السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام20%

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 293

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 293 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 242017 / تحميل: 7930
الحجم الحجم الحجم
السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

لهفي لهنّ وقد سلبن معاجراً

شعثاً وقد ركبن فوق رواحل

فدعت بعمّتها الزكيّة فاطم

بنت النبي دعاء حزين ثاكل

يا عمّتاه أين الحسين وما بنا

بين العداة كأنّنا من كابل

قالت بصرت له على عفر الثرى

ومترّب ما منه رجاء الآمل

متخضّباً بدمائه متعفّراً

في القاع بين جوامع وعواسل

قالت ألا يا عمّتاه واحسرتا

لشقاء أيتام له وأرامل

يا عمّتا كان الحسين يحوطنا

وبه نصول على الزمان الصائل

يا عمّتا كان الحسين وسيلة

ترجى وقد قطع الزمان وسائلي

يا عمّتا ماذا نؤمل ومن

يعتادنا بعوارف وفواضل

يا عمّتا ليس الصديق بزائر

أبداً وليس عدوّنا بمجامل

يا عمّتا وا شقوتا من بعده

ضغناً فليس لكلّنا من حامل

١٠١

الفصل السادس

ينقل المؤرخون أنّ يزيد اللعين كان قد أعدّ مجلساً احتفالاً بالنصر الظاهري الذي حقّقه ولكي ينال من أهل البيت عليهم السلام في هذا المجلس إلّا أنّه لم يتمكّن من ذلك وانقلب السحر على الساحر حيث تحوّل هذا المجلس إلى محكمة أُصدر فيها حكم جريمته النكراء.

فقد تحوّل النصر إلى هزيمة وانتصرت المظلومية على الطغيان والديكتاتورية الهوجاء ....

ولعلّ خير حكم صدر في هذه الجلسة هو الذي صدر من قبل زوجة يزيد هند التي عاشت تلك الأحداث وشاهدت وقائعها المؤلمة.

ففي التاريخ أنّها لمّا دخلت المجلس تساءلت من يزيد وقالت : هذا رأس الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه واله؟ قال : نعم ، فاذهبي وابكي عليه فخرجت من المجلس مذهولة ساخطة عليه ، وفي واقع الأمر أنّ هذا الأمر يعدّ معجزة من معاجز السيّدة زينب عليها السلام.

ونقل أيضاً أنّ أحد صحابة الرسول صلى الله عليه واله اعترض على الطاغية وقال : سوف تأتي أنت وابن زياد يوم القيامة ويختصم رسول الله صلى الله عليه واله منكما بمحضر هذا الرأس الشريف. وليس هؤلاء فقط بل إنّ كلّ أهل ذلك الزمان خاصّة أهل الشام سخطوا على يزيد الطاغية وتبرّءوا من أفعاله القبيحة التي سوّد بها صفحات التاريخ.

وقد أشارت العقيلة زينب عليها السلام إلى هذه المحاكمة وقالت : ولتردنّ على رسول الله صلى الله عليه واله بما تحمّلت من سفك دماء ذرّيته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته حيث يجمع الله شملهم ويلمّ شعثهم ويأخذ بحقّهم( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ

١٠٢

أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) .

وكفى بالله حاكماً وبمحمّد صلى الله عليه واله خصيماً وبجبرئيل ظهيراً.

ومن هنا فإنّ اللعين أمر أن يودع أهل البيت عليهم السلام في خرابة لاتقيهم من الحرّ والبرد حتّى تقشّرت جلودهم نعم هكذا كانت ضيافة الطاغية لأهل البيت عليهم السلام فضلاً عن ضيافة أهل الكوفة لهم حيث إنّهم هتكوا بسوء أفعالهم القبيحة حرمة الإسلام وعمدوا إلى طمس معالم الدين الأصيلة ، ولكن ومع ذلك فإن استقامة السيدة زينب عليها السلام في أسرها وتحدّيها للطواغيت أوصل صوت سيّد الشهداء عليه السلام إلى العالم على مرّ الزمان ولم يجعل الهدف السامي الذي ضحّى من أجله ريحانة رسول الله صلى الله عليه واله بنفسه الزكيّة يذهب سدى(٢) .

أهل البيت عليهم السلام في قصر يزيد

عندما أُدخل الأسارى في قصر يزيد اللعين جئن نساء آل أبي سفيان لاستقبال بنات الرسول صلى الله عليه واله وأخذن يبكين وينحن لما جرى عليهنّ ، بل وأخذن يتبركنّ ببنات الرسالة فضلاً عن عقدهنّ مجلساً لمصاب سيد الشهداء عليه السلام مدّة ثلاثة أيّام.

وقيل : أنّهنّ عندما شاهدن بنات الرسالة وهنّ يرتدين الملابس الرثّة أخرج ملابسهنّ وقدّمنها لهم ، وفي بعض الروايات : أنّه لمّا أُدخل أهل البيت عليهم السلام مجلس يزيد اللعين أمر اللعين في نهاية المجلس أن يحضر رأس سيّد الشهداء عليه السلام ليتفرّج النساء عليه إلّا أنّ نساء يزيد لمّا شاهدنّ حال أهل البيت عليهم السلام انشغلن بالعزاء والبكاء على سيّد الشهداء عليه السلام فبهت اللعين وذهب بخزي الدنيا وعذاب الآخرة(٣) .

__________________

(١) آل عمران : ١٦٩.

(٢) پيشواى شهيدان ، تأليف آية الله السيّد رضا الصدر ص ٢٧٦.

(٣) راجع : أنساب الأشرف ج ٣ ص ٤١٧ ، روضة الواعظين ج ١ ص ١٩١ ، العقد الفريد ج ٥ ص ١٣٢ ، جواهر المطالب ج ٢ ص ٢٧٣ ، الفصول المهمّة ص ١٩٥ ، نور الأبصار ص ١٢ ، تاريخ الطبري ج ٤

١٠٣

شجاعة عمر بن الحسن أمام يزيد

ينقل أنّ يزيد اللعين أحضر الإمام السجّاد عليه السلام وعمر بن الحسن عليه السلام وكان عمره آنذاك إحدى عشر سنة فقال له يزيد : أتقاتل ولدي خالد؟ فقال عمر في جوابه؟ لا ، إنّني غير حاضر لمقاتلته ، وإنّما اعطني وناوله خنجراً وانظر كيف سنتقاتل ، فانشد يزيد اللعين :

شنشنة أعرفها من أخزم

هل تلد الحيّة إلا الحيّة

علماً أنّ هذين المثالين عند العرب تقال لا ستحسان الكلام ونحن نقول في مثل هذا المقام استحساناً لكلام عمر : شبل الأسد كأبيه.

وفي بعض النسخ : أنّ يزيد لمّا قال لعمرو تقاتل خالد؟! أجابه : أعطه خنجراً ، وناولني خنجراً آخراً لنتقاتل.

حديث أُمّ كلثوم مع أُخت يزيد

وفي بعض الروايات : عندما كان أهل البيت عليهم السلام في مجلس يزيد الطاغية جعل رأس سيّد الشهداء عليه السلام كان أمامه لتنظر إليه فاطمة وسكينة ، وقد أمر يزيد اللعين أن تحضر نساءه ويتفرّجن على الأسارى. وفي بعض الأخبار أنّ نساء يزيد لمّا رأين العلويات على تلك الحالة المأساوية قدّمنّ لهنّ الثياب والمقانع إلّا أنّهنّ رفضن قبولهنّ ، وفي خبر آخر أنّ ليزيد أُختاً اسمها هند كانت جاءت عند العلويات وأخذت تتساءل قائلة : من منكنّ أمّ كلثوم أُخت الحسين عليه السلام.

فقالت أُمّ كلثوم : أنا أُمّ كلثوم ابنة الإمام التقي الزكي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت هند : قتلتم ربيعة وأبو جهل وعتبة فانتقم الله منكم وأنزل عليكم هذا البلاء ، فهل نسيتم ماذا صنع أبوكم بآبائنا؟!

__________________

ص ٣٥٣ ، تذكرة الخواص ص ٢٦٥ ، الكامل في التاريخ ج ٤ ص ٨٦ ، مقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٧٣ ، البداية والنهاية ج ٨ ص ١٩٧ ، تسلية المجالس ج ٢ ص ٣٩٩ ، البحار ج ٤٥ ص ١٤٢.

١٠٤

فأجابتها السيّدة أُمّ كلثوم قائلة : ايه يا ابنة آكلة الأكباد ، إنّه ليس هناك نساء كنسائكم المشهورات بالفجور ، وليس هناك رجال كرجالكم عبدة الأوثان والأصنام ، ألم يكن أبوك أبو سفيان الذي كان يجيّش الجيوش ضدّ رسول الله صلى الله عليه واله؟!

وألم تكن أُمّك هند التي عرضت نفسها على وحشي ليقتل حمزة سيّد الشهداء ، ولمّا قتله أكلت كبده؟!

وألم يكن والدك معاوية الذي حمل السلاح في وجه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام؟

وأو ليس يزيد اللعين أخيك قاتل سيّد شباب الجنّة وريحانة رسول الله صلى الله عليه واله الذي كان جبرئيل ومكائيل خادميه ظلماً وعدواناً؟!

ولمّا سمعت هذا الكلام الشديد اللهجة من أُمّ كلثوم سكتت وحارت ماذا تجيبها(١) .

كلام السيّدة سكينة لابنة يزيد

وكان ليزيد اللعين ابنة اسمها عاتكة كانت حاضرة في مجلس أبيها وتساءلت من العلويات فقالت : من منكنّ سكينة؟ فقالت السيّدة سكينة عليها السلام : أنا ابنة من قتلتموه انتقاماً لكفّار بدر ، أُف لكم أتهزؤون وتسخرون بنا؟!ٍ

فقالت عاتكة : أنا ابنة يزيد صاحب الرئاسة والعزّة ومقيم الحقّ ، وإذا بالسيّدة سكينة تجيبها قائلة : بمن تفخرين؟! أتفخرين بأبيك قاتل ذرّية الرسول صلى الله عليه واله؟! أم بأُمّك التي مكّنت نفسها من غلام ....

فبأيّهما تفخرين ، ألا لعنك الله ولعن أباك ، ولمّا سمعت ابنة يزيد هذه الشجاعة من السيّدة سكينة أُلقمت حجراً ولم تنبس ببنة شفة(٢) .

__________________

(١) راجع اكسير العبادات في أسرار الشهادات للدربندي ج ٣ ص ٤٢٤ ـ ٤٢٥.

(٢) راجع : اكسير العبادات في أسرار الشهادات ج ٣ ص ٤٢٥.

١٠٥

الرأس يقرأ القرآن

عن المنهال بن عمرو قال : والله رأيت رأس الحسين بن علي عليه السلام حين حمل وأنا بدمشق وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف حتّى بلغ قوله :( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً ) (١) ، قال : فأنطق الرأس بلسان ذرب فقال : أعجب من أصحاب الكهف قتلي حملي(٢) .

يا شيخ أما قرأت القرآن؟

عندما دخل أهل البيت عليهم السلام الشام دخلوها من باب يقال له «توما» ثمّ أُتي بهم حتّى وقفوا على درج باب المسجد حيث يقام السبي ، وإذا بشيخ قد أقبل حتّى دنا منهم وقال : الحمدلله الذي قتلكم وأهلككم ، وأراح الرجال من سطوتكم ، وأمكن أمير المؤمنين منكم. فقال له الإمام علي بن الحسين عليهما السلام : يا شيخ هل قرأت القرآن؟

فقال : نعم قرأته.

قال : فعرفت هذه الآية :( قُلْ لَا أَسْأَلَكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٣) ؟

قال : قد قرأت ذلك.

فقال علي بن الحسين عليهما السلام فنحن القربى يا شيخ!

قال : فهل قرأت في :( وَآتِ ذَالْقُرْبَى حَقَّهُ ) (٤) ؟

فقال الشيخ : قد قرأت ذلك.

__________________

(١) سورة الكهف : ٩.

(٢) راجع تاريخ دمشق ج ١٧ ص ٢٤٦ ، الخرائج ج ٢ ص ٥٧٧ ، الثاقب في المناقب ص ٣٣٣ ، الخصائص الكبرى ج ٢ ص ١٧٢ ، بحارالأنوار ج ٤٥ ص ١٨٨ ، الصراط المستقيم ج ٢ ص ١٩٦ ، نور الأبصار ص ١٣٥ ، إثبات الهداة ج ٥ ص ١٩٣ ، العوالم ج ١٧ ص ٤١٢.

(٣) سورة الشورى : ٢٣.

(٤) سورة الإسراء : ٢٦.

١٠٦

فقال الإمام عليه السلام : نحن القربى يا شيخ!

ولكن هل قرأت هذه الآية :( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (١) فنحن ذوالقربى يا شيخ.

وهل قرأت هذه الآية :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) ؟

فقال الشيخ : قد قرأت ذلك.

فقال : فنحن أهل البيت الذي خُصصنا بآية الطهارة.

فبقي الشيخ ساعة ساكتاً نادماً على ما تكلّمه ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهمّ إنّي تائب إليك تكلّمته ومن بغض هؤلاء القوم ، اللهمّ إنّي أبرأ إليك من عدوّ آل محمّد من الجنّ والإنس(٣) .

وقيل : إنّ سبعين رجلاً من مشايخ دمشق أقسموا بالطلاق والعتاق والحجّ أنّهم كانوا يتصوّرون أنّ رسول الله صلى الله عليه واله راضٍ عن أفعال يزيد ، ولذا كانوا يبكون ويعتذرون من الإمام طالبين منه العفو فعفا عليه السلام عنهم.

يقول هندوشاه النخجواني في كتاب «تجارب السلف» : بلغ الأمر أنّ الشامي كان يقول للإمام السجّاد عليه السلام أُقسم بالله إنّني كنت أعتقد أنّ رسول الله صلى الله عليه واله لم يكن راضٍ عن أحد كرضا يته عن يزيد وأهل بيته.

ولذلك أقبل إلى الإمام السجّاد عليه السلام وهو باكي معتذراً عمّا بدى منهم من اساءة.

شلّت يمينك يا يزيد

قيل إنّ السيّدة سكينة عليها السلام قالت : إنّني لم أر أقسى من يزيد اللعين ، حيث كان

__________________

(١) سورة الأنفال : ٤١.

(٢) سورة الأحزاب : ٣٣

(٣) أمالي الصدوق ص ٢٣٠.

١٠٧

يضرب ثناي والدي أمامنا ، ولذا لم أطق تحمّل هذا العمل الشنيع منه وألقيت بنفسي على الرأس الشريف مخاطبة يزيد : ما ذنب هذا الرأس حتّى تضربه؟! فتعجّب يزيد اللعين من جرأتها وتساءل قائلاً : من أنت؟ فقلت : أنا سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام(١) .

ارفع يدك يا يزيد

عندما أُدخل الأسارى في مجلس يزيد «اللعين وابن اللعين» خاطبه الإمام السجّاد عليه السلام قائلاً : ما ظنّك يا يزيد بجدّي رسول الله صلى الله عليه واله لو رآنا على هذا الحال ماذا تجيبه؟! ولمّا سمع يزيد هذا الكلام من الإمام عليه السلام أمر بفكّ الأغلال والقيود منهم وأشار على النساء أن يجلسن.

وفي بعض الأخبار أنّه لعنه الله أمر بمقراض من حديد وأخذ بيده المشؤومة يقصّ الأغلال التي في عنق الإمام السجّاد عليه السلام ويقول له : لاأُريد أن يمنّ عليك أحد غيري.

ثمّ إنّه أمر يحضروا طشتاً من ذهب ويضعوا رأس سيّد الشهداء ءعليه السلام فيه ، ولمّا شاهدت عقيلة الهاشميين هذا المنظر صاحت بصوت يفتّ الصخر : يا حسيناه ، يا حبيب رسول الله صلى الله عليه واله ثمّ صاحت ثانية : يا أبا عبدالله ، عزيز عليَّ أن أراك على هذا الحال ، عزيز عليك تنظر حالي اليوم.

وبعد أن فرغت العقيلة زينب عليها السلام من خاطبها احتضنت الرأس الشريف ، وإذا بنور يسطع من نحو السماء أدهش جميع الحاضرين.

وفي بعض الأخبار : أنّ شفتي سيّد الشهداء عليه السلام أخذ يتلو قوله تعالى :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (٢) .

ولذا فإنّ يزيد اللعين أحسّ أنّه سيفتضح فحاول أن يشغل الحاضرين عن هذه

__________________

(١) راجع أمالي الصدوق ص ٢٣٠ ، بحار الأنوار ج ٤٥ ص ١٥٤ ، روضة الواعظين ج ١ ص ١٩١.

(٢) سورة الشعراء : ٢٢٧.

١٠٨

المعجزة فلم يجد مفرّاً من هذه الفضيحة إلّا أن يأخذ عود الخيزران ويضرب ثنايا سيّد الشهداء عليه السلام.

وبينما هو كذلك إذا بـ «أبو برزة الأسلمي» يقف في وجهه ويقول له : ارفع يدك يالعين عن هاتين الشفتين.

ولا يخفى أنّ أبا برزة الأسلمي كان من صحابة رسول الله صلى الله عليه واله ، وقد سكن الشام سنين عديدة إلّا أنّه كان ملازم لداره لا يخرج منها مع أنّ معاوية السوء حاول كثيراً الالتقاء به إلّا أنّه لم يعبأ به بل لم يكن يقبل هداياه وجوائزه الكثيرة التي كان يبعثها إليه بين الحين والآخر.

ومع ذلك لمّا سمع أنّ أهل البيت عليهم السلام قد أُدخلوا في مجلس يزيد خرج من منزله وجاء إلى قصر الطاغية ليدافع عن حرم الله.

ولذلك عندما شاهد هذا العمل الشنيع من يزيد الطاغية لم يتحمّل السكوت واتّكأ على عصاه وقال : الويل لك يا يزيد ، أتضرب ثنايا أبي عبدالله عليه السلام؟ لطالما رأيت رسول الله صلى الله عليه واله يقبّلهما ويقول في حقّه وأخيه : «أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة ، قاتل الله قاتلكما».

وما أن سمع يزيد الطاغية هذا الكلام من أبي برزة استشاط غضباً وأمر جلاوزته بإخراجه ثمّ عاد يضرب ثنايا أبي عبدالله عليه السلام أكثر ، وفيما هو كذلك إذا بغراب يحوم حول قصره وهو ينعق ، فتشاءم اللعين من نعيقه وارتعدت فرائصه واختطف لونه(١) .

وكما في رواية سهل : أنّه لمّا جعل رأس سيّد الشهداء عليه السلام في طشت من ذهب وغطّوه بمنديل وجلس الطاغية أمامه شامتاً نعق الغراب فأنشد يزيد أشعاره الدالّة على كفره بالله تعالى.

وبينما كان يزيد مخطوف اللون شاحب الوجه من نعيق الغراب دخل عليه عالم

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٤٥ ص ١٣٣ مع اختلاف في العبارة.

١٠٩

اليهود رأس الجالوت ، والذي اتّخذه يزيد طبيباً له ، فتساءل منه قائلاً ، رأس من هذا؟ فقال رأس أحد الخوارج ، قال رأس الجالوت : وما اسمه؟ قال : حسين. قال : ولماذا قتلته؟ قال : نازعني في خلافتي وأراد أن يغتصبها منّي. فقال اليهودي بعد أن عرف من هو الإمام الحسين عليه السلام : لقد كان أليق بالخلافة منك ، وأعلم يا يزيد إنّ بيني وبين نبي الله داود واسطة أربعين جدّاً ومع ذلك فإنّ اليهود يعظّموني ويتبرّكون بي ، أمّا أنتم فبالأمس قد كان نبيّكم بينكم واليوم تقتلون أولاده وتنتهكون حرمته ، ثمّ حمل سيفه وهمّ بقتل يزيد إلّا أنّ الحرس حالوا دون ذلك ، ولمّا يأس اليهودي من الظفر بقتل الطاغية انعطف على الرأس الشريف وأخذ يقبّله ويقول : لعن الله قاتليك ، وكان جدّك رسول الله صلى الله عليه واله خصمهم يوم القيامة.

سيّدي عزيز عليَّ أن تقتل ولا أُناصرك وأُستشهد بين يديك.

سيّدي أبلغ سلامي إلى جدّك رسول الله صلى الله عليه واله وأخبره عن إيماني برسالته.

وفيما هو يخاطب الرأس الشريف التفت إليه يزيد وقال : لو لم يكن لي حاجة بمعالجتك لقتلتك شرّ قتلة ، فأجابه اليهودي قائلاً : أُقسم بالله أنّني لن أُعاجلك بعد اليوم أبداً فاستشاط يزيد من كلامه غضباً وأمر الجلّاد أن يضرب عنقه(١) .

أمثل رأسك يضرب بالسياط؟

يقول هلال بن معاوية : رأيت حامل رأس الإمام الحسين عليه السلام يحمل الرأس الشريف والرأس يخاطبه : فرّقت بيني وبين جسدي فرّق الله لحمك وجعلك آية للناس فاغتاظ اللعين ورفع سوطه وجعل يضرب الرأس الشريف حتّى سكت.

__________________

(١) راجع كلّ من : تذكرة الخواص ص ٢٦١ ـ ٢٦٢ ، تهذيب الكمال ج ٦ ص ٤٢٨ ، تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٩٣ ، سير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٣٠٩ ، البداية والنهاية ج ٨ ص ١٩٤ ، أنساب الأشراف ج ٣ ص ٤١٦ ، الملهوف ص ٢١٤ ، مثير الأحزان ص ١٠٠ ، بحار الأنوار ج ٤٥ ص ١٣٢ ، مقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٥٢.

١١٠

ونقل العلّامة المقرّم قدس سره : عندما شجب مبعوث ملك الروم جنايات يزيد أمر اللعين بقتله فنظق الرأس الشريف بلسان فصيح وقال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله.

ونقل العلّامة المقرّم أيضاً فقال : عندما نصب الرأس الشريف على شجرة اجتمع الناس حوله من كلّ صوب وشاهدوا كيف يسطع النور منه وهو يردّد قائلاً :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (١) .

وقد سمع سلمة بن كهيل الرأس الشريف يقرأ قوله تعالى :( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (٢) وهناك الكثير من القصص المشابهة لمثل هذه الوقائع ومنها قصّة يحيى الحراني التي مرّ ذكرها.

نصب الرأس الشريف في الشام

بعد أن تجاسر يزيد الطاغية على رأس سيّد الشهداء عليه السلام وصنع ما صنع أمر أن ينصب في مسجد الجامع في دمشق في نفس المكان الذي نصب فيه رأس نبي الله يحيى ابن زكريا عليهما السلام(٣) .

امرأة تستشهد بعد الحسين عليه السلام

يقول أحد الرواة : كنت عند يزيد ، فدخلت عليه امرأة لم أر مثلها في وقارها وعفّتها وبمجرّد أن رأت المرأة الرأس الشريف موضوعاً أمام يزيد التفتت إليه وقالت : رأس من هذا؟ قال : رأس الحسين بن علي عليهما السلام. فقالت : أُقسم بالله أنّه ليعزّ على جدّه رسول الله صلى الله عليه واله وأُمذه فاطمة ووالده علي بن أبي طالب عليهم السلام أن يرونه على هذا الحال.

والله لقد رأيت البارحة في عالم الرؤيا أنّ أبواب السماء قد فتحت وهبط خمسة

__________________

(١) سورة الشعراء : ٢٢٧.

(٢) سورة البقرة : ١٣٧.

(٣) راجع : سيرة أعلام النبلاء ج ٣ ص ٣١٩ ، الاتحاف بحبّ الأشراف ص ٦٩ ، جواهر المطالب ج ٢ ص ٢٩٩ ، بحارالأنوار ج ٤٥ ص ١٤٥.

١١١

من الملائكة في أيديهم من نار وهو يقولون : لقد أمرنا الله عزّوجلّ بحرق دار يزيد.

وما أن سمع اللعين هذا الكلام إذا به يغتاظ وتنتفخ أوداجه ويقول : الويل لك ، فوالله لأقتلنّك شرّ مقتلة.

فقالت المرأة ، وماذا أصنع لتعفو عنّي؟! قال يزيد : تصعدين المنبر وتنالين من علي وأولاده. قالت : لا بأس ، عليك بجمع الناس.

فارتقت المرأة المنبر وخاطبت الناس قائلة : أيُّها الناس إنّ يزيد أمرني أن أنال من علي بن أبي طالب عليهما السلام والحال أنّه ساقي العطاشى يوم المحشر من نهر الكوثر وهو حامل لواء رسول الله صلى الله عليه واله ووالد السبطين الحسن والحسين عليهما السلام سيّدا شباب أهل الجنّة.

أيّها الناس اسمعوا ما أقول لكم : ألا لعنة الله وجميع اللاعنين على يزيد وكلّ من تابع وشايع في قتل سيّد الشهداء عليه السلام وصلّى الله على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى قيام يوم الدين حييت على ذلك وأموت عليه إلى يوم البعث. وإذا بيزيد يمتلأ غيظاً من كلامها ويقول : من هذه المرأة؟! خذوها ، فنهض لعين من أتباعه وشهر سيفه وقتلها.

وفي بعض الأخبار أنّ هذه المرأة كانت زوجة يزيد استيقظت من النوم بعد أن رأت رؤيا عجيبة جعلتها تلطم على وجهها وتشقّ ثيابها الفاخرة وهي تخاطب يزيد ببكاء ونحيب قائلة : دع عنك يايزيد ظلم ذرّية فاطمة عليهم السلام ثمّ قصّت رؤياها التي رأتها في المنام(١) .

وقد نقل أبو مخنف هذه القصّة بشكل آخر فلتراجع.

مصرع حامي الرأس الشريف

يقول منصور بن الياس : بعد أن زيّنت الشام فرحاً بورود السبايا أراد حامل الرأس الشريف الدخول إلى المدينة فلم يطاوعه جواده ، فأمر بجواد آخر فلم يطاوعه هو الآخر

__________________

(١) تذكرة الشهداء ص ٤١٩.

١١٢

فأمر بجواد ثالث وراجع فلم يطاوعه منها أحد حتّى أوشك الرأس الشريف على الوقوع فهبّ إبراهيم الموصلي لحفظ الرأس خشية أن يقع إلّا أنّ أهل الشام اللعناء حملوا عليه وقتلوه انتقاماً منهم لاحترامه الرأس المقدّس(١) .

محادثة بين الرأس والعليل

نقل أبو فراس في «شرح الوافية» فقال : عندما طلب الإمام السجّاد عليه السلام من يزيد أن يريه رأس أبيه كان اللعين يرفض بشدّة وقد غطّى الرأس بمنديل.

وبينما هما على ذلك الحال إذا بالرأس الشريف يخاطب الإمام السجّاد عليه السلام بعد أن ارتفع المنديل جانباً : السلام عليك يا ولدي يا علي ، فأجابه الإمام السجّاد عليه السلام قائلاً : وعليك السلام ورحمة الله يا أبتاه ، لقد أُيتمت على صغر سنّي ، وفرّق بيني وبينك وإنّي ماضٍ إلى حرم جدّنا رسول الله صلى الله عليه واله فأودعك الله(٢) .

الرأس الشريف يصبّر العقيلة

ورد في بعض مقاتل العامّة : أنّ أهل البيت عليهم السلام لمّا دخلوا الشام التفتت العقيلة زينب إلى شمر وقالت : مرّ بنا من الطرق الفارغة إلّا أنّه لم يعتن بها ومرّ بهم من الطرق المزدحمة ، فاغتاظت العقيلة زينب عليها السلام وأمرت الأرض أن تبلعه ، فابتلعت نصف بدنه إلّا أنّ سيّد الشهداء عليه السلام حال دون هلاكه حيث أوصى الرأس الشريف العقيلة بالصبر فقال : أُختاه ، اصبري لقضاء الله ، فأمرت العقيلة عليها السلام الأرض أن تلفظه فلفظته(٣) .

وزينب تدعو بالحسين وقلبها

حزين لفقدان السلو ثكول

أخي يا أخي قد كنت عزّي ومنعتي

فأصبح عزّي فيك وهو ذليل

__________________

(١) كامل البهائي ج ٢ ص ٢٩٢.

(٢) راجع اكسير العبادات في أسرار الشهادات ج ٣ ص ٦١٢ ، مثير الأحزان لابن نما ص ١٠٦ مع اختلاف في النقل.

(٣) شهيد كربلا ج ٢ ص ٣٢٨ نقلاً عن الخصائص الزينبية للجزائري ص ١٢٠.

١١٣

أخي يا أخي لم أُعط سؤلي ولم يكن

لأختك مأمول سواك وسول

أخي لو ترى عيناك ما فعل العدا

بنا لرأت أمراً هناك يهول

ترانا سبايا كالإماء حواسراً

يجدّ بنا نحو الشام رحيل

أخي لاهنتي بعد فقدك عيشتي

ولا طالب لي حتّى الممات مقيل

فإن كنت أزمعت المغيب فقل لنا

أما لك من بعد المغيب قفول

أقول كما قد قال عنّي والدي

وأدمعه بعد البتول همول

أرى علل الدنيا عليَّ كثيرة

وصاحبها حتّى الممات عليل

لكلّ اجتماع من خليلين فرقة

وإنّ بقائي بعدكم لقليل

مَن المنتصر؟

ينقل أنّ إبراهيم بن طلحة بن عبدالله عندماسمع بقدوم الأسارى خرج لاستقبالهم ، وبعد أن رأى الإمام السجّاد عليه السلام قال له مستهزأً : من الذي غلب؟

وكما في بعض الأخبار أنّ الإمام عليه السلام كان مطأطأ رأسه ولمّا سمع كلامه الجارح التفت إليه وقال : إذا أردت أن تعرف من الغالب عليك أن تسمع صوت المؤذّن إذا حان وقت الصلاة ، إشارة إلى أنّ الغالب هو من يهتف باسمه بعد لفظ الجلالة كلّ يوم خمس مرّات ألا وهو جدّ العترة الطاهرة محمّد صلى الله عليه واله.

ولا يخفى أنّ إبراهيم هذا كان من أنصار طلحة والزبير في حرب الجمل ضدّ أمير المؤمنين عليه السلام.

إنّهم إحياء يرزقون

يقول الحارث بن الوكيدة : كنت فيمن حمل رأس الحسين بن علي عليه السلام ، وفي بعض الطريق سمعته يقرأ سورة الكهف فتحيّرت وبقيت مذهولاً ، وإذا بالرأس الشريف يخاطبني قائلاً : يابن وكيدة ، ألا تعلم أنّنا معشر ـ الأئمّة ـ أحياء عند ربّنا نرزق؟ فقلت في نفسي : أسرق رأسه ، وإذا بالرأس يخاطبني قائلاً : تب إلى الله ، فإنّك لن تصل إلى

١١٤

مرادك(١) ، فإنّ اراقة دمي أعظم من رأسي ، ثمّ تلا قوله تعالى :( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الْأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ ) (٢) .

وفي كتاب المناقب لابن شهر آشوب : أنّ رأس سيّد الشهداء عليه السلام عندما نصب على شجرة كان يقرأ هذه الآية :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (٣) .

وقال ابن شهر آشوب أيضاً : إنّ رأس الإمام الحسين عليه السلام في بعض زقاق الكوفة كان يقرأ قوله تعالى :( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) (٤) .

يزيد يأمر بقتل الإمام السجّاد عليه السلام

ينقل المؤرخون : أنّ يزيد اللعين قال للإمام السجّاد عليه السلام في بعض مجالسه : إنّ أباك قطع رحمي ونازعني ملكي ولم يراعِ فيَّ حقّ فصنع الله به ما صنع.

فأجابه الإمام السجّاد عليه السلام : يابن معاوية وهند! ما زالت النبوّة والملك تحطّ رحالها في بيوتنا وبيوت أجدادنا من قبل أن تولد إلى يومنا هذا.

ألم تكن راية رسول الله صلى الله عليه واله يوم بدر وأُحد والأحزاب في يد جدّي أمير المؤمنين عليه السلام؟!

أو ليس أنّ راية الكفر والضلال كانت في أيادي أجدادك؟!

فالويل لك يا يزيد ، لو كنت تعلم عظيم ما ارتكبه في حقّنا لما هنا لك العيش ولهمت على وجهك في الصحاري ولأفترشت الرمال ولقضيت العمر كلّه في الحسرة والندامة.

__________________

(١) راجع : اكسير العبادات في أسرار الشهادات ج ٣ ص ٢٥٦.

(٢) سورة مؤمن : ٧١.

(٣) سورة الشعراء : ٢٢٧.

(٤) سورة الكهف : ١٣.

١١٥

أما تستحي ، رأس ابن بنت رسول الله صلى الله عليه واله وفلذة كبد المصطفى ينصب في بلادك؟! ولما سمع يزيد اللعين هذا الكلام امتلأ غيظاً وتطاير الشرر من عيناه وأومأ إلى أحد جلاوزته أن يأخذ الإمام عليه السلام إلى أحد البساتين ويضرب عنقه ، وبالفعل فقد قاد اللعين الإمام إلى بعض البساتين وأخذ يحفر له قبراً بينما اشتغل الإمام بالصلاة ، وبعد أن فرغ اللعين من تجهيز القبر همّ بقتل الإمام عليه السلام إلّا أنّ يداً من السماء صَفَعَته صفعةً فصاح صيحة شديدة وهوى إلى الأرض ميّتاً.

الملفت للانتباه أنّ خالد بن يزيد كان يشرف على قتل الإمام عليه السلام ، ولمّا شاهد هذه الكرامة هرع إلى والده وقصّ عليه القضيّة فأمر اللعين أن يُدفن الجلّاد في نفس القبر الذي حفره بيديه وأشار على بعض جلاوزته أن يعيدوا الإمام عليه السلام إلى مجلسه(١) .

جد ياجد لو رأيت عليّاً

ناحلاً والسقام قد أضناه

لو تراه بقيد وهو يبكي

بين قوم لا يرحمون بكاه

وإذا ما رأى أُمّ كلثوم نادى

أتعبوني بالقيد يا عمّتاه

فبكت رحمة له أُمّ كلثوم

وأجابت من بعد ذاك نداه

ثمّ قالت له ألا إنّ ذا الحال

عزيز لجدّنا أن يراه

وعزيز لعيه أن لو يرى اليوم

بعينيه بعض ما نلناه

لو يرانا ونحن فوق المطايا

عند رجس نسير في مسراه

وإذا ما وقفن في السير عنه

ساعة لم يكف عنّا أذاه

طالباً للشآم نحو يزيد

جعلت في جهنّم مثواه

ثمّ لمّا أتيته في دمشق

بهت الرجل إذ رأت عيناه

__________________

(١) راجع ارادتهم قتل الإمام السجّاد في كلّ من : المناقب ج ٤ ص ١٧٣ ، تذكرة الخواص ص ٢٥٨ ، إعلام الورى ص ٢٤٧ ، بحار الأنوار ج ٤٥ ص ٢٠٠ ، إثبات الوصيّة ص ١٤٥ ، البداية والنهاية ج ٨ ص ١٩٨ ، تاريخ دمشق ج ١٩ ص ٤٢٠ ، تاريخ الإسلامي للذهبي ج ٣ ص ١٢.

١١٦

رأس سبط النبي فوق قناه

والسبايا يصحن واسنداه

ثمّ قال الزنيم ويل ابن مرجان

على الطاهرين ما أعداه

ويحه ما أشدّه من عتلّ

ويحه في الفعال ما أقساه

كنت أرضى بدون ذا الفعل منه

لكن الأمر ما أراد الله

ودعا الرجس بعد ذاك بالرأس

فأُتي به فلمّا رآه

ساطعاً بالضيا تعجّب منه

ثمّ منه تعجّبت جلساه

وعلا بالقضيب رأس حسين

ثمّ في طست عسجد ألقاه

وانثنى الرجس ثمّ أنشد شعراً

وترنّم وقال في منشاه

ليت أشاخنا تشاهد ذا اليوم

الذي قد أسرّنا لقاه

يا لها اليوم فرحة وسروراً

حيث نال الصديق فيه مناه

فعلى الطاغي اللعين يزيد

لعنة الله دائماً تغشاه

فالعنوه ببكرة وأصيل

فلقد طال في المعاد شقاه

والعنوا ما استطعتم ابن زياد

وابن سعد ومن سعى في رضاه

فلقد باع دينه من يزيد

بالزهيد القليل من دنياه

جدّدوا اللعن ما بقيتم عليه

وأطيلوا مدى الزمان سجاه

فلعنهم من المهيمن لعن

ليس يفنى ولا يزول بقاه

رواية أُخرى

نقل الشيخ المفيد والسيّد ابن طاووس وغيرهما بطرق مختلفة عن فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام أنّها قالت : عندما أدخلونا في مجلس يزيد اللعين رقّ لنا في بادئ الأمر فقام رجل من أهل الشام وقال له : يزيد هب لي هذه الجارية ، فلذت بعمّتي زينب وخاطبتها : عمّة ايتمت واستخدم بعد والدي؟! فقالت : إنّ هذا ليس له ولا لأميره ، فقال يزيد : بل إنّه لي. فقالت عمّتي زينب : إلّا أن تخرج من ملّتنا وتدين بغيرها. فغضب اللعين وقال : بل خرج من الدين أبوك وأخوك.

١١٧

فقالت العقيلة : بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وأبوك إن كنت مسلماً. فأجابها يزيد : كذبت يا عدوّة الله ، فعزّ على العقيلة هذا الكلام وآلمها وقالت : أنت أمير تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك ، فاستحى اللعين وسكت.

فأعاد الشامي قوله : يزيد ، هب لي هذه الجارية.

فنهره يزيد وأشار عليه بأن اسكت قاتلك الله.

وفي رواية أُخرى : أنّ أُمّ كلثوم خاطبة الشامي قائلة : اسكت فظّ الله فاك وأخذ الذي فيه عيناك وسقاك حرّ الجحيم ، اتستخدم أولاد الأنبياء وتدّعي أنّك ولد حلال؟!

ولم تفرغ السيّدة أُمّ كلثوم عليها السلام من دعاءها وإذا بالشامي يعجز عن الكلام ويفقد بصره ، فحمدت الله تعالى على إجابة دعوتها وقالت : الله أحمد الذي أراني عقوبة من يتعرّض لأبناء الرسالة في هذه الدنيا.

وفي رواية ابن طاووس : أنّ الشامي سأل من يزيد مرّتين فقال : من هذه؟ فقال : فاطمة ابنة الحسين وهذه عمّتها زينب بنت علي بن أبي طالب ، فقال الشامي : ابنة الحسين بن علي بن أبي طالب؟ قال يزيد : نعم ، وإذا به يرتعد ويقول : لعنك الله يا يزيد ، تقتل أولاد الرسول صلى الله عليه واله وتأسر ذرّيته؟! والله لقد ظننت أنّهم أُسارى من الافرنج.

فقال يزيد : والله لألحقنّه بالحسين بن علي وأمر الجلّاد أن يضرب عنقه ثمّ أشار على حرسه أن يودعوا أهل البيت عليهم السلام السجن(١) .

__________________

(١) راجع القضية على اختلاف العبارات في كلّ من الإرشاد ج ٢ ص ١٢١ ، مقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٦٢ ، روضة الواعظين ج ١ ص ١٩٢ ، مثير الأحزان ص ١٠٠ ، إعلام الورى ص ٢٤٩ ، الاحتجاج ج ٢ ص ١٣١ ، تذكرة الخواص ص ٢٤٦ ، الملهوف ص ٢١٨ ، جواهر المطالب ج ٢ ص ٢٩٥ ، تسلية المجالس ج ٢ ص ٣٨٥.

١١٨

من معاجز الإمام السجّاد عليه السلام

ينقل أنّ أحد الصيّادين وكان يحمل غزالاً صغيراً وإذا به يشاهد الأُسارى والأطفال فوقف هنيئة ليتفرّج عليهم.

ولمّا شاهد الأطفال الغزال الصغير جاءوا إلى الإمام السجّاد عليه السلام وقالوا له : نريد غزالاً ، فقال الإمام عليه السلام للصيّاد : أتبيع هذا الغزال؟! قال : نعم ، ولكن لن أبيعه إلّا ليزيد ، فهو غزال جميل وإذا بعته ليزيد فسيكرمني ويحسن إليّ في عطائه.

فقال الإمام عليه السلام : بعه إليّ وبأيّ ثمن تريد ، فتعجّب الصيّاد وبقى متحيّراً من كلام الإمام عليه السلام ، وبينما هو كذلك إذا بالإمام عليه السلام يأخذ بعض الحجارة الصغيرة وناولها إيّاه ، حقّق الصيّاد فيما أعطاه الإمام عليه السلام فوجدها مجموعة من الجواهر الثمينة فلم يجد بدّاً من أن يقدّم الغزال للإمام عليه السلام ويرحل.

ثمّ إنّ خبر الغزال شاع في الشام ووصل إلى يزيد اللعين ، فطلب الصيّاد وأمره أن يقصّ عليه الحدث.

وحيث إنّ الصيّاد أصبح من الموالين الخلّص للإمام عليه السلام بعد مشاهدته لكرامته العجيبة فقد نقل القضية وأكّد أمام الملأ على كرامة الإمام السجّاد عليه السلام عند الله تعالى ولذا فإنّ يزيد أمر بقتله وإخفاء أمره حتّى لا يطّلع الناس على هذه الكرامة. ولم تمض سوى أيّام قليلة إذا بخبر قتل الصيّاد يصل إلى الإمام السجّاد عليه السلام ، فجاء إلى قبره وأشار إليه وقال : قم بإذن الله ، فخرج الصيّاد من قبره سالماً كأن لم يكن به شيء أصلاً(١) .

خطبة العقيلة زينب عليها السلام

عندما كان يزيد يهزأ بأهل البيت عليهم السلام ويتغطرس بأنفه شامتاً تصدّت العقيلة زينب عليها السلام إليه بخطبتها الغرّاء وكشفت للعالم بأسره شدّة طغيانه وانحرافه فقالت عليها السلام :

__________________

(١) من الرسول صلى الله عليه واله إلى الإمام زين العابدين عليه السلام تأليف الشيخ علي الفلسفي.

١١٩

«الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد المرسلين ، صدق الله تعالى إذ يقول( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ ) (١) أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء وأصبحنا نساق كما تساق الأُسارى أنّ بنا على الله هواناً ، وبك عليه كرامة؟ وأنّ ذلك لعظم خطرك عنده؟! فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك ، جذلان مسروراً ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والأُمور لك متّسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا ، فمهلاً مهلاً! أنسيت قول الله تعالى :( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) (٢) .

أمن العدل يابن الطلقاء(٣) تخديرك إماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا؟! قد هتكت ستورهنّ ، وأبديت وجوههنّ ، يحدى بهنّ من بلد إلى بلد ، ويستشرفهنّ أهل المناهل والمناقل ، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد ، والدنيّ والشريف ، ليس معهنّ من رجالهنّ ولي ، ولا من حماتهنّ حميّ. وكيف تُرجى المراقبة من لفظ فوه أكباد السعداء(٤) ، ونبت لحمه بدماء الشهداء؟!

وكيف لا يستبطئ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان؟! ثمّ تقول غير متأثّم ولا مستعظم :

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً

ثمّ قالوا : يا يزيد لا تشل

منتحياً على ثنايا أبي عبدالله عليه السلام تنكتها بمخصرتك؟

__________________

(١) الروم : ١٠.

(٢) آل عمران : ١٧٨.

(٣) هذه إشارة إلى قول رسول الله صلى الله عليه واله لأبي سفيان جدّ يزيد الذي عفا عنه الرسول صلى الله عليه واله هو وأتباعه فقال صلى الله عليه واله : «إذهبوا فأنتم الطلقاء» ز

(٤) هذه إشارة إلى هند آكلة الأكباد حيث إنّها مثّلث بحمزة سيّد الشهداء عليه السلام فأخرجت كبده وحاولت أن تأكله إلّا أنّها لم تستطع ذلك.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وطالبوه بالإجابات المقنعة الكافية، وجعلوا ذلك شرطاً لإسلامهم والتصديق به وبرسالته، فأجابهم الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله بأجوبة كافية شافية مذكورة بتفصيلها في محلّها فأسلموا على أثر ذلك(١) ، والقصة بطولها جديرة بالمطالعة.

وقد بلغت هذه الحملات المعادية للإسلام ذروتها بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وغياب شخصه الكريم عن الساحة فشهد عهد الخلفاء موجات هائلةً من التيارات الإلحادية، والمحاولات التشكيكيّة وطرح التساؤلات العويصة، التي هبّت على المجتمع الإسلاميّ لتزعزع المسلمين عن عقيدتهم، وذلك عندما أخذ يتوافد على المدينة جموع القساوسة والرهبان والأحبار يحملون إلى المسلمين الأسئلة العويصة، والشبهات المريبة.

ولمـّا كان مجرد الاطلاّع على الأحكام والمعارف الإسلاميّة وحدها لا يكفي في مواجهة تلكم الحملات والتيارات، بل ينبغي أن يكون المتصدّي للرد على تلك الشبهات مضطلعاً ومطّلعاً على ما في الأديان والمباديء الاخرى من عيوب ونواقص، وثغرات، لذلك، فإنّ المتصدّرين لمقام الخلافة كانوا يعانون صعوبات جمّةً وعجزاً ذريعاً في الإجابة عليها، أو كانت الردود غير مقنعة ولا كافية.

إنّ التأريخ الإسلاميّ يحدثنا أنّ المسلمين لم يبلغوا من الناحية الفكريّة والعلميّة والإحاطة بالمبادئ والأديان الاخرى درجةً تؤهلهم للقيام بذلك، ولم يقدر أحد منهم، على مجابهة اولئك العلماء المتوافدين من أرباب الأديان أو الملحدين إلى عاصمة الدولة الإسلاميّة من كلِّ فج عميق بهدف الإيقاع بالإسلام والمسلمين.

وقد أثبتت الوقائع التي وقعت في ذلك العهد، أنّ الشخص الوحيد الذي كانت ترجع إليه الاُمّة، ويرجع إليه من تسلّموا مسند الخلافة والحكومة بعد النبيّ لحلِّ تلك المعضلات وردِّ تلك الشبهات والإجابة على تلك التساؤلات، كان هو الإمام عليّعليه‌السلام .

وإليك نماذج من تلك الأسئلة :

__________________

(١) الاحتجاج للطبرسيّ ( من علماء القرن السادس الهجريّ ) ١: ١٦ ـ ٢٤.

١٤١

١. جاء بعض أحبار اليهود إلى أبي بكر فقال: أنت خليفة نبيّ هذه الاُمّة ؟

قال: نعم.

فقال: إنّا نجد في التوراة أنّ خلفاء الأنبياء أعلم اممهم ؛ فأخبرني عن الله تعالى، أين هو أفي السماء أم في الأرض ؟

فقال أبو بكر: هو في السماء على العرش.

فقال اليهوديّ: فأرى الأرض خاليةً منه وأراه على هذا القول في مكان دون مكان.

فقال أبو بكر: هذا كلام الزنادقة.

فولىّ الحبر متعجّباً يستهزئ بالإسلام فاستقبله أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام فقال: « يا يهوديّ قد عرفت ما سألت عنه وما أجبت به، وإنّا نقول: إنّ الله عزّ وجلّ أيّن الأين فلا أين له، وجلّ أن يحويه مكان وهو في كلِّ مكان بغير مماسة ولا مجاورة يحيط علماً بما فيها ولا يخلو شيء منها من تدبيره وإنّي مخبرك بما جاء في كتاب من كتبكم يصدِّق ما ذكرته لك »(١) .

٢. حضر مجلس عليعليه‌السلام في جامع الكوفة أحد يهود اليمن فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا خالقك وانعته لنا كأنّا نراه وننظر إليه، فسبح عليّعليه‌السلام ربّه وقال :

« الحمد لله الذي هو أوّل بلا بديء ممّا، ولا باطن فيما، ولا يزال مهما، ولا ممازج مع ما، ولا خيال وهما. ليس بشبح فيُرى، ولا بجسم فيتجزّأ، ولا بذي غاية فيتناهى، ولا بمحدَث فيبصر، ولا بمستتر فيكشف، ولا بذي حجب فيحوى، كان ولا أماكن تحمله أكنافها، ولا حملة ترفعه بقوّتها، ولا كان بعد أن لم يكن، بل حارت الأوهام أن تكيّف المكيّف للأشياء، ومن لم يزل بلا مكان، ولا يزول باختلاف الأزمان وكيف يوصف بالأشباح، وينعت بالألسن الفصاح » إلى آخر المفصّل(٢) .

٣. عن سلمان الفارسيّ في حديث طويل ذكر فيه قدوم كبير النصارى ( الجاثليق )

__________________

(١) الإرشاد للمفيد: ١٠٨ في قضايا أمير المؤمنين.

(٢) مناقب آل أبي طالب: ٤٩٠ ـ ٤٩١.

١٤٢

إلى المدينة مع مائة من النصارى بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

وسأل أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها ثمّ ارشد إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فسأله عنها وكان ممّا سأل عنه أنّه قال: ( اخبرني عن وجه الربِّ تبارك وتعالى )، فدعا عليّ بحطب ونار فأضرمه، فلمّا اشتعلت قال عليّعليه‌السلام له: « أين وجه هذه النّار ؟ ».

قال النصرانيّ هي وجه من جميع حدودها فقالعليه‌السلام : « هذه النار مدّبرة مصنوعة لا يعرف وجهها، وخالقها لا يشبهها، ولله المشرق والمغرب، فأينما تولّوا فثمّ وجه الله، لا يخفى على ربِّنا خافية »(١) .

٤. وسأله رأس الجالوت ( اليهودي )عن مسائل بعد ما سأل أبا بكر فلم يجبه

سأله: ما أصل الأشياء ؟

فقالعليه‌السلام : هو الماء لقوله سبحانه:( وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) ( الانبياء: ٣٠ ).

وما جمادان تكلّما ؟

فقالعليه‌السلام : هما الأرض والسماء لقوله تعالى:( فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) ( فصلت: ١١ ).

ما شيئان ينقصان ويزيدان ولا يرى الخلق ذلك ؟فقالعليه‌السلام : هما الليل والنهار لقوله تعالى:( يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ) ( الحديد: ٦ ).

إلى غير ذلك من المسائل العويصة، والصعبة التي أجاب عنها الإمام عليّعليه‌السلام بسرعة أدهشت الجاثليق وأثارت إعجابه(٢) .

هذا ولم تقتصر الموارد التي واجه فيها قادة المسلمين شبهات وأسئلة عجزوا عن

__________________

(١) قضاء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب: ٨٨ ( طبعة النجف ).

(٢) مناقب ابن شهر آشوب ١: ٤٩٠ ـ ٤٩١ عنه البحار٤٠: ٢٢٤.

١٤٣

ردهّا والإجابة عليها على ما ذكرناه، بل هناك عشرات الموارد الاخرى نذكر بعضها إجمالاً :

١. سؤال الغلام اليهوديّ من عمر بن الخطاب في اليوم الأوّل من خلافته وإرجاع الخليفة له إلى الإمام عليّعليه‌السلام (١) .

٢. بعد أن ارتد الحارث بن سنان الأسدي الذي كان أحد الصحابة، والتحق بالروم، حث الروم على طرح بعض الأسئلة على المسلمين، فتوجّه ممثل الروم إلى المدينة وطرح بعض الأسئلة(٢) .

٣. سؤال القائد الروميّ من عمر(٣) .

٤. الأسئلة التي طرحها علماء اليهود على عمر حول أصحاب الكهف(٤) .

٥. سؤال كعب الأحبار من عمر(٥) .

٦. وفود أسقف نجران على عمر وطرح بعض الأسئلة عليه(٦) .

٧. وفود جماعة من اليهود على عمر وطرح بعض الشبهات والمواضيع عليه(٧)

٨. وفود جماعة من اليهود على عمر أيضاً وطرح بعض الأسئلة عليه(٨) .

٩. سؤال كعب الأحبار من عمر، وإحالة عمر له على الإمام أيضاً(٩) .

__________________

(١) الغدير ٦: ١٦٨، نقلاً عن كتاب زين الفتى في تفسير هل أتى تأليف أحمد بن محمّد بن عليّ العاصميّ الشافعيّ ( مخطوط )، علي والخلفاء: ١٣٨ ـ ١٤٥، نقلاً عن فرائد السمطين ١: باب ٦٦ ( مخطوط ).

(٢) قضاء أمير المؤمنين: ٢٦٣.

(٣) تذكرة الخواص لابن الجوزيّ المتوفّي عام ( ٦٥٦ ه‍ ): ١٤٤ ـ ١٤٧ ( طبع النجف الأشرف ).

(٤) غاية المرام للبحرانيّ المتوفّي عام ( ١١٠٧ ه‍ ): ٥١٧، والغدير ٦: ٤٧ نقلاً عن العرائس في قصص الأنبياء: ٢٢٧.

(٥) كنز العمال للمتّقي الهنديّ ٤: ٥٥ نقلاً عن طبقات ابن سعد المتوفّي عام ( ٢٠٧ ه‍ ).

(٦) تفسير البرهان ٢: ١٠٧، عليّ والخلفاء: ١٧١ نقلاً عن كتاب زين الفتى.

(٧) قضاء أمير المؤمنين للتستريّ: ٦٧ ( طبعة النجف )، عليّ والخلفاء: ١٧٦.

(٨) قضاء أمير المؤمنين: ٨٢ ( طبعة النجف )، عليّ والخلفاء: ١٧٨.

(٩) قضاء أمير المؤمنين: ٦٤، البحار ٩: ٤٨٣ ( الطبعة القديمة ).

١٤٤

١٠. سؤال كعب الأحبار من عثمان وإرجاع عثمان له على الإمام عليّ(١) .

١١. طرح سؤال عويص من الروم على معاوية والتماس معاوية الجواب من الإمام عليّ بطريقة ماكرة(٢) .

١٢. طرح أسئلة اُخرى من جانب البلاط الرومانيّ على معاوية واستمداد معاوية الأجوبة من الإمام عليّعليه‌السلام (٣) .

١٣. طرح أسئلة للمرّة الثالثة من جانب الامبراطور الرومانيّ على معاوية والتماس معاوية الأجوبة من الإمام عليّعليه‌السلام أيضاً(٤) .

إنّ هذه الوقائع ووقائع كثيرةً اُخرى تشير بوضوح إلى عدم قدرة الاُمّة، على مواجهة الشبهات والشكوك التي كان يبثّها ويلقيها أعداء الإسلام على المسلمين لتقويض عقيدتهم، فهل كان من الجائز أن يترك الله سبحانه الاُمّة الإسلاميّة ـ والحال هذه ـ من دون أن يربّي ويخلّف فيهم من يصون الدين ويحفظ عقيدة اتباعه من أخطار التشكيك، وذلك بالوقوف في وجه كلّ مشكّك وصاحب شبهة بالمنطق أو الجدل المفحم، وهل يمكن ذلك إلا لمن يكون عارفاً بأبعاد الدين وقضاياه تفصيلاً، ويكون محيطاً بما في الأديان الاخرى وما في كتبها وعند علمائها ؟

أليس أي نكسة تصيب المسلمين في هذا المجال من شأنها أنّ تؤثر على معنويّتهم وتزعزع اعتقادهم، وتزيد من جرأة الأعداء وطمعهم في إخراج المسلمين من دينهم ؟.

إنّ بقاء أي دين وعقيدة، يرتبط بمدى قدرة المدافعين عن حياضه، والذبّ عن كيانه الفكريّ والسياسيّ والاجتماعيّ، إمّا بقوّة السلاح أو بقوّة المنطق من قبل

__________________

(١) عليّ والخلفاء: ٣١٣ نقلاً عن كتاب عجائب أحكام أمير المؤمنين: ١١٩.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) قضاء أمير المؤمنين: ٧٨ و ١١٤، عليّ والخلفاء: ٣٢٠.

(٤) قضاء أمير المؤمنين: ١٦ نقلاً عن مناقب ابن شهر بن آشوب.

١٤٥

الشخصيات المؤهلة القادرة على الدفاع الحازم.

بل لابدّ من الاعتراف بأنّ القوّة العسكريّة وحدها غير كافية للمحافظة على سطوع الدين وبقائه، وسلامته على مدار الزمان، فلابدّ ـ مضافاً إلى ذلك ـ من وجود الشخصيّات العلميّة اللائقة التي تحرس سياج الدين، وتلبّي احتياجات الاُمّة، وتمدّها وتمدّ عقيدتها بطاقة البقاء والاستقامة والحياة.

من هنا يتعين على صاحب الدعوة تربية وتعيين من يكون جديراً بتحمل هذه المسؤولية وقادراً على القيام بها لينير للمسلمين طريقهم، ويصون من شبهات العابثين المغرضين إيمانهم وعقيدتهم.

* * *

٥. الفراغ في مجال صيانة الدين من التحريف

إنّ من أهم ما كان يقوم به النبيّ العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله هو محافظته الشديدة على الدين وصيانته من التحريف والدسّ، فقد كان يعلم المسلمين كتابهم العزيز، ويراقب ما أخذوه عنه من اُصول وفروع فينبّه على خطأهم، ويدلّهم على الحق.

ولا ريب أنّ من أبرز ما تتمتّع به أمّة من الامم، هو قدرتها على حفظ دينها من كيد الكائدين ودس الداسيّن وتحريف المحرفين، وهو الخطر الذي تعرضت له جميع الأديان السالفة والمذاهب السابقة وعانت منه أسوء أنواع الدسّ والتحريف وإلى هذا يشير القرآن إلى ما عانى منه دين موسى على أيدي أتباعه اليهود، إذ قال:( مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ) ( النساء: ٤٦ ).

ولقد كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقوم بهذه المهمة الخطيرة في حياته الشريفة فكيف يمكن تحقيق ذلك بعد وفاته ؟ وكيف يمكن حفظ الدين من التحريف بعده ؟!

إنّ صيانة الدين من التحريف والدسّ، لا تمكن إلّا إذا توفرت لدّى الاُمّة اُمور ثلاثة :

١٤٦

١. أنّ تكون الاُمّة قد بلغت في الرشد الفكريّ والعقليّ مبلغاً يؤهلها للحفاظ على أسس الشريعة ومفاهيمها من أي دسّ وتحريف.

٢. أن تكون فروع الدين واُصوله واضحةً ومعلومةً لدى الاُمّة، وضوحاً يمكِّنها من تمييز الحقّ عن الباطل، والدخيل عن الأصيل في مفاهيمه، وعقائده وتشريعاته.

٣. أن يكون لديها كلّ ما صدر من النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله من أحاديث ونصوص كاملة، لتقدر بمراجعة ما لديها من الحديث وعلم الكتاب ومعارفه، على أن تميِّز الصحيح من المجعول والوارد من الموضوع.

ولا ريب أنّ الاُمّة الإسلاميّة قد وصلت آنذاك بفضل جهود صاحب الدعوة، إلى درجة مرموقة من الوعي والحفظ لنص الكتاب الكريم ما يجعلها قادرةً على حفظ النصّ القرآنيّ من التحريف، وصونه من محاولات الزيادة والنقصان كما نرى ذلك في قصة الصحابيّ الجليل « ابيّ بن كعب » الذي كان له موقف عظيم من عثمان في قضية إثبات الواو في آية الكنز، وإليك الواقعة كما ينقلها تفسير الدرّ المنثور عن علباء بن أحمر: ( انّ عثمان بن عفان لـمّا أراد أن يكتب المصاحف أرادوا(١) أن يلقوا ( الواو ) التي في سورة البراءة في قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( التوبة: ٣٤ ).

قال ابيّ: ( لتلحقنّها أو لأضعنّ سيفي على عاتقي ) فألحقوها(٢) .

فقد كان عثمان يريد أن يقرأ قوله تعالى:( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ ) بدون واو العطف لتكون هذه الجملة وصفاً للأحبار اليهود وهذا مضافاً إلى كونه خلاف التنزيل وتغييراً في ما نزل به الوحي كما تلاه الرسول وقرأه على مسامع القوم، فإنّ حذف الواو كان يعني، أنّ آية حرمة الكنز لا ترتبط بالمسلمين، بل هي صفة للأحبار والرهبان وكان يقصد من

__________________

(١) هكذا في الأصل، والصحيح: أراد إلّا أن يراد الكتّاب.

(٢) الدرّ المنثور ٣: ٢٣٢.

١٤٧

هذا إضفاء طابع الشرعيّة على اكتناز الأموال الطائلة الذي كان يقوم به جماعة من بطانة الخليفة كما يشهد بذلك التأريخ.

ولكن عثمان لم يستطع تحقيق هذا المطلب فقد عارضه أبّي بن كعب، واعترض عليه هذا التغيير الطفيفة اللفظي في الظاهر.

وهذا يكشف عن مدى حفظ الاُمّة لنصّ الكتاب بهذه الصورة الدقيقة الأمينة. بيد أنّ حفظ الاُمّة كان محدوداً لا يتجاوز هذا الحدّ، إذ كان غير شامل لجوانب اخرى من الشريعة واُصولها ومصادرها وينابيعها.

ويدل على ذلك :

أوّلاً: أنّ الامّة اختلفت في تفسير الكثير من آيات القرآن، وبيان مقاصده ومعارفه اختلافاً جرّ إلى تعدّد المذاهب، ونشوء الاتّجاهات المختلفة، والتيارات المتضاربة وكلّ يتمسّك بالكتاب وربّما بالسنّة.

فمن جبريّة إلى معتزلة، إلى صفاتيّة إلى خوارج، إلى مرجّئة، وشيعة، وكلّ منها يتفرع إلى فرق وطوائف من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في العقيدة والمسلك، وفي الاُصول والفروع(١) .

فهل يمكن أن يكون كلّ ذلك هو الحقّ الذي تضمّنه القرآن، ودعا إليه ؟!!

أليس ذلك يدل على أنّ الاُمّة لم تبلغ في الإحاطة بالشريعة والنضج الفكريّ الإسلاميّ ذلك المستوى الذي يؤهلها لحفظ الاُصول والفروع، والمحافظة على ما يتّصل بالكتاب والسنة، وطرح ما لا يمتّ إليهما بصلة.

ثانياً: أنّ التأريخ يشهد بأنّ الأمّة الإسلاميّة ـ في عصر الخلفاء ـ يوم اتّسعت رقعة البلاد الإسلاميّة واستوعبت شعوباً كثيرةً، شهدت دخول جماعات عديدة من أحبار

__________________

(١) راجع للوقوف على هذه المذاهب وفروعها: الملل والنّحل للشهرستانيّ والفرق بين الفرق وغيرهما ممّا ألّف في هذا المجال.

١٤٨

اليهود وعلماء النصارى في الإسلام، مثل كعب الأحبار وتميم الداريّ ووهب بن منبّهوعبد الله بن سلام، الذين تسللوا إلى صفوف المسلمين، وراحوا يدسون الأحاديث الإسرائيليّة، والخرافات والأساطير النصرانيّة في أحاديث المسلمين وكتبهم وأذهانهم.

وقد ظلت هذه الأحاديث المختلفة، تخيِّم على أفكار المسلمين ردحاً طويلاً من الزمن، وتؤثر في حياتهم العمليّة، وتوجّهها في الوجهة المخالفة لروح الإسلام الحنيف في غفلة من المسلمين وغفوتهم. ولم ينتبه إلى هذا الأمر الخطير، إلّا من عصمه الله كعليّعليه‌السلام الذي راح يحذّر المسلمين عن الأخذ بمثل هذه الأحاديث المختلفة فقال: « ولو علم النّاس أنّه منافق كذّاب، لم يقبلوا منه ولم يصدّق، ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله ورآه وسمع منه وأخذ عنه وهم لا يعرفون حاله »(١) .

نماذجٌ وأرقامٌ عن الأحاديث الموضوعة :

وحسبك لمعرفة ما أصاب المسلمين وما تعرضت له أحاديثهم ولمعرفة الذين لعبوا هذا الدور الخبيث في غفلة من الاُمّة ما كتب في هذا الصدد مثل كتاب :

ميزان الاعتدال للذهبيّ.

وتهذيب التهذيب للعسقلانيّ.

ولسان الميزان للعسقلانيّ

ونظائرها من الكتب التي صنفت في هذا المجال.

ولعل فيما قاله البخاري صاحب « الصحيح » المعروف، إشارة إلى طرف من هذه الحقيقة المرّة، حيث قال ابن حجر في مقدمة فتح الباري :

إنّ أبا عليّ الغسّانيّ روي عنه أنّه قال: خرّجت الصحيح من ٦٠٠ ألف

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ٢٠٥.

١٤٩

حديث(١) .

وروى عنه الإسماعيليّ أنّه قال :

أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح(٢) .

ويعرب عن كثرة الموضوعات اختيار أئمّة الحديث أخبار تآليفهم ( الصحاح والمسانيد ) من أحاديث كثيرة هائلة، والصفح عن غيرها، وقد أتى أبو داود في سننه بأربعة آلاف وثمانمائة حديثاً وقال، انتخبته من خمسمائة ألف حديث(٣) .

ويحتوي صحيح البخاري من الخالص بلا تكرار على ألفي حديث وسبعمائة وواحد وستين حديثاً اختاره من زهاء ستمائة ألف حديث(٤) .

وفي صحيح مسلم أربعة آلاف حديث اُصول دون المكررات صنفه من ثلاثمائة ألف(٥) .

وذكر أحمد في مسنده ثلاثين ألف حديث وقد انتخبه من أكثر من سبعمائة وخمسين وألف حديث وكان يحفظ ألف ألف حديث(٦) .

وقد قام الباحث الكبير المجاهد العلامة الأمينيّ في موسوعته ( الغدير ) ـ الجزء الخامس ـ باستخراج أسماء الكذّابين والوضّاعين للحديث على حسب الحروف الهجائية فبلغ عددهم ٧٠٠.

وما قام به رحمه الله وإن كان عملاً كبيراً يشكر عليه، غير أنّه لو قام بهذا الأمر لجنة من الباحثين لعثروا على أضعاف ما ذكره ذلك الباحث الكبير.

__________________

(١) من الهدى الساري مقدمة فتح الباري: ٤.

(٢) من الهدى الساري مقدمة فتح الباري: ٥.

(٣) طبقات الحفّاظ للذهبيّ ٢: ١٥٤، تاريخ بغداد ٩: ٥٧.

(٤) إرشاد الساري ١: ٢٠٨، صفوة الصفوة ٤: ١٤٣.

(٥) طبقات الحفاظ للذهبيّ ٢: ١٥١، ١٥٧، شرح صحيح مسلم للنووي ١: ٣٢.

(٦) طبقات الذهبيّ ٩: ١٧.

١٥٠

والذي يرشدك إلى كثرة الاحاديث الموضوعة الكاذبة ما يوجد في ترجمة شرذمة قليلة من أولئك الجمّ الغفير من الكذّابين، من أنّه وضع عشرة آلاف حديث كما ذكروه في ترجمة أحمد بن عليّ الجويباريّ.

فقد قام الباحث المتقدم الذكر بعد ما أورد من الأرقام في ترجمة اولئك الكذابين بإحصاء عدد الأحاديث التي وضعوها أو قلبوها فبلغت ما يقارب النصف مليون حديثاً.

وهذه الأرقام راجعة إلى واحد وأربعين شخصاً(١) .

وقد الفّت في تمييز الأحاديث الموضوعة من الأحاديث الصحيحة كتب نذكر منها ما ألّفه أبو الفرج عبد الرحمان بن عليّ المعروف بابن الجوزيّ البغداديّ المتوفّى ( ٥٩٧ ه‍ ) الذي ذكر كلّ حديث موضوع.

وقد تنبّأ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بما سيصيب سنتّه الشريفة ويصيب المسلمين فيما بعد على أيدي الكذّابين، ووضّاعي الحديث وأعداء الإسلام، وأخبر عن وجود من يقف في وجه هذا الخطر العظيم إذ قال: « يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الغالين، وانتحال الجاهلين، كما ينفي الكير خبث الحديد »(٢) .

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام قوله: « إنّ فينا أهل البيت في كلِّ خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين »(٣) .

أليس كلّ هذا يستوجب، أن يربّي النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله بعده من يتمتّع بالعصمة الكافية والعلم الواسع ليحفظ الدين من محاولات التحريف، ويصون الشريعة من أي خيانة ودسّ ؟

__________________

(١) راجع الغدير ٥: ٢٤٧ ـ ٢٤٩ تحت عنوان ( قائمة الموضوعات والمقلوبات ).

(٢) رجال الكشّيّ: ٥.

(٣) الكافي ١: ٢٥.

١٥١

خلاصةُ ما سبق

لقد تبين مما تقدم أنّ الإمام الذي يخلّف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هو من يقوم مقامه في سدّ ما حدث بوفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله من فراغ هائل بل فراغات كبرى في الحياة الإسلاميّة :

فكما أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقوم إلى جانب مهمّة التبليغ للدين الإلهيّ ب‍ :

١. بيان معالم الشريعة وأحكامها حسب الحاجات المتجددة في حياة الاُمّة.

٢. شرح معاني القرآن الكريم، وتفسير آياته، وبيان مقاصده وكشف القناع عن أسراره ورموزه وأبعاده حسب اقتضاء الظروف والنفوس.

٣. هداية الاُمّة نحو التكامل الروحيّ والمعنويّ بتوحيد صفوف الاُمّة وجمع شملها، وتعاهدها بالتربية والتزكية

٤. الدفاع عن حمى الشريعة، بالرد على الشبهات، والإجابة على الأسئلة العويصة وتبديد الشكوك التي يثيرها أعداء الإسلام.

٥. صيانة الدين عن محاولات الدسّ والتحريف، في مفاهيمه وشرائعه.

أقول: كما أنّ وجود النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يملأ هذه الفراغات الهائلة، فإنّ فقدانه يوجب حدوثها، فلابدّ من إمام معصوم ليملأها كما كان النبيّ يملأها بحزمه وعلمه، وقيادته وهدايته.

فعلى الإمام ـ بما لديه من علم شامل بأبعاد الشريعة وجزئياتها ـ أن يعالج مشاكل الاُمّة المستحدثة، ويفسّر لهم الكتاب العزيز ويكشف لهم ما لم يكشف من أبعاده ووجوهه، ويعين الاُمّة على مواصلة طريق التكامل الذي بدأته بدعوة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ويدافع عن حمى الشريعة برد الشبهات، والإجابة الوافية على الأسئلة العويصة التي يثيرها الأعداء، بهدف احراج المسلمين وزعزعتهم عن عقيدتهم، ويصون الدين والعقيدة من أي تحريف ودسّ.

وبالتالي، يقوم بكل ما يقوم به النبيّ من قيادة وهداية، وتربية وتزكية.

١٥٢

ولمّا كانت هذه المسؤوليات لا ينهض بها إلّا الإمام اللاّئق بخلافة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله القادر على سدّ الفراغ الكبير الذي يحدثه غياب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا توجد هذه اللياقة بالتربية العاديّة المتعارفة بل لا بدّ من عناية ربانية واعداد إلهيّ.

ولمّا كانت معرفة مثل هذا الإمام اللائق المعصوم متعذرةً على الاُمّة، يتعين على الله سبحانه العارف بعباده، المحيط بهم، أن يعرّف الاُمّة بالإمام وينصبه لهم. ولا يترك الأمر إلى نظر الاُمّة ورأيها لتختار حسب ما ترى، وتشاء.

ثمّ إنّ الشيخ الرئيس ( ابن سينا ) أشار في بعض كلماته إلى فوائد تنصيب الإمام، التي ترجع إلى بعض ما ذكرنا، وإليك بعض نصوص كلماته: ( ثمّ إنّ هذا الشخص الذي هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليس ممّا يتكرر وجود مثله في كلّ وقت فإنّ المادة التي تقبل كمال مثله يقع في قليل من الأمزجة، فيجب لا محالة، أن يكون النبيّ قد دبّر لبقاء ما يسنّه ويشرّعه في اُمور المصالح الإنسانية تدبيراً عظيماً ).

إلى أن قال ـ في الفصل الخامس ـ: ثمّ يجب أن يفرض السانّ ( أي الشارع ) طاعة من يخلفه، وأن لا يكون الاستخلاف إلّا من جهته ( أي من جهة السانِّ الشارع ) أو بإجماع من أهل السابقة على من يصححون، علانيةً، عند الجمهور أنّه مستقل بالسياسة وأنّه أصيل العقل حاصل عنده الأخلاق الشريفة من الشجاعة والعفة وحسن التدبير، وأنّه عارف بالشريعة حتّى لا أعرف منه تصحيحاً.

إلى أن قال: ويسنّ عليهم أنّهم إذا افترقوا وتنازعوا للهوى والميل، أو أجمعوا على غير من وجدوا الفضل فيه والاستحقاق فقد كفروا بالله.

والاستخلاف بالنصّ أصوب، فإنّ ذلك لا يؤدي إلى التشعّب والتشاغب والاختلاف )(١) .

__________________

(١) الشفاء ٢ ( الفن الثالث عشر في الإلهيّات ـ المقالة العاشرة الفصل الثالث والخامس ـ في المبدأ والمعاد ): ٥٥٨ و ٥٦٤ ( طبعة إيران ).

١٥٣

الطريق الثالث

٣

الخلافة عند النبيّ

والصحابة والاُمم السابقة

١. تصوّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن مسألة القيادة بعده.

٢. تصوّر الصحابة عن الخلافة بعد النبيّ.

٣. صيغة القيادة والخلافة عند الأمم السالفة.

لقد دلّت المحاسبات العقليّة والاجتماعيّة السابقة على لزوم تعين الإمام من جانب الله تعالى، وأثبتت أنّ إيكال الأمر إلى نظر إلامّة وانتخابها وتعيينها خطأ فاضح، يأباه العقل وترفضه المصالح العامّة وتعارضه المحاسبات الاجتماعيّة.

هذا ويمكن الاستدلال أيضاً على لزوم نصب الإمام من جانب الله بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعدم إيكال ذلك إلى رأي الاُمّة، بالأدلّة النقلية والتاريخيّة وهي تشمل :

١ / تصوّرهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن مسألة القيادة من بعده.

٢ / تصوّر الصحابة عن هذه المسألة.

٣ / صيغة القيادة ـ لدى الأمم السابقة ـ وسيرتهم في ذلك بعد غيبة أنبيائهم.

وإليك فيما يلي بيان هذه الاُمور والأدلة بالتفصيل :

١٥٤

١. تصوّر النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله عن القيادة بعده :

لا ريب أنّ من أهمّ الأدلة على لزوم نصب الإمام والقائد بعد النبيّ هو تصوّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه عن هذه المسألة، فماذا كان هذا التصوّر ؟

هل كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يعتقد بلزوم نصب الإمام والقائد من جانب الله ؟ أم كان يعتقد ترك ذلك إلى نظر الاُمّة وإرادتها وإختيارها ؟ أم كان يعتبر ذلك من شؤونه واختصاصاته على الأقل ؟

إنّ الكلمات المأثورة عن الرسول الأكرم وموقفهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قضية القيادة بعده، تدلّ على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعتبر أمر القيادة وتعيين القائد مسألةً إلهيّةً وحقاً إلهيّاً فالله سبحانه هو الذي له أن يعين القائد وينصب الخليفة الذي يخلِّف النبيّ بعد وفاته. ولا نجد في كلّ ما نقل عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ما يدل على إرجاع الأمر إلى اختيار الاُمّة ونظرها، أو إلى اراء أهل الحلّ والعقد واجتماعهم، أو غير ذلك من صور الانتخاب والتعيين غير الإلهيّ.

إنّ الأدلة والشواهد النقليّة تشهد برمتها بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر للاُمّة مراراً بأنّ تعيين الأمير من بعده أمر إلهيّ، وليس له في ذلك شيء، فلا يمكنه أن يقطع لأحد عهداً بأن يستخلفه من بعده، دون أن يأذن الله تعالى له في ذلك أو يأتيه منه سبحانه أمر ووحي.

وفيما يأتي نذكر شاهدين تأريخيين على ذلك، والشاهد الأوّل أكثر صراحة في ما ذكرناه :

١. لـمّا عرض الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه على بني عامر الذين جاؤوا إلى مكة في موسم الحجِّ ودعاهم إلى الإسلام قال له كبيرهم: ( أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثمّ أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ ).

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء »(١) .

__________________

(١) السيرة النبويّة لابن هشام ٢: ٤٢٤ ـ ٤٢٥.

١٥٥

٢. لما بعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سليط بن عمرو العامريّ إلى ملك اليمامة ( هوذة بن عليّ الحنفيّ ) الذي كان نصرانياً، يدعوه إلى الإسلام وقد كتب معه كتاباً، فقدم على هوذة، فأنزله وحباه وكتب إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول فيه: ( ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله وأنا شاعر قومي، وخطيبهم، والعرب تهاب مكاني فاجعل لي بعض الأمر أتبعك ).

فقدم سليط على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبره بما قال هوذة، وقرأ كتابه فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لو سألني سيابةً من الأرض ما فعلت باد وباد ما في يده »(١) .

ونقل ابن الأثير على نحو آخر فقال: أرسل هوذة إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وفداً يقول له :

( إن جعل له الأمر من بعده أسلم وصار إليه ونصره، وإلاّ قصد حربه ).

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فمات بعده قليل لا ولا كرامة أللّهم اكفنيه »(٢) .

إنّ هذين النموذجين التاريخيين الذين لم تمسّهما أيدي التحريف والتغيير يدلان بوضوح كامل على تصوّر النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله عن مسألة الخلافة والقيادة من بعده، فهما يدلاّن على أن هذه المسألة كانت إذا طرحت على النبيّ، وسئل عمّن سيخلّفه في أمر قيادة الأمّة كان يتجنب إرجاعها إلى نفسه، أو إلى نظر الاُمّة، بل يرجع أمرها إلى الله تعالى. أو يتوقّف في إبداء النظر فيه على الأقل.

على أنّ مسألة انتخاب الخليفة القائد بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لو كانت من شؤون الاُمّة وصلاحياتها وجب أن يصرح النبيّ بذلك أو يشير إلى أصل الموضوع ولو بالإجمال.

بل وجب أن يبيّن للاُمّة الطريقة الصحيحة للانتخاب، ويذكر لهم الشروط والضوابط اللازمة في الناخب، والمنتخب، لكي يتحقق هذا الأمر بوجه صحيح، بينما نجد النبيّ لا يتعرض لهذا الأمر أبداً، ولم يؤثر عنه أي نقل، وإرشاد وتعليم في هذا المجال، رغم أهميّة الموضوع وخطورته البالغة، مع أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد تعرّض لاُمور أسهل وأبسط

__________________

(١) طبقات ابن سعد الكبرى ١: ٢٦٢.

(٢) الكامل في التاريخ لابن الأثير ٢: ١٤٦.

١٥٦

من ذلك فهل مسألة القيادة، والإدارة والإمرة ـ وخصوصاً في تلك الظروف العصيبة وبالنسبة إلى تلك الاُمّة الناشئة ـ أقلّ شأناً، وأهميّةً من المستحبّات والمكروهات التي ورد فيها الكثير الكثير من الأحاديث النبويّة ؟

* * *

٢. تصوّر الصحابة عن الخلافة بعد النبيّ

إنّ المتتبع في تاريخ الصحابة والخلفاء والذين تعاقبوا على مسند الحكومة بعد النبيّ، يرى بوضوح أنّ الطريقة التي اتبعها أولئك الصحابة، والخلفاء كانت هي الطريقة الانتصابيّة لا الانتخابيّة الشعبيّة.

فالخليفة السابق كان يعين الخليفة اللاحق، إمّا مباشرة أو بتعيين شورى تتولى هي تعيين الخليفة والاتفاق عليه ولم يترك أحد من أولئك الخلفاء أمر القيادة إلى نظر الاُمّة وإرادتها واختيارها، أو يتكل على آراء المهاجرين والأنصار، أو أهل الحلّ والعقد ليختاروا هم ـ بمحض إرادتهم ـ من يشاؤون للخلافة والإمرة.

فمن يلاحظ تاريخ الصدر الأوّل يرى، أنّ خلافة ( عمر بن الخطاب ) تمت بتعيين من أبي بكر.

وأمّا خلافة ( عثمان بن عفان ) فتمت بواسطة شورى عيّن ( عمر بن الخطاب ) أفرادها وأمرهم بانتخاب الخليفة من بين انفسهم، ولم يترك أحد من هؤلاء أمر القيادة إلى اختيار الاُمّة.

وإليك تفصيل الأمر في كيفية استخلاف أبي بكر لعمر بن الخطاب ويليه تفصيل لكيفية استخلاف عمر بن الخطاب لعثمان بن عفان.

أ ـ استخلاف أبي بكر لعمر

قال ابن قتيبة الدينوري في تاريخ الخلفاء: ( دعا ( أبو بكر ) عثمان بن عفان ،

١٥٧

فقال: اكتب عهدي، فكتب عثمان، وأملى عليه: ( بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة آخر عهده في الدنيا نازحاً عنها، وأوّل عهده بالآخرة داخلاً فيها، إنّي استخلف عليكم عمر بن الخطاب فإن تروه عدل فيكم ظنّي به ورجائي فيه، وإن بدّل وغيّر فالخير أردت، ولا أعلم الغيب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )(١) .

ويظهر من ابن الاثير ـ في كامله ـ أنّ أبا بكر أملى على عثمان عهده، ولكنّه غشي عليه أثناء الإملاء، فأكمله عثمان وكتب فيه استخلاف عمر من عند نفسه، ثمّ إنّه لـمّا أفاق أبو بكر من غشيته، وافق على ما كتبه عثمان، وإليك نصّ ما كتبه ابن الأثير: ( إنّ أبا بكر أحضر عثمان بن عفان خالياً ليكتب عهد عمر فقال له: اكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة، أمّابعد ثم اغمي عليه فكتب عثمان: فإني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيراً.

ثمّ أفاق أبو بكر فقال: اقرأ عليّ، فقرأ عليه، فكبّر أبو بكر، وقال: أراك خفت أن يختلف الناس إن متّ في غشيتي )(٢) .

قال عثمان: نعم.

قال: جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله.

فلمّا كتب العهد أمر به أن يقرأ على الناس فجمعهم، وأرسل الكتاب مع مولىً له مع ( عمر ) وكان عمر يقول للناس: انصتوا واسمعوا لخليفة رسول الله إنّه لم يألكم نصحاً.

فسكت الناس فلمّا قرأ عليهم الكتاب سمعوا له وأطاعوا(٣) .

__________________

(١) الإمامة والسياسة للدينوريّ المتوفّي ( ٢٦٢ ه‍ ): ١٨ ( طبعة مصر ).

(٢) هل يمكن أن يلتفت الخليفة إلى الخطر الكامن في ترك الأمّة دون خليفة يستخلفها عليهم ولا يلتفت إليها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

(٣) الكامل في التاريخ لابن الأثير ٢: ٢٩٢ وطبقات ابن سعد الكبرى ٣: ٢٠٠ ( طبعة بيروت ).

١٥٨

وقد نقل موضوع استخلاف ( أبي بكر ) ل ( عمر ) عدة من أعلام التأريخ والحديث بهذين النحوين من النقل.

ب ـ استخلاف عثمان

وأمّا قصة استخلاف عثمان فهي كالآتي، كما نقلها وأثبتها كتّاب التأريخ وأعلام السيرة :

قال ابن قتيبة الدينوريّ في كتابه الإمامة والسياسة: ( قال عمر: ساستخلف النفر الذين توفيّ رسول الله وهو عنهم راض

فأرسل إليهم فجمعهم، وهم عليّ بن أبي طالب وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن عوّام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمان بن عوف وكان طلحة غائباً فقال :

يا معشر المهاجرين الأولين: إنّي نظرت في أمر الناس، فلم أجد فيهم شقاقاً ولا نفاقاً فإن يكن بعدي شقاق ونفاق فهو فيكم، فتشاوروا ثلاثة أيام، فإن جاءكم طلحة إلى ذلك، وإلاّ فأعزم عليكم بالله أن لا تتفرقوا من اليوم الثالث حتّى تستخلفوا أحدكم )(١) .

وكتب ابن الأثير في كامله: ( انّ عمر بن الخطاب لـمّا طعن قيل له: يا أمير المؤمنين لو استخلفت ؟ فقال: من استخلف ؟ لو كان أبو عبيدة حياً لاستخلفته ولو كان سالم مولى حذيفة حياً لاستخلفته

فقال رجل: أدلّك عليه ؟ عبد الله بن عمر، فقال ( عمر ): قاتلك الله كيف استخلف من عجز عن طلاق امرأته الى أن قال :

عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنهّم من أهل الجنّة وهم عليّ

__________________

(١) الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوريّ المتوفّي عام ( ٢٦٢ ه‍ ): ٢٣.

١٥٩

وعثمان وعبد الرحمان وسعد والزبير بن عوّام وطلحة بن عبد الله.

فلمّا أصبح عمر، دعا عليّاً وعثمان وسعداً وعبد الرحمان والزبير، فقال لهم :

إنّي نظرت فوجدتكم رؤساء الناس وقادتهم ولا يكون هذا الأمر إلّا فيكم. وقد قبض رسول الله وهو عنكم راض. فانهضوا إلى حجرة عائشة بإذنها، واختاروا منكم رجلاً، فإذا متّ فتشاوروا ثلاثة أيّام، وليصلّ بالناس صهيب، ولا يأتي اليوم الرابع إلّا وعليكم أمير ».

فاجتمع هؤلاء الرهط في بيت حتّى يختاروا رجلاً منهم.

قال لصهيب: « صلِّ بالناس ثلاثة أيام وأدخل هؤلاء الرهط بيتاً وقم على رؤوسهم فإن اجتمع خمسة وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف وإن اتفق أربعة وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما وإن رضي ثلاثة رجلا وثلاثة رجلا، فحكّموا عبد الله بن عمر فان لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمان بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغبوا عمّا اجتمع فيه الناس )(١) .

وممّا يدلّ على أنّ هذا الموقف والرأي لم يكن موقف الصحابة ورأيهم خاصّة في مسألة الاستخلاف والقيادة بل إنّ الرأي العام في ذلك العهد كان يعتقد ضرورة استخلاف القائد والحاكم، وعدم ترك الأمر إلى نظر الناس وإرادتهم وانتخابهم، نظريات لطائفة من الشخصيّات نذكر بعضها فيما يأتي :

١. نقل أنّ عمر بن الخطاب لـمّا أحس بالموت قال لابنه [ عبد الله ]: ( اذهب إلى عائشة واقراها مني السلام، واستأذن منها أن أقبر في بيتها مع رسول الله ومع أبي بكر.

فأتاها عبد الله بن عمر فأعلمها فقال: ( نعم وكرامة ).

ثمّ قالت: ( يا بنيّ أبلغ عمر سلامي فقل له: لا تدع أمّة محمّد بلا راع استخلف عليهم، ولا تدعهم بعدك هملا، فإنّي أخشى عليهم الفتنة )(٢) . فأتى عبد الله

__________________

(١) الكامل لابن الأثير ٣: ٣٥.

(٢) وهل يمكن أن تلتفت أمّ المؤمنين إلى هذه النكتة ولا يلتفت إليها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293