ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام12%

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام مؤلف:
المحقق: محمد جعفر الطبسي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 303

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 303 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127958 / تحميل: 6782
الحجم الحجم الحجم
ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

قال أهل السير : إنّ حبيبا نزل الكوفة ، وصحب عليّاعليه‌السلام في حروبه كلّها ، وكان من خاصّته وحملة علومه.

وروى الكشي عن فضيل بن الزبير(١) قال : مرّ ميثم التمّار على فرس له فاستقبله حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد فتحادثا حتّى اختلف عنقا فرسيهما ، ثمّ قال حبيب : لكأنّي بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق ، قد صلب في حب أهل بيت نبيّه ، فتبقر بطنه على الخشبة. فقال ميثم : وإنّي لأعرف رجلا أحمر له ضفيرتان ، يخرج لنصرة ابن بنت نبيّه فيقتل ويجال برأسه في الكوفة. ثمّ افترقا ، فقال أهل المجلس : ما رأينا أكذب من هذين. قال : فلم يفترق المجلس حتّى أقبل رشيد الهجريّ فطلبهما ، فقالوا : افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا. فقال رشيد :

رحم الله ميثما نسي ويزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم. ثمّ أدبر ، فقال القوم : هذا والله أكذبهم. قال : فما ذهبت الأيّام والليالي حتّى رأينا ميثما مصلوبا على باب عمرو بن حريث. وجيء برأس حبيب قد قتل مع الحسينعليه‌السلام ، ورأينا كلّما قالوا(٢) .

وذكر أهل السير : أنّ حبيبا كان ممّن كاتب الحسينعليه‌السلام (٣) .

قالوا : ولمّا ورد مسلم بن عقيل إلى الكوفة ونزل دار المختار وأخذت الشيعة تختلف(٤) إليه ، قام فيهم جماعة من الخطباء تقدمهم عابس الشاكري ، وثنّاه حبيب

__________________

(١) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الباقر والصادقعليهما‌السلام . راجع رجال الشيخ : ١٤٣ ، الرقم ١٥٤٦ و ٢٦٩ الرقم ٣٨٧٥.

(٢) رجال الكشي : ٧٨ ، الرقم ١٣٣. راجع منتهى المقال في أحوال الرجال ٢ / ٣٢٨.

(٣) راجع الإرشاد : ٢ / ٣٧ ، والكامل : ٤ / ٢٠.

(٤) راجع الإرشاد : ٢ / ٤١ ، واللهوف : ١٠٨ ، والكامل : ٤ / ٢٢ ، والأخبار الطوال : ٢٣١. وفي مقاتل الطالبيين ، ١٠٠ : نزل مسلم دار هاني بن عروة المرادي.

١٠١

فقام وقال لعابس بعد خطبته : رحمك الله لقد قضيت ما في نفسك بواجز من القول وأنا والله الذي لا إله إلاّ هو لعلى مثل ما أنت عليه.

قالوا : وجعل حبيب ومسلم(١) يأخذان البيعة للحسينعليه‌السلام في الكوفة حتّى إذا دخل عبيد الله بن زياد الكوفة وخذّل أهلها عن مسلم وفرّ أنصاره حبسهما عشائرهما وأخفياهما ، فلمّا ورد الحسين كربلا خرجا إليه مختفيين يسيران الليل ويكمنان النهار حتّى وصلا إليه.

وروى ابن أبي طالب أنّ حبيبا لمّا وصل إلى الحسينعليه‌السلام ورأى قلّة أنصاره وكثرة محاربيه ، قال للحسين : إنّ هاهنا حيّا من بني أسد فلو أذنت لي لسرت إليهم ودعوتهم إلى نصرتك ، لعلّ الله أن يهديهم ويدفع بهم عنك. فأذن له الحسينعليه‌السلام فسار إليهم حتّى وافاهم فجلس في ناديهم ووعظهم ، وقال في كلامه : يا بني أسد ، قد جئتكم بخير ما أتى به رائد قومه ، هذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد نزل بين ظهرانيكم في عصابة من المؤمنين ، وقد أطافت به أعداؤه ليقتلوه ، فأتيتكم لتمنعوه وتحفظوا حرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه ، فو الله لئن نصرتموه ليعطينّكم الله شرف الدنيا والآخرة ، وقد خصصتكم بهذه المكرمة ، لأنّكم قومي وبنو أبي وأقرب الناس منّي رحما. فقام عبد الله بن بشير الأسدي وقال : شكر الله سعيك يا أبا القاسم ، فو الله لجئتنا بمكرمة يستأثر بها المرء الأحب فالأحب ، أمّا أنا فأوّل من أجاب ، وأجاب جماعة بنحو جوابه فنهدوا مع حبيب ، وانسلّ منهم رجل فأخبر ابن سعد ، فأرسل الأزرق في خمسمائة فارس فعارضهم ليلا ومانعهم فلم يمتنعوا فقاتلهم ، فلمّا علموا أن لا طاقة لهم بهم تراجعوا في ظلام الليل وتحمّلوا عن منازلهم. وعاد حبيب إلى الحسينعليه‌السلام فأخبره بما كان. فقالعليه‌السلام :( وَما

__________________

(١) المقصود هنا هو : مسلم بن عوسجةرحمه‌الله .

١٠٢

تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله(١) .

وذكر الطبري : أنّ عمر بن سعد لمّا أرسل إلى الحسينعليه‌السلام كثير بن عبد الله الشعبي وعرفه أبو ثمامة الصائدي فأعاده أرسل بعده ( قرّة بن قيس الحنظلي )(٢) فلمّا رأه الحسينعليه‌السلام مقبلا قال : أتعرفون هذا؟ فقال له حبيب : نعم ، هذا رجل تميمي من حنظلة وهو ابن أختنا ، وقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد ، قال : فجاء حتّى سلّم على الحسينعليه‌السلام وأبلغه رسالة عمر ، فأجابه الحسينعليه‌السلام ، قال : ثمّ قال له حبيب : ويحك يا قرّة أين ترجع ، إلى القوم الظالمين؟ انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيّدك الله بالكرامة وإيّانا معك ، فقال له قرّة : أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي(٣) .

وذكر الطبري أيضا قال : لمّا نهد القوم إلى قتال الحسينعليه‌السلام قال له العبّاس : يا أخي أتاك القوم ، قال : اذهب إليهم وقل لهم ما بدا لكم؟ فركب العبّاس وتبعه جماعة من أصحابه فيهم حبيب بن مظهّر ، وزهير بن القين ، فسألهم العبّاس فقالوا : جاء أمر الأمير بالنزول على حكمه أو المنازلة ، فقال لهم : لا تعجلوا حتّى أخبر أبا عبد الله ثمّ ألقاكم. فذهب إلى الحسينعليه‌السلام ووقف أصحابه ، فقال حبيب لزهير : كلّم القوم إذا شئت. فقال له زهير : أنت بدأت بهذا فكلّمهم أنت. فقال لهم حبيب : معاشر القوم إنّه والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون على الله ، وقد قتلوا ذريّة نبيّه ، وعترته وأهل بيته ، وعباد أهل هذا المصر المجتهدين بالأسحار ، والذاكرين الله كثيرا. فقال له

__________________

(١) تسلية المجالس : ٢ / ٢٦٠ ـ ٢٦١ ، راجع البحار : ٤٤ / ٣٨٦ ، الباب ٣٧. والآية في سورة الإنسان / ٢٩.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٣١١.

(٣) تاريخ الطبري : ٣ / ٣١٤.

١٠٣

عزرة بن قيس : إنّك لتزكّي نفسك ما استطعت(١) . فأجابه زهير بما يأتي.

وروى أبو مخنف : أنّ الحسينعليه‌السلام لمّا وعظ القوم بخطبته التي يقول فيها : « أمّا بعد ، فانسبوني من أنا وانظروا » إلى آخر ما قال. اعترضه شمر بن ذي الجوشن فقال :

هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول ، فقال حبيب : أشهد أنّك تعبد الله على سبعين حرفا ، وأنّك لا تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك ، ثمّ عاد الحسينعليه‌السلام إلى خطبته(٢) .

وذكر الطبري(٣) وغيره(٤) أنّ حبيبا كان على ميسرة الحسينعليه‌السلام وزهيرا على الميمنة وأنّه كان خفيف الإجابة لدعوة المبارز ، طلب سالم مولى زياد ويسار مولى ابنه عبيد الله مبارزين وكان يسار مستنتل أمام سالم فخفّ إليه حبيب وبرير فأجلسهما الحسين. وقام عبد الله بن عمير الكلبي فأذن له كما سيأتي.

قالوا : ولمّا صرع مسلم بن عوسجة مشى إليه الحسينعليه‌السلام ومعه حبيب ، فقال حبيب عزّ عليّ مصرعك يا مسلم ، أبشر بالجنّة. فقال له مسلم قولا ضعيفا : بشّرك الله بخير. فقال حبيب : لو لا أنّي أعلم أنّي في أثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت أن توصي إليّ بكلّ ما أهمّك حتّى أحفظك في كلّ ذلك بما أنت له أهل من الدين والقرابة. فقال له : بلى أوصيك بهذا رحمك الله ، وأومأ بيديه إلى الحسينعليه‌السلام أن تموت دونه ، فقال حبيب : أفعل وربّ الكعبة(٥) .

قالوا : ولمّا استأذن الحسينعليه‌السلام لصلاة الظهر وطلب منهم المهلة لأداء الصلاة قال

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣١٤.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٣١٩ بتفاوت في النقل ، راجع الإرشاد : ٢ / ٩٨.

(٣) تاريخ الطبري : ٣ / ٣١٩.

(٤) راجع الإرشاد : ٢ / ٩٥ ، والأخبار الطوال : ٢٥٦.

(٥) الإرشاد : ٢ / ١٠٣ ، اللهوف : ١٦٢ ، الكامل : ٤ / ٦٨.

١٠٤

له الحصين بن تميم : إنّها لا تقبل منك! فقال له حبيب : زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتقبل منك يا حمار! فحمل الحصين وحمل عليه حبيب ، فضرب حبيب وجه فرس الحصين بالسيف فشبّ به الفرس ووقع عنه فحمله أصحابه واستنقذوه(١) .

وجعل حبيب يحمل فيهم ليختطفه منهم وهو يقول :

أقسم لو كنّا لكم أعدادا

أو شطركم ولّيتم أكتادا

يا شرّ قوم حسبا وآدا

ثمّ قاتل القوم فأخذ يحمل فيهم ويضرب بسيفه وهو يقول :

أنا حبيب وأبي مظهّر

فارس هيجاء وحرب تسعر

أنتم أعد عدّة وأكثر

ونحن أوفى منكم وأصبر

ونحن أعلى حجّة وأظهر

حقّا وأتقى منكم وأعذر

ولم يزل يقولها حتّى قتل من القوم مقتلة عظيمة ، فحمل عليه بديل بن صريم العقفاني فضربه بسيفه ، وحمل عليه آخر من تميم فطعنه برمحه فوقع ، فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فسقط ، فنزل إليه التميمي فاحتزّ رأسه ، فقال له الحصين : إنّي شريكك في قتله. فقال الآخر : والله ما قتله غيري. فقال الحصين : أعطنيه أعلّقه في عنق فرسي كيما يراه الناس ويعلموا أنّي شركت في قتله ، ثمّ خذه أنت فامض به إلى عبيد الله بن زياد فلا حاجة لي فيما تعطاه على قتلك إيّاه ، فأبى عليه فأصلح قومهما فيما بينهما على ذلك ، فدفع إليه رأس حبيب فجال به في العسكر قد علّقه بعنق فرسه ، ثمّ دفعه بعد ذلك إليه فأخذه فعلّقه في لبان فرسه ، ثمّ أقبل به إلى ابن زياد في القصر فبصر به ابن حبيب القاسم وهو يومئذ قد راهق ، فأقبل مع الفارس لا يفارقه كلّما دخل القصر دخل معه ، وإذا خرج خرج معه

__________________

(١) الكامل : ٤ / ٧٠.

١٠٥

فارتاب به ، فقال : ما لك يا بنيّ تتبعني؟ قال : لا شيء ، قال : بلى يا بني فأخبرني ، قال : إنّ هذا رأس أبي أفتعطينيه حتّى أدفنه؟ قال : يا بني لا يرضى الأمير أن يدفن ، وأنا أريد أن يثيبني الأمير على قتله ثوابا حسنا. فقال القاسم : لكنّ الله لا يثيبك على ذلك إلاّ أسوأ الثواب ، أم والله لقد قتلته خيرا منك ، وبكى ثمّ فارقه ، ومكث القاسم حتّى إذا أدرك لم تكن له همّة إلاّ اتّباع أثر قاتل أبيه ليجد منه غرّة فيقتله بأبيه ، فلمّا كان زمان مصعب بن الزبير وغزا مصعب باجميرا دخل عسكر مصعب فإذا قاتل أبيه في فسطاطه ، فأقبل يختلف في طلبه والتماس غرّته ، فدخل عليه وهو قائل نصف النهار فضربه بسيفه حتّى برد(١) .

وروى أبو مخنف : أنّه لمّا قتل حبيب بن مظهّر هدّ ذلك الحسينعليه‌السلام وقال : « عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي »(٢) .

وفي ذلك أقول :

إن يهدّ الحسين قتل حبيب

فلقد هدّ قتله كلّ ركن

بطل قد لقى جبال الأعادي

من حديد فردّها كالعهن

لا يبالي بالجمع حيث توخّى

فهو ينصبّ كانصباب المزن

أخذ الثأر قبل أن يقتلوه

سلفا من منية دون منّ

قتلوا منه للحسين حبيبا

جامعا في فعاله كلّ حسن

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( مظهّر ) : بضم الميم وفتح الظاء المعجمة بزنة محمّد على الأشهر ، ويضبط بالطاء

__________________

(١) الكامل : ٤ / ٧١.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٧ ، راجع الكامل : ٤ / ٧١.

١٠٦

المهملة في بعض الأصول ، ويمضى على الألسن وفي الكتب مظاهر ، وهو خلاف المضبوط قديما.

( نهد ) : نهض. ( ظهرانيكم ) : يقال : هو بين ظهرانيكم وبين ظهريكم وبين أظهركم ، فالأولى بفتح النون ولا تكسر ، والثانية بصورة التثنية كالأولى ، والثالثة بصورة الجمع ، كلّ ذلك بمعنى في وسطكم وبين معظمكم.

( مستنتل ) : بالميم والسين والنون بين التائين المثنّاتين فوق بمعنى متقدّم عليه.

( أكتادا ) : جمع كتد وهو : مجتمع الكتفين من الإنسان وغيره.

( آد ) : في قوله : ( حسبا وآدا ) : بمعنى القوة.

( العقفاني ) : بالعين المهملة والقاف والفاء نسبة إلى عقفان بضم العين حي من خزاعة.

( باجميرا ) : بالباء المفردة والجيم المضمومة والميم المفتوحة والياء المثنّاة تحت والراء المهملة والألف المقصورة ، موضع من أرض الموصل كان مصعب بن الزبير يعسكر به في محاربة عبد الملك بن مروان حين يقصده من الشام أيّام منازعتهما في الخلافة.

مسلم بن عوسجة الأسدي (١)

هو مسلم بن عوسجة بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة ، أبو حجل الأسدي السعدي ، كان رجلا شريفا سريا عابدا متنسكا.

__________________

(١) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : ١٠٥.

١٠٧

قال ابن سعد في طبقاته(١) : وكان صحابيّا ممّن رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وروى عنه الشعبي. وكان فارسا شجاعا ، له ذكر في المغازي والفتوح الإسلاميّة ، وسيأتي قول شبث فيه.

وقال أهل السير : إنّه ممّن كاتب الحسينعليه‌السلام من الكوفة ووفى له ، وممّن أخذ البيعة له عند مجيء مسلم بن عقيل إلى الكوفة.

قالوا : ولمّا دخل عبيد الله بن زياد الكوفة وسمع به مسلم خرج إليه ليحاربه ، فعقد لمسلم بن عوسجة على ربع مذحج وأسد ، ولأبي ثمامة على ربع تميم وهمدان ، ولعبيد الله بن عمرو بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة ، وللعباس بن جعدة الجدلي على أهل المدينة ، فنهدوا إليه حتّى حبسوه في قصره ، ثمّ إنّه فرّق الناس بالتخذيل عنه فخرج مسلم من دار المختار التي كان نزلها إلى دار هاني بن عروة ، وكان فيها شريك بن الأعور كما قدّمنا ذلك ، فأراد عبيد الله أن يعلم بموضع مسلم فبعث معقلا مولاه وأعطاه ثلاثة آلاف درهم وأمره أن يستدلّ بها على مسلم ، فدخل الجامع وأتى إلى مسلم بن عوسجة فرآه يصلّي إلى زاوية فانتظره حتّى انفتل من صلاته فسلّم عليه ثمّ قال : يا عبد الله إنّي امرؤ من أهل الشام مولى لذي الكلاع وقد منّ الله عليّ بحب هذا البيت وحبّ من أحبّهم فهذه ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة يبايع لابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يدلّني أحد عليه ، فإنّي لجالس آنفا في المسجد إذ سمعت نفرا يقولون : هذا رجل له علم بأهل هذا البيت ، فأتيتك لتقبض هذا المال وتدلّني على صاحبك فأبايعه وإن شئت أخذت البيعة له قبل لقائه ، فقال له مسلم بن عوسجة : أحمد الله على لقائك إيّاي فقد سرّني

__________________

(١) لم أعثر عليه في الطبقات الكبرى ، وأورده الجزري في أسد الغابة : ٤ / ٢٦٤ بعنوان مسلم أبو عوسجة ، وابن حجر في الإصابة : ٦ / ٩٦ ، الرقم ٧٩٧٨.

١٠٨

ذلك لتنال ما تحبّ ولينصر الله بك أهل بيت نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولقد ساءتني معرفتك إيّاي بهذا الأمر من قبل أن ينمى مخافة هذا الطاغية وسطوته. ثمّ إنّه أخذ بيعته قبل أن يبرح وحلّفه بالأيمان المغلّظة ليناصحنّ وليكتمن فأعطاه ما رضي ، ثمّ قال له : اختلف إليّ أيّاما حتّى أطلب لك الإذن ، فاختلف إليه ثمّ أذن له فدخل ، ودلّ عبيد الله على موضعه ، وذلك بعد موت شريك(١) .

قالوا : ثمّ إنّ مسلم بن عوسجة بعد أن قبض على مسلم وهاني وقتلا اختفى مدّة ثمّ فرّ بأهله إلى الحسين فوافاه بكربلاء وفداه بنفسه.

وروى أبو مخنف عن الضحّاك بن عبد الله الهمداني المشرقي : أنّ الحسين خطب أصحابه فقال في خطبته : « إنّ القوم يطلبونني ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري ، وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملا ، ثمّ ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي » فقال له أهله وتقدّمهم العبّاس بالكلام : لم نفعل ذلك!؟ لنبقى بعدك ، لا أرانا الله ذلك أبدا. ثمّ قام مسلم بن عوسجة فقال : أنحن نخلّي عنك ولم نعذر إلى الله في أداء حقّك!؟ أم والله لا أبرح حتّى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولا أفارقك ، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به ، لقذفتهم بالحجارة دونك حتّى أموت معك ، ثمّ تكلّم أصحابه على نهجه(٢) .

قال الشيخ المفيد : ولمّا أضرم الحسينعليه‌السلام القصب في الخندق الذي عمله خلف البيوت مرّ الشمر فنادى : يا حسين أتعجّلت بالنار قبل يوم القيامة؟ فقال له الحسين :

« يا ابن راعية المعزى ، أنت أولى بها صليّا » ، فرام مسلم بن عوسجة أن يرميه فمنعه الحسينعليه‌السلام عن ذلك ، فقال له مسلم : إنّ الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبّارين ،

__________________

(١) راجع الأخبار الطوال : ٢٣٥ ، الكامل : ٤ / ٢٥ ، الإرشاد : ٢ / ٤٥ ، مقاتل الطالبيين : ص ١٠٠.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٣١٥ ، الكامل : ٤ / ٥٨ ، الإرشاد : ٢ / ٩٢.

١٠٩

وقد أمكن الله منه ، فقال الحسينعليه‌السلام : « لا ترمه فإنّي أكره أن أبدأهم في القتال »(١) .

وقال أبو مخنف : لمّا التحم القتال حملت ميمنة ابن سعد على ميسرة الحسين ، وفي ميمنة بن سعد عمرو بن الحجّاج الزبيدي ، وفي ميسرة الحسين زهير بن القين ، وكانت حملتهم من نحو الفرات فاضطربوا ساعة ، وكان مسلم بن عوسجة في الميسرة ، فقاتل قتالا شديدا لم يسمع بمثله ، فكان يحمل على القوم وسيفه مصلت بيمينه فيقول :

إن تسألوا عنّي فإنّي ذو لبد

وإنّ بيتي في ذرى بني أسد

فمن بغاني حائد عن الرشد

وكافر بدين جبّار صمد

ولم يزل يضرب فيهم بسيفه حتّى عطف عليه مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الرحمن بن أبي خشكارة البجلي ، فاشتركا في قتله ، ووقعت لشدّة الجلاد غبرة عظيمة ، فلمّا انجلت إذا هم بمسلم بن عوسجة صريعا ، فمشى إليه الحسينعليه‌السلام فإذا به رمق ، فقال له الحسينعليه‌السلام : « رحمك الله يا مسلم( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) (٢) ، ثمّ دنا منه فقال له حبيب ما ذكرناه في ترجمته.

قال : فما كان بأسرع من أن فاظ بين أيديهم ، فصاحت جارية له : وا سيّداه يا ابن عوسجتاه فتباشر أصحاب عمر بذلك ، فقال لهم شبث بن ربعي : ثكلتكم أمهاتكم إنّما تقتلون أنفسكم بأيديكم ، وتذلّون أنفسكم لغيركم ، أتفرحون أن يقتل مثل مسلم ابن عوسجة؟ أما والذي أسلمت له ، لربّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم ، لقد رأيته يوم سلق آذربايجان قتل ستة من المشركين قبل أن تتام خيول المسلمين ،

__________________

(١) الإرشاد : ٢ / ٩٦ بتفاوت في بعض الكلمات.

(٢) سورة الأحزاب : ٢٣.

١١٠

أفيقتل منكم مثله وتفرحون(١)

وفي مسلم بن عوسجة يقول الكميت بن زيد الأسدي :

وإنّ أبا حجل قتيل مجحل

وأقول أنا :

إنّ امرأ يمشي لمصرعه

سبط النبي لفاقد التّرب

أوصى حبيبا أن يجود له

بالنفس من مقة ومن حب

أعزز علينا يا ابن عوسجة

من أن تفارق ساحة الحرب

عانقت بيضهم وسمرهم

ورجعت بعد معانق التّرب

أبكي عليك وما يفيد بكا

عيني وقد أكل الأسى قلبي

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( فاظ ) : بالظاء المعجمة مات ، فإذا قلت فاضت نفسه فبالضاد وأجازوا الظاء.

( سلق آذربايجان ) : السلق بالتحريك الأرض الصفصف ، وآذربايجان قطر معروف قاعدته أولا أردبيل ، فتحه حذيفة بن اليمان(٢) سنة عشرين من الهجرة ، وكان معه مسلم بن عوسجة.

( مجحل ) : بالجيم قبل الحاء المهملة المشدّدة ، أي صريع.

( الترب ) : لدة الإنسان ونظيره.

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٥ ، الكامل : ٤ / ٦٨.

(٢) راجع ترجمته في تهذيب الكمال : ٥ / ٤٩٥.

١١١

قيس بن مسهّر الصيداوي

هو قيس بن مسهّر بن خالد بن جندب بن منقذ بن عمرو بن قعين بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي الصيداوي. وصيدا بطن من أسد. كان قيس رجلا شريفا في بني الصيدا شجاعا مخلصا في محبّة أهل البيتعليهم‌السلام .

قال أبو مخنف : اجتمعت الشيعة بعد موت معاوية في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فكتبوا للحسين بن عليعليه‌السلام كتبا يدعونه فيها للبيعة وسرّحوها إليه مع عبد الله بن سبع وعبد الله بن وال ، ثمّ لبثوا يومين فكتبوا إليه مع قيس بن مسهّر الصّيداوي وعبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي ، ثمّ لبثوا يومين فكتبوا إليه مع سعيد بن عبد الله وهاني بن هاني ، وصورة الكتب : « للحسين بن عليعليه‌السلام من شيعة المؤمنين : أمّا بعد ، فحيهّلا ، فإنّ الناس ينتظرونك ، لا رأي لهم في غيرك ، فالعجل العجل ، والسلام ».

فدعا الحسينعليه‌السلام مسلم بن عقيل وأرسله إلى الكوفة ، وأرسل معه قيس بن مسهّر ، وعبد الرحمن الأرحبي ، فلمّا وصلوا إلى المضيق من بطن خبت كما قدّمنا جار دليلاهم فضلّوا وعطشوا ، ثمّ سقطوا على الطريق فبعث مسلم قيسا بكتاب إلى الحسينعليه‌السلام يخبره بما كان ، فلمّا وصل قيس إلى الحسين بالكتاب أعاد الجواب لمسلم مع قيس وسار معه إلى الكوفة.

قال : ولمّا رأى مسلم اجتماع الناس على البيعة في الكوفة للحسين كتب إلى الحسينعليه‌السلام بذلك وسرّح الكتاب مع قيس وأصحبه عابس الشاكري ، وشوذبا مولاهم فأتوه إلى مكّة ولازموه ، ثمّ جاءوا معه(١) .

قال أبو مخنف : ثمّ إنّ الحسين لمّا وصل إلى الحاجر من بطن الرمّة كتب كتابا إلى مسلم وإلى الشيعة بالكوفة وبعثه مع قيس ، فقبض عليه الحصين بن تميم ، وكان

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٢٧٧ ، راجع الكامل : ٢٠.

١١٢

ذلك بعد قتل مسلم ، وكان عبيد الله نظّم الخيل ما بين خفان إلى القادسيّة وإلى القطقطانة وإلى لعلع وجعل عليها الحصين ، وكانت صورة الكتاب : « من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين : سلام عليكم. فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد ، فإنّ كتاب مسلم جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم ، واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقّنا ، فسألت الله أن يحسن لنا الصنع ، وأن يثيبكم على ذلك أحسن الأجر ، وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة يوم التروية ، فإذا قدم رسولي عليكم فانكمشوا في أمركم وجدّوا ، فإنّي قادم عليكم في أيّامي هذه إن شاء الله ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ». قال : فلمّا قبض الحصين على قيس بعث به إلى عبيد الله ، فسأله عبيد الله عن الكتاب ، فقال :

خرقته ، قال : ولم؟ قال : لئلاّ تعلم ما فيه. قال : إلى من؟ قال : إلى قوم لا أعرف أسماءهم. قال : إن لم تخبرني فاصعد المنبر وسبّ الكذاب ابن الكذّاب. يعني به الحسينعليه‌السلام . فصعد المنبر فقال : أيّها الناس ، إنّ الحسين بن علي خير خلق الله ، وابن فاطمة بنت رسول الله ، وأنا رسوله إليكم ، وقد فارقته بالحاجر ، فأجيبوه ، ثمّ لعن عبيد الله بن زياد وأباه ، وصلّى على أمير المؤمنين ، فأمر به ابن زياد فأصعد القصر ورمي به من أعلاه ، فتقطّع ومات(١) .

وقال الطبري : لمّا بلغ الحسينعليه‌السلام إلى عذيب الهجانات في ممانعة الحرّ جاءه أربعة نفر ومعهم دليلهم الطرماح بن عدي الطائي وهم يجنبون فرس نافع المرادي ، فسألهم الحسينعليه‌السلام عن الناس وعن رسوله ، فأجابوه عن الناس ، وقالوا له : رسولك من هو؟ قال : قيس. فقال مجمع العائذي : أخذه الحصين فبعث به إلى ابن زياد فأمره أن يلعنك وأباك ، فصلّى عليك وعلى أبيك ، ولعن ابن زياد وأباه ، ودعانا إلى نصرتك

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٠١.

١١٣

وأخبرنا بقدومك ، فأمر به ابن زياد فألقي من طمار القصر ، فماترضي‌الله‌عنه . فترقرقت عينا الحسينعليه‌السلام ، وقال : «( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ) اللهمّ اجعل لنا ولهم الجنّة منزلا ، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك ، ورغائب مذخور ثوابك »(١) .

وفي قيس يقول الكميت الأسدي :

وشيخ بني الصيداء قد فاظ قبلهم

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( خفان ) : بالخاء المعجمة والفاء المشدّدة والألف والنون موضع فوق الكوفة قرب القادسيّة.

( القطقطانة ) : بضم القاف وسكون الطاء موضع فوق القادسيّة في طريق من يريد الشام من الكوفة ثمّ يرتحل منها إلى عين التمر.

( لعلع ) : بفتح اللام وسكون العين جبل فوق الكوفة بينه وبين السلمان(٢) عشرون ميلا.

عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي أبو خالد

كان عمرو شريفا في الكوفة ، مخلص الولاء لأهل البيت ، قام مع مسلم حتّى إذا

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٠٨.

(٢) قال الحموي : وهو فوق الكوفة ، وكان من مياه بكر بن وائل راجع معجم البلدان : ٣ / ٢٧١. وقال البغدادي : قيل : جبل. وقيل : منزل بين عين صيد وواقصة والعقبة. والسّلمان : ماء قديم جاهلي ، وهو طريق إلى تهامة في الجاهليّة من العراق وللعرب يوم سلمان. راجع مراصد الاطلاع : ٢ / ٧٣٠.

١١٤

خانته أهل الكوفة لم يسعه إلاّ الاختفاء ، فلمّا سمع بقتل قيس بن مسهّر وأنّه أخبر أنّ الحسينعليه‌السلام صار بالحاجر خرج إليه ، ومعه مولاه سعد ، ومجمع العائذي وابنه ، وجنادة بن الحرث السلماني ، واتبعهم غلام لنافع البجلي بفرسه المدعو الكامل فجنبوه وأخذوا دليلا لهم الطرماح بن عدي الطائي ، وكان جاء إلى الكوفة يمتار لأهله طعاما ، فخرج بهم على طريق متنكبة ، وسار سيرا عنيفا من الخوف لأنّهم علموا أنّ الطريق مرصود ، حتّى إذا قاربوا الحسينعليه‌السلام حدا بهم الطرماح بن عدي فقال :

يا ناقتي لا تذعري من زجري

وشمّري قبل طلوع الفجر

بخير ركبان وخير سفر

حتّى تحلّي بكريم النجر

الماجد الحرّ رحيب الصدر

أتى به الله لخير أمر

ثمة أبقاه بقاء الدهر

فانتهوا إلى الحسينعليه‌السلام وهو بعذيب الهجانات ، فسلّموا عليه وأنشدوه الأبيات. فقالعليه‌السلام : « أم والله إنّي لأرجو أن يكون خيرا ما أراد الله بنا ، قتلنا أو ظفرنا ».

قال أبو مخنف : ولمّا رآهم الحرّ قال للحسين : إنّ هؤلاء النفر من أهل الكوفة ليسوا ممّن أقبل معك ، وأنا حابسهم أو رادّهم ، فقال له الحسين : « لأمنعنّهم ممّا أمنع منه نفسي ، إنّما هؤلاء أنصاري وأعواني ، وقد كنت أعطيتني ألاّ تعرض لي بشيء حتّى يأتيك كتاب ابن زياد ». فقال : أجل ، لكن لم يأتوا معك ، فقال : « هم أصحابي ، وهم بمنزلة من جاء معي ، فإن تممت عليّ ما كان بيني وبينك ، وإلاّ ناجزتك » ، فكفّ عنهم الحرّ(١) .

وقال أبو مخنف أيضا : ولمّا التحم القتال بين الحسينعليه‌السلام وأهل الكوفة ، شدّ

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٠٨.

١١٥

هؤلاء مقدمين بأسيافهم في أوّل القتال على الناس ، فلمّا وغلوا عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم ، وقطعوهم من أصحابهم ، فلمّا نظر الحسين إلى ذلك ندب إليهم أخاه العبّاس ، فنهد إليهم وحمل على القوم وحده يضرب فيهم بسيفه قدما ، حتّى خلص إليهم واستنقذهم فجاءوا وقد جرحوا ، فلمّا كانوا في أثناء الطريق ، والعبّاس يسوقهم رأوا القوم تدانوا إليهم ليقطعوا عليهم الطريق فانسلّوا من العبّاس ، وشدّوا على القوم بأسيافهم شدّة واحدة على ما بهم من الجراحات ، وقاتلوا حتّى قتلوا في مكان واحد(١) . فتركهم العبّاس ورجع إلى الحسينعليه‌السلام فأخبره بذلك ، فترحم عليهم الحسين ، وجعل يكرّر ذلك.

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( الطرماح ) : بزنة سنمار الطويل. وهو هنا علم لرجل طائي وليس بابن عدي بن حاتم المعروف بالجود ، فإنّ ولد عدي الطرفات قتلوا مع أمير المؤمنينعليه‌السلام في حروبه ، ومات عدي بعدهم ولا ولد له ، وكان يعيّر بذلك فيقال له : اذهب على الطرفات. فيقول : وددت أنّ لي ألفا مثلهم لأقدّمهم بين يدي عليّ إلى الجنّة! والطرفات : طرفة وطريف ومطرف.

( السفر ) : بوزان ركب كثير السفر ، يقال : رجل سفر وقوم سفر.

( النجر ) : بالنون والجيم بزنة البحر الأصل.

( عذيب الهجانات ) : موضع فوق الكوفة عن القادسيّة أربعة أميال وهو حدّ السواد ، وأضيف إلى الهجانات لأنّ النعمان بن المنذر ملك الحيرة كان يجعل فيه إبله ، ولهم عذيب القوادس وهو غربي عذيب الهجانات فيما أفهمه من حديث سعد

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٣٠.

١١٦

ابن أبي وقّاص.

سعد مولى عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي

كان هذا المولى سيّدا شريف النفس والهمّة ، تبع مولاه عمرا في المسير إلى الحسين والقتال بين يديه حتّى قتل شهيدا(١) . وقد ذكرنا خبره مع مولاه وكيف جاء معه وكيف قتل في كربلا ، فلا حاجة بنا إلى الإعادة مع قربه.

الموقّع بن ثمامة الأسدي الصيداوي أبو موسى

كان الموقّع ممّن جاء إلى الحسين في الطف ، وخلص إليه ليلا مع من خلص.

قال أبو مخنف : إنّ الموقع صرع فاستنقذوه قومه وأتوا به إلى الكوفة فأخفوه ، وبلغ ابن زياد خبره فأرسل عليه ليقتله ، فشفع فيه جماعة من بني أسد ، فلم يقتله ولكن كبّله بالحديد ونفاه إلى الزارة(٢) . وكان مريضا من الجراحات التي به فبقي في الزارة مريضا مكبلا حتّى مات بعد سنة.

وفيه يقول الكميت الأسدي :

وإنّ أبا موسى أسير مكبل

يعني به الموقّع.

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

__________________

(١) راجع تاريخ الطبري : ٣ / ٣٣٠.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٣٥ ، وفيه : المرقع. راجع الكامل : ٤ / ٨٠.

١١٧

( الموقّع ) : بالواو وتشديد القاف وبعدها العين المهملة بزنة المعظم ، وهو في الأصل بمعنى المبتلى بالمحن.

( ثمامة ) : بالثاء المضمومة والميم المخففة.

( الزارة ) : موضع بعمان كان ينفي إليه زياد وابنه من شاء من أهل البصرة والكوفة.

١١٨

المقصد الثالث

في آل همدان ومواليهم

من أنصار الحسينعليه‌السلام

أبو ثمامة عمرو الصائدي (١)

هو عمرو بن عبد الله بن كعب الصائد بن شرحبيل بن شراحيل بن عمرو بن جشم بن حاشد بن جشم بن حيزون بن عوف بن همدان ، أبو ثمامة الهمداني الصائدي ، كان أبو ثمامه تابعيا ، وكان من فرسان العرب ووجوه الشيعة ، ومن أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام الذين شهدوا معه مشاهده ، ثمّ صحب الحسنعليه‌السلام بعده ، وبقي في الكوفة ، فلمّا توفي معاوية كاتب الحسينعليه‌السلام ، ولمّا جاء مسلم بن عقيل إلى الكوفة قام معه وصار يقبض الأموال من الشيعة بأمر مسلم فيشتري بها السلاح ، وكان بصيرا بذلك ، ولمّا دخل عبيد الله الكوفة وثار الشيعة بوجهه ، وجّهه مسلم فيمن وجّهه ، وعقد له على ربع تميم وهمدان كما قدّمناه. فحصروا عبيد الله في قصره ، ولمّا تفرّق عن مسلم الناس بالتخذيل اختفى أبو ثمامة فاشتدّ طلب ابن زياد له ، فخرج

__________________

(١) عدّه الشيخ في أصحاب الحسينعليه‌السلام وقال : عمرو بن عبد الله الأنصاري يكنّى أبا ثمامة. رجال الشيخ : ١٠٣ ، الرقم ١٠١٦.

١١٩

إلى الحسينعليه‌السلام ومعه نافع بن هلال الجملي ، فلقياه في الطريق وأتيا معه(١) .

قال الطبري : ولمّا نزل الحسين كربلاء ونزلها عمر بن سعد ، بعث إلى الحسينعليه‌السلام كثير بن عبد الله الشعبي ـ وكان فاتكا ـ فقال له : اذهب إلى الحسين وسله ما الذي جاء به؟ قال : أسأله ، فإن شئت فتكت به ، فقال : ما أريد أن تفتك به ، ولكن أريد أن تسأله ، فأقبل إلى الحسين ، فلمّا رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين : أصلحك الله أبا عبد الله! قد جاءك شرّ أهل الأرض وأجرأهم على دم وأفتكهم ، ثمّ قام إليه وقال : ضع سيفك ، قال : لا والله ولا كرامة ، إنّما أنا رسول فإن سمعتم منّي أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ، وإن أبيتم انصرفت عنكم. فقال له أبو ثمامة : فإنّي آخذ بقائم سيفك ، ثمّ تكلّم بحاجتك. قال : لا والله ولا تمسّه. فقال له : فأخبرني بما ذا جئت؟ وأنا أبلغه عنك ، ولا أدعك تدنو منه ، فإنّك فاجر. قال : فاستبّا ، ثمّ رجع كثير إلى عمر فأخبره الخبر ، فأرسل قرّة بن قيس التميمي الحنظلي مكانه فكلّم الحسينعليه‌السلام (٢) .

وروى أبو مخنف : أنّ أبا ثمامة لمّا رأى الشمس يوم عاشوراء زالت وأنّ الحرب قائمة قال للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، نفسي لنفسك الفداء! إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، ولا والله لا تقتل حتّى أقتل دونك إن شاء الله ، وأحبّ أن ألقى الله ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها ؛ فرفع الحسين رأسه ثمّ قال : « ذكرت الصلاة ، جعلك الله من المصلّين الذاكرين ، نعم ، هذا أوّل وقتها » ؛ ثمّ قال : « سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي » ، فسألوهم ، فقال الحصين بن تميم : إنّها لا تقبل منكم ، فردّ عليه حبيب بما ذكرناه في ترجمته(٣) .

__________________

(١) راجع الإرشاد : ٢ / ٤٦ ، الأخبار الطوال : ٢٣٨.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٣١١ ، راجع الإرشاد : ٢ / ٨٥.

(٣) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٦.

١٢٠

قال : ثمّ إنّ أبا ثمامة قال للحسين ، وقد صلّى : يا أبا عبد الله إنّي قد هممت أن ألحق بأصحابي ، وكرهت أن أتخلّف وأراك وحيدا من أهلك قتيلا ، فقال له الحسينعليه‌السلام : « تقدّم فإنّا لاحقون بك عن ساعة » ، فتقدّم فقاتل حتّى أثخن بالجراحات ، فقتله قيس بن عبد الله الصائدي ابن عمّ له ، كان له عدوّا. وكان ذلك بعد قتل الحر.

برير بن خضير الهمداني المشرقي ( وبنو مشرق بطن من همدان )

كان برير شيخا تابعيّا ناسكا ، قارئا للقرآن ، من شيوخ القرّاء ، ومن أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان من أشراف أهل الكوفة من الهمدانيين ، وهو خال أبي إسحاق الهمداني السبعي(1) .

قال أهل السير : أنّه لمّا بلغ خبر الحسينعليه‌السلام سار من الكوفة إلى مكّة ليجتمع بالحسينعليه‌السلام فجاء معه حتّى استشهد.

وقال السروي : لمّا ضيّق الحرّ على الحسينعليه‌السلام جمع أصحابه فخطبهم بخطبته التي يقول فيها : « أمّا بعد ، فإنّ الدنيا قد تغيّرت إلخ »(2) . فقام إليه مسلم ونافع فقالا ما قالا في ترجمتيهما ، ثمّ قام برير فقال : والله يا ابن رسول الله لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك ، تقطع فيك أعضاؤنا ، حتّى يكون جدّك يوم القيامة بين أيدينا شفيعا لنا ، فلا أفلح قوم ضيّعوا ابن بنت نبيّهم ، وويل لهم ما ذا يلقون به الله ، وأفّ لهم يوم ينادون بالويل والثبور في نار جهنّم.

وقال أبو مخنف : أمر الحسينعليه‌السلام في اليوم التاسع من المحرّم بفسطاط فضرب ، ثمّ أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة فأطلى بالنورة ، وعبد الرحمن بن عبد ربّه ،

__________________

(1) راجع ترجمته في تهذيب الكمال : 22 / 102 ، الرقم : 4400.

(2) لم أعثر عليه في المناقب ، راجع تاريخ الطبري : 3 / 307.

١٢١

وبرير على باب الفسطاط تختلف مناكبهما(1) ، فازدحما أيّهما يطلي على أثر الحسينعليه‌السلام ، فجعل برير يهازل عبد الرحمن ويضاحكه ، فقال عبد الرحمن : دعنا ، فو الله ما هذه بساعة باطل! فقال برير : والله لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل شابّا ولا كهلا ، ولكنّي والله لمستبشر بما نحن لاقون ، والله إنّ بيننا وبين الحور العين إلاّ أن نحمل على هؤلاء فيميلون علينا بأسيافهم ، ولوددت أن مالوا بها الساعة(2) !

وقال أيضا : روى الضحّاك بن قيس المشرقي ـ وكان بايع الحسين على أن يحامي عنه ما ظنّ أنّ المحاماة تدفع عن الحسينعليه‌السلام فإن لم يجد بدّا فهو في حلّ ـ قال : بتنا الليلة العاشرة ، فقام الحسين وأصحابه الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرّعون ، فمرّت بنا خيل تحرسنا ، وإنّ الحسين ليقرأ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ * ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) (3) ، فسمعها رجل(4) من تلك الخيل فقال : نحن وربّ الكعبة الطيّبون ، ميّزنا منكم. قال : فعرفته ، فقلت لبرير : أتعرف من هذا؟ قال : لا. قلت : أبو حريث(5) عبد الله بن شهر السبيعي ـ وكان مضحاكا بطّالا ، وكان ربّما حبسه سعيد بن قيس الهمداني في جناية ـ فعرفه برير ، فقال له : أما أنت فلن يجعلك الله في الطيبين! فقال له : من أنت؟ قال : برير. فقال : إنّا لله عزّ عليّ! هلكت والله ، هلكت والله يا برير! فقال له برير : هل لك أن تتوب إلى الله من ذنوبك العظام! فو الله إنّا لنحن الطيّبون وأنتم

__________________

(1) في المصدر : تحتك مناكبهما.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 318 بتفاوت ، راجع الكامل : 4 / 60.

(3) سورة آل عمران : 178 ـ 179.

(4) في الإرشاد 2 / 95 : فسمعها من تلك الخيل رجل يقال له عبد الله بن سمير.

(5) في المصدر : أبو حرب.

١٢٢

الخبيثون ، قال : وأنا والله على ذلك من الشاهدين ، فقال : ويحك أفلا تنفعك معرفتك! قال : جعلت فداك! فمن ينادم يزيد بن عذرة العنزيّ؟ ها هو ذا معي. قال : قبّح الله رأيك أنت سفيه على كلّ حال(1) . قال : ثمّ انصرف عنّا.

وروى بعض المؤرّخين أنّه لمّا بلغ من الحسينعليه‌السلام العطش ما شاء الله أن يبلغ استأذن برير الحسينعليه‌السلام في أن يكلّم القوم فأذن له ، فوقف قريبا منهم ، ونادى : يا معشر الناس ، إنّ الله بعث بالحقّ محمّدا بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها ، وقد حيل بينه وبين ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أفجزاء محمّد هذا؟ فقالوا : يا برير ، قد أكثرت الكلام فاكفف ، فو الله ليعطشنّ الحسينعليه‌السلام كما عطش من كان قبله ، فقال الحسينعليه‌السلام اكفف يا برير ، ثمّ وثب متوكئا على سيفه ، فخطبهم هوعليه‌السلام بخطبته التي يقول فيها : « أنشدكم الله هل تعرفوني إلخ ».

وروى أبو مخنف عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس قال : خرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة فقال : يا برير بن خضير ، كيف ترى صنع الله بك؟ قال : صنع الله بي والله خيرا ، وصنع بك شرا ، فقال : كذبت ، وقبل اليوم ما كنت كذّابا ، أتذكر وأنا اماشيك في سكّة بني دودان(2) وأنت تقول : إنّ عثمان كان كذا ، وإنّ معاوية ضالّ مضلّ ، وإنّ علي بن أبي طالب إمام الحق والهدى؟ قال برير : أشهد أنّ هذا رأيي وقولي ، فقال يزيد : فإنّي أشهد أنّك من الضالّين ، قال برير : فهل لك أن أباهلك ، ولندع الله أن يلعن الكاذب ، وأن يقتل المحقّ المبطل ، ثمّ أخرج لأبارزك. قال : فخرجا فرفعا أيديهما بالمباهلة إلى الله ، يدعوانه أن يلعن الكاذب وأن يقتل المحقّ المبطل ،

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 317 ، راجع الإرشاد : 2 / 95.

(2) في المصدر : لوذان.

١٢٣

ثمّ برز كلّ واحد منهما لصاحبه فاختلفا ضربتين ، فضرب يزيد بريرا ضربة خفيفة لم تضرّه شيئا ، وضرب برير يزيد ضربة قدّت المغفر وبلغت الدماغ ، فخرّ كأنّما هوى من حالق ، وإنّ سيف برير لثابت في رأسه ، فكأنّي أنظر إليه ينضنضه من رأسه ، حتّى أخرجه وهو يقول :

أنا برير وأبي خضير

وكلّ خير فله برير

ثمّ بارز القوم فحمل عليه رضي بن منقد العبدي ، فاعتنق بريرا ، فاعتركا ساعة ، ثمّ إنّ بريرا صرعه وقعد على صدره ، فجعل رضي يصيح بأصحابه : أين أهل المصاع والدفاع؟ فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي يحمل عليه ، فقلت له : إنّ هذا برير ابن خضير القارئ الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد! وحمل عليه بالرمح حتّى وضعه في ظهره ، فلمّا وجد برير مسّ الرمح برك على رضي فعضّ أنفه حتّى قطعه ، وأنفذ الطعنة كعب حتّى ألقاه عنه ، وقد غيب السنان في ظهره ، ثمّ أقبل يضربه بسيفه حتّى برد ، فكأنّي أنظر إلى رضي قام ينفض التراب عنه ، ويده على أنفه وهو يقول :

أنعمت عليّ يا أخا الأزد نعمة لا أنساها أبدا. فلمّا رجع كعب ، قالت له أخته(1) النوار بنت جابر : أعنت على ابن فاطمة ، وقتلت سيّد القراء ، لقد أتيت عظيما من الأمر ، والله لا أكلّمك من رأسي كلمة أبدا.

فقال كعب في ذلك :

سلي تخبري عنّي وأنت ذميمة

غداة حسين والرماح شوارع

ألم أت أقصى ما كرهت ولم يخل

عليّ غداة الروع ما أنا صانع

معي يزنّي لم تخنه كعوبه

وأبيض مخشوب الغرارين قاطع

فجرّدته في عصبة ليس دينهم

بديني وإنّي بابن حرب لقانع

__________________

(1) في الكامل 4 / 67 : قالت له امرأته.

١٢٤

ولم تر عيني مثلهم في زمانهم

ولا قبلهم في الناس إذ أنا يافع

أشدّ قراعا بالسيوف لدى الوغى

ألا كلّ من يحمي الذمار مقارع

وقد صبروا للطعن والضرب حسّرا

وقد نازلوا لو أنّ ذلك نافع

فابلغ عبيد الله إمّا لقيته

بأنّي مطيع للخليفة سامع

قتلت بريرا ثمّ حمّلت نعمة

أبا منقذ لمّا دعا : من يماصع؟

قال : فبلغت أبياته رضي بن منقذ ، فقال مجيبا له يرد عليه :

فلو شاء ربّي ما شهدت قتالهم

ولا جعل النعماء عند ابن جابر

لقد كان ذاك اليوم عارا وسبّة

تعيّره الأبناء بعد المعاشر

فيا ليت أنّي كنت من قبل قتله

ويوم حسين كنت في رمس قابر(1)

وفي برير أقول :

جزى الله رب العالمين مباهلا

عن الدين كيما ينهج الحق طالبه

وأزهر من همدان يلقي بنفسه

على الجمع حيث الجمع تخشى مواكبه

أبّر على الصيد الكماة بموقف

مناهجه مسدودة ومذاهبه

إلى أن قضى في الله يعلم رمحه

بصدق توخّيه ويشهد قاضبه

فقل لصريع قام من غير مارن

عذرتك إنّ الليث تدمى مخالبه

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( برير ) : في ضبط هذا الاسم وضبط اسم أبيه خلاف. فقد كتب في الرجال : يزيد

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 373 بتفاوت في النقل. وقال في معجم الشعراء ، 345 : كعب بن جابر العبدي شهد مقتل الحسين بن عليعليهما‌السلام مع عبيد الله بن زياد وقال : سلي تخبري عنّي ...

١٢٥

ابن حصين ، وضبطه ابن الأثير(1) برير بالباء الموحدة والرائين المهملتين وبينهما ياء مثنّاة تحت والتصغير. وضبط خضير بالخاء المعجمة والضاد كذلك والتصغير أيضا ، وهو الذي يقوى نظرا إلى ما روي من شعره.

( بمسك ) : يحتمل أن يقرأ بالفتح وهو الجلد فمعناه أمر بجلد فيه نورة فميث.

ويحتمل أن يقرأ بالكسر وهو الطيب المعروف ، فمعناه أمر بنورة فميث فيها بطيب.

( ميث ) : مجهول من ماث يميث ويموث بالياء والواو يقال : ماث الملح بالماء أذابه وماث المسك دافه ومرسه وخلطه ، فمعنى الكلمة أذيب وديف.

( سعيد ) : بن قيس سيّد همدان ، وكان من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ومن الشيعة وشعرائهم. واختلف في زمن موته ، فقيل : في زمن عليعليه‌السلام في أخريات أيّامه بعد حرب صفّين وهو المعروف ، وقيل بعده.

( دودان ) : بطن من أسد ولهم سكّة في الكوفة. وصحفت الكلمة في بعض النسخ بلوذان وهو غلط. ( ينضنضه ) : يحرّكه ويعالجه ليخرجه. ( المصاع ) : القتال والجلاد.

( مخشوب ) : مصقول يقال خشب السيف أي صقله. ( المارن ) : بالراء المهملة والنون الأنف أو طرفه.

عابس بن أبي شبيب الشاكري (2)

هو عابس بن أبي شبيب بن شاكر بن ربيعة بن مالك بن صعب بن معاوية بن كثير بن مالك بن جشم بن حاشد الهمداني الشاكري ، وبنو شاكر بطن من همدان. كان عابس من رجال الشيعة رئيسا شجاعا خطيبا ناسكا متهجدا ، وكانت بنو شاكر

__________________

(1) الكامل : 4 / 60.

(2) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الحسينعليه‌السلام ، راجع رجال الشيخ : 103 ، الرقم 1019.

١٢٦

من المخلصين بولاء أمير المؤمنينعليه‌السلام وفيهم يقولعليه‌السلام يوم صفين : « لو تمّت عدّتهم ألفا لعبد الله حقّ عبادته » وكانوا من شجعان العرب وحماتهم ، وكانوا يلقّبون فتيان الصباح ، فنزلوا في بني وادعة من همدان ، فقيل لها فتيان الصباح ، وقيل لعابس الشاكري والوادعي.

قال أبو جعفر الطبري : قدم مسلم بن عقيل الكوفة فاجتمع عليه الشيعة في دار المختار ، فقرأ عليهم كتاب الحسينعليه‌السلام فجعلوا يبكون ، فقام عابس بن أبي شبيب ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّي لا أخبرك عن الناس ، ولا أعلم ما في أنفسهم ، وما أغرّك منهم ، ولكن والله أخبرك بما أنا موطّن نفسي عليه ، والله لأجيبنّكم إذا دعوتم ، ولأقاتلنّ معكم عدوّكم ولأضربنّ بسيفي دونكم حتّى ألقى الله ، لا أريد بذلك إلاّ ما عند الله(1) .

فقام حبيب وقال لعابس ما قدّمته في ترجمة حبيب.

وقال الطبري أيضا : إنّ مسلما لمّا بايعه الناس ثمّ تحوّل من دار المختار إلى دار هاني بن عروة ، كتب إلى الحسينعليه‌السلام كتابا يقول فيه : أمّا بعد فإنّ الرائد لا يكذب أهله ، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا ، فحيّهلا بالإقبال حين يأتيك كتابي ، فإنّ الناس كلّهم معك ، ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى(2) .

وأرسل الكتاب مع عابس فصحبه شوذب مولاه.

وروى أبو مخنف : أنّه لمّا التحم القتال في يوم عاشوراء وقتل بعض أصحاب الحسينعليه‌السلام جاء عابس الشاكري ومعه شوذب ، فقال لشوذب : يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟ قال : ما أصنع؟! أقاتل معك دون ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 279.

(2) راجع تاريخ الطبري : 3 / 290.

١٢٧

أقتل. فقال : ذلك الظن بك ، أمّا الآن فتقدّم بين يدي أبي عبد الله حتّى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه ، وحتّى أحتسبك أنا ، فإنّه لو كان معي الساعة أحد أنا أولى به مني بك لسرّني أن يتقدّم بين يدي حتّى أحتسبه ، فإنّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكلّ ما نقدر عليه ، فإنّه لا عمل بعد اليوم ، وإنّما هو الحساب(1) .

أقول : هذا مثل مقال العبّاس بن عليعليه‌السلام لإخوته في ذلك اليوم ، تقدّموا لأحتسبكم فإنّه لا ولد لكم. يعني فينقطع نسلكم فيشتدّ بلائي ويعظم أجري.

وفهم بعض المؤرخين من هذا المقال أنّه أراد : لأحوز ميراثكم لولدي ، وهو اشتباه ، والعبّاس أجلّ قدرا من ذلك.

وروى أبو مخنف أيضا قال : فتقدّم عابس إلى الحسين بعد مقالته لشوذب فسلّم عليه وقال : يا أبا عبد الله أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ إليّ منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلته ، السلام عليك يا أبا عبد الله ، أشهد أنّي على هداك وهدى أبيك ، ثمّ مشى بالسيف مصلتا نحو القوم ، وبه ضربة على جبينه ، فطلب البراز(2) .

وروى أبو مخنف عن الربيع بن تميم الهمداني أنّه قال : لمّا رأيت عابسا مقبلا عرفته وكنت قد شاهدته في المغازي والحروب ، وكان أشجع الناس ، فصحت : أيّها الناس : هذا أسد الأسود ، هذا ابن أبي شبيب ، لا يخرجن إليه أحد منكم. فأخذ عابس ينادي : ألا رجل ألا رجل!؟ فلم يتقدّم إليه أحد ، فنادى عمر بن سعد : ويلكم ارضخوه بالحجارة. فرمي بالحجارة من كلّ جانب ، فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره خلفه ، ثمّ شدّ على الناس ، فو الله لقد رأيته يكرد أكثر من مائتي من الناس ،

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 329.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 329.

١٢٨

ثمّ إنّهم تعطّفوا عليه من حواليه ، فقتلوه واحتزّوا رأسه ، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدّة ، هذا يقول : أنا قتلته ، وهذا يقول : أنا قتلته ، فأتوا عمر بن سعد فقال : لا تختصموا ، هذا لم يقتله إنسان(1) واحد ، كلّكم قتله ، ففرّقهم بهذا القول(2) .

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( إنّ الرائد لا يكذب أهله ) : هذا مثل مشهور ومعناه أن من يرسل أمام أهله ليخبرهم عن مربع يليق بهم لا يكذب عليهم بخبره ويغرّهم فإنّ المربع لهم وله وإنّ أهله آتون فناظرون إليه.

( حيّهلاّ ) : بتشديد الياء ، أي : أسرع حثيثا. ( يكرد ) : ويطرد سواء في المعنى.

شوذب بن عبد الله الهمداني الشاكري ( مولى لهم )

كان شوذب من رجال الشيعة ووجوهها ، ومن الفرسان المعدودين ، وكان حافظا للحديث حاملا له عن أمير المؤمنينعليه‌السلام (3) .

قال صاحب الحدائق الورديّة : وكان شوذب يجلس للشيعة فيأتونه للحديث وكان وجها فيهم(4) .

وقال أبو مخنف : صحب شوذب عابسا مولاه من الكوفة إلى مكّة بعد قدوم

__________________

(1) في المصدر : سنان.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 329.

(3) عدّه الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : 101 ، الرقم 993.

(4) الحدائق الورديّة : 122 ، وفيه : وكان متقدما في الشيعة.

١٢٩

مسلم الكوفة بكتاب لمسلم ووفادة على الحسينعليه‌السلام عن أهل الكوفة وبقي معه حتّى جاء إلى كربلا. ولمّا التحم القتال حارب أولا ، ثمّ دعاه عابس ، فاستخبره عمّا في نفسه ، فأجاب بحقيقتها كما تقدّم. فتقدم إلى القتال وقاتل قتال الأبطال ، ثمّ قتل رضوان الله عليه(1) .

حنظلة بن أسعد الشبامي (2)

هو حنظلة بن أسعد بن شبام بن عبد الله بن أسعد بن حاشد بن همدان الهمداني الشبامي ، وبنو شبام بطن من همدان.

كان حنظلة بن أسعد الشبامي وجها من وجوه الشيعة ذا لسان وفصاحة ، شجاعا قارئا ، وكان له ولد يدعى عليّا ، له ذكر في التاريخ.

قال أبو مخنف : جاء حنظلة إلى الحسينعليه‌السلام عند ما ورد الطف ، وكان الحسينعليه‌السلام يرسله إلى عمر بن سعد بالمكاتبة أيّام الهدنة ، فلمّا كان اليوم العاشر جاء إلى الحسينعليه‌السلام يطلب منه الإذن ، فتقدّم بين يديه وأخذ ينادي :( يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) (3) يا قوم لا تقتلوا(4) حسينا

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 329. وقال الشيخ المفيد : فتقدّم بعده شوذب مولى شاكر فقال : السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته ، أستودعك الله وأسترعيك ، ثمّ قاتل حتّى قتلرحمه‌الله . الإرشاد : 2 / 105.

(2) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : 100 ، الرقم 977.

(3) سورة غافر : 30 و 33.

(4) في المصدر : يا قوم تقتلوا.

١٣٠

( فَيُسْحِتَكُمْ الله بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ) (1) ، فقال الحسينعليه‌السلام : « يا ابن أسعد ، إنّهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين »! قال : صدقت ، جعلت فداك! أفلا نروح إلى ربّنا ونلحق بإخواننا؟ قال : « رح إلى خير من الدنيا وما فيها ، وإلى ملك لا يبلى » ، فقال حنظلة : السلام عليك يا أبا عبد الله ، صلّى الله عليك وعلى أهل بيتك ، وعرّف بينك وبيننا في جنّته ، فقال الحسين : « آمين آمين ». ثمّ تقدّم إلى القوم مصلتا سيفه يضرب فيهم قدما حتّى تعطفوا عليه فقتلوه في حومة الحرب رضوان الله عليه(2) .

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( الشبامي ) : بالشين المعجمة والباء المفردة والألف والميم والياء منسوب إلى شبام على زنة كتاب ، ويمضى في بعض الكتب الشامي نسبة إلى الشام وهو غلط فاضح.

عبد الرحمن الأرحبي

هو عبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن بن أرحب بن دعام بن مالك بن معاوية بن صعب بن رومان بن بكير الهمداني الأرحبي ، وبنو أرحب بطن من همدان كان عبد الرحمن وجها تابعيّا شجاعا مقداما.

قال أهل السير : أوفده أهل الكوفة إلى الحسينعليه‌السلام في مكّة مع قيس بن مسهّر

__________________

(1) سورة طه : 61.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 329 ، الكامل : 4 / 72 ، الإرشاد : 2 / 105 ، اللهوف : 164.

١٣١

ومعهما كتب نحو من ثلاث وخمسين صحيفة(1) يدعونه فيها كلّ صحيفة من جماعة. وكانت وفادته ثانية الوفادات ، فإنّ وفادة عبد الله بن سبع وعبد الله بن وال الأولى ، ووفادة قيس وعبد الرحمن الثانية ، ووفادة سعيد بن عبد الله الحنفي وهاني ابن هاني السبعي الثالثة.

قال : فدخل مكّة عبد الرحمن لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان وتلاقت الرسل ثمة.

وقال أبو مخنف : ولمّا دعا الحسين مسلما وسرّحه قبله إلى الكوفة سرّح معه قيسا وعبد الرحمن وعمارة بن عبيد السلولي(2) . وكان من جملة الوفود ، ثمّ عاد عبد الرحمن إليه فكان من جملة أصحابه ، حتّى إذا كان اليوم العاشر ورأى الحال استأذن في القتال ، فأذن له الحسينعليه‌السلام فتقدّم يضرب بسيفه في القوم وهو يقول :

صبرا على الأسياف والأسنّة

صبرا عليها لدخول الجنّة

ولم يزل يقاتل حتّى قتل ، رضوان الله عليه.

سيف بن الحرث بن سريع بن جابر الهمداني الجابري

ومالك بن عبد الله بن سريع بن جابر الهمداني الجابري

وبنو جابر بطن من همدان. كان سيف ومالك الجابريّان ابني عم وأخوين لأم جاءا إلى الحسينعليه‌السلام ومعهما شبيب مولاهما فدخلا في عسكره وانضمّا إليه.

قالوا : فلمّا رأيا الحسينعليه‌السلام في اليوم العاشر بتلك الحال ، جاءا إليه وهما يبكيان ، فقال لهما الحسينعليه‌السلام : « أي ابني أخويّ ما يبكيكما؟ فو الله إنّي لأرجو أن تكونا بعد

__________________

(1) راجع الأخبار الطوال : 229.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 277.

١٣٢

ساعة قريري العين » ، فقالا : جعلنا الله فداك ، لا والله ما على أنفسنا نبكي ، ولكن نبكي عليك نراك قد أحيط بك ولا نقدر على أن نمنعك بأكثر من أنفسنا ، فقال الحسينعليه‌السلام : « جزاكما الله يا ابني أخوي عن وجدكما من ذلك ومواساتكما إيّاي أحسن جزاء المتّقين »(1) .

قال أبو مخنف : فهما في ذلك إذ تقدّم حنظلة بن أسعد يعظ القوم فوعظ وقاتل فقتل كما تقدّم. فاستقدما يتسابقان إلى القوم ويلتفتان إلى الحسينعليه‌السلام فيقولان :

السلام عليك يا ابن رسول الله ، ويقول الحسينعليه‌السلام : « وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته ». ثمّ جعلا يقاتلان جميعا وأنّ أحدهما ليحمي ظهر صاحبه حتّى قتلا(2) .

شبيب مولى الحرث بن سريع الهمداني الجابري

كان شبيب بطلا شجاعا جاء مع سيف ومالك ابني سريع ، قال ابن شهرآشوب :

قتل في الحملة الأولى التي قتل فيها جملة من أصحاب الحسين ، وذلك قبل الظهر في اليوم العاشر(3) .

عمّار الدالاني

هو عمّار بن أبي سلامة بن عبد الله بن عمران بن راس بن دالان ، أبو سلامة الهمداني الدالاني. وبنو دالان بطن من همدان.

كان أبو سلامة ، عمّار صحابيّا له رؤية كما ذكره الكلبي(4) وابن حجر.

__________________

(1) الكامل : 4 / 72.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 328 ، راجع مثير الأحزان : 66.

(3) لم أعثر عليه في المناقب. راجع مستدركات علم رجال الحديث : 4 / 199.

(4) لم أعثر عليه في مضانّه.

١٣٣

وقال أبو جعفر الطبري : وكان من أصحاب عليعليه‌السلام ومن المجاهدين بين يديه في حروبه الثلاث ، وهو الذي سأل أمير المؤمنينعليه‌السلام عند ما سار من ذي قار إلى البصرة ، فقال : يا أمير المؤمنين إذا قدمت عليهم فما ذا تصنع؟ فقال : أدعوهم إلى الله وطاعته ، فإن أبوا قاتلتهم ، فقال أبو سلامة : إذن لن يغلبوا داعي الله(1) . في كلام له.

وقال ابن حجر في الإصابة : إنّه أتى إلى الحسينعليه‌السلام في الطف وقتل معه(2) .

وذكر صاحب الحدائق(3) والسروي(4) : أنّه قتل في الحملة الأولى حيث قتل جملة من أصحاب الحسينعليه‌السلام .

حبشي بن قيس النهمي

هو حبشي بن قيس بن سلمة بن طريف بن أبان بن سلمة بن حارثة الهمداني النهمي. وبنو نهم بطن من همدان.

كان سلمة صحابيّا ذكره جماعة من أهل الطبقات. وابنه قيس له إدراك ورؤية ، وابن قيس حبشي ممّن حضر الطف وجاء الحسينعليه‌السلام فيمن جاء أيّام الهدنة.

قال ابن حجر : وقتل مع الحسينعليه‌السلام (5) .

زياد أبو عمرة الهمداني الصائدي

هو زياد بن عريب بن حنظلة بن دارم بن عبد الله بن كعب الصائد بن شرحبيل بن

__________________

(1) لم أعثر عليه.

(2) الإصابة : 5 / 113.

(3) الحدائق الورديّة : 122 ، وفيه : عمّار بن أبي سلامة الغالاني.

(4) المناقب : 4 / 113.

(5) لم أعثر عليه.

١٣٤

شراحيل بن عمرو بن جشم بن حاشد بن جشم بن حيزون بن عوف بن همدان ، أبو عمرة الهمداني الصائدي. وبنو الصائد بطن من همدان.

كان عريب صحابيّا ذكره جملة من أهل الطبقات. وأبو عمرة ولده هذا له إدراك وكان شجاعا ناسكا معروفا بالعبادة ، قال صاحب الإصابة : إنّه حضر وقتل مع الحسينعليه‌السلام (1) .

وروى الشيخ ابن نما عن مهران الكاهلي مولى لهم ، قال : شهدت كربلا مع الحسينعليه‌السلام فرأيت رجلا يقاتل قتالا شديدا لا يحمل على قوم إلاّ كشفهم ، ثمّ يرجع إلى الحسينعليه‌السلام فيقول له :

أبشر هديت الرشد يا ابن أحمدا

في جنّة الفردوس تعلو صعّدا

فقلت : من هذا؟ قالوا : أبو عمرة الحنظلي(2) . فاعترضه عامر بن نهشل أحد بني تيم اللات بن(3) ثعلبة فقتله واحتزّ رأسه ، قال : وكان متهجدا(4) .

سوار بن منعم بن حابس بن أبي عمير بن نهم الهمداني النهدي (5)

كان سوار ممّا أتى إلى الحسينعليه‌السلام أيّام الهدنة وقاتل في الحملة الأولى فجرح وصرع.

قال في الحدائق الورديّة : قاتل سوار حتّى إذا صرع ، أتي به أسيرا إلى عمر بن

__________________

(1) لم أعثر عليه في مضانّه. وقال المامقاني : حضر الطف وقاتل قتالا شديدا حتّى استشهد بين يدي الحسينعليه‌السلام . راجع تنقيح المقال : 1 / 456.

(2) في المصدر : النهشلي.

(3) في المصدر : ( من ) بدل ( بن ).

(4) مثير الأحزان : 57.

(5) عدّه الشيخ في أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : 101 ، الرقم 989.

١٣٥

سعد ، فأراد قتله ، فشفع فيه قومه ، وبقي عندهم جريحا حتّى توفي على رأس ستّة أشهر(1) .

وقال بعض المؤرّخين : إنّه بقي أسيرا حتّى توفي ، وإنّما كانت شفاعة قومه الدفع عن قتله ، ويشهد له ما ذكر في القائميّات من قولهعليه‌السلام : « السلام على الجريح المأسور سوار بن أبي عمير النهمي » على أنّه يمكن حمل العبارة على أسره في أوّل الأمر.

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( النهمي ) : بالنون المفتوحة والهاء الساكنة والميم والياء المثنّاة تحت. ويمضى في بعض الكتب الفهمي بالفاء وهو تصحيف واضح وغلط فاضح.

عمرو بن عبد الله الهمداني الجندعي

وبنو جندع بطن من همدان. كان عمرو الجندعي ممّن أتى إلى الحسينعليه‌السلام أيّام المهادنة في الطف ، وبقي معه.

قال في الحدائق : إنّه قاتل مع الحسينعليه‌السلام فوقع صريعا مرتثا بالجراحات قد وقعت ضربة على رأسه بلغت منه ، فاحتمله قومه وبقي مريضا من الضربة صريع فراش سنة كاملة ، ثمّ توفي على رأس السنة ،رضي‌الله‌عنه (2) . ويشهد له ما ذكر في القائميّات من قولهعليه‌السلام : « السلام على الجريح المرتث عمرو الجندعي ».

__________________

(1) الحدائق الورديّة : 122 ، وفيه : وارتث من همدان سوار بن حمير الجابري فمات لستة أشهر من جراحته.

(2) الحدائق الورديّة : 122 ، وفيه : عمرو بن عبد الله الجندعي ، مات من جراحة كانت به على رأس سنة.

١٣٦

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( الجندعي ) : بالجيم والنون والدال والعين المهملتين والياء للنسبة إلى جندع زنة قنفذ.

١٣٧
١٣٨

المقصد الرابع

في المذحجيين

من أنصار الحسينعليه‌السلام

هاني بن عروة المرادي

هو هاني بن عروة بن نمران بن عمرو بن قعاس بن عبد يغوث بن مخدش بن حصر بن غنم بن مالك بن عوف بن منبه بن غطيف بن مراد بن مذحج ، أبو يحيى المذحجي المرادي الغطيفي. كان هاني صحابيّا كأبيه عروة ، وكان معمّرا ، وكان هو وأبوه من وجوه الشيعة. وحضر مع أمير المؤمنينعليه‌السلام حروبه الثلاث ، وهو القائل يوم الجمل :

يا لك حربا حثّها جمالها

يقودها لنقصها ضلالها

هذا علي حوله أقيالها

قال ابن سعد في الطبقات : إنّ عمره كان يوم قتل بضعا وتسعين(1) . وذكر بعضهم أنّ عمره كان ثلاثا وثمانين(2) . وكان يتوكّأ على عصا بها زجّ ، وهي التي ضربه بها

__________________

(1) لم أعثر عليه في مضانّه.

(2) وفي تنقيح المقال 3 / 288 نقلا عن حبيب السير : وكان يوم قتل ابن تسع وثمانين سنة.

١٣٩

ابن زياد.

وروى المسعودي في مروج الذهب : أنّه كان شيخ مراد وزعيمها ، يركب في أربعة آلاف دارع ، وثمانية آلاف راجل ، فإذا تلاها أحلافها من كندة ركب في ثلاثين ألف دارع(1) .

وذكر المبرّد في الكامل وغيره في غيره أنّ عروة خرج مع حجر بن عدي ، وأراد قتله معاوية فشفع فيه زياد ابن أبيه ، وأنّ هانيا أجار كثير بن شهاب المذحجي حين اختان مال خراسان وهرب منها ، وطلبه معاوية فاستتر عند هاني ، فنذر معاوية دم هاني فحضر مجلسه ومعاوية لا يعرفه ، فلمّا نهض الناس ثبت مكانه فسأله معاوية عن أمره؟ فقال : أنا هاني بن عروة صرت في جوارك. فقال له معاوية : إنّ هذا اليوم ليس بيوم يقول فيه أبوك :

أرجّل جمّتي واجر ذيلي

وتحمي شكّتي أفق كميت

أمشي(2) في سراة بني غطيف

إذا ما سامني ضيم أبيت

فقال له هاني : أنا اليوم أعزّ منّي ذلك اليوم ، فقال : بم ذاك؟ قال : بالإسلام ، فقال : أين كثير؟ قال : عندي في عسكرك ، فقال : انظر إلى ما اختانه فخذ منه بعضا وسوّغه بعضا(3) .

وقال الطبري : لمّا أخبر معقل عين ابن زياد بخبر شريك ومسلم وأنّه عند هاني طلب ابن زياد هانيا فأتى به وما يظنّه أنّه يقتله ، فدخل عليه فقال له :

أتتك بحائن رجلاه تسعى

فقال : وما ذاك أيّها الأمير؟ فجعل يسأله عن الأحداث التي وقعت في داره وهو

__________________

(1) مروج الذهب : 3 / 59.

(2) هكذا في الأصل ، والصحيح : وأمشي.

(3) لم أعثر عليه في مضانّه.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303