ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام18%

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام مؤلف:
المحقق: محمد جعفر الطبسي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 303

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 303 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127535 / تحميل: 6749
الحجم الحجم الحجم
ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

١
٢

٣
٤

٥
٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدّمة مركز الدراسات الإسلاميّة

التابع لممثليّة الوليّ الفقيه في حرس الثورة الإسلاميّة

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحا لذكره ودليلا على نعمه وآلائه

والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين

وبعد : فإنّ أهمّ حدث شهده العالم الإسلامي خاصّة والعالم عامّة في نهاية القرن الرابع عشر من الهجرة النبويّة الشريفة هو حدث انتصار ثورة إسلاميّة في منطقة قلب العالم الإسلامي ، بقيادة الرجل الفذّ الإمام الراحل روح الله الموسوي الخمينيقدس‌سره ، وإقامة الجمهوريّة الإسلاميّة في إقليم إيران.

وبعد نجاح هذه الثورة المباركة كان المسلمون خاصّة ومستضعفو العالم عامّة ، الساعون إلى تغيير أوضاعهم السياسيّة والاجتماعيّة ، وتحرير بلدانهم من كلّ هيمنة استبداديّة واستعماريّة ، قد اتخذوا هذه الثورة نبراسا وأسوة في الجهاد والنضال للتحرّر من سيطرة الاستعمار وهيمنته الفكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة على بلادهم.

ولقد شهد العالم الإسلامي خاصّة والعالم عامّة في حركة الأحداث خلال العقد الأوّل من عمر هذه الثورة متغيّرات وتحوّلات كثيرة وكبيرة على الأصعدة السياسيّة والفكريّة ، كان أثر هذه الثورة الإسلاميّة أساسيّا وواضحا في كثير منها.

وكان لشخصيّة الإمام الخمينيقدس‌سره المتكاملة في جميع أبعادها الأثر الكبير في كلّ ما جرى ، وفي التغيير الفكري والروحي والعملي الذي صبغ النفوس والأشياء

٧

والأحداث بالصبغة الإسلاميّة الناصعة.

ولقد حدّدقدس‌سره هدف هذه الثورة وهو الجهاد لتطبيق الإسلام المحمّدي الخالص ، وحدّد طريقتها على هدي النهج الحسيني في الثورة لإزالة الفساد والظلم ، وإقامة العدل ، ونشر الصلاح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..

ولقد دعاقدس‌سره إلى ضرورة أن تتواصل هذه الثورة على جميع الأصعدة وفي كلّ الأبعاد ، خصوصا في البعد الثقافي الذي يجسّد هويّتها الفكريّة التي لا تقيّدها حدود جغرافيّة وموانع سياسيّة في الدعوة إلى الإسلام المحمّدي الخالص ، وفي مواجهة الغزو الثقافي الكافر الذي كانت ولم تزل رياحه تهبّ بقوّة وشراسة على عالمنا الإسلامي.

وبعد ارتحال الإمام الخمينيقدس‌سره واصل قائد الثورة الإسلاميّة آية الله السيّد علي الخامنه اي التأكيد على استمرار ومواصلة هذه الثورة في كلّ الأبعاد أيضا وفي بعدها الثقافي بشكل خاص ، وذلك لاشتداد قوّة الغزو الفكري والحضاري الكافر في وقت أحكمت وسائل الإعلام الكافر قبضتها على كلّ العالم بطريقة حديثة ومتفوّقة وشاملة ، الأمر الذي جعل مواجهة هذا الغزو الفكري الكافر عملا يحتاج إلى مستوى رفيع من المعرفة والتخطيط والفنّ ، من أجل إيصال الكلمة الإسلاميّة الهادية ، كلمة الفطرة الإنسانيّة ، إلى كلّ القلوب بأساليب متعدّدة ومحبّبة ومؤثرة ، حتّى تتوجّه هذه القلوب إلى دين الله بإقبال واعتقاد ، وتنصرف عن زخارف ضلال الشيطان عن معرفة وتدبّر.

* * *

وامتثالا لتوصيات القيادة الإسلاميّة الحكيمة كان « حرس الثورة الإسلاميّة » وليد الثورة الإسلاميّة الأغرّ قد أولى مواصلة الثورة الثقافية عناية فائقة وتركيزا خاصّا ، إيمانا بأنّ للكلمة والفكر والمعرفة دورا كبيرا في تثبيت وتوضيح أصول

٨

ومنطلقات الثورة الإسلاميّة ونشرها ، وفي الدعوة إلى الحقّ والخير والدفاع عنهما ، جنبا إلى جنب مع إعداد القوّة التي ترهب عدوّ الله وعدوّ المؤمنين.

فكان ولم يزل للمؤسسات الثقافيّة والعلميّة التابعة لحرس الثورة الإسلاميّة دور ظاهر في نشر الثقافة والتربية الإسلاميّة بين قوّات الحرس خاصّة وفي أوساط الأمّة عامّة.

وإيمانا من « حرس الثورة الإسلاميّة » بانتمائه الصميمي إلى نهج الإمام الحسينعليه‌السلام في الجهاد ومقارعة الفساد والظلم والكفر ، وشعورا منه بواجب أداء بعض ما للإمام الحسينعليه‌السلام من دين وفضل في أعناق أبناء حرس الثورة الإسلاميّة ، كانت قيادة هذا الحرس قد أقدمت بشكل خاص على تأسيس وحدة خاصّة أطلق عليها « مديريّة دراسات عاشوراء المستقلّة » في مركز الدراسات الإسلاميّة العائد لحرس الثورة الإسلاميّة.

وتهتم هذه المديريّة بنشر التراث الحسيني ، وترويج ثقافة عاشوراء ، وتقديم التحقيقات الجديدة فيما يرتبط بتأريخ الثورة الحسينيّة على جميع الأصعدة وفي مختلف الأبعاد ، وإحياء الآثار العلميّة والتأريخيّة والأدبيّة المرتبطة بتأريخ الإمام الحسينعليه‌السلام .

وعلى سبيل المثال لا الحصر ، فقد شرعت هذه المؤسسة بتدوين موسوعة ( دائرة معارف الإمام الحسينعليه‌السلام ) ، وتدوين دراسة تأريخيّة تحليليّة جديدة مفصّلة لفترة إمامة الإمام الحسينعليه‌السلام تحت عنوان ( الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة ) ، ونشر كتب ذات مناهج متنوّعة للتعريف بنهضة عاشوراء ، كمثل كتاب ( بلاغات عاشوراء ) ، وكتاب ( ممهّدات الثورة الحسينيّة ) ، وكتاب ( وقائع آثار عاشوراء ).

وفي إطار إحياء آثار المكتبة الحسينيّة ، تقدّم مديريّة دراسات عاشوراء بين يدي القارئ الكريم جهدا تحقيقيّا قيّما لكتاب نفيس من المكتبة الحسينيّة ، وهو

٩

كتاب ( إبصار العين في أنصار الحسين عليه وعليهم السلام ) للمرحوم المحقّق المتتبع الشيخ محمّد السماوي ، وقد قام بهذا الجهد التحقيقي سماحة المحقّق الشيخ محمّد جعفر الطبسي ، ذو الخبرة الطويلة في عالم التتبع والتحقيق ، ومن تحقيقاته : تحقيق كتاب ( منية الراغب في إيمان أبي طالب ) لوالده آية الله الشيخ محمّد رضا الطبسي النجفيرحمه‌الله ، وتحقيق كتاب ( المسالك ) للشهيد الثانيرحمه‌الله إلى كتاب المضاربة ، و ( معجم أحاديث الإمام المهديعليه‌السلام ) بالاشتراك مع مجموعة من المحقّقين.

ندعو الله تبارك وتعالى لمحققنا صاحب الفضيلة الشيخ محمّد جعفر الطبسي دوام الموفقيّة على طريق خدمة الدين الإسلامي الحنيف ، وخصوصا في مجال نشر وترويج الأهداف السامية لثورة الإمام الحسينعليه‌السلام .

مركز الدراسات الإسلاميّة لممثليّة

الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلاميّة

١٠

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدّمة التحقيق

الحمد لله ، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريّته محمّد المصطفى وعلى آله المعصومين ، حجج الله على عباده ، سيّما بقيّة الله الأعظم روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.

أمّا بعد : فما ذا يمكن لأهل الثناء والتعظيم أن يقولوا في حقّ أنصار الإمام الحسينعليه‌السلام ؟ وفي وصف منزلتهم وسمو شأنهم؟

وهل لغير معصوم ، قاصر ، أن يؤدّي في المدح والثناء والوصف حقّهم كما هم أهل له!؟

إنني أعترف بقصوري وعجزي ، ولا أجد مفرّا في لا بدّيّة الحديث عن رفعة مقامهم من أن ألجأ إلى نقل بعض ما ورد عن أهل بيت العصمةعليهم‌السلام في وصفهم والتعريف بمنزلتهم :

إنّهم على صعيد الصحبة أوفى وخير أصحاب منذ أن كانت الدنيا وإلى أن تنقضي ، هذه الحقيقة شعّ بها ثناء الإمام الحسينعليه‌السلام عليهم حين خطب فيهم قائلا : « أثني على الله أحسن الثناء ، وأحمده على السرّاء والضرّاء ، اللهمّ إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوّة ، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ، وعلّمتنا القرآن ، وفقّهتنا في الدين ، فاجعلنا لك من الشاكرين.

١١

أمّا بعد : فإنّي لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله جميعا عنّي خيرا »(١) .

وأمّا على صعيد الشهادة ، فلا شهداء كشهداء عاشوراء من الأوّلين والآخرين!! هذا ما ورد عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصف رتبتهم ، فقد ورد عن الباقرعليه‌السلام أنّه قال : « خرج عليّ يسير بالناس ، حتّى إذا كان بكربلاء على ميلين أو ميل ، تقدّم بين أيديهم حتّى طاف بمكان يقال له المقدفان ، فقال : قتل فيها مائتا نبيّ ومائتا سبط كلّهم شهداء ، ومناخ ركاب ومصارع عشّاق شهداء ، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من بعدهم »(٢) .

وإن كانت بعض الروايات قد ألحقت شهداء بدر بشهداء كربلاء في رتبتهم ، كما روى الطبراني بسنده المتصل إلى شيبان بن مخرم ـ وكان عثمانيا ـ قال : إنّي لمع عليرضي‌الله‌عنه إذ أتى كربلاء ، فقال : « يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم شهداء إلاّ شهداء بدر »(٣) .

لكنّ ابن نما في ( مثير الأحزان ) قد أورد عن ميمون بن شيبان بن مخرم ، وكان عثمانيا قال : إنّا لنسير مع عليعليه‌السلام إذ أتى كربلاء ، فقعد على تلّ ، فقال : « يقتل في هذا الموضع شهداء الأشهداء »(٤) .

ويكفي للقطع بأنّ شهداء الطفّ ليس كمثلهم شهداء مطلقا ما ورد في قول الإمام الحسينعليه‌السلام من إطلاق في مدحهم حيث قال : « لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي » لشمول تفضيلهم فيه على من سبقهم ومن يأتي بعدهم.

__________________

(١) الكامل في التأريخ : ٤ / ٥٧ وتأريخ الطبري : ٣ / ٣١٥.

(٢) بحار الأنوار : ٤١ / ٢٩٥ ، باب ١١٤ ، حديث رقم ١٨.

(٣) المعجم الكبير : ٣ / ١١١.

(٤) مثير الأحزان : ٧٩.

١٢

ولسموّ منزلتهم ورد في الأثر أنّ أمّ سلمة ( رضي الله عنها ) رأت في المنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرها أنّه قد فرغ لتوّه من حفر قبور للحسينعليه‌السلام وأصحابه.

فقد روى الشيخ الطوسيقدس‌سره بسنده إلى غياث بن إبراهيم ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : « أصبحت يوما أمّ سلمة تبكي ، فقيل لها : ممّ بكاؤك؟ قالت : لقد قتل ابني الحسين الليلة ، وذلك أنني ما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ مضى إلاّ الليلة ، فرأيته شاحبا كئيبا ، فقالت :

قلت : مالي أراك يا رسول الله شاحبا كئيبا!؟

قال : ما زلت الليلة أحفر القبور للحسين وأصحابه! »(١) .

فكفاهم عزّا وفخرا ومجدا أن يكون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحفر قبورهم بيديه المقدّستين.

ولسموّ منزلتهم وعلوّ شأنهم وتفرّد مقامهم وردت أخبار الملاحم وأنباء الغيب بأسمائهم وأسماء آبائهم! فقد ورد في الأثر أنّ ابن عبّاس لمّا عنّف على تركه الحسينعليه‌السلام قال : « إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلا ولم يزيدوا رجلا ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم!! »(٢) .

وقال محمّد بن الحنفيّة : « وإنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم!! »(٣) .

وما أحسن ما وصفهم به المؤرّخ السيّد محمّد بن أبي طالب الموسوي حيث يقول : « رجال صدقت عهودهم ، ووفت وعودهم ، وخلص يقينهم ، وصفا معينهم ، لم

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٩٠ المجلس ٣ وأمالي المفيد : ٣١٩ ، المجلس ٣٨ ، ح ٦.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٥٣.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٥٣.

١٣

يلبسوا الظلم إيمانهم ، ولم يشوبوا بشكّ إنفاقهم ، بذلوا الأجساد في طاعتهم ، وجادوا بالأرواح في نصرتهم ، فأثبتهم سبحانه في ديوان خواصّه ، وشرّفهم بتشريفه واختصاصه ، وألحقهم بدرجة ساداتهم ، ورقى بهم إلى منزل قادتهم ، لمّا بذلوا الأرواح والأجساد في جهاد الأعداء طاعة لربّهم ، وتلقّوا الصفاح والصعاد من أكفّ الأشقياء في حربهم ، وقويت بامتثال عزائم الله منهم العزائم ، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ، جعلهم أشرف أهل الجنّة بعد الأنبياء والمرسلين ، وسادة الشهداء من الأوّلين والآخرين »(١) .

وأمّا عن عددهم فقد تفاوتت المصادر التأريخية في هذا الصدد ، لكنّ أعلا عدد ذكره التأريخ لهم أنّهم تجاوزوا المائة بقليل ( لمن حضر كربلاء مع الحسينعليه‌السلام ) ، وكذلك فقد تفاوتت المصادر التأريخيّة في عدد الشهداء ، غير أنّ المشهور ـ كما عن المفيدرحمه‌الله ـ أنّهم كانوا اثنين وسبعين شخصا(٢) .

وكان فيهم من غير بني هاشم خمسة من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأربعة وعشرون من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام عدا أولئك الخمسة من الصحابة ، كما أثبت ذلك المرحوم الشيخ محمّد السماوي في هذا الكتاب.

يقول صاحب كتاب ( الحسين سماته وسيرته ) : « أصحاب الحسينعليه‌السلام ـ على قلّة العدد ـ ضربوا أروع الأمثلة في الوفاء والفداء ، وكانوا أكبر من جيش الكوفة في الشجاعة والبطولة والإقدام ، وقد مجّد الإمام الحسينعليه‌السلام بموقفهم العظيم في كلماته وخطبه في « يوم عاشوراء » أمّا هم ، فكانوا يقفون ذلك الموقف عن بصائر نافذة وعن خبرة وعلم اليقين بالمصير ، ولقد أصبح إيثارهم بأرواحهم لسيّدهم الإمام

__________________

(١) تسلية المجالس : ٢ / ٣٤٦.

(٢) راجع الإرشاد : ٢ / ١١٣ ، الأخبار الطوال : ٢٥٩ ، تاريخ الطبري : ٣ / ٣٣٦.

١٤

الحسينعليه‌السلام عين اليقين للتأريخ ، ومضرب الأمثال للأجيال »(١) .

من هو السماوي :

« هو الشيخ محمّد بن طاهر بن حبيب بن حسين بن محسن بن تركي الفضلي الشهير بالسماوي. عالم جليل ، وشاعر شهير ، وأديب معروف. ولد في السماوة ( ٢٧ ذي الحجة عام ١٢٩٢ ه‍ ق )(٢) ، ونشأ بها على أبيه ، وبعد عشر سنوات من عمره توفي والده ، فهاجر إلى النجف الأشرف لطلب العلم ، وبقي فيها ما يقرب من شهر ثمّ مرض ، وبعد برئه عاد إلى السماوة ، وبقي فيها سنة كاملة ثمّ رجع إلى النجف عام ( ١٣٠٤ ه‍ ) ، فقرأ المبادئ على مشايخه ، وأشهرهم الشيخ شكر بن أحمد البغدادي ، والشيخ عبد الله بن معتوق القطيفي ، وأخذ الرياضيّات على الشيخ آقا رضا الأصفهاني ، والأصول والفقه على الشيخ علي ابن الشيخ باقر صاحب الجواهر ، والشيخ آغا رضا الهمداني ، والسيد محمد الهندي ، والشيخ محمد طه نجف ، والشيخ حسن المامقاني ، والشيخ فتح الله المعروف بشيخ الشريعة الأصفهاني ، وأعلام آخرين.

وممن أجازه إجازة اجتهاد الشيخ علي بن الشيخ باقر صاحب الجواهر ، والسيد محمد الهندي ، والسيد حسن الصدر ، وبقي في النجف إلى عام ١٣٢٢ ه‍ ، وبعدها رجع إلى مسقط رأسه فبقي إلى عام ١٣٣٠ ه‍ ثمّ طلب من بغداد فعيّن عضوا في مجلس الولاية الخاص خمس سنين ، وفيها كانت الحرب العالميّة الأولى ،

__________________

(١) الحسين سماته وسيرته : ١٦٠ ـ ١٦١.

(٢) قد ذكر المرحوم السماوي في إجازته الروائيّة إلى المرحوم آية الله الوالد أنّها كانت في سنة ١٢٩٣ ه‍ ق ، والإجازة بخطّه موجودة عندنا.

١٥

فارتحل منها إلى النجف عند الاحتلال الإنگليزي وبقي فيها إلى أن عيّن قاضيا ، فبقي طيلة زمن الاحتلال وعامين من الحكم الوطني ، ثمّ نقل إلى كربلاء فبقي فيها سنين ، ونقل إلى بغداد فبقي عشر سنوات بين القضاء والتمييز الشرعي ، وأخيرا نقل إلى النجف حسب طلبه فبقي فيها سنة واستقال على أثر سوء تفاهم وقع بينه وبين فخامة السيّد محمّد الصدر أدّى إلى ذلك ...

والسماوي شخصيّة علميّة أديبة فذّة ، جمعت كثيرا من أصول الفضائل وطمحت إلى أسمى الأهداف »(١) .

وقال الشيخ جعفر النقدي :

« فاضل ، سبقت دوحة فنونه في رياض الفضائل وجرت جداول عيونه في غضون الكمالات »(٢) .

وقال عبد الكريم الدجيلي في جريدة اليقظة :

« كان السماوي خير من يمثّل العالم في المدرسة القديمة بأسلوب كلامه وطريقة حواره وهيئة بزّته واتزانه وتعقله ، وهو إذا حضر مجلسا يأسر قلوب الحاضرين بسرعة البادرة وحضور النكتة وقوة الحافظة وسعة الخيال ، فهو ينتقل بك من الشعر العالي المتسامي إلى طرف من التاريخ والآداب ، ثمّ إلى نوادر من الحديث والتفسير ، وهو إلى جانب ذلك يسند حديثه بإحكام ودقّة تعبير ، فيدلّك على الكتاب الذي يضمّ هذه النادرة أو تلك النكتة ، وعلى الصحائف التي تحويها ، وعلى السنة التي طبع فيها هذا الكتاب إن كان مطبوعا ، وإلى عدد طبعاته إن كانت متعددة ، وحتّى التحريف والتشويه بين الطبعات!

__________________

(١) راجع شعراء الغري : ١٠ / ٤٧٥.

(٢) شعراء الغري : ١٠ / ٤٧٨.

١٦

وأنت إذ تسمع إليه فكأنّك تصغي إلى عالم من علماء العهد الأموي أو العبّاسي في طريقة حواره وأسلوب حديثه وانتقاله من فنّ إلى فنّ ، ومن علم إلى علم ، فهو يعيد لك عهد علم الهدى في مجالسه ، والقالي في أماليه ، والمبرد في كامله ، والجاحظ في بيانه وتبيينه ، ولا تفارقه الابتسامة التي تقرأ منها عمق التفكير وجلال العلم وغبار السنين ، ويده إلى جانب ذلك مشغولة في علبة البرنوطي.

توفي في النجف في الرابع من المحرّم عام ١٣٧٠ ه‍ ، ودفن بها ، وأرّخ وفاته بعضهم ضمن تاريخ وفاة الشيخ جعفر النقدي الذي كانت وفاته بعده بأيّام »(١) .

وقال كحالة : « محمّد بن طاهر السماوي ، أديب ، ناظم ، ناثر. ولد في السماوة ونشأ بها ، وأرسل إلى النجف ، فدرس العلوم النقليّة والعقليّة ، ورجع إلى السماوة ، ثمّ سافر إلى بغداد وانتخب عضوا في مجلس الولاية ، ثمّ عاد إلى النجف ، وتولّى بها القضاء الشرعي ، وانتخب عضوا بالمجمع العلمي العراقي.

من آثاره : الطليعة في شعراء الشيعة ، إبصار العين في أنصار الحسين ، ظرفة الأحلام فيما نظم في المنام ، الكواكب السماويّة في شرح القصيدة الفرزدقيّة ، وشجرة الرياض في مدح النبي الفيّاض »(٢) .

هذا الكتاب :

قال آغا بزرگ الطهراني : « إبصار العين في أنصار الحسينعليه‌السلام للعلاّمة الماهر الشيخ محمّد بن طاهر السماوي ، ألّفه أوان قضائه في النجف الأشرف ، وطبع

__________________

(١) شعراء الغري : ١٠ / ٤٧٩.

(٢) معجم المؤلفين : ١٠ / ٩٧.

١٧

سنة ١٣٤٣ بالنجف ، ثمّ أضاف إليه أشياء لم تطبع بعد »(١) .

وقد ذكر المؤلّفرحمه‌الله في هذا الكتاب أسماء مائة وعشرين من أنصار الإمام الحسينعليه‌السلام ، سواء الذين استشهدوا بين يدي الإمامعليه‌السلام يوم الطفّ في كربلاء ، أو الذين جرحوا ولم يستشهدوا كالحسن المثنّى ، أو الّذين استشهدوا في نصرته قبل يوم الطف في البصرة كسليمان بن رزين ، أو في الكوفة كقيس بن مسهّر الصيداوي ، ومسلم بن عقيل ، وهاني بن عروة وغيرهم.

والكتاب يشتمل على فاتحة ذكر فيها المؤلّفرحمه‌الله أحوال الإمام الحسينعليه‌السلام من الولادة حتّى الشهادة باختصار.

وفي الكتاب سبعة عشر مقصدا ، تعرّض المؤلّفرحمه‌الله في كلّ واحد منها إلى قبيلة من القبائل التي كان منها نصير أو أكثر من أنصار الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام .

أمّا خاتمة الكتاب فتحتوي على إشارة إلى عشرين فائدة ، جميعها ترتبط بأنصار الإمام الحسينعليه‌السلام .

طبعات هذا الكتاب :

طبع الكتاب أوّل مرّة في سنة ١٣٤١ ه‍ ق في المطبعة الحيدريّة في النجف الأشرف ، وفي سنة ١٣٤٣ ه‍ ق كما أشار إلى ذلك صاحب الذريعة ، وطبع في مطبعة الآداب في النجف الأشرف بدون ذكر سنة الطبع ، وطبعته في إيران مكتبة بصيرتي في مدينة قم بطريقة الأوفست ، وصدر مرّة أخرى عن نفس المكتبة بدون ذكر سنة الطبع وبطريقة الأوفست أيضا ، وفي سنة ١٤١٤ ه‍ ق صدر عن منشورات الشريف الرضي في مدينة قم بالأوفست أيضا.

__________________

(١) الذريعة إلى تصانيف الشيعة : ١ / ٦٥.

١٨

منهج التحقيق :

كانت تراودني الرغبة في تحقيق هذا الكتاب القيّم منذ مدّة ، ولمّا نفد الكتاب من السوق في وقت لم يزل يزداد طلبه وتتسع الاستفادة منه ، عزمت على تحقيقه وتقديمه إلى مريديه في طبعة جديدة قد صححت فيها الأخطاء التي احتوتها الطبعات السابقة ، وقوبل فيها كلّ ما نقله المؤلّفرحمه‌الله مع المصادر الأصليّة التي أخذ عنها ، مع الإشارة في المحلّ إلى المصدر المأخوذ عنه وموقع الأخذ منه.

والمؤلفرحمه‌الله في نقله المطالب عن مصادرها كان ينقل غالبا بطريقة النقل بالمعنى ، وقد أشرنا للتفاوت مع المصدر في الحالات التي يكون فيها التفاوت غير يسير رعاية للأمانة.

وأملي أن يتحفنا إخواننا المحقّقون والمتتبعون بملاحظاتهم كي نستفيد منها في طبعات أخرى إن شاء الله تعالى.

محمّد جعفر الطبسي

قم المقدسة

١٧ ربيع الأوّل ١٤١٩ ه‍ ق.

١٩
٢٠

فقال لإخوتها: (أمري فيكم وفي أُختكم جائز؟).

قالوا: نعم يا ابن عم محمد، أمرك فينا وفي أُختنا جائز.

فقال عليٌّ (عليه السلام): (أُشهِد الله، وأُشهِد مَن حضر مِن المسلمين، أنِّي قد زوَّجت هذا الغُلام مِن هذه الجارية بأربعمائة درهم والنقد مِن مالي. يا قنبر! عليَّ بالدراهم). فأتاه قنبر فصبَّها في يَد الغُلام.

فقال: (خُذها وصُبَّها في حِجر امرأتك, ولا تأتنا إلا وبك أثر العِرس). (يعني: الغسل)، فقام الغُلام فصبَّ الدراهم في حِجر المرأة، ثمَّ تَلْبَبَها وقال لها: قومي.

فنادت المرأة: النار! النار! - يا ابن عَمِّ محمد - أُتريد أنْ تزوِّجني مِن ولدي؟! هذا - والله - ولدي! زوَّجني إخوتي هجيناً فولدت منه هذا، فلمَّا ترعرع وشبَّ أمروني أنْ أنتفي منه وأطرده، هذا - والله - ولدي وفؤادي يتقَّلى أسفاً على ولدي.

قال:... ثمَّ أخذت بيد الغُلام وانطلقت.

ونادى عمر: واعمراه لولا عليٌّ لهلك عمر (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٢١

اتَّق الله الذي خلقك ثمَّ يُميتك

أتى إلى أبي عبد الله (عليه السلام) رجل فقال: يا ابن رسول الله، رأيت في منامي كأنِّي خارج عن مدينة الكوفة في موضع أعرفه، وكأنَّ شيخاً أو رجُلاً منحوتاً مِن خشب، على فرسٍ مِن خشب يلوح بسيفه، وأنا أُشاهده فزعاً مرعوباً.

فقال (عليه السلام) له: (أنت رجل تُريد اغتيال رجل في معيشته، فاتَّق الله الذي خلقك ثمَّ يُميتك).

فقال الرجل: أشهد أنَّك قد أوتيت علماً، واستنبطته مِن مَعدنه، أُخبرك يا ابن رسول الله، عمَّا قد فسَّرت لي: إنَّ رجلاً مِن جيراني، جاءني وعرض عليَّ ضَيعة، فهممت أنْ أملكها بوكس كثير، لمَّا عرفت أنَّه ليس لها طالب غيري (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٢٢

تفسير حُلْم

جاء رجل إلى ابن سيرين، ومعه جراب، فقال له: رأيت في النوم كأنِّي أسُدُّ الزُّقاق سَدَّاً وثيقاً شديداً.

فقال له: أنت رأيت هذا!

قال: نعم!

فقال لمَن حضره: ينبغي أنْ يكون هذا الرجل يَخنق الصبيان، ورُبَّما يكون في جِرابه آلة الخنق، فوثبوا عليه، وفتَّشوا الجِراب، فوجدوا فيه أوتاراً وحلقاً، فسلَّموه إلى السلطان (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٢٣

الحُلْم وكشف الحقائق

ما أكثر الأشخاص، الذين توصَّلوا إلى اكتشاف حقائق مجهولة، في الماضي والحاضر، عن طريق الأحلام، ولطالما أخبر الحُلْم بصراحة، أو بشيء مِن الاختلاف، وبمُساعدة التفسير عن بعض الحقائق، التي لم تكن تخطر على بال الحالم، أو ضميره الباطن! وإنَّ هذه الطائفة مِن الأحلام مِن الكثرة، بمقدار أنَّها لا تقبل الإنكار والتكذيب، وهناك في الأُسر الشرقيَّة والغربيَّة أفراد عديدون، تقع لهم أمثال هذه الأحلام.

فقد توفِّيت زوجة أحد العلماء القديرين المُعاصرين، وكانت تطلب في أيَّام حياتها مبلغاً مُهمَّاً مِن المال مِن شخصٍ ما، ويوجد عندها سند يُثبت الدَّين، والمَدين طالبهم بالسند الرسمي، فقامت ابنة المُتوفَّاة بالبحث عن السند في البيت كلِّه ولم تجده، ولم يكن المَدين مُستعدَّاً لدفع دينه، دون أنْ يقبض السند الرسمي، إلى أنْ يئس الورثة مِن استحصال الدَّين، وفجأة رأت الخادمة في الحُلْم، أنَّها رأت سيَّدتها المُتوفَّاة تأمرها بأنْ تُخبر ابنتها بأنَّ السند في جيب الثوب الفلاني، فذهبت النبت إلى مكان ذلك الثوب، ووجدت السند فيه تماماً كما أُخبرت به الخادمة (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٢٤

وإذا بُشِّر أحدهم بالأُنثى ظَلَّ وجهه مُسودَّاً

يُنقل عن المهدي العباسي، أنَّه رأى في المنام أنَّ وجهه قد اسودَّ، فسأل مُعبِّري الأحلام عن تفسير ذلك فعجزوا، إلاَّ إبراهيم الكرماني، فإنَّه قال: توجد لك بنت.

قالوا: مِن أين عملت ذلك؟

قال: لقوله تعالى: ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً ) (النحل: 58) أعطاه المهدي ألف درهم، ولما حصل له بنت زاد عليه ألف درهم آخر (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٢٥

هارون الرشيد يَحنِث بأيمانه

يُحكى أنَّ هارون الرشيد، حَجَّ ماشياً؛ وسبب ذلك أنَّ أخاه موسى الهادي، كانت له جارية تُسمَّى غادر، وكانت أحظى الناس عنده، وكانت مِن أحسن النساء وجَهاً وغِناءً، فغنَّت يوماً وهو مع جُلسائه على الشراب، إذ عرض له سَهو وفكر، وتغيَّر لونه، وقطع الشراب.

فقال الجُلساء: ما شأنك، يا أمير المؤمنين؟

ـ لقد وقع في قلبي أنَّ جاريتي غادر يتزوَّجها أخي هارون بعدي.

ـ فقالوا: أطال الله بقاء أمير المؤمنين، وكلُّنا فِداؤه.

ـ فقال: ما يُزيل هذا ما في نفسي...

وأمر بإحضار هارون وعرَّفه ما خطر بباله، فاستعطفه وتكلَّم بما ينبغي أنْ يتكلَّم به في تطييب نفسه، فلم يقنع بذلك.

ـ وقال: لا بُدَّ أنْ تحلُف لي!

ـ قال: لأفعل.

وحلف له بكلِّ يمين يحلف بها الناس: مِن طلاقٍ، وعِتاق، وحجٍّ، وصدقة، وأشياء مؤكَّدةٍ، فسكن.

ثمَّ قام فدخل على الجارية، فأحلفها بمثل ذلك، ولم يلبث شهراً ثمَّ مات.

فلمَّا أفضت الخلافة إلى هارون، أرسل إلى الجارية يخطبها...

ـ فقالت: يا سيِّدي كيف بأيمانك وأيماني؟!!

ـ فقال: أحلف بكلِّ شيء حلفت به: مِن الصدقة، والعتق وغيرهما إلاَّ تزوَّجتك

٢٦

فتزوَّجها، وحجَّ ماشياً ليمينه، وشُغف بها أكثر مِن أخيه، حتَّى كانت تنام فيُضجع رأسها في حِجره، ولا يتحرَّك حتَّى تتنبه، فبينما هي ذات ليلة، إذ انتبهت فزعة...

فقال لها: ما لك؟!

فقالت: رأيت أخاك في المنام الساعة وهو يقول:

أخـلـفت وعـدك بـعدما

جـاورت سُـكَّان الـمَقابر

ونـسيتني وحـنثت فـي

أيـمانك الـكذب الـفواجر

فـظللت فـي أهـل البلاد

وغدوت في الحور الغرائز

ونـكحت غـادرة أخـي!

صـدق الـذي سمَّاك غادر

لا يـهنك الإلـف الـجديد

ولا تـدُر عـنك الـدوائر

ولـحقت بـي قبل الصباح

وصرت حيث غدوتُ صائر

... والله - يا أمير المؤمنين - فكأنَّها مكتوبة في قلبي، ما نسيت منها كلمة.

فقال الرشيد: هذه أضغاث أحلام.

فقالت: كلاَّ، والله ما أملك نفسي... وما زالت ترتعد حتَّى ماتت بعد ساعة (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٢٧

مَعدِن العلم

كان علي بن الحسين (عليه السلام) في الطواف، فنظر في ناحية المسجد إلى جماعة، فقال: (ما هذه الجماعة؟).

قالوا: هذا محمد بن شهاب الزهري، اختلط عقله فليس يتكلَّم، فأخرجه أهله؛ لعلَّه إذا رأى الناس أنْ يتكلَّم.

فلمَّا قضى (عليه السلام) طوافه خرج، حتَّى دنا منه، فلمَّا رآه محمد بن شهاب عرفه، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): (ما لك؟).

قال: ولِّيت ولاية، فأصبت دماً فدخلني ما ترى.

فقال له علي بن الحسين: (لأنا عليك مِن يأسك مِن رحمة الله، أشدُّ خوفاً مِنِّي عليك مِمَّا أتيت).

ثمَّ قال له: (أعطهم الدِّيَّة).

قال: فعلتُ فأبوا.

قال: (اجعلها صرراً، ثمَّ انظر مواقيت الصلاة فألقها في دارهم) (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٢٨

الظُلم مِن كوامن النفوس:

القوَّة تُبديه والضُعف يُخفيه

كان عبد الملك بن مروان يعيش حياة هانئة في شبابه، وكان رحيماً وشفوقاً يعطف على الناس، ولا يُحاول إيذاءهم، ولا يتحدَّث عن أحد بشَرٍّ.

أيْ: كانت رغباته النفسيَّة، وميوله الغريزيَّة مخفيَّة؛ وذلك لعدم وجود مجال لظهوره... ولم يكن يتصوَّر أنْ سيُمسك بزمام الحُكم في الدولة الإسلاميَّة الواسعة، ويتصرَّف في مُقدَّرات ملايين المسلمين في يوم مِن الأيَّام.

ومَرَّت الأيَّام بالتدرُّج، حتَّى ظهرت الأوضاع والتحوُّلات المُفاجئة، التي أدارت سير الزمن لصالحه، فقد ترَّبع أبوه - الذي كان والياً في يوم ما على المدينة ثمَّ عُزل مِن ولايته عليها - على دفَّة الخلافة، على أثر للتطوُّرات السياسيَّة المعروفة، ونصَّب عبد الملك ذلك الشابَّ العطوف ولياً للعهد...

ولم تمضِ أشهُر قليلة، حتى دَسَّ السُّمَّ إلى مروان ومات، فجلس عبد الملك على كرسيِّ الخلافة بعده... وهنا استيقظت ميوله وشهواته، ووجدت لها مجالاً واسعاً للتحقُّق والتطبيق.

لقد كان الوجدان يحكُم إلى الأمس القريب، في سلوك عبد الملك دون مُعارض أو مُعاند؛ ولذلك كان يجتنَّب الظلم والأفعال اللاَّ إنسانيَّة.

أمَّا اليوم فقد استيقظت غرائزه، وتعالت ألسنة نيرانها، حتَّى اضطرَّ وجدانه إلى الانسحاب والاندحار أمام تلك الأوضاع، وكأنْ لم يكُن في باطن عبد الملك وجدان أصلاً! فقد ولغ هو وولاته في دماء الناس، في أرجاء البلاد الإسلاميَّة، وارتكبوا الجرائم الفظيعة، التي لا حَدَّ لها ولا حَصر.

يذكر لنا المؤرِّخون: أنَّه لمَّا أرسل يزيد جيشاً إلى مَكَّة، لقتل عبد الله بن الزبير، كان

٢٩

عبد الملك يقول - مُستنكراً ومُستهجناً ـ: العياذ بالله، أيُجهِّز أحد جيشاً لمُحاربة بيت الله الحرام؟!

أمَّا عندما تولَّى الخلافة بنفسه، فقد أرسل جيشاً أعظم مِن جيش يزيد، بقيادة الحَجَّاج بن يوسف (المجرم المعروف) إلى مَكَّة، وقتل كثيراً مِن الناس في حرم الله؛ ليقبض على عبد الله بن الزبير، وقد حَزَّ رأسه، وأرسله إلى عبد الملك في الشام، وعَلَّق جُثَّته على عمود المِشنقة!

حينئذ يقول عبد الملك: إنِّي كنت أتمانع مِن قتل نملة ضعيفة. أمَّا الآن، فعندما يُخبرني الحَجَّاج عن قتل الناس، لا أجد أيَّ قَلقٍ أو تأثُّر في نفسي!

وقد قال الزهري - أحد العلماء - يوماً لعبد الملك: سمعت أنَّك تشرب الخمر!

فأجابه: نعم، والله أشرب الخمر، وأشرب دِماء الناس أيضاً (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٣٠

بَشِّر الصابرين

خرجت مع صديق لي إلى البادية، فضللنا الطريق، فإذا بنا نرى إلى يمين الطريق خيمة، فقصدناها وسلَّمنا، فإذا امرأة ردَّت علنيا السلام، فقالت: مَن أنتم؟

قلنا: ضالِّين قصدناكم لنأنس بكم.

فقالت: أديروا وجوهكم؛ حتَّى أعمل مِن حَقِّكم شيئاً.

ففعلنا، فبسطت لنا مسحاً، وقالت: اجِلسوا حتَّى يجيء ابني، وكانت ترفع طرف الخيمة وتنظر، فرفعتها مَرَّة فقالت: اسأل الله بركة المُقبِل... أمَّا الناقة، فناقة ابني، وأمَّا الراكب فليس هو! فلمَّا ورد الراكب عليها.

قال: يا أُمَّ عقيل، عظَّم الله أجرك بعقيل.

قالت: ويحك، مات عقيل؟!

قال: نعم.

قالت: بما مات؟!

قال: ازدحمت الناقة، وألقته في البئر.

فقالت له: انزل وخُذ زِمام القوم، فقرَّبت إليه كبشاً فذبحه، وصنعت لنا طعاماً، فشرعنا في أكل الطعام ونحن نتعجَّب مِن صبرها، فلمَّا فرغنا خرجت إلينا وقالت: أيُّها القوم، أفيكم مَن يُحسن في كتاب الله شيئاً؟

قلت: بلى!

قالت: اقرأ عليَّ آيات أتسلَّى بها مِن موت الولد.

قلت: يقول الله عز وجل: ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا

٣١

لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (البقرة: 155 - 157).

قالت: أهذه الآية في كتاب الله هكذا؟!

قلت: إيْ والله، إنَّ هذه الآية في كتاب الله هكذا.

فقالت: السلام عليكم، فقامت وصلَّت رَكعتين. ثمَّ قالت: اللَّهمَّ، إنِّي فعلت ما أمرتني به، فأنجِز لي ما وعدتني به.

أيُّ قوَّة غير قوَّة الإيمان بالله، قادرة على تهدئة خاطر امرأة ثَكلى بهذه السرعة والسلامة؟! وأيُّ قُدرة غير الاعتقاد الديني، تستطيع إطفاء لهب الحُزن والويل، مِن روح أُمٍّ فُجعت بموت ولدها الشابِّ بهذه الفوريَّة؟!! (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٣٢

فبما رَحمةٍ مِن الله لِنتَ لهم

لقد كانت عَلاقات النبي مع المسلمين ليِّنة هادئة، إلى درجة أنَّ بعض الأشخاص، كانوا يتمازحون معه بالمزاج، الذي يصعب قبوله مِن الأفراد العاديِّين.

نهى (عليه السلام) أبا هريرة عن مِزاح العرب، فأخذ أبو هريرة نَعل النبي، ورهنه بالتمر وجلس بحذائه يأكل... فقال (عليه السلام): يا أبا هريرة ما تأكُل؟

قال: نعل رسول الله.

أيُّ حاكم يجرؤ على مُمازحته فردٌ عاديٌّ، فيرهن حِذاءه عند بقَّالٍ لِقاء شيء مِن التمر؟! لقد عَدَّ الله هذه الفضيلة الخلقية للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن مراتب رحمته وعنايته: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ... ) (آل عمران: 159) (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٣٣

سوء الخُلق يُسبِّب ضغطة القَبر

كان سعد بن مَعاذ أحد صحابة الرسول الأعظم الوقورين، وعند وفاته مَشى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه في جَنازته، حتَّى إنَّه حملها على كتفه عِدَّة مِرَّات، وحفر القبر بنفسه، وشَقَّ له اللحد ودفنه فيه... فلمَّا وجدت أُمُّ سعد ذلك غبطته على تلك المنزلة.

فقالت: يا سعد، هنيئاً لك الجَنَّة.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أُمَّ سعد! مَه! لا تجزمي على ربِّك؛ فإنَّ سعداً قد أصابته ضَمَّة..

وعندما سُئل عن سبب ذلك؛ قال: إنَّه كان في خُلقه مع أهله سوء (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٣٤

يزيد يرتكب الجرائم الواحدة تِلو الأُخرى

قتل يزيدُ الإمام الحسين (عليه السلام)؛ لتثبيت قُدرته وتحكيم أُسس حكومته؛ فأحدث فاجعة كربلاء بذلك الوضع المُزري، الذي بعث الاشمئزاز منه، في جميع أرجاء الدولة الإسلاميَّة، وقام الناس في المدينة مُطالبين بعزل يزيد عن الخلافة بكلِّ صراحة، فكان رَدُّ فعله أنْ أقدم على جريمة جديدة، فولغ في دماء أهل المدينة وأعراضهم، مِن خلال الجيش الجرَّار، الذي بعث به إلى الشام، ففعلوا ما فعلوا مِمَّا يَندى له جبين الإنسانيَّة.

يذكر لنا المؤرِّخون: أنَّ أحد جنود الشام، دخل إلى بيت امرأة قريبة عهد بوضع حملها، حيث كانت ترقد في الفراش، فطلب منها مالاً، فأقسمت المرأة التي كانت قد فقدت كلَّ شيء في غارة أهل الشام على المدينة: بأنَّها لا تملِك شيئاً، ثمَّ خابت وليدها قائلة: والله، لو كنت أملِك مِن حِطام الدنيا شيئاً، لافتديت به، وحقنت به دمك. وهنا وجَم الجندي قَسيُّ القلب، البعيد عن الإيمان؛ إذ يَئِس مِن الحصول على المال، فاختطف الطفل مِن أُمِّه وهي تُرضعه، ورمى به إلى الجدار بشِدَّة؛ فتهشَّم مُخَّه.. (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٣٥

ذِمَّة المسلم واحدة حُرَّاً كان أم عبداً

خرج فضيل بن زيد الرقاشي مع جنوده؛ لمُحاصرة قلعة تُسمَّى بـ: (سهرياج) ، في أيَّام عبد الله بن عامر بن كريز، وقد سار إلى فارس فافتتحها. وكان الجيش قد صَمَّم على أنْ يفتح القلعة في يوم واحد.

يقول فضيل في ذلك:

(... كنَّا قد صَمَّمنا أنْ نفتحها في يومنا، وقاتلنا أهلها ذات يوم، فرجعنا إلى مُعسكرنا، وتخلَّف عبد مَملوك مِنَّا، فراطنوه؛ فكتب لهم أماناً ورمى به في سَهمٍ.

قال: فغدونا إلى القتال، وقد خرجوا مِن حِصنهم، وقالوا: هذا أمانكم).

لم يكن إعطاء الأمان مِن مسلم إلى الكفَّار بالأمر المُستبعَد في نظر الجيش، ولكنْ شُكَّ في كون الأمان الصادر مِن العبد، كالأمان الصادر مِن الحُرِّ...

فكتبنا بذلك إلى عمر، فكتب إلينا: إنَّ العبد المسلم مِن المسلمين، ذِمَّته كذِمَّتكم فليُنفَّذ أمانه... فأنفذناه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٣٦

حِفظ الوديعة أيَّاً كانت

حصل أحد موالي الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، الذين أعتقهم على ثروة لا بأس بها، نتيج جهوده ونشاطه. وفي بعض الأيَّام تعرَّض الإمام (عليه السلام) لضائقة ماليَّة شديدة، فطلب مِن مولاه الذي أعتقه أنْ يُقرِضه مبلغاً مِن المال، قدرُه عشرة آلاف درهم، يدفعه إليه عند الاستطاعة، فطلب المولى مِن الإمام سنداً أو وثيقة.

مَدَّ الإمام يده إلى طرف ردائه، واستخرج هُدبَة خيط منه، وقال له: (هذه وثيقتي عندك، إلى أنْ أرُدَّ إليك مالك).

ثقل على المُقرض أنْ يوافق على وثيقة كهذه، ولكنَّه سلم المال نظراً إلى شخصيَّة الإمام (عليه السلام) وأخذ الهُدبة ووضعها في عُلبة صغيرة. ثمَّ وافق أنَّ الإمام تيسَّرت أُموره بعد مُدَّة قصيرة، فردَّ المبلغ إلى صاحبه... ثمَّ قال له: (قد أحضرت إليك المبلغ، فهات وثيقتي).

فقال مولاه له: جُعلت فِداك ضيَّعته.

قال: (إذاً، لا تأخذ مالك مِنِّي، ليس مِثلي يُستَخفُّ بذِمَّته).

قال: فأخرج الرجل الحَقَّ، فإذا فيه الهُدبة، فأعطاه عليُّ بن الحسين (عليه السلام) الدراهم، وأخذ الهُدبة فرمى بها وانصرف.

إنَّ خيطاً مِن رِداء لا قيمة له، ولكنْ عندما يكون الخيط رمزاً لتعهُّدٍ، صادرٍ مِن شخصٍ شريفٍ، فإنَّ قيمته ترتفع، إلى أنْ يُصبح وثيقة لدَين عن عشرات الآلاف، مِن الدراهم والدنانير، ويتقبَّله الدائن بكلِّ ثِقة واطمئنان (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٣٧

المؤمن إذا وعد وفى

بعد وقعة صِفِّين، ظهر حزب جديد باسم الخوارج، ضَمَّ رجالاً جُهلاء بحقيقة الدين والعلم، قاموا بجرائم عظيمة طوال سنين طويلة. وقامت السُّلطات الزمنيَّة بقمع هذا الحزب، فأُحضروا إلى مجلس الحَجَّاج؛ ليُعاقبهم على ذلك، فعين لكلِّ عقوبته.. وعندما وصل إلى آخر رجل منهم، رفع المؤذِّن الأذان، مُعلناً دخول وقت الصلاة، فقام الحَجَّاج وسلَّم المُتَّهم إلى أحد الحاضرين واسمه عنبسة، وقال له: خُذه معك إلى البيت، وأحضره لي غداً حتَّى أُقرِّر عقوبته. فنفَّذ عنبسة الأمر، وأخرجه معه مِن قصر الإمارة.

في الطريق قال المُتَّهم لعنبسة: هل يُرجى مِنك خير؟

فقال له عنبسة: ما تُريد؟ لعلِّي أوفَّق لأعمل لك خيراً.

فقال المُتَّهم: والله، لستُ خارجيَّاً ولم أشهر سيفي على أحد، وأنا بريء مِن هذه التُّهمة المنسوبة لي. ورغم أنَّهم قبضوا عليَّ وأنا بريء، فإنَّ أملي برحمة الله كبير، وأعلم أنَّ فضله سيشملني، ولا أُعذَّب مِن دون ذنب، ولكنْ أرجوك أنْ تسمح لي بالذهاب إلى أهلي هذه الليلة؛ لأودِّعهم وأوصيهم بوصايا، وأؤدِّي حقوق الناس وسأحضر إليك غداً صباحاً.

يقول عنبسة: استغربت مِن هذا الطلب، فلم أجبه، فكرَّر عليَّ السؤال، حتَّى أثَّر كلامه في نفسي، وخطر في بالي أنْ أتوكَّل على الله، وأنزل عند رغبته؛ فصمَّمت على ذلك، وقلت له: اذهب، ولكنْ يجب أنْ تُعاهدني على الرجوع غداً.

فقال الرجل: عاهدتك على أنْ أحضر غداً صباحاً، وأُشهِد الله على هذا العهد.

ثمَّ ذهب حتَّى غاب عن عيني، ولكنْ ما إنْ عُدُّت إلى نفسي، حتَّى اضطربت اضطراباً شديداً، وندمت على ما فعلت، فقد عرَّضت نفسي لغضب الحَجَّاج دون

٣٨

سبب، ولازَمَني الاضطراب حتَّى ذهابي إلى البيت، فذكرت ذلك لأهلي فلاموني... ولكنْ لاتَ حين مَناصٍ.

لم أنَم تلك الليلة، فكنت أتململ تملُمل السليم، وأتقلَّب كالثَّكلى. وعند الصباح وفَّى الرجل بعهده، فتعجَّبت مِن مَجيئه، وقلت له: لماذا حضرت؟!

قال: مَن آمن بالله، وأعتقد قُدرته وعظمته، وعاهد على أمرٍ، وجعل الله شهيداً على عهده؛ فلا يُخلِف عهده.

فأخذته إلى قصر الإمارة في الساعة المُقرَّرة، وذكرت للحَجَّاج ما جرى بيني وبينه في الليلة السابقة، فتعجَّب مِن إيمان الرجل ووفائه بعهده. ثمَّ قال: أتُريد أنْ أعفو عنه لأجلك.

فقلت: لو تكرَّمت عليَّ بذلك، فلك المِنَّة بذلك.

فعفا الحَجَّاج عن المُتَّهم، وأخرجه عنبسة مِن دار الإمارة، وقال له بلُطف ولين: اذهب فأنت حُرٌّ.

ذهب الرجل دون أنْ يشكر لي جميل صنعي، ودون أنْ يُقابل الإحسان ولو بكلمة شُكراً، فتألَّمت مِن هذا الجَفاء والتنكُّر للمعروف، وقلت في نفسي: لعلَّه مجنون!

وفي اليوم الثاني، حدث ما لم يكن بالحُسبان، فقد حضر الرجل، وشكرني على إنقاذه مِن الورطة التي وقع فيها، ثمَّ قال: إنَّ المُنقذ الحقيقي هو الله تعالى، وكنتَ أنت الواسطة في ذلك، فلو أنَّني شكرتك بالأمس على إحسانك، لكنت قد أشركتك بالله في النعمة التي أنعمها عليَّ؛ وهذا ليس بمُستحسن، فرأيت مِن الواجب عليَّ أنْ أذهب لأداء واجب الشُّكر والحمد بين يدي الله تعالى أولاً، ثمَّ أحضر لأداء واجب الشُّكر لك. ثمَّ شكر لي جميل صُنعي وإحساني، واعتذر وانصرف (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٣٩

التوبة مِن الكذب أوَّلاً

أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجلٌ فقال: إنِّي رجل لا أُصلِّي، وأرتكب المحارم، وأكذِب، فمِن أيِّ شيءٍ أتوب؟!

قال: (مِن الكَذِب).

فاستقبله فعاهد أنْ لا يَكذِب، فلمَّا انصرف وأراد الفاحشة، قال في نفسه: إنْ قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هل زنيت بعدما عاهدت؟ فإنْ قلت: لا؛ كذبت، وإنْ قلت: نعم؛ ضربني الحَدّ (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303