أدب الطف الجزء ١٠

أدب الطف12%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 320

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127196 / تحميل: 10614
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

مُفْسِدِينَ ) (1) .

ثمّ إنّنا نلاحظ أيضا أنّ جماعة الأغنياء والمترفين ذوي الظاهر الحسن ، والباطن القبيح الخبيث ، الذين عبر عنهم بالملإ أخذوا بزمام المعارضة لهذا النّبي الإلهيّ العظيم ، وحيث أنّ عددا كبيرا من أصحاب القلوب الطيبة والأفكار السليمة كانت ترزح في أسر الأغنياء والمترفين ، قد قبلت دعوة النّبي صالح واتبعته ، لهذا بدأ الملأ بمخالفتهم لهؤلاء المؤمنين.

فقال الفريق المستكبر من قوم صالح للمستضعفين الذين آمنوا بصالح : هل تعلمون يقينا أنّ صالحا مرسل من قبل الله( قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ ) .

على أنّ الهدف من هذا السؤال لم يكن هو تحري الحق ، بل كانوا يريدون بإلقاء هذه الشبهات زعزعة الإيمان في نفوس من آمن ، وإضعاف معنوياتهم ، وظنا منهم بأن هذه الجماهير ستطيعهم وتكف عن متابعة صالح وحمايته ، كما كانت مطيعة لهم يوم كانت تحت سيطرتهم ونفوذهم.

ولكن سرعان ما واجهوا ردّ تلك الجموع المؤمنة القاطع ، الكاشف عن إرادتها القوية وعزمها على مواصلة طريقها ، حيث قالوا : إنّنا لسنا نعتقد بأنّ صالحا رسول من قبل الله فحسب ، بل نحن مؤمنون أيضا بما جاء به( قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ) .

ولكن هؤلاء المغرورين المتكبرين لم يكفوا عن عملهم ، بل عادوا مرّة أخرى إلى إضعاف معنوية المؤمنين( قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ ) . وكانت هذه محاولة منهم لجرّ هؤلاء المستضعفين الى صفوفهم مرّة

__________________

(1) «تعثوا» مشتقة من مادة «عثى» معنى إيجاد الفساد ، غاية ما هنالك أنّ هذه المادة تستعمل في الأغلب في المفاسد الأخلاقية والمعنوية ، في حين تطلق مادة «عبث» على المفاسد الحسية ، وبناء على هذا يكون كلمة «المفسدين» بعد جملة «لا تعثوا» لغرض التأكيد ، لأنّ كليهما يعطيان معنى واحدا.

١٠١

أخرى.

كانوا المقدّمين في المجتمع والأسوة للآخرين على الدوام بما كانوا يتمتّعون به من قوة وثراء ، لهذا كانوا يظنون أنّهم بإظهار الكفر سيكونون أسوة للآخرين أيضا ، وأن الناس سوف يتبعونهم كما كانوا يفعلون ذلك من قبل ، ولكنّهم سرعان ما وقفوا على خطأهم ، وعلموا أنّ الناس قد اكتسبوا بالإيمان بالله على شخصيّة حضارية جديدة واستقلال فكري ، وقوة إرادة.

والجدير بالانتباه أنّ الأغنياء والملأ وصفوا في الآيات الحاضرة بالمستكبرين ، ووصفت الجماهير الكادحة المؤمنة بالمستضعفين ، وهذا يفيد الفريق الأوّل قد وصلوا بشعورهم بالتفوق ، وغصب حقوق الناس واستغلالهم إلى مرتبة ما يسمى في لغة العصر بـ «الطبقة المستغلّة» ، والفريق الآخر بالطبقة المستغلّة.

عند ما يئس الملأ والأغنياء المستكبرون من زعزعة الإيمان في نفوس الجماهير المؤمنة بصالحعليه‌السلام ، ومن جانب آخر رأوا أنّ وساوسهم وشائعاتهم لا تجدي نفعا مع وجود «الناقة» التي كانت تعدّ معجزة صالحعليه‌السلام ، لهذا قرّروا قتل الناقة ، مخالفين بذلك أمر ربّهم( فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ) (1) .

ولم يكتفوا بهذا أيضا ، بل أتوا إلى صالح نفسه وبصراحة( قالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) .

يعني أنّنا لا نخاف تهديداتك مطلقا ، وأن هذه التهديدات جميعها لا أساس لها والحقيقة أنّ هذا الكلام نوع من الحرب النفسية ضد صالحعليه‌السلام ، بهدف إضعاف روحيته وروحية المؤمنين به.

وعند ما وصل المعارضون بطغيانهم وتمرّدهم إلى آخر درجة ، وأطفأوا في

__________________

(1) المراد من العقر هو قطع عصب خاص خلف رجل الناقة أو الفرس هو سبب حركتها ، فإذا قطع سقط الحيوان ، وفقد القدرة على الحركة ، والتنقل.

١٠٢

نفوسهم آخر بارقة أمل في الإيمان ، حلّت بهم العقوبة الإلهية طبقا لقانون انتخاب الأصلح ، وإهلاك ومحو الكائنات الفاسدة والمفسدة( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ ) .

إنّها كانت زلزلة ورجفة عظيمة تهاوت على أثرها قصورهم وبيوتهم القوية ، واندثرت حياتهم الجميلة ، حتى أنّه لم يبق منهم إلّا أجساد ميتة هكذا أصبحوا.

و «جاثم» في الأصل مشتق من مادة «جثم» بمعنى القعود على الركب ، والتوقف في مكان واحد ، ولا يبعد أن يكون هذا التعبير إشارة إلى أنّ الزلزلة والرجفة جاءتهم وهم في حالة نوع هنيئة ، فجلسوا على أثرها فجأة ، وبينما كانوا قاعدين على ركبهم لم تمهلهم الرجفة ، بل ماتوا وهم على هذه الهيئة ، إمّا خوفا ، وإمّا بسبب انهيار الجدران عليهم ، وإمّا بفعل الصاعقة التي رافقت الزلزال!!

بأيّ شيء أهلك قوم ثمود :

وهنا يطرح سؤال وهو : يستفاد من الآية الحاضرة أنّ الشيء الذي أهلك هؤلاء المتمردون كان هو الزلزال ، ولكن يظهر من الآية (13) من سورة فصلت أنّه كان الصاعقة ، بينما نقرأ في الآية (15) من سورة الحاقة( فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ) يعني أنّ قوم ثمود اهلكوا بشيء مدمّر ، فهل هناك تناقض بين هذه التعابير؟

إنّ الجواب على هذا السؤال يمكن أن يلخص في جملة واحدة ، وهي جميع هذه العبارات ترجع إلى معنى واحد ، أو أنّه يلازم بعضها بعضا ، فكثيرا ما تحدث الرجة الأرضية في منطقة ما بفعل صاعقة عظيمة ، أي أنّه تحدث صاعقة أوّلا ، ثمّ تحدث على أثرها رجة أرضية.

وأمّا «الطاغية» فهي بمعنى كائن تجاوز عن حدّه ، وهذا ينسجم مع الزلزلة وكذا مع الصاعقة ، ولهذا فلا يوجد أي تناقض بين الآيات.

١٠٣

وفي آخر آية من الآيات المبحوثة يقول :( فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ) أي بعد هذه القضية تولى صالح وهو يقول : لقد أديت رسالتي إليكم ، ونصحت لكم ولكنّكم لا تحبّون من ينصحكم.

وهنا يطرح سؤال آخر ، وهو : هل كلام صالح هذا كان بعد هلاك المتمردين من قومه ، أو أنّ هذا الكلام هو الحوار الأخير الذي جرى بينه وبين قومه قبيل هلاك القوم وموتهم ، أي بعد إتمام الحجّة عليهم ولكن ذكر في عبارة القرآن بعد قضية هلاكهم وموتهم بالرجفة؟

هناك احتمالان : والحقيقة أنّ الاحتمال الثّاني أنسب مع ظاهر الخطاب ، لأنّ الحديث مع قوم ثمود يفيد أنّهم كانوا أحياء. ولكن الاحتمال الأوّل هو أيضا غير بعيد ، لأنّه كثيرا ما تتم محادثة أرواح الموتى بمثل هذا الكلام ليعتبر الباقون الحاضرون ، تماما كما نقرأ نظير ذلك في تاريخ الإمام عليعليه‌السلام فإنّهعليه‌السلام وقف ـ بعد معركة الجمل ـ عند جسد طلحة وقال : «ويل أمّك ، طلحة! لقد كان لك قدم لو نفعك ، ولكن الشيطان أضلك فأزلك ، فعجلك إلى النّار».(1)

كما نقرأ ـ أيضا ـ في أواخر نهج البلاغة أنّ الإمام علياعليه‌السلام عند ما عاد من معركة صفّين وقف عند مدخل الكوفة والتفت إلى مقابر الموتى ، فسلّم على أرواح الماضين أوّلا ، ثمّ قال : «أنتم السابقون ونحن اللاحقون».

* * *

__________________

(1) شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ، ج 1 ، ص 248.

١٠٤

الآيات

( وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) )

التّفسير

مصير قوم لوط المؤلم :

في هذه الآيات يستعرض القرآن الكريم فصلا آخر غنيا بالعبر من قصص الأنبياء ، وبذلك يواصل هدف الآيات السابقة ويكمله ، والقصة هذه المرّة هي قصة النّبي الإلهي العظيم «لوط».

ولقد ذكرت هذه القصة في عدّة سور من القرآن الكريم ، منها سورة «هود» و «الحجر» و «الشعراء» و «الأنبياء» و «النمل» و «العنكبوت».

وهنا يشير القرآن الكريم ـ ضمن آيات خمس ـ إلى خلاصة سريعة عن

١٠٥

الحوار الذي دار بين لوط ، وقومه.

ويظهر أنّ الهدف الوحيد في هذه السورة (الأعراف) هو تقديم عصارات وخلاصات من مواجهات الأنبياء وحواراتهم مع الجماعات المتمردة من أقوامهم ، ولكن الشرح الكامل لقصصهم موكول إلى السور القرآنية الأخرى (وسوف نأتي بقصّة هذه الجماعة بصورة مفصلة في سورة هود والحجر إن شاء الله).

الآية الأولى تقول في البدء : اذكروا وإذ قال لوط لقومه : أترتكبون فعلا قبيحا لم يفعله أحد قبلكم من الناس؟( وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ ) ؟!

فهذه المعصية مضافا إلى كونها عملا قبيحا جدّا ـ لم يفعلها أحد قبلكم من الأقوام ـ وبذلك يكون قبح هذا العمل الشنيع مضاعفا ، لأنّه أصبح أساسا لسنّة سيئة ، وسببا لوقوع الآخرين في المعصية عاجلا أو آجلا.

ويستفاد من الآية الحاضرة أنّ هذا العمل القبيح ينتهي ـ من الناحية التأريخية ـ إلى قوم لوط ، وكانوا قوما أثرياء مترفين شهوانيين ، سنذكر أحوالهم بالتفصيل في السور التي أشرنا إليها إن شاء الله تعالى.

وفي الآية اللاحقة يشرح المعصية التي ذكرت في الآية السابقة ويقول :( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ ) .

وأي انحراف أسوأ وأقبح من أن يترك الإنسان وسيلة توليد النسل وإنجاب الأولاد ، وهو مقاربة الرجل للمرأة ، والذي أودعه الله في كيان كل إنسان بصورة غريزية طبيعية ، ويعمد إلى «الجنس الموافق» ، ويفعل بالتالي ما يخالف ـ أساسا ـ الفطرة ، والتركيب الطبيعي للجسم والروح الإنسانيين ، والغريزة السوية الصحيحة ، وتكون نتيجة عقم الهدف المتوخى من المقاربة الجنسية.

وبعبارة أخرى : يكون أثره الوحيد ، هو الإشباع الكاذب والمنحرف للحاجة

١٠٦

الجنسية ، والقضاء على الهدف الأصلي ، وهو استمرار النسل البشري.

ثمّ يقول تعالى في نهاية الآية :( بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) أي تجاوزتم حدود الله ، ووقعتم في متاهة الانحراف والتجاوز عن حدود الفطرة.

ويمكن أن تكون هذه العبارة إشارة إلى أنّهم لم يسلكوا سبيل الإسراف في مجال الغريزة الجنسية فحسب ، بل تورطوا في مثل هذا الانحراف والإسراف في كل شي ، وفي كل عمل.

والجدير بالذكر أنّ الآية الأولى ذكرت الموضوع بصورة مجملة ، ولكن الآية الثّانية ذكرته بصورة مبيّنة وواضحة ، وهذا هو أحد فنون البلاغة عند بيان القضايا الهامة ، فإذا فعل أحد عملا شيئا قال له مرشده ووليه الواعي الحكيم ، لبيان أهمية الموضوع : أنت ارتكبت ذنبا عظيما ، فإذا قال له الشخص ، ماذا فعلت؟ يقول له مرّة أخرى : أنت ارتكبت ذنبا عظيما ، وفي المآل يكشف القناع عن فعله ويشرحه.

إنّ هذا النوع من البيان يهيء فكر الطرف الآخر ونفسه للوقوف تدريجا على شناعة عمله القبيح وخطورته ، وهو أبلغ في التأثير.

وفي الآية اللاحقة أشار القرآن الكريم إلى الجواب المتعنت وغير المنطقي لقوم لوط ، وقال : إنّهم لم يكن لديهم أي جواب في مقابل دعوة هذا النّبي الناصح المصلح ، إلّا أن قالوا : أخرجوا لوطا وأتباعه من مدينتكم. ولكن ما كان ذنبهم؟ إنّ ذنبهم هو أنّهم كانوا جماعة طاهرين لم يلوثوا أنفسهم بأدران المعصية( وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) .

وهذا ليس موضع تعجب واستغراب أن يطرد جماعة من العصاة الفسقة أشخاصا طاهرين لا لشيء إلّا لأنّهم أنقياء الجيب ، يجتنبون المنكرات ، وذلك لأنّ هؤلاء القوم يعتبرون هؤلاء مزاحمين لشهواتهم ، فكانت نقاط القوة لدى أولئك الأطهار نقاط ضعف وعيب في نظرهم.

١٠٧

ويحتمل أيضا في تفسير جملة( إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) أنّ قوم لوط كانوا يريدون بهذه العبارة أن يتهموا ذلك النّبي العظيم وأتباعه الأتقياء بالرياء والتظاهر بالتطهر ، كما سمعنا وقرأنا في الأشعار كثيرا حيث يتهم الخمارون الأشخاص الطيبين النزيهين بالرياء والتظاهر ، ويعتبرون (خرفتهم الملوثة بالخمر) أفضل من (سجادة الزاهد) وهذا نوع من التزكية الكاذبة للنفس التي يتذرع بها هؤلاء العصاة الأشقياء.

مع ملاحظة كل ما قيل في الآيات الثلاثة أعلاه ، يستطيع كل قاض منصف أن يصدر حكمه بحق مثل هذه الجماعات والأقوام الذين يتوسلون ـ في مقابل إصلاح المصلحين ونصيحة الناصحين ، ودعوة نبي إلهيّ عظيم ـ بالتهديد والاتهام ، ولا يعرفون إلّا لغة القوة والقهر ، ولهذا قال الله تعالى في الآية اللاحقة :( فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ ) (1) أي لما بلغ الأمر إلى هذا الحد أنجينا لوطا وأتباعه الواقعين وأهله الطيبين ، إلّا زوجته التي كانت على عقيدة قومه المنحرفين فتركناها.

قال البعض : إنّ كلمة «أهل» وإن كان المتعارف إطلاقها على العائلة ، ولكن في الآية الحاضرة استعملت في الأتباع الصادقين ـ أيضا ـ يعني أنّهم كانوا معدودين جزءا من أهله وعائلته أيضا ، ولكن يستفاد من الآية (36) من سورة الذاريات أنّه لم يؤمن بلوط ودعوته أحد من قومه قط إلّا عائلته وأقرباؤه ، وعلى هذا الأساس يكون لفظ الأهل هنا مستعملا في معناه الأصلي ، أي أقرباؤه.

من الآية (10) من سورة التحريم إجمالا أنّ زوجة لوط كانت في البداية امرأة صالحة ، ولكنّها سلكت سبيل الخيانة فيما بعد ، وجرأت أعداء لوط عليه.

وفي آخر آية من الآيات إشارة قصيرة جدا ـ ولكن ذات مغزى ومعنى

__________________

(1) يقال «الغابر» لمن ذهب أهله وفنوا وبقي وحده ، كما ذهبت عائلة لوط معه ، وبقيت زوجته وحدها معه ، وأصيبت بما أصيب به العصاة.

١٠٨

عميق ـ إلى العقوبة الشديدة والرهيبة التي حلّت بهؤلاء القوم ، إذ قال تعالى :( وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً ) أيّ مطر إنّه كان مطرا عجيبا حيث انهالت عليهم الشهب والنيازك كالمطر وأبادتهم عن آخرهم!! إنّ هذه الآية وإن لم تبيّن نوع المطر الذي نزل على القوم ، ولكن من ذكر لفظة «المطر» بصورة مجملة اتضح أنّ ذلك المطر لم يكن مطرا عاديا ، بل كان مطرا من الحجارة ، كما سيأتي في سورة هود الآية (83).

( فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ) .

إنّ هذا الخطاب وإن كان موجها إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنّه من الواضح أنّ الهدف هو اعتبار جميع المؤمنين به.

هذا وسيأتي تفصيل قصّة هذه الجماعة ، وكذا مضار اللواط المتعددة ، وحكمه في الشريعة الإسلامية ، عند تفسير آيات سورة «هود» و «الحجر».

* * *

١٠٩

الآيات

( وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (87) )

التّفسير

رسالة شعيب في مدين :

في هذه الآيات يستعرض القرآن الكريم فصلا خامسا من قصص الأقوام الماضين ، ومواجهة الأنبياء العظام معهم ، وهذا الفصل يتناول قوم شعيب.

١١٠

بعث شعيبعليه‌السلام الذي ينتهي نسبه ـ حسب كتب التاريخ ـ إلى إبراهيم عبر خمس طبقات ، إلى أهل مدين. وهي مدينة من مدن الشام ، كان أهلها أهل تجارة وترف قد سادت فيهم الوثنية ، وكذا الحيلة ، والتطفيف في المكيال والميزان ، والبخس في المعاملة.

وقد جاء تفصيل هذه المواجهة بين هذا النّبي العظيم وبين أهل مدين ، في سور متعددة من القرآن الكريم ، وبخاصّة في سورة «هود» و «الشعراء» ، ونحن تبعا للقرآن الكريم سنبحث بتفصيل هذه القصّة في ذيل آيات سورة هود إن شاء الله. أمّا هنا فنذكر شيئا عن هذه القصّة باختصار طبقا للآيات المطروحة هنا.

في البداية يقول سبحانه : ولقد أرسلنا إلى أهل مدين أخاهم شعيبا( وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً ) .

روى جماعة من المفسّرين ، مثل العلّامة الطبرسي في مجمع البيان ، والفخر الرازي في تفسيره المعروف ، أن «مدين» في الأصل اسم لأحد أبناء إبراهيم الخليل ، وحيث أنّ أبناءه وأحفاده سكنوا في أرض على طريق الشام سميت تلك الأرض «مدين».

هذا وقد أوضحنا السرّ في استعمال لفظة «أخاهم» في الآية (65) من هذه السورة.

ثمّ إنّه تعالى أضاف : إنّ شعيبا مثل سائر الأنبياء بدأ دعوته بمسألة التوحيد و( قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ) .

وقال : إنّ هذا الحكم مضافا إلى كونه من وحي العقل ، ثابت بواسطة الأدلة الواضحة التي جاءتهم من جانب الله أيضا :( قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) .

أمّا أنّ هذه «البيّنة» ما هي؟ فإنّه لم يرد كلام حولها في الآيات الحاضرة ، ولكن الظاهر أنّها إشارة إلى معجزات شعيبعليه‌السلام .

١١١

ثمّ أنّهعليه‌السلام بعد الدعوة إلى التوحيد أخذ في محاربة المفاسد الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية السائدة فيهم ، وفي البدء منعهم من ممارسة التطفيف ، والغش في المعاملة ، يقول :( فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ ) (1).

وواضح أن تسرّب أيّ نوع من أنواع الخيانة والغش في المعاملات يزعزع بل ويهدم أسس الطمأنينة والثقة العامّة التي هي أهم دعامة لاقتصاد الشعوب وتلحق بالمجتمع خسائر غير قابلة للجبران. ولهذا السبب كان أحد الموضوعات الهامّة التي ركز عليها شعيب هو هذا الموضوع بالذات.

ثمّ يشير إلى عمل آخر من الأعمال الأثيمة ، وهو الإفساد في الأرض بعد أن أصلحت أوضاعها بجهود الأنبياء ، وفي ضوء الإيمان فقال :( وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ) .

ومن المسلّم أنّه لا يستفيد أحد من إيجاد الفساد ومن الإفساد ، سواء كان فسادا أخلاقيا ، أو من قبيل فقدان الإيمان ، أو عدم وجود الأمن ، لهذا أضاف في آخر الآية قائلا :( ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) .

وكأنّ إضافة عبارة : «إن كنتم مؤمنين» إشارة إلى أنّ هذه التعاليم الاجتماعية والأخلاقية إنما تكون متجذرة ومثمرة إذا كانت نابعة من الإيمان ومستمدة من نوره. أمّا لو كانت قائمة على أساس سلسلة من ملاحظة المصالح المادية ، لم يكن لها بقاء ودوام.

وفي الآية اللاحقة يشير إلى رابع نصيحة لشعيب ، وهي منعهم عن الجلوس على الطرقات وتهديد الناس ، وصدّهم عن سبيل الله ، وتضليل الناس بإلقاء

__________________

(1) البخس يعني نقص حقوق الأشخاص ، والنّزول عن الحد بصورة توجب الظلم والحيف.

١١٢

الشبهات وتزييف طريق الحق المستقيم في نظرهم ، فقال :( وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ ، وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ ، وَتَبْغُونَها عِوَجاً ) .

وأمّا أنّه كيف كانوا يهدّدون الراغبين في الإيمان ، فقد ذكر المفسّرون في هذا المجال احتمالات متعددة ، فالبعض احتمل أنّه كان ذلك عن طريق التهديد بالقتل ، وبعض آخر احتمل أنّه كان عن طريق قطع الطريق ونهب أموال المؤمنين ، ولكن المناسب مع بقية العبارات الأخرى في الآية هو المعنى الأوّل.

وفي ختام الآية جاءت النصيحة الخامسة لشعيب ، التي ذكّر فيها قومه بالنعم الإلهية لتفعيل حسّ الشكر فيهم ، فيقول : تذكّروا عند ما كنتم أفرادا قلائل فزادكم الله في الأفراد وضاعف من قوتكم :( وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ ) .

ثمّ يلفت نظرهم إلى عاقبة المفسدين ونهاية أمرهم ومصيرهم المشؤوم حتى لا يتبعوهم في السلوك فيصابوا بما أصيبوا به ، فيقول :( وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) .

ويستفاد من الجملة الأخيرة أنّه على العكس من الدعايات غير المدروسة لتحديد النسل في هذه الأيّام فإنّ كثرة أفراد المجتمع ، يمكن أن تكون منشأ القوّة وعظمة وتقدم المجتمع في أكثر الموارد ، طبعا شريطة أن تضمن معيشتهم وفقا لبرامج منظمة ، من الناحية المادية والمعنوية.

إنّ آخر آية من الآيات المبحوثة هنا بمثابة إجابة على بعض استفهامات المؤمنين والكفار من قومه ، لأنّ المؤمنين ـ على أثر الضغوط التي كانت تتوجه إليهم من جانب الكفار ـ كان من الطبيعي أن يطرحوا هذا السؤال على نبيّهم : إلى متى نبقى في العذاب ونتحمل الأذى؟

وكان معارضوهم ـ أيضا ـ والذين تجرأوا لأنّهم لم تصبهم العقوبة الإلهية فورا يقولون : إذا كنت من جانب الله حقّا فلما ذا لا يصيبنا شيء رغم كل ما نقوم به

١١٣

من إيذاء ومعارضة؟ فيقول لهم شعيب : إن كانت طائفة منكم آمنت بما بعثت به ، وأعرض أخرى فلا ينبغي أن يكون ذلك سببا لغرور الكفار ، ويأس المؤمنين ، اصبروا حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فالمستقبل سوف يكشف عمن يكون على حق ، ومن يكون على باطل( وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ) .

* * *

١١٤

الآيتان

( قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89) )

التّفسير

هذه الآيات تستعرض ردّ فعل قوم شعيب مقابل كلمات هذا النّبي العظيم المنطقية ، وحيث أنّ الملا والأثرياء المتكبرين في عصره كانوا أقوياء في الظاهر ، كان رد فعلهم أقوى من رد فعل الآخرين.

إنّهم كانوا ـ مثل كل المتكبرين المغرورين يهددون شعيبا معتمدين على قوتهم وقدرتهم ، كما يقول القرآن الكريم :( قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا ) .

قد يتصور البعض من ظاهر هذا التعبير «لتعودن إلى ملتنا» أنّ شعيبا كان قبل

١١٥

ذلك في صفوف الوثنيين ، والحال ليس كذلك ، بل حيث أنّ شعيبا لم يكن مكلّفا بالتبليغ ، لذلك كان يسكت على أعمالهم ، وكانوا يظنون أنّه كان على دين الوثنية في حين أنّ أحدا من النّبيين لم يكن وثنيا حتى قبل زمان النّبوة ، وإنّ عقول الأنبياء ودرايتهم كانت أسمى من أن يرتكبوا مثل هذا العمل غير المعقول والسخيف ، هذا مضافا إلى أنّ هذا الخطاب لم يكن موجها إلى شعيب وحده ، بل يشمل المؤمنين من أتباعه ـ أيضا ـ ويمكن أن يكون هذا الخطاب لهم.

على أن تهديد المعارضين لم يقتصر على هذا ، بل كانت هناك تهديدات أخرى سنبحثها في سائر الآيات المرتبطة بشعيب.

وقد أجابهم شعيب في مقابل كل تهديداتهم وخشونتهم تلك بكلمات في غاية البساطة والرفق والموضوعية ، إذ قال لهم : وهل في إمكانكم أن تعيدوننا إلى دينكم إذا لم نكن راغبين في ذلك :( قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ ) (1) ؟

وفي الحقيقة يريد شعيب أن يقول لهم : هل من العدل أن تفرضوا عقيدتكم علينا ، وتكرهوننا على أن نعتنق دينا ظهر لنا بطلانه وفساده؟ هذا مضافا إلى أنّه ما جدوى عقيدة مفروضة ، ودين جبريّ؟! وفي الآية اللاحقة يواصل شعيب قوله :( قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها ) .

إن هذه الجملة في الحقيقة توضيح للجملة السابقة المجملة ، ومفهوم هذه الجملة هو : نحن لم نترك الوثنية بدافع الهوى والهوس ، بل أدركنا بطلان هذه العقيدة بجلاء ، وسمعنا الأمر الإلهي في التوحيد بأذن القلب ، فإذا عدنا من عقيدة التوحيد إلى الشرك ـ والحال هذه ـ نكون حينئذ قد افترينا على الله عن وعي وشعور ، ومن المسلّم أنّ الله سيعاقبنا على ذلك بشدة.

__________________

(1) إنّ في هذه الجملة حذفا وتقديرا ، فالكلام في الأصل على هذه الصورة : «أتردوننا في ملتكم ولو كنّا كارهين».

١١٦

ثمّ يضيف شعيب قائلا :( وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ) .

ومراد شعيب من هذا الكلام هو أنّنا تابعون لأمر الله ، ولا نعصيه قيد شعرة ، فعودتنا غير ممكنة إلّا إذا أمر الله بذلك.

ثمّ من دون إبطاء يضيف : إنّ الله يأمر بمثل هذا ، لأنّ الله يعلم بكل شيء ويحط علما بجميع الأمور( وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ) وعلى هذا الأساس ليس من الممكن أن يعود عن أمر أعطاه ، لأنّه لا يعود ولا يرجع عن أمر أعطاه إلّا من كان علمه محدودا ، واشتبه ثمّ ندم على أمره ، أمّا الذي يعلم بكل شيء ويحيط بجميع الأمور علما فيستحيل أن يعيد النظر.

ثمّ لأجل أن يفهمهم بأنّه لا يخاف تهديداتهم ، وأنّه ثابت في موقفه ، قال :( عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا ) .

وأخيرا لأجل أن يثبت حسن نيّته ، ويظهر رغبته في طلب الحقيقة والسلام ، حتى لا يتهمه أعداؤه بالشغب والفوضوية والإخلال بالأمن يقول :( رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ ) .

أي : يا ربّ أنت أحكم بيننا وبين هؤلاء بالحق ، وارفع المشاكل التي بيننا وبين هؤلاء ، وافتح علينا أبواب رحمتك ، فأنت خير الفاتحين.

وقد روي عن ابن عباس أنّه قال : ما كنت أعرف ماذا يعني الفتح في الآية حتى سمعت امرأة تقول لزوجها : أفاتحك عند القاضي ، يعني أطلبك عند القاضي للفصل بيننا ، فعرفت معنى الفتح في مثل هذه الموارد ، وأنّه بمعنى القضاء والحكم (لأن القاضي يفتح العقدة في مشكلة الطرفين)(1) .

* * *

__________________

(1) تفسير منهج الصادقين.

١١٧

الآيات

( وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (93) )

التّفسير

تتحدث الآية الأولى عند الدعايات التي كان يبثّها معارضو شعيب ضدّ من يحتمل فيهم الميل إلى الإيمان به فتقول :( وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ ) .

والمقصود من الخسارة ـ هنا ـ الخسارات المادية التي تصيب المؤمنين بدعوة شعيب ، إذ من المسلّم عدم عودتهم إلى عقيدة الوثنية ، وعلى هذا الأساس كان يجب يخرجوا من بلدهم وديارهم بالقهر ، ويتركوا بيوتهم وأملاكهم.

وهناك احتمال آخر في تفسير الآية ، وهو أنّ مرادهم هو الأضرار المعنوية

١١٨

بالإضافة إلى الأضرار المادية ، لأنّهم كانوا يتصورون أنّ طريق النجاة يتمثل في الوثنية لا في دين شعيب.

وعند ما وصل أمرهم إلى الإصرار على ضلالتهم ، وعلى إضلال غيرهم أيضا ، ولم يبق أي أمل في إيمانهم وهدايتهم ، حلّت بهم العقوبة الإلهية بحكم قانون حسم مادة الفساد ، فأصابهم زلزال رهيب شديد بحيث تهاوى الجميع أجسادا ميّتة ، في داخل بيوتهم ومنازلهم( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ ) .

وقد مرّ في ذيل الآية (78) من هذه السورة ـ تفسير لفظة «جاثمين» وقلنا هناك أنّه قد استعملت عبارات وألفاظ مختلفة للتعبير عن عامل هلاك هذه الجماعة لا منافاة بينها.

فمثلا : جاء في شأن قوم شعيب ـ في الآية الحاضرة ـ أنّ عامل هلاكهم كان هو : «الزلزال» وفي الآية (94) من سورة هود أنّه «صيحة سماوية» وفي الآية (189) من سورة الشعراء : أنّه «ظلة من السحاب القاتل» وتعود كلها إلى موضوع واحد ، وهو أنّ العذاب المهلك كان صاعقة سماوية مخيفة ، اندلعت من قلب السحب الكثيفة المظلمة ، واستهدفت مدينتهم ، وعلى أثرها حدث زلزال شديد (هو خاصية الصواعق العظيمة) ودمّر كل شيء.

في الآية اللاحقة شرح القرآن الكريم أبعاد هذا الزلزال العجيب المخيف الرهيب بالعبارة التالية :( الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ) (1) . أي أنّ الذين كذبوا شعيبا أبيدوا إبادة عجيبة ، وكأنّهم لم يكونوا يسكنون تلك الديار.

وفي ختام الآية يقول :( الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ ) .

وكأنّ هاتين الجملتين جوابا لأقوال معارضي شعيب ، لأنّهم كانوا قد هدّدوا بأن يخرجوه هو وأتباعه في حالة عدم انصرافهم من دين التوحيد إلى الدين

__________________

(1) «يغنوا» مشقة من مادة «غني» بمعنى «الإقامة في المكان» يقول الطبرسي في مجمع البيان : لا يبعد أن يكون المفهوم الأصلي للغنى هو عدم الحاجة ، لأنّ من كان عنده منزل حاضر ، فهو مستغن عن منزل آخر.

١١٩

السابق ، فقال القرآن : إنّهم أبيدوا كاملة ، وكأنّهم لم يسكنوا في تلك المنازل ، فضلا عن أن يستطيعوا إخراج غيرهم من البلد.

وفي مقابل قولهم : إنّ أتباع شعيب يستلزم الخسران ، قال القرآن الكريم : إنّ نتيجة الأمر أثبتت أنّ مخالفة شعيب هي العامل الأصلي في الخسران.

وفي آخر آية ـ من الآيات المبحوثة ـ نقرأ آخر كلام لشعيب مع قومه بعد اعراضه عنهم حيث قال : لقد بلّغت رسالات ربّي ، ونصحتكم بالمقدار الكافي ، ولم آل جهدا في إرشادكم :( فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ) .

ثمّ قال( فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ ) أي لست متأسّفا على مصير الكافرين ، لأنني قد بذلت كل ما في وسعي لهدايتهم وإرشادهم ، ولكنّهم لم يخضعوا للحق ولم يسلّموا ، فكان يجب أن ينتظروا هذا المصير المشؤوم.

أمّا أنّه هل قال شعيب هذا الكلام بعد هلاكهم ، أم قبل ذلك؟ هناك احتمالان ، فيمكن أن يكون قبل هلاكهم ، ولكن عند شرح القصة جاء ذكره بعد ذلك.

ولكن مع الالتفات إلى آخر عبارة ، والتي يقول فيها : إنّ مصير هؤلاء الكافرين المؤلم لا يدعو إلى الأسف أبدا ، يترجح للنظر أنّ هذه الجملة قيلت بعد نزول العذاب ، وأنّ هذه التعابير ـ كما أشرنا في ذيل الآية (79) من هذه السورة قيلت وتقال للأموات كثيرا (وقد أشرنا إلى شواهد ذلك).

* * *

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

انت يا مفخرة الدهر ومن

قد توطأت من المجد السناما

أكما قيل على رغم الهدى

بيد الجور تجرعت الحماما

من طغام ضرجت تاريخها

بدم الحق مضاعا ومضاما

سنة خطت لكم من سابق

كيفما متم فقد متم كراما

رمتم الاخرى فلم تتخذوا

لكم من متع الدنيا حطاما

* * *

أمة العرب احفظيها ذمة

لابي كان لم يخفر ذماما

جددي الذكرى له واحتفلي

واجعلي عندك ذكراه لزاما

واهتفي باسم امام الحق لو

صح ان لا تجعلي النوح ختاما

٣٠١

المستدركات

ابو القاسم المغربي

الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن محمد المغربي

المتوفى سنة ٤١٨

قال وقد لجأ الى مشهد الحسين بن علي بن ابي طالبعليهم‌السلام

تحصنت من كيد العدو وآله

بمجنبة من حب آل محمد

ودون يد الجبار من أن تنالني

جواشن أمن صنتها بالتهجد

ألح على مولى كريم كأنما

يباكر مني بالغريم اليلندد

ليسلمني من بعد أن أناجاره

وقد علقت احدى حبائله يدي(١)

ترجم له العماد الحنبلي في (شذرات الذهب) فقال: ابو القاسم بن المغربي الوزير واسمه حسين بن علي الشيعي، لما قتل الحاكم بمصر أباه وعمه واخوته هرب وقصد حسان بن مفرج الطائي ومدحه فأكرم مورده ثم وزر لصاحب ميافارقين احمد بن مروان الكردي، وله شعر رائق وعدة تآليف عاش ثمانيا واربعين سنة وكان من ادهى البشر وأذكاهم.

وترجم له الحموي في معجم الادباء قال: ابو القاسم المعروف بالوزير المغربي الاديب اللغوي الكاتب الشاعر، ولد فجر يوم الاحد ثالث عشر ذي الحجة سنة سبعين وثلثمائة وحفظ القرآن وعدة كتب في النحو واللغة وكثيرا من الشعر، وأتقن الحساب والجبر والمقابلة ولم يبلغ العمر أربعة عشر ربيعا وكان حسن الخط سريع البديهة في النظم والنثر. ولما قتل الحاكم العبيدي اباه وعمه وأخويه هرب من

__________________

١ - طبقات المغربي للداودي ج ١ / ١٥٤.

٣٠٢

مصر فلما بلغ الرملة استجار لصاحبها حسان بن الحسن بن مفرج الطائي ومدحه فأجاره وسكن جأشه وأزال خوفه ووحشته، أقول وذكر له جملة من المنظوم.

وترجم له الداودي في طبقات المفسرين وقال: اختصر كتاب اصلاح المنطق في اللغة وابتدأ في نظم ما اختصره قبل استكماله سبع عشرة سنة، وصنف كتاب (الايناس) وهو مع صغر حجمه كثير الفائدة وكتاب (الالحاق بالاشتقاق) وكتاب (ادب الخواص) وكتاب (الشاهد والغائب) بين فيه اوضاع كلام العرب والمنقول منه واقسامه تبيانا يكاد يكون أصلا لكل ما يسأل عنه من الالفاظ المنقولة عن أصولها الى استعمال محدث وكتاب (فضائل القبائل) وكتاب أخبار بني حمدان واشعارهم واملاءات عدة في تفسيرالقرآن العظيم وتأويله.

وروى موطأ مالك وصحيح مسلم وجامع سفيان وقارض ابا العلاء المعري بمكاتبات أدبية كثيرة الغريب، وقال الشعر الجيد، وبرع في الترسل وصار اماما في كتابة الانشاء وكتابة الحساب وتعرف في فنون من علم العربية واللغة.

قتل مسموما بميافارقين في ثالث عشر شهر رمضان سنة ثماني عشرة واربعمائة وحملت جثته الى الكوفة فدفن بتربة كانت له بجوار قبر علي بن أبي طالبعليه‌السلام وله ديوان شعر ومن شعره قوله:

أقول لها والعيس تحدج للسرى

أعدي لفقدي ما استطعت من الصبر

سأنفق ريعان الشبيبة آنفا

على طلب العلياء أو طلب الاجر

أليس من الخسران أن لياليا

تمر بلا نفع وتحسب من عمري

اقول أخذ المعنى من شاعرنا محمد مهدي الجواهري بقوله:

خليلي من ظلم الليالي بأنها

تمر على رغمى وتحسب من عمري

هلما نبع عمرا ونشري مسرة

فليس بعدل أن نبيع ولا نشري

٣٠٣

وترجم له ابن حجر العسقلاني في (لسان الميزان) كما ترجم له اليافعي في (مرآة الجنان) وترجم له من المعاصرين الشيخ محمد السماوي في مخطوطه (الطليعة من شعراء الشيعة) قال: وقوله في غلام حلق شعره.

حلقوا شعره ليكسوه قبحا

غيرة منهم عليه وشحا

كان قبل الحلاق ليلا وصبحا

فمحوا ليله وأبقوه صبحا

وذكر له من الشعر قوله

صلى عليك الله يا من دنا

من قاب قوسين مقام النبيه

اخوك قد خولفت فيه كما

خولف في هارون موسى أخيه

هل برسول الله من اسوة

لم يقتد القوم بما سن فيه

وقوله:

أيا غامضين المزايا الجليلة

من المرتضى والسجايا الجميلة

ويا غامضين عن الواضحات

كأن العيون لديها كليلة

اذا كان لا يعرف الفاضلين

الا شبيههم في الفضيلة

من ابيات تزيد على العشرة ذكرناها ونقلناها عنه في مخطوطنا (ما تشتهي الانفس) ج ٣ / ٢٧٨.

٣٠٤

ابن أبي الخصّال الشقوري

المتوفى ٥٤٠ ه‍

كتب الدكتور عبد السلام الهراس مقالا عنوانه (مأساة الحسين في الادب الاندلسي) ونشر هذا المقال في مجلة (المناهل) المغربية والتي تصدرها وزارة الشؤون الثقافية في الرباط. وفي العدد ١٤ من السنة السادسة.

وذكر شعر أبي عبد الله محمد بن ابي الخصال الشقوري المتولد سنة ٤٦٥ ه‍ والمتوفى ٥٤٠ ه‍ وقال: هو الكاتب المرابطي البليغ وقد استحيى مأساة الحسين وجدد ذكرى كربلاء، ولا شك انه انشأ عدة قصائد وقطع نثرية في الموضوع، لان الرجل كان غزير الانتاج جياش العاطفة، يمتح من نفس مليئة بالاحزان تنفجر من اغوار عميقة، لكن لم نسمع من ذلك الانتاج الا بعض الابيات خلال قصائد نبوية، وقصيدتين رواهما ابن خير عن الشاعر نفسه كما نص على ذلك في كتابه المفيد (الفهرست)(١) والقصيدتان حسب ما وصل عن ابن خير احداهما على قافية النون المردفة بالاف، والثانية على قافية التاء بعد الالف. والى حدود السنتين الاخيرتين كان البحث يعتبرهما مفقودتين الى ان وفقنا أخيراً الى اكتشافهما، فوقعنا بذلك لاول مرة على بداية واضحة صادقة لعشر بكاء الحسين في قصائد مستقلة.

يقول في الاولى:

عرج على الطف ان فاتتك مكرمة

واذر الدموع بها سحا وهتانا

وابك الحسين ومن وافى منيته

في كربلاء مضوا مثنى ووحدانا

يا ليت اني جريح الطف دونهم

أهين نفسا تفيد العز من هانا

اني لاجعل حزني فيهما ترفا

يكون للذنب تكفيرا وغفرانا

لله عين بكت ابناء فاطمة

ترى البكا لهم تقوى وايمانا

__________________

١ - فهرست ابن خير ص ٤٢١.

٣٠٥

ما سرني ببكائي ملك قاتلهم

ومثله معه لو صح أو كانا

آليت بالله لا أنسى مصائبهم

حتى أضمن اطباقا واكفانا

فيا محمد قم لله معترفا

فان ربك قد أولاك احسانا

لم يفرغ الله في جنبيك حبهم

الا لتلقى به فوزا ورضوانا(١)

قال وهي تبلغ عندنا ثلاثة عشر بيتا:

اما الثانية فتبلغ تسعة وعشرين بيتا، يقول فيها:

لهف نفسي على الحسين ومن لي

ان يقضي حقوقه عبراتي

يا جنوني برئت منك اذا لم

تغرقي في بحورها نظراتي

لهف نفسي على قتيل يعزى

عنه خير الآباء والامهات

اي عيش يطيب بعد قتيل

مات بالمرهفات اي ممات

حرموه ماء الفرات ولوا

جده ماسقوا بماء الفرات

وثووا في قصوره واطمأنوا

وبنات الرسول في الفلوات

ان في كربلاء كربا سقيما

فتن المؤمنين والمؤمنات

فاتني نصركم بنصلي فنصري

بفؤاد مجدد الزفرات

وقواف موسومة بدموع

قدحت في توقد الجمرات

ما بقاء الدموع بعد حسين

فخذي من صميم قلبي وهات

أتكون الدموع فيه وفي الناس

سواء كلا وهادي الهداة

هون الله بعدهم كل خطب

وحلت لي علاقم الحادثات

ولابن ابي الخصال عدة قصائد نبوية منها قصيدته الشهيرة المسماة بمعراج المناقب ومنهاج الحب الثاقب عارض بها قصائد حسان بن ثابت، وقد خمسا ابو عبد الله محمد بن الحسن بن جيش المرسي، وبفضل هذا التخميس استطعنا التقاط ابيات من شعر ابي الخصال في هذا المجال، يقول في الموضوع الذي يهمنا:

__________________

١ - مصورة لمخطوط يملكها الاستاذ مصطفى الطاهري الذي يهيئ رسالته لنيل دبلوم الدراسات العليا في موضوع (ابن أبي الخصال حياته وأدبه).

٣٠٦

ويلحقهم فضل الشفاعة بالرضى

كلوا واشربوا من خير أكل ومشرب

سوى أن قوما جعجعوا بابن بنته

وحفوا به من قاتل ومؤلب

وانحوا على أوداجه كل مرهف

طرير وحزوا رأسه لتتوب

كأنهم لما أباحوا حريمه

أباحوا حريم الديلمي المحرب(١)

ويقول في احدى الحسينيات:

ولو حدثت عن كربلاء لابصرت

حسينا فتاها وهو شلو مقدد

وثاني سبطي احمد جعجعت به

رعاة جفاة وهو في الارض أجرد

ولم يرقبوا الا لآل محمد

ولم يذكروا أن القيامة موعد

وان عليهم في الكتاب مودة

بقرباه لا ينحاش عنها موحد

فيا سرع ما ارتدوا وصدوا عن الهدى

ومالوا عن البيت الذين به هدوا

ويا كبدي ان انت لم تتصدعي

فانت من الصفوان اقسى وأجلد

فيا عبرتي ان لم تفيض عليهم

فنفسي أسخى بالحياة وأجود

أتنتهب الايام فلذة احمد

وافلاذ من عاداهم تتودد

أيضحى ويظمى احمد وبناته

وبنت زياد وردها لا يصرد

وما الدين الا دين جدهم الذي

به أصدروا في الصالحين وأوردوا

ينام النصارى واليهود بأمنهم

ونومهم بالخوف نوم مشرد

وما هي الا ردة جاهلية

وحقد قديم بالحديث يؤكد

ان ابن ابي الخصال يلح على مأساء كربلاء ويقدمها في صور شتى ويكرر افكاره خلال قصائده وهو أول شاعر اندلسي - فيما نعلم - يعتبر قتل الحسين ردة جاهلية ذلك القتل الذي كان بدافع حقد قديم يضمره بنو عبد شمس لبني هاشم قبل الاسلام وأكده الحديث، كما أبرزته الاحداث بعد الدعوة الاسلامية ويؤكد كفر القتلة نثرا في بعض رسائله بقوله: وما يلقاها الا كل خارج عن الاسلام ومارق، كلا ان ملائكة العذاب لتدخل عليهم بالمقامع من كل باب، فأي وسيلة بينهم وبين شفاعة جده يوم الحساب(٢) .

أدرك ابن أبي الخصال مكانة عالية على عهد المرابطين كما يتبين ذلك من انتاجه الادبي الغزير لكنه نشب في ثورة فاشلة

__________________

١ - ازهار الرياض مخطوط بالخزانة العامة بالرباط.

٢ - رسائل ابن أبي الخصال، توجد لدى الاستاذ الطاهري مصطفى.

٣٠٧

عليهم مع عامل قرطبة ابن الحاج الذي كان ملازما له بالاندلس والمغرب، وقد نجا من هذه الورطة ليعتزل الحياة السياسية ويزهد في المناصب، سيما وقد شاهد من الفتن والقلاقل والتمردات ما زهده في تلك الحياة، فلزم داره خائفا من تلك الاحقاد القديمة ولم يسلم المترجم له حتى ذبحه بعض الجنود الاجلاف واقتحموا داره ونهبوها وكان ذلك يوم السبت ١٢ ذي الحجة سنة ٥٤٠ ه‍ ولما توفي الرجل كان العلماء والادباء يقصدون قبره ويزورونه ويجيبونه بقولهم: السلام عليك يا زين الاسلام.

٣٠٨

الحاج محمّد عجينة

المتوفى ١٣٣٤

أميلوها الى ذات اليمين

على آجام آساد العرين

ركائب حملت وجدا وشوقا

وما يسمو على الدر الثمين

الى بلد به خلفت روحي

تحن حنين فاقدة القرين

ذكرت بها الاحبة حين أودى

بهم في كربلا ريب المنون

الحاج محمد عجينة النجفي من الاسرة التي اشتهرت بالتجارة وسعة الحال ولقب الشاعر نفسه بالهمداني - بسكون الميم - نسبة الى القبيلة اليمانية المعروفة لانه كان دائما يتمثل بالابيات المنسوبة الى الامامعليه‌السلام في قبيلة همدان.

دعوت فلباني من القوم عصبة

فوارس من همدان غير لئام

وكان يقول: انا همداني بالولاء والسبب لا بالاصل والنسب فتغلب هذا اللقب عليه، وكان أبوه الحاج صالح وجماعة آخرون يترددون للتجارة بين العراق ونجد والحجاز كآل الحبوبي وآل شكر وآل زيني، وقد اختار والده الحاج محمد صالح سكنى مدينة الرسول ومجاورة سيد العالم فتوفي بالمدينة المنورة وعلى اثر ذلك هاجر ولده المترجم له من النجف في ريعان شبابه واستوطن قاعدة الامارة الرشيدية في نجد (جبل حائل).

٣٠٩

واتصل هناك بالعلامة السيد محمد سعيد الحبوبي واستوحى منذ بعض الخواطر الادبية وملكاته الشعرية قال الشيخ اليعقوبي: رايت له بعض المطارحات المرتجلة مع السيد الحبوبيرحمه‌الله بلغة أهل البادية وهو الشعر الذي يسمى عندهم ب‍ (القصيد) ولقد قربته مواهبه الادبية لدى اميري نجد وهما: محمد بن عبد الله الرشيد وابن أخيه عبد العزيز بن متعب فكانت له عندهما حظوة ومنزلة سامية ومدحهما بقصائد جمة وما وردت على القصر الرشيدي قصائد هجائية من شعراء آل سعود الا وانتدب من قبل الاميرين المذكورين للرد عليها حتى اذا اتفقت له خصومة مع احد الاكابر في المدينة استعدى فيها الامير الثاني على خصمه فلم يجد منه أية عناية فسافر على أثر لك من نجد متجها نحو المدينة ومكة والطائف وأقام في تلك العواصم برهة ثم عاد الى نجد مؤكدا صلاته مع امرائها مرة ثانية فرضي عنهم ورضوا عنه.

قال الشيخ اليعقوبي: وقفت على مجموعة من شعره كان قد جمعها بقلمه في حياته عند أحد أبناء عمه وجل ما فيها لم يتعد الاساليب القديمة مدح وهجاء وحماس ورثاء وغزل وتشبيب واليك بعض ما اخترناه منها. قال يمدح امير نجد ويذكر بعض مغازيه:

سر على اسم الله فالسعد تجلى

لك من قبل ونجم النحس ولى

لك جند الله والحزب الذي

بلظى هيجائه الاعداء تصلى

فالق من شئت ولا تخش العدى

قد كسا الله بك الاعداء ذلا

وبنو وائل لما أن عصوا

وتمادوا في سبيل الغي فعلا

يوم هاجت للشقا اقرانها

فسقاها حتفها علا ونهلا

كم بهم غادرت من نائحة

تندب الاهل بشجو فهي ثكلى

طلع الفجر عليها بالردى

فغدت كالليل بالصبح اضمحلا

وربيع الخلق ان اسغبهم

عام جدب ترك الارجاء محلا

واذا يعرب يوما فاخرت

كنت أحماها جوارا وأجلا

حكم السيف بهامات العدى

ان غير السيف لا يحكم عدلا

وله فيها ايضا:

أيا ملك الملوك ومن بيوم

الندى قد كان أرحمهم جنانا

وحين غزا العتاة بأرض نجد

هوت لوجوهها ولوت رقابا

جررت على العصاة جيوش عز

تدك الارض بالزحف اضطرابا

٣١٠

اذا ما الخيل بالابطال جالت

تراهم فوقها اسدا غضابا

سرايا عزمه لو صادمتها

جبال تهامه عادت سرابا

فكم من نار حرب اخمدوها

وكم خاضوا لها بحرا عبابا

ومهدت البلاد كأنما قد

ضربت على جوانبها حجابا

وكم اوضحت فيها من سبيل

تعفى رسمه وغدا يبابا

ملات مسامع الايام هولا

لو ان الطفل يسمعه لشابا

وهناك الوان من شعره لا حاجة لذكرها. اما حادثة اغتياله فانه قد قفل راجعا للعراق حوالي سنة ١٣٢٥ ه‍ وبقي يتعاطى التجارة في الكوفة، وكانت له قطعة أرض زراعية في ضواحي قضاء الشامية وقد وقع بسببها نزاع بينه وبين بعض مجاوريه فخرج اليها يوما ولم يعد وانقطعت اخباره وعميت على أهله وظهر بعد التحقيق أنه اغتيل وقتل خنقا ودفن سرا على مقربة من تلك الارض فنقل جثمانه الى النجف وكان وقوع الحادث أيام الفوضى خلال الحرب العامة الاولى سنة ١٣٣٤ ه‍ وكان عمره يوم قتل نيفا وستين سنة رحمه الله. انتهى عن مجلة البيان النجفية السنة الاولى.

وترجم له الاخ الخاقاني في (شعراء الغري) ترجمة وافية وقال: انه ولد في النجف عام ١٢٧٥ ه‍ ونشأ بها على ابيه الحاج محمد صالح، واتصاله بآل رشيد ومدحه لهم وذكر نماذج من شعره فمن قوله في أهل البيتعليهم‌السلام :

الى طيبة العليا وبهجتها الغرا

تشوقني نفسي ولي كبد حرى

وقلب عراه لاعج الهم والاسى

وخد لينبوع الدموع به مجرى

على سادة بالحق لله سبحوا

أجل الورى شأنا وأرفعهم قدرا

أئمتنا باب الرجا معدن الحجى

كرام الورى أبناء فاطمة الزهرا

بفضلهم الدنيا تبارك جدها

ونلنا بها حظا تضيء له الاخرى

اذا ما سألنا الله يوما بحقهم

أجاب لنا الدعوى ووفى لنا الاجرا

بهم كشف الله الكروب عن الورى

وأمطرت الخضراء واخضرت الغبرا

وفرج عنا كل هم وغمة

وأبد لنا عن عسرنا بهم يسرا

بهم قامت الدنيا ولولا رضاهم

لما خلق الرحمن برا ولا بحرا

٣١١

الشيخ مهدي الحجار

المتوفى ١٣٥٨

أثرها تعج بأصواتها

ألا يا لفهر وثاراتها

وقدها عرابا ألفن الفلا

كأن العنا في استراحاتها

تخايل من تحت فرسانها

تخايلهم في أريكاتها

عليها من الصيد غلابة

تصيد الاسود بغاباتها

طلايع هاشم يقتادها

الى الحرب خير بقياتها

حنانيك يا خلف السالفين

ووارثها في كراماتها

أعدتك آل لوي لمن

لواها وسود راياتها

فحتى م تغضي وانت الغيور

على هضمها واغتصاباتها

أمثل ابن... يميت البتول

بفادح خطب رزياتها

ومثل امية تلك التي

تبيت نشاوى بحاناتها

تغالب مثل بني غالب

وتدفعها عن مقاماتها

لذاك أبى ذاك رب الابا

فأرسى على غاضرياتها

ودك من الطف أطوادها

بآساد فهر وساداتها

كماة يهاب الردى بطشها

ويخشى القضا من ملاقاتها

وقد اقبلت زمر الظالمين

بآساد فهر وساداتها

دعاها الى الحرب محبوبها

فخاضته قبل اجاباتها

وهبت وناهيك فيمن تهب

لترضي الحبيب بهباتها

ترى ان في النقع نشر العبير

وما ذاك الا شذى ذاتها

جلتها من العزم بيض الصفاح

كأحسابها وكنياتها

صحائف تقرأ منها الكماة

(انا فتحنا) وآياتها

فتبغي الفرار وكيف الفرار

وارجلها فوق هاماتها

لقد تاجرت ربها في النفوس

وقد ربحت في تجاراتها

ومذ أرخصت سومها للهدى

أراها المنى في منياتها

برأد الضحى نزلت كربلا

وفي الليل باتت بجناتها

تهاوت وليس تعاب النجوم

اذا ما تهاوت كعاداتها

وباتت على الارض مثل البدور

عراها الخسوف بهالاتها

٣١٢

مغسلة في جراحاتها

مكفنة في شهاداتها

ولما رأى السبط انصاره

سقتها الحتوف بكاساتها

رقى ضامرا ونضى صارما

فقرب أشراط ساعاتها

وحين انبرى نحو هاماتها

براها ابن خير برياتها

ينادي بآجالها سيفه

فتأتيه من قبل اوقاتها

كأن الجماجم مشغوفة

به فهي تأتيه من ذاتها

ترى الارض ترجف من تحته

باحيائها وبأمواتها

لك الوهن يا أرض عن ثابت

يزلزل سبع سماواتها

ولما رأى أن هذي النفوس

جميعا رهائن ميقاتها

فشاقته منزلة الصالحين

فتاق رواحا لغاياتها

قضى ابن علي فيا هاشم

قعي بعده في مذلاتها

لمن انت من بعده للورى

لارائها أم لحاجاتها

الطما على الصدر من بعدما

غدا صدره رهن غاراتها

حرام على غالب أن تبل

بالماء حر حشاشاتها

وتلك يتاماهم تشتكي

وفي الماء جل شكاياتها

ويا آل فهر لقد حق أن

تميطوا خبا علوياتها

فتلك الحرائر في كربلا

سترن الوجوه براحاتها

لمن ترفعون الخدور وقد

ثكلن الخدور برباتها

وجاءت لكافلها تستغيث

وتبكي العدى لاستغاثاتها

الشيخ مهدي بن داود بن سلمان بن داود الشهير بالحجار عالم فقيه وأديب شهير، ولد عام ١٣١٨ ه‍ وكان والده اميا وكذلك جده اما والده فكان ينقل الحجارة من أنقاضها غير أن الولد المترجم له نشأ ميالا للعلم والادب فدرس المقدمات وهو ابن عشر سنوات ونظم الشعر في الخامسة عشرة من العمر وبرع فيه، واختلف على مشاهير العلماء وتتلمذ على الزعيم الروحي الشيخ احمد كاشف الغطاء كما حضر على المرجع الديني الميرزا حسين النائيني في الاصول ولمعت مواهب الشيخ الحجار وراح يغذي الشباب بالعلوم الدينية والدروس العربية الاسلامية مضافا الى حلقة أدبية تضم العشرات من الشباب الذين كانوا يعرضون عليه نتاجهم الادبي ويعتدون برأيه اذ كان أبرع اقرانه يومذاك ونشرت المطابع قصيدته الشهيرة الطويلة المسماة ب‍ (البلاغ المبين) في العقائد فكان المتأدبون يحفظونها

٣١٣

ويتداولونها ويتدارسون معانيها ومضامينها وله غير هذه مجموعة اراجيز منها ارجوزته المسماة (فوز الدارين في نقض العهدين). ويوم كتب السيد محسن الامين كتابه (التنزيه) للشعائر الحسينية ثار العلماء الاعلام وأئمة الاسلام بوجهه وكتبوا مفندين ومنتقدين ما كتب وكنت اتصور - وانا في مقتبل العمر - ان المساندين لفكرة السيد الامين والمؤيدين له هم المتجددون والذين يميلون للتحلل من أوامر الدين، وكان المترجم له قد استخدمت افكاره موجة الشباب فراح ينظم بوحي منهم كقوله من قصيدة مطلعها:

يا حر رأيك لا تحفل بمنتقد

ان الحقيقة لا تخفى على احد

وما على الشمس باس حيث لم تراها

عين أصيبت بداء الجهل لا الرمد

سيروا شبيبتنا لكن على خطط

قد سنها الدين في منهاجه الجديد

انا لنامل فيكم ان شعبكم

يعود ملتئما في شمله البدد

وبالختام لكم اهدي التحية من

قلب بغير ولاكم غير معتقد

ويوم بلغت الخصومة أشدها بين المرجعين الكبيرين السيد ابو الحسن الاصفهاني والشيخ احمد كاشف الغطاء حول شخصية الخطيب السيد صالح الحلي فقد حرم الاول الاستماع الى خطابته وأحلها الثاني وعقد له مجلسا في بيته، وكان المترجم له - كما قلنا - تلميذا للشيخ احمد كاشف الغطاء فأنشد قصيدته التي يقول فيها:

انت العميد لهم برغم انوفهم

بل انت سيدها وكلهم سدى

رات الشريعة منك اكبر قائد

فرمت اليك زمامها والمقودا

والعلم مثل البحر هذا غائص

فيه وهذا منه ما بل الصدا

والعرب تعلم ان تاج فخارها

بسوى شريعة (احمد) لن يعقدا

سلها غداة تصفحت قرآنها

أفهل رأت (بيغمبرا او يا خدا)

فخر البيوت بأهلها فافخر على

بأبي الرضا والمرتضى علم الهدى

واذا روي عن آل جعفر في العلى

خبر فمن كف (الحسين) المبتدا

اني وان كنت البعيد قرابة

منكم فشعري عنكم لن يبعدا

وشاءت الارادة السماوية والحكمة الربانية والحمد لله على

٣١٤

جميل صنعه ان تنحصر الزعامة الدينية في الآية الكبرى السيد ابو الحسن بعد وفاة المرحوم الحجة الشيخ احمد كاشف الغطاء فيكون الشيخ الحجار من تلاميذه ومخلصيه ويراسله على سبيل المداعبة يستجديه ويستميح نيله وفضله فيقول:

عجبت وكل زماني عجب

ولست أصرح ماذا السبب

ولكن اشير وانت الخبير

ولا استحي منك اذ انت أب

(زقسم عجم را نمعدود شدم)

فهلا اعد قسم العرب

فيغدق السيد عليه بكرمه المعهود ويجعله ممثلا عنه في جانب (معقل) البصرة ويقوم الشيخ بأداء وظيفته الدينية كما يأمر به الشرع الشريف ولكن لم يطل عهده وعاجله القدر فتوفي ليلة السبت ٨ شعبان ١٣٥٨ ه‍ فنقل نعشه بموكب فخم الى النجف ودفن بوادي السلام.

٣١٥

المصادر المطبوعة

أعيان الشيعة

السيد محسن الامين

نقباء البشر

الشيخ محسن الطهراني

المراجعات الريحانية

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء

الذخيرة

الشيخ سليمان ظاهر

الحالي والعاطل

الدكتور عبد الرزاق محيي الدين

لماذا اختار هؤلاء مذهب أهل البيت

القبيسي

العراق في الشعر العربي والمهجري

الدكتور محسن جمال الدين

شعراء الغري

علي الخاقاني

شعراء من كربلاء

سلمان هادي الطعمة

المقبول في آل الرسول

ديوان الشيخ قاسم محيي الدين

ديوان

الشيخ حميد السماوي

ديوان

الشيخ محمد جواد الجزائري

حل الطلاسم

الشيخ محمد جواد الجزائري

ديوان

الشيخ عبد الحسين الحويزي

ديوان

الشيخ كاظم آل نوح

مع رجال الفكر في القاهرة

السيد مرتضى الرضوي

الحان الالم

عبد القادر رشيد الناصري

صوت فلسطين

عبد القادر رشيد الناصري

معارف الرجال

الشيخ محمد حرز الدين

أعلام العراق

باقر أمين الورد

سفينة الحق

ديوان الشيخ حسن آل صادق

ديوان

محمد رضا الشبيبي

أساطير

بدر شاكر السياب

٣١٦

رباعيات

محمود الحبوبي

الباقيات وأنفع الزاد

الشيخ باقر الخفاجي

مجلة الاعتدال

محمد علي البلاغي

مجلة الاصلاح

عبد الحسين الازري

مجلة الغري

شيخ العراقين

مجلة البيان

علي الخاقاني

جريدة الهاتف

جعفر الخليلي

المصادر المخطوطة

الطليعة من شعراء الشيعة

الشيخ محمد السماوي

مجموع

الشيخ كاشف الغطاء

سمير الخاطر وأنيس المسافر

الشيخ علي كاشف الغطاء

المجموع الرائق

الشيخ مهدي اليعقوبي

ديوان

الشيخ قاسم الملا

ديوان

الشيخ محمد الخليلي

ديوان

الشيخ كاظم السوداني

ديوان

الشيخ محمد رضا المظفر

الاعلام العوامية

الشيخ سعيد ابي المكارم

ديوان

جواد شبر

سوانح الافكار

جواد شبر

الضرائح والمزارات

جواد شبر

٣١٧

الفهرس

الشيخ جعفر النقدي ٧

الشيخ حسين شهيب ١٤

الشيخ محمد رضا ياسين ١٦

الشيخ محمد السماوي ١٨

الشيخ ابراهيم حموزي ٢٨

الشيخ عبد الله الستري ٣١

السيد محسن الأمين ٣٣

الشيخ محمد حسين المظفر٣٦

الشيخ مهدي اليعقوبي ٤٠

أدوار مرقص ٤٣

الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء٤٦

الشيخ محمد علي قسّام٦٢

الشيخ عبد الكريم العوامي ٦٦

محمد هاشم عطية٦٧

الشيخ قاسم المُلا ٧١

الحاج عبد الحسين الازري ٧٨

الشيخ عبد الحسين الحلّي ٩٥

الشيخ حسن سبتي ١٠١

حسين علي الأعظمي ١٠٣

حليم دمّوس ١٣١

عباس أبو الطوس ١٣٣

الشيخ محمد جواد الجزائري ١٣٦

الشيخ كاظم نوح ١٤٠

الشيخ كاظم كاشف الغطاء١٤٤

الشيخ كاظم السوداني ١٤٦

الشيخ محمد علي الأوردبادي ١٥٠

سليمان ظاهر١٥٣

الشيخ محمد حسين المظفر١٥٦

الشيخ باقر الخفاجي ١٥٩

السيد عبد الهادي الشيرازي ١٦٣

عبد القادر رشيد الناصري ١٦٦

الشيخ محمد رضا المظفر١٦٩

٣١٨

بدر شاكر السياب ١٧٢

الشيخ حميد السماوي ١٧٦

الشيخ حبيب المهاجر١٨٢

الشيخ مجيد خميّس ١٨٥

الشيخ محمد رضا الغرّاوي ١٨٨

الشيخ محمد علي اليعقوبي ١٩٠

الكونيل حبيب غطاس ١٩٨

هلال بن بدر٢٠١

الشيخ محمد رضا الشبيبي ٢٠٣

الشيخ حسن صادق ٢٠٩

الشيخ محمد رضا فرج الله ٢١١

حسين بستانة٢١٢

الشيخ علي البازي ٢١٥

ضياء الدخيلي ٢١٧

الشيخ حسين القديحي ٢١٩

أحمد خيري بك ٢٢٢

الشيخ محمد طه الحويزي ٢٢٤

الشيخ حسين الحولاوي ٢٣١

محمد الخليلي ٢٣٤

الشيخ كاتب الطريحي ٢٣٧

السيد محمد علي الغريفي ٢٣٩

السيد محمد رضا شرف الدين ٢٤٥

الدكتور مصطفى جواد٢٤٧

عبد الكريم العلاف ٢٥٠

السيد محمود الحبّوبي ٢٥٤

عبد الحميد السنيد٢٥٩

السيد عبّاس شبّر ٢٦٢

الشيخ محمد سعيد مانع٢٦٨

الدكتور زكي المحاسني ٢٧٠

الشيخ عبد الكريم صادق ٢٧٣

أنور العطّار٢٧٩

السيد احمد الهندي ٢٨٤

عادل الغضبان ٢٨٧

٣١٩

الشيخ مهدي مطر٢٩٠

ابو القاسم المغربي ٣٠٢

ابن أبي الخصّال الشقوري ٣٠٥

الحاج محمّد عجينة٣٠٩

الشيخ مهدي الحجار٣١٢

٣٢٠