ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام18%

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام مؤلف:
المحقق: محمد جعفر الطبسي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 303

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 303 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127646 / تحميل: 6755
الحجم الحجم الحجم
ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

١
٢

٣
٤

٥
٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدّمة مركز الدراسات الإسلاميّة

التابع لممثليّة الوليّ الفقيه في حرس الثورة الإسلاميّة

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحا لذكره ودليلا على نعمه وآلائه

والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين

وبعد : فإنّ أهمّ حدث شهده العالم الإسلامي خاصّة والعالم عامّة في نهاية القرن الرابع عشر من الهجرة النبويّة الشريفة هو حدث انتصار ثورة إسلاميّة في منطقة قلب العالم الإسلامي ، بقيادة الرجل الفذّ الإمام الراحل روح الله الموسوي الخمينيقدس‌سره ، وإقامة الجمهوريّة الإسلاميّة في إقليم إيران.

وبعد نجاح هذه الثورة المباركة كان المسلمون خاصّة ومستضعفو العالم عامّة ، الساعون إلى تغيير أوضاعهم السياسيّة والاجتماعيّة ، وتحرير بلدانهم من كلّ هيمنة استبداديّة واستعماريّة ، قد اتخذوا هذه الثورة نبراسا وأسوة في الجهاد والنضال للتحرّر من سيطرة الاستعمار وهيمنته الفكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة على بلادهم.

ولقد شهد العالم الإسلامي خاصّة والعالم عامّة في حركة الأحداث خلال العقد الأوّل من عمر هذه الثورة متغيّرات وتحوّلات كثيرة وكبيرة على الأصعدة السياسيّة والفكريّة ، كان أثر هذه الثورة الإسلاميّة أساسيّا وواضحا في كثير منها.

وكان لشخصيّة الإمام الخمينيقدس‌سره المتكاملة في جميع أبعادها الأثر الكبير في كلّ ما جرى ، وفي التغيير الفكري والروحي والعملي الذي صبغ النفوس والأشياء

٧

والأحداث بالصبغة الإسلاميّة الناصعة.

ولقد حدّدقدس‌سره هدف هذه الثورة وهو الجهاد لتطبيق الإسلام المحمّدي الخالص ، وحدّد طريقتها على هدي النهج الحسيني في الثورة لإزالة الفساد والظلم ، وإقامة العدل ، ونشر الصلاح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..

ولقد دعاقدس‌سره إلى ضرورة أن تتواصل هذه الثورة على جميع الأصعدة وفي كلّ الأبعاد ، خصوصا في البعد الثقافي الذي يجسّد هويّتها الفكريّة التي لا تقيّدها حدود جغرافيّة وموانع سياسيّة في الدعوة إلى الإسلام المحمّدي الخالص ، وفي مواجهة الغزو الثقافي الكافر الذي كانت ولم تزل رياحه تهبّ بقوّة وشراسة على عالمنا الإسلامي.

وبعد ارتحال الإمام الخمينيقدس‌سره واصل قائد الثورة الإسلاميّة آية الله السيّد علي الخامنه اي التأكيد على استمرار ومواصلة هذه الثورة في كلّ الأبعاد أيضا وفي بعدها الثقافي بشكل خاص ، وذلك لاشتداد قوّة الغزو الفكري والحضاري الكافر في وقت أحكمت وسائل الإعلام الكافر قبضتها على كلّ العالم بطريقة حديثة ومتفوّقة وشاملة ، الأمر الذي جعل مواجهة هذا الغزو الفكري الكافر عملا يحتاج إلى مستوى رفيع من المعرفة والتخطيط والفنّ ، من أجل إيصال الكلمة الإسلاميّة الهادية ، كلمة الفطرة الإنسانيّة ، إلى كلّ القلوب بأساليب متعدّدة ومحبّبة ومؤثرة ، حتّى تتوجّه هذه القلوب إلى دين الله بإقبال واعتقاد ، وتنصرف عن زخارف ضلال الشيطان عن معرفة وتدبّر.

* * *

وامتثالا لتوصيات القيادة الإسلاميّة الحكيمة كان « حرس الثورة الإسلاميّة » وليد الثورة الإسلاميّة الأغرّ قد أولى مواصلة الثورة الثقافية عناية فائقة وتركيزا خاصّا ، إيمانا بأنّ للكلمة والفكر والمعرفة دورا كبيرا في تثبيت وتوضيح أصول

٨

ومنطلقات الثورة الإسلاميّة ونشرها ، وفي الدعوة إلى الحقّ والخير والدفاع عنهما ، جنبا إلى جنب مع إعداد القوّة التي ترهب عدوّ الله وعدوّ المؤمنين.

فكان ولم يزل للمؤسسات الثقافيّة والعلميّة التابعة لحرس الثورة الإسلاميّة دور ظاهر في نشر الثقافة والتربية الإسلاميّة بين قوّات الحرس خاصّة وفي أوساط الأمّة عامّة.

وإيمانا من « حرس الثورة الإسلاميّة » بانتمائه الصميمي إلى نهج الإمام الحسينعليه‌السلام في الجهاد ومقارعة الفساد والظلم والكفر ، وشعورا منه بواجب أداء بعض ما للإمام الحسينعليه‌السلام من دين وفضل في أعناق أبناء حرس الثورة الإسلاميّة ، كانت قيادة هذا الحرس قد أقدمت بشكل خاص على تأسيس وحدة خاصّة أطلق عليها « مديريّة دراسات عاشوراء المستقلّة » في مركز الدراسات الإسلاميّة العائد لحرس الثورة الإسلاميّة.

وتهتم هذه المديريّة بنشر التراث الحسيني ، وترويج ثقافة عاشوراء ، وتقديم التحقيقات الجديدة فيما يرتبط بتأريخ الثورة الحسينيّة على جميع الأصعدة وفي مختلف الأبعاد ، وإحياء الآثار العلميّة والتأريخيّة والأدبيّة المرتبطة بتأريخ الإمام الحسينعليه‌السلام .

وعلى سبيل المثال لا الحصر ، فقد شرعت هذه المؤسسة بتدوين موسوعة ( دائرة معارف الإمام الحسينعليه‌السلام ) ، وتدوين دراسة تأريخيّة تحليليّة جديدة مفصّلة لفترة إمامة الإمام الحسينعليه‌السلام تحت عنوان ( الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة ) ، ونشر كتب ذات مناهج متنوّعة للتعريف بنهضة عاشوراء ، كمثل كتاب ( بلاغات عاشوراء ) ، وكتاب ( ممهّدات الثورة الحسينيّة ) ، وكتاب ( وقائع آثار عاشوراء ).

وفي إطار إحياء آثار المكتبة الحسينيّة ، تقدّم مديريّة دراسات عاشوراء بين يدي القارئ الكريم جهدا تحقيقيّا قيّما لكتاب نفيس من المكتبة الحسينيّة ، وهو

٩

كتاب ( إبصار العين في أنصار الحسين عليه وعليهم السلام ) للمرحوم المحقّق المتتبع الشيخ محمّد السماوي ، وقد قام بهذا الجهد التحقيقي سماحة المحقّق الشيخ محمّد جعفر الطبسي ، ذو الخبرة الطويلة في عالم التتبع والتحقيق ، ومن تحقيقاته : تحقيق كتاب ( منية الراغب في إيمان أبي طالب ) لوالده آية الله الشيخ محمّد رضا الطبسي النجفيرحمه‌الله ، وتحقيق كتاب ( المسالك ) للشهيد الثانيرحمه‌الله إلى كتاب المضاربة ، و ( معجم أحاديث الإمام المهديعليه‌السلام ) بالاشتراك مع مجموعة من المحقّقين.

ندعو الله تبارك وتعالى لمحققنا صاحب الفضيلة الشيخ محمّد جعفر الطبسي دوام الموفقيّة على طريق خدمة الدين الإسلامي الحنيف ، وخصوصا في مجال نشر وترويج الأهداف السامية لثورة الإمام الحسينعليه‌السلام .

مركز الدراسات الإسلاميّة لممثليّة

الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلاميّة

١٠

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدّمة التحقيق

الحمد لله ، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريّته محمّد المصطفى وعلى آله المعصومين ، حجج الله على عباده ، سيّما بقيّة الله الأعظم روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.

أمّا بعد : فما ذا يمكن لأهل الثناء والتعظيم أن يقولوا في حقّ أنصار الإمام الحسينعليه‌السلام ؟ وفي وصف منزلتهم وسمو شأنهم؟

وهل لغير معصوم ، قاصر ، أن يؤدّي في المدح والثناء والوصف حقّهم كما هم أهل له!؟

إنني أعترف بقصوري وعجزي ، ولا أجد مفرّا في لا بدّيّة الحديث عن رفعة مقامهم من أن ألجأ إلى نقل بعض ما ورد عن أهل بيت العصمةعليهم‌السلام في وصفهم والتعريف بمنزلتهم :

إنّهم على صعيد الصحبة أوفى وخير أصحاب منذ أن كانت الدنيا وإلى أن تنقضي ، هذه الحقيقة شعّ بها ثناء الإمام الحسينعليه‌السلام عليهم حين خطب فيهم قائلا : « أثني على الله أحسن الثناء ، وأحمده على السرّاء والضرّاء ، اللهمّ إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوّة ، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ، وعلّمتنا القرآن ، وفقّهتنا في الدين ، فاجعلنا لك من الشاكرين.

١١

أمّا بعد : فإنّي لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله جميعا عنّي خيرا »(١) .

وأمّا على صعيد الشهادة ، فلا شهداء كشهداء عاشوراء من الأوّلين والآخرين!! هذا ما ورد عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصف رتبتهم ، فقد ورد عن الباقرعليه‌السلام أنّه قال : « خرج عليّ يسير بالناس ، حتّى إذا كان بكربلاء على ميلين أو ميل ، تقدّم بين أيديهم حتّى طاف بمكان يقال له المقدفان ، فقال : قتل فيها مائتا نبيّ ومائتا سبط كلّهم شهداء ، ومناخ ركاب ومصارع عشّاق شهداء ، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من بعدهم »(٢) .

وإن كانت بعض الروايات قد ألحقت شهداء بدر بشهداء كربلاء في رتبتهم ، كما روى الطبراني بسنده المتصل إلى شيبان بن مخرم ـ وكان عثمانيا ـ قال : إنّي لمع عليرضي‌الله‌عنه إذ أتى كربلاء ، فقال : « يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم شهداء إلاّ شهداء بدر »(٣) .

لكنّ ابن نما في ( مثير الأحزان ) قد أورد عن ميمون بن شيبان بن مخرم ، وكان عثمانيا قال : إنّا لنسير مع عليعليه‌السلام إذ أتى كربلاء ، فقعد على تلّ ، فقال : « يقتل في هذا الموضع شهداء الأشهداء »(٤) .

ويكفي للقطع بأنّ شهداء الطفّ ليس كمثلهم شهداء مطلقا ما ورد في قول الإمام الحسينعليه‌السلام من إطلاق في مدحهم حيث قال : « لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي » لشمول تفضيلهم فيه على من سبقهم ومن يأتي بعدهم.

__________________

(١) الكامل في التأريخ : ٤ / ٥٧ وتأريخ الطبري : ٣ / ٣١٥.

(٢) بحار الأنوار : ٤١ / ٢٩٥ ، باب ١١٤ ، حديث رقم ١٨.

(٣) المعجم الكبير : ٣ / ١١١.

(٤) مثير الأحزان : ٧٩.

١٢

ولسموّ منزلتهم ورد في الأثر أنّ أمّ سلمة ( رضي الله عنها ) رأت في المنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرها أنّه قد فرغ لتوّه من حفر قبور للحسينعليه‌السلام وأصحابه.

فقد روى الشيخ الطوسيقدس‌سره بسنده إلى غياث بن إبراهيم ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : « أصبحت يوما أمّ سلمة تبكي ، فقيل لها : ممّ بكاؤك؟ قالت : لقد قتل ابني الحسين الليلة ، وذلك أنني ما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ مضى إلاّ الليلة ، فرأيته شاحبا كئيبا ، فقالت :

قلت : مالي أراك يا رسول الله شاحبا كئيبا!؟

قال : ما زلت الليلة أحفر القبور للحسين وأصحابه! »(١) .

فكفاهم عزّا وفخرا ومجدا أن يكون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحفر قبورهم بيديه المقدّستين.

ولسموّ منزلتهم وعلوّ شأنهم وتفرّد مقامهم وردت أخبار الملاحم وأنباء الغيب بأسمائهم وأسماء آبائهم! فقد ورد في الأثر أنّ ابن عبّاس لمّا عنّف على تركه الحسينعليه‌السلام قال : « إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلا ولم يزيدوا رجلا ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم!! »(٢) .

وقال محمّد بن الحنفيّة : « وإنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم!! »(٣) .

وما أحسن ما وصفهم به المؤرّخ السيّد محمّد بن أبي طالب الموسوي حيث يقول : « رجال صدقت عهودهم ، ووفت وعودهم ، وخلص يقينهم ، وصفا معينهم ، لم

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٩٠ المجلس ٣ وأمالي المفيد : ٣١٩ ، المجلس ٣٨ ، ح ٦.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٥٣.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٥٣.

١٣

يلبسوا الظلم إيمانهم ، ولم يشوبوا بشكّ إنفاقهم ، بذلوا الأجساد في طاعتهم ، وجادوا بالأرواح في نصرتهم ، فأثبتهم سبحانه في ديوان خواصّه ، وشرّفهم بتشريفه واختصاصه ، وألحقهم بدرجة ساداتهم ، ورقى بهم إلى منزل قادتهم ، لمّا بذلوا الأرواح والأجساد في جهاد الأعداء طاعة لربّهم ، وتلقّوا الصفاح والصعاد من أكفّ الأشقياء في حربهم ، وقويت بامتثال عزائم الله منهم العزائم ، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ، جعلهم أشرف أهل الجنّة بعد الأنبياء والمرسلين ، وسادة الشهداء من الأوّلين والآخرين »(١) .

وأمّا عن عددهم فقد تفاوتت المصادر التأريخية في هذا الصدد ، لكنّ أعلا عدد ذكره التأريخ لهم أنّهم تجاوزوا المائة بقليل ( لمن حضر كربلاء مع الحسينعليه‌السلام ) ، وكذلك فقد تفاوتت المصادر التأريخيّة في عدد الشهداء ، غير أنّ المشهور ـ كما عن المفيدرحمه‌الله ـ أنّهم كانوا اثنين وسبعين شخصا(٢) .

وكان فيهم من غير بني هاشم خمسة من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأربعة وعشرون من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام عدا أولئك الخمسة من الصحابة ، كما أثبت ذلك المرحوم الشيخ محمّد السماوي في هذا الكتاب.

يقول صاحب كتاب ( الحسين سماته وسيرته ) : « أصحاب الحسينعليه‌السلام ـ على قلّة العدد ـ ضربوا أروع الأمثلة في الوفاء والفداء ، وكانوا أكبر من جيش الكوفة في الشجاعة والبطولة والإقدام ، وقد مجّد الإمام الحسينعليه‌السلام بموقفهم العظيم في كلماته وخطبه في « يوم عاشوراء » أمّا هم ، فكانوا يقفون ذلك الموقف عن بصائر نافذة وعن خبرة وعلم اليقين بالمصير ، ولقد أصبح إيثارهم بأرواحهم لسيّدهم الإمام

__________________

(١) تسلية المجالس : ٢ / ٣٤٦.

(٢) راجع الإرشاد : ٢ / ١١٣ ، الأخبار الطوال : ٢٥٩ ، تاريخ الطبري : ٣ / ٣٣٦.

١٤

الحسينعليه‌السلام عين اليقين للتأريخ ، ومضرب الأمثال للأجيال »(١) .

من هو السماوي :

« هو الشيخ محمّد بن طاهر بن حبيب بن حسين بن محسن بن تركي الفضلي الشهير بالسماوي. عالم جليل ، وشاعر شهير ، وأديب معروف. ولد في السماوة ( ٢٧ ذي الحجة عام ١٢٩٢ ه‍ ق )(٢) ، ونشأ بها على أبيه ، وبعد عشر سنوات من عمره توفي والده ، فهاجر إلى النجف الأشرف لطلب العلم ، وبقي فيها ما يقرب من شهر ثمّ مرض ، وبعد برئه عاد إلى السماوة ، وبقي فيها سنة كاملة ثمّ رجع إلى النجف عام ( ١٣٠٤ ه‍ ) ، فقرأ المبادئ على مشايخه ، وأشهرهم الشيخ شكر بن أحمد البغدادي ، والشيخ عبد الله بن معتوق القطيفي ، وأخذ الرياضيّات على الشيخ آقا رضا الأصفهاني ، والأصول والفقه على الشيخ علي ابن الشيخ باقر صاحب الجواهر ، والشيخ آغا رضا الهمداني ، والسيد محمد الهندي ، والشيخ محمد طه نجف ، والشيخ حسن المامقاني ، والشيخ فتح الله المعروف بشيخ الشريعة الأصفهاني ، وأعلام آخرين.

وممن أجازه إجازة اجتهاد الشيخ علي بن الشيخ باقر صاحب الجواهر ، والسيد محمد الهندي ، والسيد حسن الصدر ، وبقي في النجف إلى عام ١٣٢٢ ه‍ ، وبعدها رجع إلى مسقط رأسه فبقي إلى عام ١٣٣٠ ه‍ ثمّ طلب من بغداد فعيّن عضوا في مجلس الولاية الخاص خمس سنين ، وفيها كانت الحرب العالميّة الأولى ،

__________________

(١) الحسين سماته وسيرته : ١٦٠ ـ ١٦١.

(٢) قد ذكر المرحوم السماوي في إجازته الروائيّة إلى المرحوم آية الله الوالد أنّها كانت في سنة ١٢٩٣ ه‍ ق ، والإجازة بخطّه موجودة عندنا.

١٥

فارتحل منها إلى النجف عند الاحتلال الإنگليزي وبقي فيها إلى أن عيّن قاضيا ، فبقي طيلة زمن الاحتلال وعامين من الحكم الوطني ، ثمّ نقل إلى كربلاء فبقي فيها سنين ، ونقل إلى بغداد فبقي عشر سنوات بين القضاء والتمييز الشرعي ، وأخيرا نقل إلى النجف حسب طلبه فبقي فيها سنة واستقال على أثر سوء تفاهم وقع بينه وبين فخامة السيّد محمّد الصدر أدّى إلى ذلك ...

والسماوي شخصيّة علميّة أديبة فذّة ، جمعت كثيرا من أصول الفضائل وطمحت إلى أسمى الأهداف »(١) .

وقال الشيخ جعفر النقدي :

« فاضل ، سبقت دوحة فنونه في رياض الفضائل وجرت جداول عيونه في غضون الكمالات »(٢) .

وقال عبد الكريم الدجيلي في جريدة اليقظة :

« كان السماوي خير من يمثّل العالم في المدرسة القديمة بأسلوب كلامه وطريقة حواره وهيئة بزّته واتزانه وتعقله ، وهو إذا حضر مجلسا يأسر قلوب الحاضرين بسرعة البادرة وحضور النكتة وقوة الحافظة وسعة الخيال ، فهو ينتقل بك من الشعر العالي المتسامي إلى طرف من التاريخ والآداب ، ثمّ إلى نوادر من الحديث والتفسير ، وهو إلى جانب ذلك يسند حديثه بإحكام ودقّة تعبير ، فيدلّك على الكتاب الذي يضمّ هذه النادرة أو تلك النكتة ، وعلى الصحائف التي تحويها ، وعلى السنة التي طبع فيها هذا الكتاب إن كان مطبوعا ، وإلى عدد طبعاته إن كانت متعددة ، وحتّى التحريف والتشويه بين الطبعات!

__________________

(١) راجع شعراء الغري : ١٠ / ٤٧٥.

(٢) شعراء الغري : ١٠ / ٤٧٨.

١٦

وأنت إذ تسمع إليه فكأنّك تصغي إلى عالم من علماء العهد الأموي أو العبّاسي في طريقة حواره وأسلوب حديثه وانتقاله من فنّ إلى فنّ ، ومن علم إلى علم ، فهو يعيد لك عهد علم الهدى في مجالسه ، والقالي في أماليه ، والمبرد في كامله ، والجاحظ في بيانه وتبيينه ، ولا تفارقه الابتسامة التي تقرأ منها عمق التفكير وجلال العلم وغبار السنين ، ويده إلى جانب ذلك مشغولة في علبة البرنوطي.

توفي في النجف في الرابع من المحرّم عام ١٣٧٠ ه‍ ، ودفن بها ، وأرّخ وفاته بعضهم ضمن تاريخ وفاة الشيخ جعفر النقدي الذي كانت وفاته بعده بأيّام »(١) .

وقال كحالة : « محمّد بن طاهر السماوي ، أديب ، ناظم ، ناثر. ولد في السماوة ونشأ بها ، وأرسل إلى النجف ، فدرس العلوم النقليّة والعقليّة ، ورجع إلى السماوة ، ثمّ سافر إلى بغداد وانتخب عضوا في مجلس الولاية ، ثمّ عاد إلى النجف ، وتولّى بها القضاء الشرعي ، وانتخب عضوا بالمجمع العلمي العراقي.

من آثاره : الطليعة في شعراء الشيعة ، إبصار العين في أنصار الحسين ، ظرفة الأحلام فيما نظم في المنام ، الكواكب السماويّة في شرح القصيدة الفرزدقيّة ، وشجرة الرياض في مدح النبي الفيّاض »(٢) .

هذا الكتاب :

قال آغا بزرگ الطهراني : « إبصار العين في أنصار الحسينعليه‌السلام للعلاّمة الماهر الشيخ محمّد بن طاهر السماوي ، ألّفه أوان قضائه في النجف الأشرف ، وطبع

__________________

(١) شعراء الغري : ١٠ / ٤٧٩.

(٢) معجم المؤلفين : ١٠ / ٩٧.

١٧

سنة ١٣٤٣ بالنجف ، ثمّ أضاف إليه أشياء لم تطبع بعد »(١) .

وقد ذكر المؤلّفرحمه‌الله في هذا الكتاب أسماء مائة وعشرين من أنصار الإمام الحسينعليه‌السلام ، سواء الذين استشهدوا بين يدي الإمامعليه‌السلام يوم الطفّ في كربلاء ، أو الذين جرحوا ولم يستشهدوا كالحسن المثنّى ، أو الّذين استشهدوا في نصرته قبل يوم الطف في البصرة كسليمان بن رزين ، أو في الكوفة كقيس بن مسهّر الصيداوي ، ومسلم بن عقيل ، وهاني بن عروة وغيرهم.

والكتاب يشتمل على فاتحة ذكر فيها المؤلّفرحمه‌الله أحوال الإمام الحسينعليه‌السلام من الولادة حتّى الشهادة باختصار.

وفي الكتاب سبعة عشر مقصدا ، تعرّض المؤلّفرحمه‌الله في كلّ واحد منها إلى قبيلة من القبائل التي كان منها نصير أو أكثر من أنصار الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام .

أمّا خاتمة الكتاب فتحتوي على إشارة إلى عشرين فائدة ، جميعها ترتبط بأنصار الإمام الحسينعليه‌السلام .

طبعات هذا الكتاب :

طبع الكتاب أوّل مرّة في سنة ١٣٤١ ه‍ ق في المطبعة الحيدريّة في النجف الأشرف ، وفي سنة ١٣٤٣ ه‍ ق كما أشار إلى ذلك صاحب الذريعة ، وطبع في مطبعة الآداب في النجف الأشرف بدون ذكر سنة الطبع ، وطبعته في إيران مكتبة بصيرتي في مدينة قم بطريقة الأوفست ، وصدر مرّة أخرى عن نفس المكتبة بدون ذكر سنة الطبع وبطريقة الأوفست أيضا ، وفي سنة ١٤١٤ ه‍ ق صدر عن منشورات الشريف الرضي في مدينة قم بالأوفست أيضا.

__________________

(١) الذريعة إلى تصانيف الشيعة : ١ / ٦٥.

١٨

منهج التحقيق :

كانت تراودني الرغبة في تحقيق هذا الكتاب القيّم منذ مدّة ، ولمّا نفد الكتاب من السوق في وقت لم يزل يزداد طلبه وتتسع الاستفادة منه ، عزمت على تحقيقه وتقديمه إلى مريديه في طبعة جديدة قد صححت فيها الأخطاء التي احتوتها الطبعات السابقة ، وقوبل فيها كلّ ما نقله المؤلّفرحمه‌الله مع المصادر الأصليّة التي أخذ عنها ، مع الإشارة في المحلّ إلى المصدر المأخوذ عنه وموقع الأخذ منه.

والمؤلفرحمه‌الله في نقله المطالب عن مصادرها كان ينقل غالبا بطريقة النقل بالمعنى ، وقد أشرنا للتفاوت مع المصدر في الحالات التي يكون فيها التفاوت غير يسير رعاية للأمانة.

وأملي أن يتحفنا إخواننا المحقّقون والمتتبعون بملاحظاتهم كي نستفيد منها في طبعات أخرى إن شاء الله تعالى.

محمّد جعفر الطبسي

قم المقدسة

١٧ ربيع الأوّل ١٤١٩ ه‍ ق.

١٩
٢٠

ولماذا لم يتدخل احد الا ايران الاسلامية الشيعية؟ اليس هذا دليل علي صحة ما اقول؟

قال: نعم، ولكن هولاء رافضة ينبغي الا نتعاون معهم، ثم استدرك وقال: ينبغي ان يكون التعامل معهم من خلال هيئة امم اسلامية. سكت... وسكت الشيخ وتكلم الصمت.

عدت الى بيتي، وانا في قمة الاستفزاز والانفعال. قلت لنفسي: ان كان حقا ما يقولون ان المسلمين الشيعة بكل هذه الدناءة فلعنة اللّه عليهم، وان كانت كل هذه اكاذيب موجهة اليهم فتلك النازلة الكبرى التي ما بعدةا نازلة.

مضت ايام. كان هناك معرض للكتاب في كلية الطب بالمنصورة. مررت به فوجدت كتابا بعنوان (الامام جعفر الصادق) تالىف المستشار عبد الحليم الجندي، طبعة مجمع البحوث الاسلامية ١٩٧٧م، قلت: هذا كتاب عن الامام جعفر الصادق من تالىف كاتب مصري سني، وصادر من قبل موسسة رسمية قبل قيام الثورة الاسلامية في ايران، فاخذته وقراته وتزلزل كياني لما فيه من معلومات عن اهل البيت (ع) طمستها الانظمة الجائرة وكتمها علماء السوء، فان القوم - كما روى علي لسان الزهري راوية بني امية - لا يطيقون ان يذكر آل محمد بخير.

عدت الى الكتابين السابقين، واخرجت ما فيهما من

٢١

المعلومات، ووجدتها جميعها من مصادر سنية قلت: لعل المسلمين الشيعة كذبوا فاوردوا على الناس ما لم يقولوه! فلنعد الى هذه المصادر بنفسنا، قمت بعمليه جرد دقيقة لجميع هذه الكتب، سواء منها ما كان في مكتبتي الخاصة، ام ما كان في مكتبه جمعية الشبان المسلمين، وتحققت فعلا من صحة هذه المعلومات، وعرفت مدى المصداقية التي يتمتع بها الزنداني وابو اسماعيل واحسان آلةي ظهير..!! وهنا نقطة هامة، وهي: ان كتب الحديث عند اهل السنة كالبخاري ومسلم وغيرهما، تكاد تكون مقدسة عند القوم لان صحة خلافة الخلفاء الثلاثة الاول مستمدة.. اولا من الامر الواقع، وثانيا من الروايات التي وردت في هذه الكتب، فاذا كان القوم يسلمون بصحة الروايات الواردة في فضائل الثلاثة الاول وجب عليهم التسليم بكل ما عداها ومنها فضائل اهل البيت(ع) وامامتهم.(١)

اما اذا قالوا: بل ننظر في صحة الروايات والرواة، فقد فتحوا باب النقد في مسلماتهم وصار من حقنا النقاش في صحة اسانيدهم وترجيح الدليل الاقوى، وهو عين ما يتوخاه كل باحث عن الحق

____________________

(١) أنظر في ذلك باب مناقب علي بن أبي طالب، و باب مناقب قرابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجزء الرابع من (صحيح البخاري) ص ٢٤٨ و ما بعدةا.

طباعة دار الفكر – بيروت ١٤١٤ه/١٩٩٤م.

٢٢

وعندئذ ستكتسب الروايات الواردة في امامة اهل البيت(ع) قوة مضاعفة، اولا من قوة اسانيدها وثانيا من اعتراف مخالفيها بصحتها، والفضل ما شهدت به الاعداء والخصوم.

لم تمض الا اسابيع قليلة الا وكانت المسالة محسومة تماما من الناحية العقيدية، ثم التقيت بواحد من الاصدقاء القدامى وجدته علي هذا الامر، وبدانا في تدارس بعض الاحكام الفقهية اللازمة لتصحيح العبادات. وكنت مشغولا في هذا الوقت في انهاء رسالة الدكتوراه حتى اننى اقفلت عيادتي للتفرغ للعمل بهذه الرسالة، وقبلت في نيسان /ابريل عام ١٩٨٦ وبدات اتاهب لدخول امتحانات الدكتوراه في تخصص (الباطنة العامة). كنت منكبا علي القراءة العلمية وكانت راحتي ومتعتي الوحيدة اذا اصابني الملل من القراءة في الطب، هي اللجوء الى كتب اهل البيت(ع)، وبدا النبا يتسرب الى الذين تعاهدوا فيما بينهم وقرروا مقاطعة العبد الفقير لا كلام ولا سلام ولا معاملة، وبدات حلقات الضيق تتكاثر حول شخصي المتهم بالانحراف الفكري والخلل العقلي.. لماذا؟.. كنت اتساءل بيني وبين نفسي عن سر هذا العداء والشراسة في مواجهة كل من ينتمي الى خط آل بيت النبوة، وما هي الجريمة التي ارتكبها اولئك المنتمون؟.. تاره يقولون (انه انحراف عقائدي.. اى عقائدي هذا؟ هل صار الايمان بخلافة ابي بكر وعمر وعثمان جزءا متمما لكلمة لا اله الا اللّه، محمد رسول اللّه، ام ماذا؟).

٢٣

هل يقصدون ضرورة اثبات الىد والرجل والاصابع والصعود وآلهبوط للذات الآلهية؟ وهو ما يومن به السلفيون ومن يدينون بمذهبهم، تعالى اللّه عما يقول الواصفون والجاحدون علوا كبيرا.

لم يحاول احد منهم ان يقنعني بركائز هذه العقيدة ومعالم الانحراف العقيدي التي حلت بالعبد الفقير، ولم اكن في حاجة الى من يعرفني، فكتبهم موجودة في الساحة توزع من دون مقابل، وهي موجودة لدى ايضا.

اعتقال عام (١٤٠٨هر١٩٨٧م)

في ايار/مايو ١٩٨٧، انطلقت عدة رصاصات على وزير الداخلية المصري السابق حسن ابو باشا، وعلى الفور بدات حملة اعتقالات على طريقة (عناقيد الغضب الاسرائيلية) فتوجست من هذه الحادثة. وبعد ثلاثة اسابيع من بدء (حملة عناقيد الغضب) جاء زوار الفجر واخذوني مرة اخرى الى سجن الاستقبال ومنه مباشرة الى ساحات الاستجواب والتعذيب، جرى تعصيبي وتقييدي من الخلف ويبدو انها تكنولوجيا امريكية جديده لم ارها في المرة السابقة، القوا بى في العراء علي هذه الطريقة لمدة يومين وكعادتهم اللآدميه اخذوا ملابسي. ثم اعادوني الى السجن، ورموني في زنزانة في الطابق الرابع، بلا ماء ولا شبابيك ولا فراش، ولم يونس

٢٤

وحدتي الا اسراب البعوض، ثم اعادوني الى ساحة التعذيب والاستجواب بعد اسبوعين، حيث بدات حفلة تعذيب بالكهرباء، كان الاستجواب فيها مجرد غطاء لممارسة التعذيب بالكهرباء وتوجيه صدمات كهربائية للمخ وباقي الاماكن الحساسة ثم اطلقوا سراحي بعد يومين آخرين. كان آلهدف واضحا من حفلة التعذيب هذه حيث لا تهمة ولا حتى معلومات يريدون الحصول عليها ومنذ اللحظة الاولى قال لي المحقق السفاح: (سندفعك الى الجنون( وَ يَمْکُرُونَ وَ يَمْکُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْمَاکِرِينَ‌ ) «الانفال/٣٠».

خرجت من المعتقل مريضا بالفعل، ومضت علي عدة شهور حتى استطعت استعادة قدرتي علي التركيز الى سابق عهدها، ولكن التامر اخذ شكلا آخر كان الهدف منه اخراجي من عملي بالجامعة بكل ما لديهم من وسائل، وهكذا تم تاخير حصولي على الدكتوراه من عام ١٤٠٨ه/١٩٨٧م حتى ١٤١٣ه/١٩٩٢م ست سنوات كاملة من الضغوط الوظيفية والمعاشية كي يجبروني على تغيير (عقيدتي الفاسدة) حتى جاء الحق وظهر امر اللّه وهم كارهون.

التنظيم الاسلامي الشيعي ١٩٨٩م

من الواضح ان النفوذ البعثي العراقي قد امتد الى كافة انحاء المنطقة وخاصة مع نهاية الحرب العراقية الايرانية التي نصب فيها صدام حسين نفسه زعيما للامة العربية وحامى البوابة الشرقية، الى

٢٥

آخر هذه الالقاب التي منحها له الاعلام الماجور والحاقد في نفسه. وكان آلهجوم على المسلمين الشيعة في كل مكان احد ملامح هذا التمدد الذي لم تكشف تفاصيله بعد، والدليل علي هذا تقلص هذا العداء بتقلص دور المغرور سياسيا صدام حسين. لم تكن الاصابع البعثية بعيدة عن تمويل الحملة الاعلامية التي انطلقت لمهاجمة المسلمين الشيعة وتشويه معتقداتهم، ولا كانت بعيدة عن تلفيق القضايا للشيعة في الاعوام ١٩٨٧، ١٩٨٨، ١٩٨٩م ومنها هي القضية التي زج باسمى فيها. والغريب في هذه الامور ان قضية (مفبركة) من هذا النوع تحتوي قرابة الثلاثين شخصا تم جمعهم من الشرق والغرب تحظى بتغطية اعلامية في الصحف والمجلات القوميه وقد تم اعداد المتهمين من اللحظة الاولي لتصويرهم تماما كافلام السينما، لها منتج يتحمل التكاليف ويجني المكاسب، ومخرج، ومجموعة من الممثلين كانت هذه هي الطريقة التي يتم التصرف بها في مصائر المسلمين على مذابح الزعامات الزائفة والانتصارات الموهومة.

وانفض الجمع كما بدا، بل وكانت النتائج عكسية تماما حيث وجدنا من احرار الامة من يدافع عنا سواء من رجال الجامعة ام من رجال الصحافة. وفشلت الحملة السوداء التي كانت تتصور انه بمجرد اتهامنا بكلمة (الشيعة والتشيع) سيقف المجتمع ضدنا وقفة رجل واحد، لم يحدث هذا ولن يحدث ان شاء اللّه في (مصر

٢٦

الازهر الشريف) الذي بناه المسلمون الفاطميون الشيعة، مصر التسامح المذهبي التي وسعت بين ارجائها المسلمين والمسيحيين بل وحتى اليهود، فكيف يتخيل بعضهم ان هذا الشعب العظيم يمكن ان يحقق لهولاء اغراضهم؟ لم تتوقف المضايقات ولكن حدتها قد خفت كثيرا في الوقت الراهن.

حوارات مع السلفيين

لم يكن احد يعرف من هم المسلمون الشيعة ولا التشيع قبل الثورة الاسلامية الايرانية، وربما كان من الممكن التماس العذر لكل من وقفوا من الشيعة موقفا سلبيا، فالحقيقة غائبة ولا سبيل اليها الا بمصادفة كالتي تعرضت لها، فالشيعة مسلمون يومنون باللّه خالقا تجب عبادته واطاعة اوامرة وحده لا شريك له، والانتهاء عن معاصيه، ويومنون بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيا مرسلا هاديا، ويومنون بيوم المعاد(القيامة)، ويومنون بالقرآن الموجود بين ايدينا اليوم كتابا منزلا على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وان اللّه سبحانه وتعالى قد حفظ هذا الكتاب من اي تحريف او نقص او زيادة، والمنصف هو من يعود الى كتبهم العقيدية ليطلع على افكارهم وعقائدهم، لا ان يقرا كتب خصومهم، التي تحتوي على الافتراءات والاكاذيب بما لا يرتضيه دين، ولا يقر به عاقل منصف.

لو قرا اولئك الناس كتب التراث الاسلامي لتغيرت نظرتهم

٢٧

وصارت اكثر عمقا، ولكن هيهات..! لماذا يقروون وقد صاروا زعماء سياسيين ودينيين لمجرد انهم قرووا الصحف والمجلات وبعض قصاصات، ولو ساروا في الارض كما امرهم اللّه عز وجل لوجدوا المسلمين الشيعة في طول الارض وعرضها يحملون المصحف نفسه يقروونه ويتعبدون به للّه الواحد الاحد، ولكن الهوى لا دواء له.

اسلام واحد ام اسلامان؟

لم ولن اغير موقعي المدافع عن الاسلام في مواجهة اعدائه، ولن يصبح هذا الموقع يوما ما موقع المدافع عن طائفة ضد اخرى او مذهب ضد مذهب آخر، وما زال الصراع الحقيقي هو بين الاسلام والكفر وليس بين السنة والشيعة او حتى بين الاسلام والمسيحية او بين الاسلام واليهودية، سيبقى الصراع بين الحق والباطل، بين العدل والبغي، بين المستضعفين والمستكبرين، ولكن شيئا من هذا لا ينافي قراءة الاسلام في العمق، ولا معرفة حقائق التاريخ.

كيف يمكن لامة ان تحلم باقامة دولة اسلامية، وهي لا تمتلك مشروعا فقهيا او فقهاء مجتهدين؟! الجميع يعلمون ان المسلمين الشيعة وحدهم هم الذين يمتلكون هذا البناء الفقهي وهذه المدرسة المتكاملة التي اقاموها على مدى التاريخ عبر العذابات

٢٨

والجراحات، وهي مدرسة تستند الى فهم آل البيت المعصومين للكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة، ودائما كان دليلةم الاقوى وكانت فتاواهم هي الاصوب.

مثلا: اجمع فقهاء اهل البيت علي ان(حج التمتع)(١) افضل وانه فرض للبعيد عن المسجد الحرام اخذا بقوله تعالى:( وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَکُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ کَانَ مِنْکُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُکٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْکَ عَشَرَةٌ کَامِلَةٌ ذٰلِکَ لِمَنْ لَمْ يَکُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) «البقره/١٩٦».

اهل البيت يرون ذلك فرضا، اما الشيخ سيد سابق، فيرى

____________________

(١) يتألف حج التمتع من العمرة و الحج معا، و فيه إحرامان، وسعيان، و ثلاثة أطوفة: الأول للعمرة، و الثاني للحج، و الثالث للنساء، و هو للبعيد عن مكة. قال الإمام جعفر الصادق (ع): (من حج فليتمتع، إنا لا تعدل بكتاب الله و سنة نبيه. و قال: ما تعلم حجا لله غير المتعة، إنا إذا لقينا ربنا قلنا: عملنا بكتابك و سنة نبيك، و قال القوم: عملنا يرأينا، فليجعنا الله و إياهم. انظر: محمد جواد مغنية: فقه الإمام جعفر الصادق (ع). دار التبار الجديد- بيروت ط. الساىسة ١٤١٣ه/١٩٩٢م.

٢٩

ذلك (مجرد مذهب) لابن عباس وابي حنيفة(١) استدل عليه باية في كتاب اللّه، وهو بهذا يجعل الدليل القرآني مساويا لاراء الصحابة والتابعين، هل هذا دين؟! ثم يقولون لنا ان المسائل الفقهية محسومة وان لا اجتهاد مع النص، اليس هذا استهزاء بالنص القرآني؟!.

منذ عدة سنوات، اقترح الكاتب الصحفي احمد بهاء الدين تعديل قوانين الميراث والاخذ بالمذهب الجعفري الذي ينص على ان الانثى تحجب كالذكر، وقال ان الاخذ بهذه المادة القانونية يحل الكثير والكثير من المصائب والمشاكل الاجتماعية، فقامت الدنيا ولم تقعد، وانهال آلهجوم على الرجل والكل يتحدث بمنطق العصبيه البغيض (مذهبنا ومذهبهم) و رحمة اللّه على رجال من نوعية الشيخ محمد ابو زهرة والشيخ محمد شلتوت الذين حاولوا تحريك هذه البرك الراكدة، فلم يفلحوا.

يروون عن ائمة المذاهب الاربعة انهم قالوا: (اذا صح الدليل فهو مذهبي) فهل استثنى هولاء وقالوا: (الا ما جاء من ناحية اهل البيت وشيعتهم فلا تاخذوا به فهو باطل وان صح)؟ اين هي حرية الفكر وحرية العقل؟.

____________________

(١) أنظر: السيد سابق: فقه السنة، المجلد الأول، ص ٥٨٠ الطبعة الثامنة دار الكتاب اللبناني (١٤٠٧ه/١٩٨٧م) بيروت-لبنان.

٣٠

لماذا ضاعت هذه الشعارات وسط بريق النفط الاسود؟

وهل للنفط بريق الا لمن عميت بصائرهم وماتت ضمائرهم فانها لا تعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور.

في النهاية، اسجل رويتى لقضية الامامة: اولا، روية نقدية لمرويات اهل السنة في هذا الموضوع، ثانيا قراءة عقلية للنص القرآني والاحاديث الواردة في مسالة الامامة.

***

٣١

٣٢

على طريق الامامة

في الصميم:

لم تكن قضية الامامة تحظى بقدر كبير من الاهتمام في صفوف الحركات الاسلامية المعاصرة في العالم الاسلامي، بيد ان قيام الثورة الاسلامية في ايران، بقيادة آية اللّه العظمى روح اللّه الموسوي الخمينيرحمه‌الله ، قد القى عدة احجار في البحيرة الراكدة، وفرض على الكثيرين من العلماء والمفكرين واصحاب القلم اعادة التفكير والنظر في مسلمات الامس القريب، في حين اختار بعضهم موقف المعاداة لكل ما جهلوا، وصدق اللّه العلي العظيم، حيث يقول:( بَلْ کَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ) «يونس /٣٩».

وهناك من قام باعمال فكرة وعقله في النصوص وفي الواقع، بهدف الحصول على الحقيقة بغض النظر عن الاستنتاج النهائي، وبغض النظر عن قوى الواقع التي تمارس بشكل عملي الاسلوب الذي تتحدث عنه الآية القرآنية المباركة وتذمه( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ) «الزخرف /٢٢». تمارس تلك القوى ذلك من دون ان تعلنه باللسان.

٣٣

على ان قضية(الامامة)، وان تعددت الدراسات حولها وكثرت الا ان غالبية ما كتب لم يكن ليكتب في اطار عقلي، بل ان السائد ان كل طرف ياتي بما يويد وجهة نظره من الروايات، ويتحدث عن اسانيدها ورواتها ووثاقتهم، الامر الذي دفعني لاستخدام المنطق العقلي في هذه الدراسة لان ما يتناقض مع العقل هو المستحيل بعينه وهو المرفوض دراية ومن ثم رواية، من دون ما حاجة لسرد اسماء الرواة والمحدثين، وما يتفق مع العقل ينبغي قوله والتسليم به، لان احكام الدين وشرائعة تتكامل ولا تتناقض، وما نعنيه بالعقل هنا هو عرض ادلة المسائل الفرديه علي الادلة الكلية، الجامعة. فاذا كان اللّه تبارك وتعالى:( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ) «النحل /٩٠»، فلا يعقل ان يامر بطاعة (فاقد العقل)، والا لامر سبحانه بالشيء وضده (العدل - الجور). وهذا محال علي اللّه سبحانه وتعالى.

والى جانب ايماننا بذلك، فاننا نومن بالتكامل في الشريعة الاسلامية الغراء، بمعنى ان قواعد الاسلام العظيم مرتبة بعضها على بعض، فالقرآن الكريم تحدث عدة مرات عن قاعدة (الاصطفاء)، وانها محصورة في الذرية والال( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرَاهِيمَ وَ آلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ‌ ) «آل عمران /٣٣». ثم نص سبحانه وتعالى على تحميل هولاء المصطفين الابرار مسوولية

٣٤

هداية البشر، وتعريفها بالحق:( وَ الَّذِي أَوْحَيْنَا الىکَ مِنَ الْکِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) «فاطر/٣١ - ٣٢». وهذه قاعدة عامة لم تشذ عنها امة من الامم، فلماذا تشذ الامة الاسلامية؟( قُلْ مَا کُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ ) «الاحقاف /٩».

واخيرا: هناك قضية حجية السنة(١) ؟ فالمعارضون لمدرسة اهل البيت(ع)، حينما تضيق بهم السبل يلجاون الى حجة في غآية الغرابه، وهي الدفع بعدم ورود امامة اهل البيت(ع) وخلافتهم للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القرآن الكريم، وهو ما لا سبيل الى القبول بمناقشته ونحن نعلم ان حجية السنة المتواترة تماما كحجية الكتاب، فصاحب السنة هو متلقي الوحي من رب السموات والارض ولعنة اللّه على من كذب على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليموه على الناس دينهم، وهذا الكذب هو الذي ادى الى القاء بعض الظلال علي حجية السنة المطهرة، وهي اوامر اللّه ونواهيه التي جاء بها النبي المعصوم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتشكيك في حجية السنة لا يختلف في شيء عن التشكيك في حجية القرآن.

___________________

(١) يعرف علماء أصول الفقه الحجة بأنها: (كل شيء يكشف عن شيء أخر، و يحكي عنه على وجه يكون مثبتا له). أما السنة فهي (قول المعصوم أو فعله أو تقريره)

للتوسع أنظر: أحمد البهادلي: مفتاح الوصول الى علم الأصول٢/٣١.

٣٥

نقول ايضا: ان انتقال النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الرفيق الاعلى عام (١١ه /٦٣٢م) كان من المفترض ان يصاحبه انتقال السلطة والنظرية الى يد امينة قادرة على التعبير عن الامرين وجعل السلطة والقوة في خدمة النظرية وليس العكس ان تكون النظرية في خدمة السلطة فتتشكل النظرية وفقا لقدرات اصحاب السلطة الذهنية والعقلية ولمدى امانتهم في التطبيق، ومن هنا كان عهد النبي الاكرم لعلي سلام اللّه عليه يوم غدير خم بقوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه)(١) ، وقوله يوم سار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى غزوة تبوك وكانت يومها الدولة قائمة: (انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي)(٢) .

____________________

(١) هذا الحديث يعرف بحديث الغدير، و قد روي في صحاح أهل السنة بألفاظ متقاربة، و معني واحد أنظر: سنن الترمذي ٢/٢٩٨. مطيعة بولاق-مصر١٢٩٢ه- سنن ابن ماجه ص ١٢. مطيعة حيدر اباد- الدكن١٣٢٤ه- سند احمد بن حنيل ١/٤٨، المطيعة الميمتية- مصر١٣١٣ه- الخصائص للنسائي ص٢٢و ٤٠مطيعة التقدم العلمية- مصر١٣٤٨ه- الإمام و السياسة لابن قتية، ص ٩٣. طباعة الفتوح الأىبية١٣٣١ه.

(٢) روي هذا الحديث في:

-صحيح البخاري (كتاب بده الخلق، باب عزوة تبوك) ٣/١٣٥٩،حديث=

٣٦

ولكن الذي حدث كان غير ذلك، فالخلافة النبوية انتقلت الى من انتقلت اليه براي بعض المسلمين وليس بالنص، واولئك الخلفاء تفاوتت قدراتهم في استيعاب النصوص ومعرفتها ومن ثم تعبيرهم عن النظرية، وان امسكوا بالسلطة في ايديهم، وكانت ثمرة الخلفاء الثلاثة الاول ان انتقال السلطة الى الامام علي(ع) لم يكن انتقالا هادئا ولا مستقرا الى (امام منصوب من اللّه عز وجل) ما اسهم في تفلت خيوط القوة من بين يديه ووصولها غنيمة باردة الى بني امية بقيادة ابن (آكلة الاكباد)(١) ، وهو انتقال رسخ الوضع الاتي:

١ - سلطة لم تستمد قوتها من شرعية آلهيه، وانما من الغصب والعدوان، وهو ما عبر عنه معاوية في خطاب تسلم السلطة: (اني واللّه ما قاتلتكم لتصلوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجوا،

____________________

= ٣٥٠٣،المطيعة الخيرية- مصر١٣٢٠ه.

- صحيح مسلم(كتاب فضائل الصحابة) ٥/٢٣ حديث ٢٤٠٤. طباعة بولاق ١٢٩٠ه.

(١) آكلة الأكباد هي هند بنت عُتبة، أمّ معاوية بنت أبي سفيان سُمّيت بآكلة الأكباد لأنّها بقرت بطن (حمزة) عم النبي و أخرجت كبده و لاكته، و ذلك في معركة(أحد) التي دارت بين المسلمين و مشركي قريش بقيادة أبي سفيان، فجرح الرسول فيها، و قتل عمّه حمزة، و ذلك سنة ٣ه/٦٢٥م.

٣٧

ولا لتزكوا، انكم تفعلون ذلك، وانما قاتلتكم لاتامر عليكم، وقد اعطاني اللّه ذلك وانتم كارهون).(١)

٢ - نظرية يفترض انها (الاسلام)، ولكنه من الناحية الواقعية (الاسلام الاسير) في ايدي اقوام جعلوا احدى شعائر صلاة الجمعة لعن امير المومنين علي(ع) علي المنابر، وهذه مسالة متواترة ناهيك عن باقي موبقاتهم وجرائمهم.

في ظل هذا الواقع السلطوي، والنظرية الاسلامية التي تتلقى الطعنات صباح مساء من اصحاب السلطة، صيغت نظريات السلطة، ورويت الروايات ودونت الكتب، فكتب الصحاح التي يتحدثون عنها كتبت بعد قرنين من رحيل النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولذا جاءت مدونات هذه الكتب خليطا من النصوص المبتوره عن مواضعها علي الرغم من صحتها، وتلك النصوص المكذوبة علي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتلك النصوص المنتقاة لبعض الاشخاص اصحاب المواقف المتمشية مع اهواء كل النظم الحاكمة الى يومنا هذا. والاهم من هذا وذاك تلك المساحات البيضاء التي تركت

____________________

(١) أبو الفرج الأصفهاني: مقاتل الطالبيّن ص٧٧، ط. الأعملي، بيروت – لبنان (١٤٠٨ه/١٩٨٧م).

و ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة ٤/١٦، ط. دار الهدى الوطنية، بيروت - لبنان (غير المورخ).

٣٨

فارغة ولم يدون شيء بشانها في كتب (الاحاديث) واقتصر تدوينها علي كتب التاريخ، ولذا فاننا سنقوم بتجميع بعض هذه النصوص والتعليق عليها، سعيا لايضاح الحقيقة، والانتصار للحق.

حدود الامامة

يقول الامام علي(ع): (لا بد للناس من امير بر او فاجر يعمل في امرته المومن).(١)

يقول ابن ابي الحديد في شرح النهج: (فاما طريق وجوب الامامة ما هي، فان مشايخنا البصريينرحمهم‌الله يقولون طريق وجوبها الشرع، وقال البغداديون وابو عثمان الجاحظ من البصريين: ان العقل يدل علي وجوب الرئاسة، وهو قول الامامية.

الا ان الوجه الذي منه يوجب اصحابنا الرئاسة غير الوجه الذي توجب منه الامامية الرئاسة، وذاك ان اصحابنا يوجبون الرئاسة علي المكلفين من حيث ان في الرئاسة مصالح دنيويه ودفع مضار دنيوية، والامامية يوجبون الرئاسة من حيث كان في الرئاسة لطف منه وبعد للمكلفين عن مواقعة القبائح العقلية).

وايا كان طريق وجوب الامامة او الامرة فالحقيقة انها واجبه

____________________

(١) كاظم محمدي/محمد دشتي: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة، خطبة (٤٠) ص٢٤. دار الأضراء-بيروت(١٤٠٦ه/١٩٨٦م).

٣٩

ولكن هناك تباين حول الوجه الذي يوجب الامامة، هل هو قاصر او مرتكز على حفظ المصالح الدنيوية، ام ان المسالة اعمق واشمل من وانها كما يرى المسلمون الامامية لطف من اللّه وبعد للمكلفين عن ممارسة القبائح العقلية.(١)

وفي اعتقادنا ان طبيعة الرئاسة او الامرة وهل هي معنية اساسا بحفظ المصالح الدنيوية ام انها ينبغي ان تكون اكثر اعتناء بحفظ المصالح الدينية، هذه الطبيعة تفاوتت بتفاوت الامة موضع الرئاسة وطبيعة الرسالة التي تحملها هذه الامة، وبالتالى فان مهام الرئاسة في الامة الاسلامية لا يمكن ان تتشابه مع مهام الرئاسة في الامة الامريكية مثلا( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ کَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ کَالْفُجَّارِ ) «ص/٢٨».

ومن هنا فاننا نرى ان طبيعة رئاسة الامة الاسلامية تكتسي وتعنون بالعناوين المدونة في كتاب اللّه وفي سنة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسها، وان المواصفات المطلوبة في امامة الامة الاسلامية هي القدرة على حمل هذه الاعباء، وان اي خلل في قدرات القيادة المسلمة على اداء هذه المهام الجسام تطرح العديد من التساولات حول اهلية هذه القيادة واحقيتها لهذا الدور، ودونكم بعض الامثلة من كتاب اللّه:

____________________

(١) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، ٤/١٦.م.س.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303