أدب الطف الجزء ١٠

أدب الطف12%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 320

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127338 / تحميل: 10649
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

٢

السلطة التنفيذيّة

المراد بالسلطة التنفيذيّة في مصطلح اليوم هو هيئة الوزراء، وما يتبعها من دوائر ومديريّات منتشرة في أنحاء البلاد، ويكون مهمّتها تنفيذ ما يقرّره مجلس الشورى من تصميمات، وقرارات، ومخطّطات في شتّى حقول الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، وبالتالي يقع على عاتقها مهمّة إدارة البلاد بصورة مباشرة، وهذه السطة لا تتحدّد ـ في عصرنا ـ بتشكيلات محدّدة كمّاً أو كيفاً بحيث لا تتعدّاها بل تختلف من بلد إلى بلد، ومن زمن إلى زمن فهي تزيد أو تنقص، وتضاف مديريّة أو تحذف، أو يدمج بعض في بعض تبعاً للحاجة.

وهيئة الوزراء التي تتصدّر هذه السلطة إمّا أن :

أ ـ ينتخبها الحاكم الأعلى المنتخب للبلاد رأساً.

ب ـ أو ينتخبها مجلس الشورى.

ج ـ أو تنتخبها الاُمّة مباشرةً، وإن كان هذا نادراً.

وعلى أي تقدير فإنّ الذي لا بدّ منه هو أن تكون السلطة التنفيذيّة ـ وفي مقدمتها الوزراء موضع رضا الاُمّة، وذلك يحصل بإحدى الطرق المذكورة، وإن كان الدارج الآن

٢٨١

هو انتخابها عن طريق الحاكم الأعلى، مع موافقة مجلس الشورى.

وإنّما يجب أن تكون هذه السلطة موضع رضا الاُمّة لأنّها تتسلّم زمام السلطة المباشرة على نفوس الناس وأموالهم وأرواحهم، وهذا التسلّط والتصرّف يؤول إلى الاستبداد إذا لم يكن منوطاً برضا الناس، وموافقتهم وإرادتهم.

وهذا هو ما أكّد عليه الدين الإسلاميّ في نظامه السياسيّ، فقد أشار الإمام عليّ ابن أبي طالبعليه‌السلام إلى ذلك ـ في عهده المعروف للأشتر النخعيّ لـمّا ولاّه على مصر حيث وصّاه بأن يتحرّى رضا الرعيّة إذ قال: « وليكن أحبّ الاُمور أليك أوسطها في الحقِّ، وأعمَّها في العدل، وأجمعها لرضا الرَّعيَّة، فإنَّ سخط الخاصَّة ـ يُجحفُ برضا العامّة، وإنَّ سخط الخاصَّة يُغتفرُ مع رضا العامّة »(١) .

هذا والحديث عن السلطة التنفيذيّة يستدعي البحث في ثلاثة اُمور :

أوّلاً: إثبات ضرورة وجود هذه السلطة في الحياة الاجتماعيّة جنباً إلى جنب مع السلطة التشريعيّة، والحاكم الأعلى للبلاد.

ثانياً: استعراض ما كانت عليه هذه السلطة في ( العهد النبوي ) خاصّةً وما آلت إليه فيما بعد.

ثالثاً: بيان الكيفيّة التي يجب أن تكون عليه الآن.

وإليك بيان هذه الاُمور تدريجياً.

ضرورة السلطة التنفيذيّة :

لا ريب أنّ القوانين الإسلاميّة التي شرّعها الله سبحانه للبشريّة وأنزلها عليهم، وكذا ما يستنبطه الفقهاء والمجتهدون أو تقرّره السلطة التشريعيّة من برامج على ضوء التعاليم الإسلاميّة لم تكن إلّا لإدارة المجتمع. فلم يكن تشريع كلّ تلك الشرائع، ولا

__________________

(١) نهج البلاغة: الرسالة (٥٣).

٢٨٢

وضع جميع تلك البرامج عملاً اعتباطيّاً، بل كانت لأجل التنفيذ والتطبيق، وتنظيم الحياة الاجتماعيّة وفقها، فالقانون مهما كان راقياً وصالحاً ليس بكاف وحده في إصلاح المجتمع وإصلاح شؤونه، بل لا بدّ من إجرائه، وتنفيذه في الصعيد العمليّ.

إنّ الكتاب والسنّة زاخران بأحكام حقوقيّة ومدنيّة وجزائيّة وسياسيّة كثيرة وواسعة الأطراف والأبعاد وهي غير خافية على كلّ من له أدنى إلمام بهذين المصدرين الإسلاميّين العظيمين.

ففيهما الأمر الصريح والأكيد بقطع يد السارق:( فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) ( المائدة: ٣٨ ) وجلد الزاني والزانية:( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ) ( النور: ٢ ).

إلى غير ذلك من القوانين والحدود. ولقد حثّ الشارع الكريم على إجراء هذه الحدود وتنفيذ هذه القوانين، والتعاليم حثّاً أكيداً لا يترك لمتعلّل عذراً فقد ورد عن الإمام عليّعليه‌السلام أنّه قال: « سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: لن تقدس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقَّه من القوي غير متعتع »(١) .

وروى ابن أبي الحديد المعتزليّ أنَّه خرج رجل من أهل الشام في وقعة صفين فنادى بين الصفّين: يا عليّ ابرز أليّ، فخرج إليه عليّعليه‌السلام فقال: إنّ لك يا عليّ لقدماً في الإسلام والهجرة، فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن دماء المسلمين وتأخّر هذه الحروب حتّى ترى رأيك ؟ فقالعليه‌السلام : « وما هو ؟ » قال: ترجع إلى عراقك فنخلّي بينك وبين العراق، ونرجع نحن إلى شامنا فتخلّي بيننا وبين الشام ؟ فقال عليّعليه‌السلام : « قد عرفت ما عرضت إنّ هذه لنصيحة وشفقة، ولقد أهمَّني هذا الأمر وأسهرني وضربت أنفه وعينه، فلم أجد إلّا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

إنّ الله تعالى ذكره لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون، لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر فوجدت القتال أهون عليَّ من معالجة في الأغلال في جهنَّم »(٢) .

__________________

(١) نهج البلاغة: الرسالة (٥٣).

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢: ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

٢٨٣

ولـمـّا سرقت المرأة المخزوميّة ما سرقت ـ في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وأراد اُسامة بن زيد الشفاعة في حقّها، فكلّم النبيّ في أمرها، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أتشفع في حدّ من حدود الله » ؟!

ثمّ قام فخطب وقال: « أيّها الناسُ إنَّما هلك الَّذين من قبلكُم أنَّهم كانوا إذا سرق فيهم الشَّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضَّعيف أقاموا عليه الحدَّ »(١) .

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « ساعة إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة وحدّ يقام لله في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحاً »(٢) .

وفي حديث مفصّل وقضية مطوّلة قال الإمام عليّعليه‌السلام : « أللّهم إنّك قلت لنبيّك فيما أخبرته من دينك: يا محمّد من عطَّل حدَّاً من حدودي فقد عاندني وطلب بذلك مضادَّتي »(٣) .

وقال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً: « لابدَّ للنَّاس من إمام يقوم بأمرهم وينهاهم ويقيم فيهم الحدود ويجاهد فيهم العدوَّ، ويقسّم الغنائم ويفرض الفرائض أبواب ما فيه صلاحهم ويحذّرهم ما فيه مضارّهم، إذا كان الأمر والنهي أحد أسباب بقاء الخلق وإلاّ سقطت الرغبة والرهبة ولم يرتدع ويفسد التدبير وكان ذلك سبباً لهلاك العباد فتمام أمر البقاء والحياة في الطَّعام والشَّراب والمساكن والنكاح من النّساء والحلال الأمر والنَّهي »(٤) .

وعن الإمام الباقر محمد بن عليّعليه‌السلام : « إنّ الله تعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الاُمّةُ ـ إلى يوم القيامة ـ إلّا أنزله في كتابه، وبيَّنه لرسوله. وجعل لمن تعدَّى الحدَّ حدَّاً »(٥) .

وعنهعليه‌السلام أيضاً أنّه قال: « حدّ يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين

__________________

(١) صحيح مسلم ٥: ١١٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨: ٣٠٨، والخراج: ١٦٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٨: ٣٠٨.

(٤) رسالة المحكم والمتشابه للسيد المرتضى نقلاً عن تفسير النعمانيّ: ٥٠.

(٥) وسائل الشيعة ١٨: ٣١١.

٢٨٤

ليلة وأيّامها »(١) .

وعنهعليه‌السلام أيضاً أنه قال: « لا تبطل حدود الله في خلقه ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم »(٢) .

وقال الإمام الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إقامة حدّ خير من مطر أربعين صباحاً »(٣) .

وقال الإمام الكاظم موسى بن جعفرعليه‌السلام في تفسير قول الله عز وجل:( يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ) ( الروم: ١٩ ): « ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث الله رجالاً فيحيون العدل فتحيا الأرض لأحياء العدل، لإقامة الحدّ فيه أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحاً »(٤) .

إلى غير ذلك من الأحاديث الصريحة التي تحث على إجراء الحدود، مضافاً إلى الآيات القرآنيّة الكريمة التي تحثّ بدورها على العمل بأحكام الله سبحانه، دون فرق بين ما تعلّق منها بالفرد أو المجتمع وتندّد بالذين يعلمون الكتاب، ويعرفون ما فيه من التعاليم والأحكام ولا يعملون بها.

بيد أنّ تنفيذ الأحكام والقوانين المتعلّقة بالمجتمع، وإجراء الحدود لا يمكن أن يفوّض إلى عامّة الناس وسوادهم فلا يعني ذلك إلّا شيوع الفوضى، وضياع الحقوق، واضطراب الحدود بين الافراط والتفريط، ولهذا لابدّ من جهاز تنفيذيّ خاصّ يتولّى هذه المهمّة الاجتماعيّة الحساسّة ويقوم بهذا الدور الخطير.

ومن العجيب أنّ موضوع الهيئة التنفيذيّة رغم كونه من أبرز ما أشار إليه الإسلام بل وصرّح به في نظام الحكومة الإسلاميّة ؛ قد تعرّض لتجاهل بعض الباحثين حول الإسلام بل وإنكارهم ؛ فقد أخذ بعض المستشرقين ـ فيما أخذ ـ على الإسلام فقدانه لجهاز تنفيذيّ ونظام حكوميّ يضمن تنفيذ القوانين، ويضفي على الإسلام طابع المنهج

__________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة ١٨: ٣٠٨، ٣١٥.

(٣ و ٤) نفس المصدر: ٣٠٨.

٢٨٥

الصالح لقيادة البشريّة حتّى في الصعيد السياسيّ فقال ما ملخّصه: « إنّ الإسلام مشتمل على قوانين وسنن رفيعة تتكفّل سعادة المجتمع فرديّاً واجتماعيّاً بيد أنّ ما جاء به الإسلام لا يتجاوز حدود التوصية الاخلاقيّة والإرشاد المعنويّ دون أن يكون لديه ما يضمن تنفيذها من سلطات وأجهزة، فإنّنا لم نلمس في التعاليم الإسلاميّة الموجودة أي إشارة إلى هيئة تنفيذيّة تقوم بإجراء الأحكام، وتنفيذ القوانيين ولذلك تعتبر الشريعة الإسلاميّة غير كافية من هذه الناحية، وعاجزةً عن التطبيق ».

هذا هو خلاصة ماقاله بعض المستشرقين، ولكن لو رجع صاحب هذه المقالة إلى الكتاب والسنّة، ولاحظ ما طفحت به الكتب الفقهيّة الإسلاميّة من سياسات اجتماعيّة، وحقوق مدنيّة، وتدابير جزائيّة عهد إجراؤها إلى الحاكم الإسلامي ؛ للمس وجود الهيئة التنفيذيّة في النظام الإسلاميّ بجوهره وحقيقته وإن لم يكن بتفصيله المتعارف الآن.

فأيّ تصريح بوجود الجهاز التنفيذيّ أكثر صراحةً من إيكال قسم كبير من القضايا الاجتماعيّة، والاُمور الجزائيّة إلى ( الحاكم الشرعي ) حيث نجد الكتب الفقهيّة زاخرةً بعبارات: عزّره الحاكم، أدّبه الحاكم، نفاه الحاكم، طلّق عنه الحاكم، حبسه الحاكم، خيّره الحاكم(١) . وما شابه من الاُمور المخوّلة إلى الحاكم الإسلاميّ، وهو يوحي بوجود جهاز تنفيذيّ في النظام الإسلاميّ، لأنّ أكثر تلك المهام هي من صلاحيات السلطة التنفيذيّة المتعارفة الآن.

هذا مضافاً إلى أنّ موضوع ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) الذي يؤكّد عليهما الدين الإسلاميّ أشدّ تأكيد يعتبر من أوضح الأدلّة على لزوم مثل هذا الجهاز التنفيذيّ حتّى يمكن القول ـ بدون مبالغة ـ أنّ المقصود بالقائمين بهذه الفريضة الكبرى، والوظيفة العظمى هو ( الهيئة التنفيذيّة ).

__________________

(١) راجع هذا الجزء: ٢٣ ـ ٣٠.

٢٨٦

الآمرون بالمعروف هم السلطة التنفيذيّة :

إنّ النظر العميق في فريضة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) وأحكامهما ومسائلهما، وشروطهما يقضي بأنّ الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم ( السلطة التنفيذيّة ) التي تقع على عاتقها مهمّة إجراء الأحكام، وتنفيذها وصيانتها في المجتمع الإسلاميّ. ولابدّ ـ قبل إثبات هذا الأمر ـ من تقديم مقدّمة حول هذه الفريضة الإسلاميّة العظمى فنقول: تعتبر وظيفة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) أصلاً مبتكراً، وفريضةً بديعةً جاء بها الإسلام وهي ممّا لم يعهد لها نظير في الأنظمة الوضعيّة البشريّة فقد فرض الدين الإسلاميّ ـ بموجب هذه الفريضة ـ على أتباعه أن ينشروا الخير والمعروف بين الناس، ويزجروا عن الشرّ والمنكر، ولا يكونوا متفرّجين أو ساكتين اتّجاه ما يجري في المجتمع ويقع من إظهار المنكر أو تضييع للمعروف.

ولقد انطلق الإسلام ـ في إيجابه لهذه الفريضة العظيمة ـ من حقيقة اجتماعيّة مسلّمة وهي: أنّ أعضاء المجتمع الواحد الذين يعيشون في بيئة واحدة، مشتركون في المصير فلو كان هناك خير لعمّ الجميع ولم يقتصر على فاعله، ولو كان هناك شرّ لشمل الجميع أيضاً ولم يختصّ بمرتكبه. ومن هناك يجب أن تتحدّد تصرّفات الأفراد في هذا المجتمع، وتتحدّد حريّاتهم بمصالح الاُمّة، ولا تتخطّاها.

ولقد شبّه الرسول الأكرم وحدة المصير للمجتمع الواحد بأحسن تشبيه حيث مثّل أفراد المجتمع بركاب سفينة في عرض البحر، إذا تهددها خطر تهدّد الجميع ولم يختصّ بأحد دون أحد ولذلك لا يجوز لأحد ركّابها أن يثقب موضع قدمه بحجّة أنّه مكان يختصّ به. ولا يرتبط بالآخرين، لأنّ ضرر هذا العمل يعود إلى الجميع ولا يعود إليه خاصّةً. وهذا هو أفضل تشبيه لاشتراك المجتمع الواحد في المصير، والمسير(١) .

كما أنّه لو أصيب أحد أفراد المجتمع بالوباء لم يجز له أن يتجوّل في البلاد بحجّة

__________________

(١) راجع روض الجنان للشيخ أبي الفتوح الرازيّ.

٢٨٧

أنّه حرّ ؛ لأنّ ذلك يعرّض سلامة الآخرين للخطر، فلا بدّ أن يتحدّد تجوّله، تجنيباً للمجتمع من كوارث ذلك المرض.

إنّ هذه الأمثلة وأشباهها توضّح أهميّة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ومكانتهما ومدى أثرهما في سلامة المجتمع واستقامته وصلاحه، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نظارة عموميّة، ورقابة صارمة تمنع من تفشّي المنكر وتساعد على نمو الخير، وازدهاره. وهما إلى جانب ذلك سبب قويّ في بقاء الدين، واستمرار الرسالة الإلهيّة.

ولقد وردت في التأكيد على هذه المهمّة الخطيرة آيات قرآنيّة كثيرة، وأحاديث، تأمر الجميع بالقيام بالدعوة إلى الخير، وإنكار المنكر، وهي معلومة وواضحة لكلّ من له أدنى إلمام بالشريعة الإسلاميّة.

نعم، ربّما يُتوهّم من بعض الآيات خلاف ذلك، وهي تلك الآيات التي يتمسّك بها بعض طلاب الراحة والعافية واتّباع الهوس لسدّ باب التبليغ والدعوة، أو للتخلّص من تحمّل مشكلاتها، وصعوبتها، ومن تلك الآيات قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( المائدة: ١٠٥ ).

وقد رفع المفسّرون النقاب عن وجه هذه الآية وفسّرها الأمين الطبرسيّ في تفسيره مجمع البيان بقوله: « إنّ الآية لا تدل على جواز ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل توجب أنّ المطيع لربّه لا يؤخذ بذنوب العاصي »(١) .

بيد أنّ لنا توضيحاً آخر لمفاد هذه الآية وهو: أنّ الآية تشير إلى سيرة عقلائيّة وقضيّة عقليّة وهي أنّ على من يريد إصلاح المجتمع أن يبدأ بنفسه ثمّ يتعرّض لإصلاح الآخرين فما لم يصلح المرء نفسه ليس له أن يؤدّب غيره، وإلى ذلك يشير الإمام عليّعليه‌السلام قائلاً: « من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبهُ بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلمُ نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣: ٢٥٤.

٢٨٨

ومؤدّبهم »(١) .

وبالجملة أنّ الآية ناظرة إلى الاجتماعات الفاسدة الغارقة في الفساد والانحراف فإنّ الطريق الوحيد لإصلاحها هو الابتداء بإصلاح الذات وعدم توقّع أي إصلاح للغير قبل ذلك ؛ وأن لا يترك إصلاح نفسه بحجّة أنّ المجتمع فاسد وإليه يشير قوله سبحانه:( لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) ويؤيد ذلك قول النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء ».

فقيل: يا رسول، من الغرباء ؟ فقال: « الَّذين يصلحون إذا أفسد الناس من سنَّتي »(٢) .

وهذا الحديث يرفع التوهّم حول الآية خصوصاً إذا قرئ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يصلحون » بصيغة اللازم، فإلى هذا المعنى تشير الآية المذكورة. وعلى أي تقدير فالآية لا ترتبط بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تمتّ بهما بصلة.

ولقد كفى في أهميّة هذه الوظيفة أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد بلغا من الأهميّة والأثر حتّى صارا أفضل من الجهاد إذ قال الإمام عليّعليه‌السلام : « وما أعمال البرّ كلّها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلّا كنفثة في بحر لجّيّ »(٣) .

ووجه هذه الأفضليّة على الجهاد وسائر أعمال البرّ هو أنّ ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) بكلا قسميه ( الفرديّ والاجتماعيّ ) كما سيوافيك بيانهما مكافحة داخليّة، والجهاد كفاح خارجيّ. والاُولى متقدّمة على الثانية، فلو لم يصلح الداخل لم يصلح الخارج، وما دام الداخل غير مستعدّ للإصلاح لا يمكن للمسلمين أن يخطوا أيّة خطوة لإصلاح الخارج.

كما ويؤكّد ضرورة إنكار المنكر وحرمة تركه قوله تعالى:( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي

__________________

(١) نهج البلاغة: ـ الحكم ـ الرقم (٧٣).

(٢) جامع الاُصول ١٠: ٢١٢، أخرجه الترمذي.

(٣) نهج البلاغة: قصار الحكم الرقم (٣٧٤).

٢٨٩

الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ) ( النساء: ١٤٠ ).

فهذه الآية تدلّ على أنّ السكوت على المنكر يوجب أن يكون الساكت على الذنب كالمرتكب له، ولأجل ذلك قال الإمام عليّعليه‌السلام : « إنَّما يجمع الناسُ الرِّضى والسَّخطُ وإنَّما عقر ناقة ثمود رجُل واحد فعمَّهُم الله بالعذاب لـمّا عمّوهُ بالرِّضى »(١) .

ثمّ إنّ الغور في هذه الوظيفة الإسلاميّة ومعرفة شروطها وفروعها وآثارها الحيويّة يستدعي إفراد رسالة مفصّلة خاصّة بذلك.

غير أنّنا نقتصر هنا على ذكر ما يرتبط ببحثنا وهو إثبات وجود ( السلطة التنفيذيّة ) في نظام الحكم الإسلاميّ فنقول: إنّ النظر في مهمّة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) يقضي بأنّ الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر يتمثّلون ـ في الحكومة الإسلاميّة ـ في ( الهيئة التنفيذيّة ) فليست هذه السلطة في حقيقة الأمر إلّا القائمين بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على صعيدهما الاجتماعيّ العموميّ. والوقوف على هذا المطلب يحتاج إلى التنبيه على أنّ فريضة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) تنقسم إلى وظيفتين :

١. وظيفة فرديّة.

٢. وظيفة اجتماعيّة عموميّة.

وهما يختلفان ماهيّةً وشروطاً حسبما نعرف ذلك من الكتاب والسنّة كما سيوافيك بيانه.

أمّا الكتاب فنجده يوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارةً على المجتمع، أي على كلّ فرد فرد من أعضاء الاُمّة الإسلاميّة، وتارةً على جماعة خاصّة من المجتمع الإسلاميّ وإلى القسم الأوّل ( الفردي ) يشير قوله تعالى:( وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة (٢٠١).

٢٩٠

أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ( التوبة: ٧١ ).

وقوله تعالى:( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ ) ( التوبة: ١١٢ ).

وقوله سبحانه:( كُنتُمْ خَيْرَ أمّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) ( آل عمران: ١١٠ ).

إلى غير ذلك من الآيات، والخطابات الموجّهة إلى المجتمع بصورة عامّة.

وإلى القسم الثاني تشير الآيات التي تضع هذه الوظيفة على عاتق جماعة خاصّة وتعبّر عنها ب‍ ( أمّة ) وفي ذلك قوله سبحانه:( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أمّة يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) ( العمران: ١٠٤ ).

ومن المعلوم أنّ الاُمّة عبارة عن جماعة خاصّة تجمعهم رابطة العقيدة ووحدة الفكر، وهي وإن كانت تطلق أحياناً على الفرد الواحد كقوله سبحانه:( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أمّة قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ ) ( النحل: ١٢٠ ) لكنه إطلاق واستعمال غير شائع فلا تحمل الآية عليه. وقد فسّر الإمام الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام هذه الآية بقوله: « وسُئل عن الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أواجب هو على الاُمّة جميعاً ؟ فقال: لا، فقيل لهُ: ولم ؟ قال: إنَّما هُو على القوي الـمـُطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضَّعيف والدَّليلُ على ذلك كتاب الله عزَّ وجلَّ قوله:( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أمّة يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ) فهذا خاص غير عام كما قال الله عزَّ وجلَّ:( وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أمّة يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) ( الأعراف: ١٥٩ ) ولم يقل: على أمّة موسى ولا على كُلِّ قومه، وهم يومئذ اُمم مختلفة والاُمّة واحد فصاعداً كما قال الله عزَّ وجلَّ:( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أمّة قَانِتًا للهِ ) »(١) .

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١: ٤٠٠.

٢٩١

وقوله تعالى:( إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ) ( الحج: ٤١ ).

فهذه الآية تشير ـ بوضوح ـ إلى أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المذكورين في الآية هو من النوع الذي يحتاج إلى المكنة والقدرة والسلطة، فالوصف فيه وصف للمؤمنين الذين تمكّنوا من السلطة وبالتالي فهو وصف للجهاز الحاكم والسلطة التنفيذيّة، ولا يمكن إرجاعه إلى عامّة المسلمين لأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتوجّبين على الكافة لا يختصّ بظرف المكنة في الأرض، ولا يتقيد بقيد السلطة، بل تجب مراتبه قلباً ولساناً في جميع الأحوال بل يمكن أن يقال أيضاً إنّ الدعوة والتبليغ حتى باللسان على قسمين :

قسم يمكن أن يقوم به كلّ مسلم عارف بضروريات الإسلام من واجبها وحرامها.

وقسم لا يمكن أن يقوم به إلّا فرقة من كلّ طائفة ممّن صرفوا أوقاتهم وأعمارهم في تعلّم الدين بعمقه وتفاصيله وجزئيّاته، وإلى ذلك يشير قوله تعالى:( وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ( التوبة: ١٢٢ ).

وقد سئل الإمام الصادقعليه‌السلام عن قول رسول الله: « اختلافُ أُمّتي رحمة » فقال: « صدقوا في هذا النَّقل » فقلت: إن كان أختلافهم رحمةً فاجتماعهم عذاب قال: « ليس حيثُ تذهب وذهبوا، إنَّما أراد قولُ الله تعالى:( فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) فأمرهُم الله أن ينفروا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويختلفوا إليه فيتعلّموا ثمَّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم، إنّما أرادهم من البلدان لا اختلافهم في الدين إنّما الدّينُ واحد »(١) .

__________________

(١) تفسير البرهان ٢: ١٧٢ ومعاني الاخبار: ١٥٧ وعلل الشرائع ١: ٦٠ وقد نقلها صاحب الوسائل في ٨: ١٠١ ـ ١٠٢.

٢٩٢

وأمّا الأحاديث والأخبارُ الواردة في شأن وظيفة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر فهي أيضاً تُقسِّم هذه الفريضة إلى قسمين :

قسم لا يحتاج القيام به الى جهاز خاص وقدرة وتمكّن، لأنّه لا يتجاوز القلب واللسان والوجه. وقسم يتوقّف القيام به على الجهاز والقوَّة والسّلطة.

وإلى القسم الأوّل يشير ما روي عن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام إذ قال: « من ترك إنكار المنكر بقلبه ولسانه فهو ميّت بين الأحياء »(١) .

وعنهعليه‌السلام أيضاً قال: « أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرَّة »(٢) .

وقالعليه‌السلام أيضاً: « أدنى الإنكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة »(٣) .

وعن الإمام الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام إذ قال: « حسبُ المؤمن غيراً ( أي غيرة ) إذا رأى منكر أن يعلم الله عزَّ وجلَّ من قلبهُ إنكاره »(٤) .

وهذا القسم من الأحاديث الحاثَّة على الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر يشملُ كلّ فرد من أفراد المسلمين ولا يتجاوز القلب والوجه واللسان ويمكن لأيِّ فرد من الأفراد القيام به ؛ إذ لا يحتاج إلى تكلّف مؤنة، ولا توفّر قوَّة وسلطة وهو بالتالي يعمُّ كلّ مسلم آمراً ومأموراً حاكماً ومحكوماً.

وأمّا القسم الثاني ؛ وهي الأحاديث التي تجعل الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر دعامةً لأقامة الفرائض، وسبيلاً إلى أمن الطرق والمسالك، وردِّ المظالم، وردع الظَّالم، ووسيلةً إلى عمارة الأرض والانتصاف من الأعداء وهي اُمور لا تتحقّق إلّا بجهاز قادر متمكِّن فهي كالتالي :

قال الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام : « إنَّ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض والنَّهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء بها

__________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة ١١: ٤٠٤، ٤١٣.

(٣ و ٤) وسائل الشيعة ١١: ٤١٣، ٤٠٩.

٢٩٣

تأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتردّ المظالم وتعمّر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر »(١) .

ومن المعلوم أنّ الأمر والنّهي المؤدّيين إلى أمان الطّرق والمسالك وعمارة الأرض والانتصاف من الأعداء للمظلومين لا يتيسّر إلّا بجهاز تنفيذيّ قويّ، وسلطة إجرائيّة قادرة تتحمّل عبء الأمر والنّهي على المستوى العموميّ وبواسطة الأجهزة والتشكيلات، هذا مضافاً إلى أنّ ذكر الأنبياء في الحديث لعلّه يوحي بأنّ الأمر والنهي المذكورين هنا هو ما كان مقروناً بالحاكميّة والسلطة على غرار ما كان للأنبياء: حيث كانوا يمارسون مهمّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ غالباً ـ من موقع السلطة والحاكميّة والولاية لا من موقع الفرد ومن موضع التبليغ ومجرد الوعظ والإرشاد الفرديّ.

وعن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « لا تزال اُمّتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرِّ فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلّط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء »(٢) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع ردِّ المظالم، ومخالفة الظالم وقسمه الفيء وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقّها »(٣) .

ومن البين أنّ مخالفة الظالم وردعه وإيقافه عند حدّه، وتقسيم المال بين المسلمين بصورة عادلة وأخذ الصدقات والموارد الماليّة، الذي يعني التنظيم الاقتصاديّ على المستوى العام للمجتمع، لا يتأتّى عن طريق الأمر والنهي الفرديين والمنحصرين في إطار الموعظة بل يحصل ويتحقّق بوجود جهاز تنفيذيّ حاكم وسلطة إجرائيّة تتولّى إدارة دفّة البلاد وفق تعاليم الإسلام، فإنّ مثل هذا الأمر والنهي يحتاج إلى استعمال القوّة

__________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة ١١: ٣٩٥، ٣٩٨.

(٣) وسائل الشيعة ١١: ٤٠٣، وقد ورد مثلها عن الإمام الحسين بن عليّ في تحف العقول: ١٧١ ( طبعة بيروت ).

٢٩٤

لإجراء الحدود والعقوبات وتنفيذ الأحكام الجزائيّة، وهي اُمور لا يمكن أن تتحقّق إلّا في ظلّ سلطة وجهاز تنفيذيّ.

من هنا ؛ تكون الوظيفة العموميّة وما يترتّب عليها من الحبس والتأديب والقصاص وما شابه ؛ مقتضية لوجود سلطة تنفيذيّة يعهد إليها الأمر والنهي الاجتماعيين العموميين، الذين فيهما صلاح عامّة الناس، واستقامة اُمورهم عامّة ويمكن إستفادة هذا المطلب من كلام للسيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام إذ قالت: « والأمرُ بالمعروف مصلحة للعامَّة »(١) .

إذ أي أمر بالمعروف يمكن أن يكون مصلحة للعامّة إذا لم يكن القائم به جهاز ذو قدرة وسلطان يقوم بذلك عن طريق التشكيلات والتنفيذ العام.

كما ويمكن استفادة ذلك أيضاً من كلام الإمام عليّعليه‌السلام إذ قال: « أخذ الله على العُلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم وسغب مظلوم »(٢) .

فكيف يمكن منع الظالم من ظلمه، ومنع المستغلّ من الاستئثار بلقمة الفقير، إلّا بجهاز وسلطة خاصّة، فليس العلماء المذكورون في هذا الحديث إلّا ذلك الجهاز التنفيذيّ القادر على الإجراء.

وكذا يستفاد هذا الأمر من كلام آخر للإمامعليه‌السلام وهو يتحدّث عن الوالي وماله وما عليه: « أللّهم إنّك تعلم أنّه لم يكن الّذي كان منّا منافسةً في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام ولكن لنردَّ المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطَّلة من حدودك »(٣) .

__________________

(١) بلاغات النساء لابن طيفور ـ المتوفّى عام ( ٣٨٠ ه‍ ) ـ ص ١٢، ومعاني الأخبار: ٣٣٦.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة (٣).

(٣) نهج البلاغة: الخطبة (١٢٧) شرح عبده، وقد ورد نظيره عن الإمام الحسين بن عليّ إذ قال: « أللّهم إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام ولكن لنرى المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك » راجع تحف العقول: ١٧٢ ( طبعة بيروت ).

٢٩٥

فكيف يمكن أمان المظلومين، وإقامة الحدود المعطّلة وإظهار الإصلاح العام في البلاد وتطبيق سنن الله وأحكامه بلا استثناء إلّا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المعتمدين على السلطة والناشئين عن جهاز تنفيذيّ ؟

إذ كيف يمكن قيام الفرد أو الأفراد بكلّ ذلك وهو بحاجة إلى قدرة وتمكّن ونفوذ أمر وسلطان ؟

ويمكن تأييد ضرورة وجود هذه السلطة واختصاص هذا النوع من ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) الذي يتجاوز القلب والوجه واللسان ويتعدّاه إلى ( اليد ) وإستعمال القوة والسلطة ؛ بتنديد الله بالربانيّين والأحبار الذين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهم المسؤولون عن ذلك لأنّهم كانوا في مقام الإمرة وفي موقع السلطة فقال الله تعالى:( وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) ( المائدة: ٦٢ ـ ٦٣ ).

وقد أشار الإمام عليّعليه‌السلام إلى تفسير هذه بقوله: « أمّا بعد فإنّه إنّما هلك من كان قبلكم حينما عملوا من المعاصي ولم ينههم الرَّبانيون والأحبار عن ذلك وأنَّهم لـمّا تمادوا في المعاصي ولم ينههم الرَّبانيون والأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات »(١) .

وهكذا تفيد نصوص الكتاب والسنّة وجود نوعين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ أحدهما وظيفة جميع الأفراد والآخر وظيفة سلطة قادرة

وبذلك يجمع بين الطائفتين من الآيات والروايات اللتين يضع قسم منها هذه الوظيفة على عاتق الجميع، وقسم منها على عاتق جماعة خاصّة ؛ فالأوّل راجع إلى الوظيفة الفرديّة منهما، فهو الذي يجب على الجميع، والثاني راجع إلى الوظيفة الاجتماعيّة التي تختصّ باُمّة متمكّنة من السلطة.

وممّا يدلّ على هذا إلى جانب تلك النصوص فتاوى الفقهاء ـ في باب الحدود ـ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١: ٣٩٥.

٢٩٦

والتي تضافرت على أنّه لو وجب قتل مسلم قصاصاً لم يجز لأحد أن يقتص منه غير ولي الدم بإذن الحاكم أو الحاكم نفسه، فلو قتله غيره كان عليه القود، ولا يتوهّم أنّ من وجب عليه إجراء الحدّ، يكون مهدور الدم بالنسبة إلى كلّ واحد فإنّه توهّم باطل فإنّ من وجب عليه الحد والقصاص على أقسام :

١. إمّا أن يكون مهدور الدم لكلّ أحد كساب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو الكافر الحربيّ، فإنّه إذا قتله المسلم أو الذمي لا قود عليهما. ولكنّهما يعزّران لتدخلهما في أمر الحاكم.

٢. أن يكون مهدور الدم بالنسبة إلى المسلمين كالمرتد الفطريّ، فإذا قتله المسلم لا قود عليه، ولو قتله الذميّ فعليه قود، ومع ذلك فيعزّر المسلم لو قتله للتدخّل المذكور.

٣. أن يكون مهدور الدم بالنسبة إلى من له القصاص ( أي وليّ الدم ) ومن إليه القصاص ( أي الحاكم ) كالقاتل المسلم ظلماً فلا يجوز لغير ولي الدم أو الحاكم قتله(١) .

٤. أن يكون مهدور الدم بالنسبة إلى من إليه الحكم، كاللائط والزاني المحصن.

كما أنّ ممّا يدلّ على وجود نوعين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أنّ الفقهاء ذكروا للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر شروطاً أربعة هي :

١. أن يكون عارفاً بالمعروف من المنكر.

٢. أن يحتمل تأثير إنكاره فلو غلب على ظنّه أو علم أنّه لا يؤثّر لم يجب عليه شيء.

٣. أن يكون الفاعل للمنكر مصرّاً على الاستمرار فلو لاحت منه إمارة الامتناع أو قلع عنه، سقط الإنكار.

٤. أن لا يكون في الإنكار مفسدة، فلو ظنّ توجّه الضرر إليه، أو إلى ماله أو إلى أحد من المسلمين سقط(٢) .

__________________

(١) راجع جواهر الكلام ونظائر هذه المسألة من ص ١٥٩ ـ ١٩٨ الجزء ٤١.

(٢) شرائع الإسلام: كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٢٩٧

ومن المعلوم ؛ أنّ الشرط الثاني ( احتمال التأثير ) والثالث ( الإصرار على المنكر ) من شروط القسم الفرديّ من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا الاجتماعيّ منهما إذ لا يعتبر في الاجتماعيّ من هذه الفريضة احتمال التأثير، بل للحاكم أن يجري الحدود والعقوبات المقرّرة فيقتصّ من القاتل أو الجارح، ويقطع يد السارق سواء أكان هناك تأثير أم لا.

كما أنّ للحاكم أن يجري الحدود والعقوبات المقرّرة سواء كرّر المجرم أم لم يكرّر جريمته ومعصيته، ولأجل هذا يجب التمييز والفصل بين الأمر والنهي الفردي، والأمر والنهي الاجتماعيّ العموميّ لاختلافهما في الشروط والغايات. ولا شكّ أنّ هذه المغايرة والتمايز يكشف ـ وبمعونة ما سبق وما يأتي من الأدّلة ـ عن أنّ القسم الثاني من هذه الفريضة هو من شأن سلطة تنفيذيّة وجهاز حكم وليس من شأن الأفراد.

دفع إشكال حول الأمر والنهي :

ربما يتوهّم أحد أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينطويان على مجرّد طلب فعل المعروف وطلب ترك المنكر وهذا ممّا لا يتحقّق في إجراء حدّ القتل أو الرجم على المحكوم بهما، فكيف يمكن أن نعتبرهما من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟

ولكن هذا الإشكال مدفوع بأنّ الطلب الإنشائي الذي هو من قبيل المفهوم، وإن لم يكن موجوداً في إجراء حدّ القتل والرجم لكنّه فيه واقعيّة الطلب وحقيقته وأثره، إذ باجراء هذين الحدّين تنعدم المنكرات واقعاً، ولو بالنسبة للآخرين، وهذا نظير قوله سبحانه:( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة: ١٧٩ ) فإن قتل القاتل وإن كان سلباً لحياته لكنّه إحياء للنفوس الاُخرى. وهو هدف القصاص، ولأجل ذلك كانت العرب تقول في مورد القصاص « القتل أنفى للقتل ».

وخلاصة القول أنّ الأثر المطلوب من إجراء الحدود وإن كان منفيّاً بالنسبة إلى الجاني نفسه ولكنّه موجود بالنسبة إلى المجتمع.

٢٩٨

هذا وممّا يؤكد وجود نوعين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنّ علماء الإسلام ذكروا للمحتسب وهو من يقوم بالأمر والنهي الاجتماعيّين شروطاً لا تعتبر في القسم الفرديّ من هذه الفريضة.

فقد قال ابن الاخوة القرشيّ في كتابه معالم القربة في أحكام الحسبة :

الحسبة من قواعد الاُمور الدينيّة، وقد كان أئمّة الصدر الأوّل يباشرونها بأنفسهم لعموم صلاحها وجزيل ثوابها وهي: أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله وإصلاح بين الناس، قال الله تعالى:( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إلّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) ( النساء: ١١٤ ).

والمحتسب من نصبه الإمام أو نائبه للنظر في أحوال الرعيّة والكشف عن اُمورهم ومصالحهم ( وفي نسخة اُخرى: وبياعاتهم ومأكولهم ومشروبهم ومساكنهم وطرقاتهم ) وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.

ومن شروط المحتسب أن يكون: ( مسلماً ) ( حرّاً ) ( بالغاً ) ( عاقلاً ) ( عدلاً ) ( قادراً )(١) .

ومن المعلوم أنّ ( الحريّة ) و ( البلوغ ) و ( العدالة ) ليست شروطاً في القسم الفرديّ من وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فهذا التباين في الشرائط والصلاحيّات يكشف ـ بوضوح ـ عن تنوّع وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى نوعين مختلفين: فرديّ، وعموميّ، والأوّل هو وظيفة كلّ فرد من أفراد المسلمين، بينما يختصّ الثاني بجهاز وسلطة ويتطلّب وجودها في الحياة الإسلاميّة.

وظيفة المحتسب والسلطة التنفيذيّة :

وممّا يدلّ على اختصاص القسم الاجتماعيّ من وظيفة ( الأمر بالمعروف والنهي

__________________

(١) معالم القربة في أحكام الحسبة لابن الاخوة: ٧.

٢٩٩

عن المنكر ) والمسمّى بالحسبة، بالسلطة التنفيذيّة ؛ مطالبة الإمام عليّعليه‌السلام أحد ولاته على بعض الأمصار بأن يقوم بها ـ وهو في موقع الحكم ـ باعتبار أنّ ذلك أحد مسؤوليّاته ووظائفه وهو يتولّى اُمور المسلمين إذ قال: « من الحقّ عليك حفظُ نفسك والاحتسابُ على الرَّعيّة بجهدك فإنّ الّذي يصلُ إليك من ذلك ( أي من جانب الله ) أفضلُ من الّذي يصلُ بك ( أي من جانب الناس ) ».

وقد أشار صاحب كتاب معالم القربة في أحكام الحسبة فروقاً بين المحتسب والمتطوّع للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ قال: ( وأمّا ما بين المحتسب المتولّي من السلطان وبين المنكر المتطوّع من عدّة أوجه :

أحدها: أنّ فرضه متعيّن على المحتسب ـ بحكم الولاية ـ وفرضه على غيره داخل تحت فرض الكفاية.

الثاني: أنّ قيام المحتسب به من حقوق تصرّفه الذي لا يجوز أن يتشاغل عنه بغيره، وقيام المتطوّع به من نوافل عمله الذي يجوز أن يتشاغل عنه بغيره.

الثالث: أنّه منصوب للاستعداء إليه في ما يجب إنكاره، وليس المتطوّع منصوباً للاستعداء.

الرابع: على المحتسب إجابة من استعداه وليس على المتطوّع إجابته.

الخامس: أنّ له أن يتّخذ على الإنكار أعواناً لأنّه عمل هو له منصوب، وإليه مندوب وليكون له أقهر، وعليه أقدر، وليس للمتطوّع أن يتّخذ لذلك أعواناً.

السادس: أنّ له أن يعزّر في المنكرات الظاهرة ولا يتجاوز بها الحدود، وليس للمتطوّع أن يعزّر.

السابع: أن يرتزق على حسبته من بيت المال وليس للمتطوّع أن يرتزق على إنكار منكر إلى غير ذلك.

فهذه وجوه الفرق بين من يحتسب بولاية السلطان ( أي يقوم بالقسم الاجتماعيّ

٣٠٠

انت يا مفخرة الدهر ومن

قد توطأت من المجد السناما

أكما قيل على رغم الهدى

بيد الجور تجرعت الحماما

من طغام ضرجت تاريخها

بدم الحق مضاعا ومضاما

سنة خطت لكم من سابق

كيفما متم فقد متم كراما

رمتم الاخرى فلم تتخذوا

لكم من متع الدنيا حطاما

* * *

أمة العرب احفظيها ذمة

لابي كان لم يخفر ذماما

جددي الذكرى له واحتفلي

واجعلي عندك ذكراه لزاما

واهتفي باسم امام الحق لو

صح ان لا تجعلي النوح ختاما

٣٠١

المستدركات

ابو القاسم المغربي

الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن محمد المغربي

المتوفى سنة ٤١٨

قال وقد لجأ الى مشهد الحسين بن علي بن ابي طالبعليهم‌السلام

تحصنت من كيد العدو وآله

بمجنبة من حب آل محمد

ودون يد الجبار من أن تنالني

جواشن أمن صنتها بالتهجد

ألح على مولى كريم كأنما

يباكر مني بالغريم اليلندد

ليسلمني من بعد أن أناجاره

وقد علقت احدى حبائله يدي(١)

ترجم له العماد الحنبلي في (شذرات الذهب) فقال: ابو القاسم بن المغربي الوزير واسمه حسين بن علي الشيعي، لما قتل الحاكم بمصر أباه وعمه واخوته هرب وقصد حسان بن مفرج الطائي ومدحه فأكرم مورده ثم وزر لصاحب ميافارقين احمد بن مروان الكردي، وله شعر رائق وعدة تآليف عاش ثمانيا واربعين سنة وكان من ادهى البشر وأذكاهم.

وترجم له الحموي في معجم الادباء قال: ابو القاسم المعروف بالوزير المغربي الاديب اللغوي الكاتب الشاعر، ولد فجر يوم الاحد ثالث عشر ذي الحجة سنة سبعين وثلثمائة وحفظ القرآن وعدة كتب في النحو واللغة وكثيرا من الشعر، وأتقن الحساب والجبر والمقابلة ولم يبلغ العمر أربعة عشر ربيعا وكان حسن الخط سريع البديهة في النظم والنثر. ولما قتل الحاكم العبيدي اباه وعمه وأخويه هرب من

__________________

١ - طبقات المغربي للداودي ج ١ / ١٥٤.

٣٠٢

مصر فلما بلغ الرملة استجار لصاحبها حسان بن الحسن بن مفرج الطائي ومدحه فأجاره وسكن جأشه وأزال خوفه ووحشته، أقول وذكر له جملة من المنظوم.

وترجم له الداودي في طبقات المفسرين وقال: اختصر كتاب اصلاح المنطق في اللغة وابتدأ في نظم ما اختصره قبل استكماله سبع عشرة سنة، وصنف كتاب (الايناس) وهو مع صغر حجمه كثير الفائدة وكتاب (الالحاق بالاشتقاق) وكتاب (ادب الخواص) وكتاب (الشاهد والغائب) بين فيه اوضاع كلام العرب والمنقول منه واقسامه تبيانا يكاد يكون أصلا لكل ما يسأل عنه من الالفاظ المنقولة عن أصولها الى استعمال محدث وكتاب (فضائل القبائل) وكتاب أخبار بني حمدان واشعارهم واملاءات عدة في تفسيرالقرآن العظيم وتأويله.

وروى موطأ مالك وصحيح مسلم وجامع سفيان وقارض ابا العلاء المعري بمكاتبات أدبية كثيرة الغريب، وقال الشعر الجيد، وبرع في الترسل وصار اماما في كتابة الانشاء وكتابة الحساب وتعرف في فنون من علم العربية واللغة.

قتل مسموما بميافارقين في ثالث عشر شهر رمضان سنة ثماني عشرة واربعمائة وحملت جثته الى الكوفة فدفن بتربة كانت له بجوار قبر علي بن أبي طالبعليه‌السلام وله ديوان شعر ومن شعره قوله:

أقول لها والعيس تحدج للسرى

أعدي لفقدي ما استطعت من الصبر

سأنفق ريعان الشبيبة آنفا

على طلب العلياء أو طلب الاجر

أليس من الخسران أن لياليا

تمر بلا نفع وتحسب من عمري

اقول أخذ المعنى من شاعرنا محمد مهدي الجواهري بقوله:

خليلي من ظلم الليالي بأنها

تمر على رغمى وتحسب من عمري

هلما نبع عمرا ونشري مسرة

فليس بعدل أن نبيع ولا نشري

٣٠٣

وترجم له ابن حجر العسقلاني في (لسان الميزان) كما ترجم له اليافعي في (مرآة الجنان) وترجم له من المعاصرين الشيخ محمد السماوي في مخطوطه (الطليعة من شعراء الشيعة) قال: وقوله في غلام حلق شعره.

حلقوا شعره ليكسوه قبحا

غيرة منهم عليه وشحا

كان قبل الحلاق ليلا وصبحا

فمحوا ليله وأبقوه صبحا

وذكر له من الشعر قوله

صلى عليك الله يا من دنا

من قاب قوسين مقام النبيه

اخوك قد خولفت فيه كما

خولف في هارون موسى أخيه

هل برسول الله من اسوة

لم يقتد القوم بما سن فيه

وقوله:

أيا غامضين المزايا الجليلة

من المرتضى والسجايا الجميلة

ويا غامضين عن الواضحات

كأن العيون لديها كليلة

اذا كان لا يعرف الفاضلين

الا شبيههم في الفضيلة

من ابيات تزيد على العشرة ذكرناها ونقلناها عنه في مخطوطنا (ما تشتهي الانفس) ج ٣ / ٢٧٨.

٣٠٤

ابن أبي الخصّال الشقوري

المتوفى ٥٤٠ ه‍

كتب الدكتور عبد السلام الهراس مقالا عنوانه (مأساة الحسين في الادب الاندلسي) ونشر هذا المقال في مجلة (المناهل) المغربية والتي تصدرها وزارة الشؤون الثقافية في الرباط. وفي العدد ١٤ من السنة السادسة.

وذكر شعر أبي عبد الله محمد بن ابي الخصال الشقوري المتولد سنة ٤٦٥ ه‍ والمتوفى ٥٤٠ ه‍ وقال: هو الكاتب المرابطي البليغ وقد استحيى مأساة الحسين وجدد ذكرى كربلاء، ولا شك انه انشأ عدة قصائد وقطع نثرية في الموضوع، لان الرجل كان غزير الانتاج جياش العاطفة، يمتح من نفس مليئة بالاحزان تنفجر من اغوار عميقة، لكن لم نسمع من ذلك الانتاج الا بعض الابيات خلال قصائد نبوية، وقصيدتين رواهما ابن خير عن الشاعر نفسه كما نص على ذلك في كتابه المفيد (الفهرست)(١) والقصيدتان حسب ما وصل عن ابن خير احداهما على قافية النون المردفة بالاف، والثانية على قافية التاء بعد الالف. والى حدود السنتين الاخيرتين كان البحث يعتبرهما مفقودتين الى ان وفقنا أخيراً الى اكتشافهما، فوقعنا بذلك لاول مرة على بداية واضحة صادقة لعشر بكاء الحسين في قصائد مستقلة.

يقول في الاولى:

عرج على الطف ان فاتتك مكرمة

واذر الدموع بها سحا وهتانا

وابك الحسين ومن وافى منيته

في كربلاء مضوا مثنى ووحدانا

يا ليت اني جريح الطف دونهم

أهين نفسا تفيد العز من هانا

اني لاجعل حزني فيهما ترفا

يكون للذنب تكفيرا وغفرانا

لله عين بكت ابناء فاطمة

ترى البكا لهم تقوى وايمانا

__________________

١ - فهرست ابن خير ص ٤٢١.

٣٠٥

ما سرني ببكائي ملك قاتلهم

ومثله معه لو صح أو كانا

آليت بالله لا أنسى مصائبهم

حتى أضمن اطباقا واكفانا

فيا محمد قم لله معترفا

فان ربك قد أولاك احسانا

لم يفرغ الله في جنبيك حبهم

الا لتلقى به فوزا ورضوانا(١)

قال وهي تبلغ عندنا ثلاثة عشر بيتا:

اما الثانية فتبلغ تسعة وعشرين بيتا، يقول فيها:

لهف نفسي على الحسين ومن لي

ان يقضي حقوقه عبراتي

يا جنوني برئت منك اذا لم

تغرقي في بحورها نظراتي

لهف نفسي على قتيل يعزى

عنه خير الآباء والامهات

اي عيش يطيب بعد قتيل

مات بالمرهفات اي ممات

حرموه ماء الفرات ولوا

جده ماسقوا بماء الفرات

وثووا في قصوره واطمأنوا

وبنات الرسول في الفلوات

ان في كربلاء كربا سقيما

فتن المؤمنين والمؤمنات

فاتني نصركم بنصلي فنصري

بفؤاد مجدد الزفرات

وقواف موسومة بدموع

قدحت في توقد الجمرات

ما بقاء الدموع بعد حسين

فخذي من صميم قلبي وهات

أتكون الدموع فيه وفي الناس

سواء كلا وهادي الهداة

هون الله بعدهم كل خطب

وحلت لي علاقم الحادثات

ولابن ابي الخصال عدة قصائد نبوية منها قصيدته الشهيرة المسماة بمعراج المناقب ومنهاج الحب الثاقب عارض بها قصائد حسان بن ثابت، وقد خمسا ابو عبد الله محمد بن الحسن بن جيش المرسي، وبفضل هذا التخميس استطعنا التقاط ابيات من شعر ابي الخصال في هذا المجال، يقول في الموضوع الذي يهمنا:

__________________

١ - مصورة لمخطوط يملكها الاستاذ مصطفى الطاهري الذي يهيئ رسالته لنيل دبلوم الدراسات العليا في موضوع (ابن أبي الخصال حياته وأدبه).

٣٠٦

ويلحقهم فضل الشفاعة بالرضى

كلوا واشربوا من خير أكل ومشرب

سوى أن قوما جعجعوا بابن بنته

وحفوا به من قاتل ومؤلب

وانحوا على أوداجه كل مرهف

طرير وحزوا رأسه لتتوب

كأنهم لما أباحوا حريمه

أباحوا حريم الديلمي المحرب(١)

ويقول في احدى الحسينيات:

ولو حدثت عن كربلاء لابصرت

حسينا فتاها وهو شلو مقدد

وثاني سبطي احمد جعجعت به

رعاة جفاة وهو في الارض أجرد

ولم يرقبوا الا لآل محمد

ولم يذكروا أن القيامة موعد

وان عليهم في الكتاب مودة

بقرباه لا ينحاش عنها موحد

فيا سرع ما ارتدوا وصدوا عن الهدى

ومالوا عن البيت الذين به هدوا

ويا كبدي ان انت لم تتصدعي

فانت من الصفوان اقسى وأجلد

فيا عبرتي ان لم تفيض عليهم

فنفسي أسخى بالحياة وأجود

أتنتهب الايام فلذة احمد

وافلاذ من عاداهم تتودد

أيضحى ويظمى احمد وبناته

وبنت زياد وردها لا يصرد

وما الدين الا دين جدهم الذي

به أصدروا في الصالحين وأوردوا

ينام النصارى واليهود بأمنهم

ونومهم بالخوف نوم مشرد

وما هي الا ردة جاهلية

وحقد قديم بالحديث يؤكد

ان ابن ابي الخصال يلح على مأساء كربلاء ويقدمها في صور شتى ويكرر افكاره خلال قصائده وهو أول شاعر اندلسي - فيما نعلم - يعتبر قتل الحسين ردة جاهلية ذلك القتل الذي كان بدافع حقد قديم يضمره بنو عبد شمس لبني هاشم قبل الاسلام وأكده الحديث، كما أبرزته الاحداث بعد الدعوة الاسلامية ويؤكد كفر القتلة نثرا في بعض رسائله بقوله: وما يلقاها الا كل خارج عن الاسلام ومارق، كلا ان ملائكة العذاب لتدخل عليهم بالمقامع من كل باب، فأي وسيلة بينهم وبين شفاعة جده يوم الحساب(٢) .

أدرك ابن أبي الخصال مكانة عالية على عهد المرابطين كما يتبين ذلك من انتاجه الادبي الغزير لكنه نشب في ثورة فاشلة

__________________

١ - ازهار الرياض مخطوط بالخزانة العامة بالرباط.

٢ - رسائل ابن أبي الخصال، توجد لدى الاستاذ الطاهري مصطفى.

٣٠٧

عليهم مع عامل قرطبة ابن الحاج الذي كان ملازما له بالاندلس والمغرب، وقد نجا من هذه الورطة ليعتزل الحياة السياسية ويزهد في المناصب، سيما وقد شاهد من الفتن والقلاقل والتمردات ما زهده في تلك الحياة، فلزم داره خائفا من تلك الاحقاد القديمة ولم يسلم المترجم له حتى ذبحه بعض الجنود الاجلاف واقتحموا داره ونهبوها وكان ذلك يوم السبت ١٢ ذي الحجة سنة ٥٤٠ ه‍ ولما توفي الرجل كان العلماء والادباء يقصدون قبره ويزورونه ويجيبونه بقولهم: السلام عليك يا زين الاسلام.

٣٠٨

الحاج محمّد عجينة

المتوفى ١٣٣٤

أميلوها الى ذات اليمين

على آجام آساد العرين

ركائب حملت وجدا وشوقا

وما يسمو على الدر الثمين

الى بلد به خلفت روحي

تحن حنين فاقدة القرين

ذكرت بها الاحبة حين أودى

بهم في كربلا ريب المنون

الحاج محمد عجينة النجفي من الاسرة التي اشتهرت بالتجارة وسعة الحال ولقب الشاعر نفسه بالهمداني - بسكون الميم - نسبة الى القبيلة اليمانية المعروفة لانه كان دائما يتمثل بالابيات المنسوبة الى الامامعليه‌السلام في قبيلة همدان.

دعوت فلباني من القوم عصبة

فوارس من همدان غير لئام

وكان يقول: انا همداني بالولاء والسبب لا بالاصل والنسب فتغلب هذا اللقب عليه، وكان أبوه الحاج صالح وجماعة آخرون يترددون للتجارة بين العراق ونجد والحجاز كآل الحبوبي وآل شكر وآل زيني، وقد اختار والده الحاج محمد صالح سكنى مدينة الرسول ومجاورة سيد العالم فتوفي بالمدينة المنورة وعلى اثر ذلك هاجر ولده المترجم له من النجف في ريعان شبابه واستوطن قاعدة الامارة الرشيدية في نجد (جبل حائل).

٣٠٩

واتصل هناك بالعلامة السيد محمد سعيد الحبوبي واستوحى منذ بعض الخواطر الادبية وملكاته الشعرية قال الشيخ اليعقوبي: رايت له بعض المطارحات المرتجلة مع السيد الحبوبيرحمه‌الله بلغة أهل البادية وهو الشعر الذي يسمى عندهم ب‍ (القصيد) ولقد قربته مواهبه الادبية لدى اميري نجد وهما: محمد بن عبد الله الرشيد وابن أخيه عبد العزيز بن متعب فكانت له عندهما حظوة ومنزلة سامية ومدحهما بقصائد جمة وما وردت على القصر الرشيدي قصائد هجائية من شعراء آل سعود الا وانتدب من قبل الاميرين المذكورين للرد عليها حتى اذا اتفقت له خصومة مع احد الاكابر في المدينة استعدى فيها الامير الثاني على خصمه فلم يجد منه أية عناية فسافر على أثر لك من نجد متجها نحو المدينة ومكة والطائف وأقام في تلك العواصم برهة ثم عاد الى نجد مؤكدا صلاته مع امرائها مرة ثانية فرضي عنهم ورضوا عنه.

قال الشيخ اليعقوبي: وقفت على مجموعة من شعره كان قد جمعها بقلمه في حياته عند أحد أبناء عمه وجل ما فيها لم يتعد الاساليب القديمة مدح وهجاء وحماس ورثاء وغزل وتشبيب واليك بعض ما اخترناه منها. قال يمدح امير نجد ويذكر بعض مغازيه:

سر على اسم الله فالسعد تجلى

لك من قبل ونجم النحس ولى

لك جند الله والحزب الذي

بلظى هيجائه الاعداء تصلى

فالق من شئت ولا تخش العدى

قد كسا الله بك الاعداء ذلا

وبنو وائل لما أن عصوا

وتمادوا في سبيل الغي فعلا

يوم هاجت للشقا اقرانها

فسقاها حتفها علا ونهلا

كم بهم غادرت من نائحة

تندب الاهل بشجو فهي ثكلى

طلع الفجر عليها بالردى

فغدت كالليل بالصبح اضمحلا

وربيع الخلق ان اسغبهم

عام جدب ترك الارجاء محلا

واذا يعرب يوما فاخرت

كنت أحماها جوارا وأجلا

حكم السيف بهامات العدى

ان غير السيف لا يحكم عدلا

وله فيها ايضا:

أيا ملك الملوك ومن بيوم

الندى قد كان أرحمهم جنانا

وحين غزا العتاة بأرض نجد

هوت لوجوهها ولوت رقابا

جررت على العصاة جيوش عز

تدك الارض بالزحف اضطرابا

٣١٠

اذا ما الخيل بالابطال جالت

تراهم فوقها اسدا غضابا

سرايا عزمه لو صادمتها

جبال تهامه عادت سرابا

فكم من نار حرب اخمدوها

وكم خاضوا لها بحرا عبابا

ومهدت البلاد كأنما قد

ضربت على جوانبها حجابا

وكم اوضحت فيها من سبيل

تعفى رسمه وغدا يبابا

ملات مسامع الايام هولا

لو ان الطفل يسمعه لشابا

وهناك الوان من شعره لا حاجة لذكرها. اما حادثة اغتياله فانه قد قفل راجعا للعراق حوالي سنة ١٣٢٥ ه‍ وبقي يتعاطى التجارة في الكوفة، وكانت له قطعة أرض زراعية في ضواحي قضاء الشامية وقد وقع بسببها نزاع بينه وبين بعض مجاوريه فخرج اليها يوما ولم يعد وانقطعت اخباره وعميت على أهله وظهر بعد التحقيق أنه اغتيل وقتل خنقا ودفن سرا على مقربة من تلك الارض فنقل جثمانه الى النجف وكان وقوع الحادث أيام الفوضى خلال الحرب العامة الاولى سنة ١٣٣٤ ه‍ وكان عمره يوم قتل نيفا وستين سنة رحمه الله. انتهى عن مجلة البيان النجفية السنة الاولى.

وترجم له الاخ الخاقاني في (شعراء الغري) ترجمة وافية وقال: انه ولد في النجف عام ١٢٧٥ ه‍ ونشأ بها على ابيه الحاج محمد صالح، واتصاله بآل رشيد ومدحه لهم وذكر نماذج من شعره فمن قوله في أهل البيتعليهم‌السلام :

الى طيبة العليا وبهجتها الغرا

تشوقني نفسي ولي كبد حرى

وقلب عراه لاعج الهم والاسى

وخد لينبوع الدموع به مجرى

على سادة بالحق لله سبحوا

أجل الورى شأنا وأرفعهم قدرا

أئمتنا باب الرجا معدن الحجى

كرام الورى أبناء فاطمة الزهرا

بفضلهم الدنيا تبارك جدها

ونلنا بها حظا تضيء له الاخرى

اذا ما سألنا الله يوما بحقهم

أجاب لنا الدعوى ووفى لنا الاجرا

بهم كشف الله الكروب عن الورى

وأمطرت الخضراء واخضرت الغبرا

وفرج عنا كل هم وغمة

وأبد لنا عن عسرنا بهم يسرا

بهم قامت الدنيا ولولا رضاهم

لما خلق الرحمن برا ولا بحرا

٣١١

الشيخ مهدي الحجار

المتوفى ١٣٥٨

أثرها تعج بأصواتها

ألا يا لفهر وثاراتها

وقدها عرابا ألفن الفلا

كأن العنا في استراحاتها

تخايل من تحت فرسانها

تخايلهم في أريكاتها

عليها من الصيد غلابة

تصيد الاسود بغاباتها

طلايع هاشم يقتادها

الى الحرب خير بقياتها

حنانيك يا خلف السالفين

ووارثها في كراماتها

أعدتك آل لوي لمن

لواها وسود راياتها

فحتى م تغضي وانت الغيور

على هضمها واغتصاباتها

أمثل ابن... يميت البتول

بفادح خطب رزياتها

ومثل امية تلك التي

تبيت نشاوى بحاناتها

تغالب مثل بني غالب

وتدفعها عن مقاماتها

لذاك أبى ذاك رب الابا

فأرسى على غاضرياتها

ودك من الطف أطوادها

بآساد فهر وساداتها

كماة يهاب الردى بطشها

ويخشى القضا من ملاقاتها

وقد اقبلت زمر الظالمين

بآساد فهر وساداتها

دعاها الى الحرب محبوبها

فخاضته قبل اجاباتها

وهبت وناهيك فيمن تهب

لترضي الحبيب بهباتها

ترى ان في النقع نشر العبير

وما ذاك الا شذى ذاتها

جلتها من العزم بيض الصفاح

كأحسابها وكنياتها

صحائف تقرأ منها الكماة

(انا فتحنا) وآياتها

فتبغي الفرار وكيف الفرار

وارجلها فوق هاماتها

لقد تاجرت ربها في النفوس

وقد ربحت في تجاراتها

ومذ أرخصت سومها للهدى

أراها المنى في منياتها

برأد الضحى نزلت كربلا

وفي الليل باتت بجناتها

تهاوت وليس تعاب النجوم

اذا ما تهاوت كعاداتها

وباتت على الارض مثل البدور

عراها الخسوف بهالاتها

٣١٢

مغسلة في جراحاتها

مكفنة في شهاداتها

ولما رأى السبط انصاره

سقتها الحتوف بكاساتها

رقى ضامرا ونضى صارما

فقرب أشراط ساعاتها

وحين انبرى نحو هاماتها

براها ابن خير برياتها

ينادي بآجالها سيفه

فتأتيه من قبل اوقاتها

كأن الجماجم مشغوفة

به فهي تأتيه من ذاتها

ترى الارض ترجف من تحته

باحيائها وبأمواتها

لك الوهن يا أرض عن ثابت

يزلزل سبع سماواتها

ولما رأى أن هذي النفوس

جميعا رهائن ميقاتها

فشاقته منزلة الصالحين

فتاق رواحا لغاياتها

قضى ابن علي فيا هاشم

قعي بعده في مذلاتها

لمن انت من بعده للورى

لارائها أم لحاجاتها

الطما على الصدر من بعدما

غدا صدره رهن غاراتها

حرام على غالب أن تبل

بالماء حر حشاشاتها

وتلك يتاماهم تشتكي

وفي الماء جل شكاياتها

ويا آل فهر لقد حق أن

تميطوا خبا علوياتها

فتلك الحرائر في كربلا

سترن الوجوه براحاتها

لمن ترفعون الخدور وقد

ثكلن الخدور برباتها

وجاءت لكافلها تستغيث

وتبكي العدى لاستغاثاتها

الشيخ مهدي بن داود بن سلمان بن داود الشهير بالحجار عالم فقيه وأديب شهير، ولد عام ١٣١٨ ه‍ وكان والده اميا وكذلك جده اما والده فكان ينقل الحجارة من أنقاضها غير أن الولد المترجم له نشأ ميالا للعلم والادب فدرس المقدمات وهو ابن عشر سنوات ونظم الشعر في الخامسة عشرة من العمر وبرع فيه، واختلف على مشاهير العلماء وتتلمذ على الزعيم الروحي الشيخ احمد كاشف الغطاء كما حضر على المرجع الديني الميرزا حسين النائيني في الاصول ولمعت مواهب الشيخ الحجار وراح يغذي الشباب بالعلوم الدينية والدروس العربية الاسلامية مضافا الى حلقة أدبية تضم العشرات من الشباب الذين كانوا يعرضون عليه نتاجهم الادبي ويعتدون برأيه اذ كان أبرع اقرانه يومذاك ونشرت المطابع قصيدته الشهيرة الطويلة المسماة ب‍ (البلاغ المبين) في العقائد فكان المتأدبون يحفظونها

٣١٣

ويتداولونها ويتدارسون معانيها ومضامينها وله غير هذه مجموعة اراجيز منها ارجوزته المسماة (فوز الدارين في نقض العهدين). ويوم كتب السيد محسن الامين كتابه (التنزيه) للشعائر الحسينية ثار العلماء الاعلام وأئمة الاسلام بوجهه وكتبوا مفندين ومنتقدين ما كتب وكنت اتصور - وانا في مقتبل العمر - ان المساندين لفكرة السيد الامين والمؤيدين له هم المتجددون والذين يميلون للتحلل من أوامر الدين، وكان المترجم له قد استخدمت افكاره موجة الشباب فراح ينظم بوحي منهم كقوله من قصيدة مطلعها:

يا حر رأيك لا تحفل بمنتقد

ان الحقيقة لا تخفى على احد

وما على الشمس باس حيث لم تراها

عين أصيبت بداء الجهل لا الرمد

سيروا شبيبتنا لكن على خطط

قد سنها الدين في منهاجه الجديد

انا لنامل فيكم ان شعبكم

يعود ملتئما في شمله البدد

وبالختام لكم اهدي التحية من

قلب بغير ولاكم غير معتقد

ويوم بلغت الخصومة أشدها بين المرجعين الكبيرين السيد ابو الحسن الاصفهاني والشيخ احمد كاشف الغطاء حول شخصية الخطيب السيد صالح الحلي فقد حرم الاول الاستماع الى خطابته وأحلها الثاني وعقد له مجلسا في بيته، وكان المترجم له - كما قلنا - تلميذا للشيخ احمد كاشف الغطاء فأنشد قصيدته التي يقول فيها:

انت العميد لهم برغم انوفهم

بل انت سيدها وكلهم سدى

رات الشريعة منك اكبر قائد

فرمت اليك زمامها والمقودا

والعلم مثل البحر هذا غائص

فيه وهذا منه ما بل الصدا

والعرب تعلم ان تاج فخارها

بسوى شريعة (احمد) لن يعقدا

سلها غداة تصفحت قرآنها

أفهل رأت (بيغمبرا او يا خدا)

فخر البيوت بأهلها فافخر على

بأبي الرضا والمرتضى علم الهدى

واذا روي عن آل جعفر في العلى

خبر فمن كف (الحسين) المبتدا

اني وان كنت البعيد قرابة

منكم فشعري عنكم لن يبعدا

وشاءت الارادة السماوية والحكمة الربانية والحمد لله على

٣١٤

جميل صنعه ان تنحصر الزعامة الدينية في الآية الكبرى السيد ابو الحسن بعد وفاة المرحوم الحجة الشيخ احمد كاشف الغطاء فيكون الشيخ الحجار من تلاميذه ومخلصيه ويراسله على سبيل المداعبة يستجديه ويستميح نيله وفضله فيقول:

عجبت وكل زماني عجب

ولست أصرح ماذا السبب

ولكن اشير وانت الخبير

ولا استحي منك اذ انت أب

(زقسم عجم را نمعدود شدم)

فهلا اعد قسم العرب

فيغدق السيد عليه بكرمه المعهود ويجعله ممثلا عنه في جانب (معقل) البصرة ويقوم الشيخ بأداء وظيفته الدينية كما يأمر به الشرع الشريف ولكن لم يطل عهده وعاجله القدر فتوفي ليلة السبت ٨ شعبان ١٣٥٨ ه‍ فنقل نعشه بموكب فخم الى النجف ودفن بوادي السلام.

٣١٥

المصادر المطبوعة

أعيان الشيعة

السيد محسن الامين

نقباء البشر

الشيخ محسن الطهراني

المراجعات الريحانية

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء

الذخيرة

الشيخ سليمان ظاهر

الحالي والعاطل

الدكتور عبد الرزاق محيي الدين

لماذا اختار هؤلاء مذهب أهل البيت

القبيسي

العراق في الشعر العربي والمهجري

الدكتور محسن جمال الدين

شعراء الغري

علي الخاقاني

شعراء من كربلاء

سلمان هادي الطعمة

المقبول في آل الرسول

ديوان الشيخ قاسم محيي الدين

ديوان

الشيخ حميد السماوي

ديوان

الشيخ محمد جواد الجزائري

حل الطلاسم

الشيخ محمد جواد الجزائري

ديوان

الشيخ عبد الحسين الحويزي

ديوان

الشيخ كاظم آل نوح

مع رجال الفكر في القاهرة

السيد مرتضى الرضوي

الحان الالم

عبد القادر رشيد الناصري

صوت فلسطين

عبد القادر رشيد الناصري

معارف الرجال

الشيخ محمد حرز الدين

أعلام العراق

باقر أمين الورد

سفينة الحق

ديوان الشيخ حسن آل صادق

ديوان

محمد رضا الشبيبي

أساطير

بدر شاكر السياب

٣١٦

رباعيات

محمود الحبوبي

الباقيات وأنفع الزاد

الشيخ باقر الخفاجي

مجلة الاعتدال

محمد علي البلاغي

مجلة الاصلاح

عبد الحسين الازري

مجلة الغري

شيخ العراقين

مجلة البيان

علي الخاقاني

جريدة الهاتف

جعفر الخليلي

المصادر المخطوطة

الطليعة من شعراء الشيعة

الشيخ محمد السماوي

مجموع

الشيخ كاشف الغطاء

سمير الخاطر وأنيس المسافر

الشيخ علي كاشف الغطاء

المجموع الرائق

الشيخ مهدي اليعقوبي

ديوان

الشيخ قاسم الملا

ديوان

الشيخ محمد الخليلي

ديوان

الشيخ كاظم السوداني

ديوان

الشيخ محمد رضا المظفر

الاعلام العوامية

الشيخ سعيد ابي المكارم

ديوان

جواد شبر

سوانح الافكار

جواد شبر

الضرائح والمزارات

جواد شبر

٣١٧

الفهرس

الشيخ جعفر النقدي ٧

الشيخ حسين شهيب ١٤

الشيخ محمد رضا ياسين ١٦

الشيخ محمد السماوي ١٨

الشيخ ابراهيم حموزي ٢٨

الشيخ عبد الله الستري ٣١

السيد محسن الأمين ٣٣

الشيخ محمد حسين المظفر٣٦

الشيخ مهدي اليعقوبي ٤٠

أدوار مرقص ٤٣

الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء٤٦

الشيخ محمد علي قسّام٦٢

الشيخ عبد الكريم العوامي ٦٦

محمد هاشم عطية٦٧

الشيخ قاسم المُلا ٧١

الحاج عبد الحسين الازري ٧٨

الشيخ عبد الحسين الحلّي ٩٥

الشيخ حسن سبتي ١٠١

حسين علي الأعظمي ١٠٣

حليم دمّوس ١٣١

عباس أبو الطوس ١٣٣

الشيخ محمد جواد الجزائري ١٣٦

الشيخ كاظم نوح ١٤٠

الشيخ كاظم كاشف الغطاء١٤٤

الشيخ كاظم السوداني ١٤٦

الشيخ محمد علي الأوردبادي ١٥٠

سليمان ظاهر١٥٣

الشيخ محمد حسين المظفر١٥٦

الشيخ باقر الخفاجي ١٥٩

السيد عبد الهادي الشيرازي ١٦٣

عبد القادر رشيد الناصري ١٦٦

الشيخ محمد رضا المظفر١٦٩

٣١٨

بدر شاكر السياب ١٧٢

الشيخ حميد السماوي ١٧٦

الشيخ حبيب المهاجر١٨٢

الشيخ مجيد خميّس ١٨٥

الشيخ محمد رضا الغرّاوي ١٨٨

الشيخ محمد علي اليعقوبي ١٩٠

الكونيل حبيب غطاس ١٩٨

هلال بن بدر٢٠١

الشيخ محمد رضا الشبيبي ٢٠٣

الشيخ حسن صادق ٢٠٩

الشيخ محمد رضا فرج الله ٢١١

حسين بستانة٢١٢

الشيخ علي البازي ٢١٥

ضياء الدخيلي ٢١٧

الشيخ حسين القديحي ٢١٩

أحمد خيري بك ٢٢٢

الشيخ محمد طه الحويزي ٢٢٤

الشيخ حسين الحولاوي ٢٣١

محمد الخليلي ٢٣٤

الشيخ كاتب الطريحي ٢٣٧

السيد محمد علي الغريفي ٢٣٩

السيد محمد رضا شرف الدين ٢٤٥

الدكتور مصطفى جواد٢٤٧

عبد الكريم العلاف ٢٥٠

السيد محمود الحبّوبي ٢٥٤

عبد الحميد السنيد٢٥٩

السيد عبّاس شبّر ٢٦٢

الشيخ محمد سعيد مانع٢٦٨

الدكتور زكي المحاسني ٢٧٠

الشيخ عبد الكريم صادق ٢٧٣

أنور العطّار٢٧٩

السيد احمد الهندي ٢٨٤

عادل الغضبان ٢٨٧

٣١٩

الشيخ مهدي مطر٢٩٠

ابو القاسم المغربي ٣٠٢

ابن أبي الخصّال الشقوري ٣٠٥

الحاج محمّد عجينة٣٠٩

الشيخ مهدي الحجار٣١٢

٣٢٠