ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام18%

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام مؤلف:
المحقق: محمد جعفر الطبسي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 303

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 303 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127481 / تحميل: 6743
الحجم الحجم الحجم
ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

٤. روى الإمام الصادقعليه‌السلام عن جده أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنّه قال لقاض « هل تعرف الناسخ من المنسوخ ؟ » ، قال : لا ، قال : « فهل أشرفت على مراد الله عزّ وجل في أمثال القرآن ؟ » ، قال : لا ، قال : « إذاً هلكت وأهلكت ». والمفتي يحتاج إلى معرفة معاني القرآن وحقائق السنن وبواطن الإشارات والآداب والإجماع والاختلاف والإطّلاع على أُصول ما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه ، ثم حسن الاختيار ، ثم العمل الصالح ، ثم الحكمة ، ثم التقوى ، ثم حينئذٍ إن قدر.(١)

٥. قال أمير المؤمنين علىعليه‌السلام : « سمّوهم بأحسن أمثال القرآن ، يعنى : عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هذا عذب فرات فاشربوا ، وهذا ملح أجاج فاجتنبوا ».(٢)

٦. وقال علي بن الحسينعليهما‌السلام في دعائه عند ختم القرآن :

« اللّهمّ انّك أعنتني على ختم كتابك الذي أنزلته نوراً وجعلته مهيمناً على كل كتاب أنزلته ـ إلى أن قال : ـ اللّهم اجعل القرآن لنا في ظلم الليالي مؤنساً ، ومن نزعات الشيطان وخطرات الوساوس حارساً ، ولأقْدامِنا عن نقلها إلى المعاصي حابساً ، ولألسنتنا عن الخوض في الباطل من غير ما آفة مخرساً ، ولجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجراً ، ولما طوت الغفلة عنّا من تصفح الاعتبار ناشراً ، حتى توصل إلى قلوبنا فهم عجائبه وزواجر أمثاله التي ضعفت الجبال الرواسي على صلابتها عن احتماله ».(٣)

٧. وقال علي بن الحسينعليهما‌السلام في مواعظه : « فاتّقوا الله عباد الله ، واعلموا أنّ الله عزّ وجلّ لم يحب زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه ولم يرغّبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها ، وإنّما خلق الدُّنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيّهم

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ٢ / ١٢١ ح٣٤ ، باب النهى عن القول بغير علم من كتاب العلم.

٢ ـ بحار الأنوار : ٩٢ / ١١٦ ، الباب ١٢ من كتاب القرآن.

٣ ـ الصحيفة السجادية : من دعائه ٧ عند ختم القرآن.

٢١

أحسن عملاً لآخرته ، وأيم الله لقد ضرب لكم فيه الأمثال وصرّف الآيات لقوم يعقلون ولا قوّة إلاّ بالله ».(١)

٨. وقال الإمام الباقرعليه‌السلام لاَخيه زيد بن علي : « هل تعرف يا أخى من نفسك شيئاً مما نسبتها إليه فتجيئ عليه بشاهد من كتاب الله ، أو حجّة من رسول الله ، أو تضرب به مثلاً ، فانّ الله عز وجلّ أحلَّ حلالاً وحرّم حراماً ، فرض فرائض ، وضرب أمثالاً ، وسنَّ سنناً ».(٢)

٩. روي الكليني عن إسحاق بن جرير ، قال : سألتني امرأة أن استأذن لها على أبي عبد اللهعليه‌السلام فأذن لها ، فدخلت ومعها مولاة لها ، فقالت : يا أبا عبد الله قول الله عزّ وجلّ :( زَيتُونةٍ لا شَرْقيةٍ وَلا غَرْبية ) (٣) ما عني بهذا ؟ فقال : « أيّتها المرأة إنّ الله لم يضرب الأمثال للشجر إنّما ضرب الأمثال لبني آدم ».(٤)

١٠. روى داود بن كثير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال : « يا داود إنّ الله خلقنا فأكرم خلقنا وفضلنا وجعلنا أُمناءه وحفظته وخزّانه على ما في السماوات وما في الأرض ، وجعل لنا أضداداً وأعداءً ، فسمّـانا في كتابه وكنّى عن أسمائنا بأحسن الأسماء وأحبها إليه ، وسمّى أضدادنا وأعداءنا في كتابه وكنّى عن أسمائهم وضرب لهم الأمثال في كتابه في أبغض الأسماء إليه ».(٥)

هذه عشرة كاملة من كلمات أئمّتنا المعصومين حول أمثال القرآن.

__________________

١ ـ الكافي : ٨ / ٧٥.

٢ ـ بحار الأنوار : ٤٦ / ٢٠٤ ، الباب ١١.

٣ ـ النور : ٣٥.

٤ ـ الكافي : ٥ / ٥٥١ ، الحديث ٢ ، باب السحق من كتاب النكاح.

٥ ـ البحار : ٢٤ / ٣٠٣ ، الحديث ١٤.

٢٢

وقد حازت الأمثال القرآنية على اهتمام المفكرين ، فذكروا حولها كلمات تعرب عن أهمية الأمثال ومكانتها في القرآن :

١. قال حمزة بن الحسن الاصبهاني ( المتوفّى عام ٣٥١ هـ ) : لضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء النظائر ، شأن ليس بالخفي في إبراز خفيّات الدقائق ورفع الأستار عن الحقائق ، تريك المتخيَّل في صورة المتحقق ، والمتوهَّم في معرض المتيقن ، والغائب كأنّه مشاهد ، وفي ضرب الأمثال تبكيت للخصم الشديد الخصومة ، وقمع لسورة الجامح الأبيّ ، فإنّه يؤثر في القلوب ما لا يؤثّر وصف الشيء في نفسه ولذلك أكثر الله تعالى في كتابه وفي سائر كتبه الأمثال ، ومن سور الإنجيل سورة تسمّى سورة الأمثال وفشت في كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكلام الأنبياء والحكماء.(١)

٢. قال الإمام أبو الحسن الماوردي ( المتوفّى عام ٤٥٠ هـ ) : من أعظم علم القرآن علم أمثاله ، والنّاس في غفلة عنه لاشتغالهم بالأمثال ، وإغفالهم الممثَّلات ، والمثل بلا ممثَّل كالفرس بلا لجام والناقة بلا زمام.(٢)

٣. قال الزمخشري ( المتوفّى عام ٥٣٨ هـ ) في تفسير قوله سبحانه :( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ) (٣) : وضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء المثل والنظائر ، إلى آخر ما نقلناه عن الاصبهاني.(٤)

٤. وقال الرازي ( المتوفّى عام ٦٠٦ هـ ) : « إن المقصود من ضرب الأمثال انّها

__________________

١ ـ الدرّة الفاخرة في الأمثال السائرة : ١ / ٥٩ ـ ٦٠ والعجب أن هذا النص برمّته موجود في الكشّاف في تفسير قوله سبحانه :( فَما رَبِحَتْ تِجارتهم وَما كانُوا مُهْتَدين مَثَلُهُمْ كَمَثل الَّذي استَوقَدَ ناراً ) ( انظر الكشّاف : ١ / ١٤٩ ).

٢ ـ الإتقان في علوم القرآن : ٢ / ١٠٤١.

٣ ـ البقرة : ١٧.

٤ ـ الكشّاف : ١ / ٧٢.

٢٣

تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه ، وذلك لأنّ الغرض في المثل تشبيه الخفي بالجلي ، والغائب بالشاهد ، فيتأكد الوقوف على ماهيته ، ويصير الحس مطابقاً للعقل ، وذلك في نهاية الإيضاح ، ألا ترى أنّ الترغيب إذا وقع في الإيمان مجرّداً عن ضرب مثل له لم يتأكد وقوعه في القلب كما يتأكد وقوعه إذا مُثّل بالنور ، وإذا زهد في الكفر بمجرّد الذكر لم يتأكد قبحه في العقول ، كما يتأكد إذا مثل بالظلمة ، وإذا أخبر بضعف أمر من الأمور وضرب مثله بنسج العنكبوت كان ذلك أبلغ في تقرير صورته من الاِخبار بضعفه مجرّداً ، ولهذا أكثر الله تعالى في كتابه المبين ، وفي سائر كتبه أمثاله ، قال تعالى :( وَتِلْكَ الأمْثال نَضْرِبها لِلنّاس ) (١) .(٢)

٥. وقال الشيخ عزالدين عبدالسلام ( المتوفّى عام ٦٦٠ هـ ) : إنّما ضرب الله الأمثال في القرآن ، تذكيراً ووعظاً ، فما اشتمل منها على تفاوت في ثواب ، أو على إحباط عمل ، أو على مدح أو ذم أو نحوه ، فإنّه يدل على الاحكام.(٣)

٦. وقال الزركشي ( المتوفّى عام ٧٩٤ هـ ) : وفي ضرب الأمثال من تقرير المقصود ما لا يخفى ، إذ الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي ، والشاهد بالغائب ، فالمرغب في الإيمان مثلاً ، إذا مثّل له بالنور تأكّد في قلبه المقصود ، والمزهَّد في الكفر إذا مثل له بالظلمة تأكد قبحه في نفسه وفيه أيضاً تبكيت الخصم ، وقد أكثر الله تعالى في القرآن ، وفي سائر كتبه من الأمثال.(٤)

لكن يرد على ما ذكره الزمخشري والرازي والزركشي أنّ ما ذكروه راجع إلى

__________________

١ ـ العنكبوت : ٤٣.

٢ ـ مفاتيح الغيب : ٢ / ٧٢ ـ ٧٣.

٣ ـ الإتقان في علوم القرآن : ٢ / ١٠٤١.

٤ ـ البرهان في علوم القرآن : ١ / ٤٨٨.

٢٤

نفس الأمثال لا إلى الضرب بها ، فانّ الأمثال شيء وضرب الأمثال شيء آخر ، لأنّ إبراز المتخيل بصورة المحقّق ، والمتوهم في معرض المتيقن ، ليس من مهمة ضرب الأمثال ، وإنّما هي مهمة نفس الأمثال ، « وذلك أنّ المعاني الكلية تعرض للذهن مجملة مبهمة ، فيصعب عليه أن يحيط بها وينفذ فيها فيستخرج سرّها ، والمثل هو الذي يفصّل إجمالها ، ويوضّح إبهامها ، فهو ميزان البلاغة وقسطاسها ومشكاة الهداية ونبراسها ».(١)

السابع : الكتب المؤلفة في الأمثال القرآنية

ولأجل هذه الاَهمية التي حازتها الأمثال القرآنية ، قام غير واحد من علماء الإسلام القدامى منهم والجدد ، بتأليف رسائل وكتب حول الأمثال القرآنية نذكر منها ما وقفنا عليه.

١. « أمثال القرآن » للجنيد بن محمد القواريري ( المتوفّى سنة ٢٩٨ هـ ).

٢. « أمثال القرآن » لاِبراهيم بن محمد بن عرفة بن مغيرة المعروف بنفطويه ( المتوفّـى سنة ٣٢٣ هـ ).

٣. « الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة » لحمزة بن الحسن الاصبهاني ( المتوفّـى ٣٥١ هـ ).

٤. « أمثال القرآن » لأبي على محمد بن أحمد بن الجنيد الاسكافي ( المتوفّى عام ٣٨١ هـ ).

٥. « أمثال القرآن » للشيخ أبي عبد الرحمن محمد بن حسين السلمي النيسابوري ( المتوفّـى عام ٤١٢ هـ ).

__________________

١ ـ تفسير المنار : ١٢٣٧.

٢٥

٦. « الأمثال القرآنية » للاِمام أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي الشافعي ( المتوفّـى سنة ٤٥٠ هـ ).

٧. « أمثال القرآن » للشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية ( المتوفّـى سنة ٧٥٤ هـ ). وقد طبعت مؤخّراً.

٨. « الأمثال القرآنية » لعبد الرحمن حسن حنبكة الميداني.

٩. « أمثال القرآن » للمولى أحمد بن عبد الله الكوزكناني التبريزي ( المتوفّـى عام ١٣٢٧ هـ ). المطبوعة على الحجر في تبريز عام ١٣٢٤ هـ.

١٠. « أمثال القرآن » للدكتور محمود بن الشريف.

١١. « الأمثال في القرآن الكريم » للدكتور محمد جابر الفياضي. وقد طبعت مؤخّراً.

١٢. « الصورة الفنية في المثل القرآني » للدكتور محمد حسين علي الصغير. وقد طبعت مؤخّراً.

١٣. « أمثال قرآن » ( بالفارسية ) لعلي أصغر حكمت. وقد طبعت مؤخّراً.

١٤. « تفسير أمثال القرآن » ( بالفارسية ) للدكتور إسماعيل إسماعيلي. وقد طبعت مؤخّراً.

الثامن : تقسيم الأمثال القرآنية إلى الصريح والكامن

ذكر بدر الدين الزركشي ان الأمثال على قسمين : ظاهر وهو المصرّح به ، وكامن وهو الذي لا ذكر للمثل فيه وحكمه حكم الأمثال.(١)

وقد نقل السيوطي ذلك النص بنفسه وحاول تفسير المثل الكامن ، وقال ما

__________________

١ ـ البرهان في علوم القرآن : ١ / ٥٧١.

٢٦

هذا نصّه : فمن أمثلة الأوّل ، قوله تعالى :( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذي اسْتَوقَدَ ناراً ...) (١) ضرب فيها للمنافقين مثلين : مثلاً بالنار ومثلاً بالمطر ـ ثمّ قال ـ : وأما الكامنة : فقال الماوردي : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم ، يقول : سمعت أبي يقول : سألت الحسين بن فضل ، فقلت : إنّك تخرج أمثال العرب والعجم من القرآن ، فهل تجد في كتاب الله : « خير الأمور أوسطها » ؟ قال : نعم في أربعة مواضع :

قوله تعالى :( لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ ) .(٢)

وقوله تعالى :( وَالّذينَ إذا أَنْفَقُوا لم يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُروا وكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَوا ماً ) .(٣)

وقوله تعالى :( وَلا تَجْعَل يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ) .(٤)

وقوله تعالى :( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبيلاً ) .(٥)

قلت : فهل تجد في كتاب الله « من جهل شيئاً عاداه » ؟ قال : نعم ، في موضعين :

( بَل كَذّبُوا بما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ) .(٦)

__________________

١ ـ البقرة : ١٧ ـ ٢٠.

٢ ـ البقرة : ٦٨.

٣ ـ الفرقان : ٦٧.

٤ ـ الإسراء : ٢٩.

٥ ـ الإسراء : ١١٠.

٦ ـ يونس : ٣٩.

٢٧

( وَإِذ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَديم ) .(١)

قلت : فهل تجد في كتاب الله « احذر شر من أحسنت إليه » ؟ قال : نعم.

( وما نَقمُوا إلاّ أن أغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ) .(٢)

قلت : فهل تجد في كتاب الله « ليس الخبر كالعيان » ؟ قال : في قوله تعالى :( قالَ أَوَ لَمْ تُوَْمِن قال بَلى ولَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبي ) .(٣)

قلت : فهل تجد « في الحركات البركات » ؟ قال : في قوله تعالى :( وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبيلِ اللهِ يَجِدْ في الأرْضِ مُراغَماً كَثيراً وَسَعَة ) .(٤)

قلت : فهل تجد « كما تدين تدان » ؟ قال : في قوله تعالى :( مَنْ يعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِه ) .(٥)

قلت : فهل تجد فيه قولهم « حين تَقْلي تدري » ؟ قال :( وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حينَ يَرَونَ العَذابَ مَن أَضلُّ سَبِيلاً ) .(٦)

قلت : فهل تجد فيه : « لا يُلدغ المؤمن من جحر مرّتين » ؟ قال :( هَلْ آمنُكُمْ عَليهِ إلا كَما أَمِنتُكُمْ عَلى أَخيهِ مِنْ قَبْلُ ) .(٧)

قلت : فهل تجد فيه « من أعان ظالماً سُلّط عليه » ؟ قال :( كَتَبَ عَليهِ أنَّهُ مَنْ

__________________

١ ـ الأحقاف : ١١.

٢ ـ التوبة : ٧٤.

٣ ـ البقرة : ٢٦٠.

٤ ـ النساء : ١٠٠.

٥ ـ النساء : ١٢٣.

٦ ـ الفرقان : ٤٢.

٧ ـ يوسف : ٦٤.

٢٨

تَوَلاّهُ فَأنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعير ) .(١)

قلت : فهل تجد فيه قولهم : « ولا تلد الحية إلا حيّة » ؟ قال : قوله تعالى :( وَلا يَلِدُوا إلا ف اجِراً كَفّاراً ) .(٢)

قلت : فهل تجد فيه : « للحيطان آذان » ؟ قال :( وَفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ ) .(٣)

قلت : فهل تجد فيه : « الجاهل مرزوق والعالم محروم » ؟ قال :( مَنْ كانَ فِي الضَّلالةِ فلَيَمْدُد لَهُ الرَّحْمنُ مَدّاً ) .(٤)

قلت : فهل تجد فيه : « الحلال لا يأتيك إلا قوتاً ، والحرام لا يأتيك إلا جزافاً » ؟ قال :( إذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَومَ سَبْتِهِمْ شُرّعاً وَيَومَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهم ) (٥) .(٦)

وقد أخذ عليه « بأنّه لو حققْتَ النظر فيما أورده الماوردي ، لما وجدت مثلاً قرآنياً واحداً بالمعنى الذي يراد التعبير عنه بأنّه مثل كامن ، على أنّ الماوردي لم ينقل عن الحسين بن الفضل بأنّ متخيّره هذا مثل كامن ، ولاسمَّى الماوردي ذلك به ، وإنّما أورد رواية للمقارنة بما يمكن أن يعد أمثالاً من كلام العرب والعجم ، ووضع قائمة مختارة ازاءه من كتاب الله بما يبذّ كلامهم ويعلو على أمثالهم.

فالتسمية إذن اختارها السيوطي متابعاً فيها الزركشي. وطبّق عليها هذه

__________________

١ ـ الحج : ٤.

٢ ـ نوح : ٢٧.

٣ ـ التوبة : ٤٧.

٤ ـ مريم : ٧٥.

٥ ـ الأعراف : ١٦٣.

٦ ـ الإتقان في علوم القرآن : ٢ / ١٠٤٥ ـ ١٠٤٦.

٢٩

الأمثلة. فهي فيما عنده أمثال كامنة ولكنّه من الواضح أن هذه العبارات القرآنية لا تدخل في باب الأمثال ، فإن اشتمال العبارة على معنى ورد في مثل من الأمثال ، لا يكفي لإطلاق لفظ المثل على تلك العبارة ، فالصيغة الموروثة ركن أساس في المثل ، لذلك نرى أنّ اصطلاح العلماء على تسمية هذه العبارات القرآنية ( أمثالاً كامنة ) محاولة لا تستند على دليل نصّي ولا تاريخي.(١)

تفسير آخر للمثل الكامن :

ويمكن تفسير المثل الكامن بالتمثيلات التي وردت في الذكر الحكيم من دون أن يقترن بكلمة « مثل » أو « كاف » التشبيه ، ولكنّه في الواقع تمثيل رائع لحقيقة عقلية بعيدة عن الحسن المجسّد بما في التمثيل من الأمر المحسوس ، ومن هذا الباب قوله سبحانه :

١.( أَفَمَنْ أسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيرٌ أَمْ مَن أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بهِ في نارِ جَهَنَّم وَاللهُ لا يَهْدي القَوم الظّالِمين ) .(٢)

إنّه سبحانه شبَّه بنيانهم على نار جهنم بالبناء على جانب نهر هذا صفته ، فكما أنّ من بنى على جانب هذا النهر فإنّه ينهار بناءه في الماء ولا يثبت ، فكذلك بناء هؤلاء ينهار ويسقط في نار جهنم ، فالآية تدلّ على أنّه لا يستوي عمل المتقي وعمل المنافق ، فإنّ عمل المؤمن المتقي ثابت مستقيم مبني على أصل صحيح ثابت ، وعمل المنافق ليس بثابت وهو واهٍ ساقط.(٣)

____________

١ ـ الصورة الفنية في المثل القرآني : ١١٨ ، نقلاً عن كتاب « الأمثال في النثر العربي القديم ».

٢ ـ التوبة : ١٠٩.

٣ ـ مجمع البيان : ٣ ٧٣.

٣٠

٢.( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَروا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدخُلُونَ الجنَّةَ حتّى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي المُجْرِمِين ) .(١)

كانت العرب تمثّل للشيء البعيد المنال ، بقولهم : لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب ، وحتى يَبْيَضَّ القار ، إلى غير ذلك من الأمثال.

يقول الشاعر :

إذا شاب الغراب أتيت أهلي

وصار القار كاللبن الحليب

ولكنّه سبحانه مثّل لاستحالة دخول الكافر الجنّة بأنّهم يدخلون لو دخل الجمل في ثقب الاِبرة ، وقال : ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط ، معبراً عن كونهم لا يدخلون الجنة أبداً.

ففي الآية تمثيل وليس لها من لفظ المثل وحرف التشبيه أثر.

٣.( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإذْنِ رَبّهِ وَالّذي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلاّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرّفُ الآيات لِقَوْمٍ يَشْكُرُون ) .(٢)

إنّ هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر فأخبر بأنّ الأرض كلّها جنس واحد ، إلا أنّ منها طيّبة تلين بالمطر ، ويحسن نباتها ويكثر ريعها ، ومنها سبخة لا تنبت شيئاً ، فإن أنبتت فممّـا لا منفعة فيه ، وكذلك القلوب كلّها لحم ودم ثمّ منها ليّن يقبل الوعظ ومنها قاسٍ جافٍ لا يقبل الوعظ ، فليشكر الله تعالى من لانَ قلبه بذكره.(٣)

__________________

١ ـ الأعراف : ٤٠.

٢ ـ الأعراف : ٥٨.

٣ ـ مجمع البيان : ٢ / ٤٣٢.

٣١

وفي ذيل الآية( كَذلِكَ نُصَرّفُ الآيات ) إلمام إلى كونه تمثيلاً ، كما في الآية التالية.

٤. قال سبحانه :( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلّ الثَّمراتِ وَأَصابَهُ الكِبَر وَلَهُ ذُرّيّةٌ ضُعفاءُ فَأَصابَها إعصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون ) .(١)

أخرج البخاري عن ابن عباس ، قال : قال عمر بن الخطاب يوماً لأصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيمن ترون هذه الآية نزلت( أَيَوَدُّ أَحدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة مِنْ نَخيل وَأَعْناب ) ؟

قالوا : الله أعلم ، فغضب عمر ، وقال : قولوا : نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء ، فقال : يابن أخي : قل ولا تحقِّر نفسك ، قال ابن عباس : ضربت مثلاً لعملٍ ، قال عمر : أي عمل ؟ قال ابن عباس : لرجل غني عمل بطاعة الله ، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله.(٢)

وحصيلة البحث : إنّ التمثيل الوارد في القرآن الكريم ، تارة يقترن بكلمة المثل ، وأخرى يقترن به مع لفظ الضرب حيث اختار سبحانه مادة الضرب لقسم كبير من أمثال القرآن ، وثالثة بحرف كاف التشبيه ، ورابعة بذكر مادة المثل بدون اقتران بواحد منهما مثل قوله :( وَالْبَلَدُ الطَّيّبُ يخْرجُ نَباتهُ بِإذْنِ رَبّهِ وَالّذِي خَبُثَ لا يَخرجُ إلا نَكِداً ) .(٣)

__________________

١ ـ البقرة : ٢٦٦.

٢ ـ صحيح البخاري : التفسير : تفسير سورة البقرة ، باب قوله :( أيودّ أحدكم ) رقم ٤٢٦٤.

٣ ـ الأعراف : ٥٨.

٣٢

التاسع : ما هو المراد من ضرب المثل ؟

قد استعمل الذكر الحكيم كلاً من لفظي « المَثَل » و « المِثْل » في غير واحد من سوره وآياته حتى ناهز استعمالهما ثمانين مرة ، إلاّ أنّ الثاني يزيد على الأوّل بواحد. والأمثال جمع لكليهما ويميّزان بالقرائن قال سبحانه :( إِنَّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله عِبادٌ أَمْثالُكُمْ ) (١) وهو في المقام ، جمع المِثْل لشهادة أنّه يحكم على آلهتهم بأنّها مثلهم في الحاجة والاِمكان.

وقال سبحانه :( تِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لعلّهُمْ يَتفَكَّرُون ) .(٢)

فاقتران الأمثال بلفظ الضرب ، دليل على أنّه جمع مَثَل. إلاّ أنّ المهم هو دراسة معنى « الضرب » في هذا المورد ونظائره ، فكثيراً ما يقارن لفظ المثل لفظ الضرب ، يقول سبحانه :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً ) .(٣) وقال سبحانه :( وَلَقَدْ ضَرَبْنا للنّاسِ في هذا القُرآن مِنْ كُلّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرون ) .(٤)

وقد اختلفت كلمتهم في تفسير لفظ « الضرب » في هذا المقام ، بعد اتّفاقهم على أنّه في اللغة بمعنى إيقاع شيء على شيء ، ويتعدّى باليد أو بالعصى أو بغيرهما من آلات الضرب ، قال سبحانه :( أَنِ اضْرِب بِعَصاكَ الْحَجَر ) (٥) وقد ذكروا وجوهاً :

الأوّل : إنّ الضرب في هذه الموارد بمعنى المَثَل ، والمرا د هو التَمثيل ، وهو

__________________

١ ـ الأعراف : ١٩٤.

٢ ـ الحشر : ٢١.

٣ ـ إبراهيم : ٢٤.

٤ ـ الزمر : ٢٧.

٥ ـ الأعراف : ١٦٠.

٣٣

خيرة ابن منظور واستشهد بقوله :( واضْربْ لَهُمْ مَثَلاً أَصحابَ القَرْيَةِ إذْ جاءَها الْمُرسَلُون ) (١) أي مثّل لهم مثلاً وهو حال أصحاب القرية ، وقال :( يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالباطِل ) (٢) أي يمثل الله الحقّ والباطل.(٣) وهذا خيرة صاحب القاموس أيضاً.

الثاني : إنّ الضرب بمعنى الوصف والبيان ، وقد حُكي عن مقاتل بن سليمان ، وفسر به قوله سبحانه :( وضَرَبَ الله مَثلاً عَبداً مَمْلُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلى شَيء ) .(٤)

واستشهد بقول الكميت :

وذلك ضرب أخماس أريدت

لأسداس عسى أن لا تكونا(٥)

الثالث : إنّ الضرب بمعنى الاعتماد والتثبيت ، وهو خيرة الشيخ الطوسي(٦) ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ ) ، والزمخشري ،(٧) والآلوسي ،(٨) ( المتوفّى عام ٠٧٢١ ) فقد فسّروا به قوله سبحانه :( يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ) .(٩)

الرابع : إن الضرب في المقام من باب الضرب في الأرض وقطع المسير ،

__________________

١ ـ يس : ١٣

٢ ـ الرعد : ١٧.

٣ ـ لسان العرب : ٢ / ٣٧ ، مادة ضرب.

٤ ـ النحل : ٧٥.

٥ ـ تفسير الطبري : ١ / ١٧٥.

٦ ـ التبيان في تفسير القرآن : ٧ / ٣٠٢.

٧ ـ الكشّاف : ٢ / ٥٥٣.

٨ ـ روح المعاني : ١ / ٢٠٦.

٩ ـ الحج : ٧٣.

٣٤

وضرب المثل عبارة عن جعله سائراً في البلاد كقولك : ضرب في الأرض إذا صار فيها ، ومنه سُمِّيَ الضارب مضارباً.(١)

فإذا كان الضرب بمعنى قطع الأرض وطيّها ، فضرب المثل عبارة عن جعله شيئاً سائراً بين الأقوام والشعوب يمشي ويسير حتى يستوعب القلوب.

وفي المقام كلمة لابن قيم ، يوضّح فيها أكثر هذه الاحتمالات :

ضرب الله سبحانه لعباده ، الأمثال ، وضرب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لاَُمّته الأمثال ، وضرب الحكماء والعلماء والمؤدّبون الأمثال ، فما معنى ضرب المثل ؟

قد يكون مشتقّاً من قولك ( ضرب في الأرض ) أي سار فيها.

فمعنى ضرب المثل جعله ينتشر ويذيع ويسير في البلاد. وإلى هذا ذهب أبو هلال في مقدمة كتابه.(٢)

وقد يكون معنى « ضرب المثل » نصبه للناس بإشهاره لتستدلّ عليه خواطرهم كما تستدلّ عيونهم على الأشياء المنصوبة. واشتقاقه حينئذٍ من قولهم : ( ضربت الخباء ) إذا نصبته.

وقوله تعالى :( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالباطل ) (٣) أي ينصب منارهما ويوضح أعلامهما ليعرف المكلّفون الحق بعلاماته فيقصدوه ، ويعرفون الباطل فيجتنبوه ، كما قال الشريف الرضيّ ( ٣٥٩ ـ ٤٠٦ هـ ) في كتابه « تلخيص البيان في مجازات القرآن » :

__________________

١ ـ الحكم والأمثال : ٧٩.

٢ ـ انظر مقدمة كتاب جمهرة الأمثال.

٣ ـ الرعد : ١٧.

٣٥

وقد يفهم من ضرب المثل صنعه وإنشاؤه ، فيكون مشتقّاً من ضرب اللّبْنِ وضرب الخاتم.

أو قد يكون من الضرب بمعنى : إبقاء شيء على شيء.(١)

ومنه ضرب الدراهم : أي إيقاع النموذج الذي به الصّكُ على الدراهم لتنطبع به ، فكأنّ المثل مطابق للحالة ، أي للصفة التي جاء لإيضاحها ، وخلاصة القول : ضرب المثل مأخوذ : إمّا من :

١. ضرَب في الأرض بمعنى : سار.

٢. ضربه : نصبه للناس وأشهره.

٣. ضرب : صنع وأنشأ.

٤. ضرب : إبقاء شيء على مثال شيء.(٢)

وبذلك يُعلم تفسير قوله سبحانه :( ...وَقالَ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً * انْظُر كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) .(٣)

نرى أنّ المشركين وصفوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بكونه رجلاً مسحوراً ، فيردّ عليه سبحانه باستنكار ويقول :( انظر ـ أيّها النبي ـكيف ضربوا لك الأمثال ) أي كيف وصفوك بأنّك مسحور مع أنّ سيرتك تشهد على خلاف ذلك ، وما تتلو من الآيات كلامه سبحانه لا صلة له بالسحر وإنّ ما يجدونه خلاَّباً للعقول وآخذاً بمجامع القلوب فإنّه هو لأجل عذوبته وجماله وإعجازه الخارق وأين هو من السحر ؟!

__________________

١ ـ تلخيص البيان في مجازات القرآن : ١٠٧.

٢ ـ الأمثال في القرآن الكريم : ٢٠ ـ ٢١.

٣ ـ الفرقان : ٨ ـ ٩.

٣٦

وعلى ذلك فالمعنى المناسب لتفسير الآية ، هو تفسير الضرب بالوصف ، وقد تقدّم أنّ الوصف أحد معانيه ، وأقرّ به ابن منظور : أن انظر كيف وصفوك بكونك مسحوراً.

وأمّا تفسيره بالتمثيل بأن يقال : انظر كيف مثّلوا لك المثال أو التمثيل ، فغير تام ، لأنّ وصف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بكونه « مسحوراً » ، لا مثَل سائر ، ولا تمثيل قياسي.

ونظيره تفسيره بقطع الأرض ، لأنّ المشركين ما وصفوه به ليشهّروه حتى يصير قولهم « سيراً في الأرض ».

العاشر : الأمثال القرآنية وانسجامها مع البيئة

لا شكّ أنّ كلّ خطيب يتأثر بالظروف التي يعيش فيها ، وبسهولة يمكن فرز كلام المدني عن القروي ، وكلامهما عن كلام البدوي ، وما ذاك إلاّ لأنّ البيئة تُعدّ أحد الأضلاع الثلاثة التي تُكوّن شخصية الإنسان ، ومن هذا الجانب أصبح بإمكان المحقّق الخبير بالتاريخ أن يميز الشعر الجاهلي عن الشعر في العصر الاِسلامي ، والشعر في العصر الأموي عن الشعر في العصر العباسي ، وما هذا إلاّ نتيجة انعكاسات البيئة على التراث الاَدبي ، ولكن القرآن بما أنّه كلامه سبحانه قد تنزّه عن هذه الوصمة ، لأنّ الله سبحانه خالق كلّ شيء فهو منزَّه من أن يتأثر بشيء سواه.

ومع ذلك كلّه نزلت الأمثال القرآنية لهداية الناس ولذلك رُوعيَ فيها الغايات التي نزلت لأجلها ، فنجد ان الطابع المكي يعلو هامة الأمثال المكية ، والطابع المدني يعلو هامة الأمثال المدنية.

أمّا الأمثال المكية ، فكانت دائرة مدار معالجة الأدواء التي ابتلي بها

٣٧

المجتمع المكى لا سيما وانّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يجادل المشركين ويسفّه أحلامهم ويدعوهم إلى الإيمان بالله وحده ، وترك عبادة غيره ، والإيمان باليوم الآخر ، ففي خِضمّ هذا الصراع يأتي القرآن بأروع مثل ويشبّه آلهتهم المزعومة التي تمسّكوا بأهدابها ببيت العنكبوت الذي لا يظهر أدنى مقاومة أمام النسيم الهادئ ، وقطرات المطر ، وهبوب الرياح.

يقول سبحانه :( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَولياء كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتّخَذَتْ بَيتاً وإِنَّ أَوهَنَ الْبُيُوتِ لَبيتُ العَنْكَبُوتِ لو كانُوا يَعْلَمون ) .(١)

فقد شبّه آلهتهم التي اتخذوها حصوناً منيعة لأنفسهم بخيوط العنكبوت ، وبذلك صغّرهم وذلّلهم.

كما أنّه سبحانه في آية أخرى شبّه آلهتهم بالذباب ، وقال :( يا أَيُّهَا النّاس ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا له إِنَّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً ولَوِ اجْتَمَعوا لَهُ وإن يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوب ) .(٢)

فقد كانت قريش تعبد ٣٦٠ إلهاً يطلونها بالزعفران فيجفّ ، فيأتى الذباب فيختلسه فلا يقدرون عن الدفاع عن أنفسهم ، ففي هذا الصدد ، قال سبحانه :( ضعف الطالب والمطلوب ) أي الذباب والمدعوّ.

فأي مثل أقرع من تشبيه آلهتهم بهذه الحشرة الحقيرة.ولقد مضى على الناس منذ ضرب لهم كتاب الإسلام هذا المثل أربعة عشر قرناً ، وما يزال المثل القرآني يتحدَّى كل جبروت الغزاة وعبقرية العلماء ، وما يزال على الذين غرّهم الغرور بما حقّق إنسان العصر الحديث من معجزات العلم ، أن ينسخوا ذلك ، بأن يجتمعوا

__________________

١ ـ العنكبوت : ٤١.

٢ ـ الحج : ٧٣.

٣٨

فيخلقوا ذباباً ، أو يستنقذوا شيئاً سلبتهم إيّاه هذه الحشرة الضئيلة التي تقتلها ذرّة من هواء مشبع بمُبيد الحشرات ، وتستطيع مع ذلك أن تسلب مخترع المبيد حياته ، بلمسة هيّنة خاطفة تحمل إليه جرثومة داء مميت.(١)

هذا في مجال الردِّ على عبادتهم للاَوثان والأصنام ، أمّا في مجال ركونهم إلى الدنيا والاِعراض عن الآخرة ، يستعرض مثلاً يشير فيه إلى أنّ الدنيا ظل زائل وليست خالدة ، قال سبحانه :( إِنَّما مَثَلُ الحَياة الدُّنيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرض مِمّا يَأكُلُ النّاسُ وَالأنْعامُ حَتّى إذا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَها وَ ازّيّنَتْ وَظَنّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَليها أَتاها أَمْرُنا لَيلاً أو نَهاراً فَجَعَلْناها حَصيداً كَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذلِكَ نُفَصّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَتَفكَّرُون ) .(٢)

هذا بعض ما يمكن أن يقال حول الأمثال التي نزلت في مكة.

وأمّا الأمثال التي نزلت في المدينة ، فقد نجد فيها الطابع المدني لأجل انّها بصدد علاج الأدواء التي ابتلي بها المجتمع يومذاك وهي الأدواء الخلقية مكان الشرك والوثنية ، أو مكان إنكار الحياة الأخروية ، فلذلك ركّز الوحي على معالجة هذا النوع من الأدواء بالتمثيلات التي سنشير إليها.

فقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مهجره مبتلياً بالمنافقين الذين كانوا يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام بغية الاِطاحة بالحكومة الإسلامية الفتيّة ، وفي هذا الصدد نرى أنّ الأمثال المدنية تطرّقت في آيات كثيرة إلى المنافقين وبيّنت خطورة موقفهم على الإسلام والمسلمين ، فتارة يضرب الله سبحانه لهم مثلاً بالنار وأخرى بالمطر ، يقول سبحانه :( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ

__________________

١ ـ الصورة الفنية في المثل القرآني : ٩٩ ، نقلاً عن كتاب « القرآن وقضايا الإنسان » لبنت الشاطئ.

٢ ـ يونس : ٢٤.

٣٩

ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ في ظُلماتٍ لا يُبْصِرُون * صُمّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُون * أَوْ كَصَيّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ المَوتِ وَاللهُ مُحيطٌ بِالكافِرين ) .(١)

كان المجتمع المدني يضمُّ في طيّاته طوائف ثلاث من اليهود وهم : بنو قينُقاع ، وبنو النضير ، وبنو قُريظة ؛ وقد جبلوا على المكر والحيلة والغدر ، وكانوا يقرأون سمات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في توراتهم ، ويمرّون عليها مرار الأمي الذي لا يجيد القراءة والكتابة ، وهذه السمة أدت إلى أن يشبّههم سبحانه بالحمار الذي يحمل أسفاراً قيّمة دون أن يستفيدوا منها شيئاًً ، يقول سبحانه :( مَثَلُ الّذِينَ حُمّلُوا التَّوراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي القَومَ الظالِمين ) .(٢)

وأمّا المسلمون الذين عاصروا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فكانوا بحاجة إلى هداية إلهية تصلح أخلاقهم ، فقد كان البعض منهم ينفقون أموالهم رئاءً دون ابتغاء مرضاة الله ، أو ينفقونها بالمنّ والأذى ، فنزل الوحي الإلهي بمثل خاص يبيّن موقف المنفق في سبيل الله ، والمنفق بالمنِّ والأذى أو رئاء الناس ، قال سبحانه :( مَثَلُ الَّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مائةُ حَبّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَليم ) .(٣)

وقال سبحانه :( يا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا لاتُبْطِلُوا صَدقاتِكُمْ بِالمَنّ وَالأذى كَالّذي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ وَلا يُؤمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفوانٍ عَليه

__________________

١ ـ البقرة : ١٧ ـ ١٩.

٢ ـ الجمعة : ٥.

٣ ـ البقرة : ٢٦١.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

المقصد السادس

في البجليين والخثعميين

من أنصار الحسينعليه‌السلام

زهير بن القين بن قيس الأنماري البجلي (١)

كان زهير رجلا شريفا في قومه ، نازلا فيهم بالكوفة ، شجاعا ، له في المغازي مواقف مشهورة ومواطن مشهودة. وكان أولا عثمانيّا ، فحجّ سنة ستين في أهله. ثمّ عاد فوافق الحسينعليه‌السلام في الطريق ، فهداه الله ، وانتقل علويّا.

روى أبو مخنف عن بعض الفزاريين قال : كنّا مع زهير بن القين حين أقبلنا من مكّة نساير الحسينعليه‌السلام فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن نسايره في منزل ، فإذا سار الحسينعليه‌السلام تخلّف زهير ، وإذا نزل الحسين تقدّم زهير ، حتّى نزلنا يوما في منزل لم نجد بدّا من أن ننازله فيه ، فنزل الحسين في جانب ، ونزلنا في جانب ، فبينا نحن نتغذّى من طعام لنا ، إذ أقبل رسول الحسين فسلّم ودخل ، فقال : يا زهير بن القين إنّ أبا عبد الله الحسين بن علي بعثني إليك لتأتيه ، فطرح كلّ إنسان منّا ما في يده حتّى

__________________

(١) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : ١٠١ ، الرقم ٩٨٣.

١٦١

كأنّ على رءوسنا الطير(١) .

قال أبو مخنف : فحدّثتني دلهم بنت عمرو ، امرأة زهير قالت : فقلت له : أيبعث إليك ابن رسول الله ثمّ لا تأتيه! سبحان الله لو أتيته فسمعت من كلامه ثمّ انصرفت ، قالت : فأتاه زهير بن القين ، فما لبث أن جاء مستبشرا قد أسفر وجهه ؛ فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه ، فقوّض وحمل إلى الحسينعليه‌السلام ، ثمّ قال لي : أنت طالق ، الحقي بأهلك ، فإنّي لا أحبّ أن يصيبك بسببي إلاّ خير ، ثمّ قال لأصحابه : من أحبّ منكم أن يتبعني وإلاّ فإنّه آخر العهد ، إنّي سأحدّثكم حديثا ، غزونا بلنجر ؛ ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان : أفرحتم بما فتح الله عليكم ، وأصبتم من المغانم؟ فقلنا : نعم. فقال لنا : إذا أدركتم شباب آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فكونوا أشدّ فرحا بقتالكم معه بما أصبتم من المغانم ، فأمّا أنا فإنّي أستودعكم الله ، قال : ثمّ والله ما زال أوّل القوم حتّى قتل معه(٢) .

وقال أبو مخنف : لمّا عارض الحر بن يزيد الحسينعليه‌السلام في الطريق وأراد أن ينزله حيث يريد فأبى الحسين عليه ، ثمّ إنّه سايره ، فلمّا بلغ ذا حسم خطب أصحابه خطبته التي يقول فيها : « أمّا بعد ، فإنّه نزل بنا من الأمر ما قد ترون » إلخ ، فقام زهير وقال لأصحابه : أتتكلّمون أم أتكلّم؟ قالوا : بل تكلّم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك ، والله لو كانت الدنيا لنا باقية ، وكنّا فيها مخلّدين ، إلاّ أنّ فراقها في نصرك ومواساتك ، لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها. فدعا له الحسين وقال له خيرا(٣) .

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٠٢.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٠٢.

(٣) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٠٧.

١٦٢

وروى أبو مخنف : أنّ الحرّ لمّا ضايق الحسينعليه‌السلام بالنزول وأتاه أمر ابن زياد أن ينزل الحسين على غير ماء ولا كلأ ولا في قرية ، قال له الحسين : « دعنا ننزل في هذه القرية » ، يعني نينوى ، أو هذه يعني الغاضريّة ، أو هذه يعني شفيّة. فقال الحر : لا والله لا أستطيع ذلك ، هذا رجل قد بعث عليّ عينا ، فقال زهير للحسين : يا بن رسول الله إنّ قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من بعدهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به ، فقال له الحسينعليه‌السلام : « ما كنت لأبدأهم بقتال » ، فقال له زهير : فسر بنا إلى هذه القرية فإنّها حصينة ، وهي على شاطئ الفرات ، فإن منعونا قاتلناهم ، فقتالهم أهون من قتال من يجيء من بعدهم ، فقال الحسينعليه‌السلام : « وأيّة قرية هي »؟ قال : هي العقر ، فقال الحسينعليه‌السلام : « اللهمّ إنّي أعوذ بك من العقر » فنزل بمكانه وهو كربلا(١) .

وقال أبو مخنف : لمّا أجمع عمر بن سعد على القتال نادى شمر بن ذي الجوشن : يا خيل الله اركبي وأبشري بالجنّة ، والحسينعليه‌السلام جالس أمام بيته محتبيا بسيفه ، وقد وضع رأسه على ركبته من نعاس ، فدنت أخته زينب منه وقالت : يا أخي قد اقترب العدو ، وذلك يوم الخميس التاسع من المحرّم بعد العصر ، وجاءه العبّاس فقال : يا أخي أتاك القوم ، فنهض ثمّ قال : « يا عبّاس اركب إليهم حتّى تسألهم عمّا جاء بهم » فركب العبّاس في عشرين فارسا منهم حبيب بن مظهّر وزهير بن القين فسألهم العبّاس ، فقالوا جاء أمر الأمير بالنزول على حكمه أو المنازلة ، فقال لهم العبّاس : لا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا وقالوا له : ألقه فأعلمه ، ثمّ القنا بما يقول ، فذهب العبّاس راجعا ، ووقف أصحابه. فقال حبيب لزهير : كلّم القوم إن شئت وإن شئت كلّمتهم أنا ، فقال زهير أنت بدأت فكلّمهم ، فكلّمهم بما تقدّم في ترجمته ، فردّ عليه عزرة بن قيس بقوله : إنّه لتزكي نفسك ما

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣١٠.

١٦٣

استطعت ، فقال له زهير : إنّ الله قد زكّاها وهداها فاتّق الله يا عزرة ، فإنّي لك من الناصحين ، أنشدك الله يا عزرة أن تكون ممّن يعين الضّلال على قتل النفوس الزكيّة. فقال عزرة : يا زهير ما كنت عندنا من شيعة هذا البيت إنّما كنت عثمانيّا. قال : أفلا تستدل بموقفي هذا على أنّي منهم! أما والله ما كتبت إليه كتابا قطّ ، ولا أرسلت إليه رسولا قطّ ، ولا وعدته نصرتي قط ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه ، فلمّا رأيته ذكرت به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومكانه منه ، وعرفت ما يقدم عليه من عدوّه وحزبكم ؛ فرأيت أن أنصره ، وأن أكون في حزبه ، وأن أجعل نفسي دون نفسه ، حفظا لما ضيّعتم من حقّ الله وحقّ رسوله. قال : وأقبل العبّاس فسألهم إمهال العشيّة ، فتوامروا ثمّ رضوا فرجعوا(١) .

وروى أبو مخنف عن الضحّاك بن عبد الله المشرقي قال : لمّا كانت الليلة العاشرة خطب الحسين أصحابه وأهل بيته فقال في كلامه : « هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، فإنّ القوم إنّما يطلبوني ». فأجابه العبّاس وبقيّة أهله بما تقدّم في تراجمهم. ثمّ أجابه مسلم بن عوسجة بما ذكر وأجابه سعيد بما يذكر. ثمّ قام زهير فقال : والله لوددت أنّي قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت حتّى أقتل كذا ألف قتلة ، وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك(٢) .

وقال أهل السير : لمّا صفّ الحسينعليه‌السلام أصحابه للقتال وإنّما هم زهاء السبعين جعل زهير على الميمنة ، وحبيبا على الميسرة ، ووقف في القلب ، وأعطى الراية

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣١٤.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٣١٦ ، راجع الإرشاد : ٢ / ٩٢.

١٦٤

لأخيه العبّاس(١) .

وروى أبو مخنف عن علي بن حنظلة بن أسعد الشبامي(٢) عن كثير بن عبد الله الشعبي البجلي(٣) ، قال : لمّا زحفنا قبل الحسينعليه‌السلام خرج إلينا زهير بن القين على فرس له ذنوب ، وهو شاك في السلاح ، فقال : يا أهل الكوفة ، نذار لكم من عذاب الله نذار! إنّ حقّا على المسلم نصيحة أخيه المسلم ، ونحن حتّى الآن إخوة وعلى دين واحد وملّة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف ، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة ، وكنّا أمّة وكنتم أمّة ، إنّ الله قد ابتلانا وإيّاكم بذريّة نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله لينظر ما نحن وأنتم عاملون ، إنّا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد ، فإنّكم لا تدركون منهما إلاّ السوء عمر سلطانهما كلّه ، إنّهما يسمّلان أعينكم ، ويقطّعان أيديكم وأرجلكم ، ويمثّلان بكم ، ويرفعانكم على جذوع النخل ، ويقتّلان أماثلكم وقرّاءكم ، أمثال حجر بن عدي وأصحابه ، وهاني بن عروة وأشباهه. قال : فسبّوه وأثنوا على عبيد الله وأبيه ، وقالوا : والله لا نبرح حتّى نقتل صاحبك ومن معه ، أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير ، فقال لهم زهير : عباد الله إنّ ولد فاطمةعليها‌السلام أحقّ بالودّ والنصر من ابن سميّة ، فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم ، فخلّوا بين هذا الرجل وبين يزيد ، فلعمري إنّه ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسينعليه‌السلام ، قال : فرماه شمر بسهم وقال له : اسكت أسكت الله نامتك ، فقد أبرمتنا بكثرة كلامك! فقال زهير : يا ابن البوّال على عقبيه ، ما إيّاك أخاطب ، إنّما أنت بهيمة ، والله ما أظنّك تحكم من كتاب الله آيتين ، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فقال له شمر : إنّ الله قاتلك

__________________

(١) الإرشاد : ٢ / ٩٥.

(٢) في المصدر : الشامي.

(٣) ليس في المصدر : البجلي.

١٦٥

وصاحبك عن ساعة ، قال زهير : أفبالموت تخوّفني!؟ والله للموت معه أحبّ إليّ من الخلد معكم ، قال : ثمّ أقبل على الناس رافعا صوته ، وصاح بهم : عباد الله لا يغرّنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه ، فو الله لا تنال شفاعة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله قوما هرقوا دماء ذريّته وأهل بيته ، وقتلوا من نصرهم وذبّ عن حريمهم. قال : فناداه رجل من خلفه : يا زهير إنّ أبا عبد الله يقول لك : أقبل ، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء ، لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ ، فذهب إليهم(١) .

وروى أبو مخنف عن حميد بن مسلم قال : حمل شمر حتّى طعن فسطاط الحسينعليه‌السلام برمحه ، وقال : عليّ بالنار حتّى أحرق هذا البيت على أهله ، فصاحت النساء وخرجن من الفسطاط ، فصاح الحسين : يا بن ذي الجوشن ، أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي ، حرقك الله بالنار.

وحمل زهير بن القين في عشرة من أصحابه فشدّ على شمر وأصحابه ، فكشفهم عن البيوت حتّى ارتفعوا عنها ، وقتل زهير أبا عزّة الضبابي من أصحاب الشمر وذوي قرباه ، وتبع أصحابه الباقين فتعطف الناس عليهم ، فكثروهم وقتلوا أكثرهم وسلم زهير(٢) .

قال أبو مخنف : واستحرّ القتال بعد قتل حبيب ، فقاتل زهير والحرّ قتالا شديدا فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم شدّ الآخر فخلّصه ، فقتل الحرّ ثمّ صلّى الحسينعليه‌السلام صلاة الخوف ، ولمّا فرغ منها تقدّم زهير فجعل يقاتل قتالا لم ير مثله ولم يسمع بشبهه وأخذ يحمل على القوم فيقول :

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣١٩ ـ ٣٢٠.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٦.

١٦٦

أنا زهير وأنا بن القين

أذودكم بالسيف عن حسين

ثمّ رجع فوقف أمام الحسين وقال له :

فدتك نفسي هاديا مهديا

اليوم ألقى جدّك النبيّا

وحسنا والمرتضى عليّا

وذا الجناحين الشهيد الحيّا

فكأنّه ودّعه ، وعاد يقاتل فشدّ عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي فقتلاه(١) .

وقال السروي في المناقب : لمّا صرع وقف عليه الحسينعليه‌السلام فقال : « لا يبعدنّك الله يا زهير ، ولعن الله قاتليك ، لعن الذين مسخوا قردة وخنازير »(٢) .

وفيه أقول :

لا يبعدنّك الله من رجل

وعظ العدى بالواحد الأحد

ثمّ انثنى نحو الخميس فما

أبقى لدفع الضيم من أحد

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( كأنّ على رءوسنا الطير ) : هذا مثل يضرب في السكون من التحيّر فإنّ الطير لا يقع إلاّ على ساكن.

( بلنجر ) : بالباء الموحدة واللام المفتوحتين والنون الساكنة والجيم المفتوحة والراء المهملة آخر الحروف وهي مدينة في الخزر عند باب الأبواب(٣) ، فتحت في

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٨ بتفاوت.

(٢) المناقب : ٤ / ١٠٣.

(٣) راجع معجم البلدان : ١ / ٤٨٩.

١٦٧

زمان عثمان على يد سلمان بن ربيعة الباهلي أو سلمان الفارسي كما ذكره ابن الأثير(١) . وقتل سلمان بن ربيعة بعد فتحها ، فقال فيه عبد الرحمن الباهلي :

وإنّ لنا قبرين قبر بلنجر

وقبرا بأرض الصين يا لك من قبر

يعني بالأوّل قبر سلمان الباهلي وبالثاني قبر قتيبة بن مسلم الباهلي.

( فقوله ) : فقال لنا سلمان يحتمل الباهلي لأنّه رئيس الجيش ، ويحتمل الفارسي لأنّه في الجيش على ما ذكره ابن الأثير في الكامل.

( نينوى ) : قرية عند كربلا. ( الغاضريّة ) : قرية عند كربلا أيضا تنسب لبني غاضرة من أسد.

( شفية ) : قرية عند كربلا أيضا ، وتضبط بضم الشين المعجمة والفاء المفتوحة والياء المثنّاة تحت المشدّدة والتاء آخر الكلمة ، ولم أر من ذكرها في المعاجم.

( نذار ) : بفتح النون وكسر الراء أي : خافوا وهو اسم فعل من الإنذار ، وهو الإبلاغ مع التخويف وبناؤه على الكسر.

( العصمة ) : أي المنعة بالإسلام يقال من شهد الشهادتين فقد عصم نفسه أي منعها.

( يسمّلان ) : يقال : سمل عينه أي فقأها بميل محميّ.

( أسكت الله نامتك ) : النأمة بالهمزة والنامة بالتشديد الصوت ، يقال ذلك كناية عن الموت وهو دعاء عند العرب مشهور.

( أبرمتنا ) : أي أضجرتنا. ( استحرّ ) : أي اشتدّ ، قال ابن الزبعرى :

حين حكت بقباء بركها

واستحر القتل في عبد الأشل

( استلحم ) : الرجل إذا احتوشه العدو في القتال.

__________________

(١) الكامل : ٢ / ٤٨٣.

١٦٨

سلمان بن مضارب بن قيس الأنماري البجلي

كان سلمان ابن عمّ زهير لحا فإنّ القين أخو مضارب وأبوهما قيس. وكان سلمان حجّ مع ابن عمّه سنة ستين ، ولمّا مال في الطريق مع الحسينعليه‌السلام ، وحمل ثقله إليه مال معه في مضربه.

قال صاحب الحدائق : إنّ سلمان قتل فيمن قتل بعد صلاة الظهر ، فكأنّه قتل قبل زهير(١) .

سويد بن عمرو بن أبي المطاع الأنماري الخثعمي (٢)

كان سويد شيخا شريفا عابدا كثيرا الصلاة ، وكان شجاعا مجرّبا في الحروب. كما ذكره الطبري والداودي.

قال أبو مخنف : إنّ الضحّاك بن عبد الله المشرقي جاء إلى الحسينعليه‌السلام فسلّم عليه فدعاه إلى نصرته فقال له : أنا أنصرك ما بقيت لك أنصار ، فرضي منه بذلك حتّى إذا أمر ابن سعد بالرماة فرموا أصحاب الحسينعليه‌السلام وعقروا خيولهم أخفى فرسه في فسطاط ، ثمّ نظر فإذا لم يبق مع الحسينعليه‌السلام إلاّ سويد هذا وبشر بن عمرو الحضرمي ؛ فاستأذن الحسين ، فقال له : « كيف لك بالنجاء »؟ قال : إنّ فرسي قد أخفيته فلم يصب فأركبه وأنجو ، فقال له : شأنك ، فركب ونجا بعد لأي كما ذكره في حديثه(٣) .

وقال أهل السير : إنّ بشرا الحضرمي قتل ، فتقدّم سويد وقاتل حتّى أثخن

__________________

(١) الحدائق الورديّة : ١٢٢.

(٢) عدّه الشيخ في أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : ١٠١ ، الرقم ٩٨٧.

(٣) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٣٠.

١٦٩

بالجراح وسقط على وجهه فظنّ بأنّه قتل ، فلمّا قتل الحسينعليه‌السلام وسمعهم يقولون : قتل الحسين. وجد به إفاقة ، وكانت معه سكّين خبّأها ، وكان قد أخذ سيفه منه ، فقاتلهم بسكّينه ساعة ، ثمّ إنّهم عطفوا عليه فقتله عروة بن بكار التغلبي ، وزيد بن ورقاء الجهني(١) .

عبد الله بن بشر الخثعمي

هو عبد الله بن بشر بن ربيعة بن عمرو بن منارة بن قمير بن عامر بن رائسة بن مالك بن واهب بن جليحة بن كلب بن ربيعة بن عفرس بن خلف بن أقبل بن أنمار ، الأنماري الخثعمي ؛ كان عبد الله بن بشر الخثعمي من مشاهير الكماة الحماة للحقائق وله ولأبيه ذكر في المغازي والحروب.

قال ابن الكلبي : بشر بن ربيعة الخثعمي هو صاحب الخطّة بالكوفة التي يقال لها جبانة بشر(٢) .

وهو القائل يوم القادسيّة :

أنخت بباب القادسيّة ناقتي

وسعد بن وقّاص عليّ أمير

وكان ولده عبد الله ممّن خرج مع عسكر ابن سعد ، ثمّ صار إلى الحسينعليه‌السلام فيمن صار إليه أيّام المهادنة.

قال صاحب الحدائق وغيره : إنّ عبد الله بن بشر قتل في الحملة الأولى قبل الظهر(٣) .

__________________

(١) راجع اللهوف : ١٦٥ ، والمناقب : ٤ / ١٠٢.

(٢) لم أعثر عليه في مضانّه.

(٣) الحدائق الورديّة : ١٢٢.

١٧٠

المقصد السابع

في الكنديين

من أنصار الحسينعليه‌السلام

يزيد بن زياد بن مهاصر أبو الشعثاء الكندي البهدلي

كان يزيد رجلا شريفا شجاعا فاتكا فخرج إلى الحسينعليه‌السلام من الكوفة من قبل أن يتصل به الحر.

قال أبو مخنف : لمّا كاتب الحر ابن زياد في أمر الحسين وجعل يسايره ، جاء إلى الحرّ رسول ابن زياد مالك بن النسر البدي ثمّ الكندي ، فجاء به الحرّ وبكتابه إلى الحسين كما يذكر في ترجمة الحرّ وكما قصصناه. فعنّ مالك ليزيد هذا ، فقال يزيد : أمالك بن النسر أنت؟ قال : نعم. فقال له : ثكلتك أمّك ، ما ذا جئت به؟ قال : وما جئت به؟ أطعت إمامي ، ووفيت ببيعتي! فقال له أبو الشعثاء : عصيت ربّك وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، كسبت العار والنار ، ألم تسمع قول الله تعالى :( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ ) (١) فهرأ مالك(٢) .

__________________

(١) سورة القصص : ٤١.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٠٩ بتفاوت في النقل.

١٧١

وروى أبو مخنف : أنّ أبا الشعثاء قاتل فارسا فلمّا عقرت فرسه ؛ جثا على ركبتيه بين يدي الحسين فرمى بمائة سهم ما سقط منها إلاّ خمسة أسهم ، وكان راميا وكان كلّما رمى قال :

أنا ابن بهدله

فرسان العرجلة

فيقول الحسينعليه‌السلام : « اللهمّ سدّد رميته ، واجعل ثوابه الجنّة » ، فلمّا نفدت سهامه قام فقال : ما سقط منها إلاّ خمسة أسهم ، ثمّ حمل على القوم بسيفه وقال :

أنا يزيد وأبي مهاصر

كأنني ليث بغيل خادر

يا رب إنّي للحسين ناصر

ولابن سعد تارك وهاجر(١)

فلم يزل يقاتل حتّى قتل رضوان الله عليه.

وفيه يقول الكميت الأسدي :

ومال أبو الشعثاء أشعث داميا

وأنّ أبا حجل قتيل مجحل

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( هرأ ) : الرجل بكلامه أكثر الخنا والخطأ به ، فمعنى العبارة : أجابه مالك بجواب غير لائق لخطائه وخناه. وربما صحفت الكلمة بهزا ، فمعناها : أجابه مالك بكلام فيه سخرية.

( بهدلة ) : حي من كندة منهم يزيد هذا. ( العرجلة ) : القطعة من الخيل وجماعة المشاة. ( مهاصر ) : جدّه وهو بالصاد المهملة ، ويمضى في بعض الكتب بالجيم وهو غلط من النسّاخ.

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٣٠ بتفاوت في النقل.

١٧٢

الحارث بن امرئ القيس الكندي

كان الحارث من الشجعان العبّاد. وله ذكر في المغازي. وكان خرج في عسكر ابن سعد ، فلمّا ردوا على الحسينعليه‌السلام كلامه ، مال معه وقاتل وقتل.

قال صاحب الحدائق : إنّه قتل في الحملة الأولى(١) .

زاهر بن عمرو الكندي

كان زاهر بطلا مجرّبا وشجاعا مشهورا ومحبّا لأهل البيت معروفا. قال أهل السير : إنّ عمرو بن الحمق لمّا قام على زياد قام زاهر معه ، وكان صاحبه في القول والفعل ، ولمّا طلب معاوية عمروا طلب معه زاهرا فقتل عمروا وأفلت زاهر ، فحجّ سنة ستّين ، فالتقى مع الحسينعليه‌السلام فصحبه وحضر معه كربلا.

وقال السروي : قتل في الحملة الأولى(٢) .

وقال الشيخ الطوسي وغيره : إنّ من أحفاده محمّد بن سنان الزاهري صاحب الرواية عن الرضا والجوادعليهما‌السلام المتوفى سنة مائتين وعشرين(٣) .

بشر بن عمرو بن الأحدوث الحضرمي الكندي

كان بشر من حضر موت وعداده في كندة. وكان تابعيّا وله أولاد معروفون بالمغازي. وكان بشر ممّن جاء إلى الحسينعليه‌السلام أيّام المهادنة.

وقال السيّد الداودي : لمّا كان اليوم العاشر من المحرّم ووقع القتال ، قيل لبشر

__________________

(١) الحدائق الورديّة : ١٢٢.

(٢) المناقب : ٤ / ١١٣ ، وراجع البحار : ٤٥ / ٧٢ ، ومستدركات علم رجال الحديث : ٣ / ٤١٦.

(٣) راجع رجال النجاشي : ٣٢٨ ، الرقم ٨٨٨ ، ورجال الشيخ : ١٠١ ، معجم رجال الحديث : ١٦ / ١٥١.

١٧٣

وهو في تلك الحال : إنّ ابنك عمرا قد أسر في ثغرى الري. فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ما كنت أحبّ أن يؤسر وأن أبقى بعده. فسمع الحسينعليه‌السلام مقالته ، فقال له : « رحمك الله أنت في حلّ من بيعتي ، فاذهب واعمل في فكاك ابنك ». فقال له : أكلتني السباع حيّا إن أنا فارقتك يا أبا عبد الله ، فقال له : « فأعط ابنك محمّدا ـ وكان معه ـ هذه الأثواب البرود يستعين بها في فكاك أخيه » ، وأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار(١) .

وقال السروي : إنّه قتل في الحملة الأولى(٢) .

جندب بن حجير الكندي الخولاني (٣)

كان جندب من وجوه الشيعة ، وكان من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، خرج إلى الحسينعليه‌السلام فوافقه في الطريق قبل اتّصال الحرّ به ، فجاء معه إلى كربلا.

قال أهل السير : إنّه قاتل فقتل في أوّل القتال.

وقال صاحب الحدائق : إنّه قتل هو وولده حجير بن جندب في أوّل القتال(٤) .

ولم يصحّ لي أنّ ولده قتل معه. كما أنّه ليس في القائميّات ذكر لولده ، فلهذا لم أترجمه معه.

__________________

(١) راجع تنقيح المقال : ١ / ١٧٣.

(٢) المناقب : ٤ / ١١٣.

(٣) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : ١٠٠ ، الرقم ٩٦٩. وفي كتاب تسمية من قتل ص ١٥٥ : بعنوان حجير بن جندب.

(٤) الحدائق الورديّة : ١٢٢.

١٧٤

المقصد الثامن

في الغفاريين

من أنصار الحسينعليه‌السلام

عبد الله بن عروة بن حرّاق الغفاري

وأخوه

عبد الرحمن بن عروة بن حراق الغفاري (١)

كان عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان من أشراف الكوفة ومن شجعانهم وذوي الموالاة منهم ، وكان جدّهما حرّاق من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام وممن حارب معه في حروبه الثلاث. وجاء عبد الله وعبد الرحمن إلى الحسينعليه‌السلام بالطف.

وقال أبو مخنف : لمّا رأى أصحاب الحسين أنّهم قد كثروا وأنّهم لا يقدرون على أن يمنعوا الحسين ولا أنفسهم ، تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه ، فجاءه عبد الله وعبد الرحمن ابنا عروة الغفاريان ، فقالا : يا أبا عبد الله السلام عليك ، حازنا العدوّ إليك فأحببنا أن نقتل بين يديك ، نمنعك وندفع عنك ، فقال : « مرحبا بكما ، ادنوا منّي » ، فدنوا منه ، فجعلا يقاتلان قريبا منه وإنّ أحدهما ليرتجز ويتمّ له الآخر.

__________________

(١) أوردهما الشيخ في رجاله ص ١٠٣ بعنوان عبد الله وعبد الرحمن ابنا عرزة.

١٧٥

فيقولان :

قد علمت حقّا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

لنضربنّ معشر الفجّار

بكلّ عضب صارم بتّار

يا قوم ذودوا عن بني الأطهار(١)

بالمشرفيّ والقنا الخطّار(٢)

فلم يزالا يقاتلان حتّى قتلا.

وقال السروي : إنّ عبد الله قتل في الحملة الأولى وعبد الرحمن قتل مبارزة(٣) . وقال غيره : إنّهما قتلا مبارزة ، وهو الظاهر من المراجلة.

جون بن حوي مولى أبي ذر الغفاري (٤)

كان جون منضمّا إلى أهل البيت بعد أبي ذر ، فكان مع الحسنعليه‌السلام ، ثمّ مع الحسينعليه‌السلام وصحبه في سفره من المدينة إلى مكّة ثمّ إلى العراق.

قال السيّد رضي الدين الداودي : فلمّا نشب القتال وقف أمام الحسينعليه‌السلام يستأذنه في القتال ، فقال له الحسينعليه‌السلام : « يا جون أنت في إذن منّي ، فإنّما تبعتنا طلبا للعافية فلا تبتل بطريقتنا » ، فوقع جون على قدمي أبي عبد الله يقبلهما ويقول : يا ابن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدّة أخذلكم!؟ إنّ ريحي لنتن وإنّ حسبي للئيم وإنّ لوني لأسود ، فتنفس عليّ في الجنّة ليطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيّض لوني ، لا والله لا أفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم ،

__________________

(١) في المصدر : بني الأحرار.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٨.

(٣) المناقب : ٤ / ١١٣.

(٤) عدّه الشيخ في عداد أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : ٩٩ ، الرقم ٩٦٦. وفي الإرشاد بعنوان : جوين مولى أبي ذر. راجع الإرشاد : ٢ / ٩٣.

١٧٦

فأذن له الحسينعليه‌السلام ، فبرز وهو يقول :

كيف ترى الفجّار ضرب الأسود

بالمشرفيّ والقنا المسدّد

يذبّ عن آل النبي أحمد

ثمّ قاتل حتّى قتل(١) .

وقال محمّد بن أبي طالب : فوقف عليه الحسينعليه‌السلام وقال : « اللهمّ بيّض وجهه وطيّب ريحه واحشره مع الأبرار وعرّف بينه وبين محمّد وآل محمّد »(٢) .

وروى علماؤنا عن الباقرعليه‌السلام عن أبيه زين العابدينعليه‌السلام أنّ بني أسد الذين حضروا المعركة ليدفنوا القتلى وجدوا جونا بعد أيّام تفوح منه رايحة المسك(٣) .

وفي جون أقول :

خليلي ما ذا في ثرى الطف فانظرا

أجونة طيب تبعث المسك أم جون

ومن ذا الذي يدعو الحسين لأجله

أذلك جون أم قرابته عون

لئن كان عبدا قبلها فلقد زكا

النجار وطاب الريح وازدهر اللون

__________________

(١) راجع البحار : ٤٥ / ٢٣ ، واللهوف : ١٦٣.

(٢) تسلية المجالس : ٢ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣.

(٣) راجع البحار : ٤٥ / ٢٣ ، ونفس المهموم : ٢٦٤.

١٧٧
١٧٨

المقصد التاسع

في بني كلب

من أنصار الحسينعليه‌السلام

عبد الله بن عمير الكلبي (١)

هو عبد الله بن عمير بن عبّاس بن عبد قيس بن عليم بن جناب الكلبي العليمي ، أبو وهب ، كان عبد الله بن عمير بطلا شجاعا شريفا ، نزل الكوفة واتخذ عند بئر الجعد من همدان دارا ، فنزلها ومعه زوجته أمّ وهب بنت عبد من بني النمر بن قاسط.

قال أبو مخنف : فرأى القوم بالنّخيلة يعرضون ليسرّحوا إلى الحسينعليه‌السلام ، فسأل عنهم ، فقيل له : يسرّحون إلى الحسين بن فاطمة بنت رسول الله ، فقال : والله!! لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا ، وإنّي لأرجو ألاّ يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيّهم أيسر ثوابا عند الله من ثوابه إيّاي في جهاد المشركين ، فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع ، وأعلمها بما يريد ، فقالت له : أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك ، افعل وأخرجني معك ؛ قال : فخرج بها ليلا حتّى أتى حسينا فأقام معه ،

__________________

(١) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : ١٠٤ ، الرقم ١٠٢٤.

١٧٩

فلمّا دنا عمر بن سعد ورمى بسهم فارتمى الناس ، خرج يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله ، فقالا : من يبارز؟ ليخرج إلينا بعضكم ، فوثب حبيب وبرير ، فقال لهما الحسين : اجلسا ، فقام عبد الله بن عمير فقال : أبا عبد الله! رحمك الله ائذن لي لأخرج إليهما ، فرأى الحسين رجلا آدم طوالا شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين ، فقال [ الحسين ] : « إنّي لأحسبه للأقران قتّالا » اخرج إن شئت ، فخرج إليهما ، فقالا له : من أنت؟ فانتسب لهما ، فقالا : لا نعرفك ، ليخرج إلينا زهير أو حبيب أو برير. ويسار مستنتل أمام سالم ، فقال له عبد الله : يا ابن الزانية وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس!؟ أو يخرج إليك أحد من الناس إلاّ وهو خير منك!؟ ثمّ شدّ عليه فضربه بسيفه حتّى برد ، فإنّه لمشتغل يضربه بسيفه إذ شدّ عليه سالم ، فصاح به أصحابه قد رهقك العبد ، فلم يأبه له حتّى غشيه فبدره بضربة فاتقاها عبد الله بيده اليسرى فأطار أصابع كفّه اليسرى ، ثمّ مال عليه فضربه حتّى قتله ، وأقبل إلى الحسينعليه‌السلام يرتجز أمامه وقد قتلهما جميعا فيقول :

إن تنكروني فأنا ابن كلب

حسبي ببيتي في عليم حسبي

إنّي امرؤ ذو مرّة وعصب

ولست بالخوّار عند النكب

إنّي زعيم لك أمّ وهب

بالطعن فيهم مقدما والضرب

قال : فأخذت أمّ وهب امرأته عمودا ، ثمّ أقبلت نحو زوجها تقول : فداك أبي وأمّي قاتل دون الطيبين ذريّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأقبل إليها يردّها نحو النساء فأخذت تجاذب ثوبه ، وتقول : [ إنّي ] لن أدعك دون أن أموت معك ، ( وإنّ يمينه سدكت على السيف ويساره مقطوعة أصابعها فلا يستطيع ردّ امرأته )(١) فجاء إليها الحسينعليه‌السلام وقال : « جزيتم من أهل بيت خيرا ، ارجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي معهنّ ،

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في المصدر.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303