ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام18%

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام مؤلف:
المحقق: محمد جعفر الطبسي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 303

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 303 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127921 / تحميل: 6778
الحجم الحجم الحجم
ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

قال الأمينيّ ما أعرف السّباع المفترسة في القرون الخالية بصالح الخلفاء من طالحهم، حتّى كفّت عن الفرس والعدوان جرياً على الصّالح العامّ؟ وما أجهل به الإنسان الظلوم الجهول حتّى حاد عنه وخاصمه وعانده وحاربه وقاتله؟ ولو كانت هذه السّيرة مطّردة في السّباع في كلِّ أدوار الحياة، ولم يكن هذا الشعور الحيُّ من خاصّة سباع عصر عمر بن عبد العزيز ورعاءه؟ لكانت لها أن تفني شياه الدّنيا ولم تبق منها شيئاً يوم معاوية ويزيد وهلمّ جرّا، أو ارجع إلى الوراء القهقرى.

_ ٢٤ _

كتاب براءة لعمر بن عبد العزيز

كان عمر بن عبد العزيز يأتي المساجد المهجورة في الليل فيصلّي فيها ما يسرّ الله عزّ وجلّ، فإذا كان وقت السّحر وضع جبهته على الأرض، ومرّغ خدّه على التّراب، ولم يزل ييكي إلى طلوع الفجر، فلمّا كان في بعض اللّيالي فعل ذلك على العادة، فلمّا فرغ ورفع رأسه من صلاته وتضرُّعه وجد رقعة خضراء قد اتّصل نورها بالسّماء مكتوبٌ فيها: هذه برائةٌ من النّار من الملك العزيز لعبده عمر بن عبد العزيز.

وأخرج ابن أبي شيبة باسناده عن عبد العزيز بن أبي سلمة: انَّ عمر بن عبد العزيز لَمّا وضع عند قبره هبَّت ريحٌ شديدةٌ فسقطت صحيفةٌ بأحسن كتاب فقرأوها فإذا فيها: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، براءةٌ من الله لعمر بن عبد العزيز من النّار. فأدخلوها بين أكفانه ودفنوها معه.

تاريخ ابن كثير ٩: ٢١٠، الرَّوض الفائق للحريفيش ص ٢٥٦.

وروى ابن عساكر في ترجمة يوسف بن ماهك قال: بينما نحن نسوّي التّراب على قبر عمر بن عبد العزيز إذ سقط علينا من السّماء كتابٌ فيه: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، أمانُ من الله لعمر بن عبد العزيز من النّار.

قال الأميني: سوف يتبيّن الرّشد من الغيِّ يوم العرض الأكبر.

_ ٢٥ _

امرأة تلد بدعاء مالك ابن اربع سنين

أخرج البيهقي في السنن الكبرى ٧: ٤٤٣ بإسناده عن هاشم المجاشعي قال: بينما

١٢١

مالك بن دينار - المتوفّى ١٢٣ وقيل غير ذلك - يوماً جالسٌ إذ جاءه رجلٌ فقال: يا أبا يحيى! ادعُ لامرأة حبلى منذ أربع سنين قد أصبحت في كرب شديد، فغضب مالك و أطبق المصحف ثمَّ قال: ما يرى هؤلاء القوم إلّا أنّا أنبياء، ثمَّ دعا فقال: أللّهم هذه المرأة إن كان في بطنها ريحٌ فأخرجها عنها السّاعة، وإن كان في بطنها جاريةٌ فأبدلها بها غلاماً، فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك امّ الكتاب، ثمَّ رفع مالك يده ورفع النّاس أيديهم، وجاء الرَّسول إلى الرَّجل فقال: أدرك امرأتك، فذهب الرَّجل، فما حطّ مالكٌ يده حتى طلع الرَّجل من باب المسجد على رقبته غلامٌ جعد قطط ابن أربع سنين قد استوت أسنانه ما قطعت أسراره.

قال الأميني: ليس من المستحيل التلفّظ بالمحال، لكن التّقوى أو الحياء يزع كلّ منهما الإنسان عن أن يلهج بما هو خارجٌ عن مستوى المعقول. ألا من مُسائل هذا الرّاوي عن انّ رحم المرأة هل فيها تمطّط فتبلغ من السّعة ما يُقلّ ابن أربع سنين وقد استوت أسنانه ونبت شعره ويركب الرِّقاب؟ وهب انَّ فيها تمطّطاً فهل ما يحويها من بنيَّة البدن له مثل ذلك التمطّط؟ فيجب عليه أن يكون في هيئة الحامل إذن تضخّماً أكثر من النساء العاديات، فهل كانت اُمّ الغلام هكذا؟ أو أنّها بقيت على حالتها وهي كرامة اُخرى لأحد من عباد الله؟ سبحان الذي تولّى كلائة هذه المرأة المسكينة عن أن تنكسر عظامها، وتنقطع عروقها، وينفتق جلدها ولحمها، وقد فعل سبحانه ما أراد في الزَّمن من الماضي.

ورحم الله مالك بن دينار لولا دعائه للمرأة المسكينة لكان يبقى جنينها في بطن اُمِّه أربعين عاماً أو إلى ما شاء الله.

ثمَّ هل كان المولود في بطن امّه أنثى فأبد له دعاء ابن دينار ذكراً؟ أو أنّه كان ذكراً ولا صلة للدّعاء المذكور به، وانَّ الله هو الّذي يهب لمن يشاء اُناثاً ويهب لمن يشاء الذّكور؟ وإنَّ من المقطوع به انَّ في تلك السّاعة كان قد افرزت خلقة المولود وصوّر مثاله فلم يبق فيه بعدُ مجالٌ للتغيّر والتأثّر وإنّه إمّا ذكرٌ أو انثى، فلا محلّ من الإعراب لدعاء ابن دينار: [ وان كان في بطنها جارية فأبدلها بها غلاماً ] غير أنّه دعا، وهل كانت له هذه

١٢٢

الدّعوة المستجابة بعد الولادة أخذاً بقوله: إنّك تمحو ما تشاء وتثبت؟ لعلّها له وليس على الله بعزيز، ولا يُسئل عمّا يفعل، وهو على كلّ شيء قدير.

_ ٢٦ _

ناصبىّ مستجاب الدعوة

قال الجريري سعيد بن اياس المتوفّى ١٤٤: كان عبد الله بن شقيق العقيلي أبو عبد الرّحمن البصري مجاب الدّعوة كانت تمرُّ به السّحابة فيقول: أللّهم لا تجوز كذا و كذا حتّى تمطر. فلا تجوز ذلك الموضع حتّى تمطر. حكاه ابن أبي خيثمة في تاريخه [ تهذيب التهذيب ٥: ٢٥٤ ].

قال الأميني: لعلّك لا تستبعد إجابة دعوة وليّ من أولياء الله وتراها غير عزيز على المولى سبحانه كرامةً لصالحي عباده، بيد انَّ هذه النسبة تبعد من العقيلي بُعد المشرقين بَعد ما عرفه الملأ ممّن نصب العداء لسيّد العترة قال ابن خراش: كان عثمانيّاً يبغض عليّاً، وقال أحمد بن حنبل: كان يحمل على عليّ(١) فأيّ كرامة لابن أنثى لا يُوالي سيّد العرب امير المؤمنين فضلاً عن أن يعاديه بعد ما ثبت عن النبيّ الأقدس من الدّعوة المستجابة بقوله في عليعليه‌السلام : اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه،(٢) وبعد عهد النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليه سلام الله عليه انّه لا يحبّه إلّا مؤمنٌ ولا يبغضه إلّا منافقٌ(٣) وبعد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليُّ لا يبغضك مؤمنٌ ولا يحبّك منافق(٤) وبعد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يحبُّ عليّاً المنافق، ولا يبغضه مؤمن(٥) وبعد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لولاك يا عليُّ! ما عرف المؤمنون بعدي(٦) وبعد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والله لا يبغضه أحدٌ من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلّا وهو خارجٌ من الايمان(٧) وبعد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

١ - تهذيب التهذيب ٥: ٢٥٤.

٢ - راجع حديث الغدير فى الجزء الاول من كتابنا هذا.

٣ - راجع ما اسلفناه فى الجزء الثالث ص ١٦١.

٤ - راجع ما مرّ فى الجزء الثالث ١٦٢.

٥ - راجع ص ١٦٣ من الجزء الثالث.

٦ - راجع ص ١٦٤ من الجزء الثالث.

٧ - يأتي في مسند المناقب بمصادره.

١٢٣

يا عليُّ أنت سيّدٌ في الدنيا سيّدٌ في الآخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله، وعدّوك عدوّي وعدوّي عدوّ الله، والويل لمن أبغضك بعدي(١) . وبعد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليُّ طوبى لمن احبّك وصدق فيك، وويلٌ لمن أبغضك وكذب فيك(٢) وبعد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّعليه‌السلام : من أحبّك أحبَّني، ومن أبغضك أبغضني(٣) إلى أحاديث جمّة.

فكيف يسع لمسلم يصدِّق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أقواله هذه أن يذعن بكرامة ابن شقيق مبغض عليّعليه‌السلام والمتحامل عليه بالوقيعة فيه، ويراه مستجاب الدّعوة، نافذ المشيئة في السّحاب. نعم يسوِّغه الغلوّ في الفضائل لا عن دراية

وأمّا الجريري راوي هذه المهزأة فقد عرفت في ما مرَّ في هذا الجزء: انّه اختلط قبل موته بثلاث سنين، وهذه الرِّواية من آيات اختلاطه.

_ ٢٧ _

السختيانى ينبع الماء

أخرج أبو نعيم في ( حلية الأولياء ) ٣: ٥ بالإسناد عن عبد الواحد بن زيد قال: كنت مع أيّوب السَّختياني(٤) على حِراء فعطشت عطشاً شديداً حتّى رأى ذلك في وجهي فقال. ما الّذي أرى بك؟ قلت: العطش، وقد خفت على نفسي، قال: تستر عليَّ؟ قلت: نعم. قال: فاستحلفني فحلفت له أن لا اُخبر عنه ما دام حيّاً، قال: فغمز برجله على حِراء فنبع الماء فشربت حتّى رويت وحملت معي من الماء قال: فما حدَّثت به أحداً حتّى مات.

وفي [ الرّوض الفائق ] ص ١٢٦: كان جماعة مع أيّوب السَّختياني في سفر فأعياهم طلب الماء فقال أيّوب: أتسترون عليّ ما عشت؟ فقالوا: نعم. فدوّر دائرة فنبع الماء قال: فشربنا فلمّا قدموا البصرة أخبر به حمّاد بن زيد. قال عبد الواحد بن زيد: شهدت معه ذلك اليوم.

____________________

١ - مستدرك الحاكم ٣ ص ١٢٨ وصححه ووثق الذهبى رواته.

٢ - مستدرك الحاكم ٣ ص ١٣٥ وصححه.

٣ - مستدرك الحاكم ٣ ص ١٤٢ صححه الحاكم والذهبى.

٤ - توفى سنة ١٢١ توجد ترجمته فى حلية الاولياء ٣: ٣ - ١٤.

١٢٤

_ ٢٨ _

شيخ يبيع القصر في الجنة

أتى رجلٌ من أهل خراسان حبيب بن محمّد العجميّ البصريّ يريد مكّة وقال له: يا شيخ! اشتر لي داراً ودفع إليه مالاً وخرج إلى مكّة فأخذ حبيب المال فتصدّق به فلمّا قدم الرَّجل قال له: إذهب بي إلى الدّار الّتي إشتريتها فأرنيها فقال له: إنّك لا تراها اليوم ولكن إذا متّ تراها فقال له الخراسانيُّ: اكتب إليّ عهدتها حتّى اذهب بها إلى خراسان فكتب له حبيب: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، هذا ما اشترى حبيب قصراً في الجنّة كذا وكذا، وارتفاعه كذا كذا في الجنّة. ثمَّ ختم الكتاب ودفعه إليه فأخذه الرَّجل فذهب به إلى خراسان إلى أهله فقالوا له: أنت مجنونٌ لولا انّك ضيَّعت مالك لذهب بك إلى الدّار، ولكن هذا شأن مجنون، فبقي الرَّجل ما شاء الله، فلمّا حضره النَّزع قال لأهله: إجعلوا هذا الكتاب في كفني، فلمّا مات وضعوه في أكفانه وحملوه إلى القبر فأصبح حبيب بالبصرة وإذا الكتاب عنده في بيته وفي ذيله: يا أبا محمّد! إنَّ الله قد سلّم إليه القصر الّذي اشتريته له فذهب إلى أهل الرّجل وقال لهم: إنَّ الله قد سلّم إلى أبيكم القصر، وهذه العهدة فبصروا بها فإذا هي الكتاب الّذي وضعوه معه في القبر.

أخرجه ابن عساكر في تاريخه ٤: ٣٢ وقال مهذِّبه: قد روى الحافظ هذه القصّة باسناده من طريقين مطوّل ومختصر والمعنى واحد، وهذه القصَّة كانت لحبيب، وأرجو أن؟ لا يحوم حولها المدَّعون فيجعلونها سلّماً لأكل مال النّاس بالباطل، فإنَّ أحوال امثال حبيب لا يقاس عليها ولا تكون قاعدة للعمل.

_ ٢٩ _

حضور غائب بدعاء معروف

ذكر الإمام أبو محمّد ضياء الدّين الشيخ احمد الوتري الشافعيّ المتوفّى بمصر في عشر الثمانين والتسعمائة في كتابه ( روضة الناظرين ) ص ٨ نقلاً عن خليل بن محمّد الصيّاد انّه قال: غاب أبي فتألّمت فجئت إلى معروف - الكرخي المتوفّى ٢٠٠ / ١ / ٤ - فقلت: غاب أبي فقال: ما تريد؟ قلت: رجوعه. قال: أللّهمَّ إنّ السّماء سماؤك، والأرض أرضك وما بينهما لك ائت بمحمّد، فأتيت باب الشّام فإذا هو واقفٌ فقلت: أين كنت؟

١٢٥

قال: كنت السّاعة بالأنبار(١) ولا أعلم ما صار.

عجباً العقول تُسوّغ مثل هذا لكلِّ معروف ومنكر، ولا تسوِّغه في أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه يوم حضر تغسيل سلمان بالمدائن وكان سلام الله عليه بالمدينة. راجع الجزء الخامس ص ١٥ - ٢١ ط ٢.

_ ٣٠ _

رجل متربّع فى الهواء

أخرج إبن الجوزي في صفة الصَّفوة ٤: ٢٤٥ عن حذيفة بن قتادة المرعشيّ المتوفّى ٢٠٧ قال: قال: كنت في المركب فكسر بنا فوقعت أنا وامرأة على لوح من ألواح المركب فمكثنا سبعة ايّام فقالت المرأة: أنا عطشى. فسألت الله تعالى أن يسقينا فنزلت علينا من السّماء سلسلة فيها كوزٌ معلّقٌ فيه ماءٌ فشربت، فرفعت رأسي أنظر إلى السِّلسلة فرأيت رجلاً في الهواء متربّعاً فقلت: مَن أنت؟ قال: من الإنس. قلت: فما الّذي بلّغك هذه المنزلة؟ قال: أثرت مراد الله عزّ وجلّ على هواي فأجلسني كما تراني.

وإن تعجب فعجبٌ من أقوام يقبلون هذا ويبهظهم حديث البساط لمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام .

_ ٣١ _

جنّية تكّلم الخزاعى

أخرج ابن الجوزي في صفة الصّفوة ٢: ٢٠٥ عن أحمد بن نصر الخزاعي(٢) أحد ائمَّة السنّة الإمام الشهير المتوفّى ٢٣١، قال: رأيت مصاباً قد وقع فقرأت في اُذنه فكلّمتني الجنِّيَّة من جوفه: يا أبا عبد الله! بالله دعني أخنقه، فإنّه يقول: القرآن مخلوق.

ما ألطفها من دعاية إلى المبدأ الباطل؟ ولِلَّه درُّ الجنِّيَّة العالمة الّتي بلغ من علمها انَّها قالت بعدم خلق القرآن. ونحن نشكر الله سبحانه على ابطال هذه السخافة القديمة على ممرّ الايام فلم تجد اليوم جانحاً إليها ولا محبّذاً إيّاها.

____________________

١ - الانبار، مدينة قرب بلخ. ومدينة على الفرات فى غربى بغداد بينهما عشرة فراسخ.

٢ - قتل فى خلافة الواثق لامتناعه عن القول بخلق القرآن ونفى التشبيه فعلقت على اذنه رقعة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم هذا رأس احمد بن نصر بن مالك دعاه عبد الله الامام هارون وهو الواثق بالله امير المؤمنين إلى القول بخلق القرآن ونفى التشبيه فابى الا المعاندة فعجله الله الى ناره.

١٢٦

_ ٣٢ _

رأس احمد الخزاعى يتكلم

ذكر الخطيب وابن الجوزي بالاسناد عن إبراهيم بن إسماعيل بن خلف قال: كان أحمد بن نصر خِلّي، فلمّا قتل في المحنة وصُلب رأسه اُخبرت: أنَّ الرَّأس يقرأ القرآن، فمضيت فبتُّ بقرب من الرأس مشرفاً عليه، وكان عنده رجّالة وفرسان يحفظونه، فلمّا هدئت العيون سمعت الرأس تقرأ: الـ~ـم أحسب النّاس أن يُتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفتنون فاقشعرَّ جلدي.

وعن أحمد بن كامل القاضي عن أبيه انَّه قال: وُكلّ برأس أحمد مَن يحفظه بعد أن نصب برأس الجسر، وإنَّ الموكّل به ذكر: انّه يراه بالليل يستدير إلى القبلة بوجهه فيقرأ سورة يس~ بلسان طَلِق، وإنّه لمـّا أخبر بذلك طُلب فخاف على نفسه فهرب.

وعن خلف بن سالم انَّه قال: عندما قُتل أحمد بن نصر وقيل له: ألا تسمع ما النّاس فيه يا أبا محمّد؟ قال: وما ذلك؟ قال: يقولون إنَّ رأس أحمد بن نصر يقرأ القرآن، قال: كان رأس يحيى بن زكريّا يقرأ(١) .

لا تبهظ الخطيب وابن الجوزي هذه الاُضحوكة، ولا احسب انَّهما يصدّقانها ولكن لمـّا كان يبهظهما وأمثالهما ما يؤثر(٢) من أنَّ رأس مولانا أبي عبد الله السّبط الشّهيد صلوات الله عليه كان يقرأ القرآن الكريم على عامل السّنان، ولقد كانت هذه الاكرومة متسالماً عليها في العصور الخالية، فنحتوا هذه الأفائك تجاهها تخفيفاً لتلك المنزلة الكريمة الخاصّة ببضعة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

_ ٣٣ _

النبي يفتخر بابى حنيفة

عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انَّه قال: إنَّ سائر الأنبياء تفتخر بي، وأنا افتخر بأبي حنيفة،

____________________

١ - تاريخ بغداد ٥: ١٧٩، صفة الصفوة ٢: ٢٠٥.

٢ - سيوافيك حديثه في مسند المناقب ومرسلها انشاء الله تعالى.

١٢٧

وهو رجلٌ تقيٌّ عند ربّي، وكأنَّه جبلٌ من العلم، وكأنّه نبيٌّ من أنبياء بني إسرائيل، فمن أحبَّه فقد أحبَّني، ومن أبغضه فقد أبغضني.

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ آدم افتخر بي، وأنا أفتخر برجل من امّتي اسمه نعمان، وكنيته أبو حنيفة، هو سراج امّتي.

أسلفنا الرِّوايتين مع جملة ممّا اختلقته يد الغلوِّ في الفضائل لأبي حنيفة في الجزء الخامس ص ٢٣٩ - ٢٤١ وذكرنا هنالك انَّ امَّة من الحنفيَّة بلغت مغالاتها فيه حدّاً ذهبت إلى أعلميّته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القضاء.

وذكر الحريفيش في الرّوض الفائق ص ٢١٥: انَّ من ورع أبي حنيفة رضي الله عنه انَّ شاةً سرقت في عهده فلم يأكل لحم شاة مدَّة تعيش الشّاة فيها.

لا أدري لأيِّ خرافة أضحك؟ ألفخر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجل استتيب من الكفر مرَّتين(١) والنبيّ مفخرة العالمين جميعاًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي امَّته مَن باهى به الله كمولانا امير المؤمنينعليه‌السلام ليلة مبيته على فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ؟

أم لكون الرَّجل أعلم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقضاء؟ أنا لا أدري من أين جاء أبو حنيفة بهذا العلم والفقه؟ أهو فقهٌ إسلاميٌّ والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستقاه ومنبثق أنواره؟ أم هو ممّا اتَّخذه من غير المسلمين من رجال كابل أو بابل أو ترمذ(٣) فأحرِ به أن يضرب عرض الجدار، وأيُّ حاجة للمسلمين إلى فقه غيرهم وقد أنعم الله عليهم بقضاء الإسلام وفقهه؟ وفيهما القول الحاسم وفصل الخطاب.

أم لورع الرَّجل الموصول بفقهه الناجع في قصَّة الشاة المسروقة الّذي لا يصافقه عليه فيه أيُّ فقيه متورّع، وقد أباح الإسلام أكل لحم الشيّاه في جميع الأحيان، وفي كلّها أفرادٌ منها مسروقةٌ في الحواضر الإسلاميّة وأوساطها، لكن هذا الفقيه لا يعرف

____________________

١ - راجع الجزء الخامس ص ٢٨٠ ط ٢.

٢ - اسلفنا حديثه فى الجزء الثانى ٤٨ ط ٢.

٣ - ايعاز إلى محتد ابى حنيفة،، قال الحافظ ابو نعيم الفضل بن دكين وغيره: اصله من كابل. وقال ابو عبد الرحمن المقرى: انه من أهل بابل وقال الحارث بن ادريس: اصله من ترمذ.

١٢٨

عدم تنجّز الحكم في الشّبهات إذا كانت غير محصورة خارجاً أكثر أطرافها من محلِّ الابتلاء، ولعلّه كان يعلم ذلك لكن عمله هذا من حيله التي هو أخبر بها عن نفسه، قال أبو عاصم النبيل: رأيت أبا حنيفة في المسجد الحرام يفتي، وقد اجتمع الناس عليه وآذوه، فقال: ما هاهنا أحدٌ يأتينا بشرطيّ؟ فقلت: يا أبا حنيفة! تريد شرطيّاً؟ قال: نعم. فقلت: اقرأ عليَّ هذه الأحاديث الّتي معي، فقرأها فقمت عنه ووقفت بحذاءه فقال لي: أين الشرطيّ؟ فقلت له: إنَّما قلت: تريد. لم أقل لك: أجيء به فقال: انظروا أنا أحتال للنّاس منذ كذا وكذا وقد احتال عليَّ هذا الصبيُّ(١) .

أراد الإمام الأعظم بالقصَّة التظاهر بالورع ونصبها فخّا لاصطياد الدَّهماء كقصَّته الاُخرى المحرابيّة الّتي حكاها حفص بن عبد الرّحمن قال: صلّيت خلفه فلمّا صلّى وجلس في المحراب فقال له رجلٌ: أيحلُّ أن تصلّي وفيه تصاوير؟ قال: اُصلّي فيه منذ خمس وأربعين سنة فما علمت انّ فيه تصاوير، ثمَّ أمر بالصّور فطمست. وقال له رجلٌ: ما أحسن سقف هذا المسجد؟ قال: ما رأيته وأنا فيه أكثر من أربعين سنة(٢) .

ولعلّ رأيه في الشّاة ممّا يوقف القارئ على سرِّ عدم دخول آرائه مدينة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال محمّد بن مسلمة المديني وقيل له: إنَّ رأي أبي حنيفة دخل هذه الأمصار كلّها ولم يدخل المدينة. قال: لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: على كلِّ ثقب من أثقابها ملكٌ يمنع الدجّال من دخولها. وكلام هذا من كلام الدجّالين، فمن ثمَّ لم يدخلها(٣) .

وفي فقه أبي حنيفة شذوذٌ تقصر عنها قصَّة الشّاة، قد خالف فيها السنّة الثابتة حتّى قال وكيع بن الجراح(٤) : وجدت أبا حنيفة خالف مائتي حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) غير أنَّ عبد الله بن داود الحريبي المغالي في حبِّ امامه يقول: ينبغي للنّاس

____________________

١ - اخبار الظراف لابن الجوزى ص ١٠٣.

٢ - مناقب ابى حنيفة تأليف الحافظ الكردرى ١: ٢٥١.

٣ - أخبار الظراف لابن الجوزى ص ٣٥.

٤ - ابو سفيان الكوفى الحافظ كان ثقة حافظاً متقناً مأموناً عالياً رفيع القدر كثير الحديث وكان يفتي، توفي سنة مائة وست وتسعين.

٥ - الانتقاء لابن عبد البر صاحب الاستيعاب ص ١٥٠.

١٢٩

أن يدعو في صلاتهم لأبي حنيفة لحفظه الفقه والسنن عليهم(١) .

وقال صاحب [ مفتاح السّعادة ] ٢: ٧٠: سمعت مَن أثق به يروي عن بعض الكتب إنَّ ثابتا - والد ابي حنيفة - توفّي وتزوَّج امّ الامام أبي حنيفة رحمه الله الإمام جعفر الصّادق، وكان أبو حنيفة رحمه الله صغيراً، وتربّى في حجر جعفر الصّادق، وأخذ علومه منه، وهذه إن ثبتت فمنقبةٌ عظيمةٌ لأبي حنيفة.

عقّبه الحسن النعماني في تعليق « المفتاح » فقال: كيف يتّجه انَّ الإمام كان صغيراً و تربّى في حجر الإمام الصّادق لأنَّ جعفر الصّادق توفِّي سنة ثمان وأربعين ومائة عن ثمان وستّين سنة، والإمام أبو حنيفة توفّي سنة خمسين ومائة وولد على قول الأكثر(٢) سنة ثمانين، فتكون سنة ولادتهما واحدة، وبين وفاتيهما سنتان، فثبت انّهما من الأقران لا انَّ الإمام صغيرٌ، والإمام جعفر الصّادق كبيرٌ.

وفي غضون ما الّفه الموفّق بن احمد، والحافظ الكردري في مناقب أبي حنيفة، وما ذكره بعض الحنفيّة في معاجم التراجم لدى ترجمته حرافات وسفاسف جمَّة تُشوّه سمعة الاسلام المقدَّس، ولا يسوّغه العقل والمنطق إن لم يشفعهما الغلوّ في الفضائل، ومن أعجب ما رأيت ما ذكره الإمام أبو الحسين الهمداني في آخر [خزانة المفتين ] من انّ الإمام ابو حنيفة لمـّا حجَّ حجّة الوداع أعطى بسدنة الكعبة مالاً عظيماً حتّى أخلوا له البيت، فدخل وشرع للصَّلاة، وافتتح القرائة كما هو دأبه على رجله اليمنى حتّى قرأ نصف القرآن، ثمَّ ركع، وقام في الثانية على رجله اليسرى حتّى ختم القرآن ثمَّ قال: إلهى عرفتك حقَّ المعرفة لكن ما قمت بكمال الطّاعة، فهب نقصان الخدمة بكمال المعرفة، فنودي من زاوية البيت: عرفت فأحسنت المعرفة، وخدمت فأخلصت الخدمة، غفرنا لك ولمن اتّبعك، ولمن كان على مذهبك إلى قيام السّاعة.(٣)

قال الأميني: ليت شعر أيّ كميّة من الزَّمن استوعبها الإمام حتّى ختم الكتاب العزيز في ركعتيه، وقد أخلي له البيت في يوم من ايّام الموسم والنّاس عندئذ مزدلفون

____________________

١ - تاريخ ابن كثير ١٠: ١٠٧.

٢ - وقال بعض: انه ولد سنة احدى وستين.

٣ - مفتاح السعادة ٢: ٨٢.

١٣٠

حول البيت، يتحرّون التبرّك بالدخول فيه؟! وكيف وسع السّدنة منع اولئك الجماهير عن قصدهم، وكبح رغباتهم الأكيدة طيلة تلك البرهة الطويلة؟!

ثمَّ ما هذا الدؤب من الإمام على قرائة نصف القرآن الاوّل على رجله اليمنى، ونصفه الآخر على رجله اليسرى؟ أهو حكمٌ متَّخذٌ من الكتاب؟ أم سنّةٌ متَّبعةٌ صدع بها النبيُّ الأعظم؟ ام بدعةٌ لم نسمعها من غير الإمام؟ وهل في الألعاب الرياضيَّة المجعولة لحفظ الصّحة والإبقاء على قوَّة البدن ونشاطه مثل ذلك؟ أنا لا أدري.

ثمَّ كيف وسعت الإمام تلك الدّعوى الباهظة العظيمة أمام ربِّ العالمين سبحانه، وهو الواقف على السَّرائر والضَّمائر؟ وما أجرأه على دعوى لم يدّعها نبيّ من الأنبياء حتّى خاتمهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليهم على سعة معرفتهم؟ ولا شكَّ انَّ معرفتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوسع، وقد أغرق فيها نزعاً، ومع ذلك لم يؤثر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقحّم الإمام في مناجات أو دعاء، ولا يصدر مثل هذا إلّا عن إنسان معجب بنفسه، مغترّ بعلمه، غير عارف بالله حقّ المعرفة.

والمغفّل صاحب الرّواية يحسب انَّ الامام ادّعاها في عالم الشّهود فصدَّقه عليها هاتف عالم الغيب، وليس هذا الهتاف المنسوج بيد الاختلاق الأثيمة إلّا دعايةً على الإمام وعلى مذهبه الذي هو أتفه المذاهب الإسلاميَّة فقهاً، ولو كانت الامّة تصدِّق هذه البشارة لمعتنقي ذلك المذهب، ويراها من ربِّ البيت لا من الأساطير المزوّرة لوجب عليها أن يكونوا حنفيّين جمعاء، غير انّ الامَّة لا تصافق على صحَّتها، رضي بذلك الإمام أم لم يرض.

وأعجب من هذا ما ذكره العلّامة البرزنجي قال:

ذهب بعض الحنفيَّة إلى انَّ كلّا من عيسى والمهدي يقلّدان مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وذكره بعض مشايخ الطَّريقة ببلاد الهند في تصنيف له بالفارسيّة شاع في تلك الدِّيار، وكان بعض من يتوسَّم بالعلم من الحنفيّة، ويتصدَّر للتدريس يشهر هذا القول ويفتخر به ويقرِّره في مجلس درسه بالرَّوضة النبويَّة.

وحكى الشّيخ علي القاري عن بعضهم انَّه قال: إعلم أنَّ الله قد خصَّ أبا حنيفة بالشّريعة والكرامة، ومن كراماته: انَّ الخضرعليه‌السلام كان يجيء إليه كلّ يوم وقت الصّبح ويتعلّم منه أحكام الشَّريعة إلى خمس سنين، فلمّا توفّي أبو حنيفة ناجى الخضر ربَّه

١٣١

قال: إلـ~ـهي إن كان لي عندك منزلة فائذن لأبي حنيفة حتى يعلّمني من القبر على حسب عادته حتّى أعلم شرع محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الكمال ليحصل لي الطَّريقة والحقيقة، فنودي: أن اذهب إلى قبره وتعلّم منه ما شئت فجاء الخضر وتعلّم منه ما شاء كذلك إلى خمس وعشرين سنة اُخرى حتّى اتمَّ الدَّلائل والأقاويل، ثمَّ ناجى الخضر ربَّه وقال: يا إلـ~ـهي ماذا أصنع فنودي: أن اذهب إلى صعالك واشتغل بالعبادة إلى أن يأتيك أمري الى أن قال له: اذهب إلى البقعة الفلانيّة وعلّم فلاناً علم الشَّريعة ففعل الخضرعليه‌السلام ما اُمر، ثمَّ بعد مدّة ظهر في مدينة ما وراء النهر شابٌّ وكان اسمه أبا القاسم القشيريّ وكان يخدم امّه ويحترمها إلى أن قال: فأمر الله الخضر أن اذهب إلى القشيريّ وعلّمه ما تعلّمت من أبي حنيفة رضي الله عنه لأنَّه أرضى امّه فجاء الخضر إلى أبي القاسم وقال: أنت أردت السّفر لأجل طلب العلم وقد تركته لرضا امّك وقد أمرني الله تعالى أن أجيء اليك كلَّ يوم على الدَّوام واعلّمك فكلُّ يوم يجيء إليه الخضر حتّى ثلاث سنين و علّمه العلوم الّتي تعلّم من أبي حنيفة في ثلاثين سنة، حتّى علّمه علم الحقايق والدقايق ودلائل العلم وصار مشهور دهره وفريد عصره حتّى صنّف ألف كتاب وصار صاحب كرامة وكثر مريدوه وتلاميذه، فكان له مريدٌ كبير متديِّنٌ لا يفارق الشّيخ فعدَّ له الشّيخ ألف كتاب من مصنّفاته ووضعه في الصّندوق وأعطى لذلك المريد وقال: قد بدا لي أمرٌ فاذهب وارم هذا الصّندوق في جيحون، فحمل المريد الصّندوق وخرج من عند الشيخ وقال في نفسه: كيف أرى مصنّفات الشيخ في الماء؟ لكن أذهب وأحفظ الكتب و أقول للشيخ: رميتها. وحفظ الكتب وجاء وقال للشيخ: رميت الصّندوق في الماء: قال الشّيخ: وما رأيت في تلك الساعة من العلامات؟ قال: ما رأيت شيئاً قال الشيخ: أذهب وارم الصَّندوق. فذهب المريد إلى الصَّندوق وأراد أن يرميه فلم يهن عليه ورجع إلى الشيّخ مثل الأوَّل وقال: رميته؟ قال: نعم قال: وما رأيت؟ قال: لم أر شيئاً. قال الشيخ: ما رميته فاذهب وارمه فإنّ لي فيها سرّاً مع الله ولا تردَّ أمري. فذهب المريد ورمى الصَّندوق فخرج من الماء يدٌ وأخذ الصَّندوق قال المريد له من أنت؟ فنادى في الماء: انّي وكّلت أن احفظ أمانة الشيخ، فرجع المريد وجاء إلى الشيّخ فقال: رميت؟ قال: نعم.

١٣٢

قال: وما رأيت؟ قال: رأيت الماء قد انشقّ وخرج منه يد وأخذ الصّندوق وقد صرت متحيّراً وما السرّ في ذلك؟ قال الشيخ: السرُّ في ذلك انَّه اذا قربت القيامة وخرج الدجّال ونزل عيسى ببيت المقدس فيضع الإنجيل بجنبه ويقول: أين الكتاب المحمديّ؟ أو قد أمرني الله أن أحكم بينكم بكتابه ولا أحكم بالإنجيل فيطلبون الدنيا ويطوفون البلاد فلم يوجد كتابٌ من كتب الشّرع المحمديّ فيتحيّر عيسى ويقول: إلـ~ـهي: بماذا أحكم بين عبادك ولم يوجد غير الإنجيل فينزل جبريل ويقول: قد أمر الله أن تذهب إلى نهر جيحون وتصلّي ركعتين بجنبه وتنادي: يا أمين صندوق أبي القاسم القشيري! سلّم إليَّ الصَّندوق وأنا عيسى بن مريم وقد قتلت الدجّال فيذهب عيسى إلى جيحون ويصلّي ركعتين ويقول مثل ما أمره جبريل، فيشقُّ الماء ويخرج الصّندوق ويأخذه ويفتحه ويجد فيه ختمه والف كتاب فيحيي الشّرع بذلك الكتاب، ثمَّ سأل عيسى جبريل: بِمَ نال أبو القاسم هذه المرتبة؟ فقال: برضاء والدته. نقل من كتاب أنيس الجلساء(١) .

وقد أطنب الشّيخ علي القاري في ردِّ هذه الاسطورة بعدَّة صحائف إلى أن قال في ص ٢٣٠: ثمَّ انَّ مثل هؤلاء لفرط تعصّبهم وعنادهم ليس مطمح نظرهم إلّا تفضيل أبي حنيفة ولو بما لا أصل له، ولو بما يؤدّي إلى الكفر وليس عندهم علمٌ بفضائله الجمَّة الّتي اُلّفت فيها الكتب(٢) فيرضون بالأكاذيب والإفترائات التي لا يرضاها الله ورسوله ولا ابو حنيفة نفسه، ولو سمعها أبو حنيفة رضي الله عنه لأفتى بكفر قائلها وفي فضائل أبي حنيفة المقرَّرة المحرَّرة كفاية لمحبّيه ولا يحتاج في إثبات فضله إلى الأقوال الكاذبة المفتراة المؤدِّية إلى تنقيص الأنبياء، ومن العجائب انّه وقع للقهستاني مع فضله وجلالته شيءٌ من ذلك فقال في شرح خطبة النقابة: انّ عيسى إذا نزل عمل بمذهب أبي حنيفة كما ذكره في الفصول الستّة. وليت شعري ما الفصول الستّة؟ وما الدّليل على هذا القول؟ فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. الخ.

____________________

١ - الاشاعة فى اشراط الساعة تأليف السيد محمد البرزنجى المدنى ٢٢١ - ٢٢٥.

٢ - الكتب المؤلفة فى فضائل أبى حنيفة حوت بين دفتيها لدة هذه الترهات والاكاذيب المزخرفة وما أكثرها؟ ولو لم يكن الباطل الذى لا اصل له مأخوذاً به فيها اذا لم تلق منها باقية.

١٣٣

وفي مفتاح السّعادة ١: ٢٧٥، و ج ٢: ٨٢: إنَّ أبا حنيفة رحمه الله تعالى رأى كأنّه ينبش قبر النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجمع عظامه إلى صدره فهالته الرؤيا فقال إبن سيرين: هذه رؤيا أبي حنيفة فقال: أنا أبو حنيفة فقال إبن سيرين: اكشف عن ظهرك فكشف فرأى خالاً بين كتفيه فقال: أنت الّذي قال عليه الصّلاة والسَّلام: يخرج في امّتي رجلٌ يقال له: أبو حنيفة بين كتفيه خالٌ يحيي الله تعالى ديني على يديه، ثمَّ قال ابن سيرين: لا تخف انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدينة العلم وأنت تصل إليها فكان كما قال.

إقرأ وابك على امّة محمّد المرحومة بأيّ أناس بُليت، وبايِّ خلق منيت؟! ما حيلة الجاهل الغرّ وما ينجيه عن هذه السّخائف والأساطير؟!

_ ٣٤ _

أبو زرعة يجعل الحصاة تبراً

روى الذّهبي في تذكرة الحفّاظ ١: ١٧٤ عن خالد بن الفزر قال: كان حياة بن شريح - أبو زرعة المصري شيخ الدِّيار المصريّة المتوفّى ١٥٨ - من البكّائين: وكان ضيّق الحال جدّاً، فجلست وهو متخلّ يدعو فقلت: لو دعوت أن يوسّع الله عليك فالتفت يميناً وشمالاً فلم ير أحداً فأخذ حصاة فرمى إليَّ بها فإذا هي تبرةٌ ما رأيت أحسن منها. وقال: ما خير في الدنيا إلّا للآخرة، ثمَّ قال: هو أعلم بما يصلح عباده فقلت: وما أصنع بهذا؟ قال: استنفقها. فهبته والله أن أردّه.

_ ٣٥ _

وضوء ابراهيم الخراسانى

ذكر اليافعي في ( رياض الرَّياحين ) عن ابراهيم الخراسانيّ المتوفّى ١٦٣ قال: قال: احتجت يوماً إلى الوضوء فاذا أنا بكوز من جوهر، وسواك من فضّة ألين من الخزِّ فاستكت وتوضّأت وتركتها وانصرفت، قال: وبقيت في بعض سياحاتي أيّاماً لم أر فيها أحداً من النّاس ولا طيراً ولا ذا روح، وإذا بشخص لا أدري من أين خرج فقال لي: قل لهذه الشجرة تحمل دنانير. فقلت: احملي دنانير. فلم تحمل، ثمَّ قال لها: احملي وإذا بشماريخ الشَّجرة دنانير معلّقة، فاشتغلت انظر إليها، ثمَّ التفتُّ فلم أر الشّخص وذهبت الدَّنانير من الشّجرة.

١٣٤

قال الأميني: إقرأ وابك على الإسلام وعلى تاريخه، وانظر كيف شوَّهت صفحاته.

_ ٣٦ _

الماجشون يموت ويحيى

أخرج الحافظ يعقوب بن أبي شيبة في ترجمة أبي يوسف يعقوب بن أبي سلمة القرشي الشّهير بالماجشون المتوفّى ١٦٤ بالاسناد عن إبن الماجشون قال: قال عُرج بروح الماجشون فوضعناه على سرير الغسل فدخل غاسلٌ إليه يغسّله فرأى عِرقاً يتحرَّك في أسفل قدمه، فأقبل علينا وقال: أرى عِرقاً يتحرَّك ولا أرى أن اعجل عليه فاعتللنا على النّاس بالأمر الذي رأيناه، وفي الغد جاء النّاس وغدا الغاسل عليه فرأى العِرق على حاله فاعتذرنا إلى النّاس، فمكث ثلاثاً على حاله والناس يتردّدون إليه ليصلّوا عليه ثمَّ استوى جالساً وقال: ايتوني بسويق فاُتي به فشربه فقلنا له: خبِّرنا ما رأيت؟ فقال: نعم عرج بروحي فصعد بي الملك حتّى أتى سماء الدّنيا فاستفتح ففتح له، ثمَّ عرج هكذا في السّموات حتّى انتهى إلى السَّماء السّابعة فقيل له: مَن معك؟ قال: الماجشون.

فقيل له: لم يأن له بعدُ بقي من عمره كذا وكذا سنة، وكذا وكذا شهراً، وكذا وكذا يوماً، وكذا وكذا ساعةً، ثمَّ حبط بي فرأيت النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبا بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وعمر بن عبد العزيز بين يديه، فقلت للملك الّذي معي: مَن هذا؟ قال: عمر بن عبد العزيز. قلت: إنَّه لقريبٌ من رسول الله فقال: إنّه عمل بالحقِّ في زمن الجور وأنّهما عملا بالحقِّ في زمن الحقِّ.

وأخرجه إبن عساكر في تاريخ الشّام، وذكره ابن خلكان في تاريخه ٢: ٤٦١، واليافعي في مرآة الجنان ١: ٣٥١، وإبن حجر في تهذيب التهذيب ١١: ٣٨٩، وأبو الفلاح الحنبلي في شذرات الذهب ١: ٢٥٩.

قال الأميني: ما كنت أحسب أن يوجد في الاُمَّة الإسلاميَّة من يتّهم الملك الموكَّل بقبض الأرواح بالجهل بآونة الوفيات، وقد وكلّ به من عند العزيز العليم فقال سبحانه:( قُلْ يَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِي وُکِّلَ بِکُمْ ) (١) أو مَن يقذفه بالاستبداد في نزع روح أحد قبل إرادة المولى سبحانه وتعالى وفي الكتاب المنزل قوله:( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ

____________________

١ - سورة السجدة: ١١.

١٣٥

مَوْتِهَا ) (١) ( وَ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ ) (٢) ( وَ مَا کَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ کِتَاباً مُؤَجَّلاً ) (٣) ( لاَ إِلٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَ يُمِيتُ رَبُّکُمْ وَ رَبُّ آبَائِکُمُ الْأَوَّلِينَ ) (٤) ( هُوَ الَّذِي خَلَقَکُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى ) (٥) ( وَ لِکُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَ لاَ يَسْتَقْدِمُونَ ) (٦) ( مَا تَرَکَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَ لٰکِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) (٧) ( مَا تَرَکَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَ لٰکِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) (٨) ( فَيُمْسِکُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) (٩) ( إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‌ ) (١٠) ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ کَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً ) (١١) .

كما إنّي ما كنت أشعر إمكان حركة جارحة من جوارح الميِّت بعد نزع روحه، فلم أدر بأيِّ صلة بالرّوح المقبوضة كان يتحرَّك العِرق الماجشونيّ خلال ثلاثة أيّام، والي أيّ مركز حسّاس كانت صلة ذلك العِرق النابض

وما كنت أدري انَّ السّموات العُلى لها أبواب مغلّقة يقف عندها ملك الموت في كلِّ عروجه بروح من الأرواح فيستفتح فتفتح له.

وليتني أدري هل هذا السّير البطيء - ثلاثة أيّام - لملك الموت في استصحابه روح الماجشون يخصُّ بالماجشون فحسب أو هو الشأن المطّرد في عامّة الأرواح؟.

نعم كلُّ هذه تسوّغها الدِّعاية إلى السَّلطات الأمويَّة الغاشمة التي كانت تحكم

____________________

١ - سورة الزمر: ٤٢.

٢ - سورة المؤمنون: ٨٠.

٣ - سورة آل عمران: ١٤٥.

٤ - سورة الدخان: ٨.

٥ - سورة الانعام: ٢.

٦ - سورة الاعراف: ٣٤.

٧ - سورة النحل: ٦١.

٨ - سورة فاطر: ٤٥.

٩ - سورة الزمر: ٤٢.

١٠ - سورة نوح: ٤.

١١ - سورة فاطر: ٤٥.

١٣٦

على الاُمَّة في تلكم الأيّام.

_ ٣٧ _

رقعة من الله الى أحمد امام الحنابلة

مرض بشر بن الحارث وعادته آمنة الرّمليّة فبينما هي عنده إذ دخل الإمام أحمد ابن حنبل يعوده كذلك فنظر إلى آمِنة فقال لبشر: فاسألها تدعو لنا فقال لها بشر: ادعي الله لنا، فقالت: أللّهم إنَّ بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل يستجيران بك من النّار فأجرهما يا أرحم الرّاحمين. قال الإمام أحمد رضي الله عنه: فلمّا كان من اللّيل طرحت إلىَّ رقعةٌ من الهواء مكتوبٌ فيها: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم قد فعلنا ذلك ولدينا مزيد.

أخرجه ابن عساكر في تاريخه ٢: ٤٨، وابن الجوزي في صفة الصّفوة ٤: ٢٧٨.

_ ٣٨ _

رسول الياس وملك الى أحمد

ذكر ابن الجوزي في مناقب أحمد ص ١٤٣ بالاسناد عن أبي حفص القاضي قال: قدم على أبي عبد الله أحمد بن حنبل رجلٌ من بحر الهند فقال: إنّي رجلٌ من بحر الهند خرجت اُريد الصِّين فاُصيب مركنٌ فأتاني راكبان على موجة من أمواج البحر فقال لي أحدهما: أتحبُّ أن يخلّصك الله على أن تقرئ أحمد بن حنبل منّا السَّلام؟ قلت: ومن أحمد؟ ومَن أنتما يرحمكما الله؟ قال: أنا إلياس وهذا الملك الموكّل بجزاير البحر، وأحمد بن حنبل بالعراق. قلت: نعم. فنفضني البحر نفضة فإذا أنا بساحل الأبلة فقد جئتك اُبلّغك منهما السّلام.

_ ٣٩ _

النخلة تحمل بقلم أحمد

قال أبو طالب عليّ بن أحمد: دخلت يوماً على أبي عبد الله وهو يملي وأنا أكتب فاندقّ قلمي فأخذ قلمّاً فأعطانيه فجئت بالقلم إلى أبي عليّ الجعفريّ فقلت: هذا قلم أبي عبد الله أعطانيه فقال لغلامه: خذ القلم فضعه في النخلة عسى تحمل. فوضعه فيها فحملت. مختصر طبقات الحنابلة ص ١١.

١٣٧

_ ٤٠ _

تكة سراويل أحمد

قال ابن كثير في تاريخه ١٠: ٣٣٥: يروى أنّه لمـّا اُقيم - أحمد بن حنبل - ليضرب – لمـّا ضربه المعتصم - إنقطعت تكّة سراويله فخشي أن يسقط سراويله فتكشف عورته فحرّك شفتيه فدعا الله فعاد سراويله كما كان، ويروى أنّه قال: يا غياث المستغيثين، يا إله~ العالمين، إن كنت تعلم أنِّي قائمٌ لك بحقّ فلا تهتك لي عورة.

_ ٤١ _

الحريق والغريق وكرامة أحمد

روى ابن الجوزي في مناقب أحمد ص ٢٩٧ باسناده عن فاطمة بنت أحمد قالت: وقع الحريق في أخي صالح وكان قد تزوّج إلى قوم مياسير فحملوا إليه جهازاً شبيهاً بأربعة آلاف دينار فأكلته النّار فجعل صالح يقول: ما غمّني ما ذهب منّي إلّا ثوب لأبي كان يصلّي فيه أتبرّك به واُصلّي فيه قالت: فطفى الحريق ودخلوا فوجدوا الثّوب على سرير قد أكلت النّار ما حواليه والثّوب سليم.

قال ابن الجوزي: قلت: وهكذا بلغني عن قاضي القضاة عليّ بن الحسين الزينبي انّه وقع الحريق في دارهم فاحترق ما فيها إلّا كتاباً كان فيه شيىءٌ بخطّ أحمد.

وقال: قلت: ولمـّا وقع الغرق ببغداد في سنة أربع وخمسين وخمسمأة وغرقت كتبي سلم لي مجلّد فيه ورقتان بخطّ الإمام أحمد.

وقال الذهبي في ذيل العبر عند ذكر ما وقع سنة ٧٢٥، واليافعي في المرآة: ومن الآيات أنّ مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الّذي فيه ضريحه فإنَّ الماء دخل في الدّهليز علوَّ ذراع ووقف بإذن الله وبقيت البواري عليها غبار حول القبر، صحَّ هذا عندنا، وجرَّ السيل أخشاباً كباراً وحيّات غريبة الشَّكل.

مرآت الجنان ٤: ٢٧٣، شذرات الذهب ٦: ٦٦، صلح الإخوان للخالدي ص ٩٨.

قال الأميني: وكفى شاهداً على صدق هذه الكرامة عدم وجود أيّ أثر من ذلك

١٣٨

المرقد المعظّم اليوم، وقد جرفته السُّيول، وعفت رسمه، كأن لم يكن، وغدا حديث أمس الدابر.

_ ٤٢ _

ألله يزور احمد كل عام

روى إبن الجوزي في مناقب أحمد ص ٤٥٤ قال: حدَّثني أبو بكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي وكان شيخاً صالحاً قال: كان قد جاء في بعض السنين مطرٌ كثير جدّاً قبل دخول رمضان بأيّام فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأنّي قد جئت على عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره فرأيت قبره قد إلتصق بالأرض حتّى بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف(١) أو سافين فقلت: إنّما تمّ هذا على قبر الإمام أحمد بن كثرة الغيث فسمعته من القبر وهو يقول: لا بل هذا من هيبة الحقِّ عزَّ وجلّ لأنَّه عزَّ وجلّ قد زارني، فسألته عن سرِّ زيارته إيّاي في كلِّ عام فقال عزَّ وجلَّ: يا أحمد! لأنّك نصرت كلامي فهو ينشر ويتلى في المحاريب. فأقبلت على لحده اُقبّله ثمَّ قلت: يا سيّدي ما السرُّ في انّه لا يقبّل قبر إلّا قبرك؟ فقال لي: يا بُنيَّ ليس هذا كرامة لي، ولكن هذا كرامة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنَّ معي شعرات من شعرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألا ومن يحبّني يزورني في شهر رمضان قال ذلك مرَّتين.

مرّت في زيارة إمام الحنابلة أحمد في الجزء الخامس ص ١٧٥ - ١٧٨ لدة هذه من آيات الغلوّ. فراجع ويا حّبذا لو صدقت الأحلام.

_ ٤٣ _

أحمد والملكان النكيران

ذكر إبن الجوزي في مناقب أحمد ص ٤٥٤ عن عبد الله بن أحمد يقول: رأيت أبي في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قلت: جاءك منكرٌ ونكيرٌ؟ قال: نعم، قالا لي: من ربّك؟ قلت: سبحان الله أما تستحيان منّي؟ فقالا لي: يا أبا عبد الله! أعذرنا بهذا اُمرنا.

قال الأميني: ما أجرأ الإمام على الملكين الكريمين في ذلك المأزق الحرج؟

____________________

١ - الساف والسافة: الصف من الطين أو اللين ج آسف وسافات.

١٣٩

وما أجهله بالنّاموس المطّرد من سؤال القبر وانّه بأمر من الله العليِّ العزيز؟ حتى جابه الملكين بذلك القول الخشن، ما أحمد وما خطره؟ وقد جاء في الرِّواية: انَّ عمر ارتعد منهما لمـّا دخلا عليه(١) وكان عمر بمحلّ من المهابة على حدِّ قول عكرمة: انَّه دعا حجّاماً فتنحنح عمرو كان مهيباً فأحدث الحجّام، فأعطاه عمر أربعين درهماً(٢) .

وعلى الملكين أن يشكرا الله سبحانه على أن كفَّ الإمام عن أن يصفعهما فيفقأ عينهما كما فعل موسى بملك الموت في مزعمة أبي هريرة(٣) فرجع إلى ربّه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فردَّ الله إليه عينه. كما في سنن النسائي ٤: ١١٨.

وفي لفظ الطبري في تاريخه ١: ٢٢٤: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انَّ ملك الموت كان يأتي الناس عياناً حتّى أتى موسى فلطمه ففقأ عينه قال: فرجع فقال: يا ربّ! إنَّ عبدك موسى فقأ عيني، ولولا كرامته عليك لشققت عليه. فقال: ائت عبدي موسى فقل له: فليضع كفّه على متن ثور فله بكلِّ شعرة وارت يده سنة، وخيّره بين ذلك وبين أن يموت الآن. قال: فأتاه فخيّره فقال له موسى: فما بعد ذلك؟ قال: الموت. قال: فالآن إذاً. قال: فشمَّه شمة قبض روحه، قال: فجاء بعد ذلك إلى النّاس خفيّا.

وأخرج الحكيم الترمذي مرفوعاً: انَّ ملك الموت كان يأتي الناس عياناً حتّى جاء موسى فلطمه ففقأ عينه فصار يأتي النّاس بعد ذلك خفية. ذكره الشعراني في مختصر تذكرة القرطبي ص ٢٩.

____________________

١ - قال السيد الجردانى فى مصباح الظلام ج ٢ ص ٥٦: ان الله تعالى أعطى عليّاً علم البرزخ فلمّا مات عمر بن الخطاب رضى الله عنه جلس علي علىّ قبره ليسمع قوله للملكين، فلمّا دخلا عليه ارتعد منهما ثمّ اجاب فقالا له: نم. فقال: كيف أنام وقد أصابني منكما هذه الرعدة؟ وقد صحبت النبيّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم ولكن اشهد عليكما الله وملائكته ان لا تدخلا على مؤمن إلّا في أحسن صورة ففعلا. فقال له على بن ابى طالب: نم يا ابن الخطاب! فجزاك الله من المسلمين خيرا لقد نفعت الناس في حياتك ومماتك. اقرأ واضحك.

٢ - طبقات ابن سعد ٣: ٢٠٦، تاريخ بغداد ١٤: ٢١٥، تاريخ عمر لابن الجوزى ص ٩٩، كنز العمال ٦: ٣٣١.

٣ - راجع صحيح البخارى ١: ١٥٨ فى ابواب الجنائز، و ج ٢: ١٦٣ باب وفاة موسى، صحيح مسلم ٢: ٣٠٩ باب فضائل موسى، مسند احمد ١: ٣١٥، العرائس للثعلبي ص ١٣٩.

١٤٠

ينكرها ، فأخرج إليه معقلا ، فلمّا رآه عرف أنّه عين فاعترف بها ، وقال لابن زياد : إنّ مسلما نزل عليّ وأنا أخرجه من داري. فقال ابن زياد : ألم تكن عندك لي يد في فعل أبي زياد بأبيك وحفظه من معاوية؟ فقال له : ولتكن لك عندي يد أخرى بأن تحفظ من نزل بي ، وأنا زعيم لك أن أخرجه من المصر ، فضربه ابن زياد بسوطه حتّى هشم أنفه ، وأمر به إلى السجن(١) .

وروى أبو مخنف : إنّ ابن زياد لمّا أبلغه معقل بخبر هاني أرسل إليه محمّد بن الأشعث ، وأسماء بن خارجة وقال لهما : أتياني بهاني آمنا. فقالا : وهل أحدث حدثا؟ قال : لا. فأتياه به وقد رجّل غديرتيه يوم الجمعة فدخل عليه ، فقال ابن زياد له : أما تعلم أنّ أبي قتل هذه الشيعة غير أبيك؟ وأحسن صحبتك وكتب إلى أمير الكوفة يوصيه بك ، أفكان جزائي أن خبّأت في بيتك رجلا ليقتلني!؟ وذكر له ما أراده شريك من مسلم وما امتنع لأجله مسلم ، فقال هاني : ما فعلت. فأخرج ابن زياد عينه ، فلمّا رآه هاني علم أن وضح له الخبر ، فقال : أيّها الأمير ، قد كان الذي بلغك ولن أضيع يدك عندي أنت آمن وأهلك ، فسر حيث شئت ، فكبا عبيد الله ومهران قائم على رأسه وبيد هاني معكزة بها زجّ يتوكّأ عليها ، فقال مهران : واذلاّه! أهذا يؤمّنك وأهلك!؟ فقال عبيد الله : خذه ، فأخذ بضفيرتي هاني وقنّع وجهه ، فأخذ ابن زياد المعكزة فضرب بها وجه هاني ، وندر الزّجّ فارتزّ بالجدار ، ثمّ ضرب وجهه حتّى هشّم أنفه وجبينه ، وسمع الناس الهيعة ، فأطافت مذحج بالدار فخرج إليهم شريح القاضي ، فقال : ما به بأس ، وإنّما حبسه أميره ، وهو حي صحيح. فقالوا : لا بأس بحبس الأمير ، وجاءت أرباع مسلم بن عقيل فأطافوا بالقصر ، فخذلهم الناس(٢) كما تقدّم.

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٢٧٥.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٢٨٢.

١٤١

وبقي هاني عنده إلى أن قبض على مسلم فقتلهما وجرّهما بالأسواق.

وفي ذلك يقول عبد الله بن الزبير الأسدي :

إذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى هاني بالسوق وابن عقيل

إلى بطل قد هشم السيف وجهه

وآخر يهوي من طمار قتيل

ترى جسدا قد غيّر الموت لونه

ونضح دم قد سال كلّ مسيل

أيركب أسماء الهماليج آمنا

وقد طلبته مذحج بذحول

تطيف حواليه مراد وكلّهم

على رقبة من سائل ومسول

وكان قتل هاني يوم التروية سنة ستين مع مسلم بن عقيل ، ولكن مسلما قتله بكير بن حمران كما مرّ ، ورماه من القصر. وهاني أخرج إلى السوق التي يباع بها الغنم مكتوفا فجعل يقول : وا مذحجاه ولا مذحج لي اليوم ، وا مذحجاه وأين منّي مذحج؟ فلمّا رأى أنّ أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثمّ قال : أما من عصى أو سكّين أو حجر يجاحش به رجل عن نفسه ، فتواثبوا عليه وشدّوه وثاقا ، ثمّ قيل له مد عنقك ، فقال : ما أنا بها جد سخي ، وما أنا معينكم على نفسي ، فضربه رشيد التركي مولى عبيد الله فلم يصنع به شيئا. فقال هاني : إلى الله المعاد ، اللهمّ إلى رحمتك ورضوانك ، ثمّ ضربه أخرى فقتله ، ثمّ أمر ابن زياد برأسيهما فسيّرهما إلى يزيد مع هاني الوادعي والزبير التميمي. كما تقدّم في ترجمة مسلم.

قال أهل السير : ولمّا ورد نعيه ونعي مسلم إلى الحسينعليه‌السلام جعل يقول : « رحمة الله عليهما » يكرّر ذلك ثمّ دمعت عينه.

وقال الطبري : لمّا كان يوم خازر نظر عبد الرحمن بن حصين المرادي لرشيد فقال : قتلني الله إن لم أصله فأقتله أو أقتل دونه! فحمل عليه بالرمح فطعنه وقتله

١٤٢

ورجع إلى موقعه(١) .

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( غطيف ) : بالغين المعجمة والطاء المهملة والياء المثنّاة تحت والفاء مصغرا.

( مذحج ) : كمجلس قبيلة معروفة.

( بضع ) : بكسر الباء وسكون الضاد المعجمتين والعين المهملة وهو ما بين الاثنين والعشرة في المذكر وبضعة كذلك في المؤنّث. قيل : ولا يقال على ما فوق العشرة ، وقيل : يقال ولا يقال على ما فوقها ، فعلى الثاني يقال : بضع عشرة وبضع وعشرون ولا بضع ومائة دون الأوّل. فأمّا نيّف فهو من واحد إلى عشرة في المذكّر والمؤنّث.

( أرجل ) : أسرح. ( جمتي ) : الجمّة بالضم شعر الرأس. ( شكّتي ) : الشكّة بالكسر السلاح.

( أتتك بحائن رجلاه تسعى ) : الحائن الميّت من الحين بفتح الحاء وهو الموت ، وهذا مثل معروف أوّل من قاله المحرق لوافد البراجم.

( عبد الله بن الزبير ) : بفتح الزاء المعجمة غير مصغّر من بني أسد بن خزيمة كان يتشيّع.

( الهماليج ) : جمع هملاج وهو البرذون. ( يجاحش ) : يدافع.

( خازر ) : ـ بالخاء والزاء المعجمتين ثمّ الراء ـ نهر بين موصل وإربل كانت به الوقعة التي قتل بها إبراهيم بن مالك الأشتر عبيد الله بن زياد في أيّام المختار سنة ست وستين.

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٢٩٢ ، راجع الكامل : ٤ / ٣٦.

١٤٣

جنادة بن الحرث المذحجي المرادي السلماني الكوفي (١)

كان جنادة بن الحرث من مشاهير الشيعة ، ومن أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام . وكان خرج مع مسلم أوّلا ، فلمّا نظر الخذلان خرج إلى الحسينعليه‌السلام مع عمرو بن خالد الصيداوي وجماعة ، فمانعهم الحرّ ، ثمّ أخذهم الحسينعليه‌السلام فلمّا كان يوم الطف تقدّموا فأغلوا في صفوف أهل الكوفة حتّى أحاطوا بهم ، فانتدب لهم العبّاس فخلص إليهم وخلّصهم ، ولكنّهم أبوا أن يرجعوا سالمين ويروا عدوّا فقتلوا في مكان واحد بعد أن قاتلوا قتال الأسد اللوابد.

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( جنادة ) : بالجيم والنون والألف والدال المهملة وبعدها الهاء ، ويصحّف بجبّار وحيّان ، ولكن المضبوط ذلك.

( السلماني ) : نسبة إلى سلمان ، وهم بطن من مراد ، ومراد بطن من مذحج كما ذكره أهل النسب.

واضح التركي مولى الحرث المذحجي السلماني (٢)

كان واضح غلاما تركيّا شجاعا قارئا ، وكان للحرث السلماني. فجاء مع جنادة

__________________

(١) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : ٩٩ ، الرقم ٩٦٨.

(٢) قال الخوارزمي : كان الغلام التركي من موالي الحسينعليه‌السلام ، قارئا للقرآن ، عارفا بالعربيّة ، وقد وضع الحسين خدّه على خدّه حين صرع فتبسّم. راجع مقتل الحسينعليه‌السلام : ٢ / ٢٤.

١٤٤

ابن الحرث للحسينعليه‌السلام كما ذكره صاحب الحدائق الورديّة(١) .

والذي أظنّ أنّ واضحا هذا هو الذي ذكر أهل المقاتل أنّه برز يوم العاشر إلى الأعداء فجعل يقاتلهم راجلا بسيفه وهو يقول :

البحر من ضربي وطعني يصطلي

والجو من عثير نقعي يمتلي

إذا حسامي في يميني ينجلي

ينشق قلب الحاسد المبجلي

قالوا : ولمّا قتل استغاث ، فانقضّ عليه الحسينعليه‌السلام واعتنقه وهو يجود بنفسه فقال : من مثلي وابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واضع خدّه على خدّي ، ثمّ فاضت نفسهرضي‌الله‌عنه (٢) .

مجمع بن عبد الله العائذي (٣)

هو مجمع بن عبد الله بن مجمع بن مالك بن إياس بن عبد مناة بن عبيد الله بن سعد العشيرة المذحجي العائذي.

كان عبد الله بن مجمع العائذي صحابيّا ، وكان ولده مجمع تابعيّا من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ذكرهما أهل الأنساب والطبقات.

وكان مجمع وابنه الآتي ذكره جاءا مع عمرو بن خالد الصيداوي إلى الحسينعليه‌السلام فمانعهم الحرّ وأخذهم الحسين كما تقدّم ذلك.

قال أبو مخنف : لمّا مانع الحرّ مجمعا وابنه وعمرا وجنادة ، ثمّ أخذهم الحسينعليه‌السلام ومنعهم ، سألهم الحسين عن الناس بالكوفة فقالعليه‌السلام : « أخبروني خبر

__________________

(١) الحدائق الورديّة : ١٢٢.

(٢) المناقب : ٤ / ١٠٤ ، راجع البحار : ٤ / ١٠٤ و ٤٥ / ٣٠.

(٣) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : ١٠٥ ، الرقم ١٠٤٤.

١٤٥

الناس وراءكم »؟ فقال له مجمّع بن عبد الله : أمّا أشراف الناس فقد عظمت رشوتهم ، وملئت غرائرهم ، يستمال بذلك ودّهم ، وتستخلص به نصيحتهم ، فهم ألب واحد عليك ، وأمّا سائر الناس بعد ، فإنّ أفئدتهم تهوي إليك ، وسيوفهم غدا مشهورة عليك ، فقالعليه‌السلام له : « أخبرني فهل لك علم برسولي إليكم »؟ قال : من هو؟ فقال : قيس بن مسهّر. قال : نعم ، أخذه الحصين بن تميم(١) إلى آخر ما تقدّم في ترجمة قيس.

وقال أهل السير والمقاتل : قتل مجمع مع عمرو بن خالد وأصحابهما في اليوم العاشر في مكان واحد ، كما تقدّم في ترجمة عمرو وجنادة. وسيأتي في ترجمة عائذ.

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( غرائرهم ) : الغرائر بالغين المعجمة والراء المهملة جمع غرارة بكسر الغين وهي الجوالق.

( الب ) : يقال هم عليه ألب واحد بفتح الهمزة وكسرها ، أي مجتمعون على الظلم والعداوة.

عائذ بن مجمع بن عبد الله المذحجي العائذي

كان عائذ بن مجمع خرج مع أبيه إلى الحسينعليه‌السلام فلقياه في الطريق ومانعهما الحرّ مع أصحابهما فمنعهم منه الحسينعليه‌السلام كما تقدّم ذلك.

قال أهل السير : وكانوا أربعة نفر ، وهم : عمرو بن خالد ، وجنادة ، ومجمع وابنه ، وواضح مولى الحرث ، وسعد مولى عمرو بن خالد ، فكأنّهم لم يعدوا الموليين

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٠٨.

١٤٦

واضحا وسعدا كما لم يعدّوا الطرماح دليلهم.

وقال صاحب الحدائق : قتل عائذ في الحملة الأولى(١) .

وقال غيره : قتل مع أبيه في مكان واحد كما تقدّم ، وذلك قبل الحملة الأولى في أوّل القتال ، كما وضح لك ممّا تلوناه عليك.

نافع بن هلال الجملي (٢)

هو نافع بن هلال بن نافع بن جمل بن سعد العشيرة بن مذحج المذحجي الجملي ، كان نافع سيّدا شريفا سريا شجاعا ، وكان قارئا كاتبا من حملة الحديث ومن أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام وحضر معه حروبه الثلاث في العراق وخرج إلى الحسينعليه‌السلام فلقيه في الطريق وكان ذلك قبل مقتل مسلم ، وكان أوصى أن يتبع بفرسه المسمّى بالكامل ، فأتبع مع عمرو بن خالد وأصحابه الذين ذكرناهم.

قال ابن شهرآشوب : لما ضيّق الحر على الحسينعليه‌السلام خطب أصحابه بخطبته التي يقول فيها : « أمّا بعد ، فقد نزل من الأمر ما قد ترون وأنّ الدنيا قد تنكرت وأدبرت » إلخ. قام إليه زهير فقال : قد سمعنا هداك الله مقالتك إلخ. ثمّ قام نافع فقال : يا بن رسول الله ، أنت تعلم أنّ جدّك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقدر أن يشرب الناس محبّته ، ولا أن يرجعوا إلى أمره ما أحب ، وقد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر ، ويضمرون له الغدر ، يلقونه بأحلى من العسل ، ويخلفونه بأمر من الحنظل حتّى قبضه الله إليه ، وأنّ أباك عليّا قد كان في مثل ذلك ، فقوم قد أجمعوا على نصره ، وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقوم خالفوه حتّى أتاه أجله ومضى إلى رحمة الله

__________________

(١) الحدائق الورديّة : ١٢٢.

(٢) عدّه الشيخ في أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام ، راجع رجال الشيخ : ١٠٦ ، الرقم ١٠٥١.

١٤٧

ورضوانه ، وأنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة ، فمن نكث عهده وخلع نيّته فلن يضرّ إلاّ نفسه والله مغن عنه ، فسر بنا راشدا معافى ، مشرّقا إن شئت وإن شئت مغرّبا ، فو الله ما أشفقنا من قدر الله ، ولا كرهنا لقاء ربّنا ، فإنّا على نيّاتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ونعادي من عاداك(١) . ثمّ قام برير فقال ما تقدّم في ترجمته.

وقال الطبري : منع الماء في الطف على الحسينعليه‌السلام فاشتدّ عليه وعليه وعلى أصحابه العطش ، فدعا أخاه العباس ، فبعثه في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ، وأصحبهم عشرين قربة ، فجاءوا حتّى دنوا من الماء ليلا واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال فحسّ بهم عمرو بن الحجاج الزبيدي ـ وكان حارس الماء ـ فقال : من؟ قال : من بني عمّك. فقال : من أنت؟ قال : نافع بن هلال. فقال : ما جاء بك؟ قال : جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه ، قال : اشرب هنيئا. قال : لا والله لا أشرب منه قطرة والحسين عطشان ومن ترى من أصحابه. فطلعوا عليه ، فقال : لا سبيل إلى سقي هؤلاء ، إنّما وضعنا بهذا المكان لنمنع الماء. فلمّا دنا أصحابه منه قال : املئوا قربكم.

فنزلوا فملئوا قربهم ، فثار عمرو بن الحجّاج وأصحابه ، فحمل عليهم العبّاس بن عليعليه‌السلام ونافع بن هلال الجملي ففرّقوهم وأخذوا أصحابهم ، وانصرفوا إلى رحالهم ، وقد قتلوا منهم رجالا(٢) .

وقال أبو جعفر الطبري : لمّا قتل عمرو بن قرظة الأنصاري جاء أخوه علي وكان مع ابن سعد ليأخذ بثأره فهتف بالحسينعليه‌السلام ـ كما سيأتي في ترجمة عمرو ـ فحمل عليه نافع بن هلال فضربه بسيفه فسقط وأخذه أصحابه فعولج فيما بعد وبرئ(٣) .

__________________

(١) لم أعثر عليه في المناقب ، راجع البحار : ٤٤ / ٣٨١.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٣١٢.

(٣) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٤.

١٤٨

ثمّ جالت الخيل التي منعت عليّا فردّها نافع عن أصحابه وكشفها عن وجوههم.

وحدّث يحيى بن هاني بن عروة المرادي(١) أنّه لمّا جالت الخيل بعد ضرب نافع عليّا ، حمل عليها نافع بن هلال فجعل يضرب بها قدما وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن الجملي

ديني على دين حسين بن علي

فقال له مزاحم بن حريث : إنّا على دين فلان. فقال له نافع : أنت على دين الشيطان ، ثمّ شدّ عليه بسيفه ، فأراد أن يولّي ولكن السيف سبق ، فوقع مزاحم قتيلا ، فصاح عمرو بن الحجّاج أتدرون من تقاتلون!؟ لا يبرز إليهم منكم أحد.

وقال أبو مخنف : كان نافع قد كتب اسمه على أفواق نبله ، فجعل يرمي بها مسمومة وهو يقول :

أرمي بها معلمة أفواقها

مسمومة تجري بها أخفاقها

ليملأنّ أرضها رشاقها

والنفس لا ينفعها إشفاقها

فقتل اثني عشر رجلا من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح حتّى إذا فنيت نباله ، جرّد فيهم سيفه فحمل عليهم وهو يقول :

أنا الهزبر الجملي

أنا على دين علي

فتواثبوا عليه وأطافوا به يضاربونه بالحجارة والنصال حتّى كسروا عضديه ، فأخذوه أسيرا ، فأمسكه الشمر بن ذي الجوشن ، ومعه أصحابه يسوقونه حتّى أتى به عمر بن سعد ، فقال له عمر : ويحك يا نافع ما حملك على ما صنعت بنفسك! قال : إنّ ربّي يعلم ما أردت. فقال له رجل وقد نظر الدماء تسيل على لحيته : أما ترى ما بك؟ قال : والله لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا سوى من جرحت وما ألوم نفسي على الجهد ، ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني ، فقال شمر لابن سعد : اقتله

__________________

(١) لاحظ ترجمته في تهذيب الكمال ٣٢ / ١٨ ، تحت رقم ٦٩٣٦.

١٤٩

أصلحك الله! قال : أنت جئت به ، فإن شئت فاقتله. فانتضى شمر سيفه ، فقال له نافع : أما والله لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا ، فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه ، ثمّ قتله(١) رضوان الله عليه ولعنته على قاتليه.

وفيه أقول :

ألا ربّ رام يكتب السهم نافعا

ويعني به نفعا لآل محمد

إذا ما أرنت قوسه فاز سهمها

بقلب عدو أو جناجن معتد

فلو ناضلوه ما أطافوا بغابه

ولكن رموه بالحجار المحدد

فأضحى خضيب الشيب من دم رأسه

كسير يد ينقاد للأسر عن يد

وما وجدوه واهنا بعد أسره

ولكن بسيما ذي براثن ملبد

فإن قتلوه بعد ما ارتث صابرا

فلا فخر في قتل الهزبر المخضد

ولو بقيت منه يد لم يقد لهم

ولم يقتلوه لو نضا لمهنّد

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( نافع ) : يجري على بعض الألسن ويمضى في بعض الكتب هلال بن نافع وهو غلط على ضبط القدماء.

( الجملي ) : منسوب إلى جمل بطن من مذحج. ويمضى على الألسن ، وفي الكتب البجلي وهو غلط واضح.

( حلأتمونا ) : يقال حلأ الناقة عن الورد ، أي : منعها وذادها عنه.

( أفواق ) : جمع فوق بضم الفاء وهو موضع الوتر من السهم.

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٨ بتفاوت في النقل وسقط في بعض العبارات.

١٥٠

( أخفاق ) : الصرع يقال : أخفق زيد عمرا في الحرب أي صرعه ، فكأن النبل يجري بها الصرع.

( الرشاق ) : جمع رشيق وهو السهم اللطيف. ( الإشفاق ) : الخوف.

( ناضلوه ) : راموه بالسهام. ( براثن ) : جمع برثن كقنفذ وهو مخلب الأسد.

( الملبّد ) : الأسد ذي اللبد. ( المخضّد ) : المكسّر. ( نضا ) : جرّد.

الحجّاج بن مسروق (١) بن جعف بن سعد العشيرة المذحجي الجعفي

كان الحجّاج من الشيعة ، صحب أمير المؤمنينعليه‌السلام في الكوفة ، ولمّا خرج الحسينعليه‌السلام إلى مكّة خرج من الكوفة إلى مكّة لملاقاته فصحبه ، وكان مؤذّنا له في أوقات الصلوات.

قال صاحب خزانة الأدب الكبرى : لمّا ورد الحسينعليه‌السلام قصر بني مقاتل رأى فسطاطا مضروبا ، فقال : لمن هذا؟ فقيل : لعبيد الله بن الحر الجعفي. فأرسل إليه الحجّاج بن مسروق الجعفي ، ويزيد بن مغفل(٢) الجعفي فأتياه وقالا : إنّ أبا عبد الله يدعوك. فقال لهما : أبلغا الحسينعليه‌السلام أنّه إنّما دعاني من الخروج إلى الكوفة حين بلغني أنّك تريدها فرار من دمك ودماء أهل بيتك ، ولئلاّ أعين عليك ، وقلت إن قاتلته كان عليّ كبيرا وعند الله عظيما ، وإن قاتلت معه ولم أقتل بين يديه كنت قد ضيّعته ، وإن قتلت فأنا رجل أحمى أنفا من أن أمكّن عدوي فيقتلني ضيعة ، والحسين ليس له ناصر بالكوفة ولا شيعة يقاتل بهم. فأبلغ الحجّاج وصاحبه قول عبيد الله إلى الحسينعليه‌السلام فعظم عليه ، ودعا بنعليه ثمّ أقبل يمشي حتّى دخل على عبيد الله بن

__________________

(١) في الإرشاد ٢ / ٧٨ : مسرور بدل مسروق.

(٢) في المصدر : معقل.

١٥١

الحر فسطاطه فأوسع له عن صدر مجلسه واستقبله إجلالا وجاء به حتّى أجلسه.

قال يزيد بن مرّة : فحدّثني عبيد الله بن الحر قال : دخل عليّ الحسينعليه‌السلام ولحيته كأنّها جناح غراب! فما رأيت أحدا قط أحسن ولا أملأ للعين منه ، ولا رققت على أحد قطّ رقّتي عليه حين رأيته يمشي وصبيانه حوله ، فقال الحسينعليه‌السلام : ما يمنعك يا ابن الحرّ أن تخرج معي!؟ فقال ابن الحرّ : لو كنت كائنا مع أحد الفريقين لكنت معك ، ثمّ كنت من أشدّ أصحابك على عدوّك ، فأنا أحبّ أن تعفيني من الخروج معك ، ولكن هذه خيل لي معدّة وأدلاّء من أصحابي ، وهذه فرسي المحلقة فو الله ما طلبت عليها شيئا قط إلاّ أدركته ولا طلبني أحد إلاّ فتّه ، فاركبها حتّى تلحق بمأمنك وأنا لك ضمين بالعيالات حتّى أدّيهم إليك أو أموت وأصحابي عن آخرهم دونهم وأنا كما تعلم إذا دخلت في أمر لم يضمني فيه أحد.

قال الحسينعليه‌السلام : « أفهذه نصيحة لنا منك يا ابن الحر »؟ قال : نعم ، والله الذي لا شيء فوقه! فقال له الحسينعليه‌السلام : « إنّي سأنصح لك كما نصحت لي إن استطعت أن لا تسمع صراخنا ؛ ولا تشهد واعيتنا فافعل ، فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا إلاّ أكبّه الله في نار جهنّم ».

ثمّ خرج الحسينعليه‌السلام من عنده(١) وعليه جبّة خزّ وكساء وقلنسوة مورّدة ومعه صاحباه الحجّاج ويزيد وحوله صبيانه فقمت مشيعا له وأعدت النظر إلى لحيته ، فقلت : أسواد ما أرى أم خضاب؟ فقالعليه‌السلام : « يا ابن الحرّ عجّل عليّ الشيب » فعرفت أنّه خضاب وودّعته(٢) .

وقال ابن شهرآشوب وغيره : لمّا كان اليوم العاشر من المحرّم ووقع القتال تقدّم

__________________

(١) في المتن من عنده ، والظاهر أنّها : من عندي.

(٢) خزانة الأدب : ٢ / ١٥٨ ، راجع الأخبار الطوال : ٢٥٠ ، والإرشاد : ٢ / ٨١.

١٥٢

الحجّاج بن مسروق الجعفي إلى الحسينعليه‌السلام واستأذنه في القتال ، فأذن له ثمّ عاد إليه وهو مخضّب بدمائه فأنشده :

فدتك نفسي هاديا مهديا

اليوم ألقى جدّك النبيّا

ثمّ أباك ذا الندى عليّا

ذاك الذي نعرفه الوصيّا

فقال له الحسينعليه‌السلام : « نعم ، وأنا ألقاهما على أثرك » ، فرجع يقاتل حتّى قتلرضي‌الله‌عنه (١) .

يزيد بن مغفل (٢) بن جعف بن سعد العشيرة المذحجي الجعفي

كان يزيد بن مغفل أحد الشجعان من الشيعة والشعراء المجيدين ، وكان من أصحاب عليعليه‌السلام حارب معه في صفّين ، وبعثه في حرب الخريت من الخوارج. فكان على ميمنة معقل بن قيس عند ما قتل الخريت. كما ذكره الطبري(٣) .

وقال المرزباني في معجم الشعراء : كان من التابعين وأبوه من الصحابة.

وروى صاحب الخزانة : أنّه كان مع الحسينعليه‌السلام في مجيئه من مكّة وأرسله مع الحجّاج الجعفي إلى عبيد الله بن الحر(٤) كما ذكرته في ترجمة الحجّاج.

وذكر أهل المقاتل والسير أنّه لمّا التحم القتال في اليوم العاشر استأذن يزيد بن مغفل الحسينعليه‌السلام في البراز فأذن له ، فتقدّم وهو يقول :

أنا يزيد وأنا ابن مغفل

وفي يميني نصل سيف منجل

أعلو به الهامات وسط القسطل

عن الحسين الماجد المفضل

__________________

(١) المناقب : ٤ / ١٠٣ بتفاوت.

(٢) في اللهوف ١٦٠ : يزيد بن معقل.

(٣) راجع الكامل : ٤ / ٢٩٢.

(٤) راجع خزانة الأدب : ٢ / ١٥٨.

١٥٣

ثمّ قاتل حتّى قتل.

وقال المرزباني في معجمه : إنّه لمّا جدّ القتال تقدّم وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن مغفل

شاك لدى الهيجاء غير أعزل

وفي يميني نصل سيف منصل

أعلو به الفارس وسط القسطل

قال : فقاتل قتالا لم ير مثله حتّى قتل جماعة ، ثمّ قتلرضي‌الله‌عنه (١) .

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( جعف ) : بضم الجيم وسكون العين المهملة ثمّ الفاء بطن من سعد العشيرة.

( مغفل ) : بوزن مكرم بالغين والفاء المعجمتين ثمّ اللام.

( القسطل ) : العجاج في الحرب من المصادمة والمكافحة.

__________________

(١) لم أعثر عليه في معجم الشعراء.

١٥٤

المقصد الخامس

في الأنصار

من أنصار الحسينعليه‌السلام

عمرو بن قرظة الأنصاري

هو عمرو بن قرظة بن كعب بن عمرو بن عائذ بن زيد مناة بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج ، الأنصاري الخزرجي الكوفي.

كان قرظة(١) من الصحابة الرواة. وكان من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، نزل الكوفة ، وحارب مع أمير المؤمنينعليه‌السلام في حروبه ، وولاّه فارس. وتوفي سنة إحدى وخمسين. وهو أوّل من نيح عليه بالكوفة ، وخلّف أولادا أشهرهم عمرو ، وعلي ، أمّا عمرو فجاء إلى أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام أيّام المهادنة في نزوله بكربلاء قبل الممانعة ، وكان الحسينعليه‌السلام يرسله إلى عمر بن سعد في المكالمة التي دارت بينهما قبل إرسال شمر بن ذي الجوشن ، فيأتيه بالجواب حتّى كان القطع بينهما بوصول شمر ، فلمّا كان اليوم العاشر من المحرّم استأذن الحسينعليه‌السلام في القتال ثمّ برز وهو يقول :

__________________

(١) قال ابن حجر : قرظة بن كعب بن ثعلبة الأنصاري ، صحابي شهد الفتوح بالعراق ، ومات في حدود الخمسين على الصحيح. راجع تقريب التهذيب : ٢ / ١٢٤ ، الرقم ٩٨.

١٥٥

قد علمت كتائب الأنصار

إنّي سأحمي حوزة الذمار

فعل غلام غير نكس شار

دون حسين مهجتي وداري(١)

قال الشيخ ابن نما : عرّض بقوله ( دون حسين مهجتي وداري ) بعمر بن سعد فإنّه لمّا قال له الحسينعليه‌السلام صر معي ، قال : أخاف على داري ، فقال الحسينعليه‌السلام له : « أنا أعوّضك عنها ، قال : أخاف على مالي ، فقال له : أنا أعوّضك عنه من مالي بالحجاز » فتكرّه انتهى(٢) كلامه.

ثمّ إنّه قاتل ساعة ورجع للحسينعليه‌السلام فوقف دونه ليقيه من العدو.

قال الشيخ ابن نما : فجعل يلتقي السهام بجبهته وصدره فلم يصل إلى الحسينعليه‌السلام سوء حتّى أثخن بالجراح ، فالتفت إلى الحسينعليه‌السلام فقال : أوفيت يا ابن رسول الله؟

قال : « نعم ، أنت أمامي في الجنّة ، فاقرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله السلام وأعلمه أنّي في الأثر » ، فخرّ قتيلا رضوان الله عليه(٣) .

وأمّا علي فخرج مع عمر بن سعد ، فلمّا قتل أخوه عمرو ، برز من الصف ونادى يا حسين يا كذّاب أغررت أخي وقتلته؟ فقال له الحسينعليه‌السلام : « إنّي لم أغرّ أخاك ولكن هداه الله وأضلّك » ، فقال علي : قتلني الله إن لم أقتلك أو أموت دونك ، ثمّ حمل على الحسينعليه‌السلام فاعترضه نافع بن هلال فطعنه حتّى صرعه ، فحمل أصحابه عليه واستنقذوه فدووي بعد فبرئ(٤) . ولعليّ هذا دون أخيه الشهيد ترجمة في كتب القوم ورواية عنه ومدح فيه!!

__________________

(١) راجع المناقب : ٤ / ١٠٥.

(٢) مثير الأحزان : ٦١.

(٣) مثير الأحزان : ٦١ ، راجع اللهوف : ١٦٢.

(٤) راجع تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٤.

١٥٦

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( قرظة ) : بالحركات الثلاث على القاف والراء المهملة والظاء المعجمة ، ويمضى في بعض الكتب قرطة بالطاء المهملة وهو تصحيف.

( شار ) : الشاري الباذل نفسه في سبيل الله ، مأخوذ من قوله تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) (١) .

عبد الرحمن بن عبد ربّ الأنصاري الخزرجي (٢)

كان صحابيّا ، له ترجمة ورواية ، وكان من مخلصي أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام .

قال ابن عقدة : حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن إسحاق الراشدي ، عن محمّد بن جعفر النميري ، عن علي بن الحسن العبدي ، عن الأصبغ بن نباتة قال : نشد عليعليه‌السلام الناس في الرحبة من سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم غدير خمّ ما قال إلاّ قام ولا يقوم إلاّ من سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ، فقام بضعة عشر رجلا فيهم أبو أيّوب الأنصاري ، وأبو عمرة ابن عمرو بن محصن ، وأبو زينب ، وسهل بن حنيف ، وخزيمة بن ثابت ، وعبد الله بن ثابت ، وحبشي بن جنادة السلولي ، وعبيد بن عازب ، والنعمان بن عجلان الأنصاري ، وثابت بن وديعة الأنصاري ، وأبو فضالة الأنصاري ، وعبد الرحمن بن عبد ربّ الأنصاري ، فقالوا : نشهد أنّا سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « ألا إنّ الله عزّ وجلّ وليّي وأنا وليّ المؤمنين ، ألا فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ٢٠٧.

(٢) عدّه الشيخ الطوسي فيمن روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : ٧٤ ، الرقم ٦٩٨.

١٥٧

عاداه وأحبّ من أحبّه وابغض من أبغضه وأعن من أعانه »(١) .

وذكر في أسد الغابة(٢) ذلك وكرّره في مواضع الذين قاموا من الصحابة.

وقال في الحدائق : وكان علي بن أبي طالبعليه‌السلام هو الذي علّم عبد الرحمن هذا القرآن وربّاه(٣) .

وكان عبد الرحمن جاء معه فيمن جاء من مكّة وقتل بين يديه في الحملة الأولى.

وقال السروي : أنّه قاتل وقتلرضي‌الله‌عنه (٤) .

نعيم بن العجلان الأنصاري الخزرجي (٥)

كان النضر والنعمان ونعيم إخوة من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولهم في صفين(٦) مواقف فيها ذكر وسمعة ، وكانوا شجعاء شعراء. مات النضر والنعمان ، وبقي نعيم في الكوفة ، فلمّا ورد الحسينعليه‌السلام إلى العراق خرج إليه وصار معه ، فلمّا كان اليوم العاشر تقدّم إلى القتال فقتل في الحملة الأولى.

جنادة بن كعب بن الحرث الأنصاري الخزرجي

كان جنادة ممّن صحب الحسينعليه‌السلام من مكّة وجاء معه هو وأهله ، فلمّا كان يوم الطف تقدّم إلى القتال فقتل في الحملة الأولى.

__________________

(١) راجع الغدير : ٢ / ٤٩.

(٢) أسد الغابة : ٣ / ٣٠٧.

(٣) الحدائق الورديّة : ١٢٢.

(٤) المناقب : ٤ / ١١٣ ، وفيه : عبد الرحمن الأرحبي.

(٥) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : ١٠٦ ، الرقم : ١٠٥٠.

(٦) راجع وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ص ٣٨٠ و ٥٠٧.

١٥٨

عمر بن جنادة بن كعب بن الحرث الأنصاري الخزرجي

كان عمر غلاما جاء مع أبيه وأمّه ، فأمرته أمّه بعد أن قتل أبوه في الحرب ، فوقف أمام الحسينعليه‌السلام يستأذنه فلم يأذن له ، فأعاد عليه الاستئذان.

قال أبو مخنف : فقال الحسين : « إنّ هذا غلام قتل أبوه في المعركة ولعلّ أمّه تكره ذلك ». فقال الغلام : إنّي أمّي هي التي أمرتني. فأذن له فتقدّم إلى الحرب فقتل وقطع رأسه ورمي به إلى جهة الحسين ، فأخذته أمّه وضربت به رجلا فقتلته ، وعادت إلى المخيّم فأخذت عمودا لتقاتل به فردّها الحسينعليه‌السلام (١) .

سعد بن الحرث الأنصاري العجلاني

وأخوه

أبو الحتوف بن الحرث الأنصاري العجلاني

كانا من أهل الكوفة ومن المحكّمة فخرجا مع عمر بن سعد إلى قتال الحسينعليه‌السلام . قال صاحب الحدائق : فلمّا كان اليوم العاشر ، وقتل أصحاب الحسين فجعل الحسين ينادي : « ألا ناصر فينصرنا » ، فسمعته النساء والأطفال ، فتصارخن وسمع سعد وأخوه أبو الحتوف النداء من الحسينعليه‌السلام والصراخ من عياله فمالا بسيفيهما مع الحسين على أعدائه فجعلا يقاتلان حتّى قتلا جماعة وجرحا آخرين ، ثمّ قتلا معا(٢) .

__________________

(١) راجع مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم : ٢٥٣ ، وأورده في المقتل المنسوب لأبي مخنف ص ١١٢ بتفاوت وفيه بعنوان الغلام الذي أسلم.

(٢) الحدائق الورديّة : ١٢٢. وفيه : وقد أصابا في أصحاب عمر بن سعد ثلاثة نفر.

١٥٩
١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303