ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام18%

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام مؤلف:
المحقق: محمد جعفر الطبسي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 303

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 303 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127301 / تحميل: 6727
الحجم الحجم الحجم
ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

المقصد الخامس عشر

في الجهنيين

من أنصار الحسينعليه‌السلام

مجمع بن زياد بن عمرو الجهني

كان مجمع بن زياد في منازل جهينة حول المدينة ، فلمّا مرّ الحسينعليه‌السلام بهم تبعه فيمن تبعه من الأعراب ، ولمّا انفضّوا من حوله أقام معه وقتل بين يديه في كربلا كما ذكره صاحب الحدائق(١) وغيره.

عبّاد بن المهاجر بن أبي المهاجر الجهني

كان عبّاد أيضا فيمن تبع الحسينعليه‌السلام من مياه جهينة. قال صاحب الحدائق الورديّة : وقتل معه في الطفرضي‌الله‌عنه (٢) .

عقبة بن الصلت الجهني

كان عقبة ممّن تبع الحسينعليه‌السلام من منازل جهينة ، ولازمه ولم ينفض فيمن

__________________

(١) الحدائق الورديّة : ١٢٢.

(٢) الحدائق الورديّة : ١٢٢.

٢٠١

انفضّ. قال صاحب الحدائق : وقتل معه في الطف(١) .

__________________

(١) الحدائق الورديّة : ١٢٢.

٢٠٢

المقصد السادس عشر

في التميميين

من أنصار الحسينعليه‌السلام

الحر بن يزيد الرياحي

هو الحرّ بن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتّاب [ الردف ](١) بن هرميّ بن رياح ابن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، التميمي اليربوعي الرياحي.

كان الحرّ شريفا في قومه جاهليّة وإسلاما ، فإنّ جدّه عتّابا كان رديف النعمان ، وولد عتاب قيسا وقعنبا ومات ، فردف قيس للنعمان ونازعه الشيبانيون ، فقامت بسبب ذلك حرب يوم الطخفة ، والحرّ هو ابن عمّ الأخوص الصحابي الشاعر ، وهو زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب. وكان الحرّ في الكوفة رئيسا ندبه ابن زياد لمعارضة الحسينعليه‌السلام ، فخرج في ألف فارس.

روى الشيخ ابن نما : أنّ الحر لمّا أخرجه ابن زياد إلى الحسين وخرج من القصر نودي من خلفه أبشر يا حرّ بالجنّة. قال فالتفت فلم ير أحدا ، فقال في نفسه : والله ما

__________________

(١) في جمهرة أنساب العرب ٢٢٧ : عتّاب الردف ، وأورده ابن الكلبي في جمهرة النسب : ١ / ٣٠٧.

٢٠٣

هذه بشارة وأنا أسير إلى حرب الحسين ، وما كان يحدّث نفسه في الجنّة ، فلمّا صار مع الحسين قصّ عليه الخبر ، فقال له الحسين : « لقد أصبت أجرا وخيرا »(١)

وروى أبو مخنف عن عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين قالا : كنا نساير الحسين فنزل شراف ، وأمر فتيانه باستقاء الماء والإكثار منه ، ثمّ ساروا صباحا ، فرسموا صدر يومهم حتّى انتصف النهار ، فكبّر رجل منهم ؛ فقال الحسين : « الله أكبر لم كبّرت »؟ قال : رأيت النخل. قالا : فقلنا : إنّ هذا المكان ما رأينا به نخلة قط. قال : « فما تريانه رأى »؟ قلنا : رأى هوادي الخيل. فقال : « وأنا والله أرى ذلك » ؛ ثمّ قال الحسين : « أما لنا ملجأ نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد »؟ قلنا : بلى ، هذا ذو حسم عن يسارك تميل إليه ، فإن سبقت القوم فهو كما تريد. فأخذ ذات اليسار ؛ فما كان بأسرع من أن طلعت هوادي الخيل ؛ فتبيّناها فعدلنا عنهم ، فعدلوا معنا كأنّ أسنّتهم اليعاسيب ، وكأن راياتهم أجنحة الطير ، فسبقناهم إلى ذي حسم ، فضربت أبنية الحسينعليه‌السلام ، وجاء القوم فإذا الحرّ في ألف فارس فوقف مقابل الحسين في حرّ الظهيرة ، والحسين وأصحابه معتمون متقلّدون أسيافهم ، فقال الحسين لفتيانه : « اسقوا القوم ورشّفوا الخيل » فلمّا سقوهم ورشّفوا خيولهم ، حضرت الصلاة ، فأمر الحسين الحجّاج بن مسروق الجعفي ، وكان معه ، أن يؤذّن ، فأذّن ، وحضرت الإقامة فخرج الحسين في إزار ورداء ونعلين ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : « أيّها الناس إنّها معذرة إلى الله وإليكم ، إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم » إلى آخر ما قال ، فسكتوا عنه ، فقال للمؤذّن : « أقم » فأقام ، فقال الحسين للحرّ : « أتريد أن تصلّي بأصحابك »؟ قال : لا بل بصلاتك ، فصلّى بهم الحسين ، ثمّ دخل مضربه واجتمع إليه أصحابه ودخل الحرّ خيمة نصبت له واجتمع عليه أصحابه ، ثمّ عادوا

__________________

(١) مثير الأحزان : ٥٩ ـ ٦٠ بتفاوت.

٢٠٤

إلى مصافّهم فأخذ كلّ بعنان دابّته وجلس في ظلّها ، فلمّا كان وقت العصر أمر الحسين بالتهيؤ للرحيل ، ونادى بالعصر ، فصلّى بالقوم ثمّ انفتل من صلاته وأقبل بوجهه على القوم فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : « أيّها الناس إنّكم إن تتقوا » إلى آخر ما قال. فقال الحرّ : إنّا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر ، فقال الحسين : « يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ » ، فأخرج خرجين مملوين صحفا فنشرها بين أيديهم ، فقال الحر : فإنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك ، وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ألاّ نفارقك حتّى نقدمك على عبيد الله ، فقال [ له ] الحسين : « الموت أدنى إليك من ذلك » ، ثمّ قال لأصحابه : « اركبوا » ، فركبوا وانتظروا حتّى ركبت النساء ، فقال : « انصرفوا » ، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال الحسين للحرّ : « ثكلتك أمّك! ما تريد »؟ قال : أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل هذه الحالة التي أنت عليها ما تركت ذكر أمّه بالثكل أن أقوله كائنا من كان ، ولكن والله مالي إلى ذكر أمّك من سبيل إلاّ بأحسن ما يقدر عليه ، فقال الحسين : « فما تريد »؟ قال : أريد أن أنطلق بك إلى عبيد الله ، فقال : « إذن لا أتّبعك » ، قال الحرّ : إذن لا أدعك ، فترادّا القول ثلاث مرّات ، ثمّ قال الحر : إنّي لم أؤمر بقتالك ، وإنّما أمرت ألاّ أفارقك حتّى أقدمك الكوفة ، فإن أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ، ولا تردّك إلى المدينة تكون بيني وبينك نصفا حتّى أكتب إلى ابن زياد ، وتكتب إلى يزيد إن شئت أو إلى ابن زياد إن شئت ، فلعلّ الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك ، قال : فتياسر عن طريق العذيب والقادسية ، وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا ، وسار والحر يسايره ، حتّى إذا كان بالبيضة خطب أصحابه بما تقدّم فأجابوه بما ذكر في تراجمهم ، ثمّ ركب فسايره الحرّ وقال له : اذكّرك الله يا أبا عبد الله في نفسك فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ ، ولئن قوتلت لتهلكنّ فيما أرى ، فقال له الحسين : « أفبالموت تخوّفني!؟ وهل يعدو بكم

٢٠٥

الخطب أن تقتلوني!؟ ما أدري ما أقول لك! ولكني أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه حين لقيه وهو يريد نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له أين تذهب؟ فإنّك مقتول ؛ فقال :

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما

وآسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وباعد مجرما

فإن عشت لم أندم وإن متّ لم ألم

كفى بك عارا أن تلام وتندما

فلمّا سمع ذلك الحر تنحّى عنه ، حتّى انتهوا إلى عذيب الهجانات(١) فإذا هم بأربعة نفر يجنبون فرسا لنافع بن هلال ويدلّهم الطرماح بن عدي ، فأتوا إلى الحسين وسلّموا عليه ، فأقبل الحرّ وقال : إنّ هؤلاء النفر الذين جاءوا من أهل الكوفة ليسوا ممّن أقبل معك وأنا حابسهم أو رادّهم. فقال الحسين : « لأمنعنّهم ممّا أمنع منه نفسي ، إنّما هؤلاء أنصاري وأعواني ، وقد كنت أعطيتني ألاّ تعرض لي بشيء حتّى يأتيك جواب عبيد الله » ، فقال : أجل ، لكن لم يأتوا معك ، قال : « هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي ، فإن تمّمت عليّ ما كان بيني وبينك وإلاّ ناجزتك » ، قال : فكفّ عنهم الحرّ(٢) ، ثمّ ارتحل الحسين من قصر بني مقاتل فأخذ يتياسر والحرّ يردّه فإذا راكب على نجيب له وعليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة ، فوقفوا ينتظرونه جميعا ؛ فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ وترك الحسين فإذا هو مالك بن النسر(٣) البدي من كندة ، فدفع إلى الحرّ كتابا من عبيد الله فإذا فيه : أمّا بعد فجعجع بالحسينعليه‌السلام حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله إلاّ بالعراء في غير

__________________

(١) موضع في العراق قرب القادسيّة. راجع معجم البلدان : ٢ / ٩٢.

(٢) راجع تاريخ الطبري : ٣ / ٣٠٧ ، والإرشاد : ٢ / ٨٠.

(٣) في تاريخ الطبري : النسير.

٢٠٦

حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري ، والسلام.

فلمّا قرأ الكتاب جاء به إلى الحسين ومعه الرسول ، فقال : هذا كتاب الأمير يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه ، وهذا رسوله قد أمره أن لا يفارقني حتّى أنفذ رأيه وأمره. وأخذهم بالنزول في ذلك المكان ، فقال له : « دعنا ننزل في هذه القرية أو هذه أو هذه » يعني نينوى والغاضريّة وشفية. فقال : لا والله لا أستطيع ذلك ، هذا الرجل بعث إليّ عينا ، فنزلوا هناك(١) .

قال أبو مخنف : لمّا اجتمعت الجيوش بكربلاء لقتال الحسين جعل عمر بن سعد على ربع المدينة عبد الله بن زهير بن سليم الأزدي ، وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث ، وعلى ربع تميم وهمدان الحرّ بن يزيد ، وعلى الميمنة عمرو بن الحجّاج ، وعلى الميسرة شمر بن ذي الجوشن ، وعلى الخيل عزرة بن قيس ، وعلى الرجّالة شبث بن ربعي ، وأعطى الراية مولاه دريدا(٢) . فشهد هؤلاء كلّهم قتال الحسين إلاّ الحرّ فإنّه عدل إليه وقتل معه.

قال أبو مخنف : ثمّ إنّ الحرّ ـ لما زحف عمر بن سعد بالجيوش ـ قال له : أصلحك الله! أمقاتل أنت هذا الرجل؟ فقال : إي والله قتالا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدي. قال : أفما لك(٣) في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضا؟ فقال : أما والله لو كان الأمر إليّ لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ، فأقبل الحرّ حتّى وقف من الناس

__________________

(١) راجع تاريخ الطبري : ٣ / ٣٠٩.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٣١٧ ، وفيه : ذويدا.

(٣) في المصدر : أفما لكم.

٢٠٧

موقفا ، ومعه قرّة بن قيس الرياحي ، فقال : يا قرّة هل سقيت فرسك اليوم؟ قال : لا. قال : أما تريد أن تسقيه؟ قال : فظننت والله أنّه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال ، وكره أن أراه حين يصنع ذلك ، فيخاف أن أرفعه عليه ، فقلت : أنا منطلق فساقيه. قال فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه ، فو الله لو أطلعني على الذي يريد لخرجت معه ، قال فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا ، فقال له المهاجر بن أوس الرياحي : ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العرواء ، فقال له : يا ابن يزيد ، إنّ أمرك لمريب ، وما رأيت منك في موقف قطّ مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلا ما عدوتك ، فما هذا الذي أرى منك! قال : إنّي والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنار ، وو الله لا أختار على الجنّة شيئا ولو قطّعت وحرّقت ، ثمّ ضرب فرسه ولحق بالحسين ، فلمّا دنا منهم قلب ترسه ، فقالوا مستأمن ، حتّى إذا عرفوه سلّم على الحسين وقال : جعلني الله فداك يا ابن رسول الله! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع ، وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان ، والله الذي لا إله إلاّ هو ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبدا ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، فقلت في نفسي لا أبالي أن أصانع(١) القوم في بعض أمرهم ، ولا يظنون(٢) أني خرجت من طاعتهم. وأمّا هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم ، وو الله إنّي لو ظننتهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك ، وإنّي قد جئتك تائبا ممّا كان منّي إلى ربي ، ومواسيا لك بنفسي حتّى أموت بين يديك ، أفترى لي توبة؟ قال : « نعم ، يتوب الله عليك ، ويغفر لك ، فانزل » قال : أنا لك فارسا خير منّي راجلا ، أقاتلهم على فرسي ساعة ، وإلى النزول ما يصير آخر أمري. قال : « فاصنع

__________________

(١) في المصدر : أطيع.

(٢) في المصدر : ولا يرون.

٢٠٨

ما بدا لك » ، فاستقدم أمام أصحابه ثمّ قال : أيّها القوم ألا تقبلون من حسين هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه؟ قالوا : فكلّم الأمير عمر ، فكلّمه بما قال له قبل ، وقال لأصحابه ، فقال عمر : قد حرصت ، ولو وجدت إلى ذلك سبيلا فعلت ، فالتفت الحرّ إلى القوم وقال : يا أهل الكوفة ، لأمّكم الهبل والعبر دعوتم ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه ، أمسكتم بنفسه ، وأخذتم بكظمه ، وأحطتم به من كلّ جانب ، لتمنعوه(١) التوجّه إلى بلاد الله العريضة حتّى يأمن ويأمن أهل بيته ، فأصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا ، ولا يدفع ضرّا ، حلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والنصراني ، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، فها هم قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمّدا في ذريّته! لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه. فحملت عليه رجال ترميه بالنبل ، فأقبل حتّى وقف أمام الحسين(٢) .

وروى أبو مخنف أن يزيد بن أبي سفيان الثغري من بني الحرث بن تميم قال : أما والله لو رأيت الحرّ حين خرج لأتبعته السنان ، قال : فبينا الناس يتجاولون ويقتتلون والحرّ بن يزيد يحمل على القوم مقدما ويتمثّل قول عنترة :

ما زلت أرميهم بثغرة نحره

ولبانه حتّى تسربل بالدّم

وإنّ فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبيه ، وإنّ دمائه لتسيل ، فقال الحصين بن تميم التميمي ليزيد بن سفيان : هذا الحرّ الذي كنت تتمنّى. قال : نعم. وخرج إليه فقال له : هل لك يا حرّ في المبارزة؟ قال : نعم ، قد شئت ، فبرز له ، قال الحصين : وكنت

__________________

(١) في المصدر : فمنعتموه.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٠ بتفاوت.

٢٠٩

أنظر إليه ، فو الله لكأنّ نفسه كانت في يد الحر ، خرج إليه. فما لبث أن قتله(١) .

وروى أبو مخنف عن أيّوب بن مشرح الخيواني كان يقول : جال الحرّ على فرسه فرميته بسهم فحشأته فرسه فلما لبث إذ أرعد الفرس واضطرب وكبا ، فوثب عنه الحرّ كأنّه ليث والسيف في يده وهو يقول :

إن تعقروا بي فأنا ابن الحرّ

أشجع من ذي لبد هزبر

قال : فما رأيت أحد قطّ يفري فريه(٢) .

قال أبو مخنف : ولمّا قتل حبيب أخذ الحرّ يقاتل راجلا وهو يقول :

آليت لا أقتل حتّى أقتلا

ولن أصاب اليوم إلاّ مقبلا

أضربهم بالسيف ضربا مفصلا

لا ناكلا عنهم ولا مهللا

ويضرب فيهم ويقول :

إنّي أنا الحرّ ومأوى الضيف

أضرب في أعراضكم بالسيف

عن خير من حلّ بأرض الخيف(٣)

ثمّ أخذ يقاتل هو وزهير قتالا شديدا ، فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم شد الآخر حتّى يخلّصه ، ففعلا ذلك ساعة. ثمّ شدّت جماعة على الحرّ فقتلوه(٤) .

فلمّا صرع وقف عليه الحسينعليه‌السلام وقال له : « أنت كما سمّتك أمّك الحرّ حرّ في الدنيا وسعيد في الآخرة ».

وفيه يقول عبيد الله بن عمرو الكندي البدي :

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٤.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٤.

(٣) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٧ ، وفيه :

أضرب في أعراضهم بالسيف

عن خير من كلّ منّى والخيف

(٤) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٧.

٢١٠

سعيد بن عبد الله لا تنسينه

ولا الحرّ إذ آسى زهيرا على قسر

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( رسموا ) : ساروا الرسيم وهو نوع من السير معروف.

( البيضة ) : قال أبو محمّد الأعرابي الأسود : البيضة بكسر الباء ما بين واقصة إلى العذيب(١) .

( العرواء ) : بالعين المهملة المضمومة والراء المهملة المفتوحة قوة الحمى ورعدتها ، وفي رواية الأفكل : وهو بفتح الهمزة كأحمد الرعدة.

( قلب ترسه ) : هو علامة لعدم الحرب ، وذلك لأن المقبل إلى القوم وهو متترس شاهر سيفه ، محارب لهم فإذا قلب الترس وأغمد السيف ؛ فهو غير محارب أمّا مستأمن أو رسول.

( الهبل ) : كجبل. ( والعبر ) : كصبر وتضم العين هما بمعنى الثكل ، ويمضى على بعض الألسنة العير بالياء المثنّاة تحت وهو غلط.

( كظمه ) : كظم الوادي بفتح الكاف وسكون الظاء المعجمة مضيقه ، فإذا أخذه الإنسان فقد منع الداخل فيه والخارج ، فهو كناية عن المنع ، كما يقال أخذ بزمامه.

( ثغرة النحر ) : نقرته بين الترقوتين وهي بضم الثاء المثلثة.

( اللبان ) : كسحاب الصدر من الفرس.

( حشأته ) : أصبت أحشائه.

( يفرى فريه ) : يفعل فعله في الضرب والمجالدة.

__________________

(١) راجع معجم البلدان : ١ / ٥٣٢.

٢١١

الحجّاج بن بدر التميمي السعدي

كان الحجّاج بصريّا من بني سعد بن تميم جاء بكتاب مسعود بن عمرو إلى الحسين فبقي معه وقتل بين يديه.

قال السيّد الداودي : إنّ الحسينعليه‌السلام كتب إلى المنذر بن الجارود العبدي وإلى يزيد بن مسعود النهشلي وإلى الأحنف بن قيس وغيرهم من رؤساء الأخماس والأشراف ، فأمّا الأحنف فكتب إلى الحسين يصبّره ويرجّيه ، وأمّا المنذر فأخذ الرسول إلى ابن زياد فقتله ، وأمّا مسعود(١) فجمع قومه بني تميم وبني حنظلة وبني سعد وبني عامر ، وخطبهم فقال : يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم؟ قالوا : بخ بخ ، أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر ، حللت في الشرف وسطا ، وتقدّمت فيه فرطا. قال : فإنّي قد جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه. فقالوا له : إنّا والله نمنحك النصيحة ونجهد لك الرأي ، فقل حتّى نسمع. فقال : إنّ معاوية قد مات فأهون به والله هالكا ومفقودا ، ألا وإنّه قد انكسر باب الجور والإثم وتضعضعت أركان الظلم ، وقد كان أحدث بيعة عقد بها أمرا ظنّ أنّه قد أحكمه وهيهات الذي أراد ، اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل ، وقد قام يزيد شارب الخمور ، ورأس الفجور يدّعي الخلافة على المسلمين ويتأمّر عليهم بغير رضا منهم مع قصر حلم وقلّة علم لا يعرف من الحقّ موطئ قدمه ، فأقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين ، وهذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف ، هو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنّه وقدمه وقرابته ، يعطف على الصغير ويحنو على الكبير ، فأكرم به راعي رعية وإمام قوم وجبت لله به الحجّة ، وبلغت به الموعظة

__________________

(١) هكذا في الأصل ، والصحيح : ابن مسعود.

٢١٢

فلا تعشوا عن نور الحقّ ولا تسكعوا فيّ وهد الباطل فقد كان صخر بن قيس يعني الأحنف انخزل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصرته ، والله لا يقصر أحد عن نصرته إلاّ أورثه الله الذل في ولده والقلّة في عشيرته ، وها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها ، وأدرعت لها بدرعها ، من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت ، فأحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب. فقالت بنو حنظلة : يا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك إن رميت بنا أصبت وإن غزوت بنا فتحت ، لا تخوض غمرة إلاّ خضناها ولا تلقى والله شدّة إلاّ لقيناها ، ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا إذا شئت. وقالت بنو أسد : أبا خالد إنّ أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك ، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال ، فحمدنا ما أمرنا به وبقى عزّنا فينا ، فأمهلنا نراجع المشورة ونأتك برأينا! وقالت : بنو عامر : نحن بنو أبيك وحلفاؤك لا نرضى إن غضبت ولا نوطن إن ضعنت ، فادعنا نجبك وأمرنا نطعك ، والأمر إليك إذا شئت. فالتفت إلى بني سعد وقال : والله يا بني سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبدا ، ولا زال فيكم سيفكم ، ثمّ كتب إلى الحسين ـ قال بعض أهل المقاتل مع الحجّاج بن بدر السعدي ـ أمّا بعد : فقد وصل إليّ كتابك ، وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك ، وإنّ الله لم يخل الأرض من عامل عليها بخير ، ودليل على سبيل نجاة ، وأنتم حجّة الله على خلقه ، ووديعته في أرضه ، تفرّعتم من زيتونة أحمديّة هو أصلها ، وأنتم فرعها فأقدم سعدت بأسعد طائر ، فقد ذلّلت لك أعناق بني تميم ، وتركتهم أشدّ تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها ، وقد ذلّلت لك بني سعد ، وغسلت درن قلوبها بماء سحابة مزن حين استهلّ برقها فلمع. ثمّ أرسل الكتاب مع الحجّاج ، وكان متهيّأ للمسير إلى الحسين بعد ما سار إليه جماعة من العبديين ، فجاءوا إليهعليه‌السلام بالطف ، فلمّا قرأ الكتاب قال : « مالك! آمنك الله من الخوف ، وأعزّك وأرواك

٢١٣

يوم العطش الأكبر ». وبقي الحجّاج معه حتّى قتل بين يديه.

قال صاحب الحدائق : قتل مبارزة بعد الظهر(١) . وقال غيره : قتل في الحملة الأولى قبل الظهر.

أقول : إنّ الذي ذكره أهل السير أنّ الحسينعليه‌السلام كتب إلى مسعود بن عمرو الأزدي ، وهذا الخبر يقتضي أنّه كتب إلى يزيد بن مسعود التميمي النهشلي ، ولم أعرفه فلعلّه كان من أشراف تميم بعد الأحنف ، وقد تقدّم القول في هذا.

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( الأثيل ) : العظيم. ( تسكّع ) : تحيّر.

( الدرن ) : الوسخ يكون في الثوب وغيره.

( استهلّ ) : المطر : اشتدّ انصبابه ، يقال هل السحاب وانهل واستهل.

__________________

(١) الحدائق الورديّة : ١٢٢.

٢١٤

المقصد السابع عشر

في الأفراد

من أنصار الحسينعليه‌السلام

جبلة بن علي الشيباني

كان جبلة شجاعا من شجعان أهل الكوفة ، قام مع مسلم أوّلا ، ثمّ جاء إلى الحسينعليه‌السلام ثانيا ، ذكره جملة أهل السير.

قال صاحب الحدائق : إنّه قتل في الطف مع الحسين(١) . وقال السروي : قتل في الحملة الأولى(٢) .

قعنب بن عمر النمري

كان قعنب رجلا بصريّا من الشيعة الذين بالبصرة ، جاء مع الحجّاج السعدي إلى الحسينعليه‌السلام وانضمّ إليه ، وقاتل في الطف بين يديه حتّى قتل. ذكره صاحب

__________________

(١) الحدائق الورديّة : ١٢٢.

(٢) المناقب : ٤ / ١١٣.

٢١٥

الحدائق(١) . وله في القائميّات ذكر وسلام.

سعيد بن عبد الله الحنفي (٢)

كان سعيد من وجوه الشيعة بالكوفة وذوي الشجاعة والعبادة فيهم.

قال أهل السير : لمّا ورد نعي معاوية إلى الكوفة اجتمعت الشيعة فكتبوا إلى الحسينعليه‌السلام أوّلا مع عبد الله بن وال وعبد الله بن سبع ، وثانيا مع قيس بن مسهّر وعبد الرحمن بن عبد الله ، وثالثا مع سعيد بن عبد الله الحنفي وهاني بن هاني. وكان كتاب سعيد من شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر ويزيد بن الحرث ويزيد بن رويم وعزرة بن قيس وعمرو بن الحجّاج ومحمّد بن عمير. وصورة الكتاب :

بسم الله الرحمن الرحيم

أمّا بعد ، فقد اخضرّ الجناب وأينعت الثمار ، وطمت الجمام ، فإذا شئت فاقدم على جند لك مجنّد(٣) .

فأعاد الحسينعليه‌السلام سعيدا وهانيا من مكّة وكتب إلى الذين ذكرنا كتابا صورته :

بسم الله الرحمن الرحيم

« أمّا بعد ، فإنّ سعيدا وهانيا قدما عليّ بكتبكم ، وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم ، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلّكم أنّه ليس علينا إمام فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق. وقد بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي ، مسلم بن عقيل وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم

__________________

(١) الحدائق الورديّة : ١٢٢.

(٢) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : ١٠١ ، الرقم ٩٩٠.

(٣) أورده المفيد في الإرشاد : ٢ / ٣٨.

٢١٦

فإن بعث إليّ أنّه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجا منكم على مثل ما قدمت به عليّ رسلكم ، وقرأت في كتبكم ، أقدم وشيكا إن شاء الله. فلعمري ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحقّ والحابس نفسه على ذات الله ، والسلام »(١) . ثمّ أرسلهما قبل مسلم وسرّح مسلما بعدهما مع قيس ، وعبد الرحمن كما ذكرنا من قبل.

قال أبو جعفر : لمّا حضر مسلم بالكوفة ونزل دار المختار خطب الناس عابس ثمّ حبيب كما قدّمنا(٢) . ثمّ قام سعيد بعدهما فحلف أنّه موطّن نفسه على نصرة الحسين فاد له بنفسه ، ثمّ بعثه مسلم بكتاب إلى الحسين فبقي مع الحسين حتّى قتل معه.

وقال أبو مخنف : خطب الحسينعليه‌السلام أصحابه في الليلة العاشرة من المحرّم فقال في خطبته : « وهذا الليل قد غشيكم » إلخ. فقام أهله أوّلا فقالوا ما تقدّم ، ثمّ قام سعيد ابن عبد الله فقال : والله لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا نبيّه محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله فيك ، والله لو علمت أنّي أقتل ثمّ أحيى ثمّ أحرق حيّا ثم أذرى يفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك ، فكيف لا أفعل ذلك ، وإنّما هي قتلة واحدة. ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا(٣) . وقام بعده زهير كما تقدّم.

وروى أبو مخنف : أنّه لمّا صلى الحسين الظهر صلاة الخوف ، ثمّ اقتتلوا بعد الظهر فاشتدّ القتال ، ولمّا قرب الأعداء من الحسين وهو قائم بمكانه ، استقدم سعيد الحنفي أمام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يمينا وشمالا ، وهو قائم بين يدي الحسين

__________________

(١) راجع الإرشاد : ٢ / ٣٩.

(٢) راجع تاريخ الطبري : ٣ / ٢٧٩.

(٣) تاريخ الطبري : ٣ / ٣١٥.

٢١٧

يقيه السهام طورا بوجهه ، وطورا بصدره ، وطورا بيديه ، وطورا بجنبيه ، فلم يكد يصل إلى الحسينعليه‌السلام شيء من ذلك حتّى سقط الحنفي إلى الأرض(١) ، وهو يقول : اللهمّ العنهم لعن عاد وثمود ، اللهمّ أبلغ نبيّك عنّي السلام ، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإنّي أردت ثوابك في نصرة نبيّك ، ثمّ التفت إلى الحسين فقال : أوفيت يا ابن رسول الله؟ قال : « نعم ، أنت أمامي في الجنّة » ، ثمّ فاضت نفسه النفيسة.

وفيه يقول البدي المتقدّم ذكره :

سعيد بن عبد الله لا تنسينه

ولا الحرّ إذ آسى زهيرا على قسر

فلو وقفت صم الجبال مكانهم

لمارت على سهل ودكت على وعر

فمن قائم يستعرض النبل وجهه

ومن مقدم يلقى الأسنّة بالصدر

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٨ ، أورده إلى قوله : ( حتّى سقط ) ، راجع اللهوف : ١٦٥.

٢١٨

الخاتمة

في فوائد تتعلّق بأنصار الحسين عليه‌السلام

الفائدة الأولى

قال الشيخ المفيد في الإرشاد : لمّا رحل ابن سعد بالرؤوس والسبايا ، وترك الجثث الطاهرة ، خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضريّة إلى الحسينعليه‌السلام وأصحابهعليهم‌السلام فصلّوا عليهم ودفنوهم ، دفنوا الحسينعليه‌السلام حيث قبره الآن ، ودفنوا ابنه عليّا عند رجليه. وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الذين صرعوا حوله ممّا يلي رجلي الحسينعليه‌السلام وجمعوهم فدفنوهم جميعا معا ، ودفنوا العبّاس بن عليعليهما‌السلام في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضريّة حيث قبره الآن(١) .

وقال غيره : دفنوا العبّاس في موضعه لأنّهم لم يستطيعوا حمله لتوزيع أعضائه ، كما أنّ الحسينعليه‌السلام لم يحمله على عادته في حمل قتلاه إلى حول المخيّم لذلك ، ودفنت بنو أسد حبيبا عند رأس الحسينعليه‌السلام حيث قبره الآن اعتناء بشأنه ، ودفنت بنو تميم الحرّ بن يزيد الرياحي على نحو ميل من الحسينعليه‌السلام حيث قبره الآن اعتناء به أيضا.

__________________

(١) الإرشاد : ٢ / ١١٤ بتفاوت.

٢١٩

أقول : وسمعت مذاكرة أنّ بعض ملوك الشيعة استغرب ذلك ، فكشف عن قبري حبيب والحرّ فوجد حبيبا على صفته التي ترجم بها في الكتب ، ووجد الحرّ على صفته أيضا ، ورأى رأس الحر غير مقطوع وعليه عصابة فحلّها ليأخذها تبركا بها فانبعث دم من جبينه فشدّها على حالها ، وعمل على قبريهما صندوقين. فإن صحّت هذه الرواية فيحتمل أنّ بني تميم منعوا من قطع رأس الحر لرئاسته وشوكتهم.

الفائدة الثانية

قطعت في الطف رءوس أحبّة الحسينعليه‌السلام وأنصاره جميعا بعد قتلهم وحملت مع السبايا إلاّ رأسين ، رأس عبد الله بن الحسينعليه‌السلام الرضيع فإنّ الرواية جاءت أنّ أباه الحسينعليه‌السلام حفر له بعد قتله بجفن سيفه ودفنه ، ورأس الحرّ الرياحي ، فإنّ بني تميم منعت من قطع رأسه وأبعدت جثّته عن القتلى. كما سمعته من أنّ بعض الملوك كشف عنه ، فرآه معصوب الرأس.

وفي غير الطف قطع رأس مسلم بن عقيل ورأس هاني بن عروة في الكوفة حيث قتلا وأرسلا إلى الشام قبل ذلك كما عرفت.

الفائدة الثالثة

جاءت أنصار الحسينعليه‌السلام غير الطالبيين مع الحسينعليه‌السلام وإلى الحسين بلا عيال ، لأنّ من خرج منهم معه من المدينة لم يأمن لخروجه خائفا ، ومن جاء إليه في الطريق وفي الطفّ انسلّ انسلالا من الأعداء إلاّ ثلاثة نفر جاءوا إلى الحسينعليه‌السلام بعيالهم وهم : جنادة بن الحرث السلماني فإنّه جاء مع عياله وانضمّ إلى الحسينعليه‌السلام ، وضمّ عياله إلى عيال الحسين ، فلمّا قتل أمرت زوجته ولدها عمر أن ينصر الحسين فأتاه يستأذنه في القتال فلم يأذن له ، وقال : هذا غلام قتل أبوه في المعركة ولعلّ أمّه

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ومظفّر بعد هزيمته على يد عليّ بن بويه في خوزستان، وذلك في أوائل سنة ٣٢٤هـ، ونهب أمواله فحصل على ثروة طائلة، وطغا ثمّ امتنع هو وإخوته من إرسال مال الأهواز إلى الديوان كما امتنع ابن رائق من قبله.

وكانت أوضاع السلطة وأحوال الديوان يومئذٍ متدهورة تدهوراً شديداً؛ لعدم كفاءة الراضي العبّاسيّ من جهة - إذ كان أُلعوبة بيد الوزراء ورجال البلاط - ومن جهة أُخرى كانت مجموعتان من الحرس الخاصّ - هما الحجريّة، والساجيّة - تتدخّلان في الأُمور. وكان رؤساؤهما يتّخذون أتباعهما وسيلة لتنفيذ مآرب أحد الوجهاء المتنفّذين. ولم تكن للسلطان العبّاسيّ أيّ سلطة على أولئك الجنود المسلّحين، بخاصّة أنّ رواتبهم لم تصل إليهم بسبب سوء الإدارة وطمع عمّال الديوان، فكانوا يتمرّدون غالباً، ويسبّبون المتاعب للسلطان والوزراء.

عندما عزل السلطان ابن مقلة استوزر عبد الرحمن بن عيسى أخا عليّ بن عيسى. ولمّا وجد عبد الرحمن نفسه عاجزاً عن القيام بالأمر، ولم يكن في يده مالٌ، استقال. فخلفه أبو جعفر محمّد بن قاسم الكرخيّ. وفي عهده اشتدّت أزمة الإفلاس لامتناع ابن رائق من إرسال مال واسط والبصرة، واستنكاف أبي عبد الله البريديّ عن إرسال مال الأهواز، واستيلاء عليّ بن بويه على فارس. ثمّ اختفى الكرخيّ بعد مُضيّ ثلاثة أشهر ونصف على تخلخل الوضع، فاستوزر السلطان العبّاسيّ أبا القاسم سليمان بن حسن، الذي لم يستطع أيضاً أن يعمل عملاً مجدياً، فأرسل الراضي إلى محمّد بن رائق أن يأتيه من واسط حسب كتاب سرّيّ كان قد بعثه ابن رائق إليه في عهد ابن مقلة وادّعى فيه أنّه أهل للقيام بأعباء دار الخلافة وإيصال الرواتب، فاستجاب ابن رائق مسروراً، وأزمع الترحال صوب بغداد.

وكان السلطان العبّاسيّ قد أشخص أحد رؤساء الساجيّة إلى محمّد بن رائق لإطلاعه على أمر السلطان بتخويله قيادة الجيش والإمارة - وإدارة أعمال الخراج والضياع، وليكون المعاون في تلك المناطق مع منحه لقب أمير الأُمراء. ثمّ أرسل

٢٤١

إليه خلعةً ولباساً، وأسرع عامّة عمّال الديوان ورؤساء الساجيّة إلى واسط لتهنئته.

قبض ابن رائق في البداية على رؤساء الساجيّة جميعاً بإيعازٍ من كاتبه أبي عبد الله النوبختيّ، وصفّدهم. وقال للجنود الحجريّة: إنّما قمتُ بهذا العمل لتزاد نفقاتكم. ولمّا وصل هذا الخبر إلى بغداد، فرّ سائر ساجيّتها إلى الشام والموصل. وأباد ابن رائق من بقي منهم فتخلّص الناس من شرّهم.

فزع الحجريّة من هذا العمل، وجاؤوا إلى منزل السلطان وخيّموا قُربه. وبعث ابن رائق عدداً من أمراء جيشه إلى بغداد بادئ الأمر. ثمّ دخل دار الخلافة مع بَجْكم بإجلالٍ تامّ وذلك لعشر بقين من ذي الحجّة سنة ٣٢٤هـ.

وعندما دخل بغداد كان باستقباله وزير السلطان ورؤساء الحجريّة. وأوّل عملٍ قام به هو أنّه أجبر الحجريّة على رفع خيامهم من قرب قصر السّلطان، ثمّ أمسك بزمام الأُمور. ومنذ هذا التاريخ أُلغي عنوان الوزارة والدواوين، وأصبح الحلّ والعقد بيده. واستقرّ أبو عبد الله النوبختيّ في بغداد بعد ما قدم إليها في أوائل المحرّم سنة ٣٢٥هـ، وأُنيطت به مسؤوليّة الضرائب. أي: كان ابن رائق هو الخليفة في الحقيقة، وأبو عبد الله النوبختيّ هو الوزير، وكانا يعطيان السلطان ما يشاءان من المال، وليس لأحد عليهما من سلطان.

وحينما استولى ابن رائق على الحكومة، أخذ أمير الأُمراء وبَجْكم الأهواز من أبي عبد الله البريديّ. وترك هذا الرجل الماكر الطالب الجاه أخويه أبا يوسف وأبا الحسين في البصرة، وتوجّه تلقاء فارس عن طريق البحر لائذاً بالأمير أبي الحسن عليّ بن بويه مستمدّاً إيّاه لاسترجاع الأهواز وصدّ ابن رائق وبجكم. وأرغم ابن رائق السلطان العبّاسيّ في أوّل سنة ٣٢٥هـ أنّ يتحرّك معه إلى واسط، ويراسل البريديّ منها. فإذا أطاع أمر السلطان، وأذعن لما تطلبه منه العاصمة العبّاسيّة أرسل ما عنده، وإلاّ تحرّك السلطان نحوه. فتحرّك الراضي وعد من الحرس الحجريّة إلى واسط، بَيْد أنّ معظمهم كان يخاف على نفسه لما حلّ بالساجيّة من دَواءهٍ. ولم

٢٤٢

يحفل بهم ابن رائق في البداية ولم يصرّ على تحرّكهم، ممّا حداهم على التوجه إلى واسط تدريجاً. وعزم ابن رائق على قطع دابر فتنتهم باقتراح أبي عبد الله النوبختيّ، فقطع رواتب جماعة منهم، وطرد عدداً. لكنّهم لم يستسلموا بل تمرّدوا عليه، فشنّ عليهم حرباً في الخامس والعشرين من المحرّم وقتل جماعة كثيرة منهم، وهزم الباقين ففرّوا إلى بغداد. ثمّ قبض عليهم صاحب الشرطة فقتلهم، وهكذا تخلّصت الحكومة والناس من بلاء استيلائهم بيُسر.

إنّ الذي رفع ابن رائق إلى هذا المنصب الكبير، وجمع له تلك الثروة الطائلة، وأخمد فتنة الساجيّة والحجريّة هو كاتبه أبو عبد الله الحسين بن عليّ النوبختيّ؛ إذ فوّض إليه ابن رائق عامّة الأعمال، ولم يَعصِ له أمراً. وأصبح أبو عبد الله مدبّراً لجميع مصالح ابن رائق منذ المحرّم سنة ٣٢٥هـ، حيث كانت بداية استقلال ابن رائق واستيلائه على بغداد وشؤون الحكومة وقد تسنّم أبو عبد الله النوبختيّ في الحقيقة منصب الوزارة منذ ذلك الحين(١) .

وافق أبو عبد الله البريديّ على اقتراحات السلطان العبّاسيّ وابن رائق في إرسال ما عنده من الضرائب، والتخلّي عن الجيش لمن يُعيّنه أمير الأُمراء. وأطلَع ابنُ رائق السلطانَ على مراسلات أبي عبد الله البريديّ واستشار أعوانه في هذا المجال. فقال أبو عبد الله النوبختيّ لابن رائق: إنّ أبا عبد الله البريديّ رجل مكّار ومحتال، ولا يوثق بكلامه. بَيْد أنّ أبا بكر بن مقاتل الذي كان من كتّاب النوبختيّ البارعين وكان ينحاز إلى أبي عبد الله البريديّ، حتّى أنّ ابن رائق والسلطان فوّضاها إليه ورجعا إلى بغداد. واستبان بعد مدّة قليلة أنّ الحقّ كان مع أبي عبد الله النوبختيّ؛ إذ أنّ أبا عبد الله البريديّ لم يرسل ديناراً واحداً إلى دار الحكومة، ولم يخوّل أمر

____________________

١ - كتاب الأورق للصوليّ f. ١٢١a, f. ١٥٠ a (نسخة المكتبة الوطنيّة ببارس)، تجارب الأُمم ٥: ٢٦٠.

٢٤٣

الجيش إلى مبعوث أمير الأُمراء، بل على العكس جمع حوله بقايا الحجريّة، وطفق يقدح في ابن رائق بالبصرة. وظلّ على ما كان عليه سابقاً من عصيان لأوامر العاصمة ماكراً متباطئاً. وأفضى الخلاف بينه وبين ابن رائق آخر المطاف إلى نشوب حرب بينهما سنة ٣٢٥هـ واستيلاء بَجْكم على الأهواز. وفي السنة التي تلتها أوفد عليّ بن بويه أخاه عماد الدولة أبا الحسين أحمد بن بويه لمساعدة أبي عبد الله البريديّ، فاستعاد الأهواز من بَجْكم.

وهبّ أبو بكر بن مقاتل - الذي كان أبو عبد الله النوبختيّ قد أدخله في خدمة ابن رائق - لمخاصمة النوبختيّ بتحريض عَدَوَّيه أبي عبد الله البريديّ، وأبي عبد الله الكوفيّ. ودعا ابن رائق إلى اختيار أبي عبد الله البريديّ مكانه في الكتابة والوزارة، وذكر له فوائد هذا العمل وأخبره أنّ البريديّ أرسل إلى داره (٣٠٠٠٠) دينار هديةً إلى أمير الأُمراء. فلم يستجب ابن رائق الذي كان وفيّاً عارفاً للجميل وقال: لو فتح لي البريديّ ما فعلتُ؛ لأنّه رجل ناصح لي، وبفضله تيسّرت لي هذه الحكومة. فقال أبو بكر بن مقاتل: إذا لم يرضَ الأمير بهذا الاقتراح، فليجعل واسطاً والبصرة تحت تصرّف البريديّ. فأخبره ابن رائق أنّ هذا الأمر يعود إلى رأي أبي عبد الله النوبختيّ أيضاً. ولم يحقّق ابن مقاتل هدفه في هذه المرحلة أيضاً؛ ذلك أنّ أبا عبد الله الذي كان يومئذٍ مريضاً محموماً ومصاباً بالسعال لم يوافق على اقتراحه. وذكر لابن مقاتل شيئاً عن قبح أعمال البريديّ وكفران نعمته وغدره بياقوت، ولامه على اقتراحه وقال لابن رائق: إنْ بقيتُ حيّاً فلا سلطان للبريديّ عليك. وإن متُّ فسأطلب من الله تعالى أن يؤلّف بينكما أو يُريحك من حِيَله بسبب من الأسباب. فبكى ابن رائق ودعا الله تعالى أن يحفظ الوزير ويهلك البريديّ. ولمّا خرج النوبختيّ من المجلس، أخبر أبو بكر بن مقاتل ابن رائق أنّ البريديّ أرسل (٣٠٠٠٠) دينار هديّة، فلابدّ من الاهتمام بشأنه. ومن الأفضل أن نستدعي أبا عبد الله الكوفيّ

٢٤٤

ونتحدّث معه. فوافق ابن رائق على ذلك، وكتب أبو بكر إلى أبي عبد الله البريديّ يُعلمه بالموضوع، وقدم الكوفيّ إلى بغداد نيابةً عنه.

إنّ وصول أبي عبد الله الكوفيّ إلى بغداد، واعتلال أبي عبد الله النوبختيّ، وغفلة صهره وابن أخيه عليّ بن أحمد بن عليّ النوبختيّ(١) ، كلّ أولئك قد أنهى الأمر.

وأخيراً تحقّق هدف أبي عبد الله البريديّ، وأبي عبد الله الكوفيّ، وأبي بكر بن مقاتل؛ إذ لم يستطع أبو عبد الله النوبختيّ أن يباشر عمله مدّةً بسبب مرضه، فجعل صهره وابن أخيه عليّ بن أحمد النوبختيّ مكانه، فخدعه أبو عبد الله الكوفيّ وابن مقاتل، واستقطباه على جانبهما وِفْقَ خطّة كانا قد وضعاها من قبل. وقال ابن مقاتل لابن رائق يوماً: إذا أصرّ الأمير على حفظ العهد، فينبغي الالتفات إلى مصالح الأُمور أيضاً، وأبو عبد الله النوبختيّ يحتضر، والأُمور مضطربة. ولم يقبل ابن رائق كلامه استناداً إلى قول الطبيب. وقال ابن مقاتل: لمّا كان الطبيب يعلم بحبّ الأمير الشديد للنوبختيّ، لم يُرِد أن يكون مبشِّراً بخبر سيّئ. ومن المستحسن للأمير أن يتعرّف على حقيقة الموضوع من ابن أخِ أبي عبد الله النوبختيّ وصهره. علماً أنّه جعل عليّ بن أحمد معه نصيراً. وقد أقنعتُ الأمير أن يهبك وزارته بعد عزل أبي عبد الله النوبختيّ، فإذا سألك عن حاله، فأيِّسه، وتظاهر له بأنّ موته أمر محتوم. وضرب عليّ بن أحمد على رأسه ووجهه عند ابن رائق. وبكى عليه بشدّة، وقال: على الأمير أن يعدّه من الأموات. فتألّم ابن رائق لذلك كثيراً وقال: لو كان لأحد أن يُفدى من الموت بمالٍ لفديتُ مِلْكِي كلّه من أجل أبي عبد الله النوبختيّ. ثمّ خاطب ابن مقاتل، وطلب منه أن يجد له من يخلفه. فقال له ابن مقاتل: لا أجد أليق من أبي عبد الله أحمد بن عليّ الكوفيّ لهذا المنصب؛ لأنّه رجل

____________________

١ - كان عليّ بن أحمد النوبختيّ من كتّاب بغداد سنة ٣٢٣هـ. وعندما حبس الوزير أبو عليّ بن مقلة أبا الحسن عليّ بن عيسى، كان عليّ بن أحمد النوبختيّ يراسل عليّ بن عيسى ويُطلعه على الوقائع (تجارب الأُمم ٥: ٣٢٤). وسنتحدّث عن هذا الرجل في الفصل الحادي عشر.

٢٤٥

نزيه وأمين، وهو كالحسين بن عليّ النوبختيّ من جميع الجهات، وهو ربيب أبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل النوبختيّ كالحسين المذكور. فاستوزره ابن رائق وفوّض إليه تدبير جميع الأُمور التي كان يقوم بها النوبختيّ. وهكذا عُزل النوبختيّ من عمله بعد ثلاثة أشهر وثمانية أيّام مضت على وزارته، وأصبح زمام الأُمور بيد أعوان البريديّ، وأرسل عشرة آلاف دينار إلى أبي عبد الله الكوفيّ ابتهاجاً بهذا الفتح. ولمّا تماثل أبو عبد الله النوبختيّ للشفاء، حال المتصدّون للأعمال دون إخبار ابن رائق بذلك(١) .

إنّ ألم هذه الحوادث والخراب الذي حلّ ببغداد بعد استيلاء أبي عبد الله الكوفيّ وابن مقاتل، وحلّ بخوزستان والبصرة بعد استيلاء آل البريديّ قد أمضّ أبا عبد الله النوبختيّ. ولمّا رأى أنّ نظم الأُمور الذي تمّ بتدبيره قد أخذ بالتخلخل، ازداد شعوره بالخيبة والضعف حتّى مُني بالتدرّن(٢) ، ثمّ مات بسببه بعد سنةٍ، أي: سنة ٣٢٦هـ(٣) . وهكذا انطفأ سراج امرئ كان من أكثر الناس تدبيراً، وبفضله انتظمت أوضاع الحكومة وخمدت فتن كبرى.

ومن سوء الحظّ أنّنا لا نملك معلومات كافية عن الحياة العلميّة والأدبيّة لأبي عبد الله الحسين بن عليّ، بَيد أنّ الثابت هو أنّه كان من أُولي الأدب كسائر أفراد الأُسرة النوبختيّة الفاضلة، بخاصّة أنّه تربّى في بلاط أبيه الأديب أبي الحسين عليّ بن عبّاس، وقريبه المحبّ للشعر والشعراء أبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل. وكان ولده أبو محمّد الحسن بن الحسين من أجلاّء علماء الإماميّة، وسنشير إلى ترجمته في الفصل الثالث عشر. والدليل على هذا الموضوع هو أنّ الخطيب البغداديّ روى عنه شيئاً من أخبار الشاعر البحتريّ بثلاث وسائط(٤) .

____________________

١ - تجارب الأُمم ٥: ٢٦٠-٢٦٣.

٢ - نفسه ٥: ٢٦٧.

٣ - تكملة تاريخ الطبريّ f. ٧٣ a (نسخة المكتبة الوطنيّة بباريس).

٤ - تاريخ بغداد ١٣: ٤٤٧.

٢٤٦

الفصل الحادي عشر

الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح

(وفاته في ١٨ شعبان سنة ٣٢٦هـ

يعدّ أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر أشهر أفراد الأُسرة النوبختيّة بعد أبي سهل إسماعيل بن عليّ. ويعود ذلك إلى منزلته الدينيّة الرفيعة عند الشيعة الإماميّة، ونيابته الخاصّة عن الإمام المهديعليه‌السلام .

يرى الشيعة الإماميّة أنّه النائب الثالث للإمامعليه‌السلام في عصر الغَيبة الصغرى؛ فقد اختير لهذا المقام بعد أبي عمرو عثمان بن سعيد العَمريّ، وولده أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العَمريّ.

روى علماء الأخبار الإماميّة أنّ ولادة الإمام أبي القاسم محمّد بن الحسن العسكريّ الملقّب بقائم آل محمد كانت في سنة ٢٥٦هـ. وبدأت الغيبة الصغرى بعد ولادته بأربع سنين، أي: في نسة ٢٦٠هـ(١) ، ودامت حتّى سنة ٣٢٩هـ، وهي السنة التي توفّي فيها النائب الرابع للإمامعليه‌السلام ، أي: أستغرقت تسعاً وستّين سنةً. ثمّ بدأت الغيبة الكبرى منذ ذلك الحين وما زالت.

____________________

١ - كتاب الغيبة للشيخ الطوسيّ ١٦٧، ٢٧٥.

٢٤٧

إنّ النوّاب الأربعة الذين كان أوّلهم وكيلاً للإمام الهادي والعسكريّعليهما‌السلام وعُيّن مِن قِبلهما، وُعيِّن الثلاثة الآخرون مِن قِبل خلفهما كانوا هم الواسطة بين الإمامعليه‌السلام والشيعة منذ سنة ٢٥٦هـ التي وُلد فيها الإمام، وكان لهم عنوان السفارة، ومنصب النيابة الخاصّة للإمام. وكانوا يوصلون إليه طلبات الشيعة وحوائجهم وأسئلتهم، وهم يجيبونهم بإذن الإمام، وكانت الأجوبة تصدر إليهم على شكل تواقيع.

وفيما يأتي أسماء هؤلاء النوّاب الأربعة وعصر نيابتهم:

١ - أبو عمرو عثمان بن سعيد العَمريّ: اختاره لهذا المنصب الإمامُ أبو الحسن عليّ بن محمّد الهادي، والإمام أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكريّعليهما‌السلام .

٢- ولده أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمريّ.

ودامت نيابة الأب والابن من سنة ٢٦٠هـ إلى سنة ٣٠٤هـ أو جمادى الأُولى سنة ٣٠٥هـ(١) .

٣ - أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختيّ: (من سنة ٣٠٥هـ إلى شعبان سنة ٣٢٦هـ).

٤ - أبو الحسين عليّ بن محمّد السَّمَريّ: (من شعبان ٣٢٦ إلى شعبان ٣٢٩هـ).

وقد بحثت كثيراً في الكتب والمصادر المتوفّرة فلم أُفلح في العثور على العلاقة التي كانت تربط أبا القاسم الحسين بن روح بسائر أفراد الأُسرة النوبختيّة. ولم أعرف من ثمَّ نسبته إلى آل نوبخت، غير أنّ الذي يبدو هو أنّه كان من أقرباء أبي عبد الله الحسين بن عليّ النوبختيّ وزير ابن رائق، وسنذكر أنّه كان مسيطراً عليه تماماً.

____________________

١ - تاريخ وفاة أبي عمرو عثمان بن سعيد مجهول، من هنا لا نستطيع أن نحدّد بالضبط فترة نيابته. ولكن لمّا كان ولده الذي توفّي سنة ٣٠٤هـ في منصب النيابة قرابة خمسين سنةً، فقد كان نائباً للإمام بعد سنة ٢٦٠تقريباً. وكان أبو جعفر وكيلاً للإمام حتّى في أيّام أبيه. (رجال الكشيّ٣٣٠؛ وكتاب الغيبة للطوسيّ ٢٣٨).

٢٤٨

لا شكّ في نوبختيّة أبي القاسم الحسين بن روح؛ لأنّ عامّة أصحاب الرجال وعلماء الأخبار ذكروه بهذا اللقب. كما كان معاشراً لأفراد الأُسرة النوبختيّة وكبارها في عصره مثل أبي سهل إسماعيل بن عليّ، وأبي عبد الله الحسين بن عليّ وزير ابن رائق، يشاورهم ويشاورونه، يضاف إلى ذلك أنّه دُفن في مقابر النوبختيّة. وفي حياته كان عدد من بني نوبخت يُعَدّون من محارمه، كما كان بعضهم من كتّابه. وسيستبين هذا من المطالب التي سنذكرها فيما بعد.

ذكره المؤرّخون وعلماء الأخبار تارةً النوبختيّ(١) ، وتارةً الروحي(٢) ، وأُخرى الحسين بن روح بن بني نوبخت(٣) ، ورابعة القميّ(٤) . وذكر شمس الدين الذهبيّ نقلاً عن المؤرّخ الشيعيّ يحيى بن أبي طيّ (المتوفّى سنة ٦٣٠هـ) - نسبةً له يقرّ بأنّها قد كُتب في مخطوطة تاريخ يحيى بن أبي طيّ بخطٍّ غامض وسقيم؛ من هنا فإنّ ضبطها الصحيح مبهم، وهو (القيني؟) أو (القيي؟). ونحتمل أنّها (القمّيّ)، وهذا ما ذكره الكشّيّ في رجاله بعد اسم الحسين بن روح. ولعلّ ما يدعم كونه قمّيّاً معرفته باللغة الآبية، وهي لغة أهالي منطقة (آبه) إحدى المناطق القديمة التابعة لقم(٥) .

وإذا صحّت هذه النسبة فلابدّ أن يكون المترجَم له - من جهة الأب - من أسرةٍ لم تربطها علاقة قُربى بالأُسرة النوبختيّة التي كانت تعدّ من الأُسر البغداديّة، وإنّما جادت هذه النسبة بسبب مصاهرة أبيه للأسرة المذكورة، فكان نوبختيّاً من جهة الأُمّ كأبي محمّد الحسن بن موسى ابن أُخت أبي سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ. على أيّ حال، سواءً كان الحسين بن روح من أهالي قمّ أم من مدينة أُخرى، فإنّه كان يرتبط بالأُسرة النوبختيّة من جهة الأمّ؛ إذ لم يُلحظ في فهرس أعضاء الأُسرة

____________________

١ - كتاب كتاب الغيبة للطوسيّ ٢٤٢؛ كتاب الأوراق للصوليّ f. ١٤٧ a؛ مناقب ابن شهرآشوب ٤٥٨.

٢ - الغيبة ٢٠٩ و٢٤١؛ كمال الدين ٢٧٥، ٢٧٦، ٢٨٦.

٣ - الاحتجاج ٢٤٥.

٤ - رجال الكشيّ ٣٤٥.

٥ - كمال الدين ٢٧٧؛ كتاب الغيبة للطوسيّ ٢٠٩-٢١٠.

٢٤٩

النوبختيّة اسم أبيه روح ولا اسم جدّه أبي بحر.

وكان من خاصّة أصحاب الإمام أبي محمّد الحسن العسكريّعليه‌السلام يُصطَلَح عليه بأنّه باب الإمام الحادي عشر(١) . وكان ينقل شيئاً من أخبار الأئمّة السابقين، وكان قد سمعها بالواسطة(٢) .

انتهت النيابة إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختيّ بعد وفاة النائب الثاني للإمامعليه‌السلام ، وهو أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمريّ الذي توفّي سنة ٣٠٤هـ، وعلى قولٍ، في أواخر جمادى الأُولى سنة ٣٠٥هـ. وتمّ نصبه - وكان له عنوان البابيّة منذ مدّة سابقة - مِن قِبل أبي جعفر العمريّ بحضور جماعة من وجوه الإماميّة كأبي عليّ محمّد بن همام الإسكافيّ(٣) ، وأبي عبد الله بن محمّد الكاتب، وأبي عبد الله الباقطانيّ، وأبي سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ، وأبي عبد الله بن عليّ الوجناء النصيبيّ(٤) .

كان الحسين بن روح كما ذكرنا من خواصّ أبي جعفر العمريّ ومعتمديه، ومن أصحاب الإمام الحادي عشرعليه‌السلام . وكان مكيناً عند أبي جعفر إلى درجة أنّ أبا القاسم الحسين بن روح كان - عند تقسيم رؤساء الإماميّة إلى طبقات - أوّل من يأذن

____________________

١ - مناقب ابن شهرآشوب ٤٥٨. (طبعة طهران).

٢ - نفسه ٤٦٠؛ الغيبة للطوسيّ ١٥٣. جاء في المناقب المطبوع ببومباي: الحسن بن روح.

٣ - أبو عليّ محمّد بن همام بن سهيل بن بيزان الإسكافيّ البغداديّ أحد شيوخ الإماميّة وكان أجداده من المجوس. ألّف كتاباً في تاريخ الأئمّة عنوانه الأنوار (وكان لمعاصره أبي سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ كتاب في هذا الموضوع أيضاً كما رأينا). ذكر النجاشيّ أنّه ولد في يوم الاثنين ٦ ذي الحجّة ٢٥٨هـ وتوفّي في يوم الخميس ١٨ جمادى الآخرة سنة ٣٣٦هـ (رجال النّجاشيّ ٢٦٩). بيد أنّ الخطيب البغدادي وابن شهرآشوب ذكرا أنّه مات في جمادى الآخرة سنة ٣٣٢هـ (تاريخ بغداد ٣: ٣٦٥، ورجال الاسترآبادي ٣٤٨ نقلاً عن معالم العلماء لابن شهرآشوب). وسيأتي ذكر الإسكافيّ في هذا الفصل أيضاً.

٤ - الغيبة للطوسيّ ٢٤٢.

٢٥٠

له بالدخول عليه(١) .

تقول أمّ كلثوم بنت أبي جعفر العمريّ: (كان أبو القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) وكيلاً لأبي جعفر (رضي الله عنه) سنين كثيرة، ينظر له في أملاكه ويَلقى بأسراره الرؤساء من الشيعة. وكان خصيصاً به حتّى أنّه كان يحدّثه بما يجري بينه وبين جواريه؛ لقربه منه وأُنسه. وكان يدفع إليه في كلّ شهر ثلاثين ديناراً رزقاً له، غير ما يصل إليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة مثل آل فرات وغيرهم، لجاهه ولموضعه وجلالة محلّه عندهم. فحصل في أنفس الشيعة محصلاً جليلاً؛ لمعرفتهم باختصاص أبي إيّاه وتوثيقه عندهم، ونشر فضله ودينه وما كان يحتمله من هذا الأمر، فمهدت له الحال في طول حياة أبي إلى أن انتهت الوصيّة إليه بالنصّ عليه)(٢) .

وكان أبو جعفر العمريّ قد أمر الشيعة قبل موته بسنتين أن يسلّموا أموال الإمام وغيرها إلى الحسين بن روح، ولا يطالبوه بالقبوض. وكان يتوجّد إذا ماطل أحد أو امتنع من ذلك(٣) .

عندما توفّي أبو جعفر العمريّ وأوصى بنصب الحسين بن روح نائباً ثالثاً للإمام الغائبعليه‌السلام ، قَدِم ابنُ روح إلى دار النيابة في بغداد وجلس، فالتفّ حوله وجوه الشيعة وكبارها. وحضر ذكاء خادم أبي جعفر، وكان معه عُكّازة أبي جعفر ومفتاح صندوقه. وقال: أمرني أبو جعفر أن أُسلّم هذه الأشياء بعد موته إلى أبي القاسم. وفي هذا الصندوق خواتيم الأئمّة. وخرج الحسين بن روح في آخر ذلك اليوم من دار النيابة مع جماعة من الشيعة وذهبوا إلى بيت أبي جعفر محمّد بن عليّ

____________________

١ - تاريخ الإسلام للذهبيّ f.١٣٢ b.

٢ - الغيبة ٢٤٢، ٢٤٣.

٣ - نفسه ٢٣٩-٢٤٠، ٢٤١؛ كمال الدين ٢٧٥-٢٧٦.

٢٥١

الشلمغانيّ(١) . وأوّل توقيع صدر على يد الحسين بن روح كان في يوم الأحد ٢٤ شوّال سنة ٣٠٥هـ(٢) .

لم يعترض أحد على اختيار الحسين بن روح لنيابة الإمام مع وصيّة أبي جعفر العمريّ، ذلك أنّ أبا جعفر كان يعمل تحت إمرته قرابةُ عشرة من خواصّ الشيعة ينفّذون أوامره في بغداد. وكلّهم كانوا أخصّ به من الحسين بن روح؛ لذا قلّما كان يخال أحد أنّه يخلُف أبا جعفر(٣) . يضاف إلى ذلك أنّ رجالاً من عظماء الشيعة كانوا على درجة من الوجاهة والاحترام حتّى غلب الظنّ أنّهم للنيابة أجدر من الحسين بن روح. ومنهم العالم المتكلّم الكبير أبو سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ الذي سُئل عن سبب عدم نصبه مكان أبي القاسم الحسين بن روح، فقال: هم أعلم وما اختاروه. ولكن أنا رجل ألقَى الخصوم وأُناظرهم. ولو علمتُ بمكانه كما علم أبو القاسم وضغطتني الحجّة على مكانه لعلّي كنت أدلّ على مكانه، وأبو القاسم فلو كان الحجّة تحت ذيله وقُرِض بالمقاريض ما كشف الذيلَ عنه(٤) .

وممّن أنكر وكالة الحسين بن روح في البداية: أبو عبد الله الحسين بن عليّ الوَجْناء النصيبيّ الذي كان أحد رؤساء الإماميّة المشاركين في الاجتماع المعقود لتعيينه من قبل أبي جعفر العمريّ. ولكنّ محمّد بن فضل الموصليّ أحد شيوخ الشيعة ببغداد أتى به آخر الأمر إلى الحسين بن روح سنة ٣٠٧هـ، فأقرّ بصحّة وكالة الشيخ أبي القاسم النوبختيّ منذ ذلك التاريخ(٥) .

عاش الحسين بن روح في بغداد موفور الحُرمة منذ تعيينه نائباً إلى عهد وزارة حامد بن العبّاس (من جمادى الآخرة سنة ٣٠٦هـ إلى ربيع الآخر سنة ٣١١هـ).

____________________

١ - تاريخ الإسلام للذهبيّ f. ١٣٢ b.

٢ - الغيبة للطوسيّ ٢٤٣.

٣ - نفسه ٢٤٠.

٤ - نفسه ٢٠٥.

٥ - نفسه ٢٠٥-٢٠٦.

٢٥٢

وكان يتردّد عليه في منزله الأُمراء والأعيان والوزراء المعزولون. ولم يؤذِ وأصحابَه أحد، بخاصّة في عصر آل فرات الذين كانوا ينظرون إليه بعين الاحترام كما ذكرنا، وكانوا معدودين من أتباع المذهب الإماميّ. فعاش في عهدهم مكرّماً عندما وزروا للمقتدر العبّاسيّ، وشغلوا مناصب حكوميّة مهمّة أُخرى. وكان الشيعة يأتون إليه من مختلف الأنحاء بالأموال الملزمين بتسليمها إليه. ولكن ما إن أطاح حامد بن العبّاس وأنصاره بآل فرات، وسَجنَ الوزيرُ الجديد آل فرات وأقاربهم وصادر أموالهم، حتّى وقعت حوادث مرّة بينه وبين الحسين بن روح لم تصل إلينا تفاصيلها. ولا يخفى أنّ حياة النائب الثالث للإمام منذ ذلك التاريخ حتّى سنة ٣١٧هـ إنّما خروجه من السجن يكتنفها الغموض. ويمكن أن نستنبط من كلام المؤرّخين ثلاث ملاحظات فحسب تتعلّق بحياته، وهي كما يأتي:

١ - أُودع الحسين بن روح السجن سنة ٣١٢هـ بسبب المال الذي كان يطالبه به الديوان. ويتسنّى لنا أن نتبيّن التاريخ الذي بدأ به سجنه - أي: سنة ٣١٢هـ - عبر طريقين هما: الأوّل: تذكر أخبار الشيعة أنّه كان سجيناً أيّام المقتدر في ذي الحجّة سنة ٣١٢هـ(١) . الثاني: دام سجنه خمسَ سنين. ولمّا كان قد أُطلق من السجن في المحرّم سنة ٣١٧هـ(٢) ، فإنّ حبسه خمس سنين مِن قبلُ يقارن سنة ٣١٢هـ.

٢ - استخفَى الحسين بن روح مدّة، وقد نصب أبا جعفر محمّد بن عليّ الشلمغانيّ المعروف بابن العزاقر نائباً عنه، فكان واسطة وسفيراً بينه وبين الشيعة(٣) . ولا جَرَمَ أنّ الاستخفاء المذكور كان قبل سجنه؛ لأنّ الشلمغانيّ كان على جادّة الاستقامة قبل هذا التاريخ ولم يخالف مذهب الإماميّة في ادّعائه النبوّة والألوهيّة بَعدُ. وكان أوّل انحرافه سنة ٣١٢هـ، وفي ذي الحجّة من هذه السنة

____________________

١ - الغيبة للطوسيّ ٢٠٠.

٢ - تاريخ الإسلام f. ١٣٣ a؛ صلة عريب ١٤١.

٣ - الغيبة ١٩٦.

٢٥٣

صدر التوقيع من الحسين بن روح - وهو في السجن - بلعنه(١) .

٣ - كانت للمقتدر العبّاسيّ يدٌ في سجن الحسين بن روح؛ لأنّ المقتدر عندما سُجن في ١٥ محرّم الحرام سنة ٣١٧هـ من قبل جند مؤنس المظفّر وأبي الهيجاء عبد الله بن حمدان، وخُلع من السلطة، فإنّ مؤنساً أطلق عدداً من السجناء الذين كانوا في حبس المقتدر، منهم الحسين بن روح الذي أرجعه مؤنس إلى داره. وعندما ذُكر الحسين بن روح عند المقتدر، قال: دعوهُ فبخطيّته جرى علينا ما جرى(٢) . بَيد أنّنا لا نعلم على وجه الدقّة دور الحسين بن روح في محنة المقتدر، وقصد المقتدر من كلامه المذكور.

ونحتمل بعامّة أنّ أعداء الحسين بن روح - كما أشار الذهبيّ - اتّهموه بعلاقة له بالقرامطة الذين كانوا يومئذ مسيطرين على سواحل الخليج الفارسيّ والحجاز، وكانوا سبباً في فزع أهالي بغداد ورعبهم؛ إذ نقل المؤرّخ المذكور أنّ ابن روح كان قد رُمي بأنّه يكاتب القرامطة ليقدموا ويحاصروا بغداد. لكنّه تلطّف في الذبّ عن نفسه بعبارات تدلّ على رزانته ووفور عقله ودهائه وعلمه(٣) . وهذه المهمة كانت شائعةً جدّاً في بغداد آنذاك. وقد حُبس بهذه التهمة أيضاً الوزير أبو الحسن بن فرات ونجله محسّن صديقا الحسين بن روح، وسمّاهما أعداؤهما: القرمطيّ الكبير والقرمطيّ الصغير، وصادروا أموالهما ثمّ قتلوهما. على أيّ حال، مهما كان السبب الحقيقيّ لسجن الحسين بن روح فإنّ عمّال الديوان سجنوه بذريعة طلب المال(٤) .

وعندما أُطلق الحسين بن روح من السجن، ظلّ يدير الشؤون الدينيّة للشّيعة في بغداد بنفس العزّ والاحترام السابقَين، وكان الإماميّة يوصلون إليه الأموال التي في ذمّتهم. ولمّا كان عدد من آل نوبخت يشغلون يومئذ مناصب مهمّة في البلاط

____________________

١ - الغيبة ٢٠٠.

٢ تاريخ الإسلام f. ١٣٣ a.

٣ - نفسه.

٤ - صله عريب ١٤١.

٢٥٤

والعسكر كأبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل (المقتول سنة ٣٢٢هـ)، وأبي الحسين عليّ بن عبّاس (٢٤٤-٣٢٤هـ)، وأبي عبد الله الحسين بن عليّ النوبختيّ (المتوفّى سنة ٣٢٦هـ)، لم يستطع أحد أن يسبّب حرجاً وإزعاجاً لأبي القاسم الحسين بن روح. بل على العكس كانت داره آنذاك مالفاً لكبار الأعيان ورجال البلاط والوزراء السابقين في بغداد. وكان بعضهم يستشفعه إلى السلاطين والأُمراء في إنجاز الأعمال، كما فعل ذلك أبو عليّ بن مُقلة سنة ٣٢٥هـ؛ إذ استعان به لقضاء حاجته، فتحدّث الحسين بن روح مع أبي عبد الله الحسين بن عليّ النوبختيّ وزير ابن رائق في ذلك، وعرض أبو عبد الله موضوعه على ابن رائق، فحقّق له ما أراد. وتوضيح ذلك أنّ محمّد بن رائق حين تولّى تدبير شؤون الحكومة، أمر بالاستيلاء على ضياع ابن مقلة وابنه. وعندما وصل إلى بغداد (يوم الجمعة ٢٤ من ذي الحجّة ٣٢٤هـ) ذهب أبو عليّ بن مقلة إلى لقائه ولقاء وزيره أبي عبد الله النوبختيّ لعلّهما يُرجعان إليه ضياعه. ونلحظ أنّه كان يتشبّث ببعض الأشخاص كالحسين بن روح من أجل حلّ مشكلته المذكورة، ولمّا تحدّث الحسين مع ابن رائق بواسطة أبي عبد الله النوبختيّ أصلح ابن رائق وضعه مؤقّتاً، وأمر أبا عبد الله النوبختيّ أن يفتح باب بيته الذي كان مغلقاً(١) .

إنّ تشبّث ابن مقلة بأذيال الحسين بن روح - كما أشار إليه الصوليّ - كان في سنة ٣٢٥هـ، ولمّا كان في أيّام وزارة الحسين بن عليّ النوبختيّ التي لم تدم أكثر من ثلاثة أشهر وثمانية أياّم(٢) (من أوائل المحرّم سنة ٣٢٥هـ إلى أواسط ربيع الأوّل من السنة نفسها) فلابدّ أنّه كان في تلك الفترة أيضاً.

وكان للحسين بن روح منزلة سامقة عند الشيعة في القسم الأكبر من أيّام حكومة الراضي (٣٢٢-٣٢٩هـ). وبسبب كثرة المال الذي كان يأتي به الشيعة إليه

____________________

١ - الأوراق للصوليّ f. ١٢٢ a.

٢ - تجارب الأُمم ٥: ٣٦٣.

٢٥٥

والمكانة التي كان يتمتّع بها عندهم، توجّهت إليه أنظار السلطان العبّاسيّ وعمّال الديوان الذين كانوا يعانون يومئذ من ضائقة ماليّة، وكان السلطان يذكره غالباً. يقول أبو بكر محمّد بن يحيى الصوليّ مؤلّف كتاب الأوراق (المتوفّى سنة ٣٣٥ أو سنة ٣٣٦هـ) - وكان معاصراً للحسين بن روح - ما مضمونه: كان الراضي طالما يقول لنا: لم أكن غير راغبٍ في أن يكون ألف شخص مثل الحسين بن روح ويهب الإمامية أموالهم له كي يجعلهم الله محتاجين. فإنّ ثراء الحسين بن روح وأضرابه بأخذ أموال الإماميّة أمر لا يسوؤني(١) .

كان أبو القاسم الحسين بن روح من أعقل الناس عند المخالف والمؤالف(٢) . وعاش بين الناس والسلاطين بعزّ واحترام بخاصّة أنّه حَظِي بمنزلة عظيمة عند المقتدر العبّاسيّ وأمّه السيّدة. ولمّا كان رجلاً عاقلاً عارفاً بالمصحلة، كان يستعمل التقيّة. ونقل الشيخ الطوسيّ عنه حكايتين في هذا الباب(٣) .

توفّي الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح النوبختيّ مساء الأربعاء ١٨ شعبان سنة ٢٣٦هـ(٤) ، ودُفن بالنوبختيّة(٥) في زقاق كان فيه بيت عليّ بن أحمد بن عليّ النوبختيّ(٦) . وهذا القبر ما زال ماثلاً في محلّة النوبختيّة السابقة ببغداد. وهو في بيت يقع في الجانب الشرقيّ الأيمن من محلّة (سوق العطّارين)(٧) .

ذكر رواة الشيعة ومؤرّخوهم في كتبهم ترجمة الحسين بن روح مفصّلاً، ولكن من سوء الحظّ لم يصل إلينا شيء من هذه الكتب. ومن هؤلاء: أبو العبّاس أحمد بن عليّ بن نوح السيرافيّ، وكان من كبار مصنّفي الشيعة، ومن شيوخ رواية النجاشيّ

____________________

١ - الأوراق f. ١٤٧ a. قمنا بترجمة هذا الكلام لعدم عثورنا على أصل الكتاب المنقول عنه.

٢ - الغيبة للشيخ الطوسيّ ٢٥٠؛ تاريخ الإسلام للذهبيّ f. f. ١٣٢ b و١٣٣ a.

٣ - الغيبة ٢٥٠-٢٥٢.

٤ - كتاب الأوراق للصوليّ f. ١٢٧.

٥ - الغيبة للطوسيّ ٢٥٢.

٦ - انظر: ص٢٣٩.

٧ - أحسن الوديعة ٢: ٢٣٢.

٢٥٦

صاحب الرجال (٣٧٢-٤٥٠هـ)؛ فقد كان له كتاب بعنوان أخبار الوكلاء الأربعة. وكان قد أخذ أكثر أخباره من أبي نصر هبة الله بن أحمد بن محمّد الكاتب. وأبو نصر هذا كان من جهة الأب حفيد أمّ كلثوم بنت أبي جعفر العمريّ، ومن جهة الأمّ كان ينتسب إلى آل نوبخت(١) . وهو أحد الرواة المهمّين لأخبار الحسين بن روح ورُويت عنه أخبار كثيرة فيه.

ومنهم: منتجب الدين أبو زكريّا يحيى بن أبي طيّ النجّار الحلبيّ الفَقعانيّ (المتوفّى ٦٣٠هـ)، فقد أورد ترجمة للحسين بن روح في ستّ أوراق من تاريخه. وكانت لدى شمس الدين الذهبيّ الذي نقل خلاصتها في تاريخ الإسلام ضمن وقائع سنة ٣٢٦هـ(٢) .

الحسين بن روح والشَّلْمغانيّ

الشَّلْمغانيّ أحد الذين عارضوا الحسين بن روح، وأسّس مذهباً جديداً، حسداً من عند نفسه. وهو أبو جعفر محمّد بن عليّ، من قرية شَلْمَغان التّابعة

____________________

١ - الغيبة ٢٤٢.

٢ - ابن أبي طيّ مؤلّف في تاريخ مدينة حلب، عنوان كتابه عقود الجواهر. ذكره أبو الفضل محمّد بن شحنة الحلبيّ (٨٠٤-٨٩٠هـ) في تاريخ حلب. وهو من أُسرة ابن أبي طيّ التي كانت من الأُسر الشيعيّة في حلب كبني زُهرة، وآل جرادة، (أنا مدين لسماحة شيخ الإسلام الزنجانيّ بهذه المعلومات). وذكر صاحب كتاب أمل الآمل، ومؤلّف كتاب روضات الجنّات بعض أفراد هذه الأُسرة في كتابيهما (أمل الآمل ٤٨٨ في حاشية ذيل رجال الأسترآباديّ؛ روضات الجنّات ٤٠٠-٤٠١). ولم يستطع الذهبيّ أن يقرأ نسب هذا الشخص في النسخة التي كانت لديه. وضبطه ماسينيون الذي نقل ترجمته من كتاب الوافي بالوفيات للصفدي على أنّه (الغسّانيّ)، بَيد أنّ الصّحيح هو (الفقعانيّ) كما نصّ عليه صاحب روضات الجنّات في كتابه. وورد ذكره أيضاً في كتاب طبقات المفسّرين لجلال الدين السيوطيّ (انظر: ص٣٧ منه، الطبعة الأجنبيّة). ونقل المقريزيّ في خططه عن ابن أبي طيّ كثيراً. انظر أيضاً:

.L. Massignon, Recueil des textes concernant Ia mystique. P. ٢٢٦-٢٢٧

٢٥٧

لمدينة واسط. ويُدعى ابن أبي العَزاقر، ومن هنا عُرف أتباعه بالعَزاقريّة.

كان الشلمغاني من كتّاب بغداد، وأحد علماء الشيعة الإماميّة ومؤلّفيهم. وكانت له منزلة رفيعة عند الشيعة أيّام استقامته، قبل تأسيس مذهبه الجديد، وصدوفه عن اتّباع الحسين بن روح. وكان الشيعة يرجعون إلى كتبه ويأخذون منها. حتّى إذا حلّ اليوم الذي خلف فيه الحسين بن روح أبا جعفر العمريّ، ذهب إلى دار الشلمغانيّ مع عدد من وجوه الشيعة بعد إقامة التقاليد الرسميّة المألوفة في عمل النيابة. ولمّا اختفى فترة - كما رأينا - نصب الشلمغانيّ نائباً عنه. فكان واسطة وسفيراً بينه وبين الإماميّة. وكانت تصدر توقيعات الإمام القائمعليه‌السلام بواسطة الحسين بن روح على يد الشلمغانيّ. والناس يراجعونه في قضاياهم وحلّ مهمّاتهم(١) .

ولا نعلم على وجه الدقّة متى تمرّد الشلمغانيّ على الحسين بن روح؛ لأننا لا نعرف متى اختفى الحسين بن روح ولا مدّة اختفائه، بَيْد أنّ القرائن تفيد أنّ فترة اختفائه تزامنت مع وزارة حامد بن العبّاس التي استمرّت من جمادى الآخرة سنة ٣٠٦هـ حتّى ربيع الآخر سنة ٣١١هـ.

في أغلب الظنّ أنّ الشلمغانيّ استغلّ اختفاء الحسين بن روح، فدعا جماعة من خواصّ الشيعة ومتنفّذيهم إلى الالتفاف حوله. ويبدو أنّ هدفه في البداية هو الاستحواذ على منصب الحسين بن روح، وادّعاؤه البابيّة مكانه، ثمّ بالغ في ادّعائه وزعم أنّه نبيّ وإله.

ذكر ابن الأثير أنّ أوّل مرّة كُشف فيه سرّ الشلمغانيّ ودعاواه كانت في أوان وزارة حامد بن العبّاس، وكان الحسين بن روح النوبختيّ، هو الذي كشف أمره(٢) .

بعد عزل حامد بن العبّاس، واستيزار أبي الحسن عليّ بن محمّد بن الفرات

____________________

١ - الغيبة ١٩٦.

٢ - الكامل، وقائع سنة ٣٢٢؛ الذهبيّ f ١١٩ b.

٢٥٨

للمرّة الثالثة (من ربيع الآخر ٣١١هـ حتّى ٨ ربيع الأوّل ٣١٢هـ) قرّب الشلمغانيّ ابنَ الوزير الجديد مُحَسّناً إليه، بسبب العلاقة التي كانت تربطه به. وعندما هاجم القرامطة قافلة الحجّاج في ذلك التاريخ وقتلوا الكثيرين منهم - وكانوا من أهالي بغداد - وثار أهالي العاصمة عليه وعلى أبيه واتّهموهما بالتواطؤ مع القرامطة، أدخل محسّنٌ الشلمغانيَّ في الجهاز الوزاريّ، وجعله مكان عددٍ من عمّال الديوان؛ للحؤول دون هجوم المناوئين والكشف عن الأموال التي كان قد أخذها من الناس. وبمؤازرته هو وغيره قبض على جماعة وذبحهم كما تذبح الخراف بذريعة المطالبة بالأموال المتبقيّة(١) .

اختفى الشلمغانيّ بعد قتل أبي الحسن بن الفرات ونجله محسّن واستيزار أبي القاسم الخاقانيّ (وزارته من ٨ ربيع الأوّل ٣١٢هـ حتّى رمضان ٣١٣هـ)، وفرّ إلى الموصل خوفاً. وفي تلك الفترة ذاتها - ذي الحجّة سنة ٣١٢ هـ - صدر التوقيع من الحسين بن روح - وهو في السجن - بلعنه. وسننقل هذا التوقيع عينه لاحقاً.

مكث الشلمغانيّ في الموصل عدد سنين عند الأمير ناصر الدولة حسن الحمدانيّ في حياة أبيه أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان (المقتول سنة ٣١٧هـ). واختفى مدّة في مُعْلَثايا إحدى القرى القريبة من جزيرة ابن عمر. وفي تلك الفترة ذاتها قرأ أبو المفضّل محمّد بن عبد الله بن المطّلب - وهو من شيوخ أبي العبّاس النجاشيّ صاحب كتاب الرجال المعروف - كتب الشلمغانيّ عنده، وأجازه الشلمغانيّ في روايتها(٢) .

ثمّ قَدِم الشلمغانيّ بغداد بعد مدّة، واختفى فيها فترة خوفاً من مناوئيه. وفي تلك البرهة نفسها شاعت عقائده وزاد عدد أتباعه، والتحق به جماعة من أكابر

____________________

١ - معجم الأُدباء ١: ٢٩٦؛ تجارب الأُمم ٥: ١٢٣.

٢ - رجال النجاشيّ ٢٦٨.

٢٥٩

بغداد وأعيانها. وبلغت فتنة العزاقريّة ذروتها فسبّبت متاعب جمّة للسلطان العبّاسيّ ووزيره وأهالي العاصمة.

وممّن لحق بالشلمغانيّ من المشاهير يومئذٍ الحسين بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب وزير المقتدر العبّاسيّ، وأبو جعفر بن بسطام، وأبو عليّ بن بسطام وهما من الكتّاب ووجهاء الشيعة في بغداد، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن أبي عون وهو من الأُدباء والمؤلّفين المشهورين، وابن الشَّبيب الزيّات، وأحمد بن محمّد بن عبدوس، وغيرهم(١) .

دعاوى الشلمغانيّ

دعاوى الشلمغانيّ وأُصول عقائده غير واضحة تماماً؛ إذ لم يصل إلينا شيء عنه وعن أتباعه، وما نقله مناوئوه يسيرٌ ومشوبٌ بالتهمة والأغراض. بَيْد أنّ الثابت هو أنّ الشلمغانيّ كان من الحُلوليّة كالحسين بن منصور الحلاّج، ولا تفاوت بين كثيرٍ من عقائدهما. وكان الشلمغانيّ يتّبع منهج الحلاّج في هذا الطريق. وكان الحسين بن روح يعدّه من متابعي قول الحلاّج صراحةً(٢) . يضاف إلى ذلك أنّ التناسخ، والغلوّ، والاعتقاد بالضدّ، وأُلوهيّة نفسه، والكيمياء من الأركان الرئيسة لمعتقداته.

ويمكن استخراج خلاصة لعقائده من المصادر الأربعة المهمّة الآتية:

١ - الرسالة التي كتبها الراضي العبّاسيّ إلى الأمير أبي الحسين نصر بن أحمد السامانيّ في بخارى بعد قتل الشلمغانيّ وأعوانه في ذي القعدة ٣٢٢هـ، واستنسخ ياقوت قسماً مهمّاً منها في مرو، وأورده في الجزء الأوّل من كتابه معجم الأُدباء عند

____________________

١ - الكامل في التاريخ، وقائع سنة ٣٢٢هـ.

٢ - الغيبة ٢٦٦؛ رسالة ابن القارح (في مجموعة رسائل البلغاء ٢٠٠-٢٠١).

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303