ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام18%

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام مؤلف:
المحقق: محمد جعفر الطبسي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 303

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 303 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127974 / تحميل: 6784
الحجم الحجم الحجم
ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ملكوتي يصاحبه، فإلامامة بحسب الباطن نحو ولاية للناس في أعمالهم»(١) .

وبهذه الولاية التكوينية يستطيع الهادي الى الله بأمره أن يتصرّف بالأسباب ويصل الى حقائق وبواطن العباد فيعطيهم من حقائق الهداية ما يناسبهم، وهذا التصرّف هو الذي ساقنا إليه التدبر في الآيات الناصة على وجود شهيد في كل زمان على أهل عصره.

الهادي منصوب من الله.

وبالرجوع ثانية الى القرآن الكريم نجده يصرّح بأن الذي يكون هادياً للناس بأمر الله تبارك وتعالى هو الإمام المنصوب لذلك من قبل الله تعالى كما هو واضحٌ من قوله تعالى:( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ) (٢) .

وفي هذا تأكيد لما دلّت عليه آيات الإمامة وأنها عهد إلهي يجعله الله فيمن يختاره من عباده، كما أشرنا لذلك في الحديث عن آيات سورة الاسراء وصفات الإمام.

نعود للآية مورد البحث من سورة الرعد فهي تصرّح بأنه (لكل قوم هاد)على نحو الإطلاق ومصداق الهادي المراد فيها لا يمكن أن يكون أحد الكتب السماوية للسبب نفسه الذي أوردناه في معرفة مصداق «الإمام» في آية سورة الإسراء، كما لا يمكن حصر المصداق بالنبي لما قلنا من أنه يخرج الفترات التي ليس فيها نبي من حكم الآية وهذا خلاف ظاهر الآية العام الذي يشمل جميع الأزمان.

كما لا يمكن أن يكون المصداق المقصود في الآية هو الله سبحانه وتعالى; لأن هدايته تشمل جميع الأزمنة دونما تخصيص بقوم دون قوم، وهذا خلاف ظاهر الآية، خاصة وأن لفظة «هاد» جاءت بصيغة النكرة، الأمر الذي يفيد تعدد الهداة.

ـــــــــــ

(١) تفسير الميزان: ١/٢٧٢.

(٢) الأنبياء (٢١): ٧٣ .

٦١

يُضاف الى كل ذلك أن الهداية الإلهية للناس تكون بواسطة هداة من أنفسهم مرتبطين به تبارك وتعالى يتلقون منه الهداية وينقلونها الى عباده، وهؤلاء هم المهتدون بأنفسهم منه تبارك وتعالى دونما واسطة كما تقدم في تفسير آية سورة يونس وهم الذين يهدون بأمره تعالى. وهم الأئمة المنصوبون للهداية بأمره تعالى كما تقدم حيث لم يرد في القرآن الكريم وصف الهداية بأمره إلاّ في موردين اقترن فيهما بوصفي «الأئمة» وإختيارهم لذلك من قبل الله تعالى، والموردان هما آية سورة الأنبياء المتقدمة وآية سورة السجدة:( وجعلنا منهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا ) (١)

وتكون النتيجة المتحصلة من التدبر في الآية الكريمة مورد البحث هي حتمية وجود إمام هاد الى الله بأمره تبارك وتعالى منصوب لذلك من قبله عزّ وجلّ في كل عصر فلا تخلو الأرض منه سواء أكان نبيّاً أو غير نبي.

وحيث إن مثل هذا الشخص غير ظاهر في عصرنا الحاضر; إذ لا يوجد بين المسلمين ـ من أي فرقة كانت ـ مَن يقول بوجود إمام ظاهر هاد بأمر الله منصوب من قبله تعالى ورد النص عليه ممّن قوله حجة إلهية كما تقدم في البحث عن آية سورة الإسراء; لذا فلا مناص من القول بغيبته واستتاره، وقيامه بمهام الإمامة والهداية مستتراً بأستار الغيبة، فيكون الانتفاع به مثل الانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب كما ورد في الأحاديث الشريفة(٢) . وهذا ما تقول به مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام في الامام المهدي وغيبته.

الفصل الرابع: المهدي الموعود وغيبته في المتفق عليه من السُنّة

الى جانب الآيات الكريمة المتقدمة توجد بين أيدينا الكثير من الأحاديث الشريفة التي صحت روايتها عند أهل السنة والشيعة عن سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطرق كثيرة، تؤكد دلالات الطائفة المتقدمة من الآيات الكريمة وتفصل مجملاتها وتكمل الصورة التي ترسمها فيما يرتبط بالدلالة على وجود الإمام المهدي الموعودعليه‌السلام بالفعل وغيبته وتصرح بالمصداق الذي دلت عليه الآيات الكريمة بذكر صفاته العامة.

ـــــــــــ

(١) السجدة (٣٢): ٢٤ .

(٢) راجع الحديث الذي يرويه جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المروي في كمال الدين: ١ / ٢٥٣ وكفاية الأثر : ٥٣ وغيرهما .

٦٢

ونختار هنا نماذج من الأحاديث الشريفة المتواترة أو المستفيضة المروية بأسانيد صحيحة عند أهل السنة والمروية في الكتب الستة المعتمدة عندهم لأن الاحتجاج بها أبلغ، ولأن تفسيرها وتقديم المصداق المعقول لها غير ممكن إلا على ضوء عقيدة أهل البيت في المهدي المنتظرعليه‌السلام فيما يرتبط بعصرنا الحاضر خاصة; ولأن الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قد صرح في هذه الأحاديث المختارة بالأهمية القصوى التى تحظى بها مضامينها كما سنرى.

١ ـ حديث الثقلين ، وهو من الأحاديث المتواترة، رواه حفاظ أهل السنة والشيعة بأسانيد صحيحة عن جم غفير من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عدَّ ابن حجر ـ من علماء أهل السنة ـ أكثر من عشرين منهم في كتابه الصواعق المحرقة(١) وعدَّ غيره من حفّاظ أهل السنة أكثر من ثلاثين صحابياً كما في سنن الترمذي(٢) ، وألّف الحافظ أبو الفضل المقدسي المعروف بابن القيسراني ـ وهو من كبار حفّاظ أهل السنّة ـ كتاباً خاصاً عن طرق هذا الحديث الشريف(٣) . كما أثبتت العديد من الدراسات الحديثية تواتره بما لا يدع أي مجال للنقاش أو التشكيك، نظير ما فعل العلامة المتتبع المير حسين حامد الموسوي في موسوعة عبقات الأنوار وغيره من العلماء(٤) .

ويتضح من روايات هذا الحديث الشريف أن النبي المكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد كرر مضمونه بعبارات وألفاظ متقاربة في عدة مناسبات، منها في يوم عرفة من حجة الوداع، وموقف يوم الغدير في طريق عودته منها وبعد انصرافه من الطائف، وفي الجحفة، وفي خطبة له في مسجده بالمدينة بعد عودته من هذه الحجة، وفي حجرته أيام مرضهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد امتلأت الحجرة بالصحابة(٥) . وكل ذلك يكشف عن أهمية الوصية النبوية التي تضمنها الحديث بالنسبة للإسلام

ـــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة : ١٥٠ من الطبعة المصرية وقد صرح ابن حجر بتواتره.

(٢) سنن الترمذي: ٥/ ٦٢١ ـ ٦٢٢ ـ مناقب أهل بيت النبي باب ٣٢.

(٣) أهل البيت في المكتبة العربية للسيد عبدالعزيز الطباطبائي : ٢٧٧ ـ ٢٧٩.

(٤) أصدرت دار التقريب الإسلامية في مصر رسالة مفصلة ألفها أحد أعضاء الدار عن هذا الحديث استوفى فيها أسانيد الحديث في الكتب المعتمدة عند أهل السنة.

(٥) الصواعق المحرقة لابن حجر: ١٤٨، أهل البيت في المكتبة العربية : ٢٧٩.

٦٣

والمسلمين وإلا لما أولاها ـ وهو الحريص على المؤمنين الرؤوف الرحيم بهم ـ كل هذا الاهتمام في التكرار والتبليغ في تلك المواطن المهمة التي تجمع أكبر عدد من المسلمين، خاصة وأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يبادر لإعلان هذه الوصية ويؤكدها على الملأ العام دون أن ينتظر مَن يسأله عنها.

ويستفاد من بعض الروايات أن مضمون الوصية التي تضمنها هذا الحديث الشريف، هو الذي أراد رسول الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتابته للمسلمين في الأيام الأخيرة من حياته المباركة عندما طلب أن يأتوه بكتف ودواة ليملي عليهم وصية لكي لا يضلوا بعده، كما ورد في نص حديث الكتف والدواة هذا المروي في صحيح البخاري(١) وغيره فمنعوه من ذلك ووقع الاختلاف فصرفهم كما في حديث رزية يوم الخميس المشهور دون أن يدون الوصية، إذْ يُلاحظ أن عبارة «لن تضلوا بعدي » المذكورة في حديث طلبه كتابة الوصية عبارة متكررة في حديث الثقلين أيضاً، كما تكررت وصيته بأهل بيته وعترته خيراً في حديث الثقلين وفي وصاياه في الساعات الأخيرة من حياته المباركة.

ويظهر من ذلك بوضوح أن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد تسجيل مضمون الحديث الشريف في وثيقة نبوية حاسمة للجدال مدونة بحضور كبار صحابته قطعاً للجدال وتوكيداً للأمر. وكل ذلك يبيّن أن الموضوع الذي يتضمنه مهم للغاية وإلا لما أكد عليه هادي الأممصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الدرجة المشددة، وهذا الأمر يكشف عنه نص الحديث نفسه المصرح بأن العمل بالوصية التي يتضمنها هو الأهمية القصوى التي أحاط بها تبليغه لمضمون هذا الحديث، بل واضحٌ أن تبليغ هذا الحديث في الأيام الأخيرة من حياته الشريفة يأتي في ضمن مساعيه لهداية المسلمين الى ماينقذهم من الضلالة والانحراف بعده وهو الهدف الذي صرح به في حديث الثقلين، لذا فذكر الأئمة أو الخلفاء الاثني عشر والإخبار عن مجيئهم بعده هو لهداية المسلمين وصوناً لمستقبل مسيرتهم من بعده وإتماماً للحجة عليهم. وهذه نقطة محورية مهمة يجب أخذها بنظر الاعتبار لدراسة هذا الحديث ولمعرفة مصداقه.

ـــــــــــ

(١) صحيح البخاري: ١/ ٣٧، ٤/ ٣١، ٤/ ٦٥ ـ ٦٦، ٥/ ١٣٧،، ٧/ ٩، ٨/ ١٦١ من طبعة دار الفكر المصورة عن طبعة استانبول وفي جميعها وردت عبارة «لن تضلوا بعدي» في الحكاية عن مضمون الكتاب الذي أراد كتابته.

٦٤

ترابط أحاديث حجة الوداع

٢ ـ وعلى ضوء اشتراك الأحاديث الثلاثة في موضوع واحد، فإن مما يعين على فهم هذا الحديث الشريف مورد البحث، ملاحظة ارتباطه بالحديثين الآخرين اللذين بلغهما الرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع نفسها أو على الأقل في فترة زمنية واحدة هي الأيام الأخيرة من حياته الشريفة وحقيقة الأمر أن الأحاديث الثلاثة ترسم صورة متكاملة لطريق اهتداء المسلمين لما يضمن مستقبل مسيرتهم من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فحديث الثقلين يصرح ـ كما بيّنا سابقاً ـ بأن النجاة من الضلالة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تكون بالتمسك بالقرآن والعترة وأن لكل زمان رجلاً من أهل بيته وعترته جديراً بأن يكون التمسك به الى جانب القرآن منجاة من الضلالة.

أما حديث الغدير فإنه يصرح باسم الإمام عليعليه‌السلام كولي للامة بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب عليهم التمسك بولايته كما وجب التمسك بولاية خاتم المرسلين، وهذا ما يدل عليه أخذهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا قرار من المسلمين بأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم قوله : « مَن كنتُ مولاه فهذا علي مولاه »(١) .

أما حديث الأئمة الاثني عشر فإنه يصرح بأن الدين يبقى قائماً الى يوم القيامة بوجود هؤلاء الأئمة وبهذا العدد لا يزيد ولا ينقص، ويهدي الى التمسك بهم.

فتكون الصورة التي ترسمها الأحاديث الثلاثة معاً ـ وقد صدرت في حجة واحدة أو على الأقل في فترة زمنية واحدة هي الأيام الأخيرة من حياته الشريفة وضمن مسعى واحد هو هداية المسلمين الى سبيل النجاة من الانحراف والضلالة بعده وهي: أن النجاة من الضلالة وحفظ قيام الدين تكون بالتمسك بالقرآن الكريم وبأئمة العترة الطاهرة الذين لا يخلو زمانٌ من أحدهم وأن أولهم الإمام عليعليه‌السلام وعددهم إثنا عشر إماماً لا يزيد ولا ينقص.

ـــــــــــ

(١) عن دلالات حديث الغدير وتواتره وطرقه راجع موسوعة الغدير للعلامة الأميني رحمه‌الله ، والجزء الخاص به من عبقات الأنوار وغيرها.

٦٥

مصداق الخلفاء الاثني عشر

وعندما نرجع للواقع التأريخي الاسلامي لا نجد مصداقاً للنتيجة المتحصلة سوى أئمة أهل البيت الاثني عشر بدءً بالإمام علي وانتهاءً بالمهدي المنتظر ـ سلام الله عليهم ـ لا يزيد عددهم عن الأثني عشر ولا ينقص فجاؤا المصداق الوحيد لما أخبر به الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذْ لم يدّع غيرهم ذلك، تحقيقاً للنبوة المحمدية الثابتة عند المسلمين جميعاً.

وحيث قد ثبتت عند المسلمين كافة وفاة الأئمة الأحد عشر من هؤلاء الأئمة الاثني عشر، وثبت عند الإمامية عدموفاة الثاني عشر منهم، في حين أن الحديث المتقدم ينص على استمرار وجودهم الى يوم القيامة; لذا فلا مناص من القول بوجود الإمام الثاني عشر وغيبته ـ إذ من الثابت للجميع عدم ظهوره ـ وقيام الدين بوجوده في غيبته ايضاً تصديقاً لما نص عليه الحديث المتقدم فيكون هذا الحديث الشريف دليلاً على وجود المهدي الإمامي وغيبته.

دراسة الأحاديث مستقلة

٣ ـ الدلالة نفسها يمكن التوصل إليها من خلال دراسة الحديث المتقدم بصورة مستقلة وبغض النظر عن ارتباطه بحديثي الثقلين والغدير، واستناداً الى الدلالات المستفادة من الحديث نفسه وطبقاً للمروي في كتب أهل السنة. فنصوصه تجمع على أن موضوعه الأول إخبارُ المسلمين بأن إثني عشر شخصاً سيخلفون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقوله: « يكون من بعدي »، أي في الفاصلة الزمنية بين رحيله والى يوم القيامة كما هو المستفاد من قوله في مقدمة الحديث : « إن هذا الأمر لا ينقضي » كما في صحيح مسلم وغيره والصيغ الاخرى دالة على الأمر نفسه. وعليه فالصفات والدلالات التي يشتمل عليها الحديث الشريف لا تنطبق على أكثر من إثني عشر شخصاً بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والى يوم القيامة، وإلا لما حصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمر بهم. فمَنْ هم هؤلاء ؟

وللإجابة على هذا السؤال نرجع الى نصوص الحديث الشريف نفسه لمعرفة الصفات التي تحددها لهم ثم نلاحظ على مَن تنطبق .

إنّ الصفات التي تذكرها النصوص هي: امراءٌ، قرشيون، كونهم خلفاء، بقاء الإسلام عزيزاً بهم، قيام الدين بهم، قيّمون على الأمة، خذلان البعض لهم وتعريضهم للمعاداة. فلندرس كل واحدة من هذه الصفات.

٦٦

إنّ معنى الإنتماء لقريش واضح، وقد أجمعت معظم المذاهب الإسلامية على اشتراطه في الإمام أما صفة «الخليفة» أو «الأمير» فالمعنى المتبادر منها هو مَن يخلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قيادة المسلمين أو مَن يلي أمرهم، فهل الوصف هذا يراد به من تولّى حكم المسلمين السياسي بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! .

من الواضح أنه لا يمكن حمل الوصف المذكور على هذا المعنى، إذ إنّ هذا تنفيه أحاديث اُخرى صحت حتى عند إخواننا أهل السنة وهي المصرحة بأن الخلافة بهذا المعنى لن تستمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأكثر من ثلاثين عاماً ثم تصبح ملكاً كما في صحيحي البخاري ومسلم(١) في حين أن الحديث الشريف يصرح باستمرار وجود هؤلاء الاثني عشر الى يوم القيامة. فلا معنى لحصر البحث عن مصاديق الحديث الشريف فيمن تولى حكم المسلمين بالفعل.

دلالة الواقع التأريخي

يُضاف الى ذلك أن الواقع التأريخي الاسلامي ينفي أن يكون المقصود بالخليفة هذا المعنى، إذْ انّ عدد مَن وصل للحكم من المسلمين بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتسمى بهذا الاسم يفوق الإثني عشر بكثير.

أجل يمكن القول بأن الإثني عشر المقصودين في الحديث الشريف قد يكون بعضهم من هؤلاء الذين وصلوا الى الحكم وهم الجامعون للأوصاف الواردة في النصوص وليس مجرد تسلم حكم المسلمين بطريقة أو بأخرى يجعلهم مصداقاً للخلفاء والاُمراء في هذا الحديث الشريف. فإنّ الخلافة والإمرة بالمعنى المعروف والمتداول بين المسلمين هو أمر منقوض ومردود بتصريح الأحاديث الشريفة بسرعة زوال الخلافة بهذا المعنى كما تقدم، ولأنه يستلزم أن يكونوا متفرقين على مدى التاريخ الإسلامي وهذا ما تنقضه الدلالات الأخرى المستفادة من الحديث الشريف، لأن مصاديق هذا المفهوم قد انقطعت منذ مدة طويلة في حين أن الحديث ينص على استمرار وجود هؤلاء الخلفاء الإثني عشر الى يوم القيامة دونما انقطاع كما سنرى لاحقاً.

ـــــــــــ

(١) راجع في ذلك معجم أحاديث الإمام المهدي، ١: ١٦ ـ ٣٨.

٦٧

ولذلك لا بد من حمل معنى «الخليفة» في هذا الحديث على ماهو أعم من التولي المباشر للحكم السياسي، أي أن يكون المقصود خلافتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الوصاية على الدين والولاية على الأمة وهدايتها الى الصراط المستقيم سواء استلم الخليفة الحكم عملياً أو لم يستلمه، فالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقوم بهذه المهمة عندما كان في مكة يتابع نشر دعوته بسرية وعندما أعلنها وتعرض للأذى من المشركين وعندما هاجر الى المدينة وأقام دولته وتولى حكومتها. فقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قيّماً على الدين الحق حافظاً له وداعياً إليه في كل الأحوال، دون أن يكون لاستلامه الفعلي للحكم علاقة بإنجاز هذه المهمة وإن كان هو الأجدر باستلام الحكم في كل الأحوال.

وهذا ما يشير إليه تشبيههصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهؤلاء الإثني عشر بنقباء بني اسرائيل وأوصياء موسىعليه‌السلام كما في حديث ابن مسعود المروي في مسند أحمد بن حنبل وغيره(١) وهذا ما يدل عليه الحديث الشريف نفسه عندما يربط ـ في بعض نصوصه ـ بين وجودهم وبين قيام الدين أي حفظه، فهم أوصياء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلفاؤه في الوصاية على دينه والهداية إليه.

ـــــــــــ

(١) مسند أحمد: ١/ ٣٩٨، المعجم الكبير للطبراني: ١٠/ ١٩٥، المستدرك للحاكم: ٤/ ٥٠١.

٦٨

اتصال وجود الخلفاء الاثني عشر

وهذه الصفة ـ أي قيام الدين بهم ـ تدل على استمرار وجودهم ما بين وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويوم القيامة، لأن القول بتفرقهم وخلو بعض الأزمان من أحدهم مع ربط قيام الدين بهم، يعني ضياع الإسلام وعدم قيامه في بعض الأزمان وهذا خلاف ما يدل عليه الحديث الشريف بعبارات من قبيل « لا يزال الدين قائماً » « لا يزال الإسلام عزيزاً ».

من هنا لا يمكن أن يكون مصداق الحديث الشريف أشخاصاً متفرقين على طول التأريخ الإسلامي بل يجب أن لا يخلو زمان من واحد منهم. فيكون وجودهم متصلاً.

كما ان صفة قيام الدين بهم تؤكد أن المعنى المراد من الخلافة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المعنى الشمولي المتقدم الذي يشمل بالدرجة الأولى الوصاية على الدين الحق وحفظه والدعوة له والهداية إليه، الأمر الذي يؤهلهم للقيمومة على الأمة والولاية الشرعية عليهم المنتزعة من الولاية النبوية كما في حديث الغدير المشار إليه.

وهذا يستلزم تحليهم بالدرجة العليا من العلم بالدين الحق والعمل على وفقه لكي يكونوا أهلاً لحفظه وهداية الخلق إليه، وهذا ما يشير إليه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصفه لهم : « كلهم يعمل بالهدى ودين الحق » الوارد في ذيل بعض نصوص هذا الحديث الشريف(١) .

وعلى ضوء ما تقدم نفهم الصفة الاخرى التي يذكرها الحديث الشريف

ـــــــــــ

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني: ٣/١٨٤، باب الاستخلاف .

٦٩

لهم وهي أنهم سيُعرضون للكثير من أشكال المعاداة والخذلان ـ ولو لم يكن كثيراً لما استحق الذكر ـ دون أن يضرهم ذلك، فهذا العداء والخذلان لن يضرهم بمعنى أنه لا يصدهم عن تحقيق مهمتهم الأساسية بالحفاظ على قيام الدين وعزته رغم كل الصعاب وبقائه محفوظاً عندهم في كل الأزمان رغم أن الكيان السياسي للمسلمين تعرض لحقب تأريخية عديدة أصابه فيها الذل والهوان وتولى حكمه فيها أبعد الخلق عن معنى خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

هذه هي صفات الخلفاء الأئمة الاثني عشر المستفادة من دلالات الحديث الشريف طبقاً لنصوصه المروية في أفضل الكتب المعتمدة عند إخواننا أهل السنة، فعلى من تنطبق؟

ائمة العترة هم المصداق الوحيد

الواقع التأريخي يثبت أن المصداق الوحيد الذي تنطبق عليه هم الائمة الاثنا عشر من عترة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم يختصون بهذا العدد تأريخياً كما هو معلوم وتنطبق عليهم الأوصاف المستفادة من دلالات الحديث الشريف، كما سنشير لذلك فيما يلي:

أدلة التطبيق

أولاً : انّ الحديث يدل بصورة واضحة على لزوم توفر تلك الأوصاف في هؤلاء الخلفاء الاثني عشر والتي تؤهلهم لكي يكون الدين قائماً بهم. بمعنى أن يكونوا جميعاً معبرين عن خط واحد ومنهج واحد في الدفاع عن الدين وحفظه وتبليغه ـ كما فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ، وقد توفرت هذه الصفات في ائمة العترة النبوية الطاهرة الذين ثبت أن علوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندهم وثبت عنه وصيته بالتمسك بهم للنجاة من الضلالة كما في حديث الثقلين، وقد أخذ الكثير من المسلمين ـ ومنهم أئمة المذاهب الأربعة ـ علوم الدين منهم كما هو ثابت تأريخياً وثبت في روايات مختلف الفرق الإسلامية لجوء الجميع إليهم وفقرهم إليهم في علوم الدين واستغناؤهمعليهم‌السلام عن الجميع في ذلك(١) .

ـــــــــــ

(١) راجع مثلاً «الإمام الصادق والمذاهب الأربعة» للشيخ أسد حيدر، وما ورد بشأنهم في تاريخ دمشق لابن عساكر وفي تاريخ بغداد للخطيب البغدادي والصواعق المحرقة لابن حجر وسير أعلام النبلاء للذهبي ووفيات الأعيان لابن خلكان وغيرها. وسائر من ترجم لهمعليهم‌السلام من مختلف الفرق الإسلامية.

٧٠

كما أثبتت سيرتهم تفانيهم في الدفاع عن الإسلام ونشر علومه وإغاثة المسلمين عندما هاجمتهم الغزوات الفكرية واحتجاجاتهم على الملحدين وأرباب الديانات الأخرى مدونة في كتب المسلمين وهي تثبت حقيقة قيام الدين بهم وخلافتهم للرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك، وأهليتهم لقيادة المسلمين أيضاً كما صرح بذلك الذهبي مثلاً حيث قال بأهلية الإمام الحسن والحسين والسجاد والباقرعليهم‌السلام ثم قال: وكذلك جعفر الصادق كبير الشأن من أئمة العلم كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور، وكان ولده موسى كبير القدر جيد العلم أولى بالخلافة من هارون(١) .

ثانياً: إنّ سيرتهمعليهم‌السلام تنسجم مع تصريح الحديث الشريف بتعريض الخلفاء الإثني عشر للمعاداة والخذلان دون أن يضر ذلك في قيامهم بإنجاز مهمتهم الأساسية في حفظ الدين والدفاع عنه كما لاحظنا ذلك في الفقرة السابقة، ومن المعروف تأريخياً أنهم تعرضوا للأذى والملاحقة الشديدة من قِبَل السلطات الحاكمة التي لم تألُ جُهداً لإبادتهم مثل ما جرى في واقعة الطف للحسينعليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه وتعريضهم للسجن والاغتيال بالقتل أو السم الأمر الذي أدى في نهاية المطاف الى ضرورة غيبة خاتمهم الإمام

ـــــــــــ

(١) سير أعلام النبلاء: ١٣/ ١٢٠ وراجع ما جمعه الشيخ الطبرسي في كتاب الاحتجاج تجد نماذج كثيرة لدفاعهم عن الإسلام بوجه الأفكار الدخلية.

٧١

الثاني عشرعليه‌السلام ، ولكن كل أشكال التعسّف والقهر والعداء والخذلان لم يُثنهم عن حفظ سنّة جدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتبليغها حيث حفلت الأحاديث المروية عنهم والمدونة في كتب علماء مدرستهم بكل ما يحتاجه الإنسان في مختلف شؤونه الفردية والاجتماعية(١) .

ثالثاً: تنطبق عليهم دلالة الحديث على استمرار وجودهم بصورة متصلة ما بين وفاة جدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقيام الساعة، في سلسلة ذهبية لم تؤد الى قطعها كل حملات العداء والخذلان التي تعرِّضوا لها، وإن أدت الى غيبة خاتمهم الإمام المهديعليه‌السلام فاستمر دوره في حفظ الدين وقيامه بذلك من خلف استار الغيبة بأساليب متنوعة أثبتت أن الانتفاع بوجوده متحقق مثلما ينتفع بالشمس إذا غيّبتها السُحب عن الأبصار كما ورد في الأحاديث الشريفة(٢) .

وبذلك يتضح أن عقيدة مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام كيف تفسر عدم تناسب طول الفترة الزمنية بين وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين قيام الساعة، مع تحديد الحديث الشريف لعدد الخلفاء القيمين على الإسلام بإثني عشر رجلاً لا أكثر، يستمر وجودهم متصلاً الى يوم القيامة لأن قيام الدين يكون بهم.

وبذلك يكون الحديث الشريف من الأحاديث المتفق على صحتها بين المسلمين والدالة على وجود الإمام المهدي وغيبته لأنه لا ينطبق على غير الائمة الإثني عشر من أئمة العترة النبوية الذين أدى خذلانهم الى غيبة خاتمهمعليه‌السلام .

ـــــــــــ

(١) جمعت هذه الأحاديث الشريفة في موسوعات ضخمة مثل بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي ووسائل الشيعة للحر العاملي.

(٢) مثل إصداره «التوقيعات» وهي الرسائل التي كان عليه‌السلام يبعثها للمؤمنين ويجيب فيها عن اسئلتهم الدينية المختلفة وقد دونت كتب الغيبة عدداً كبيراً منها، تجدها في كتاب «كلمة الإمام المهدي» والصحيفة المهدوية وغيرها.

٧٢

الاتفاق على أن المهدي خاتم الخلفاء الاثني عشر

يؤيد ذلك موافقة عدد كبير من علماء أهل السنّة لعقيدة أهل البيتعليهم‌السلام في كون المهدي المنتظر هو الخليفة الثاني عشر من الخلفاء الإثني عشر الذين أخبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن خلافتهم الدينية، أمثال أبي داود في سننه(١) وابن كثير في تفسيره(٢) وغيرهم. وصرح بذلك المجمع الفقهي التابع للأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي في جوابه على استفتاء مسلم من كينيا بشأن الإمام الموعود، حيث ورد في جواب المجمع : « هو )المهدي الموعود (آخر الخلفاء الراشدين الإثني عشر الذين أخبر عنهم النبي صلوات الله وسلامه عليه في الصحاح ...»(٣) .

ولعل مستندهم في ذلك حديث الأمّة الظاهرة القائمة بأمر الله الذي يتحدث عن المصداق الذي يتحدث عنه حديث الائمة الاثني عشر الذي يصرح بأن آخر اُمراء هذه الأمة الظاهرة هو المهدي الموعود كما سنلاحظ.

٣ ـ حديث الاُمة الظاهرة القائمة بأمر الله ، وهو من الأحاديث المشهورة المروية في الكتب الستة وغيرها من المجاميع الروائية المعتبرة عند إخواننا أهل السنّة من طرق كثيرة فقد رواه مثلاً أحمد بن حنبل وحده من سبعة وعشرين طريقاً(٤) .

ـــــــــــ

(١) راجع ما نقله الشيخ عبدالمحسن العباد في بحثه (عقيدة أهل السنّة والأثر في المهدي المنتظر) المطبوع في مجلة الجامعة الاسلامية العدد الثالث، السنة الاُولى، ذو القعدة ١٣٨٨ هـ .

(٢) تفسير القرآن العظيم : ٢ / ٣٤ في تفسير الآية ١٢ من سورة المائدة.

(٣) راجع النسخة المصوّرة لفتوى رابطة العالم الاسلامي، المجمع الفقهي المنشورة في كتاب احاديث المهدي من مسند احمد بن حنبل : ١٦٢ ـ ١٦٦.

(٤) راجع كتاب «احاديث المهديعليه‌السلام من مسند احمد بن حنبل»، اعداد السيد محمد جواد الجلالي: ٦٨ ـ ٧٦ .

٧٣

فقد رواه البخاري في صحيحه بلفظ « لا يزال ناس من اُمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون »(١) .

ورواه البخاري في تأريخه ومسلم وأبو داود وابن ماجة والترمذي وأحمد بن حنبل والحاكم وغيرهم بلفظ : «لا تزال طائفة من أُمتي على الحق حتى يأتي أمر الله عز وجل »(٢) .

ورواه البخاري في صحيحه ومسلم وأحمد وابن ماجة بلفظ : « مَن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ولن تزال (من) هذه الاُمة اُمة قائمة على أمر الله، لا يضرهم مَن خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس »(٣) .

ورواه مسلم وأحمد والحاكم وغيرهم عن جابر بن سمرة : « لا يزال هذا الدين قائماً تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة »(٤) . وفيه أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك في حجة الوداع، وجابر هو نفسه راوي حديث الائمة الإثني عشر من قريش.

وفي رواية لمسلم : « لا تزال عصابة من اُمتي يُقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك »(٥) .

وفي رواية لأبي داود وأحمد والحاكم وغيرهم بلفظ : « لا تبرح عصابةٌ من اُمتي ظاهرين على الحقّ لا يبالون من خالفهم حتى يخرج المسيح الدجال فيقاتلونه»(٦) .

ـــــــــــ

(١) صحيح البخاري: ٤/٢٥٢.

(٢) تاريخ البخاري: ٤/١٢ حديث ١٧٩٧، صحيح مسلم:٣/١٥٢٣، حديث ١٩٢٠، وسنن أبي داود: ٤/٩٧، حديث ٤٢٠٢ و ابن ماجة: ١/٥ باب١ حديث ١٠، والترمذي: ٤/٥٠٤ حديث ٢٢٢٩ و احمد بن حنبل في مسنده: ٢/٣٢١ .

(٣) صحيح البخاري: ٩/١٦٧، وصحيح مسلم: ٣/١٥٢٤ حديث ١٠٣٧، ومسند أحمد: ٤/١٠١، وابن ماجة: ١/٥ باب ١ حديث ٧ .

(٤) صحيح مسلم: ١٥٢٤ حديث ١٩٢٢، مسند أحمد: ٥/٩٢، ٩٤، ومستدرك الحاكم: ٤/٤٤٩.

(٥) صحيح مسلم: ٣/١٥٢٤، ١٥٢٥ باب ٥٣، حديث ١٩٢٤ .

(٦) مسند أحمد: ٤/٤٣٤، سنن أبي داود: ٣/٤، حديث ٢٤٨٤، ومستدرك الحاكم: ٢/٧١.

٧٤

وفي رواية للبخاري في تأريخه وأحمد في مسنده ورجاله كلهم ثقات كما قال الكشميري في تصريحه بلفظ: « لا تزال طائفة من اُمتي على الحق ظاهرين على مَن ناواهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى، وينزل عيسى بن مريم »(١) .

وفي رواية لمسلم وأحمد : « لا تزال طائفةٌ من اُمتي على الحق ظاهرين الى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريمعليه‌السلام ، فيقول أميرهم : تعال صلّ بنا، فيقول : لا، إن بعضكم على بعض أمير ليكرم الله هذه الاُمة »(٢) .

والحديث الشريف جاء في حجة الوداع كما يصرح بذلك جابر بن سمرة فيما رواه عنه مسلم وأحمد والحاكم كما تقدم، وهذه الحجة هي نفسها التي بلّغ فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث الثقلين والغدير والائمة الإثني عشر، لذا فهو يأتي في إطار التخطيط النبوي لهداية المسلمين الى ما يحفظ مسيرتهم بعده أو ما ينقذهم من الضلالة وميتة الجاهلية، فهو غير بعيد عن أجواء الأحاديث السابقة.

على أن من الواضح للمتدبر في هذا الحديث الشريف وحديث الائمة الإثني عشر أن كليهما يتحدثان عن مصداق واحد لا أكثر، كما هو مشهود في اشتراكهما في ذكر صفات تتحدث وتهدي الى مصداق واحد، خاصة ما يصرح بربط قيام الدين وحفظه بوجود هذه الاُمة الظاهرة القائمة بأمر الله في الحديث الثاني وبوجود الأئمة الاثني عشر في الحديث الأول لأن ذلك يعني امتلاك هذه الجهة للقيمومة على الدين ومرجعيتها في معرفة حقائق الدين الحق وتعريضها بسبب ذلك للمعاداة والخذلان وهذا ما يشترك الحديثان في ذكره وفي التصريح بعدم إضراره في أصل مهمة هذه العصابة وهي الدفاع عن الدين الحق وحفظه .

ويؤكد حديث الأمة الظاهرة صراحة ـ فيما تقدم من نصوصه ـ مادل عليه حديث الائمة الإثني عشر ضمنياً من استمرار وجود هؤلاء الأئمة الى يوم القيامة وكذلك من أن مهمتهم الأساسية خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الدفاع عن الدين الحق وحفظه دون أن يؤثر في إنجاز أصل هذه المهمة استلامهم الفعلي للحكم أو عدم استلامه وإن كانوا هم الأجدر بذلك.

ـــــــــــ

(١) تاريخ البخاري: ٥/٤٥١ حديث ١٤٦٨، مسند أحمد: ٤/٤٢٩.

(٢) معجم أحاديث الإمام المهدي: ١/ ٥١ ـ ٦٨، وقد ذكر لكل حديث الكثير من المصادر من المجاميع الروائية المعتبرة عند أهل السنة وقد اخترنا بعضها من المتن والبعض الآخر من الهوامش.

٧٥

كما أنه يصرح بأن خاتم أمراء هذه الأمة الظاهرة هو الإمام المهدي الموعود ـ كما دل على ذلك ضمنياً حديث الائمة الإثني عشر ـ، فهو يصرح باستمرار وجودها الى نزول عيسىعليه‌السلام ومناصرته لأميرها وصلاته خلفه وهذه الحادثة ترتبط بالإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ باتفاق المسلمين.

ويصرح حديث الأمة الظاهرة بلزوم أن يكون هؤلاء الائمة الإثنا عشر ائمة حق قائمين بأمر الله كما تصرح بذلك النصوص المتقدمة، فهم يمثلون خطاً واحداً منسجماً في خلافة رسول الله الحقيقيّة والوصاية على شريعته، خطّاً متصلاً دون انقطاع الى يوم القيامة، وهذا ما لا ينسجم بحال من الأحوال مع تأريخ خلفاء الدولة الاسلامية الذين حكموها فعلاً. لذلك فإنّ جميع الذين غفلوا عن هذه الدلالات في الحديثين المتقدمين وسعوا للعثور على مصاديق الائمة الإثني عشر في الذين وصلوا للحكم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأي طريقة كانت، تاهوا في متاهات غريبة ولم يستطيعوا تقديم مصداق معقول ينسجم مع دلالات هذه الأحاديث الشريفة ولا مع الواقع التأريخي. فتعددت آراؤهم وعمدوا الى تأويلات باردة لما صرحت به الأحاديث الشريفة الأمر الذي يتعارض بالكامل مع هدف الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من إخبار المسلمين بهؤلاء القائمين بأمر الله وهو الهداية إليهم وإرجاعهم ودعوتهم للتمسك بهم.

فأي انسجام في الخط والمنهج وتمثيل الدين الحق والصدق في التعبير عن خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الإمام عليعليه‌السلام ومعاوية، أو بين الإمام الحسينعليه‌السلام ويزيد بن معاوية لكي يعتبروهم جميعاً من هؤلاء من الخلفاء الإثني عشر الذين يقوم بهم الدين ؟ ! وكيف يمكن القول بأن أمثال يزيد بن معاوية أو الوليد بن عبدالملك يمكن أن يصدق عليهم الوصف النبوي للأمة الظاهرة والائمة الاثني عشر بأنهم على الحق وقائمين بأمر الله وخلفاء رسوله وكيف ذاك وسيرتهم شاهدة بأنهم أبعد الناس عن العلم بالدين وممثلي نهج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٧٦

هذا بعض ما يُقال بشأن المصاديق التي عرضها للائمة الإثني عشر العلماء الذين راعوا دلالة الأحاديث على اتصال سلسلة هؤلاء الائمة وأغفلوا عدم انطباق الصفات الأخرى عليهم كما لاحظنا. يُضاف الى ذلك إغفالهم لتصريح الأحاديث باستمرار وجود هؤلاء الائمة الى يوم القيامة; إذ إنّ المصاديق التي عرضوها تنتهي بإنتهاء العصر الأموي(١) !

أما الذين سعوا لمراعاة الصفات الأخرى فيمن حكموا المسلمين فقد أغفلوا دلالة الحديث على استمرار وجودهم دون انقطاع إذْ تركوا الخلفاء الذين أعقبوا معاوية الى عمر بن عبدالعزيز ليجعلوه خامس أو سادس الإثني عشر وتركوا ما بعده الى هذا أو ذاك من الخلفاء العباسيين ممن رأوهم أقرب

ـــــــــــ

(١) وهذا أضعف الآراء وأبعدها عن دلالات الحديث الشريف ورغم ذلك رجحه ابن باز في تعليقه على محاضرة الشيخ عبدالمحسن العباد عن المهدي الموعود، راجع مجلة الجامعة الاسلامية العدد الثالث، السنة الاُولى، ذو القعدة ١٣٨٨ هـ .

٧٧

الى الصفات التي يذكرها الحديث ورغم ذلك لم يكتمل العدد حتى قال السيوطي بأن المتبقي اثنان منتظران أحدهما المهدي الموعود والثاني لم يعرفه هو ولا غيره(١) !!

وما كانوا بحاجة الى كل هذه التأويلات الباردة والمتاهات المحيرة لو تدبروا بموضوعية في تلك الأحاديث الشريفة واستندوا الى مدلولاتها الواضحة التي تنطبق بالكامل على الائمة الإثني عشر من عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى القول بعدم انقطاع سلسلتهم الى يوم القيامة في ظل القول بوجود الإمام الثاني عشر المهدي الموعودعليه‌السلام وغيبته وقيامه حتى في ظل غيبته عن الأبصار بمهام حفظ الدين ولو بأساليب خفية لكنها كاملة في إتمام حجة الله على خلقه كما دلت على ذلك الأحاديث المتقدمة وتدل عليه أيضاً الأحاديث اللاحقة.

٤ ـ أحاديث عدم خلو الزمان من الإمام القرشي المنقذ من الميتة الجاهلية ، وهي أيضاً من الأحاديث الشريفة المروية من طريق الفريقين، نختار منها المروي في الكتب المعتبرة عند أهل السنة، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما وأحمد بن حنبل في مسنده وغيرهم بأسانيدهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: « لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان»(٢) .

ـــــــــــ

(١) وهذا من أطرف الآراء، راجع أضواء على السنة المحمدية للشيخ محمود أبو ريّة : ٢١٢، وراجع أيضاً في مناقشة هذه الآراء ما ذكره الشيخ لطف الله الصافي في كتابه منتخب الأثر: في الهامش، ودلائل الصدق للشيخ محمد حسن المظفر، ٢: ٣١٥ وما بعدها، وما أورده الحكيم صدر الدين الشيرازي في شرح أصول الكافي : ٤٦٣ ـ ٤٧٠ من الطبعة الحجرية.

(٢) صحيح البخاري: ٩/ ٧٨، صحيح مسلم: ٣/ ١٤٥٢، مسند أحمد: ٢/ ٢٩، ٢/ ٩٣ بطريق آخر.

٧٨

وروى البخاري في تأريخه وأحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وابن أبي شيبة في مسنده والطيالسي في مسنده وأبو يعلى والطبراني والبزار والهيثمي وغيرهم بألفاظ متقاربة وأسانيد عديدة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال واللفظ للطيالسي : « مَن مات بغير إمام مات ميتةً جاهلية، ومَن نزع يداً من طاعة جاء يوم القيامة لا حجة له »(١) .

وعلق ابن حبان على الحديث موضحاً معناه بقوله : قال أبو حاتم: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مات ميتة الجاهلية» معناه : مَن مات ولم يعتقد أن له إماماً يدعو الناس الى طاعة الله حتى يكون قوام الإسلام به عند الحوادث والنوازل، مقتنعاً في الإنقياد على مَن ليس نعته ما وصفنا مات ميتةً جاهلية(٢) .

معنى « الأمر » في الكتاب والسنة

إنّ الحديث الأول قد صرّح ببقاء «الأمر» في قريش ما بقي البشر على الأرض فلا تخلو الأرض من قرشي يكون له « الأمر »، فما هو المقصود من « الأمر » هنا ؟ ! وهل يمكن تفسيره بالاستلام الفعلي للحكم الظاهري للمسلمين ؟ !

الجواب: أنّ الواقع التأريخي ينفي هذا التفسير، وعلى الأقل منذ سقوط الخلافة العباسية الى اليوم لم يكن حكم المسلمين لقرشي كما هو معلوم، لذا لا يمكن تفسير « الأمر » بغير القول بمعنى الخلافة العامة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الوصاية على الدين وحفظه والدفاع عنه وهداية الخلق إليه، الأمر الذي يؤهل صاحبه لقيادة المسلمين والحكم الظاهري، فالأمر هنا هو من نوع

ـــــــــــ

(١) تاريخ البخاري: ٦/ ٤٤٥، مسند احمد: ٣/ ٤٦٦، صحيح ابن حبان: ٧/ ٤٩، مسند الطيالسي : ١٢٥٩ الحديث رقم ١٩١٣ مسند ابن أبي شيبة: ١٥/ ٣٨، المعجم الكبير للطبراني: ١٠/ ٣٥٠،مجمع الزوائد: ٢/ ٢٥٢، عن أبي يعلى والبزار والطبراني.

(٢) صحيح ابن حبان: ٧/ ٤٩.

٧٩

« الأمر » الوارد في سورة النساء في آية الطاعة، وهي قوله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واوُولي الأمر منكم ) (١) ، وهي الآية الدالة على عصمة اُولي الأمر لاشتراكهم في الأمر بالطاعة مع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأن : «الله تعالى أمر بطاعة اُولي الأمر على سبيل الجزم والقطع في هذه الآية، ومَن أمر بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابد وأن يكون معصوماً عن الخطأ... كما قال الفخر الرازي في تفسيره(٢) .

فلابد أن يكون في زماننا الحاضر أيضاً قرشي يكون له « الأمر » هذا ويقوم به الدين ويتحلى بالعصمة ويخلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مهمة حفظ الدين والهداية إليه إذ لا يخلو زمان من مصداق لذلك كما ينص الحديث الشريف المتقدم، وحيث إنه لا يوجد إمام ظاهر يدعي ذلك فلابد من القول بوجوده واستتاره وغيبته وقيامه بمهمة حفظ الدين تصديقاً للحديث الشريف وهذه هي عقيدة أهل البيتعليهم‌السلام في المهدي وغيبته.

يُضاف الى ذلك أن أحاديث الخلفاء الإثني عشر قد حصرت عدد خلفاء الرسول بهذا المعنى الى يوم القيامة باثني عشر، وقد اتضحت دلالتها على وجود الإمام المهدي وغيبته، لذلك يكون حديث عدم خلو الزمان من الإمام القرشي مؤكداً لهذه الدلالة.

والدلالة نفسها يمكن التوصل إليها من أحاديث وجوب معرفة إمام الزمان وإتباعه والتي تقدم نموذج لها، حيث تنص على أن لا حجة يوم القيامة لمن عمي عن معرفته وخرج عن طاعته كما رأينا، لذا فلا مناص من

ـــــــــــ

(١) النساء (٤): ٥٩ .

(٢) التفسير الكبير: ١٠/ ١٤٤، وراجع البحث المفصل الذي أورده العلاّمة الطباطبائي في تفسير هذه الآية الكريمة ودلالاتها في تفسير الميزان: ٤/ ٣٨٧ ـ ٤٠١ .

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

ينكرها ، فأخرج إليه معقلا ، فلمّا رآه عرف أنّه عين فاعترف بها ، وقال لابن زياد : إنّ مسلما نزل عليّ وأنا أخرجه من داري. فقال ابن زياد : ألم تكن عندك لي يد في فعل أبي زياد بأبيك وحفظه من معاوية؟ فقال له : ولتكن لك عندي يد أخرى بأن تحفظ من نزل بي ، وأنا زعيم لك أن أخرجه من المصر ، فضربه ابن زياد بسوطه حتّى هشم أنفه ، وأمر به إلى السجن(١) .

وروى أبو مخنف : إنّ ابن زياد لمّا أبلغه معقل بخبر هاني أرسل إليه محمّد بن الأشعث ، وأسماء بن خارجة وقال لهما : أتياني بهاني آمنا. فقالا : وهل أحدث حدثا؟ قال : لا. فأتياه به وقد رجّل غديرتيه يوم الجمعة فدخل عليه ، فقال ابن زياد له : أما تعلم أنّ أبي قتل هذه الشيعة غير أبيك؟ وأحسن صحبتك وكتب إلى أمير الكوفة يوصيه بك ، أفكان جزائي أن خبّأت في بيتك رجلا ليقتلني!؟ وذكر له ما أراده شريك من مسلم وما امتنع لأجله مسلم ، فقال هاني : ما فعلت. فأخرج ابن زياد عينه ، فلمّا رآه هاني علم أن وضح له الخبر ، فقال : أيّها الأمير ، قد كان الذي بلغك ولن أضيع يدك عندي أنت آمن وأهلك ، فسر حيث شئت ، فكبا عبيد الله ومهران قائم على رأسه وبيد هاني معكزة بها زجّ يتوكّأ عليها ، فقال مهران : واذلاّه! أهذا يؤمّنك وأهلك!؟ فقال عبيد الله : خذه ، فأخذ بضفيرتي هاني وقنّع وجهه ، فأخذ ابن زياد المعكزة فضرب بها وجه هاني ، وندر الزّجّ فارتزّ بالجدار ، ثمّ ضرب وجهه حتّى هشّم أنفه وجبينه ، وسمع الناس الهيعة ، فأطافت مذحج بالدار فخرج إليهم شريح القاضي ، فقال : ما به بأس ، وإنّما حبسه أميره ، وهو حي صحيح. فقالوا : لا بأس بحبس الأمير ، وجاءت أرباع مسلم بن عقيل فأطافوا بالقصر ، فخذلهم الناس(٢) كما تقدّم.

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٢٧٥.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٢٨٢.

١٤١

وبقي هاني عنده إلى أن قبض على مسلم فقتلهما وجرّهما بالأسواق.

وفي ذلك يقول عبد الله بن الزبير الأسدي :

إذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى هاني بالسوق وابن عقيل

إلى بطل قد هشم السيف وجهه

وآخر يهوي من طمار قتيل

ترى جسدا قد غيّر الموت لونه

ونضح دم قد سال كلّ مسيل

أيركب أسماء الهماليج آمنا

وقد طلبته مذحج بذحول

تطيف حواليه مراد وكلّهم

على رقبة من سائل ومسول

وكان قتل هاني يوم التروية سنة ستين مع مسلم بن عقيل ، ولكن مسلما قتله بكير بن حمران كما مرّ ، ورماه من القصر. وهاني أخرج إلى السوق التي يباع بها الغنم مكتوفا فجعل يقول : وا مذحجاه ولا مذحج لي اليوم ، وا مذحجاه وأين منّي مذحج؟ فلمّا رأى أنّ أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثمّ قال : أما من عصى أو سكّين أو حجر يجاحش به رجل عن نفسه ، فتواثبوا عليه وشدّوه وثاقا ، ثمّ قيل له مد عنقك ، فقال : ما أنا بها جد سخي ، وما أنا معينكم على نفسي ، فضربه رشيد التركي مولى عبيد الله فلم يصنع به شيئا. فقال هاني : إلى الله المعاد ، اللهمّ إلى رحمتك ورضوانك ، ثمّ ضربه أخرى فقتله ، ثمّ أمر ابن زياد برأسيهما فسيّرهما إلى يزيد مع هاني الوادعي والزبير التميمي. كما تقدّم في ترجمة مسلم.

قال أهل السير : ولمّا ورد نعيه ونعي مسلم إلى الحسينعليه‌السلام جعل يقول : « رحمة الله عليهما » يكرّر ذلك ثمّ دمعت عينه.

وقال الطبري : لمّا كان يوم خازر نظر عبد الرحمن بن حصين المرادي لرشيد فقال : قتلني الله إن لم أصله فأقتله أو أقتل دونه! فحمل عليه بالرمح فطعنه وقتله

١٤٢

ورجع إلى موقعه(١) .

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( غطيف ) : بالغين المعجمة والطاء المهملة والياء المثنّاة تحت والفاء مصغرا.

( مذحج ) : كمجلس قبيلة معروفة.

( بضع ) : بكسر الباء وسكون الضاد المعجمتين والعين المهملة وهو ما بين الاثنين والعشرة في المذكر وبضعة كذلك في المؤنّث. قيل : ولا يقال على ما فوق العشرة ، وقيل : يقال ولا يقال على ما فوقها ، فعلى الثاني يقال : بضع عشرة وبضع وعشرون ولا بضع ومائة دون الأوّل. فأمّا نيّف فهو من واحد إلى عشرة في المذكّر والمؤنّث.

( أرجل ) : أسرح. ( جمتي ) : الجمّة بالضم شعر الرأس. ( شكّتي ) : الشكّة بالكسر السلاح.

( أتتك بحائن رجلاه تسعى ) : الحائن الميّت من الحين بفتح الحاء وهو الموت ، وهذا مثل معروف أوّل من قاله المحرق لوافد البراجم.

( عبد الله بن الزبير ) : بفتح الزاء المعجمة غير مصغّر من بني أسد بن خزيمة كان يتشيّع.

( الهماليج ) : جمع هملاج وهو البرذون. ( يجاحش ) : يدافع.

( خازر ) : ـ بالخاء والزاء المعجمتين ثمّ الراء ـ نهر بين موصل وإربل كانت به الوقعة التي قتل بها إبراهيم بن مالك الأشتر عبيد الله بن زياد في أيّام المختار سنة ست وستين.

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٢٩٢ ، راجع الكامل : ٤ / ٣٦.

١٤٣

جنادة بن الحرث المذحجي المرادي السلماني الكوفي (١)

كان جنادة بن الحرث من مشاهير الشيعة ، ومن أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام . وكان خرج مع مسلم أوّلا ، فلمّا نظر الخذلان خرج إلى الحسينعليه‌السلام مع عمرو بن خالد الصيداوي وجماعة ، فمانعهم الحرّ ، ثمّ أخذهم الحسينعليه‌السلام فلمّا كان يوم الطف تقدّموا فأغلوا في صفوف أهل الكوفة حتّى أحاطوا بهم ، فانتدب لهم العبّاس فخلص إليهم وخلّصهم ، ولكنّهم أبوا أن يرجعوا سالمين ويروا عدوّا فقتلوا في مكان واحد بعد أن قاتلوا قتال الأسد اللوابد.

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( جنادة ) : بالجيم والنون والألف والدال المهملة وبعدها الهاء ، ويصحّف بجبّار وحيّان ، ولكن المضبوط ذلك.

( السلماني ) : نسبة إلى سلمان ، وهم بطن من مراد ، ومراد بطن من مذحج كما ذكره أهل النسب.

واضح التركي مولى الحرث المذحجي السلماني (٢)

كان واضح غلاما تركيّا شجاعا قارئا ، وكان للحرث السلماني. فجاء مع جنادة

__________________

(١) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : ٩٩ ، الرقم ٩٦٨.

(٢) قال الخوارزمي : كان الغلام التركي من موالي الحسينعليه‌السلام ، قارئا للقرآن ، عارفا بالعربيّة ، وقد وضع الحسين خدّه على خدّه حين صرع فتبسّم. راجع مقتل الحسينعليه‌السلام : ٢ / ٢٤.

١٤٤

ابن الحرث للحسينعليه‌السلام كما ذكره صاحب الحدائق الورديّة(١) .

والذي أظنّ أنّ واضحا هذا هو الذي ذكر أهل المقاتل أنّه برز يوم العاشر إلى الأعداء فجعل يقاتلهم راجلا بسيفه وهو يقول :

البحر من ضربي وطعني يصطلي

والجو من عثير نقعي يمتلي

إذا حسامي في يميني ينجلي

ينشق قلب الحاسد المبجلي

قالوا : ولمّا قتل استغاث ، فانقضّ عليه الحسينعليه‌السلام واعتنقه وهو يجود بنفسه فقال : من مثلي وابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واضع خدّه على خدّي ، ثمّ فاضت نفسهرضي‌الله‌عنه (٢) .

مجمع بن عبد الله العائذي (٣)

هو مجمع بن عبد الله بن مجمع بن مالك بن إياس بن عبد مناة بن عبيد الله بن سعد العشيرة المذحجي العائذي.

كان عبد الله بن مجمع العائذي صحابيّا ، وكان ولده مجمع تابعيّا من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ذكرهما أهل الأنساب والطبقات.

وكان مجمع وابنه الآتي ذكره جاءا مع عمرو بن خالد الصيداوي إلى الحسينعليه‌السلام فمانعهم الحرّ وأخذهم الحسين كما تقدّم ذلك.

قال أبو مخنف : لمّا مانع الحرّ مجمعا وابنه وعمرا وجنادة ، ثمّ أخذهم الحسينعليه‌السلام ومنعهم ، سألهم الحسين عن الناس بالكوفة فقالعليه‌السلام : « أخبروني خبر

__________________

(١) الحدائق الورديّة : ١٢٢.

(٢) المناقب : ٤ / ١٠٤ ، راجع البحار : ٤ / ١٠٤ و ٤٥ / ٣٠.

(٣) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : ١٠٥ ، الرقم ١٠٤٤.

١٤٥

الناس وراءكم »؟ فقال له مجمّع بن عبد الله : أمّا أشراف الناس فقد عظمت رشوتهم ، وملئت غرائرهم ، يستمال بذلك ودّهم ، وتستخلص به نصيحتهم ، فهم ألب واحد عليك ، وأمّا سائر الناس بعد ، فإنّ أفئدتهم تهوي إليك ، وسيوفهم غدا مشهورة عليك ، فقالعليه‌السلام له : « أخبرني فهل لك علم برسولي إليكم »؟ قال : من هو؟ فقال : قيس بن مسهّر. قال : نعم ، أخذه الحصين بن تميم(١) إلى آخر ما تقدّم في ترجمة قيس.

وقال أهل السير والمقاتل : قتل مجمع مع عمرو بن خالد وأصحابهما في اليوم العاشر في مكان واحد ، كما تقدّم في ترجمة عمرو وجنادة. وسيأتي في ترجمة عائذ.

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( غرائرهم ) : الغرائر بالغين المعجمة والراء المهملة جمع غرارة بكسر الغين وهي الجوالق.

( الب ) : يقال هم عليه ألب واحد بفتح الهمزة وكسرها ، أي مجتمعون على الظلم والعداوة.

عائذ بن مجمع بن عبد الله المذحجي العائذي

كان عائذ بن مجمع خرج مع أبيه إلى الحسينعليه‌السلام فلقياه في الطريق ومانعهما الحرّ مع أصحابهما فمنعهم منه الحسينعليه‌السلام كما تقدّم ذلك.

قال أهل السير : وكانوا أربعة نفر ، وهم : عمرو بن خالد ، وجنادة ، ومجمع وابنه ، وواضح مولى الحرث ، وسعد مولى عمرو بن خالد ، فكأنّهم لم يعدوا الموليين

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٠٨.

١٤٦

واضحا وسعدا كما لم يعدّوا الطرماح دليلهم.

وقال صاحب الحدائق : قتل عائذ في الحملة الأولى(١) .

وقال غيره : قتل مع أبيه في مكان واحد كما تقدّم ، وذلك قبل الحملة الأولى في أوّل القتال ، كما وضح لك ممّا تلوناه عليك.

نافع بن هلال الجملي (٢)

هو نافع بن هلال بن نافع بن جمل بن سعد العشيرة بن مذحج المذحجي الجملي ، كان نافع سيّدا شريفا سريا شجاعا ، وكان قارئا كاتبا من حملة الحديث ومن أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام وحضر معه حروبه الثلاث في العراق وخرج إلى الحسينعليه‌السلام فلقيه في الطريق وكان ذلك قبل مقتل مسلم ، وكان أوصى أن يتبع بفرسه المسمّى بالكامل ، فأتبع مع عمرو بن خالد وأصحابه الذين ذكرناهم.

قال ابن شهرآشوب : لما ضيّق الحر على الحسينعليه‌السلام خطب أصحابه بخطبته التي يقول فيها : « أمّا بعد ، فقد نزل من الأمر ما قد ترون وأنّ الدنيا قد تنكرت وأدبرت » إلخ. قام إليه زهير فقال : قد سمعنا هداك الله مقالتك إلخ. ثمّ قام نافع فقال : يا بن رسول الله ، أنت تعلم أنّ جدّك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقدر أن يشرب الناس محبّته ، ولا أن يرجعوا إلى أمره ما أحب ، وقد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر ، ويضمرون له الغدر ، يلقونه بأحلى من العسل ، ويخلفونه بأمر من الحنظل حتّى قبضه الله إليه ، وأنّ أباك عليّا قد كان في مثل ذلك ، فقوم قد أجمعوا على نصره ، وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقوم خالفوه حتّى أتاه أجله ومضى إلى رحمة الله

__________________

(١) الحدائق الورديّة : ١٢٢.

(٢) عدّه الشيخ في أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام ، راجع رجال الشيخ : ١٠٦ ، الرقم ١٠٥١.

١٤٧

ورضوانه ، وأنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة ، فمن نكث عهده وخلع نيّته فلن يضرّ إلاّ نفسه والله مغن عنه ، فسر بنا راشدا معافى ، مشرّقا إن شئت وإن شئت مغرّبا ، فو الله ما أشفقنا من قدر الله ، ولا كرهنا لقاء ربّنا ، فإنّا على نيّاتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ونعادي من عاداك(١) . ثمّ قام برير فقال ما تقدّم في ترجمته.

وقال الطبري : منع الماء في الطف على الحسينعليه‌السلام فاشتدّ عليه وعليه وعلى أصحابه العطش ، فدعا أخاه العباس ، فبعثه في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ، وأصحبهم عشرين قربة ، فجاءوا حتّى دنوا من الماء ليلا واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال فحسّ بهم عمرو بن الحجاج الزبيدي ـ وكان حارس الماء ـ فقال : من؟ قال : من بني عمّك. فقال : من أنت؟ قال : نافع بن هلال. فقال : ما جاء بك؟ قال : جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه ، قال : اشرب هنيئا. قال : لا والله لا أشرب منه قطرة والحسين عطشان ومن ترى من أصحابه. فطلعوا عليه ، فقال : لا سبيل إلى سقي هؤلاء ، إنّما وضعنا بهذا المكان لنمنع الماء. فلمّا دنا أصحابه منه قال : املئوا قربكم.

فنزلوا فملئوا قربهم ، فثار عمرو بن الحجّاج وأصحابه ، فحمل عليهم العبّاس بن عليعليه‌السلام ونافع بن هلال الجملي ففرّقوهم وأخذوا أصحابهم ، وانصرفوا إلى رحالهم ، وقد قتلوا منهم رجالا(٢) .

وقال أبو جعفر الطبري : لمّا قتل عمرو بن قرظة الأنصاري جاء أخوه علي وكان مع ابن سعد ليأخذ بثأره فهتف بالحسينعليه‌السلام ـ كما سيأتي في ترجمة عمرو ـ فحمل عليه نافع بن هلال فضربه بسيفه فسقط وأخذه أصحابه فعولج فيما بعد وبرئ(٣) .

__________________

(١) لم أعثر عليه في المناقب ، راجع البحار : ٤٤ / ٣٨١.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٣١٢.

(٣) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٤.

١٤٨

ثمّ جالت الخيل التي منعت عليّا فردّها نافع عن أصحابه وكشفها عن وجوههم.

وحدّث يحيى بن هاني بن عروة المرادي(١) أنّه لمّا جالت الخيل بعد ضرب نافع عليّا ، حمل عليها نافع بن هلال فجعل يضرب بها قدما وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن الجملي

ديني على دين حسين بن علي

فقال له مزاحم بن حريث : إنّا على دين فلان. فقال له نافع : أنت على دين الشيطان ، ثمّ شدّ عليه بسيفه ، فأراد أن يولّي ولكن السيف سبق ، فوقع مزاحم قتيلا ، فصاح عمرو بن الحجّاج أتدرون من تقاتلون!؟ لا يبرز إليهم منكم أحد.

وقال أبو مخنف : كان نافع قد كتب اسمه على أفواق نبله ، فجعل يرمي بها مسمومة وهو يقول :

أرمي بها معلمة أفواقها

مسمومة تجري بها أخفاقها

ليملأنّ أرضها رشاقها

والنفس لا ينفعها إشفاقها

فقتل اثني عشر رجلا من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح حتّى إذا فنيت نباله ، جرّد فيهم سيفه فحمل عليهم وهو يقول :

أنا الهزبر الجملي

أنا على دين علي

فتواثبوا عليه وأطافوا به يضاربونه بالحجارة والنصال حتّى كسروا عضديه ، فأخذوه أسيرا ، فأمسكه الشمر بن ذي الجوشن ، ومعه أصحابه يسوقونه حتّى أتى به عمر بن سعد ، فقال له عمر : ويحك يا نافع ما حملك على ما صنعت بنفسك! قال : إنّ ربّي يعلم ما أردت. فقال له رجل وقد نظر الدماء تسيل على لحيته : أما ترى ما بك؟ قال : والله لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا سوى من جرحت وما ألوم نفسي على الجهد ، ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني ، فقال شمر لابن سعد : اقتله

__________________

(١) لاحظ ترجمته في تهذيب الكمال ٣٢ / ١٨ ، تحت رقم ٦٩٣٦.

١٤٩

أصلحك الله! قال : أنت جئت به ، فإن شئت فاقتله. فانتضى شمر سيفه ، فقال له نافع : أما والله لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا ، فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه ، ثمّ قتله(١) رضوان الله عليه ولعنته على قاتليه.

وفيه أقول :

ألا ربّ رام يكتب السهم نافعا

ويعني به نفعا لآل محمد

إذا ما أرنت قوسه فاز سهمها

بقلب عدو أو جناجن معتد

فلو ناضلوه ما أطافوا بغابه

ولكن رموه بالحجار المحدد

فأضحى خضيب الشيب من دم رأسه

كسير يد ينقاد للأسر عن يد

وما وجدوه واهنا بعد أسره

ولكن بسيما ذي براثن ملبد

فإن قتلوه بعد ما ارتث صابرا

فلا فخر في قتل الهزبر المخضد

ولو بقيت منه يد لم يقد لهم

ولم يقتلوه لو نضا لمهنّد

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( نافع ) : يجري على بعض الألسن ويمضى في بعض الكتب هلال بن نافع وهو غلط على ضبط القدماء.

( الجملي ) : منسوب إلى جمل بطن من مذحج. ويمضى على الألسن ، وفي الكتب البجلي وهو غلط واضح.

( حلأتمونا ) : يقال حلأ الناقة عن الورد ، أي : منعها وذادها عنه.

( أفواق ) : جمع فوق بضم الفاء وهو موضع الوتر من السهم.

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٨ بتفاوت في النقل وسقط في بعض العبارات.

١٥٠

( أخفاق ) : الصرع يقال : أخفق زيد عمرا في الحرب أي صرعه ، فكأن النبل يجري بها الصرع.

( الرشاق ) : جمع رشيق وهو السهم اللطيف. ( الإشفاق ) : الخوف.

( ناضلوه ) : راموه بالسهام. ( براثن ) : جمع برثن كقنفذ وهو مخلب الأسد.

( الملبّد ) : الأسد ذي اللبد. ( المخضّد ) : المكسّر. ( نضا ) : جرّد.

الحجّاج بن مسروق (١) بن جعف بن سعد العشيرة المذحجي الجعفي

كان الحجّاج من الشيعة ، صحب أمير المؤمنينعليه‌السلام في الكوفة ، ولمّا خرج الحسينعليه‌السلام إلى مكّة خرج من الكوفة إلى مكّة لملاقاته فصحبه ، وكان مؤذّنا له في أوقات الصلوات.

قال صاحب خزانة الأدب الكبرى : لمّا ورد الحسينعليه‌السلام قصر بني مقاتل رأى فسطاطا مضروبا ، فقال : لمن هذا؟ فقيل : لعبيد الله بن الحر الجعفي. فأرسل إليه الحجّاج بن مسروق الجعفي ، ويزيد بن مغفل(٢) الجعفي فأتياه وقالا : إنّ أبا عبد الله يدعوك. فقال لهما : أبلغا الحسينعليه‌السلام أنّه إنّما دعاني من الخروج إلى الكوفة حين بلغني أنّك تريدها فرار من دمك ودماء أهل بيتك ، ولئلاّ أعين عليك ، وقلت إن قاتلته كان عليّ كبيرا وعند الله عظيما ، وإن قاتلت معه ولم أقتل بين يديه كنت قد ضيّعته ، وإن قتلت فأنا رجل أحمى أنفا من أن أمكّن عدوي فيقتلني ضيعة ، والحسين ليس له ناصر بالكوفة ولا شيعة يقاتل بهم. فأبلغ الحجّاج وصاحبه قول عبيد الله إلى الحسينعليه‌السلام فعظم عليه ، ودعا بنعليه ثمّ أقبل يمشي حتّى دخل على عبيد الله بن

__________________

(١) في الإرشاد ٢ / ٧٨ : مسرور بدل مسروق.

(٢) في المصدر : معقل.

١٥١

الحر فسطاطه فأوسع له عن صدر مجلسه واستقبله إجلالا وجاء به حتّى أجلسه.

قال يزيد بن مرّة : فحدّثني عبيد الله بن الحر قال : دخل عليّ الحسينعليه‌السلام ولحيته كأنّها جناح غراب! فما رأيت أحدا قط أحسن ولا أملأ للعين منه ، ولا رققت على أحد قطّ رقّتي عليه حين رأيته يمشي وصبيانه حوله ، فقال الحسينعليه‌السلام : ما يمنعك يا ابن الحرّ أن تخرج معي!؟ فقال ابن الحرّ : لو كنت كائنا مع أحد الفريقين لكنت معك ، ثمّ كنت من أشدّ أصحابك على عدوّك ، فأنا أحبّ أن تعفيني من الخروج معك ، ولكن هذه خيل لي معدّة وأدلاّء من أصحابي ، وهذه فرسي المحلقة فو الله ما طلبت عليها شيئا قط إلاّ أدركته ولا طلبني أحد إلاّ فتّه ، فاركبها حتّى تلحق بمأمنك وأنا لك ضمين بالعيالات حتّى أدّيهم إليك أو أموت وأصحابي عن آخرهم دونهم وأنا كما تعلم إذا دخلت في أمر لم يضمني فيه أحد.

قال الحسينعليه‌السلام : « أفهذه نصيحة لنا منك يا ابن الحر »؟ قال : نعم ، والله الذي لا شيء فوقه! فقال له الحسينعليه‌السلام : « إنّي سأنصح لك كما نصحت لي إن استطعت أن لا تسمع صراخنا ؛ ولا تشهد واعيتنا فافعل ، فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا إلاّ أكبّه الله في نار جهنّم ».

ثمّ خرج الحسينعليه‌السلام من عنده(١) وعليه جبّة خزّ وكساء وقلنسوة مورّدة ومعه صاحباه الحجّاج ويزيد وحوله صبيانه فقمت مشيعا له وأعدت النظر إلى لحيته ، فقلت : أسواد ما أرى أم خضاب؟ فقالعليه‌السلام : « يا ابن الحرّ عجّل عليّ الشيب » فعرفت أنّه خضاب وودّعته(٢) .

وقال ابن شهرآشوب وغيره : لمّا كان اليوم العاشر من المحرّم ووقع القتال تقدّم

__________________

(١) في المتن من عنده ، والظاهر أنّها : من عندي.

(٢) خزانة الأدب : ٢ / ١٥٨ ، راجع الأخبار الطوال : ٢٥٠ ، والإرشاد : ٢ / ٨١.

١٥٢

الحجّاج بن مسروق الجعفي إلى الحسينعليه‌السلام واستأذنه في القتال ، فأذن له ثمّ عاد إليه وهو مخضّب بدمائه فأنشده :

فدتك نفسي هاديا مهديا

اليوم ألقى جدّك النبيّا

ثمّ أباك ذا الندى عليّا

ذاك الذي نعرفه الوصيّا

فقال له الحسينعليه‌السلام : « نعم ، وأنا ألقاهما على أثرك » ، فرجع يقاتل حتّى قتلرضي‌الله‌عنه (١) .

يزيد بن مغفل (٢) بن جعف بن سعد العشيرة المذحجي الجعفي

كان يزيد بن مغفل أحد الشجعان من الشيعة والشعراء المجيدين ، وكان من أصحاب عليعليه‌السلام حارب معه في صفّين ، وبعثه في حرب الخريت من الخوارج. فكان على ميمنة معقل بن قيس عند ما قتل الخريت. كما ذكره الطبري(٣) .

وقال المرزباني في معجم الشعراء : كان من التابعين وأبوه من الصحابة.

وروى صاحب الخزانة : أنّه كان مع الحسينعليه‌السلام في مجيئه من مكّة وأرسله مع الحجّاج الجعفي إلى عبيد الله بن الحر(٤) كما ذكرته في ترجمة الحجّاج.

وذكر أهل المقاتل والسير أنّه لمّا التحم القتال في اليوم العاشر استأذن يزيد بن مغفل الحسينعليه‌السلام في البراز فأذن له ، فتقدّم وهو يقول :

أنا يزيد وأنا ابن مغفل

وفي يميني نصل سيف منجل

أعلو به الهامات وسط القسطل

عن الحسين الماجد المفضل

__________________

(١) المناقب : ٤ / ١٠٣ بتفاوت.

(٢) في اللهوف ١٦٠ : يزيد بن معقل.

(٣) راجع الكامل : ٤ / ٢٩٢.

(٤) راجع خزانة الأدب : ٢ / ١٥٨.

١٥٣

ثمّ قاتل حتّى قتل.

وقال المرزباني في معجمه : إنّه لمّا جدّ القتال تقدّم وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن مغفل

شاك لدى الهيجاء غير أعزل

وفي يميني نصل سيف منصل

أعلو به الفارس وسط القسطل

قال : فقاتل قتالا لم ير مثله حتّى قتل جماعة ، ثمّ قتلرضي‌الله‌عنه (١) .

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( جعف ) : بضم الجيم وسكون العين المهملة ثمّ الفاء بطن من سعد العشيرة.

( مغفل ) : بوزن مكرم بالغين والفاء المعجمتين ثمّ اللام.

( القسطل ) : العجاج في الحرب من المصادمة والمكافحة.

__________________

(١) لم أعثر عليه في معجم الشعراء.

١٥٤

المقصد الخامس

في الأنصار

من أنصار الحسينعليه‌السلام

عمرو بن قرظة الأنصاري

هو عمرو بن قرظة بن كعب بن عمرو بن عائذ بن زيد مناة بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج ، الأنصاري الخزرجي الكوفي.

كان قرظة(١) من الصحابة الرواة. وكان من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، نزل الكوفة ، وحارب مع أمير المؤمنينعليه‌السلام في حروبه ، وولاّه فارس. وتوفي سنة إحدى وخمسين. وهو أوّل من نيح عليه بالكوفة ، وخلّف أولادا أشهرهم عمرو ، وعلي ، أمّا عمرو فجاء إلى أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام أيّام المهادنة في نزوله بكربلاء قبل الممانعة ، وكان الحسينعليه‌السلام يرسله إلى عمر بن سعد في المكالمة التي دارت بينهما قبل إرسال شمر بن ذي الجوشن ، فيأتيه بالجواب حتّى كان القطع بينهما بوصول شمر ، فلمّا كان اليوم العاشر من المحرّم استأذن الحسينعليه‌السلام في القتال ثمّ برز وهو يقول :

__________________

(١) قال ابن حجر : قرظة بن كعب بن ثعلبة الأنصاري ، صحابي شهد الفتوح بالعراق ، ومات في حدود الخمسين على الصحيح. راجع تقريب التهذيب : ٢ / ١٢٤ ، الرقم ٩٨.

١٥٥

قد علمت كتائب الأنصار

إنّي سأحمي حوزة الذمار

فعل غلام غير نكس شار

دون حسين مهجتي وداري(١)

قال الشيخ ابن نما : عرّض بقوله ( دون حسين مهجتي وداري ) بعمر بن سعد فإنّه لمّا قال له الحسينعليه‌السلام صر معي ، قال : أخاف على داري ، فقال الحسينعليه‌السلام له : « أنا أعوّضك عنها ، قال : أخاف على مالي ، فقال له : أنا أعوّضك عنه من مالي بالحجاز » فتكرّه انتهى(٢) كلامه.

ثمّ إنّه قاتل ساعة ورجع للحسينعليه‌السلام فوقف دونه ليقيه من العدو.

قال الشيخ ابن نما : فجعل يلتقي السهام بجبهته وصدره فلم يصل إلى الحسينعليه‌السلام سوء حتّى أثخن بالجراح ، فالتفت إلى الحسينعليه‌السلام فقال : أوفيت يا ابن رسول الله؟

قال : « نعم ، أنت أمامي في الجنّة ، فاقرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله السلام وأعلمه أنّي في الأثر » ، فخرّ قتيلا رضوان الله عليه(٣) .

وأمّا علي فخرج مع عمر بن سعد ، فلمّا قتل أخوه عمرو ، برز من الصف ونادى يا حسين يا كذّاب أغررت أخي وقتلته؟ فقال له الحسينعليه‌السلام : « إنّي لم أغرّ أخاك ولكن هداه الله وأضلّك » ، فقال علي : قتلني الله إن لم أقتلك أو أموت دونك ، ثمّ حمل على الحسينعليه‌السلام فاعترضه نافع بن هلال فطعنه حتّى صرعه ، فحمل أصحابه عليه واستنقذوه فدووي بعد فبرئ(٤) . ولعليّ هذا دون أخيه الشهيد ترجمة في كتب القوم ورواية عنه ومدح فيه!!

__________________

(١) راجع المناقب : ٤ / ١٠٥.

(٢) مثير الأحزان : ٦١.

(٣) مثير الأحزان : ٦١ ، راجع اللهوف : ١٦٢.

(٤) راجع تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٤.

١٥٦

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( قرظة ) : بالحركات الثلاث على القاف والراء المهملة والظاء المعجمة ، ويمضى في بعض الكتب قرطة بالطاء المهملة وهو تصحيف.

( شار ) : الشاري الباذل نفسه في سبيل الله ، مأخوذ من قوله تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) (١) .

عبد الرحمن بن عبد ربّ الأنصاري الخزرجي (٢)

كان صحابيّا ، له ترجمة ورواية ، وكان من مخلصي أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام .

قال ابن عقدة : حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن إسحاق الراشدي ، عن محمّد بن جعفر النميري ، عن علي بن الحسن العبدي ، عن الأصبغ بن نباتة قال : نشد عليعليه‌السلام الناس في الرحبة من سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم غدير خمّ ما قال إلاّ قام ولا يقوم إلاّ من سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ، فقام بضعة عشر رجلا فيهم أبو أيّوب الأنصاري ، وأبو عمرة ابن عمرو بن محصن ، وأبو زينب ، وسهل بن حنيف ، وخزيمة بن ثابت ، وعبد الله بن ثابت ، وحبشي بن جنادة السلولي ، وعبيد بن عازب ، والنعمان بن عجلان الأنصاري ، وثابت بن وديعة الأنصاري ، وأبو فضالة الأنصاري ، وعبد الرحمن بن عبد ربّ الأنصاري ، فقالوا : نشهد أنّا سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « ألا إنّ الله عزّ وجلّ وليّي وأنا وليّ المؤمنين ، ألا فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ٢٠٧.

(٢) عدّه الشيخ الطوسي فيمن روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : ٧٤ ، الرقم ٦٩٨.

١٥٧

عاداه وأحبّ من أحبّه وابغض من أبغضه وأعن من أعانه »(١) .

وذكر في أسد الغابة(٢) ذلك وكرّره في مواضع الذين قاموا من الصحابة.

وقال في الحدائق : وكان علي بن أبي طالبعليه‌السلام هو الذي علّم عبد الرحمن هذا القرآن وربّاه(٣) .

وكان عبد الرحمن جاء معه فيمن جاء من مكّة وقتل بين يديه في الحملة الأولى.

وقال السروي : أنّه قاتل وقتلرضي‌الله‌عنه (٤) .

نعيم بن العجلان الأنصاري الخزرجي (٥)

كان النضر والنعمان ونعيم إخوة من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولهم في صفين(٦) مواقف فيها ذكر وسمعة ، وكانوا شجعاء شعراء. مات النضر والنعمان ، وبقي نعيم في الكوفة ، فلمّا ورد الحسينعليه‌السلام إلى العراق خرج إليه وصار معه ، فلمّا كان اليوم العاشر تقدّم إلى القتال فقتل في الحملة الأولى.

جنادة بن كعب بن الحرث الأنصاري الخزرجي

كان جنادة ممّن صحب الحسينعليه‌السلام من مكّة وجاء معه هو وأهله ، فلمّا كان يوم الطف تقدّم إلى القتال فقتل في الحملة الأولى.

__________________

(١) راجع الغدير : ٢ / ٤٩.

(٢) أسد الغابة : ٣ / ٣٠٧.

(٣) الحدائق الورديّة : ١٢٢.

(٤) المناقب : ٤ / ١١٣ ، وفيه : عبد الرحمن الأرحبي.

(٥) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : ١٠٦ ، الرقم : ١٠٥٠.

(٦) راجع وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ص ٣٨٠ و ٥٠٧.

١٥٨

عمر بن جنادة بن كعب بن الحرث الأنصاري الخزرجي

كان عمر غلاما جاء مع أبيه وأمّه ، فأمرته أمّه بعد أن قتل أبوه في الحرب ، فوقف أمام الحسينعليه‌السلام يستأذنه فلم يأذن له ، فأعاد عليه الاستئذان.

قال أبو مخنف : فقال الحسين : « إنّ هذا غلام قتل أبوه في المعركة ولعلّ أمّه تكره ذلك ». فقال الغلام : إنّي أمّي هي التي أمرتني. فأذن له فتقدّم إلى الحرب فقتل وقطع رأسه ورمي به إلى جهة الحسين ، فأخذته أمّه وضربت به رجلا فقتلته ، وعادت إلى المخيّم فأخذت عمودا لتقاتل به فردّها الحسينعليه‌السلام (١) .

سعد بن الحرث الأنصاري العجلاني

وأخوه

أبو الحتوف بن الحرث الأنصاري العجلاني

كانا من أهل الكوفة ومن المحكّمة فخرجا مع عمر بن سعد إلى قتال الحسينعليه‌السلام . قال صاحب الحدائق : فلمّا كان اليوم العاشر ، وقتل أصحاب الحسين فجعل الحسين ينادي : « ألا ناصر فينصرنا » ، فسمعته النساء والأطفال ، فتصارخن وسمع سعد وأخوه أبو الحتوف النداء من الحسينعليه‌السلام والصراخ من عياله فمالا بسيفيهما مع الحسين على أعدائه فجعلا يقاتلان حتّى قتلا جماعة وجرحا آخرين ، ثمّ قتلا معا(٢) .

__________________

(١) راجع مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم : ٢٥٣ ، وأورده في المقتل المنسوب لأبي مخنف ص ١١٢ بتفاوت وفيه بعنوان الغلام الذي أسلم.

(٢) الحدائق الورديّة : ١٢٢. وفيه : وقد أصابا في أصحاب عمر بن سعد ثلاثة نفر.

١٥٩
١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303