) .

____________________

(1) إنّ اتّصال الإمام القائد المهديّ بقواعده الشيعيّة عن طريق نوّابه ووكلائه، أو بأساليب أخرى متنوّعة واقع تاريخي موضوعي، ليس من سبيل إلى إنكاره، كما في السفارة، فضلاً عن الدلائل الأخرى الكثيرة المستندة إلى إخبار مَن يجب تصديقه، ثمّ هو مقتضى الأحاديث المتواترة، كحديث: (مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية)، وغير ذلك. إنّ كلّ ذلك مجموعاً - وهو محل اتّفاق أكثر طوائف الملّة الإسلامية - يدحض وبشكل قاطع ما يثيره المتشكّكون، حول وجود الإمام، واستمرار حياته المباركة الشريفة، راجع: الغيبة الصغرى / السيد محمد الصدر: ص 566. وراجع ما أثبتناه في المقدمة: ص 15 وما بعدها.

(2) ورد التوقيع الشريف عن الإمام القائد المهديّ (ع)، بعدم إمكان رؤيته بشكل صريح بعد وقوع الغيبة الكبرى، وهذا محل اتّفاق علماء الإمامية. وراجع مناقشة المسألة في: الغيبة الصغرى / السيد محمد الصدر: ص 639 وما بعدها.

١١١

١١٢

المبحث السادس

لماذا لم يظهر القائد إذن؟

١١٣

١١٤

لماذا لم يظهر القائد إذن طيلة هذه المدة؟

وإذا كان قد أعدّ نفسه للعمل الاجتماعي، فما الذي منعه عن الظهور على المسرح في فترة الغيبة الصغرى، أو في أعقابها بدلاً عن تحويلها إلى غيبة كبرى، حيث كانت ظروف العمل الاجتماعي والتغييري وقتئذ أبسط وأيسر، وكانت صلته الفعلية بالناس من خلال تنظيمات الغيبة الصغرى، تتيح له أن يجمع صفوفه ويبدأ عمله بداية قويّة، ولم تكن القوى الحاكمة من حوله، قد بلغت الدرجة الهائلة من القدرة والقوة التي بلغتها الإنسانية بعد ذلك، من خلال التطوّر العلمي والصناعي؟

والجواب:

أنّ كلّ عملية تغيير اجتماعي يرتبط نجاحها بشروط وظروف موضوعية، لا يتأتّى لها أن تحقّق هدفها إلاّ عندما تتوفر تلك الشروط والظروف.

وتتميّز عمليات التغيير الاجتماعي التي تفجّرها السماء على الأرض، بأنّها لا ترتبط في جانبها الرسالي بالظروف الموضوعية (1) ; لأنّ الرسالة التي تعتمدها

____________________

(1) على الرغم من الأهمية التي يعطيها الشهيد الصدر (ره) هنا للظروف الموضوعية ; ودور نضوجها أو إنضاجها في نجاح الثورات - وهذا فهم عميق لأثر العالم الاجتماعي والنفسيّ - إلاّ أنّ الشهيد الصدر (ره) يعرض نظريةً جديدة في فهم عملية التغيير الاجتماعي، الذي تحدثه السماء من خلال الرسالات السماوية، فهي في جانبها الرسالي ترتبط بقانونها الخاص، ولكن في جانبها التنفيذي تعتمد الظروف الموضوعية، وترتبط بها توقيتاً ونجاحاً، وأعني بالظروف الموضوعية: الحالة السياسية، والحالة الاجتماعية للأمّة، والواقع الدولي المعاصر، ومدى قدرة الأمّة في إمكاناتها الذاتية واستعدادها النفسي.

١١٥

عملية التغيير هنا ربّانيّة، ومن صنع السماء لا من صنع الظروف الموضوعية، ولكنّها في جانبها التنفيذي تعتمد الظروف الموضوعية، ويرتبط نجاحها وتوقيتها بتلك الظروف؛ ومن أجل ذلك انتظرت السماء مرور خمسة قرون من الجاهلية، حتى أنزلت آخر رسالاتها على يد النبيّ محمد (ص) ; لأنّ الارتباط بالظروف الموضوعية للتنفيذ كان يفرض تأخّرها، على الرغم من حاجة العالم إليها منذ فترة طويلة قبل ذلك.

والظروف الموضوعية التي لها أثر في الجانب التنفيذي من عملية التغيير، منها ما يشكّل المناخ المناسب والجو العام للتغيير المستهدف، ومنها ما يشكّل بعض التفاصيل التي تتطلّبها حركة التغيير من خلال منعطفاتها التفصيلية.

فبالنسبة إلى عملية التغيير التي قادها - مثلاً - لينين في روسيا بنجاح، كانت ترتبط بعامل من قبيل قيام الحرب العالمية الأُولى، وتضعضع القيصرية، وهذا ما يساهم في إيجاد المناخ المناسب لعملية التغيير، وكانت ترتبط بعوامل أخرى جزئية ومحدودة، من قبيل سلامة لينين مثلاً في سفره الذي تسلّل فيه إلى داخل روسيا وقاد الثورة، إذ لو كان قد اتّفق له أي حادث يعيقه، لكان من المحتمل أن تفقد الثورة بذلك قدرتها على الظهور السريع على المسرح.

وقد جرت سُنة الله تعالى - التي لا تجد لها تحويلاً في عمليات التغيير الربّاني - على التقيّد من الناحية التنفيذية بالظروف الموضوعية، التي تحقّق المناخ المناسب والجو العام لإنجاج عملية التغيير، ومن هنا لم يأتِ الإسلام إلاّ بعد فترة من الرسل وفراغ مرير استمرّ قروناً من الزمن.

١١٦

فعلى الرغم من قدرة الله - سبحانه وتعالى - على تذليل كل العقبات والصعاب في وجه الرسالة الربّانية، وخلق المناخ المناسب لها خلقاً بالإعجاز، لم يشأ أن يستعمل هذا الأسلوب ; لأنّ الامتحان والابتلاء والمعاناة التي من خلالها يتكامل الإنسان، يفرض على العمل التغييري الربّاني، أن يكون طبيعيّاً وموضوعيّاً من هذه الناحية، وهذا لا يمنع من تدخّل الله - سبحانه وتعالى - أحياناً فيما يخصّ بعض التفاصيل، التي لا تكوّن المناخ المناسب، وإنّما قد يتطلّبها أحياناً التحرّك ضمن ذلك المناخ المناسب، ومن ذلك الإمدادات والعنايات الغيبية، التي يمنحها الله تعالى لأوليائه في لحظات حرجة فيحمي بها الرسالة، وإذا بنار نمرود تُصبح برداً وسلاماً على إبراهيم (1) ، وإذا بيد اليهوديّ الغادر التي ارتفعت بالسيف على رأس النبيّ (ص) تُشلّ وتفقد قدرتها على الحركة (2) ، وإذا بعاصفة قوية تجتاح مخيّمات الكفّار والمشركين، الذين أحدقوا بالمدينة في يوم الخندق، وتبعث في نفوسهم الرعب (3) ، إلاّ أنّ هذا كلّه لا يعدو التفاصيل وتقديم العون في لحظات حاسمة، بعد أن كان الجو المناسب والمناخ الملائم لعملية التغيير على العموم، قد تكوّن بالصورة الطبيعية ووفقاً للظروف الموضوعية.

وعلى هذا الضوء ندرس موقف الإمام المهديّ (ع)، لنجد أنّ عملية التغيير التي أُعدّ لها ترتبط من الناحية التنفيذية كأي عملية تغيير اجتماعي أخرى، بظروف موضوعية تساهم في توفير المناخ الملائم لها، ومن هنا كان من الطبيعي أن تُوقّت وفقاً لذلك. ومن المعلوم أنّ المهديّ لم يكن قد أَعدّ نفسه لعمل اجتماعي محدود،

____________________

(1) إشارة إلى قوله تعالى: ( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ ) الأنبياء: 68 - 70.

(2) راجع الرواية في تفسير ابن كثير 2: 33، وراجع: البحار / المجلسي 18: 47 و 52 و 60، 75، باب معجزات النبيّ (ص).

(3) تاريخ الطبري 2: 244 حوادث السنة الخامسة من الهجرة.

١١٧

ولا لعملية تغيير تقتصر على هذا الجزء من العالم أو ذاك ; لأنّ رسالته التي ادّخر لها من قِبل الله - سبحانه وتعالى - هي تغيير العالم تغييراً شاملاً، وإخراج البشرية كلّ البشريّة، من ظلمات الجور إلى نور العدل (1)، وعملية التغيير الكبرى هذه لا يكفي في ممارستها مجرد وصول الرسالة والقائد الصالح، وإلاّ لتمّت شروطها في عصر النبوة بالذات، وإنّما تتطلّب مناخاً عالمياً مناسباً، وجوّاً عاماً مساعداً، يحقّق الظروف الموضوعية المطلوبة لعملية التغيير العالمية.

فمن الناحية البشرية، يعتبر شعور إنسان الحضارة بالنفاد، عاملاً أساسياً في خلق ذلك المناخ المناسب لتقبّل رسالة العدل الجديدة، وهذا الشعور بالنفاد يتكوّن ويترسّخ من خلال التجارب الحضارية المتنوّعة، التي يخرج منها إنسان الحضارة مثقلاً بسلبيات ما بنى، مدركاً حاجته إلى العون، متلفّتاً بفطرته إلى الغيب أو إلى المجهول.

ومن الناحية المادية، يمكن أن تكون شروط الحياة المادية الحديثة أقدر من شروط الحياة القديمة - في عصر كعصر الغيبة الصغرى - على إنجاز الرسالة على صعيد العالم كلّه، وذلك بما تحقّقه من تقريب المسافات، والقدرة الكبيرة على التفاعل بين شعوب الأرض، وتوفير الأدوات والوسائل التي يحتاجها جهاز مركزي؛ لممارسة توعية لشعوب العالم، وتثقيفها على أساس الرسالة الجديدة.

وأمّا ما أُشير إليه في السؤال، من تنامي القوى والأداة العسكرية التي يُواجهها القائد في اليوم الموعود كلّما أُجّل ظهوره، فهذا صحيح، ولكن ماذا ينفع نمو الشكل

____________________

(1) كما هو نصّ الحديث النبويّ الشريف: (لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يومٌ لطوّل الله ذلك اليوم؛ حتى يبعث رجلاً منّي أو من أهل بيتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً) .

راجع: التاج الجامع للأصول / منصور علي ناصف 5: 360 الهامش، قال: رواه أبو داود والترمذي.

١١٨

المادي للقوة مع الهزيمة النفسية من الداخل، وانهيار البناء الروحي للإنسان الذي يملك كلّ تلك القوى والأدوات؟ وكم من مرة في التاريخ انهار بناءٌ حضاري شامخ بأَوّل لمسة غازية ; لأنّه كان منهاراً قبل ذلك، وفاقداً الثقة بوجوده، والقناعة بكيانه، والاطمئنان إلى واقعه (1) .

____________________

(1) لقد شاهدنا في بداية التسعينات المصداق لهذه المقولة، التي أطلقها الشهيد الصدر (ره) استناداً إلى خبرته العميقة بالمجتمع البشري، فقد انهار الاتّحاد السوفيتي، وهو أحد القطبين اللذينِ كانا يهيمنان على العالم انهياراً سريعاً جداً، وبصورة أذهلت الجميع.

١١٩

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

هذا علي امير المؤمنين ومن

قد كان نورا بساق العرش قد سطعا

هذا علي أمير المؤمنين ومن

بالبيت شرفه الرحمن قد وضعا

هذا علي أمير المؤمنين ومن

أقام دين الهدى بالسيف فارتفعا

هذا علي أمير المؤمنين ومن

غذاه خير الورى بالعلم فارتضعا

صلى عليه اله الخلق ما طلعت

شمس وما البدر في الآفاق قد سطعا

أجازه جماعة من العلماء الاعلام وحجج الاسلام باجازات حرروها بخطوطهم وهم:

١ - العالم الجليل السيد ابو تراب الخوانساري النجفي.

٢ - الحجة الكبير السيد حسن الصدر الكاظميرحمه‌الله .

٣ - الشيخ الاجل الشيخ محسن الطهراني المعروف ب‍ اغا بزرك ولغيرهم من شيوخ الاجازات بحيث لو جمعت لكانت كتابا خاصا.

ومن مؤلفات المترجم له (المجموعة الحسينية) طبعت بالنجف - المطبعة الحيدرية - سنة ١٣٧٥ تحتوي على عدة رسائل فيها مجموعة فوائد في الاوراد والادعية والاختام واعمال الايام.

في ليلة الاثنين ١٣ شهر ذي القعد الحرام بات بصحة وعافية يزاول أعماله من كتابة وقراءة وحتى مضت خمس ساعات من الليل ثم اضطجع على فراشه وكانت ليلة ممطرة وفي الساعة الثامنة غروبية جعل سقف الغرفة يقطر ويسيل فأيقظه أهله لينتقل الى غيرها فقال: ان المطر ينزل من جانب آخر وليس قريبا مني وعند الصبح جاؤوا ليوقظوه فوجدوه قد قبضه الله اليه فجهزوه وشيعوه ودفن في مقبرة القديح وذلك يوم ١٤ ذي القعدة ١٣٨٧ ه‍ ١٩٦٧ م.

٢٢١

أحمد خيري بك

المتوفى ١٣٨٧

الاستاذ احمد خيري بك من علماء مصر ترجم له البحاثة السيد مرتضى الرضوي في كتابه (مع رجال الفكر في القاهرة). ولد في الاسكندرية عام ١٣٢٤ الموافق ١٩٠٧ م تلقى العلم بالمدارس الحكومية وعلى بعض الاعلام الافاضل. حفظ القرآن وأتم حفظه عام ١٣٥٢ ه‍ كان عالما بالعلوم الشرعية والحديث، والفقه وعلم المصطلح والبلاغة واللغة والتأريخ وأصبح حجة فيها. له المام باللغات الحية: العربية والانجليزية والفرنسية والايطالية، والتركية. وله صلات كثيرة مع جميع العلماء الاعلام في مختلف البلاد الاسلامية نظم في أهل البيت والامام الحسينعليه‌السلام وقصيدته التي طبعت بمطبعة السعادة وأولها يخاطب الحسينعليه‌السلام .

بجاهك يدنو الخير والخوف يبعد

وبابك للمكروب كهف ومقصد

وله مجموعة من المدائح الحسينية مطبوعة رأيتها في مكتبة الامام أمير المؤمنين بالنجف تسلسل ٤٤٩ - ٤٠.

توفي يوم الثلاثاء ٦ رجب ودفن يوم الاربعاء ٧ رجب عام ١٣٨٧ ه‍ الموافق ١٢ - ١٠ - ١٩٦٧ م ودفن في روضته في حديقته بجوار منزله تغمده الله برحماته. وصفه السيد الرضوي بالعالم الجليل

٢٢٢

والمحقق الخبير والمؤلف البارع والشاعر العبقري، يوالي أهل البيت ويقدسهم وقال: زرته في روضته بدعوة منه فقابلني باللطف والبشاشة ثم تلا الوانا من شعره وخصوصا شعره في أهل البيتعليهم‌السلام ثم صنع لنا مأدبة مفصلة فتناولنا الطعام معه في داره العامرة بالروضة وكان طعاما كثيرا طيبا. وعصرا توجهنا بمعيته الى مكتبته العامرة في تلك الروضة وكانت تزيد على سبعة وعشرين الف مجلد، وأطلعنا على نفائس المخطوطات والكتب التي كانت بخطه كما أن فضيلته اطلعنا على بعض الآثار والنوادر التي كانت تضمها المكتبة وبالوقت أهداني مجموعة من مؤلفاته وآثاره وقصائده كما أني اهديت له مجموعة من منشوراتنا.

٢٢٣

الشيخ محمد طه الحويزي

المتوفى ١٣٨٨

اثرها تخف بفرسانها

تدك الربى فوق غيطانها

وقدها عتاقا بآدابها

تصرفها لا بأرسانها

تكاد اذا ما ارتمت بالكماة

تنسل من بين سيقانها

وتغدو تسابق من عجبها

ظلال القنا بين آذانها

وتشأو بها الريح مجدولة

كأنها عزائم فرسانها

ويرمي بها النصر بيض الجباه

بين الجبال لعقبانها

تزف الى حلبات الوغى

زفيف الصقور لاوكانها

وتسطو بصيد اذا هاجها

ندى اسرجتها بقمصانها

كماة تكاد تشيم السيوف

بأجفانها لا بأجفانها

هلم بنا يا ابن ثاوي الطفوف

وسل من قضى فوق كثبانها

ومن وسدته تريب الجبين

من شيب فهر وشبانها

ألست المعد لاخذ الترات

وأخذ العداة بعدوانها

فحتام تغفي وكم تشتكي

اليك الظبى فرط هجرانها

اصبرا نويت بلى ام طويت

حشاك وحاشا بسلوانها

وهذي الشريعة تشكو اليك

عداها وتشريع اديانها

فبادر اغاثتها فهي قد

دعت منك محكم فرقانها

وصن حوزة الحق فالمبطلون

تبانوا على هدم بنيانها

وحط دوحة الدين فالملحدون

تنادوا على جذ اغصانها

٢٢٤

رموها بمعطش اعراقها

فجد بدماهم لعطشانها

لتصلح من شأنها بالحسام

اصلاح جدك من شانها

غداة ابن أم الردى أمها

يزجي الجياد بخلصانها

بكل شديد القوى لم يزل

يقاسي الطوى حب لقيانها

طليق المحيا كأن القنا

سقته الحميا بخرصانها

تتيه المذاكي بها في الوغى

وتطفي المواضي بأيمانها

لقد أرخصت للهدى انفسا

سوى الله يعيى بأثمانها

وقد أذعنت للردى خوف أن

يفوز ابن هند باذغانها

وشدت حبى الحرب كي لا تحل

حرب حباها بسلطانها

وغالت بنصر ابن بنت النبي

غلو الجفون بأنسانها

درت انه خير أو طارها

فباعت به خير أوطانها

نضتها عزائم لو افرغت

سيوفا لقدت بأجفانها

فجادت بأرواحها دونه

وظلت تقيه بأبدانها

تحي العوالي كأن قد حلى

بأكبادها طعن مرانها

وتبدي ابتساما لبيض الظبى

كان الظبى بعض ضيفانها

وزانت سماء الوغى سمرها

بشهب رجوما لشيطانها

وأبدت اهلة اعيادها

بنصر الهدى بيض ايمانها

وراحت تلي حينها في الوغى

كنشوى تلي الراح في حانها

فمالت نشاوى بسكر الردى

تخال الظبى بعض ندمانها

وغادرت السبط لا عذرة

مروع الحمى بعد فقدانها

فعاد يقاسي الاعادي بلا

ظهير له بين ظهرانها

يشد على جمعها مفردا

بماضي المضارب ظمآنها

ويسقي صحيفته عزمه

فيمحو صحيفة ميدانها

اذا هي صلت على هامها

تخر سجودا لاذقانها

فيحظى الغرار بأوغادها

ويحظى الفرار بشجعانها

ويخطف ابصارها برقه

ويرمي بها اثر الوانها

تكاد من الرعب أرواحها

تروع الجسوم بهجرانها

ولو لم يرد قربه ربه

لاردى الاعادي بأضغانها

ولكن قضى ان يرى ابن البتول

ثار ابن هند واخدانها

فأمسى وياتيه حرب على

نزار فريسة ذؤبانها

٢٢٥

فأشفت به ظغن طاغوتها

ونالت به ثار اوثانها

بنفسي صريعا نضت نفسه

للبس العلى ثوب جثمانها

بكته السماء ولو خيرت

به لافتدته بسكّانها

يوى بين صرعى برغم العلى

ثوت بعد تشييد اركانها

فأمست وقد غسلتها الدماء

تولى الصبا نسج أكفانها

فباتت تقيها حطيم القنا

على قفره بأس سرحانها

لقى فوق جرعائها قد أبت

لهم أن يروا تحت كثبانها

وهل كيف اسرار رب السماء

ثرى الارض يحظى بكتمانها

سل الطف عنها فمنها به

فجائع يشجى بتبيانها

فكم من حشا غادرتها القنا

على الطف نهلة ظمآنها

وكم من جبين جلته الظبى

فالقته قبسة عجلانها

وكم من فتاة دهتها العدى

ففرت تعج بفتيانها

تبدت حواسر تعدو الى

كريم النقيبة غيرانها

فوافته تكبو بأذيالها

وتكسو الوجوه بأردانها

وألفته في صرعة

البرايا سواه بأحزانها

جريح الجوارح غير القرى

قتيل العدى غير اقرانها

كأن الظبى وهي تهفو عليه

نار أطافت بقربانها

فأهوت عليه واحشاؤها

كأبياتها نهب نيرانها

تصعد أنفاسها والحشا

تصوب دموعا باجفانها

وتشرق طورا بأشجانها

وطورا تلضى بأشجانها

وتحثو التراب على أرؤس

ثواكل أمست بتيجانها

لحمل الفواطم عجف السرى

بأكوارها لا بأضعانها

تساق صوارخ ما بينها

تغني الحداة بألحانها

الشيخ محمد طه الحويزي

المتولد سنة ١٣١٧ ه‍ والمتوفى سنة ١٣٨٨ ه‍ في النجف الاشرف عشية الخميس سادس محرم الحرام، دفن يوم الجمعة سابع محرم في مقبرتهم التي اقتطعت من دارهم بمحلة العمارة بالنجف وفي مجلة الاعتدال ان ولادته بالنجف حوالي سنة ١٣٢٠ وهو من اسرة عريقة بالعروبة وسلالة متخصصة بالعلم والادب وممتازة

٢٢٦

بالتقوى والصلاح. ترعرع في كنف أبيه الشيخ نصر الله الحويزي مضرب المثل في التقوى وعلو النفس، فأحسن الاب تربية نجله الوحيد الذي كان يتوسم فيه النبوغ والنجابة والعبقرية الفياضة فقام بنفسه على تثقيفه واعداد مواهبه فأقرأه القرآن وعلمه قواعد الخط وأصول الاملاء وغرس في نفسه حب الفضيلة ثم درسه كثيرا من النحو والصرف والفقه.

تدرج على هذا المنوال وظهر بمظهر الاستاذ الذي تلتف حوله حلقات المبتدئين وجماعات المتعلمين يدرسهم باتقان ومهارة. بدأ هذا النجم يتألق في سماء العلم والادب وتفتحت قريحته الوقادة في صفحات الكون وهذه رائعته (اشعاع النفس) تدل على فلسفته وعبقريته وكل شعره على هذا المنوال، وقد حباه الله جمال الخلقة والاخلاق وصباحة الوجه وطلاقة اللسان.

تخرج على مشاهير علماء عصره فقد قرأ جملة من كتب الاصول على العلامة الكبير الشيخ عبد الرسول الجواهري كما قرأ الفقه عليه وحضر في الحكمة والفلسفة على الحجة الشيخ محمد حسين الاصفهاني وكان من خواصه والمقربين عنده. سافر ومكث أعواما في (الحويزة) فكان فيها الزعيم المطاع والعالم المسموع الكلمة ويحسب في عداد ملاكيها وأعيان أهل العلم فيها ثم رجع للنجف بحلة التقوى والصلاح، ثم كثر عليه الطلب بالعودة للحويزة فعاد اليها حتى وافاه الاجل فيها. كانت وفاته عشية الخميس سادس محرم ودفن يوم الجمعة سابع محرم في مقبرتهم الخاصة بهم وقد نعته دار الاذاعة في الاهواز ودار الاذاعة في بغداد وعقدت مجالس التعزية على روحه الطاهرة في سائر البلدان الاسلامية ولا يفوتنا أن نذكر انشودة الهيئة العلمية في النجف وهي تحف بالجثمان:

يا فقيدا فجع الدين به

واكتست أندية العلم حداد

رفعوا التقوى على جثمانه

وطووا في النعش أعلام الرشاد

٢٢٧

اشعاع النفس

بربك أرشفني ولو رشفة صرفا

لتوسعني سكرا فأوسعها وصفا

الم تدر ان الراح روح لطيفة

اذا امتزجت بالقلب زاد بها لطفا

فلا تخف في خبث العناصر لطفها

فها هي كادت من لطافتها تخفى

وهب أنها تصفي المزاج بمزجها

أليس بها صرفا يبيت الحجى أصفى

يقولون لي امزج قد ضعفت وما دروا

تضاعف عقلي مذ وهى جسدي ضعفا

مررت عليها وهي قطف بكرمها

فكدت حذار المزج اشربها قطفا

وما الخمر صرفا غير مارج جذوة

اذا صهرت روح به تبرها شفا

فلست أرى الساقي ظريفا كما ترى

اذا لم يغادرني لصهبائه ظرفا

ولست أراه للنديم كما ترى

وفيا اذا لم يسقني كأسه الاوفى

فليت فمي وقف بيمنى مديرها

كما لم يزل عقلي على كأسها وقفا

فمن صرفها املأ لي صحافا وأروني

تجدني لكم أروي بتوصيفها صحفا

فما هي الا قوة ان تكهربت

قواي بها زادت أشعتها ضعفا

تجلت على حسي فوحدت خمسه

وفي كل حس صرت قوته صرفا

فكم غادرتني مذ ترشفتها فما

ومذ أشرقت عينا ومذ طبقت أنفا

فأبصرتها من كل وجه وذقتها

فأصبحت لم يفضل أمامي بها الخلفا

وتحسبها في الكأس ماء وان جرت

بقلبي ذكت نارا أضاءت له الكهفا

فكم احرقت للغيب سجفا وأظهرت

حقائق غرا دونها ظاهر السجفا

تجلى على طور الطبيعة نورها

فدكته واستقصت جراثيمه نسفا

٢٢٨

فالقيت أطمار العناصر لابسا

لجلوتها من وشي سندسها شفا

هنالك فاسألني عن السر تلفني

نبيا حفيا يعلم السر أو أخفى

ولا تتهم خبري بسكري فذوا الحجى

اذا ما انتشى صاح ويقظان ان أغفى

فما سكرتي الا ابتهاجي بفكرتي

وما فكرتي الا مشاهدتي الالفا

وان حجبت عني الطبيعة غرة

من العلم سامت سكرتي حجبها لفا

واني لاستشفي بسكري اذا على

شفا جرف صحو الصحاة بهم أشفى

وليس كما ظن الغبي نديها

بمنتزه للشرب بل هو مستشفى

فيا صاح عش بالسكر فالسكر صحة

وما الصحو الا علة تنشئ الحتفا

فمن يصح لم يستوف لذة عيشه

بلى من توفته الطلى فقد استوفى

هلم معي واشرب بكأسي تجد بها

حياة ترى هذي الحياة لها منفى

تجد نشأة ضاءت وضاعت بقدسها

وما استصبحت شمسا ولا استصحبت عرفا

تجد نشأة لا يعوز العلم أهلها

وما زاولوا فيه خلافا ولا خلفا

تجد نشأة الغى القوى الخمس أهلها

رأو ووعوا لا سمع اصغوا ولا طرفا

تجد نشأة ليست تحيط بوصفها

لغات الورى طرا وان مازجت ظرفا

وهل يدرك الكمه الجمال بوصفه

بلى ان قضوا سكرا رأوا ما وعوا وصفا

ويا راكبي البحر اتقوه فقد طغى

هلموا اركبوا كأسي معي تبلغوا المرفا

ركبتم وتيار الطبيعة هائج

زوارق انقاضا نواتيها ضعفى

فما فلك نوح غير كأسي وما ابنه

سوى من بغى مأوى سواها فما ألفى

ويا سائلي المريخ عن حال أهله

بألسنة البرق التي أفصحت خطفا

ارى البرق غيظا قد ورى مذ رآك قد

سئلت وأحفيت الذي بك لا يحفى

هلموا الى كأسي فكاسي مجهر

يريكم من المريخ ما دق واستخفى

ومن لم يجد في مجهر عدسية

زجاجة كاسي لا يحاول به كشفا

ويا من بمنطاد القذائف ازمعوا

الى القمر المسرى فطارت بهم قذفا

أراكم سلكتم للمنى غير طرقها

فحتى المنى نادت على القوم والهفا

ولو سلكوا سبلي الى القمر ارتقوا

بمنطاد كاسي واتقوا ذلك العسفا

٢٢٩

فهلا اقتفوا اثري فآبوا برحلة

وخارطة كلتاهما أثر يقفى

ويا من بشهب الكهربا رجموا الدجى

فباتت تسر الجن حولهم العزفا

وزانت عروس الارض من كهربائهم

عقود لآل مذ كساها الدجى وحفا

وباتت لها ترنو السماء فتعتري

اترنو الى المرآة أم ضرة ذلفا

فما النور ما يجلو عن البصر الدجى

بل النورما ينضي عن البصر السجفا

ولو اترعوا من زيت كأسي كؤوسهم

لعادت مصابيحا تضيء ولا تطفى

ولو بسناه استصحبوا لتصفحوا

عليه كتاب الافق حرفا يلي حرفا

وكم من كتاب للطبيعة اهملوا

مغازيه واستطرفوا الخط والغلفا

ويا محضري الارواح من رقداتها

ومستنطقيها ليس يعفى من استعفى

حنانا بها لا تفزعوها فانها

لتحسبكم تلك الزبانية الغلفا

فان تك شاقتكم فمن كأسي اشربوا

تروا وتناجوا ذا الهوان وذا الزلفى

تروا تلكم الارواح كيف تناقلت

كساها فكل في قبا غيره التفا

تروا تلكم الاخلاق كيف تكونت

جزاءا وفاقا انصف الشهم والجلفا

تروا صور الاعمال كيف تنكرت

فعرف بدا نكرا ونكر بدا عرفا

تروا كيف أسرار القلوب تصورت

على مهجة زغفا وفي مهجة رضفا

تروا نية الانسان كيف تأولت

فأخفت لما أبدى وأبدت لما أخفى

تروا نية الانسان كيف تدينه

به وهو لا يستطيع نصرا ولا صرفا

تروا نية الانسان كيف تدينه

ولم تتقبل منه عدلا ولا صرفا

وللشيخ محمد طه الحويزي:

خليلي هذي كربلاء وهذه

قبور بني الزهراء فيها قفا نبكي

هلما نذيب الدمع مع ذائب الحشا

ونسقي به بوغاء هيلت على النسك

ألا فاذكرا ما حل فيها وما جرى

على عصبة التوحيد من عصبة الشرك

وقال:

بآل أحمد ارجو نيل أمنيتي

بحيث لا مرتجى يرجى سوى الباري

هم عدتي وعديدي والولاء لهم

كنز به افتدي نفسي من الباري

٢٣٠

الشيخ حسين الحولاوي

المتوفى ١٣٨٨

بوركت يا شعبان في الشهور

فيك تجلى نور وادي الطور

يا ثالث الايام من شعبان

ابشر لقد نلت عظيم الشان

عم السرور فيه بيت المصطفى

اتحفهم رب العلى ما أتحفا

فلتهن فاطم بما قد ولدت

فانها روح الوجود أوجدت

مولده ازدانت به الافلاك

واستبشرت بنوره الاملاك

وزينت لاجله الجنان

وأطفئت لنوره النيران

العالم الجليل والموجه الديني الشيخ حسين نجل العلامة الكبير الشيخ مشكور الحولاوي النجفي كان شخصية لامعة وقدوة في الاخلاق والورع والديانة ما طلع عليه الفجر وهو نائم وما ارتفع صوته طيلة حياته ولا قهقه في ضحكه مدة عمره يبدو عليه الجلال والوقار، وحديثه كاللؤلؤ المنظوم وكله ارشاد ونصائح وكانت سيرة أبيه الحجة الشيخ مشكور على نموذج عال من التقوى والفتى سر ابيه.

ولد الشيخ حسين في شهر رجب سنة ١٣١٣ ه‍ في النجف الاشرف ونشأ في حجر العلم والتقى ودرس العلوم العربية والمنطق وشرع في

٢٣١

الاصول وهو ابن ثلاث عشرة سنة ودرس على المرحوم آية الله السيد عبد الهادي الشيرازي (كفاية الاصول) كما درس كتاب (الرياض) و (المكاسب) وفرغ من السطوح وحضر بحث الشيخ ضياء العراقي في الفقه والاصول، وكان جده العالم الباحث الشيخ محمد جواد الحولاوي يتعاهده ويختبر معلوماته وسير دراسته واشتغل بالتدريس برهة من الزمن وذلك في حياة ابيه المقدس واستقل باقامة امامة الصلاة بتاريخ ١٣٥٣ ه‍ لمدة ٣٥ سنة يقيم امامة الجماعة صبحا وظهرا ومغربا وهومحل ثقة الجماهير واطمئنان الطبقات المؤمنة مضافا الى دروسه وتدريسه فكتب تعليقة على المكاسب كما كتب تقرير بحث الشيخ اغا ضياء وتعليقة على العروة الوثقى للمرحوم السيد محمد كاظم اليزدي وكتب رسالة في حديث: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها الى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة ونظم ارجوزة في الزكاة وارجوزة في ميلاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأرجوزة في الصديقة فاطمة الزهراء والامام أمير المؤمنين والحسن والحسين والائمة من أهل البيت صلوات الله عليهم أما أرجوزته في حادثة كربلاء فهي أوسع أراجيزه وكان يعقد مجلسا في داره عندما تمر ذكرى أحد المعصومين ونجتمع من سائر الطبقات ممن يرتاحون الى سماع أرجوزته بهذه المناسبة اذ كان يتحرى نظم الصحيح من سيرته وكان له دور مهم في الثورة العراقية بل في كل الامور الدينية، فان ذلك الشخص الهادئ الوادع تراه كالاسد الهصور عندما يمس تراث محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيغضب غضبة الاسد الهصور فلا يصبر على التهاون بالدين والتسامح في الشرع المبين ولقد دعى جماعة من كبار العلماء الى مقاطعة الذين يتزيون بزي العلماء الروحانيين ويتلبسون بلباسهم وليس منهم وقام بعقد مجلس خاص اسبوعي للتذاكر في واجبات العلماء ومن هذا المجلس انبثقت فكرة تفسير القرآن فقام المجتهد الكبير الشيخ محمد جواد البلاغي بتأليف (آلاء الرحمن في تفسير القرآن) وفكرة (جماعة العلماء).

ودع الحياة في السابع من ربيع الاول سنة ١٣٨٨ ه‍ وهو في ال‍ ٧٥

٢٣٢

من العمر فكان يوما مشهودا في النجف وزحفت الناس أفواجا لتشييعه ودفن بمقبرة جده في الصحن الشريف وقد أرخت وفاته.

أودى حسين فنعاه الهدى

والعلم يذري مدمعا صيبا

وحينما ألحد في قبره

أرخت عن محرابه غيبا

٢٣٣

محمد الخليلي

المتوفى ١٣٨٨

ان كنت تحزن لادكار قتيل

فاحزن لذكرى مسلم بن عقيل

واجزع لنازلة بخير مفضل

أبكى عيون الفضل والتنزيل

واندب قتيلا ما انجلى ليلى الوغى

أبدا له عن مشبه وبديل

هو ليث غالب مسلم من أسلمت

مهج العدى لفرنده المصقول

شهم تحدر من سلالة هاشم

خير البيوت على وخير قبيل

متفرعا من دوحة مضرية

تنمى لاصل في الفخار أصيل

* * *

أم العراق مبلغا برسالة

أكرم بمرسله وبالمرسول

وأتى الى كوفان ينقذ أمة

طلبت اغاثتهم على تعجيل

فاكتض مسجدها بهم وعلت به

أصواتهم بالحمد والتهليل

وتقاطروا مثل الفراش تهافتا

طلبا لبيعته على التنزيل

يفدونه بنفيسهم والنفس لا

يبغون دون رضاه أي بديل

باتوا وبات مؤملا للنصر من

أشياخهم يا خيبة المأمول

لكنهم ما أصبحوا حتى غدا

في مصرهم لا يهتدي لسبيل

خذلوه اذ عدلوا الى ابن سمية

واستبدلوا الارشاد بالتضليل

وتجمعوا لقتاله من بعدما

عرفوه للارشاد خير دليل

وأتوه منفردا بمنزل طوعة

وقلوبهم تغلي بنار ذحول

فغدا يفرق جمعهم ويفرق الابطال

في عزم له مسلول

يلقى الكماء بعزمة مضرية

اجمالها يغني عن التفصيل

٢٣٤

ان صال أرجعهم على اعقابهم

في بطش ليث في الزحام صؤول

حتى اذا كض الظما أحشاءه

وغدت دماه تسيل كل مسيل

وافوه غدرا بالامان وخدعة

منهم فلم يخضع خضوع ذليل

لكنهم حفروا الحفيرة غيلة

فهوى بها كالليث جنب الغيل

وأتوا به قصر الامارة مثخنا

بجراحه ومقيدا بكبول

فغدا يقارعه الزنيم عداوة

ويغيظه سبا بأقبح قيل

ودعا ابن حمران به ولسانه

لهج بذكر الله والتهليل

فأبان رأسا كان يرفعه الابا

عن جسم خير مزمل مقتول

ورماه من أعلى البناء الى الثرى

كالطود اذ يهوي لبطن رمول

فقضى شهيدا في مواطن غربة

متضرجا بنجيعه المطلول

الاستاذ محمد الخليلي ابن الشيخ صادق بن الباقر بن الخليل الطبيب ولد في النجف سن ١٣١٨ ونشأ فيها في حجر والده فغذاه بروح الاخلاق، درس المقدمات من النحو والصرف والمعاني والبيان والادب على أفاضل عصره ثم دخل المدرسة الاهلية العلوية حتى حصل على شهادة الصف الثالث الاعدادي المعادل للصف الخامس الثانوي - اليوم - ثم درس الطب على والده وتخرج على يده ثم سافر الى بغداد فحضر في الطب على بعض الدكاترة الشهيرين هناك كالدكتور عبد الرحمن المقيد وغيره لمدة سنتين ثم على الدكتور الايراني المعروف ب‍ (وثوق الحكماء) خريج باريس وحضر قليلا على الطبيب المعروف بمسيح الاطباء في النجف حتى برع في الطب ففتح عيادته أولا بالكوفة لمدة عشر سنين ثم رجع للنجف بعد وفاة والده فكانت عيادته تغص بالمراجعين والذي حببه للناس حسن أخلاقه ولين جانبه وعذوبة لسانه. انتهى ما كتبه عنه الكاتب محبوبة في ماضي النجف. وفي عقيدتي ان الميرزا محمد هو اديب أكثر منه طبيب فهو شاعر ناثر، اريحي الطبع خفيف الروح لطيف العبارة حاضر النكتة ذو فهم وذكاء اذا نظم أجاد واذا كتب أفاد، له مطارحات ومساجلات مع الادباء وتشهد له جريدة الهاتف، فقد كتب الاستاذ جعفر الخليلي سلمه الله (عندما كنت قاضيا) وجاء المترجم له فنظم ذلك في

٢٣٥

أرجوزة في مطولة أبدع في التصوير وأجاد في التعبير، ومن مؤلفاته (معجم أدباء الاطباء) طبع منه جزءان، وله رسالة طب الصادقعليه‌السلام ودليل الطبيب في الطب وكتاب في الصحة وكتاب أوصاف الاشراف مترجم عن الاصل الفارسي للحكيم الفيلسوف الخواجة نصير الدين الطوسيرحمه‌الله وكتاب المغريات العشر في العادات الذميمة وكتاب الانسان والمدنية مترجم ومنظومة في الطب اليوناني.

وافاه الاجل في النجف يوم السبت ٨ - ٦ - ١٩٦٨ المصادف ١٣٨٨ له ديوان مخطوط فيه ألوان من الشعر ومختلف فنونه وفيه قصيدة في ابي الفضل العباس ابن أمير المؤمنين واخرى في علي الاكبر ابن الحسينعليه‌السلام .

٢٣٦

الشيخ كاتب الطريحي

المتوفى ١٣٨٨

صبا للحمى والخيف قلبي المعذب

فها أنا في جمر الغضا اتقلب

فكم لامني فيمن هويت عواذلي

فقلت دعوني فالهوى لي مذهب

ألا لا تلوموا من تعلق قلبه

بمن قد هوى فالحب للعقل يسلب

غداة بسفح الخيف بت وللاسى

بقلبي نيران الجوى تتلهب

فيا ليلة قد بت فيها ولم أجد

مجيبا سوى دمع على الخد يسكب

تعلمت الورق البكا من صبابتي

فباتت تنوح الليل مثلي وتنحب

فبتنا كلانا دأبنا النوح والاسى

سوى أنها للالف تبكي وتندب

وان بكائي للذي سار ضحوة

بأقمار تم في ثرى الطف غيبوا

غداة أتى ارض العراق بصفوة

عليها من الحرب المثارة مضرب

وأخرى وقد خانته غدرا واقبلت

تجر جموعا بالهداية تنصب

فجال بها في غلمة أي غلمة

اسود وغى بالكر تطفو وترسب

الى أن قضوا دون ابن احمد ضحوة

على عطش منهم وبالارض تربوا

وأصبح في جمع العدى فرد دهره

فريدا ومنه القلب بالوجد يلهب

بموقفه أحيا مواقف حيدر

بيوم به الامثال للحشر تضرب

ومذ شاقه الرحمن خر لوجهه

صريعا على البوغاء وهو مخضب

فيا عجبا للارض لما تزلزلت

وصدر حسين فوقه الشمر يركب

وشيل على العسال منه كريمه

وقد كان يتلو الذكر فيهم ويخطب

ونسوته سيرن اسرى بلا حمى

سبايا كسبي الروم والزنج تجلب(١)

__________________

١ - مجلة العدل النجفية - السنة السابعة.

٢٣٧

الشيخ كاتب ابن الشيخ راضي بن علي بن محمد بن حسين الطريحي المنتهي نسبه الى حبيب بن مظاهر الاسدي قائد ميسرة الامام الحسين في معركة كربلاء وأفضل الانصار الذين قال فيهم الشاعر الكواز:

هم خير أنصار براهم ربهم

للدين أول عالم التكوين

ولد الشيخ كاتب في النجف الاشرف صباح الجمعة ٢٦ ذي الحجة ١٣٠٥ ه‍ ونشأ نشأة عالية وتطبع بالجو الروحي والدراسة الدينية الاخلاقية أخذ الاصول على الشيخ ضياء الدين العراقي والشيخ محمد حسين الاصفهاني والفقه على الشيخ احمد كاشف الغطاء واختلف على السيد باقر الهندي فدرس عليه علم العروض كما لازم شيخ الادب الشيخ محمد جواد الشبيبي وحضر مجالسه الادبية ونوادره الفكاهية وشذراته الشعرية شارك في الثورة العراقية فصحب شيخ الشريعة والسيد الكاشاني في جبهتي القورنة والكوت ولا زال يقص على رواد مجلسه من وثائق الثورة وروائعها. له عدة بحوث وتعليقات في النحو والصرف والفقه وحاشية على المنطق له ديوان شعر أكثره في أهل البيتعليهم‌السلام .

توفي لية السبت ٢١ جمادى الاولى سنة ١٣٨٨ ه‍ وشيع جثمانه صباح السبت الى مثواه الاخير في النجف ودفن بمقبرته الخاصة تغمده الله برحمته وأقيم له حفل تأبيني ضخم بالكوفة لمرور اربعين يوما على وفاته وذلك في ٤ رجب ١٣٨٨ والمصادف ٢٧ أيلول ١٩٦٨ تبارى فيه الخطباء والشعراء حيث كان من أبرز رجال القلم في مدينة الكوفة.

٢٣٨

السيد محمد علي الغريفي

المتوفى ١٣٨٨

قال يرثي أبا الفضل العباس:

من كالزكي أبي الفضل الذي ملكت

ماء الفرات يداه حينما اندفعا

ولم يذق برد طعم الماء حين رأى

عنه ابن بنت رسول الله قد منعا

قيل ابن مامة قلت اخسأ فذاك أما

لو أدرك الماء لم يتركه بل كرعا

ابكيه حين رأى فردا أخاه ومن

فرط الظما أصبحت احشاؤه قطعا

وكل طفل به قد راح من ظمأ

يصيح واللون منه عاد ممتنعا

مناظر الهبت احشاءه وغدى

لهولها منه ركن الصبر منصرعا

فاستل مخذمه وانصاع يرفل في

ثوب الحديد ومنه القلب ما هلعا

يستقبل القوم فردا لا يهاب وفي

ماضيه للعيش ما أبقى لهم طمعا

أفناهم بشبا الهندي فانقشعوا

عنه وعاد له الميدان متسعا

سقاهم الموت قسرا حينما حسبوا

ان الفرات عليه بات ممتنعا

عليهم هو مهما شد خلتهم

مثل الحمام عليها الصقر قد وقعا

مهما ادلهمت خطوب الحرب كان ابو

الفضل السميدع بدرا في الوغى سطعا

بسيفه ملك الماء الفرات وكم

من الرؤوس على شطآنه قطعا

وراح يغرف في كفيه بارده

وقلبه لاخيه السبط قد خشعا

هيهات ما ذاق منه قطرة ورأى

أمامه عطش المظلوم فامتنعا

وراح يحمل للاطفال قربته

كالليث في حمل أعباء الوغى اضطلعا

أفنى الطغاة وكم أبقى بمخذمه

منهم جليدا على البوغاء قد طبعا

افناهم بشبا عضب له ذكر

من عزمه لفناء الصيد قد طبعا

لولا القضاء لافناهم ولابن ابي

سفيان لم تلق منهم واحدا رجعا

٢٣٩

ابكيه حيران مقطوع اليدين بلا

جرم سوى انه بالحق قد صدعا

والسهم بالعين قد أوهى عزيمته

وللثرى من عمود البغي قد ركعا

وراح يهتف بابن المصطفى ولها

ادرك أخاك فكأس الموت قد جرعا

فجاءه السبط كالطير الذي انكسرت

منه الجناحان لا يقوى اذا ارتفعا

يصيح قد طال منى يا اخي جزعي

وكنت قبلك لما اعرف الجزعا

أطلت مني اذا لاح الدجى سهري

لكن عدوي وقد فارقتني هجعا

أخي من لبنات المصطفى وبمن

يلذن بعدك اذ داعي الحفاظ دعا

من لليتامى ومن للارملات اذا

أصبحن نهبا لمن في النهب قد طمعا

كسرت ظهري وجذت مذ قضيت يدي

وكنت درعا به لا زلت مدرعا

ما كنت أحسب ترضى بالنعيم ولي

دارت خطوب وناعي البين في نعا

فاذهب سعيدا لجنات الخلود فلا

اقول الا هنيئا دائما ولعا

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320