ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام18%

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام مؤلف:
المحقق: محمد جعفر الطبسي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 303

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 303 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127892 / تحميل: 6775
الحجم الحجم الحجم
ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

ابصار العين في انصار الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

قاتله؟ قال : نعم ، فبقى عند هاني ، وأصبح عبيد الله فبعث عينا له من مواليه يتوصل إلى مسلم ، وعاد شريك بن الأعور فلم يحب مسلم قتله حتّى ظهر من تلويحات شريك لعبيد الله ، فنهض ومات شريك وأخبره عينه أنّ مسلما عند هاني فبعث على هاني وحبسه ، فجمع مسلم أصحابه وعقد لعبيد الله بن عمرو بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة ، وقال له سر أمامي في الخيل. وعقد لمسلم بن عوسجة على ربع مذحج وأسد وقال : انزل في الرجال ، وعقد لأبي ثمامة الصائدي على ربع تميم وهمدان ، وعقد للعبّاس بن جعدة الجدلي على ربع المدينة ، ثمّ أقبل نحو القصر فأحاطوا به حتّى أمر عبيد الله بسدّ الأبواب ، فأشرف من القصر أشراف الكوفة يخذّلون الناس بالترغيب والترهيب ، فما أمسى المساء إلاّ وقد انفضّ الجمع من حول مسلم ، وخرج شبث بن ربعي ، والقعقاع بن شور الذهلي ، وحجّار بن أبجر العجلي ، وشمر بن ذي الجوشن الكلابي يخذّلون الناس ، وخرج كثير بن شهاب بن الحصين الحارثي في عدد للقبض على من رآه يريد مسلما ، فقبض على جماعة فحبسهم عبيد الله.

ثمّ إنّ مسلما خرج من المسجد منفردا لا يدري أين يتوجّه ، فمرّ بدار امرأة يقال لها ( طوعة ) كانت تحت الأشعث بن قيس(١) ثمّ تزوّجها أسيد الحضرمي فولدت منه بلالا ومات أسيد عنه(٢) ، فاستسقاها فسقته وشرب فوقف ، فقالت له : ما وقوفك؟ فاستضافها فأضافته وعرفته فأخفته ببيت لها ، فاسترابها بلال ابنها بكثرة الدخول والخروج لذلك البيت فاستخبرها فما كادت تخبره حتّى استحلفته

__________________

(١) قال ابن حجر : الأشعث بن قيس بن معد يكرب الكندي ، أبو محمّد الصحابي نزل الكوفة ، مات سنة أربعين أو إحدى وأربعين وهو ابن ثلاث وستين. راجع تقريب التهذيب : ١ / ٨٠ ، الرقم ٦٠٨.

(٢) هكذا في الأصل ، والصحيح : عنها.

٨١

وأخبرته ، فخرج صبحا للقصر ، فرأى ابن زياد وعنده أشراف الناس وهو يتفحص عن مسلم فأسرّ لمحمّد بن الأشعث بخبره ، فقال ابن زياد : وما قال لك؟ فأخبره ، فنخسه بالقضيب في جنبه ثمّ قال : قم فاتني به الساعة. فخرج ومعه عمرو بن عبيد الله بن العبّاس السلمي في جماعة من قيس حتّى أتوا الدار ، فسمع مسلم حوافر الخيل فخرج وبيده سيفه ، فقاتل القوم قتالا شديدا ، وكان أيّدا ، ربما أخذ الرجل ورمى به على السطح ، فجعلوا يوقدون أطنان القصب ويرمونها عليه ويرضخونه بالحجارة من السطوح ، وهو لا يزال يضرب فيهم بسيفه ويقول في خلال ذلك متحمسا :

أقسمت لا أقتل إلاّ حرّا

وإن رأيت الموت شيئا نكرا

كلّ امرئ يوما ملاق شرّا

أو يخلط البارد سخنا مرّا

رد شعاع النفس فاستقرّا

أخاف أن أكذب أو أغرّا

ثمّ اختلف هو وبكير بن حمران الأحمري بضربتين فضرب بكير فمّ مسلم فقطع شفته العليا ، وأسرع السيف في السفلى ، ونصلت لها ثنيتان ، فضربه مسلم ضربة منكرة في رأسه وثنّى بأخرى على حبل عاتقه كادت تأتي على جوفه فاستنقذه أصحابه. وعاد مسلم ينشد شعره ، فقال له محمّد بن الأشعث : لك الأمان يا فتى ، لا تقتل نفسك ، إنّك لا تكذب ولا تخدع ولا تغر ، إنّ القوم بنو عمّك وليسوا بقاتليك ولا ضاربيك ، فلمّا رأى مسلم أنّه قد أثخن بالحجارة وأضرّت به أطنان القصب المحرق وأنّه قد انبهر أسند ظهره إلى جنب تلك الدار فكرّر عليه محمّد الأمان ودنا منه ، فقال : آمن أنا؟ قال : نعم. وصاح القوم : أنت آمن. سوى عمرو بن عبيد الله بن العبّاس السلمي فإنّه قال : لا ناقة لي في هذا ولا جمل وتنحّى ، فقال مسلم : أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم. ثمّ أتي ببغلة فحمل عليها وطافوا حوله فانتزعوا سيفه من عنقه ، فكأنّه آيس من نفسه فدمعت عيناه ، وقال : هذا أوّل الغدر ،

٨٢

فقال محمّد : أرجو أن لا يكون عليك بأس ، فقال : ما هو إلاّ الرجاء ، أين أمانكم؟! إنّا لله وإنّا إليه راجعون وبكى ، فقال عمرو السلمي : إنّ من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك ، فقال : إنّي والله ما لنفسي أبكي ولا لها من القتل أرثي ، وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا ، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إليّ ، أبكي لحسين وآل حسين. ثمّ قال لمحمّد بن الأشعث : يا عبد الله إنّي أراك ستعجز عن أماني ، فهل عندك خير؟ أتستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني يبلغ حسينا ، فإنّي لأراه قد خرج إليكم اليوم مقبلا أو هو خارج غدا وأهل بيته معه ، وإن ما ترى من جزعي لذلك ، فيقول : إنّ مسلما بعثني إليك وهو في أيدي القوم أسير لا يرى أن يمسي حتّى يقتل وهو يقول : ارجع بأهل بيتك ولا يغرّك أهل الكوفة فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل ، إنّ أهل الكوفة قد كذّبوك وكذّبوني ، وليس لمكذوب رأي ، فقال محمّد : والله لأفعلن ولأعلمن ابن زياد إنّي قد آمنتك.

قال جعفر بن حذيفة الطائي : فبعث محمّد إياس بن العتل الطائي من بني مالك ابن عمرو بن ثمامة وزوّده وجهّزه ومتّع عياله ، وأرسله للحسين فاستقبله بزبالة(١) لأربع ليال بقين من الشهر ، وكان عبيد الله بن زياد بعث رئيس الشرطة الحصين بن تميم التميمي في نحو من ألفي فارس فأطافوا بالطف ونظموا المسالح ومنعوا الداخل والخارج ، فهم على خط واحد فلم تحصل له فرصة إلاّ ذلك الزمن.

قال أبو مخنف : ثمّ أقبل محمّد بن الأشعث بمسلم إلى باب القصر فاستأذن فأذن له ، فأخبر عبيد الله بخبر مسلم وضرب بكير إيّاه ، فقال : بعدا له ، فأخبره بأمانه ، فقال : ما أرسلناك لتؤمنه إنّما أرسلناك لتأتي به. فسكت. وانتهى مسلم إلى باب القصر وهو عطشان ، وعلى باب القصر أناس ينتظرون الإذن منهم : عمارة بن عقبة بن أبي معيط ،

__________________

(١) زبالة : منزل بطريق مكّة من الكوفة. معجم البلدان : ٣ / ١٢٩.

٨٣

وعمرو بن حريث ، ومسلم بن عمرو الباهلي ، وكثير بن شهاب ، فاستسقى مسلم وقد رأى قلّة موضوعة على الباب ، فقال مسلم الباهلي : أتراها ما أبردها! لا والله لا تذوق منها قطرة حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم! فقال له : ويحك من أنت؟ قال : أنا ابن من عرف الحقّ إذ أنكرته ونصح لإمامه إذ غششته ، وسمع وأطاع إذ عصيته وخالفته ، أنا مسلم بن عمرو الباهلي ، فقال : لأمّك الثكل! ما أجفاك وما أفظّك ، وأقسى قلبك وأغلظك! أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنّم منّي ، ثم تساند وجلس إلى الحائط ، فبعث عمرو بن حريث مولاه سليمان فجاءه بقلّة ، وبعث عمارة غلامه قيسا فجاءه بقلّة عليها منديل فصبّ له ماء بقدح ، فأخذ كلّما شرب امتلأ القدح دما من فمه ، حتّى إذا كانت الثالثة سقطت ثنيتاه في القدح ، فقال : الحمد لله لو كان من الرزق المقسوم لي لشربته. ثمّ أدخل مسلم فلم يسلّم بالإمرة على عبيد الله ، فاعترضه الحرسي بذلك ، فقال عبيد الله : دعه فإنّه مقتول ، فقال له مسلم : أكذلك؟ قال : نعم ، قال : فدعني أوص إلى بعض قومي. فنظر إلى جلساء عبيد الله فإذا عمر بن سعد فيهم ، فقال : يا عمر ، إنّ بيني وبينك قرابة ، ولي إليك حاجة ، وقد يجب عليك نجح حاجتي ، وهو سرّ. فأبى أن يمكّنه من ذكرها ، فقال له عبيد الله : لا تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمّك ، فقام معه وجلس بحيث ينظر إليه ابن زياد ، فقال : إنّ عليّ بالكوفة دينا استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم ، فاقضها عنّي ببيع لامتي ، واستوهب جثّتي من ابن زياد فوارها ، وابعث إلى الحسينعليه‌السلام من يردّه ، فإنّي كتبت إليه أعلمه أنّ الناس معه ، ولا أراه إلاّ مقبلا. فقال عمر لابن زياد : أتدري ما قال لي؟ إنّه قال كذا وكذا ، فقال ابن زياد : ما خانك الأمين ولكن ائتمنت الخائن ، أمّا ماله فهو لك فاصنع به ما شئت ، وأمّا جثّته فلن نبالي إذا قتلناه ما يصنع بها ، أو قال : فلن نشفعك فيها فإنّه ليس بأهل منّا لذلك قد جاهدنا وجهد على هلاكنا ، وأمّا حسين فإن لم يردنا لم نرده وإن أرادنا فلن نكفّ عنه ، ثمّ قال : إيه يا بن عقيل أتيت

٨٤

الناس وأمرهم جميع وكلمتهم واحدة ، لتشتتهم وتحمل بعضهم على بعض؟ قال : كلاّ ، ما أتيت لذلك ولكنّ أهل المصر زعموا أنّ أباك قتل خيارهم ، وسفك دماءهم ، وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر ، فأتيناهم لنأمر بالعدل وندعوا إلى حكم الكتاب. قال : وما أنت وذاك يا فاسق ، أو لم نكن نعمل بذاك فيهم إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر؟ قال : أنا أشرب الخمر؟! والله إنّ الله يعلم أنّك غير صادق ، وإنّك قلت بغير علم ، وأنّي لست كما ذكرت ، وإنّ أحقّ بشرب الخمر منّي من يلغ في دماء المسلمين ولغا ، فيقتل النفس التي حرّم الله قتلها ، ويقتل النفس بغير النفس ، ويسفك الدم الحرام ، ويقتل على الغضب والعداوة وسوء الظن ، وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئا. فقال ابن زياد : يا فاسق إنّ نفسك تمنّيك ما حال الله دونه ولم يرك أهله ، قال : فمن أهله يا ابن زياد؟ قال : أمير المؤمنين يزيد. قال : الحمد لله رضينا بالله حكما بيننا وبينكم. قال : كأنّك تظنّ أنّ لكم في الأمر شيئا؟ قال : ما هو الظن ولكنّه اليقين ، قال : قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام! قال : أما إنّك أحقّ من أحدث في الإسلام حدثا لم يكن منه ، أما إنّك لا تدع سوء القتلة ، وقبح المثلة ، وخبث السريرة ، ولؤم الغلبة لأحد أحق بها منك ، فأخذ ابن زياد يشتمه ويشتم عليّا وحسينا وعقيلا ، وأخذ مسلم بالسكوت والإعراض عنه ، فقال ابن زياد : اصعدوا به فوق القصر ، وادعوا بكير بن حمران الأحمري الذي ضربه مسلم ، فصعدوا به ، وأحضر بكير فأمره أن يضرب عنقه ويتبع برأسه جسده من أعلى القصر ، فصاح مسلم بمحمّد بن الأشعث : قم بسيفك دوني فقد أخفرت ذمتك ، أما والله لو لا أمانك ما استسلمت. فأعرض محمّد ، وجعل مسلم يسبّح الله ويقدسه ويكبّره ويستغفره ، ويصلّي على أنبياء الله وملائكته ويقول : اللهمّ احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذّبونا وأذلّونا ، فأشرف به من على القصر ، فضربت عنقه واتبع جسده رأسه ، ونزل بكير فقال له ابن زياد : وما كان يقول؟ قال : إنّه كان يسبّح ويستغفر ، فلمّا أدنيته قلت :

٨٥

الحمد لله الذي أقادني منك. وضربته ضربة لم تغن شيئا ، فقال لي : أما ترى في خدش تخدشنيه وفا من دمك أيّها العبد؟ فقال ابن زياد : أو فخرا عند الموت؟ ثمّ قال : إيه. قال : وضربته الثانية فقتلته ، ثمّ أمر ابن زياد فقتل هاني وجملة من المحبوسين ، وجرت جثتا مسلم وهاني بحبلين في الأسواق(١) .

وقتل مسلم في اليوم الثامن من ذي الحجّة يوم خروج الحسينعليه‌السلام من مكّة.

قال أبو مخنف : وحدّث عبد الله بن سليم والمذريّ بن المشمعل الأسديين قالا : لمّا قضينا حجّنا لم يكن لنا همّة إلاّ اللحاق بالحسين في الطريق لننظر ما يكون من أمره وشأنه ، فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتّى لحقناه بزرود(٢) ، فلمّا دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين ، قالا : فوقف الحسين كأنّه يريده ، ثمّ تركه ومضى ، فقال أحدنا لصاحبه : امض بنا إليه لنسأله عن خبر الكوفة ، فانتهينا إليه وسلّمنا وانتسبنا ، فإذا هو بكير بن المثعبة الأسدي فاستخبرناه عن الكوفة فقال : ما خرجت حتّى رأيت مسلما وهانيا قتيلين يجرّان بأرجلهما في السوق. ففارقناه ولحقنا بالحسين ، فسلّمنا عليه وسايرناه ، حتّى نزل الثعلبيّة ممسيا فدخلنا عليه وقلنا له : يرحمك الله إنّ عندنا خبرا إن شئت حدّثناك به علانية وإن شئت سرّا. فنظر إلى أصحابه وقال : ما دون هؤلاء سرّ. فقلنا : أرأيت الراكب الذي استقبلك عشاء أمس؟ قال : نعم ، وقد أردت مسألته. فقلنا قد استبرأنا لك خبره ، وكفيناك مسألته وهو امرؤ من أسد منّا ذو رأي وصدق وفضل وعقل ، وإنّه حدّثنا بكيت وكيت. فاسترجع وقال : رحمة الله عليهما وكررها مرارا. فقلنا ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلاّ انصرفت فإنّه ليس لك بالكوفة ناصر ، بل نتخوّف أن

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٢٩١.

(٢) زرود : موضع على طريق حاج الكوفة بين الثعلبيّة والخزيميّة. معجم البلدان : ٣ / ١٣٩.

٨٦

يكونوا عليك فاعترضته بنو عقيل بأننا لا نترك ثأرنا ، فالتفت إلينا الحسين وقال : « لا خير في العيش بعد هؤلاء » ، فعلمنا أنّه عزم على المسير ، فقلنا له : خار الله لك. فدعا لنا ، فقال له أصحابه : إنّك والله ما أنت مثل مسلم ، ولو قدمت الكوفة كان الناس إليك أسرع(١) .

قال أهل السير : ولمّا ورد الحسين زبالة(٢) أخرج كتابا لأصحابه فقرأه عليهم وفيه : أمّا بعد فقد أتانا خبر فظيع إنّه قتل مسلم وهاني وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلنا شيعتنا ، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منّا ذمام ، فتفرّق الناس عنه يمينا وشمالا إلاّ صفوته(٣) .

وروى بعض المؤرخين : أنّ الحسين لمّا قام من مجلسه بالثعلبيّة(٤) توجّه نحو النساء وانعطف على ابنة لمسلم صغيرة ، فجعل يمسح على رأسها فكأنّها أحسّت ، فقالت ما فعل أبي ، فقال يا بنيّة أنا أبوك ، ودمعت عينه ، فبكت البنت وبكت النساء لذلك.

قال أهل السير : ثمّ إنّ ابن زياد بعث برأسي مسلم وهاني إلى يزيد مع هاني بن أبي حيّة الوادعي والزبير بن الأروح التميمي(٥) ، واستوهبت الناس الجثث فدفنوها عند القصر حيث تزار اليوم ، وقبراهما كلّ على حدة.

وإنّي لأستحسن كثيرا قول السيّد الباقر بن السيّد محمّد الهندي فيه :

سقتك دما يا ابن عمّ الحسين

مدامع شيعتك السافحة

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٠٢ ، راجع الإرشاد : ٢ / ٧٣.

(٢) زبالة : منزل بطريق مكّة من الكوفة. معجم البلدان : ٣ / ١٢٩.

(٣) الإرشاد : ٢ / ٧٥.

(٤) الثعلبيّة : موضع بطريق مكّة.

(٥) راجع الإرشاد : ٢ / ٦٥.

٨٧

ولا برحت هاطلات الدموع

تحييك غادية رائحه

لأنّك لم ترو من شربة

ثناياك فيها غدت طائحه

رموك من القصر إذ أوثقوك

فهل سلمت فيك من جارحه

تجر بأسواقهم في الحبال

ألست أميرهم البارحه

أتقضي ولم تبكك الباكيات

أما لك في المصر من نائحه

لئن تقض نحبا فكم في زرود

عليك العشية من صائحه

ولي في ذلك :

نزفت دموعي ثمّ أسلمني الجوى

لقارعة ما كان فيها بمسلم

أجيل وجوه الفكر كيف تخاذلت

بنو مضر الحمراء عن نصر مسلم

أما كان في الأرباع شخص بمؤمن

وما كان في الأحياء حي بمسلم

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( عليّة ) : بضم العين وفتح اللام وتشديد الياء المثناة تحت.

( يتساقط ) : أي يقيم المكان بعد المكان من المرض.

( القعقاع ) : بالقاف المفتوحة والعين المهملة الساكنة والقاف والعين بينهما ألف ، ابن شور بالشين المضمومة والراء المهملة ، له شرف وسمعة ويضرب به المثل في المجالسة ، فيقال جليس القعقاع بن شور ، لأنّه دخل مجلس معاوية وقد ضاق فقام رجل وأعطاه مكانه فجلس فيه ثمّ أمر له معاوية بشيء ، فقال : أين من قام عن مجلسه لي؟ فقال : ها أنا ذا ، فقال : خذ ما نلته بمكانك مكافأة لقيامك.

( أطنان ) : جمع طن وهو : الحزمة من القصب.

( رد شعاع النفس ) : الشعاع المتفرّق من الشيء تفرّقا دقيقا يقال : مارت نفسه شعاعا أي تفرّقت من الخوف.

٨٨

قال الشاعر :

أقول لها وقد طارت شعاعا

من الأبطال ويحك لا تراعي

فالمعنى في الرجز أنّ النفس استقرّت بعد ما تفرّقت ، ويمضى في جملة من الكتب شعاع الشمس وهو غلط وتصحيف ، صحفه من لم يفهم شعاع النفس فرأى أنّ الشعاع بالشمس أليق.

( القلّة ) : بالضم إناء للماء كالكوز الصغير.

( إيه ) : بكسر الهمزة والهاء تنوّن ولا تنوّن فإن نوّنت الهاء كانت كلمة استنطاق وإن سكنت الهاء كانت كلمة استكفاف ، فمعنى الأولى تكلم ومعنى الثانية اسكت.

( لؤم الغلبة ) : إذا غلب اللئيم تبجح وظهر عليه التجبر ، وإذا غلب الكريم استحيا وصغرت له همّته ما فعل ، فلؤم الغلبة التبجح والاستعلاء وكرمها التصاغر والاستحياء.

( مسلم ) : الأوّل اسم فاعل من أسلمه إلى الشيء بمعنى أعطاه إيّاه وخذله ، والثاني العلم المترجم ، والثالث اسم فاعل من أسلم خلاف كفر.

( الأرباع ) : أرباع الكوفة وهي المدينة وكندة ومذحج وتميم ، وتدخل ربيعة مع كندة ، وأسد مع مذحج ، وهمدان مع تميم ، وتنضم غيرهم إليهم في الجميع ، يقال : أرباع الكوفة وأخماس البصرة ، وقد تقدّم ذلك.

عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب ( رضوان الله عليهم )

أمّه رقيّة بنت أمير المؤمنين ، وأمّها الصهباء أمّ حبيب بنت عبّاد بن ربيعة بن يحيى العبد بن علقمة التغلبيّة. قيل : بيعت لأمير المؤمنين من سبي اليمامة(١) ، وقيل :

__________________

(١) قال ابن منظور : وهي الصّقع المعروف شرقيّ الحجاز راجع لسان العرب : ١٥ / ٤٥ ، ـ

٨٩

من سبي عين التمر(١) ، فأولدها عليعليه‌السلام عمر الأطرف ورقيّة.

قال السروي : تقدّم عبد الله بن مسلم إلى الحرب فحمل على القوم وهو يقول :

اليوم ألقى مسلما وهو أبي

وعصبة بادوا على دين النبي

حتّى قتل ثمانية وتسعين رجلا بثلاث حملات ، ثمّ رماه عمرو بن صبيح الصدائي بسهم(٢) .

قال حميد بن مسلم : رمى عمرو عبد الله بسهم وهو مقبل عليه ، فأراد جبهته فوضع عبد الله يده على جبهته يتقى بها السهم فسمر السهم يده على جبهته فأراد تحريكها فلم يستطع ثمّ انتحى له بسهم آخر ففلق قلبه فوقع صريعا(٣) .

وكانت قتلته بعد علي بن الحسين فيما ذكره أبو مخنف والمدائني وأبو الفرج دون غيرهم(٤) .

محمّد بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليهم السلام

وأمّه أمّ ولد ، قال أبو جعفر : حمل بنو أبي طالب بعد قتل عبد الله حملة واحدة ، فصاح بهم الحسينعليه‌السلام : صبرا على الموت يا بني عمومتي ، فوقع فيهم محمّد بن

__________________

مراصد الاطلاع : ٣ / ١٤٨٣.

(١) قال الحموي : عين التمر بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة. راجع معجم البلدان : ٤ / ١٩٩.

(٢) المناقب : ٤ / ١٠٥ ، وفيه : قتله عمرو بن صبيح وأسد بن مالك. وفي الأخبار الطوال : عمرو بن صبح. راجع الإرشاد : ٢ / ١٠٧. وعمرو هذا كان ممّن انتدب على جسد الحسينعليه‌السلام ، راجع اللهوف للسيد ابن طاوس : ١٨٢.

(٣) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٤٣ ، راجع مقاتل الطالبيين : ٩٨ ، والإرشاد : ٢ / ١٠٧ ، وذكر الدينوري قتله بعد علي بن الحسينعليه‌السلام ، راجع الأخبار الطوال : ٢٥٧.

(٤) الكامل : ٤ / ٧٤.

٩٠

مسلم ، قتله أبو مرهم الأزدي ولقيط بن إياس الجهني(١) .

محمّد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب عليهم السلام

أمّه أمّ ولد. قال أهل السير نقلا عن حميد بن مسلم الأزدي أنّه قال : لمّا صرع الحسين خرج غلام مذعورا يلتفت يمينا وشمالا ، فشدّ عليه فارس فضربه ، فسألت عن الغلام؟ فقيل : محمّد بن أبي سعيد ، وعن الفارس فقيل : لقيط بن إياس الجهني(٢) .

وقال هشام الكلبي : حدّث هاني بن ثبيت الحضرمي قال : كنت ممّن شهد قتل الحسينعليه‌السلام ، فو الله إنّي لواقف عاشر عشرة ليس منّا رجل إلاّ على فرس ، وقد جالت الخيل وتضعضعت إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية عليه إزار وقميص ، وهو مذعور ، يتلفّت يمينا وشمالا ، فكأنّي أنظر إلى درّتين في أذنيه يتذبذبان كلّما التفت ، إذ أقبل رجل يركض حتّى إذا دنا منه مال عن فرسه ، ثمّ اقتصد الغلام فقطعه بالسيف.

قال هشام الكلبي : هاني بن ثبيت الحضرمي هو صاحب الغلام ، وكنّى عن نفسه استحياء أو خوفا(٣) .

عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب عليهم السلام

امّه أم ولد. قال ابن شهرآشوب : تقدّم في حملة آل أبي طالب بعد الأنصار وهو

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٩٧.

(٢) راجع بحار الأنوار : ٤٥ / ٣٣.

(٣) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٣٢ بتفاوت ، لاحظ مقاتل الطالبيين : ١٨٨.

٩١

يقول :

أبي عقيل فاعرفوا مكاني

من هاشم وهاشم إخواني

فقاتل حتّى قتل سبعة عشر فارسا ، ثمّ احتوشوه فتولّى قتله عثمان بن خالد بن أشيم الجهني ، وبشر بن حوط الهمداني ثمّ القابضي بطن منهم(١) .

جعفر بن عقيل بن أبي طالب عليهم السلام

امّه الحوصاء بنت عمرو المعروف بالثغر بن عامر بن الهصان بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب العامري ، وأمّها أودة بنت حنظلة بن خالد بن كعب بن عبد بن أبي بكر المذكور ، وأمّها ريطة بنت عبد بن أبي بكر المذكور ، وأمّها أمّ البنين بنت معاوية ابن خالد بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، وأمّها حميدة بنت عتبة بن سمرة بن عتبة ابن عامر(٢) .

قال السروي : تقدّم إلى القتال فجالد القوم يضرب فيهم بسيفه قدما وهو يقول :

أنا الغلام الأبطحي الطالبي

من معشر في هاشم من غالب

ونحن حقا سادة الذوائب

فقتل خمسة عشر رجلا ، ثمّ قتله بشر بن حوط قاتل أخيه عبد الرحمن(٣) .

__________________

(١) المناقب : ٤ / ١٠٦ ، وليس فيه بشر بن حوط الهمداني. راجع الإرشاد : ٢ / ١٠٧ ، ومقاتل الطالبيين : ٩٦.

(٢) قال أبو الفرج : وجعفر بن عقيل بن أبي طالب ، وأمّه أم الثغر بنت عامر بنت الهصان العامري من بني كلاب. قتله عروة بن عبد الله الخثعمي فيما رويناه عن أبي جعفر محمّد بن علي ابن الحسين ، وعن حميد بن مسلم. ويقال : أمّه الخوصاء بنت الثغرية ، واسمه عمرو بن عامر بن الهصان بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب العامري. راجع مقاتل الطالبيين : ٩٧.

(٣) المناقب : ٤ / ١٠٥ ، وفيه : بشر بن سوط الهمداني.

٩٢

عبد الله بن يقطر الحميري ( رضيع الحسين عليه السلام )

كانت أمّه حاضنة للحسين كأمّ قيس بن ذريح للحسن ، ولم يكن رضع عندها ولكنّه يسمّى رضيعا له لحضانة أمّه له. وأمّ الفضل بن العبّاس لبابة كانت مربية للحسينعليه‌السلام ولم ترضعه أيضا كما صحّ في الأخبار أنّه لم يرضع من غير ثدي أمّه فاطمة ( صلوات الله عليها ) وإبهام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) تارة ، وريقه تارة أخرى.

قال ابن حجر في الإصابة : إنّه كان صحابيّا لأنّه لدة الحسينعليه‌السلام (٢) .

وقال أهل السير : إنّه سرحه الحسينعليه‌السلام إلى مسلم بن عقيل بعد خروجه من مكّة في جواب كتاب مسلم إلى الحسينعليه‌السلام يسأله القدوم ويخبره باجتماع الناس ، فقبض عليه الحصين بن تميم(٣) بالقادسيّة(٤) وأرسله إلى عبيد الله بن زياد فسأله عن حاله فلم يخبره ، فقال له : اصعد القصر والعن الكذّاب بن الكذّاب ثمّ انزل حتّى أرى فيك رأيي ، فصعد القصر فلمّا أشرف على الناس قال : أيّها الناس ، أنا رسول الحسين بن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إليكم لتنصروه وتوازروه على ابن مرجانة وابن سميّة الدعيّ ابن الدعيّ ، فأمر به عبيد الله فألقي من فوق القصر إلى الأرض فتكسرت عظامه وبقي به رمق ، فأتاه عبد الملك بن عمير اللخمي ( قاضي الكوفة وفقيهها ) فذبحه بمدية ، فلمّا عيب عليه ، قال : إنّي أردت أن أريحه(٥) .

__________________

(١) راجع الكافي : ١ / ٤٦٥ ، ح ٤ ، البحار : ٤٤ / ١٩٨ ، ح ١٤ ، وفي ٢٣٣ ذيل حديث ١٧ عن كامل الزيارات : ٥٧ ، ح ٤.

(٢) الإصابة : ٤ / ٥٩ ، وفيه : عبد الله بن يقظة ، والظاهر أنّه تصحيف في طبعات الإصابة الجديدة.

(٣) في الإرشاد والأخبار الطوال : الحصين بن نمير. وكان من أشدّ الناس في قتال عليعليه‌السلام . راجع الكامل : ٢ / ٤٥٢.

(٤) القادسيّة : قرية قريبة من الكوفة من جهة البر. راجع معجم البلدان : ٤ / ٢١٩.

(٥) الإرشاد : ٢ / ٧١ ، تاريخ الطبري : ٣ / ٣٠٣.

٩٣

قالوا : ولمّا ورد خبره وخبر مسلم وهاني إلى الحسينعليه‌السلام بزبالة(١) نعاه إلى أصحابه وقال : « أمّا بعد ، فقد أتانا خبر فظيع ، قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلنا شيعتنا » إلى آخر ما ذكرناه آنفا(٢) .

وقال ابن قتيبة وابن مسكويه : إنّ الذي أرسله الحسين قيس بن مسهّر كما يأتي ، وإنّ عبد الله بن يقطر بعثه الحسينعليه‌السلام مع مسلم ، فلمّا أن رأى مسلم الخذلان قبل أن يتم عليه ما تمّ بعث عبد الله إلى الحسين يخبره بالأمر الذي انتهى ، فقبض عليه الحصين وصار ما صار عليه من الأمر الذي ذكرناه.

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( يقطر ) : بالياء المثنّاة تحت والقاف والطاء والراء المهملتين. وضبطه الجزري في الكامل بالباء الموحدة(٣) . لكن مشيختنا ضبطوه بالياء المثناة تحت.

( لدة ) : اللدّة الذي ولد مع الإنسان في زمن واحد.

( مدية ) : بضم الميم السكين والجمع مدى.

سليمان بن رزين مولى الحسين بن علي بن أبي طالب

كان سليمان هذا من موالي الحسينعليه‌السلام أرسله بكتب إلى رؤساء الأخماس بالبصرة حين كان بمكّة.

__________________

(١) زبالة : منزل بطريق مكّة من الكوفة. راجع معجم البلدان : ٣ / ١٢٩.

(٢) راجع الإرشاد : ٢ / ٧٥.

(٣) الكامل : ٤ / ٤٢. وكذا في الطبري : ٣ / ٣٠٣.

٩٤

قال الطبري : كتب الحسينعليه‌السلام إلى رؤساء الأخماس بالبصرة وإلى الأشراف كمالك بن مسمع البكري ، والأحنف بن قيس التميمي ، والمنذر بن الجارود العبدي ، ومسعود بن عمرو الأزدي ، وقيس بن الهيثم ، وعمرو بن عبيد الله(١) بن معمر ، فجاء الكتاب بنسخة واحدة « أمّا بعد : فإنّ الله اصطفى محمّدا على خلقه وأكرمه بنبوّته ، واختاره لرسالته ، ثمّ قبضه الله إليه وقد نصح لعباده ، وبلّغ ما أرسل فيه ، وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ الناس بمقامه في الناس ، فاستأثر علينا قومنا بذلك ، فرضينا وكرهنا الفرقة ، وأحببنا لكم العافية ، ونحن نعلم أنّا أحق بذلك الحقّ المستحقّ علينا ممّن تولاّه ، وقد بعثت إليكم رسولي بهذا الكتاب ، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه ، فإنّ السنّة قد أميتت وإنّ البدعة قد أحييت ، فإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد »(٢) . فكتم بعض الخبر وأجاب بالاعتذار أو بالطاعة والوعد ، وظنّ المنذر بن الجارود أنّه دسيس من عبيد الله ، وكان صهره فإنّ بحريّة بنت الجارود تحت عبيد الله ، فأخذ الكتاب والرسول فقدّمهما إلى عبيد الله بن زياد في العشيّة التي عزم على السفر إلى الكوفة صبيحتها ، فلمّا قرأ الكتاب قدّم الرسول سليمان وضرب عنقه ، وصعد المنبر صباحا وتوعد الناس وتهدّدهم ، ثمّ خرج إلى الكوفة ليسبق الحسينعليه‌السلام .

أسلم بن عمرو مولى الحسين بن علي عليه السلام

كان أسلم من موالي الحسين ، وكان أبوه تركيا ، وكان ولده أسلم كاتبا.

قال بعض أهل السير والمقاتل : إنّه خرج إلى القتال وهو يقول :

__________________

(١) في الكامل : عمر بن عبد الله.

(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٢٨٠ ، بتفاوت وسقط في بعض الكلمات.

٩٥

أميري حسين ونعم الأمير

سرور فؤاد البشير النذير

فقاتل حتّى قتل ، فلمّا صرع مشى إليه الحسينعليه‌السلام فرآه وبه رمق يومي إلى الحسينعليه‌السلام ، فاعتنقه الحسين ووضع خدّه على خدّه ، فتبسّم وقال : من مثلي وابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واضع خدّه على خدّي ، ثمّ فاضت نفسه ( رضوان الله عليه ).

قارب بن عبد الله الدئلي مولى الحسين بن علي عليهما السّلام

أمّه جارية للحسينعليه‌السلام تزوّجها عبد الله الدئلي فولدت منه قاربا هذا ، فهو مولى للحسينعليه‌السلام ، خرج معه من المدينة إلى مكّة ثمّ إلى كربلا ، وقتل في الحملة الأولى التي هي قبل الظهر بساعة.

منجح بن سهم مولى الحسن بن علي عليهما السّلام

كان منجح من موالي الحسنعليه‌السلام ، خرج من المدينة مع ولد الحسنعليه‌السلام في صحبة الحسينعليه‌السلام فأنجح سهمه بالسعادة وفاز بالشهادة ، ولمّا تبارز الفريقان في كربلا قاتل القوم قتال الأبطال.

قال صاحب الحديقة الورديّة : فعطف عليه حسّان بن بكر الحنظلي فقتله ، وذلك في أوائل القتال(١) .

سعد بن الحرث مولى علي بن أبي طالب عليه السلام

كان سعد مولى لعليعليه‌السلام فانضمّ بعده إلى الحسنعليه‌السلام ثمّ إلى الحسينعليه‌السلام ، فلمّا خرج من المدينة خرج معه إلى مكّة ثمّ إلى كربلا فقتل بها في الحملة الأولى ، ذكره

__________________

(١) الحديقة الورديّة : ١٢١.

٩٦

ابن شهرآشوب في المناقب وغيره من المؤرخين(١) .

نصر بن أبي نيزر مولى علي بن أبي طالب عليه السلام

كان أبو نيزر من ولد بعض ملوك العجم أو من ولد النجاشي. قال المبرّد في الكامل : صحّ عندي أنّه من ولد النجاشي ، رغب في الإسلام صغيرا فأتي به رسول الله فأسلم وربّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا توفي صار مع فاطمة وولدها(٢) . وقال غيره : إنّه من أبناء ملوك العجم أهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ صار إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان يعمل له في نخله ، وهو صاحب الحديث المشهور الذي ينقله عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في استخراج العين ووقفها أو حبسها ، كما ذكره المبرد في الكامل وملخصه : أنّ أبا نيزر قال : جاءني عليعليه‌السلام وأنا أقوم بالضيعتين عين أبي نيزر والبغيبغة ، فقال لي : هل عندك من طعام؟ فقلت : طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين قرع من قرع الضيعة صنعته بإهالة سنخة. فقال : عليّ به ، فقام إلى الربيع [ وهو جدول ] فغسل يده وأصاب منه ثمّ رجع إلى الربيع وغسل يديه بالرمل حتّى نقّاهما ثمّ مسح على بطنه ، وقال : من أدخله بطنه النار فأبعده الله. ثمّ أخذ المعول وانحدر في العين وجعل يضرب فأبطأ الماء ، فخرج وقد عرق جبينه فانتكفه ، ثمّ عاد وجعل يهمهم فانثالت عين كأنّها عنق جزور ، فخرج مسرعا فقال : أشهد الله أنّها صدقة ، ثمّ كتب : « هذا ما تصدّق به عبد الله علي أمير المؤمنين ، تصدّق بالضيعتين على فقراء المدينة ، إلاّ أن يحتاج إليهما

__________________

(١) لم أعثر عليه في المناقب. وفي مستدركات علم رجال الحديث ٤ / ٢٧ : سعد بن حارث الخزاعي مولى أمير المؤمنينعليه‌السلام من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن شرطة الخميس مع أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان واليا من قبله على آذربيجان ثمّ انضمّ إلى الحسن ثمّ إلى الحسينعليهما‌السلام ، وخرج معه إلى مكّة ثمّ إلى كربلاء واستشهد بين يديه يوم عاشوراء.

(٢) الكامل : ٣ / ٢٠٧ ، راجع معجم البلدان : ٤ / ١٧٥.

٩٧

الحسنان فهما طلق لهما دون غيرهما »(١) . انتهى ملخصا.

ونصر هذا ولده انضمّ إلى الحسينعليه‌السلام بعد علي والحسنعليهما‌السلام ثمّ خرج معه من المدينة إلى مكّة ثمّ إلى كربلاء فقتل بها. وكان فارسا فعقرت فرسه ثمّ قتل في الحملة الأولىرضي‌الله‌عنه .

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( نيزر ) : بالنون والياء المثناة تحت والزاء المعجمة والراء المهملة على وزن صيقل.

( انتكفه ) : أي نحّاه باصبعه.

الحرث بن نبهان مولى حمزة بن عبد المطلب عليهم السلام

كان نبهان عبدا لحمزة شجاعا فارسا. قال صاحب الحديقة الورديّة : والحرث ابنه انضمّ إلى الحسينعليه‌السلام بعد انضمامه إلى علي بن أبي طالب والحسنعليهم‌السلام فجاء معه إلى كربلا ، وقتل بها في الحملة الأولى(٢) .

فهؤلاء تسعة عشر من آل أبي طالب ، الحسينعليه‌السلام وطفله الرضيع ، وسبعة عشر نفرا ، وثمانية من الموالي : عبد الله بن يقطر ، وسبعة نفر صحّ لي قتلهم في كربلا وفي الكوفة وفي البصرة. وذكر جماعة غيره لم يصح لي قتلهم ، وهناك جماعة أخرى من الموالي لم يذكر أحد أسماءهم ولم يعرفوا مقدارا.

__________________

(١) الكامل : ٣ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

(٢) الحديقة الورديّة : ١٢١.

٩٨

المقصد الثاني

في بني أسد بن خزيمة ومواليهم

من أنصار الحسينعليه‌السلام

أنس بن الحرث بن نبيه بن كاهل بن عمرو بن صعب بن أسد بن خزيمة

أنس بن الحرث بن نبيه بن كاهل بن عمرو بن صعب بن أسد بن خزيمة الأسدي الكاهلي ، كان صحابيّا كبيرا ممّن رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسمع حديثه. وكان فيما سمع منه وحدّث به ما رواه جمّ غفير من العامّة والخاصّة عنه أنّه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول والحسين بن علي في حجره : « إنّ ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق ألا فمن شهده فلينصره ». ذكر ذلك الجزري في أسد الغابة(١) وابن حجر في الإصابة(٢) وغيرهما(٣) . ولمّا رآه في العراق وشهده ، نصره وقتل معه.

قال الجزري : وعداده في الكوفيين ، وكان جاء إلى الحسينعليه‌السلام عند نزوله كربلا والتقى معه ليلا فيمن أدركته السعادة(٤) .

__________________

(١) أسد الغابة : ١ / ١٢٣.

(٢) الإصابة : ١ / ٦٨.

(٣) راجع ذخائر العقبى : ١٤٦.

(٤) أسد الغابة : ١ / ١٢٣.

٩٩

روى أهل السير : أنّه لمّا جاءت نوبته استأذن الحسينعليه‌السلام في القتال فأذن له ـ وكان شيخا كبيرا ـ فبرز وهو يقول :

قد علمت كاهلها ودودان

والخندفيون وقيس عيلان

بأنّ قومي آفة للأقران

ثمّ قاتل حتّى قتلرضي‌الله‌عنه .

وفي حبيب وفيه يقول الكميت بن زيد الأسدي :

سوى عصبة فيهم حبيب معفّر

قضى نحبه والكاهليّ مرمّل(١)

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( كاهل ) : بطن من أسد بن خزيمة.

( دودان ) : بالدال المهملة المضمومة والواو والدال المهملة أيضا والألف والنون بطن من أسد بن خزيمة أيضا ، وستأتي بطون أخر.

حبيب بن مظهّر

هو حبيب بن مظهّر بن رئاب بن الأشتر بن جخوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قيس بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد ، أبو القاسم الأسدي الفقعسي. كان صحابيّا رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ذكره ابن الكلبي(٢) ، وكان ابن عم ربيعة بن حوط بن رئاب المكنّى أبا ثور الشاعر الفارس.

__________________

(١) راجع البحار : ٤٥ / ٢٥.

(٢) جمهرة النسب : ١ / ٢٤١.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

دينه وإبادة أنصاره، وهو ابن أعدى قريش لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أبو سفيان الذي قاد حروب المشركين ضدّ النَّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم تكن عند معاوية الصلاحية الذاتية للخلافة الإسلامية، ولا الأهلية الموضوعية التي تجعله راجحاً في ميزان العقلاء وعند رجال الإسلام.

ولقد قال له الإمام عليعليه‌السلام في كتاب إليه: «ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرعيَّة، وولاة الاُمّة؟ بغير قدم سابق، ولا شرف باسق »(15) .

السابع: بيّن الإمامعليه‌السلام في المقابل انّه الأحقّ بالخلافة المستوعب لجميع صفات الخليفة الشرعي التي لم تكن متوفرة في معاوية، فهو من جهة النسب سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وابن فاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشبل عليعليه‌السلام ، وهو الذي قال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه وفي أخيه الإمام الحسينعليهما‌السلام : «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجَنّة » وانّهما إمامان قاما أو قعدا، فهو الممثّل الرسمي لجدّه وأبيه، ثم انّه الذي بايعه المسلمون طائعين غير مُكرَهين الأمر الذي كان المدار عندهم(16) في الصعود إلى عرش الخلافة، وانّ معاوية نفسه يعلم بأحقّيتهعليه‌السلام : «فانّك تعلم أنّي أحقّ بهذا الأمر منكَ عند الله وعند كل أوّاب حفيظ، ومَن له قلب منيب ».

ولقد قال معاوية يوماً لابنه يزيد جواباً على استغراب له في معاملته مع الإمام الحسنعليه‌السلام في أحد المواقف بعد الصلح: يا بني إنّ الحقّ فيهم(17) .

وقد أشار إلى هذا الإمامعليه‌السلام في كلام له مع معاوية بعد الصلح، حيث عقّب معاوية على كلام للإمامعليه‌السلام يذكر فيه فضله بقوله: «أظن نفسك يا حسن تنازعك إلى الخلافة »، فقال الإمامعليه‌السلام : «ويلك يا معاوية إنّما الخليفة مَن سار بسيرة رسول الله وعمل بطاعة الله، ولعمري إنّا لأعلام الهدى ومنار التقى، ولكنّك يا معاوية ممّن أباد السنن، وأحيا البدع، واتخذ عباد الله خولا، ودين الله لعباً »(18) .

الثامن: بيّن الإمامعليه‌السلام ما عليه معاوية من الباطل وسأله أن يدع التمادي

١٢١

فيه فقال له: «فدع التمادي في الباطل » ووصفه بأنّه باغ والبغي هو تجاوز الحق إلى الباطل، قال تعالى:( انّما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق ) (19) ، يُقال بغى الجرح أي تجاوز الحد في إفساده، وبغت المرأة بغاء إذا فجرتْ وذلك لتجاوزها إلى ما ليس لها(20) .

وإنّ معاوية ممّن يتمادى في الغي أيضاً حيث قال له الإمامعليه‌السلام : «وإن أبيتَ إلاّ التمادي في غيّكَ » وقد وصفه من قبل بهذا الوصف الإمام عليعليه‌السلام بقوله في رسالة له: «وانّ نفسكَ قد أولجتْكَ شراً، وأقحمتْكَ غياً، وأوردتْكَ المهالك، وأوعرتْ عليكَ المسالك »(21) ، وقال له في رسالة اُخرى إليه: «وأرديتَ جيلاً من الناس كثيراً، خدعتهم بغيّك، وألقيتهم في موج بحرك، تغشاهم الظلمات، وتتلاطم بهم الشُّبهات »(22) .

التاسع: إنّ الذي حمل الإمامعليه‌السلام على كتابة هذه الرسالة إلى معاوية إنّما هو الإعذار في ما بينه وبين الله عزّ وجل في أمره، ولتكون الحجّة على معاوية أوقع عند أهل الرأي والحجى.

العاشر: بيّن الإمامعليه‌السلام انّ خلافته هي الأصلح للمسلمين، فكل فعل مضاد يبديه معاوية فهو خروج على مصلحتهم العليا.

الحادي عشر: دعوة من الإمامعليه‌السلام إلى معاوية أن يكف عن الولوغ في دماء المسلمين، وأن يحقنها فلقد شرب منها حتى الثّمالة وغرق فيها إلى الآخر.

• جواب معاوية:

« من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الحسن بن علي ..

فهمتُ ما ذكرتَ به محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أحقّ الأوّلين والآخرين بالفضل كلّه ..

وذكرتَ وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتنازع المسلمين الأمر من بعده وتغلبهم على

١٢٢

أبيك، فصرحتَ بتهمة فلان وفلان وأبي عبيدة وحواري رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصلحاء والمهاجرين والأنصار فكرهتُ ذلك لكَ، إنّكَ امرؤ عندنا وعند الناس غير الظنين ولا المسيء ولا اللّئيم، وأنا أحب لكَ القول السديد والذكر الجميل، انّ هذه الاُمّة لما اختلفتْ بعد نبيها لم تجهل فضلكم ولا سابقتكم ولا قرابتكم من نبيّكم ولا مكانكم في الإسلام وأهله، فرأت الاُمّة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيّها، ورأى صلحاء الناس من قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس وعوامهم أن يولوا هذا الأمر من قريش أقدمها إسلاماً وأعلمها بالله وأحبّها له وأقواها على أمر الله فاختاروا أبا بكر، وكان ذلك رأي ذوي الدين والفضل، والناظرين للاُمّة، فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة، ولم يكونوا متّهمين ولا في ما أتوا بالمخطئين، ولو رأى المسلمون أن فيكم مَن يغني غناءه ويذب عن حريم الإسلام ذبّه ما عدلوا بالأمر إلى غيره رغبة عنه.

وقد فهمتُ الذي دعوتني إليه من الصلح، والحال في ما بيني وبينكم اليوم مثل الحال التي كنتم عليها أنتم وأبو بكر بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلو علمت أنّكَ أضبط منّي للرعية، وأحوط على هذه الاُمّة، وأحسن سياسة، وأقوى على جمع الأموال، وأكيد للعدو، لأجبتُكَ إلى ما دعوتني إليه، ورأيتُكَ لذلك أهلاً، ولكن قد علمتُ أنّي أطول منك ولاية، وأقدم منك بهذه الاُمّة تجربة، وأكبر منك سناً فأنت أحقّ أن تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني، فأدخل في طاعتي ولك الأمر من بعدي، ولك ما في مال العراق بالغاً ما يبلغ، تحمله إلى حيث أحببت، ولك خراج أي كور العراق شئت، معونة لك على نفقتك، يجبيها أمينك، ويحملها إليك في كل سنة، ولك أن لا نستولي عليك بالإساءة ولا تقضى دونك الاُمور، ولا تُعصى في أمر أردتَ به طاعة الله، أعاننا الله وإيّاك على طاعته إنّه سميع مجيب الدعاء والسلام »(23) .

لا يخفى على مَن خبر كتب التاريخ والسير، واطّلع على حوادث السقيفة،

١٢٣

ثم عرف النفسية التي يتمتّع بها بنو عبد الدار، أن يدرك المغالطات التي اندست في هذه الرسالة والتلاعب بالعواطف والإثارات، ولذا قال الكاتب المصري توفيق أبو علم: « وكما يقول الدكتور أحمد رفاعي في كتابه ( عصر المأمون ) إنّ هذه الرسالة حوت بعض المغالطات، فقد جاء فيها: « إنّ هذه الاُمّة لما اختلفت بينها، لم تجهل فضلكم، ولا سابقتكم للإسلام، ولا قرابتكم من نبيّكم الخ »(24) .

• ونذكر هنا بعض ما يلاحظ على هذه الرسالة:

الأوّل: إنّ معاوية أضاف لقب أمير المؤمنين إلى نفسه وهو لم ينص على خلافته ولم يُبايَع من قِبَل المسلمين، وهذا تحدّ صارخ منه في وجه الاُمّة وعدم المبالاة بقوانين الإسلام ولا الاحترام لمشاعر المسلمين.

الثاني: إنّه موّه الأمر ولم يذكر حوادث ما بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبرز في معرض الدفاع عن صحابة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّه الرجل المؤمن الذي يربأ بالإمام الحسنعليه‌السلام عن الكلام عن أولئك المتقدمين، بينما لم يذكر الإمامعليه‌السلام إلاّ ما جرى بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأي محدّث ينقل حدثاً تاريخياً خطيراً لعب دوره الكبير في حياة الاُمّة الإسلامية وأثّر في اتجاه سيرها، وإنّما ذكره لينبّه معاوية وأتباعه بأنّ الأمر الذي نطلبه منك هو حقّ لنا في أعناق المسلمين وإن خرج عن دائرته حفنة من السنين لظروف طارئة، فهو تذكير وإشارة لمَن ألقى السمع وهو منيب، ولم يكن خافياً على معاوية ذلك الأمر، ولذا كان يعيب الإمام علياًعليه‌السلام بما صنع به في تلك الأيام في كتاب له إليه، فأجابه الإمامعليه‌السلام بقوله: «وقلتَ: انّي كنتُ اُقاد كما يُقاد الجمل المخشوش حتّى اُبايع؛ ولعمر الله لقد أردتَ أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت! وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكّاً في دينه، ولا مرتاباً بيقينه! وهذه حجتي إلى غيرك

١٢٤

قصدها، ولكنّي أطلقتُ لك منها بقدر ما سنح من ذكرها »(25) .

الثالث: إنّ قوله: « فرأت الاُمّة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيها...الخ »، فيه الكثير من الإعلام المزيّف الذي طالما حارب به معاوية واتّخذه سلاحاً حاداً في كثير من المواقع التي مرّ بها وكادت تعصف به رياحُ الحقّ، فهل اجتمعت الاُمّة على الأوّل؟! إذن ما الذي حمل الثلاثة من المهاجرين على الذهاب إلى سقيفة بني ساعدة وإجراء المفاوضات الحادّة مع الأنصار وترك الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسجى على فراش الموت لم يوار الثرى بعد، وهو صهر أوّلهما وثانيهما! وهل كان غيرهم من قريش بل من المهاجرين هناك؟ وهل بايع علي والعباس والفضل بن العباس وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمّار و و ..

مَنْ أهل الدين والسبق وعلِّية المسلمين؟! ألم تقل الأنصار في لحظة من لحظات السقيفة: « لا نبايع إلاّ علياً »(26) ألم يقل الخليفة الثاني كانت بيعة أبي بكر فلتة!(27) وحسبنا في التعليق ما ورد في الكتاب السابق للإمام عليعليه‌السلام : «وكتاب الله يجمع لنا ما شذّ عنّا، وهو قوله سبحانه وتعالى: ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) (28) وقوله تعالى: ( انّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ) (29) ،فنحن مرة أولى بالقرابة وتارة أولى بالطاعة .

ولمّا احتجّ المهاجرون على الأنصار في يوم السقيفة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلجُّوا عليهم، فإن يكن الفلج به فالحقّ لنا دونكم، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم ».

الرابع: كيف اختارت الاُمّة أفضلها وأحبّها إلى الله وأعلمها به وأذبّها عن حريم الإسلام، وعليعليه‌السلام فيهم وهو الذي قال عنه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليّ مع الحق والحق مع علي، وأنا مدينة العلم وعليّ بابها، أقضاكم عليّ، لأعطينّ الراية

١٢٥

غداً رجلاً كراراً غير فرار يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله »، بعد ان رجع الأوّل والثاني يجبّن كل منهما أصحابه وأصحابه يجبنونه، ومَن الذي وقف يدافع عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم اُحد؟ ومَن الذي قام لعمرو بن ود يوم الأحزاب حينما اقتحم الخندق وطلب المبارزة فشلّت حركة المسلمين وقبضوا على أنفاسهم، أقام غير عليعليه‌السلام فأردى عمرو صريعاً؟ حتى سجّل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلمتيه الخالدتين: «برز الإسلام كلُّه إلى الشرك كلِّه، وضربة علي يوم الخندق تعدل عمل الثقلين! »، ومَن الذي قال فيه جبرئيل: «لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي! » ثم ألم يقل الخليفة الثاني أقيلوني فلستُ بخيركم؟(30) .

وكان معاوية كثيراً ما يردّد هذه الإفضلية جرياً على عادة الإعلام الاُموي فذكر ذلك إلى الإمام عليعليه‌السلام في كتابه السابق فأجاب عنه: «وزعمتَ أنّ أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان، فذكرتَ أمراً إن تمّ اعتزلك كُلّه وإن نقص لم يلحقك ثلمه، وما أنتَ والفاضل والمفضول، والسائس والمسوس! وما للطلقاء وأبناء الطلقاء، والتمييز بين المهاجرين الأوّلين، وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم! هيهات لقد حنّ قدح ليس منها، وطفق يحكم فيها مَن عليه الحكم لها! ألا تربع أيّها الإنسان إلى ظلعك، وتعرف قصور ذرعك، وتتأخّر حيث أخّرك القدر! فما عليك غلبة المغلوب ولا ظفر الظافر »(31) .

الخامس: ادعى أنّه فهم من كتاب الإمامعليه‌السلام دعوته إلى الصلح، ولم يكن في كتاب الإمامعليه‌السلام للصلح عين ولا أثر، فهل ترى فهم دعوى الصلح من قول الإمامعليه‌السلام : «فدع التمادي في الباطل، وادخل في ما دخل فيه الناس من بيعتي »؟!.

السادس: التناقض الواضح في كلمات معاوية، فهو يستفيد دعوته إلى الصلح في الوقت الذي يقول فيه: فأنتَ أحقّ أن تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني.

١٢٦

السابع: إذا لم يكن الإمام الحسنعليه‌السلام أحوط على اُمّة جدّه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غيره، كائناً مَن كان، فهل الأحوط عليها معاوية! الذي فعل ما فعل أيام صفّين، وقتل مَن قتل من الصحابة الكرام والبدريين الأجلاّء؟

الثامن: قوله: « وأقوى على جمع الأموال » إن كان الجمع من مصادره المشروعة فالإمامعليه‌السلام أعرف بها من معاوية لأعرفيته بكتاب الله وسنّة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو ربيب الرسالة ورضيعها، وابن صوت العدالة الإنسانية في الأرض. وإن لم يكن الجمع من مصادره المشروعة فما أبعد الإمامعليه‌السلام عن ذلك.

التاسع: إنّ الاُمور التي جعلها مرجّحاً له في طرف الميزان لم تكن كذلك في الرؤية الإسلامية الهادفة لأعلاء كلمة الله في الأرض، فما قيمة كبر السن وطول الولاية وما إلى ذلك أن لم تكن في رضا الله وطاعته. ولو كان لكبر السن أهمية في المنظور الإسلامي لما كان اُسامة بن زيد أميراً على جيش مؤتة وفيه أكابر الصحابة وشيوخهم، ولقد قال أبو قحافة حينما سمع بتنصيب ابنه خليفة على المسلمين: « ..لم ولوه؟ قالوا: لسنه. قال: أنا أسنّ منه »(32) .

العاشر: إنّ منطق معاوية في قوله: « ولك ما في بيت مال العراق » منطق المخادع الذي يريد أن يستولي على الملك بأي طريق، وليس منطقه منطق الطالب للحقّ ومَن تهمّه مصلحة المسلمين، وإلاّ فما يعني قوله: ولك ما في بيت مال العراق بالغاً ما يبلغ! أليست هي المساومة بعينها على شيء ليس له؟ وقد أخطأ معاوية مرماه حينما عرض على الإمامعليه‌السلام هذا العرض الدنيوي الزائل، وهل كان الإمامعليه‌السلام إلاّ كأبيه القائل: «يا صفراء يا بيضاء غرّي غيري »؟!

هذا بعض ما يؤخذ على رسالة معاوية ومنطقها، والذي يظهر أنّ الإمامعليه‌السلام لم يعبأ بهذه الرسالة فلم يجب عنها بشيء، ممّا أثار حفيظة معاوية فظهر بصورة اُخرى غير الصورة التي حاول أن يبرز بها في الرسالة الاُولى، فكتب إلى الإمامعليه‌السلام كما

١٢٧

يروي ابن أبي الحديد: « أما بعد فانّ الله يفعل في عباده ما يشاء لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، فاحذر أن تكون منيتك على أيدي رعاع من الناس، وايأس من أن تجد فينا غميزة، وإن أنت أعرضتَ عمّا أنت فيه وبايعتني وفيتُ لك ما وعدتُ، وأجريت لك ما شرطت، وأكون في ذلك كما قال أعشى بن قيس بن ثعلبة:

وإن أحدٌ أسدى إليك أمانةً

فأوفِ بها تدعى إذا متَّ وافيا

ولا تحسد المولى إذا كان ذا غنىً

ولا تُجفهِ إن كان في المال فانيا

ثم الخلافة لك من بعدي وأنت أولى الناس بها »(33) .

قال توفيق أبو علم: « ويقول بعض رجال التاريخ إنّ هذه الرسالة المشتملة على مثل هذا اللون من التهديد والتوعيد، إنّما بعثها معاوية إلى الإمام الحسنعليه‌السلام بعدما اتصل اتصالاً وثيقاً برجال العراق وقادته وضمنوا له تنفيذ خطّته، فالغالب أنّه لم يكتب ذلك إلاّ بعد الاتصال بزعماء العراق وانقطاع أمله من إجابة الحسن له »(34) .

ولكن المحتمل غير ذلك كما سيظهر عن قريب من تتابع الحوادث ومجريات الاُمور.

والذي تجدر الإشارة إليه تهديد معاوية للإمام الحسنعليه‌السلام بالقتل إن هو لم يسلم الأمر إليه، وفيه الشيء الكثير من أخلاق آل اُميّة وروح معاوية.

الرسالة الثانية:

أجاب الإمامعليه‌السلام معاوية برسالة مختصرة:

«أمّا بعد فقد وصل إليّ كتابك فيه ما ذكرت، وتركتُ جوابك خشية البغي، وبالله أعوذ من ذلك، فاتبع الحقّ فانّك تعلم من أهله: وعليّ إثم أن أقول فأكذب »(35) .

قال توفيق أبو علم: « وكانت هذه الرسالة هي آخر الرسائل التي دارت بين

١٢٨

الإمام ومعاوية.

وعلى أثرها علم معاوية أنّه لا يجديه خداعه وأباطيله، ولا تنفع مغالطاته السياسية »(36) .

وليس الأمر كما قال، بل هناك رسائل اُخرى متبادلة بينهما كما ستأتي، وقد صدق حكمه في أنّ الإمامعليه‌السلام لم ينخدع باُطروحة معاوية ومغالطاته السياسية، وكيف ينخدع ابن أبي طالب الذي عرف معاوية وما يحمله من طموحات الرياسة والملك، وما يتلوّن به من أساليب الخديعة والمكر، وأين يبعد عن الإمام الحسنعليه‌السلام قول أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام في معاوية وهو يحذّر زياد ابن أبيه منه: «فاحذره، فإنّما هو الشيطان، يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ليقتحم غفلته ويستلب لبّه » (37) .

• ظرف الرسالة:

ظرف هذه الرسالة يقرب من ظرف الرسالة السابقة، مع وضوح الرؤية في موقف معاوية وإصراره على التمادي في باطله، وانّه سوف يفعل كل ما يخدم سياسته، ويمهّد له طريق الاستيلاء ولو كان ذلك هو قتل الإمام الحسن نفسه.

• زمن الرسالة:

يحتمل أنّها كانت في أواخر شهر شوال أو أوّل شهر ذي القعدة، من السنة نفسها، فانّ مدّة السير بين الكوفة والشام تستغرق سبعة إلى عشرة أيام، وقد كتب الإمامعليه‌السلام رسالته الاُولى في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك أو أوائل شهر شوال كما احتملناه سابقاً، فإذا ما وضعنا ذلك في الحسبان مع أيام السفر ذهاباً وإياباً، وبقاء الرسول في الشام ولو لأيام معدودة، والمدة الفاصلة بين

١٢٩

جواب معاوية ورسالته الثانية للإمامعليه‌السلام يكون الوقت التقريبي لزمن الرسالة يحوم حول ما ذكرناه.

• الرسالة الثالثة:

لمّا بلغ معاوية ابن أبي سفيان وفاة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وبيعة الناس لابنه الإمام الحسنعليه‌السلام ، دسّ رجلاً من حمير إلى الكوفة، ورجلاً من القين إلى البصرة ليكتبا إليه بالأخبار، ويفسدا على الحسن الاُمور، فانكشف أمرهما لدى الإمام الحسنعليه‌السلام بأمر باستخراج الحميري من عند لحّام ( حجّام ) بالكوفة فاُخرج وأمر بضرب عنقه، وكتب إلى البصرة باستخراج القيني من بني سُلَيم فأخرج وضربت عنقه.

• ثم كتب الإمامعليه‌السلام إلى معاوية:

«أمّا بعد فانّك دسست الرجال للاحتيال والاغتيال وأرصدت العيون كأنّك تحبّ اللقاء، وما أشك في ذلك فتوقعه إن شاء الله، وبلغني أنّك شمتّ بما لم يشمت به ذو الحجى، وإنّما مثلك في ذلك كما قال الأوّل:

فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى

تزوّد لاُخرى مثلها فكأن قَدِ

فانّا ومن قد مات منّا لكالذي

يروح فيمسي في المبيت ويغتدي(38)

• زمن الرسالة:

يظهر أنّ هذه الرسالة جاءت عقيب الرسالة المذكورة ثانياً، فانّ تلك كانت جواباً على كتاب، وهذه ابتداء خطاب، ثم انّ المستفاد من كلام مجموعة من المؤرخين انّ هذه هي الرسالة الاُولى للإمامعليه‌السلام ، وهو جدّ بعيد، فانّ المقارنة بين

١٣٠

لسانها ولسان الرسالة التي ذكرناها أوّلاً تقضي بما أثبتناه، فانّ طبيعة الاُمور ومجاريها قائمة على أن يرسل الخليفة الجديد إلى ولاة المناطق بخبر استخلافه ويطلب منهم البيعة، ثم انّه من المستبعد جداً أن يرسل الإمامعليه‌السلام إلى معاوية بهذه اللّهجة الصارخة والشدة في الخطاب وبيان الاستعداد لحربه - كما في هذه الرسالة -، ثم يرسل له بعد ذلك بالمطالبة وأنّه الأحقّ منه.

• ظرف الرسالة:

اتضحت ملامح الأزمة وخيوطها بشكل أكبر، فالظرف ظرف تأزّم واستعداد للحرب وتهيؤ للقتال، فانّ الإمامعليه‌السلام ثابت على موقفه وطريقته في الأمت والعوج وإظهار الدّين وإبقاء الحق عند أهله، ورفض معاوية جملة وتفصيلاً، وفي المقابل يقف معاوية متمنياً الخلافة مصرّاً على الملك، طالباً لما يريد بأي ثمن كان، ويحتمل أنّ الإمامعليه‌السلام قد وصل إلى مسامعه ما أرسله معاوية إلى عمّاله في هذه الآونة، فقد أرسل إليهم بعد أن جاءه جواب الإمامعليه‌السلام السابق وعرف منه العزم على الحرب وعدم التفكير في قبوله أبداً: « من عبد الله أمير المؤمنين إلى فلان بن فلان، ومن قبله من المسلمين، سلام عليكم فإنّي أحمد الله الذي لا إله إلاّ هو، أمّا بعد فالحمد لله الذي كفاكم مؤنة عدوّكم وقاتل خليفتكم: إنّ الله بلطفه وحسن صنيعه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلاً من عباده فاغتاله فقتله فترك أصحابه متفرقين مختلفين، وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم فأقبلوا إليّ حين يأتيكم كتابي هذا بجهودكم وجندكم وحسن عدّتكم، فقد أصبتم بحمد الله الصبر وبلغتم الأمل وأحلّ الله أهل البغي والعدوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته »(39) .

وقد علّق الاستاذ توفيق أبو علم على هذه الرسالة بقوله: « والذي يلفت النظر

١٣١

في هذه الرسالة أن ينسب معاوية البغي والعدوان إلى الإمام عليعليه‌السلام ، مع أنّ جنود معاوية هم الباغون ولقد قتلوا الصحابي الجليل عمّار بن ياسر وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له: «تقتلك الفئة الباغية » كما يلفت النظر شماتة معاوية في الإمامعليه‌السلام .

ولمّا وصلت هذه الرسالة إلى عمّاله وولاته قاموا بتحريض الناس وحثّهم على الخروج والاستعداد لحرب ريحانة رسول اللهعليه‌السلام وسبطه »(40) .

• معطيات الرسالة:

الأوّل: إنّ معاوية أرسل الأعين إلى أهم مركزين سياسيين في حكومة الإمامعليه‌السلام - الكوفة والبصرة - للاحتيال والاغتيال، فهو يريد بذلك التجسّس على الإمامعليه‌السلام ومعرفة ما يدور في أوساط دولته، وأن يفسد الأمر على الإمامعليه‌السلام بإشاعة الأخبار الكاذبة، وإحباط المعسكر الإسلامي وتخويفه، وإحداث البلبلة في صفوفه، وغرس الفتنة في داخل حكومة الإمامعليه‌السلام والوسطين الكوفي والبصري، وأمّا الاغتيال فلعل معاوية كانت تمنيه نفسه باغتيال الإمامعليه‌السلام من ذلك الوقت ليستتب له الأمر، كما يظهر من تحذيره السابق، أو اغتيال بعض الشخصيات الشيعية المهمّة اجتماعياً وعسكرياً حتى تضعف قوة جيش الإمام وتنهار معنوياته، أو هما معاً.

الثاني: إنّ حنكة الإمامعليه‌السلام وحزمه في مواجهة الاُمور اقتضيا أن يسلك طريق الشدّة ممّا أفشل مخطط معاوية المشؤوم، فأمر بإعدام الجاسوسين طبقاً لقوله تعالى:( إنّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقتَّلوا ) (41) .

الثالث: استعداد الإمامعليه‌السلام لحرب معاوية بدون أي تردّد أو خوف، فهذه الأعين القادمة رسل حرب وليست برسل سلام.

١٣٢

الرابع: إنّ معاوية قد شمت بقتل الإمامعليه‌السلام ، وذو الحجى لا ينبغي له أن يشمت بموت أحد أو قتله، لا سيما وأنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام قد ضرب وهو قائم يصلّي في محرابه وقد تعلّقت روحه بالعالم الآخر على يقين ممّا هو عليه قائلاً: «فزتُ وربّ الكعبة ».

• جواب معاوية:

«أمّا بعد فقد وصل كتابك وفهمت ما ذكرتَ فيه، ولقد علمتُ بما حدث فلم أفرح ولم أحزن ولم أشمت ولم آس، وإنّ علياً أباك لكما قال الأعشى:

فأنت الجواد وأنت الذي

إذا ما القلوب ملأن الصدورا

جدير بطعنة يوم اللقا

ء يضرب منها النساء النمورا

وما مزبد من خليج البحا

ريعلو الأكام ويعلو الجسورا

بأجود منه بما عنده

فيعطي الألوف ويعطي البدورا »(42)

وقد علّق على هذه الرسالة أيضاً توفيق أبو علم بقوله: « وتلمس في هذه الرسالة دهاء معاوية وخداعه وخوفه من الحسنعليه‌السلام ، وذلك لمدحه وثنائه على الإمام عليعليه‌السلام ، وإنكاره لما أظهره من الفرح بموته، ولولا ذلك لما سجّل لخصمه هذا الثناء العاطر »(43) .

• الرسالة الرابعة:

كتب معاوية إلى الإمام الحسنعليه‌السلام : « يا بن عم، لا تقطع الرحم الذي بينك وبيني، فإنّ الناس قد غدروا بك وبأبيك من قبلك »(44) .

• جواب الإمامعليه‌السلام :

«إنّما هذا الأمر لي والخلافة لي ولأهل بيتي، وإنّها لمحرّمة عليك وعلى

١٣٣

أهل بيتك، سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله لو وجدتُ صابرين عارفين بحقّي غير منكرين، ما سلمتُ لك ولا أعطيتك ما تريد »(45) .

• ظرف الرسالة:

يقول المؤرخون: لمّا توفرت لمعاوية القوّة الهائلة من الجند وأصحاب المطامع توجّه إلى العراق فلمّا انتهى إلى جسر منبج، وعلم الإمامعليه‌السلام بذلك أمر بالصلاة جامعة ثم اعتلى المنبر فقال:

«أمّا بعد، فانّ الله كتب الجهاد على خلقه وسمّاه كرهاً، ثم قال لأهل الجهاد: اصبروا إنّ الله مع الصابرين، فلستم أيّها الناس نائلين ما تحبّون إلاّ بالصبر على ما تكرهون، إنّه بلغني أنّ معاوية بلغه ما أزمعنا على المسير إليه فتحرّك لذلك، أخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم في النخيلة حتى ننظر وتنظرون ونرى وترون ».

وتباطأ الناس واثّاقلوا عن الذهاب خوفاً من جيش الشام، وبعد مداولات كلامية بين بعض الشخصيات الشجاعة وعامّة الناس أزمعوا على المسير، ثم لمّا ركب الإمامعليه‌السلام تخلّف عنه الكثير ولم يوفوا بما وعدوه به، فقام خطيباً وقال:

«غررتموني كما غررتم مَن كان قبلي، مع أي إمام تقاتلون بعدي؟ مع الكافر الظالم الذي لم يؤمن بالله ولا برسوله قط، ولا أظهر الإسلام هو وبنو اُميّة إلاّ فرقاً من السيف؟ لو لم يبق لبني اُميّة إلاّ عجوز درداء، لبغت دين الله عوجاً، وهكذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

ثم وجّه إليه قائداً من كندة في أربعة آلاف، وأمره أن يعسكر في الأنبار، وعلم به معاوية فأرسل إليه رسلاً وكتب إليه معهم: انّك إن أقبلت إليّ اُولِّك كور الشام والجزيرة، غير منفس عليك، وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم فقبض

١٣٤

الكندي المال وقلب على الإمام الحسنعليه‌السلام ، وصار إلى معاوية في مائتي رجل من خاصّته وأهل بيته.

فبلغ ذلك الإمام الحسنعليه‌السلام فقام خطيباً وقال:

«هذا الكندي توجّه إلى معاوية وغدر بي وبكم، وقد أخبرتكم مرّة بعد مرّة أنّه لا وفاء لكم، أنتم عبيد الدنيا ».

ثم أرسل آخر من مراد وأخبره أنّه سيغدر كما غدر الكندي فحلف له بالإيمان المغلظة التي لا تقوم لها الجبال - على حدّ تعبير المؤرخين -، أنّه لا يفعل، فقال الإمامعليه‌السلام انّه سيغدر، وصدقت نبوءة الإمامعليه‌السلام فيه، ففعل كما فعل الأوّل إزاء ثمن بخس. حينها بعث معاوية إلى الإمام برسالته المتقدّمة.

ظرف رسالة الإمامعليه‌السلام :

ثم انّ الإمامعليه‌السلام أخذ طريق النخيلة فعسكر عشرة أيام فلم يحضره إلاّ أربعة آلاف فانصرف إلى الكوفة فصعد المنبر وقال:

«يا عجباً من قوم لا حياء لهم ولا دين، ولو سلّمتُ له الأمر فأيم الله لا ترون فرجاً أبداً مع بني اُميّة، والله ليسومونكم سوء العذاب حتى تتمنّوا أنّ عليكم جيشاً جيشاً، ولو وجدتُ أعواناً ما سلّمتُ له الأمر، لأنّه محرّم على بني اُميّة فأف وترحاً يا عبيد الدنيا ».

ثم انّ القائد العام لجيش الإمامعليه‌السلام ابن عمّه عبيد الله بن العباس المثكول من معاوية بولديه قد غدر هو الآخر بثلثي مقدمة الجيش الذي سار إلى معاوية.

وكتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية: إنّا معك وإن شئت أخذنا الحسن وبعثناه إليك.

١٣٥

هذه ظرف رسالة الإمامعليه‌السلام ، والذي يظهر من البحار نقلاً عن الخرايج(46) :

أنّ الإمامعليه‌السلام كتبها بعد طعنه في فخذه والهجوم على الفسطاط، والذي يترجّح لمَن يراقب الأحداث أنّها كُتبت بعدما ذكرناه، والرسالة الاُخرى وهي الخامسة تقريباً كانت بعد الهجوم على الفسطاط.

وفي هذه الفترة بالذات نشر معاوية شائعة الصلح بينه وبين الإمامعليه‌السلام في أوساط مقدّمة الجيش، كما نشر شائعة التحاق قيس بن سعد القائد العام لجيش الإمامعليه‌السلام بعد عبيد الله بن العباس بمعاوية في أوساط مَن بقي مع الإمامعليه‌السلام ، ممّا أدى إلى زعزعة جيش الإمامعليه‌السلام وانهيار ما تبقّى عندهم من معنويات، وقد أخذت شائعات معاوية محلها في النفوس المريضة ممّن يحبون الدعة والراحة.

• معطيات الرسالة:

الأوّل: ركّز الإمامعليه‌السلام على عدم شرعية خلافة معاوية، وأنّها محرّمة عليه وعلى أهل بيته - بني اُميّة - كما جاء عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما سوف يحصل لمعاوية إنّما هو ملك لا يلبث أن يزول.

الثاني: إنّ لكثير من الذين مع الإمامعليه‌السلام ليسوا على شيء من ناحية العقيدة، والقليل منهم مَن يعرف الإمامعليه‌السلام حقّ معرفته، وأنّه إمام مُفترَض الطاعة من قِبَل الله يُسمَع له ويُطاع، وهذا ما بيّنه الإمامعليه‌السلام بعد الصلح أيضاً، وانّهم غير صابرين على الحرب، وإلاّ فعلى أسوأ التقادير وعدم الإيمان منهم بأنّه إمام مُفترَض الطاعة فلا أقل أنّه قائدهم وزعيمهم وأميرهم الذي بايعوه.

• الرسالة الخامسة:

كتب معاوية إلى الإمامعليه‌السلام في الهدنة والصلح وأنفذ إليه كتب أصحابه

١٣٦

الذين ضمنوا له الفتك به وتسليمه إلى معاوية، واشترط على نفسه عند استجابته إلى الصلح شروطاً كثيرة وعقد له عقوداً.

• فكتب إليه الإمام الحسنعليه‌السلام بعدما سيأتي من الحوادث في ظروف الرسالة:

«أمّا بعد فإنّ خطبي انتهى إلى اليأس من حقّ أحييه وباطل أميته، وخطبك خطب مَن انتهى إلى مراده، وإنّني اعتزل هذا الأمر، ولي شروط اشترطها لا تبهظك إن وفيت لي بها بعهد، ولا تخف إن غدرت، وستندم يا معاوية كما ندم غيرك ممّن نهض في الباطل، أو قعد عن الحقّ حين لم ينفع الندم، والسلام »(47) .

• ظروف الرسالة:

ذكر الشيخ الصدوق في العلل: دسّ معاوية إلى عمرو بن حريث والأشعث بن قيس وحجر بن الحارث وشبث بن ربعي دسيساً، أفرد كل واحد منهم بعين من عيونه، إنّك إن قتلتَ الحسن بن علي فلك مائتا ألف درهم، وجند من أجناد الشام، وبنت من بناتي، فبلغ الحسنعليه‌السلام فاستلأم ولبس درعاً وكفرها(48) ، وكان يحترز ولا يتقدّم للصلاة بهم إلاّ كذلك، فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يلبث فيه، لما عليه من اللأمة، ثم لمّا صار الإمامعليه‌السلام في مظلم ساباط ضرب الإمامعليه‌السلام بخنجر أو معول مسموم فعمل فيه(49) .

فقال الحسنعليه‌السلام : «ويلكم والله إنّ معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي، وإنّي أظن أنّي إن وضعت يدي في يده فأسالمه لم يتركني أدين لدين جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّي أقدر أن أعبد الله عزّ وجل وحدي، ولكنّي كأنّي أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم، يستسقونهم ويستطعمونهم، بما جعله الله لهم

١٣٧

فلا يسقون ولا يطعمون، فبعداً وسحقاً لما كسبت أيديهم، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون »(50) .

• معطيات الرسالة:

الأوّل: إنّ طلب الإمامعليه‌السلام للخلافة الظاهرية أعني السلطة الزمنية لم يكن هو الهدف والغاية التي يطمح لها، بل كان طلبه لها ما هو أسمى من ذلك بكثير، فإنّ الهدف الأساس للإمامعليه‌السلام إنّما هو إحياء الحق وإماتة الباطل ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، أمّا وقد بلغ الأمر إلى أن يسلم الإمامعليه‌السلام أسيراً إلى معاوية فيقتله أو يطلقه فتكون سبّة على بني هاشم إلى أبد الدهر، أو يقتل غيلة بدون أي فائدة تجنى من وراء ذلك، فالصلح مع معاوية خير وأولى، حفاظاً على نفسه وإبقاء على أهل بيته والخلّص من شيعته، مع الشروط التي ستقيّد معاوية إن هو عمل بها، أو يبقى عار التخلّف عنها صورة ماثلة أمام الأجيال تحكي ما انطوت عليه سريرته من حب المُلك والسلطان بأي طريق أتى ومن أي مسلك حصل.

الثاني: قدّم الإمامعليه‌السلام استعداده للتنازل لمعاوية بالأمر، وإنّه شرّ لمعاوية في معاده، فإنّه جاء إلى الأمر بغير طريقه المشروع وأخذه من أهله بالمكر والخديعة والقهر والغلَبَة.

فلا يعني تنازل الإمامعليه‌السلام عن الخلافة الظاهرية إعطاء الشريعة لمعاوية.

الثالث: إنّ معاوية سوف يندم على سيّئ صنيعه كما ندم غيره ممّن نهض في الباطل أو قعد عن الحق حيث لم ينفع الندم.

وقد علّق الشيخ الصدوقرحمه‌الله على هذه النقطة من كلام الإمامعليه‌السلام بقوله: « فإن قال قائل: مَن هو النادم القاعد؟ قلنا: هو الزبير، ذكره أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ما أيقن بخطأ ما أتاه، وباطل ما قضاه وبتأويل ما عزاه، فرجع

١٣٨

عنه القهقرى، ولو وفى بما كان في بيعته لمحا نكثه، ولكنّه أبان ظاهراً الندم، والسريرة إلى عالمها.

والنادم القاعد عبد الله بن عمر بن الخطاب، فانّ أصحاب الأثر رووا في فضائله بأنّه قال: مهما آسى من شيء فإنّي لا آسى على شيء أسفي على أنّي لم أقاتل الفئة الباغية مع علي. وهذه عائشة روى الرواة أنّها لما أنّبها مؤنّب في ما أتته، قالت:

« قضي القضاء وجفّت الأقلام.

والله لو كان لي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشرون ذكراً مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فثكلتهم بموت وقتل، كان أيسر عليّ من خروجي على ( علي ) ومسعاي التي سعيت فإلى الله شكواي لا إلى غيره ».

وهذا سعد بن أبي وقاص لما أنهي إليه أن علياًعليه‌السلام قتل ذا الثدية، أخذه ما قدم وما أخر، وقلق ونزق وقال: والله لو علمتُ أنّ ذلك كذلك لمشيت إليه ولو حبوا(51) .

هذه آخر الرسائل قبل كتاب الصلح، فيما وجدته بين يدي من مصادر.

• المعطيات الرئيسة للرسائل:

الأوّل: تركيز الإمامعليه‌السلام على شرعية خلافته دون معاوية، وانّه هو الأحقّ بتولّي زعامة المسلمين لما يتمتع به من صفات جسدية ونفسية، ظاهرية ومعنوية، ذاتية ونسبية، مضافاً إلى النص عليه من قِبَل صاحب الرسالة الخاتمة، الذي هو المدار في عملية الاستخلاف الشرعي.

وأمّا معاوية فهو طالب مُلك وسلطان يتمتّع به قليلاً ثم ما يبرح حتى يسأل عن ما اقترفته يداه، وانّ الخلافة محرّمة عليه وعلى أهل بيته بنصّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٣٩

الثاني: إنّ المجتمع الكوفي ولا سيما الجيش المفترض أن يكون هو المعتمد في القيادة وتثبيت أركان الدولة والمحافظة على أمن واستقرار البلاد، لم يكن جيشاً مؤهّلاً لهذه المهام، كما أنّه لم يكن مؤهّلاً للدخول في حرب مع معاوية وأهل الشام المجتمعين على باطلهم - على حدّ تعبير الإمام عليعليه‌السلام -، فإنّه جيش مذبذب قد تنازعته الأهواء وعصفت به رياح الفتن وتناوشته الإشاعات من مكان قريب، ففيه الخوارج الطالبون ثأراً من معاوية، فهم ينتظرون راية تظلهم ينطوون تحت لوائها لإنجاز مهمتهم، ولا يهمّهم - بعد ذلك - الانقلاب على قائدهم بعد ذلك، لا سيما وأن قائدهم هو الإمام الحسنعليه‌السلام بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قاتل آبائهم وإخوانهم وأصحاب الرأي عندهم، وفيه رؤساء القبائل والقادة الذي غرتهم الدنيا بزخارفها فكتبوا إلى معاوية ما كتبوا في شأن الإمام الحسنعليه‌السلام ، وفيه أعين بني اُميّة الذين انبثّوا داخل معسكر الكوفة ليثيروا الإشاعات ويثبّطوا العزائم ويضعّفوا الهمم، وفيه عامّة الناس وغوغاؤهم الذين لم يؤمنوا بالإمام الحسنعليه‌السلام كإمام مفترَض الطاعة، وقد سئموا الحرب وملّوها، فلم تعد عندهم طاقة عليها كما لا صبر لهم على الجهاد، فلم يبق مع الإمامعليه‌السلام ممّن يعرف حقّه إلاّ أفراد قلائل.

وقد حاول الإمامعليه‌السلام بشدّته في رسالته، وصلابته في موقفه، وتوبيخه لهم وخطبه فيهم، أن يرفع من معنوياتهم، وينفخ في نفوسهم العزيمة من جديد، ويضخ في عروقهم الدم الحر، ويبث في قلوبهم الحماس والإقدام، إلاّ انّهم لم يعطوه النصف من أنفسهم فلم يجد لكلامه آذاناً صاغية ولا قلوباً واعية تعي عواقب الاُمور، وتدرك مغبّة الوهن والضعف، فباؤوا بغضب من الله وخسران مبين، وانتهت حالهم إلى أن صاروا أذلاّء تحت سيطرة بني اُميّة يسومونهم سوء العذاب، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وقد صدقت نبوءة الإمامعليه‌السلام في خطبته فيهم.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303