السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام0%

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 293

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

مؤلف: الشيخ علي ربّاني الخلخالي
تصنيف:

الصفحات: 293
المشاهدات: 228507
تحميل: 6702

توضيحات:

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 293 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228507 / تحميل: 6702
الحجم الحجم الحجم
السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

لهفي لهنّ وقد سلبن معاجراً

شعثاً وقد ركبن فوق رواحل

فدعت بعمّتها الزكيّة فاطم

بنت النبي دعاء حزين ثاكل

يا عمّتاه أين الحسين وما بنا

بين العداة كأنّنا من كابل

قالت بصرت له على عفر الثرى

ومترّب ما منه رجاء الآمل

متخضّباً بدمائه متعفّراً

في القاع بين جوامع وعواسل

قالت ألا يا عمّتاه واحسرتا

لشقاء أيتام له وأرامل

يا عمّتا كان الحسين يحوطنا

وبه نصول على الزمان الصائل

يا عمّتا كان الحسين وسيلة

ترجى وقد قطع الزمان وسائلي

يا عمّتا ماذا نؤمل ومن

يعتادنا بعوارف وفواضل

يا عمّتا ليس الصديق بزائر

أبداً وليس عدوّنا بمجامل

يا عمّتا وا شقوتا من بعده

ضغناً فليس لكلّنا من حامل

١٠١

الفصل السادس

ينقل المؤرخون أنّ يزيد اللعين كان قد أعدّ مجلساً احتفالاً بالنصر الظاهري الذي حقّقه ولكي ينال من أهل البيت عليهم السلام في هذا المجلس إلّا أنّه لم يتمكّن من ذلك وانقلب السحر على الساحر حيث تحوّل هذا المجلس إلى محكمة أُصدر فيها حكم جريمته النكراء.

فقد تحوّل النصر إلى هزيمة وانتصرت المظلومية على الطغيان والديكتاتورية الهوجاء ....

ولعلّ خير حكم صدر في هذه الجلسة هو الذي صدر من قبل زوجة يزيد هند التي عاشت تلك الأحداث وشاهدت وقائعها المؤلمة.

ففي التاريخ أنّها لمّا دخلت المجلس تساءلت من يزيد وقالت : هذا رأس الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه واله؟ قال : نعم ، فاذهبي وابكي عليه فخرجت من المجلس مذهولة ساخطة عليه ، وفي واقع الأمر أنّ هذا الأمر يعدّ معجزة من معاجز السيّدة زينب عليها السلام.

ونقل أيضاً أنّ أحد صحابة الرسول صلى الله عليه واله اعترض على الطاغية وقال : سوف تأتي أنت وابن زياد يوم القيامة ويختصم رسول الله صلى الله عليه واله منكما بمحضر هذا الرأس الشريف. وليس هؤلاء فقط بل إنّ كلّ أهل ذلك الزمان خاصّة أهل الشام سخطوا على يزيد الطاغية وتبرّءوا من أفعاله القبيحة التي سوّد بها صفحات التاريخ.

وقد أشارت العقيلة زينب عليها السلام إلى هذه المحاكمة وقالت : ولتردنّ على رسول الله صلى الله عليه واله بما تحمّلت من سفك دماء ذرّيته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته حيث يجمع الله شملهم ويلمّ شعثهم ويأخذ بحقّهم( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ

١٠٢

أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (1) .

وكفى بالله حاكماً وبمحمّد صلى الله عليه واله خصيماً وبجبرئيل ظهيراً.

ومن هنا فإنّ اللعين أمر أن يودع أهل البيت عليهم السلام في خرابة لاتقيهم من الحرّ والبرد حتّى تقشّرت جلودهم نعم هكذا كانت ضيافة الطاغية لأهل البيت عليهم السلام فضلاً عن ضيافة أهل الكوفة لهم حيث إنّهم هتكوا بسوء أفعالهم القبيحة حرمة الإسلام وعمدوا إلى طمس معالم الدين الأصيلة ، ولكن ومع ذلك فإن استقامة السيدة زينب عليها السلام في أسرها وتحدّيها للطواغيت أوصل صوت سيّد الشهداء عليه السلام إلى العالم على مرّ الزمان ولم يجعل الهدف السامي الذي ضحّى من أجله ريحانة رسول الله صلى الله عليه واله بنفسه الزكيّة يذهب سدى(2) .

أهل البيت عليهم السلام في قصر يزيد

عندما أُدخل الأسارى في قصر يزيد اللعين جئن نساء آل أبي سفيان لاستقبال بنات الرسول صلى الله عليه واله وأخذن يبكين وينحن لما جرى عليهنّ ، بل وأخذن يتبركنّ ببنات الرسالة فضلاً عن عقدهنّ مجلساً لمصاب سيد الشهداء عليه السلام مدّة ثلاثة أيّام.

وقيل : أنّهنّ عندما شاهدن بنات الرسالة وهنّ يرتدين الملابس الرثّة أخرج ملابسهنّ وقدّمنها لهم ، وفي بعض الروايات : أنّه لمّا أُدخل أهل البيت عليهم السلام مجلس يزيد اللعين أمر اللعين في نهاية المجلس أن يحضر رأس سيّد الشهداء عليه السلام ليتفرّج النساء عليه إلّا أنّ نساء يزيد لمّا شاهدنّ حال أهل البيت عليهم السلام انشغلن بالعزاء والبكاء على سيّد الشهداء عليه السلام فبهت اللعين وذهب بخزي الدنيا وعذاب الآخرة(3) .

__________________

(1) آل عمران : 169.

(2) پيشواى شهيدان ، تأليف آية الله السيّد رضا الصدر ص 276.

(3) راجع : أنساب الأشرف ج 3 ص 417 ، روضة الواعظين ج 1 ص 191 ، العقد الفريد ج 5 ص 132 ، جواهر المطالب ج 2 ص 273 ، الفصول المهمّة ص 195 ، نور الأبصار ص 12 ، تاريخ الطبري ج 4

١٠٣

شجاعة عمر بن الحسن أمام يزيد

ينقل أنّ يزيد اللعين أحضر الإمام السجّاد عليه السلام وعمر بن الحسن عليه السلام وكان عمره آنذاك إحدى عشر سنة فقال له يزيد : أتقاتل ولدي خالد؟ فقال عمر في جوابه؟ لا ، إنّني غير حاضر لمقاتلته ، وإنّما اعطني وناوله خنجراً وانظر كيف سنتقاتل ، فانشد يزيد اللعين :

شنشنة أعرفها من أخزم

هل تلد الحيّة إلا الحيّة

علماً أنّ هذين المثالين عند العرب تقال لا ستحسان الكلام ونحن نقول في مثل هذا المقام استحساناً لكلام عمر : شبل الأسد كأبيه.

وفي بعض النسخ : أنّ يزيد لمّا قال لعمرو تقاتل خالد؟! أجابه : أعطه خنجراً ، وناولني خنجراً آخراً لنتقاتل.

حديث أُمّ كلثوم مع أُخت يزيد

وفي بعض الروايات : عندما كان أهل البيت عليهم السلام في مجلس يزيد الطاغية جعل رأس سيّد الشهداء عليه السلام كان أمامه لتنظر إليه فاطمة وسكينة ، وقد أمر يزيد اللعين أن تحضر نساءه ويتفرّجن على الأسارى. وفي بعض الأخبار أنّ نساء يزيد لمّا رأين العلويات على تلك الحالة المأساوية قدّمنّ لهنّ الثياب والمقانع إلّا أنّهنّ رفضن قبولهنّ ، وفي خبر آخر أنّ ليزيد أُختاً اسمها هند كانت جاءت عند العلويات وأخذت تتساءل قائلة : من منكنّ أمّ كلثوم أُخت الحسين عليه السلام.

فقالت أُمّ كلثوم : أنا أُمّ كلثوم ابنة الإمام التقي الزكي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت هند : قتلتم ربيعة وأبو جهل وعتبة فانتقم الله منكم وأنزل عليكم هذا البلاء ، فهل نسيتم ماذا صنع أبوكم بآبائنا؟!

__________________

ص 353 ، تذكرة الخواص ص 265 ، الكامل في التاريخ ج 4 ص 86 ، مقتل الخوارزمي ج 2 ص 73 ، البداية والنهاية ج 8 ص 197 ، تسلية المجالس ج 2 ص 399 ، البحار ج 45 ص 142.

١٠٤

فأجابتها السيّدة أُمّ كلثوم قائلة : ايه يا ابنة آكلة الأكباد ، إنّه ليس هناك نساء كنسائكم المشهورات بالفجور ، وليس هناك رجال كرجالكم عبدة الأوثان والأصنام ، ألم يكن أبوك أبو سفيان الذي كان يجيّش الجيوش ضدّ رسول الله صلى الله عليه واله؟!

وألم تكن أُمّك هند التي عرضت نفسها على وحشي ليقتل حمزة سيّد الشهداء ، ولمّا قتله أكلت كبده؟!

وألم يكن والدك معاوية الذي حمل السلاح في وجه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام؟

وأو ليس يزيد اللعين أخيك قاتل سيّد شباب الجنّة وريحانة رسول الله صلى الله عليه واله الذي كان جبرئيل ومكائيل خادميه ظلماً وعدواناً؟!

ولمّا سمعت هذا الكلام الشديد اللهجة من أُمّ كلثوم سكتت وحارت ماذا تجيبها(1) .

كلام السيّدة سكينة لابنة يزيد

وكان ليزيد اللعين ابنة اسمها عاتكة كانت حاضرة في مجلس أبيها وتساءلت من العلويات فقالت : من منكنّ سكينة؟ فقالت السيّدة سكينة عليها السلام : أنا ابنة من قتلتموه انتقاماً لكفّار بدر ، أُف لكم أتهزؤون وتسخرون بنا؟!ٍ

فقالت عاتكة : أنا ابنة يزيد صاحب الرئاسة والعزّة ومقيم الحقّ ، وإذا بالسيّدة سكينة تجيبها قائلة : بمن تفخرين؟! أتفخرين بأبيك قاتل ذرّية الرسول صلى الله عليه واله؟! أم بأُمّك التي مكّنت نفسها من غلام ....

فبأيّهما تفخرين ، ألا لعنك الله ولعن أباك ، ولمّا سمعت ابنة يزيد هذه الشجاعة من السيّدة سكينة أُلقمت حجراً ولم تنبس ببنة شفة(2) .

__________________

(1) راجع اكسير العبادات في أسرار الشهادات للدربندي ج 3 ص 424 ـ 425.

(2) راجع : اكسير العبادات في أسرار الشهادات ج 3 ص 425.

١٠٥

الرأس يقرأ القرآن

عن المنهال بن عمرو قال : والله رأيت رأس الحسين بن علي عليه السلام حين حمل وأنا بدمشق وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف حتّى بلغ قوله :( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً ) (1) ، قال : فأنطق الرأس بلسان ذرب فقال : أعجب من أصحاب الكهف قتلي حملي(2) .

يا شيخ أما قرأت القرآن؟

عندما دخل أهل البيت عليهم السلام الشام دخلوها من باب يقال له «توما» ثمّ أُتي بهم حتّى وقفوا على درج باب المسجد حيث يقام السبي ، وإذا بشيخ قد أقبل حتّى دنا منهم وقال : الحمدلله الذي قتلكم وأهلككم ، وأراح الرجال من سطوتكم ، وأمكن أمير المؤمنين منكم. فقال له الإمام علي بن الحسين عليهما السلام : يا شيخ هل قرأت القرآن؟

فقال : نعم قرأته.

قال : فعرفت هذه الآية :( قُلْ لَا أَسْأَلَكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (3) ؟

قال : قد قرأت ذلك.

فقال علي بن الحسين عليهما السلام فنحن القربى يا شيخ!

قال : فهل قرأت في :( وَآتِ ذَالْقُرْبَى حَقَّهُ ) (4) ؟

فقال الشيخ : قد قرأت ذلك.

__________________

(1) سورة الكهف : 9.

(2) راجع تاريخ دمشق ج 17 ص 246 ، الخرائج ج 2 ص 577 ، الثاقب في المناقب ص 333 ، الخصائص الكبرى ج 2 ص 172 ، بحارالأنوار ج 45 ص 188 ، الصراط المستقيم ج 2 ص 196 ، نور الأبصار ص 135 ، إثبات الهداة ج 5 ص 193 ، العوالم ج 17 ص 412.

(3) سورة الشورى : 23.

(4) سورة الإسراء : 26.

١٠٦

فقال الإمام عليه السلام : نحن القربى يا شيخ!

ولكن هل قرأت هذه الآية :( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (1) فنحن ذوالقربى يا شيخ.

وهل قرأت هذه الآية :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (2) ؟

فقال الشيخ : قد قرأت ذلك.

فقال : فنحن أهل البيت الذي خُصصنا بآية الطهارة.

فبقي الشيخ ساعة ساكتاً نادماً على ما تكلّمه ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهمّ إنّي تائب إليك تكلّمته ومن بغض هؤلاء القوم ، اللهمّ إنّي أبرأ إليك من عدوّ آل محمّد من الجنّ والإنس(3) .

وقيل : إنّ سبعين رجلاً من مشايخ دمشق أقسموا بالطلاق والعتاق والحجّ أنّهم كانوا يتصوّرون أنّ رسول الله صلى الله عليه واله راضٍ عن أفعال يزيد ، ولذا كانوا يبكون ويعتذرون من الإمام طالبين منه العفو فعفا عليه السلام عنهم.

يقول هندوشاه النخجواني في كتاب «تجارب السلف» : بلغ الأمر أنّ الشامي كان يقول للإمام السجّاد عليه السلام أُقسم بالله إنّني كنت أعتقد أنّ رسول الله صلى الله عليه واله لم يكن راضٍ عن أحد كرضا يته عن يزيد وأهل بيته.

ولذلك أقبل إلى الإمام السجّاد عليه السلام وهو باكي معتذراً عمّا بدى منهم من اساءة.

شلّت يمينك يا يزيد

قيل إنّ السيّدة سكينة عليها السلام قالت : إنّني لم أر أقسى من يزيد اللعين ، حيث كان

__________________

(1) سورة الأنفال : 41.

(2) سورة الأحزاب : 33

(3) أمالي الصدوق ص 230.

١٠٧

يضرب ثناي والدي أمامنا ، ولذا لم أطق تحمّل هذا العمل الشنيع منه وألقيت بنفسي على الرأس الشريف مخاطبة يزيد : ما ذنب هذا الرأس حتّى تضربه؟! فتعجّب يزيد اللعين من جرأتها وتساءل قائلاً : من أنت؟ فقلت : أنا سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام(1) .

ارفع يدك يا يزيد

عندما أُدخل الأسارى في مجلس يزيد «اللعين وابن اللعين» خاطبه الإمام السجّاد عليه السلام قائلاً : ما ظنّك يا يزيد بجدّي رسول الله صلى الله عليه واله لو رآنا على هذا الحال ماذا تجيبه؟! ولمّا سمع يزيد هذا الكلام من الإمام عليه السلام أمر بفكّ الأغلال والقيود منهم وأشار على النساء أن يجلسن.

وفي بعض الأخبار أنّه لعنه الله أمر بمقراض من حديد وأخذ بيده المشؤومة يقصّ الأغلال التي في عنق الإمام السجّاد عليه السلام ويقول له : لاأُريد أن يمنّ عليك أحد غيري.

ثمّ إنّه أمر يحضروا طشتاً من ذهب ويضعوا رأس سيّد الشهداء ءعليه السلام فيه ، ولمّا شاهدت عقيلة الهاشميين هذا المنظر صاحت بصوت يفتّ الصخر : يا حسيناه ، يا حبيب رسول الله صلى الله عليه واله ثمّ صاحت ثانية : يا أبا عبدالله ، عزيز عليَّ أن أراك على هذا الحال ، عزيز عليك تنظر حالي اليوم.

وبعد أن فرغت العقيلة زينب عليها السلام من خاطبها احتضنت الرأس الشريف ، وإذا بنور يسطع من نحو السماء أدهش جميع الحاضرين.

وفي بعض الأخبار : أنّ شفتي سيّد الشهداء عليه السلام أخذ يتلو قوله تعالى :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (2) .

ولذا فإنّ يزيد اللعين أحسّ أنّه سيفتضح فحاول أن يشغل الحاضرين عن هذه

__________________

(1) راجع أمالي الصدوق ص 230 ، بحار الأنوار ج 45 ص 154 ، روضة الواعظين ج 1 ص 191.

(2) سورة الشعراء : 227.

١٠٨

المعجزة فلم يجد مفرّاً من هذه الفضيحة إلّا أن يأخذ عود الخيزران ويضرب ثنايا سيّد الشهداء عليه السلام.

وبينما هو كذلك إذا بـ «أبو برزة الأسلمي» يقف في وجهه ويقول له : ارفع يدك يالعين عن هاتين الشفتين.

ولا يخفى أنّ أبا برزة الأسلمي كان من صحابة رسول الله صلى الله عليه واله ، وقد سكن الشام سنين عديدة إلّا أنّه كان ملازم لداره لا يخرج منها مع أنّ معاوية السوء حاول كثيراً الالتقاء به إلّا أنّه لم يعبأ به بل لم يكن يقبل هداياه وجوائزه الكثيرة التي كان يبعثها إليه بين الحين والآخر.

ومع ذلك لمّا سمع أنّ أهل البيت عليهم السلام قد أُدخلوا في مجلس يزيد خرج من منزله وجاء إلى قصر الطاغية ليدافع عن حرم الله.

ولذلك عندما شاهد هذا العمل الشنيع من يزيد الطاغية لم يتحمّل السكوت واتّكأ على عصاه وقال : الويل لك يا يزيد ، أتضرب ثنايا أبي عبدالله عليه السلام؟ لطالما رأيت رسول الله صلى الله عليه واله يقبّلهما ويقول في حقّه وأخيه : «أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة ، قاتل الله قاتلكما».

وما أن سمع يزيد الطاغية هذا الكلام من أبي برزة استشاط غضباً وأمر جلاوزته بإخراجه ثمّ عاد يضرب ثنايا أبي عبدالله عليه السلام أكثر ، وفيما هو كذلك إذا بغراب يحوم حول قصره وهو ينعق ، فتشاءم اللعين من نعيقه وارتعدت فرائصه واختطف لونه(1) .

وكما في رواية سهل : أنّه لمّا جعل رأس سيّد الشهداء عليه السلام في طشت من ذهب وغطّوه بمنديل وجلس الطاغية أمامه شامتاً نعق الغراب فأنشد يزيد أشعاره الدالّة على كفره بالله تعالى.

وبينما كان يزيد مخطوف اللون شاحب الوجه من نعيق الغراب دخل عليه عالم

__________________

(1) بحار الأنوار ج 45 ص 133 مع اختلاف في العبارة.

١٠٩

اليهود رأس الجالوت ، والذي اتّخذه يزيد طبيباً له ، فتساءل منه قائلاً ، رأس من هذا؟ فقال رأس أحد الخوارج ، قال رأس الجالوت : وما اسمه؟ قال : حسين. قال : ولماذا قتلته؟ قال : نازعني في خلافتي وأراد أن يغتصبها منّي. فقال اليهودي بعد أن عرف من هو الإمام الحسين عليه السلام : لقد كان أليق بالخلافة منك ، وأعلم يا يزيد إنّ بيني وبين نبي الله داود واسطة أربعين جدّاً ومع ذلك فإنّ اليهود يعظّموني ويتبرّكون بي ، أمّا أنتم فبالأمس قد كان نبيّكم بينكم واليوم تقتلون أولاده وتنتهكون حرمته ، ثمّ حمل سيفه وهمّ بقتل يزيد إلّا أنّ الحرس حالوا دون ذلك ، ولمّا يأس اليهودي من الظفر بقتل الطاغية انعطف على الرأس الشريف وأخذ يقبّله ويقول : لعن الله قاتليك ، وكان جدّك رسول الله صلى الله عليه واله خصمهم يوم القيامة.

سيّدي عزيز عليَّ أن تقتل ولا أُناصرك وأُستشهد بين يديك.

سيّدي أبلغ سلامي إلى جدّك رسول الله صلى الله عليه واله وأخبره عن إيماني برسالته.

وفيما هو يخاطب الرأس الشريف التفت إليه يزيد وقال : لو لم يكن لي حاجة بمعالجتك لقتلتك شرّ قتلة ، فأجابه اليهودي قائلاً : أُقسم بالله أنّني لن أُعاجلك بعد اليوم أبداً فاستشاط يزيد من كلامه غضباً وأمر الجلّاد أن يضرب عنقه(1) .

أمثل رأسك يضرب بالسياط؟

يقول هلال بن معاوية : رأيت حامل رأس الإمام الحسين عليه السلام يحمل الرأس الشريف والرأس يخاطبه : فرّقت بيني وبين جسدي فرّق الله لحمك وجعلك آية للناس فاغتاظ اللعين ورفع سوطه وجعل يضرب الرأس الشريف حتّى سكت.

__________________

(1) راجع كلّ من : تذكرة الخواص ص 261 ـ 262 ، تهذيب الكمال ج 6 ص 428 ، تاريخ الطبري ج 4 ص 293 ، سير أعلام النبلاء ج 3 ص 309 ، البداية والنهاية ج 8 ص 194 ، أنساب الأشراف ج 3 ص 416 ، الملهوف ص 214 ، مثير الأحزان ص 100 ، بحار الأنوار ج 45 ص 132 ، مقتل الخوارزمي ج 2 ص 52.

١١٠

ونقل العلّامة المقرّم قدس سره : عندما شجب مبعوث ملك الروم جنايات يزيد أمر اللعين بقتله فنظق الرأس الشريف بلسان فصيح وقال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله.

ونقل العلّامة المقرّم أيضاً فقال : عندما نصب الرأس الشريف على شجرة اجتمع الناس حوله من كلّ صوب وشاهدوا كيف يسطع النور منه وهو يردّد قائلاً :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (1) .

وقد سمع سلمة بن كهيل الرأس الشريف يقرأ قوله تعالى :( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (2) وهناك الكثير من القصص المشابهة لمثل هذه الوقائع ومنها قصّة يحيى الحراني التي مرّ ذكرها.

نصب الرأس الشريف في الشام

بعد أن تجاسر يزيد الطاغية على رأس سيّد الشهداء عليه السلام وصنع ما صنع أمر أن ينصب في مسجد الجامع في دمشق في نفس المكان الذي نصب فيه رأس نبي الله يحيى ابن زكريا عليهما السلام(3) .

امرأة تستشهد بعد الحسين عليه السلام

يقول أحد الرواة : كنت عند يزيد ، فدخلت عليه امرأة لم أر مثلها في وقارها وعفّتها وبمجرّد أن رأت المرأة الرأس الشريف موضوعاً أمام يزيد التفتت إليه وقالت : رأس من هذا؟ قال : رأس الحسين بن علي عليهما السلام. فقالت : أُقسم بالله أنّه ليعزّ على جدّه رسول الله صلى الله عليه واله وأُمذه فاطمة ووالده علي بن أبي طالب عليهم السلام أن يرونه على هذا الحال.

والله لقد رأيت البارحة في عالم الرؤيا أنّ أبواب السماء قد فتحت وهبط خمسة

__________________

(1) سورة الشعراء : 227.

(2) سورة البقرة : 137.

(3) راجع : سيرة أعلام النبلاء ج 3 ص 319 ، الاتحاف بحبّ الأشراف ص 69 ، جواهر المطالب ج 2 ص 299 ، بحارالأنوار ج 45 ص 145.

١١١

من الملائكة في أيديهم من نار وهو يقولون : لقد أمرنا الله عزّوجلّ بحرق دار يزيد.

وما أن سمع اللعين هذا الكلام إذا به يغتاظ وتنتفخ أوداجه ويقول : الويل لك ، فوالله لأقتلنّك شرّ مقتلة.

فقالت المرأة ، وماذا أصنع لتعفو عنّي؟! قال يزيد : تصعدين المنبر وتنالين من علي وأولاده. قالت : لا بأس ، عليك بجمع الناس.

فارتقت المرأة المنبر وخاطبت الناس قائلة : أيُّها الناس إنّ يزيد أمرني أن أنال من علي بن أبي طالب عليهما السلام والحال أنّه ساقي العطاشى يوم المحشر من نهر الكوثر وهو حامل لواء رسول الله صلى الله عليه واله ووالد السبطين الحسن والحسين عليهما السلام سيّدا شباب أهل الجنّة.

أيّها الناس اسمعوا ما أقول لكم : ألا لعنة الله وجميع اللاعنين على يزيد وكلّ من تابع وشايع في قتل سيّد الشهداء عليه السلام وصلّى الله على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى قيام يوم الدين حييت على ذلك وأموت عليه إلى يوم البعث. وإذا بيزيد يمتلأ غيظاً من كلامها ويقول : من هذه المرأة؟! خذوها ، فنهض لعين من أتباعه وشهر سيفه وقتلها.

وفي بعض الأخبار أنّ هذه المرأة كانت زوجة يزيد استيقظت من النوم بعد أن رأت رؤيا عجيبة جعلتها تلطم على وجهها وتشقّ ثيابها الفاخرة وهي تخاطب يزيد ببكاء ونحيب قائلة : دع عنك يايزيد ظلم ذرّية فاطمة عليهم السلام ثمّ قصّت رؤياها التي رأتها في المنام(1) .

وقد نقل أبو مخنف هذه القصّة بشكل آخر فلتراجع.

مصرع حامي الرأس الشريف

يقول منصور بن الياس : بعد أن زيّنت الشام فرحاً بورود السبايا أراد حامل الرأس الشريف الدخول إلى المدينة فلم يطاوعه جواده ، فأمر بجواد آخر فلم يطاوعه هو الآخر

__________________

(1) تذكرة الشهداء ص 419.

١١٢

فأمر بجواد ثالث وراجع فلم يطاوعه منها أحد حتّى أوشك الرأس الشريف على الوقوع فهبّ إبراهيم الموصلي لحفظ الرأس خشية أن يقع إلّا أنّ أهل الشام اللعناء حملوا عليه وقتلوه انتقاماً منهم لاحترامه الرأس المقدّس(1) .

محادثة بين الرأس والعليل

نقل أبو فراس في «شرح الوافية» فقال : عندما طلب الإمام السجّاد عليه السلام من يزيد أن يريه رأس أبيه كان اللعين يرفض بشدّة وقد غطّى الرأس بمنديل.

وبينما هما على ذلك الحال إذا بالرأس الشريف يخاطب الإمام السجّاد عليه السلام بعد أن ارتفع المنديل جانباً : السلام عليك يا ولدي يا علي ، فأجابه الإمام السجّاد عليه السلام قائلاً : وعليك السلام ورحمة الله يا أبتاه ، لقد أُيتمت على صغر سنّي ، وفرّق بيني وبينك وإنّي ماضٍ إلى حرم جدّنا رسول الله صلى الله عليه واله فأودعك الله(2) .

الرأس الشريف يصبّر العقيلة

ورد في بعض مقاتل العامّة : أنّ أهل البيت عليهم السلام لمّا دخلوا الشام التفتت العقيلة زينب إلى شمر وقالت : مرّ بنا من الطرق الفارغة إلّا أنّه لم يعتن بها ومرّ بهم من الطرق المزدحمة ، فاغتاظت العقيلة زينب عليها السلام وأمرت الأرض أن تبلعه ، فابتلعت نصف بدنه إلّا أنّ سيّد الشهداء عليه السلام حال دون هلاكه حيث أوصى الرأس الشريف العقيلة بالصبر فقال : أُختاه ، اصبري لقضاء الله ، فأمرت العقيلة عليها السلام الأرض أن تلفظه فلفظته(3) .

وزينب تدعو بالحسين وقلبها

حزين لفقدان السلو ثكول

أخي يا أخي قد كنت عزّي ومنعتي

فأصبح عزّي فيك وهو ذليل

__________________

(1) كامل البهائي ج 2 ص 292.

(2) راجع اكسير العبادات في أسرار الشهادات ج 3 ص 612 ، مثير الأحزان لابن نما ص 106 مع اختلاف في النقل.

(3) شهيد كربلا ج 2 ص 328 نقلاً عن الخصائص الزينبية للجزائري ص 120.

١١٣

أخي يا أخي لم أُعط سؤلي ولم يكن

لأختك مأمول سواك وسول

أخي لو ترى عيناك ما فعل العدا

بنا لرأت أمراً هناك يهول

ترانا سبايا كالإماء حواسراً

يجدّ بنا نحو الشام رحيل

أخي لاهنتي بعد فقدك عيشتي

ولا طالب لي حتّى الممات مقيل

فإن كنت أزمعت المغيب فقل لنا

أما لك من بعد المغيب قفول

أقول كما قد قال عنّي والدي

وأدمعه بعد البتول همول

أرى علل الدنيا عليَّ كثيرة

وصاحبها حتّى الممات عليل

لكلّ اجتماع من خليلين فرقة

وإنّ بقائي بعدكم لقليل

مَن المنتصر؟

ينقل أنّ إبراهيم بن طلحة بن عبدالله عندماسمع بقدوم الأسارى خرج لاستقبالهم ، وبعد أن رأى الإمام السجّاد عليه السلام قال له مستهزأً : من الذي غلب؟

وكما في بعض الأخبار أنّ الإمام عليه السلام كان مطأطأ رأسه ولمّا سمع كلامه الجارح التفت إليه وقال : إذا أردت أن تعرف من الغالب عليك أن تسمع صوت المؤذّن إذا حان وقت الصلاة ، إشارة إلى أنّ الغالب هو من يهتف باسمه بعد لفظ الجلالة كلّ يوم خمس مرّات ألا وهو جدّ العترة الطاهرة محمّد صلى الله عليه واله.

ولا يخفى أنّ إبراهيم هذا كان من أنصار طلحة والزبير في حرب الجمل ضدّ أمير المؤمنين عليه السلام.

إنّهم إحياء يرزقون

يقول الحارث بن الوكيدة : كنت فيمن حمل رأس الحسين بن علي عليه السلام ، وفي بعض الطريق سمعته يقرأ سورة الكهف فتحيّرت وبقيت مذهولاً ، وإذا بالرأس الشريف يخاطبني قائلاً : يابن وكيدة ، ألا تعلم أنّنا معشر ـ الأئمّة ـ أحياء عند ربّنا نرزق؟ فقلت في نفسي : أسرق رأسه ، وإذا بالرأس يخاطبني قائلاً : تب إلى الله ، فإنّك لن تصل إلى

١١٤

مرادك(1) ، فإنّ اراقة دمي أعظم من رأسي ، ثمّ تلا قوله تعالى :( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الْأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ ) (2) .

وفي كتاب المناقب لابن شهر آشوب : أنّ رأس سيّد الشهداء عليه السلام عندما نصب على شجرة كان يقرأ هذه الآية :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (3) .

وقال ابن شهر آشوب أيضاً : إنّ رأس الإمام الحسين عليه السلام في بعض زقاق الكوفة كان يقرأ قوله تعالى :( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) (4) .

يزيد يأمر بقتل الإمام السجّاد عليه السلام

ينقل المؤرخون : أنّ يزيد اللعين قال للإمام السجّاد عليه السلام في بعض مجالسه : إنّ أباك قطع رحمي ونازعني ملكي ولم يراعِ فيَّ حقّ فصنع الله به ما صنع.

فأجابه الإمام السجّاد عليه السلام : يابن معاوية وهند! ما زالت النبوّة والملك تحطّ رحالها في بيوتنا وبيوت أجدادنا من قبل أن تولد إلى يومنا هذا.

ألم تكن راية رسول الله صلى الله عليه واله يوم بدر وأُحد والأحزاب في يد جدّي أمير المؤمنين عليه السلام؟!

أو ليس أنّ راية الكفر والضلال كانت في أيادي أجدادك؟!

فالويل لك يا يزيد ، لو كنت تعلم عظيم ما ارتكبه في حقّنا لما هنا لك العيش ولهمت على وجهك في الصحاري ولأفترشت الرمال ولقضيت العمر كلّه في الحسرة والندامة.

__________________

(1) راجع : اكسير العبادات في أسرار الشهادات ج 3 ص 256.

(2) سورة مؤمن : 71.

(3) سورة الشعراء : 227.

(4) سورة الكهف : 13.

١١٥

أما تستحي ، رأس ابن بنت رسول الله صلى الله عليه واله وفلذة كبد المصطفى ينصب في بلادك؟! ولما سمع يزيد اللعين هذا الكلام امتلأ غيظاً وتطاير الشرر من عيناه وأومأ إلى أحد جلاوزته أن يأخذ الإمام عليه السلام إلى أحد البساتين ويضرب عنقه ، وبالفعل فقد قاد اللعين الإمام إلى بعض البساتين وأخذ يحفر له قبراً بينما اشتغل الإمام بالصلاة ، وبعد أن فرغ اللعين من تجهيز القبر همّ بقتل الإمام عليه السلام إلّا أنّ يداً من السماء صَفَعَته صفعةً فصاح صيحة شديدة وهوى إلى الأرض ميّتاً.

الملفت للانتباه أنّ خالد بن يزيد كان يشرف على قتل الإمام عليه السلام ، ولمّا شاهد هذه الكرامة هرع إلى والده وقصّ عليه القضيّة فأمر اللعين أن يُدفن الجلّاد في نفس القبر الذي حفره بيديه وأشار على بعض جلاوزته أن يعيدوا الإمام عليه السلام إلى مجلسه(1) .

جد ياجد لو رأيت عليّاً

ناحلاً والسقام قد أضناه

لو تراه بقيد وهو يبكي

بين قوم لا يرحمون بكاه

وإذا ما رأى أُمّ كلثوم نادى

أتعبوني بالقيد يا عمّتاه

فبكت رحمة له أُمّ كلثوم

وأجابت من بعد ذاك نداه

ثمّ قالت له ألا إنّ ذا الحال

عزيز لجدّنا أن يراه

وعزيز لعيه أن لو يرى اليوم

بعينيه بعض ما نلناه

لو يرانا ونحن فوق المطايا

عند رجس نسير في مسراه

وإذا ما وقفن في السير عنه

ساعة لم يكف عنّا أذاه

طالباً للشآم نحو يزيد

جعلت في جهنّم مثواه

ثمّ لمّا أتيته في دمشق

بهت الرجل إذ رأت عيناه

__________________

(1) راجع ارادتهم قتل الإمام السجّاد في كلّ من : المناقب ج 4 ص 173 ، تذكرة الخواص ص 258 ، إعلام الورى ص 247 ، بحار الأنوار ج 45 ص 200 ، إثبات الوصيّة ص 145 ، البداية والنهاية ج 8 ص 198 ، تاريخ دمشق ج 19 ص 420 ، تاريخ الإسلامي للذهبي ج 3 ص 12.

١١٦

رأس سبط النبي فوق قناه

والسبايا يصحن واسنداه

ثمّ قال الزنيم ويل ابن مرجان

على الطاهرين ما أعداه

ويحه ما أشدّه من عتلّ

ويحه في الفعال ما أقساه

كنت أرضى بدون ذا الفعل منه

لكن الأمر ما أراد الله

ودعا الرجس بعد ذاك بالرأس

فأُتي به فلمّا رآه

ساطعاً بالضيا تعجّب منه

ثمّ منه تعجّبت جلساه

وعلا بالقضيب رأس حسين

ثمّ في طست عسجد ألقاه

وانثنى الرجس ثمّ أنشد شعراً

وترنّم وقال في منشاه

ليت أشاخنا تشاهد ذا اليوم

الذي قد أسرّنا لقاه

يا لها اليوم فرحة وسروراً

حيث نال الصديق فيه مناه

فعلى الطاغي اللعين يزيد

لعنة الله دائماً تغشاه

فالعنوه ببكرة وأصيل

فلقد طال في المعاد شقاه

والعنوا ما استطعتم ابن زياد

وابن سعد ومن سعى في رضاه

فلقد باع دينه من يزيد

بالزهيد القليل من دنياه

جدّدوا اللعن ما بقيتم عليه

وأطيلوا مدى الزمان سجاه

فلعنهم من المهيمن لعن

ليس يفنى ولا يزول بقاه

رواية أُخرى

نقل الشيخ المفيد والسيّد ابن طاووس وغيرهما بطرق مختلفة عن فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام أنّها قالت : عندما أدخلونا في مجلس يزيد اللعين رقّ لنا في بادئ الأمر فقام رجل من أهل الشام وقال له : يزيد هب لي هذه الجارية ، فلذت بعمّتي زينب وخاطبتها : عمّة ايتمت واستخدم بعد والدي؟! فقالت : إنّ هذا ليس له ولا لأميره ، فقال يزيد : بل إنّه لي. فقالت عمّتي زينب : إلّا أن تخرج من ملّتنا وتدين بغيرها. فغضب اللعين وقال : بل خرج من الدين أبوك وأخوك.

١١٧

فقالت العقيلة : بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وأبوك إن كنت مسلماً. فأجابها يزيد : كذبت يا عدوّة الله ، فعزّ على العقيلة هذا الكلام وآلمها وقالت : أنت أمير تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك ، فاستحى اللعين وسكت.

فأعاد الشامي قوله : يزيد ، هب لي هذه الجارية.

فنهره يزيد وأشار عليه بأن اسكت قاتلك الله.

وفي رواية أُخرى : أنّ أُمّ كلثوم خاطبة الشامي قائلة : اسكت فظّ الله فاك وأخذ الذي فيه عيناك وسقاك حرّ الجحيم ، اتستخدم أولاد الأنبياء وتدّعي أنّك ولد حلال؟!

ولم تفرغ السيّدة أُمّ كلثوم عليها السلام من دعاءها وإذا بالشامي يعجز عن الكلام ويفقد بصره ، فحمدت الله تعالى على إجابة دعوتها وقالت : الله أحمد الذي أراني عقوبة من يتعرّض لأبناء الرسالة في هذه الدنيا.

وفي رواية ابن طاووس : أنّ الشامي سأل من يزيد مرّتين فقال : من هذه؟ فقال : فاطمة ابنة الحسين وهذه عمّتها زينب بنت علي بن أبي طالب ، فقال الشامي : ابنة الحسين بن علي بن أبي طالب؟ قال يزيد : نعم ، وإذا به يرتعد ويقول : لعنك الله يا يزيد ، تقتل أولاد الرسول صلى الله عليه واله وتأسر ذرّيته؟! والله لقد ظننت أنّهم أُسارى من الافرنج.

فقال يزيد : والله لألحقنّه بالحسين بن علي وأمر الجلّاد أن يضرب عنقه ثمّ أشار على حرسه أن يودعوا أهل البيت عليهم السلام السجن(1) .

__________________

(1) راجع القضية على اختلاف العبارات في كلّ من الإرشاد ج 2 ص 121 ، مقتل الخوارزمي ج 2 ص 62 ، روضة الواعظين ج 1 ص 192 ، مثير الأحزان ص 100 ، إعلام الورى ص 249 ، الاحتجاج ج 2 ص 131 ، تذكرة الخواص ص 246 ، الملهوف ص 218 ، جواهر المطالب ج 2 ص 295 ، تسلية المجالس ج 2 ص 385.

١١٨

من معاجز الإمام السجّاد عليه السلام

ينقل أنّ أحد الصيّادين وكان يحمل غزالاً صغيراً وإذا به يشاهد الأُسارى والأطفال فوقف هنيئة ليتفرّج عليهم.

ولمّا شاهد الأطفال الغزال الصغير جاءوا إلى الإمام السجّاد عليه السلام وقالوا له : نريد غزالاً ، فقال الإمام عليه السلام للصيّاد : أتبيع هذا الغزال؟! قال : نعم ، ولكن لن أبيعه إلّا ليزيد ، فهو غزال جميل وإذا بعته ليزيد فسيكرمني ويحسن إليّ في عطائه.

فقال الإمام عليه السلام : بعه إليّ وبأيّ ثمن تريد ، فتعجّب الصيّاد وبقى متحيّراً من كلام الإمام عليه السلام ، وبينما هو كذلك إذا بالإمام عليه السلام يأخذ بعض الحجارة الصغيرة وناولها إيّاه ، حقّق الصيّاد فيما أعطاه الإمام عليه السلام فوجدها مجموعة من الجواهر الثمينة فلم يجد بدّاً من أن يقدّم الغزال للإمام عليه السلام ويرحل.

ثمّ إنّ خبر الغزال شاع في الشام ووصل إلى يزيد اللعين ، فطلب الصيّاد وأمره أن يقصّ عليه الحدث.

وحيث إنّ الصيّاد أصبح من الموالين الخلّص للإمام عليه السلام بعد مشاهدته لكرامته العجيبة فقد نقل القضية وأكّد أمام الملأ على كرامة الإمام السجّاد عليه السلام عند الله تعالى ولذا فإنّ يزيد أمر بقتله وإخفاء أمره حتّى لا يطّلع الناس على هذه الكرامة. ولم تمض سوى أيّام قليلة إذا بخبر قتل الصيّاد يصل إلى الإمام السجّاد عليه السلام ، فجاء إلى قبره وأشار إليه وقال : قم بإذن الله ، فخرج الصيّاد من قبره سالماً كأن لم يكن به شيء أصلاً(1) .

خطبة العقيلة زينب عليها السلام

عندما كان يزيد يهزأ بأهل البيت عليهم السلام ويتغطرس بأنفه شامتاً تصدّت العقيلة زينب عليها السلام إليه بخطبتها الغرّاء وكشفت للعالم بأسره شدّة طغيانه وانحرافه فقالت عليها السلام :

__________________

(1) من الرسول صلى الله عليه واله إلى الإمام زين العابدين عليه السلام تأليف الشيخ علي الفلسفي.

١١٩

«الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد المرسلين ، صدق الله تعالى إذ يقول( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ ) (1) أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء وأصبحنا نساق كما تساق الأُسارى أنّ بنا على الله هواناً ، وبك عليه كرامة؟ وأنّ ذلك لعظم خطرك عنده؟! فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك ، جذلان مسروراً ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والأُمور لك متّسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا ، فمهلاً مهلاً! أنسيت قول الله تعالى :( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) (2) .

أمن العدل يابن الطلقاء(3) تخديرك إماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا؟! قد هتكت ستورهنّ ، وأبديت وجوههنّ ، يحدى بهنّ من بلد إلى بلد ، ويستشرفهنّ أهل المناهل والمناقل ، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد ، والدنيّ والشريف ، ليس معهنّ من رجالهنّ ولي ، ولا من حماتهنّ حميّ. وكيف تُرجى المراقبة من لفظ فوه أكباد السعداء(4) ، ونبت لحمه بدماء الشهداء؟!

وكيف لا يستبطئ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان؟! ثمّ تقول غير متأثّم ولا مستعظم :

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً

ثمّ قالوا : يا يزيد لا تشل

منتحياً على ثنايا أبي عبدالله عليه السلام تنكتها بمخصرتك؟

__________________

(1) الروم : 10.

(2) آل عمران : 178.

(3) هذه إشارة إلى قول رسول الله صلى الله عليه واله لأبي سفيان جدّ يزيد الذي عفا عنه الرسول صلى الله عليه واله هو وأتباعه فقال صلى الله عليه واله : «إذهبوا فأنتم الطلقاء» ز

(4) هذه إشارة إلى هند آكلة الأكباد حيث إنّها مثّلث بحمزة سيّد الشهداء عليه السلام فأخرجت كبده وحاولت أن تأكله إلّا أنّها لم تستطع ذلك.

١٢٠