السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام20%

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 293

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 293 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 241937 / تحميل: 7924
الحجم الحجم الحجم
السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وقال بعض المفسّرين بأنّ جملة :( وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) إشارة إلى مقام «الشهود» الذي يكون للمؤمنين في يوم القيامة بأن يمكّنهم الله من النظر إلى جماله وجلاله والالتذاذ من ذلك بأعظم اللذّات. ولكن يظهر أنّ الجملة المذكورة لها معنى واسع وشامل بحيث يشمل محتوى الحديث المذكور وعطايا ومواهب اخرى غير معروفة أيضا.

جملة( إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) تدلّل على أنّ أوّل لطف الله معهم ، هو «العفو» عن ذنوبهم وزلّاتهم التي تبدر منهم أحيانا ، لأنّ أشدّ قلق المؤمن يكون من هذا الجانب.

وبعد أن يهدأ بالهم من تلك الجهة ، فانّه تعالى يشملهم بـ «الشكر» أي انّه يشكر لهم أعمالهم ويعطيهم أفضل الجزاء والثواب.

نقل تفسير «مجمع البيان» مثلا تضربه العرب وهو «أشكر من بروقة» وتزعم العرب أنّها ـ أي بروقة ـ شجرة عارية من الورق ، تغيم السماء فوقها فتخضر وتورق من غير مطر(١) . وهو مثل يضرب للتعبير عن منتهى الشكر ، ففي قبال أقل الخدمات ، يقدّم أعظم الثواب. بديهي أنّ خالق مثل هذه الشجرة أشكر منها وأرحم.

* * *

تعليقة

شروط تلك التجارة العجبية :

الملفت للنظر أنّ كثيرا من الآيات القرآنية الكريمة تشبّه هذا العالم بالمتجر الذي تجّاره الناس ، والمشتري هو الله سبحانه وتعالى ، وبضاعته العمل الصالح ،

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٤٠٧.

٨١

والقيمة أو الأجر : الجنّة والرحمة والرضا منه تعالى(١) .

ولو تأمّلنا بشكل جيّد فسوف نرى أنّ هذه التجارة العجبية مع الله الكريم ليس لها نظير ، لأنّها تمتاز بالمزايا التالية التي لا تحتويها أيّة تجارة اخرى :

١ ـ إنّ الله سبحانه وتعالى أعطى للبائع تمام رأسماله ، ثمّ كان له مشتريا!.

٢ ـ إنّ الله تعالى مشتر في حال أنّه غير محتاج ـ إلى شيء تماما ـ فلديه خزائن كلّ شيء.

٣ ـ إنّه تعالى يشتري «المتاع القليل» بالسعر «الباهض» «يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير» ، «يا من يعطي الكثير بالقليل».

٤ ـ هو تعالى يشتري حتّى البضاعة التافهة( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) .

٥ ـ أحيانا يعطي قيمة تعادل سبعمائة ضعف أو أكثر «البقرة ـ ٢٦١».

٦ ـ علاوة على دفع الثمن العظيم فإنّه أيضا يضيف إليه من فضله ورحمته( وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) (الآية موضوع البحث).

ويا له من أسف أنّ الإنسان العاقل الحرّ ، يغلق عينيه عن تجارة كهذه ، ويشرع بغيرها ، وأسوأ من ذلك أن يبيع بضاعته مقابل لا شيء.

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) يقول : «ألا حرّ يدع هذه اللّماظة لأهلها ، إنّه ليس لأنفسكم ثمن إلّا الجنّة ، فلا تبيعوها إلّا بها»(٢) .

* * *

__________________

(١) سورة الصف : آية ١ والتوبة ـ آية ١١١ والبقرة ٢٠٧ والنساء ـ ٧٤.

(٢) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، جملة ٤٥٦ ، صفحة ٥٥٦.

٨٢

الآيتان

( وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) )

التّفسير

الورثة الحقيقيّون لميراث الأنبياء :

بعد أن كان الحديث في الآيات السابقة عن المؤمنين المخلصين الذين يتلون الكتاب الإلهي ويطبّقون وصاياه ، تتحدّث هذه الآيات عن ذلك الكتاب السماوي وأدلّة حقّانيّة ، وكذلك عن الحملة الحقيقيين لذلك الكتاب ، وبذا يستكمل الحديث الذي افتتحته الآيات السابقة حول التوحيد ، بالبحث الذي تثيره هذه الآيات حول النبوّة.

تقول الآية الكريمة :( وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُ ) .

مع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ (الحقّ) يعني كلّ ما ينطبق مع الواقع وينسجم معه ، فإنّ هذا التعبير دليل على إثبات أنّ هذا الكتاب السماوي نازل من الله تعالى ، لأنّنا

٨٣

كلّما دقّقنا النظر في هذا الكتاب السماوي وجدناه أكثر انسجاما مع الواقع.

فليس فيه تناقض ، أو كذب أو خرافة ، بل فمبادئه ومعارفه تنسجم مع منطق العقل. قصصه وتواريخه منزّهة عن الأساطير والخرافات ، وقوانينه تتساوق مع احتياجات البشر ، فتلك الحقّانية دليل واضح على أنّه نازل من الله سبحانه وتعالى.

هنا ولأجل توضيح موقع القرآن الكريم ، تمّت الاستفادة هنا من كلمة «الحقّ» ، في حال أنّه في آيات اخرى من القرآن الكريم ورد التعبير عنه بـ «النور» و «البرهان» و «الفرقان» و «الذكر» و «الموعظة» و «الهدى» ، وكلّ واحدة منها تشير إلى واحدة من بركات القرآن وأبعاده ، بينما كلمة (الحقّ) تشمل جميع تلك البركات.

يقول الراغب في (مفرداته) : أصل الحقّ المطابقة والموافقة ، والحقّ يقال على أوجه :

الأوّل : يقال لمن يوجد الشيء على أساس الحكمة ، ولهذا قيل في الله تعالى هو الحقّ، لذا قال الله :( فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ ) .(١)

الثّاني : يقال للشيء الذي وجد بحسب مقتضى الحكمة ، ولهذا يقال فعل الله تعالى كلّه حقّ ، قال تعالى :( ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ ) ،(٢) أي الشمس والقمر وغير ذلك.

الثّالث : في العقائد المطابقة للواقع. قال تعالى :( فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِ ) .(٣)

والرّابع : يقال للأقوال والأفعال الصادر وفقا لما يجب ، وبقدر ما يجب ، وفي الوقت المقرّر ، كقولنا : فعلك حقّ ، وقولك حقّ(٤) .

__________________

(١) يونس ، ٣٢.

(٢) يونس ـ ٥.

(٣) البقرة ـ ٢١٣.

(٤) مفردات الراغب ـ مادّة حقّ. «مع تلخيص واختصار».

٨٤

وبناء عليه ، فإنّ حقّانية القرآن المجيد هي من حيث كونه حديثا مطابقا للمصالح والواقعيات من جهة ، كما أنّ العقائد والمعارف الموجودة فيه تنسجم مع الواقع من جهة اخرى ، ومن جهة ثالثة فإنّه من نسج الله وصنعه الذي صنعه على أساس الحكمة ، والله ذاته تعالى الذي هو الحقّ يتجلّى في ذلك الكتاب العظيم ، والعقل يصدق ويؤمن بما هو حقّ.

جملة( مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ) دليل آخر على صدق هذا الكتاب السماوي ، لأنّه ينسجم مع الدلائل المذكورة في الكتب السماوية السابقة في إشارتها إليه وإلى حاملهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

جملة( إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ) توضّح علّة حقّانية القرآن وانسجامه مع الواقع والحاجات البشرية ، لأنّه نازل من الله سبحانه وتعالى الذي يعرف عباده خير معرفة ، وهو البصير الخبير فيما يتعلّق بحاجاتهم.

لكن ما هو الفرق بين «الخبير» و «البصير»؟

قال البعض : «الخبير» العالم بالبواطن والعقائد والنيّات والبعد الروحي في الإنسان ، و «البصير» العالم بالظواهر والبعد الجسماني للإنسان.

وقال آخرون : «الخبير» إشارة إلى أصل خلق الإنسان ، و «البصير» إشارة إلى أعماله وأفعاله.

وطبيعي أنّ التّفسير الأوّل يبدو أنسب وإن كان شمول الآية لكلا المعنيين ليس مستبعدا.

الآية التّالية تتحدّث في موضوع مهم بالنسبة إلى حملة هذا الكتاب السماوي العظيم ، أولئك الذين رفعوا مشعل القرآن الكريم بعد نزوله على الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في زمانه وبعده على مرّ القرون والعصور ، وهم يحفظونه ويحرسونه ، فتقول :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ) .

واضح أنّ المقصود من «الكتاب» هنا ، هو نفس ما ذكر في الآية السابقة وهو

٨٥

«القرآن الكريم» والألف واللام فيه «للعهد». والقول بأنّ المراد هو الإشارة للكتب السماوية ، وأنّ اللام هنا «للجنس» يبدو بعيد الاحتمال ، وليس فيه تناسب مع ما ورد في الآيات السابقة.

التعبير بـ «الإرث» هنا وفي موارد اخرى مشابهة في القرآن الكريم ، لأجل أنّ «الإرث» يطلق على ما يستحصل بلا مشقّة أو جهد ، والله سبحانه وتعالى أنزل هذا الكتاب السماوي العظيم للمسلمين هكذا بلا مشقّة أو جهد.

لقد وردت روايات كثيرة هنا من أهل البيتعليهم‌السلام في تفسير عبارة( الَّذِينَ اصْطَفَيْنا ) بالأئمّة المعصومينعليهم‌السلام (١) .

هذه الروايات ـ كما ذكرنا مرارا ـ ذكر لمصاديق واضحة وفي الدرجة الاولى. ولكن لا مانع من اعتبار العلماء والمفكّرين في الامّة ، والصلحاء والشهداء ، الذين سعوا واجتهدوا في طريق حفظ هذا الكتاب السماوي ، والمداومة على تطبيق أوامره ونواهيه ، تحت عنوان( الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ) .

ثمّ تنتقل الآية إلى تقسيم مهمّ بهذا الخصوص ، فتقول :( فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) .

ظاهر الآية هو أنّ هذه المجامع الثلاثة هي من بين( الَّذِينَ اصْطَفَيْنا ) أي : ورثة وحملة الكتاب السماوي.

وبتعبير أوضح ، إنّ الله سبحانه وتعالى قد أوكل مهمّة حفظ هذا الكتاب السماوي ، بعد الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هذه الامّة ، الامّة التي اصطفاها الله سبحانه ، غير أنّ في تلك الامّة مجاميع مختلفة : بعضهم قصّروا في وظيفتهم العظيمة في حفظ هذا الكتاب والعمل بأحكامه ، وفي الحقيقة ظلموا أنفسهم ، وهم مصداق( ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ) .

ومجموعة اخرى ، أدّت وظيفتها في الحفظ والعمل بالأحكام إلى حدّ كبير ، وإن

__________________

(١) راجع تفسير نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، صفحة ٣٦١.

٨٦

كان عملها لا يخلو من بعض الزلّات والتقصيرات أيضا ، وهؤلاء مصداق «مقتصد».

وأخيرا مجموعة ممتازة ، أنجزت وظائفها العظيمة بأحسن وجه ، وسبقوا الجميع في ميدان الاستباق ، والذين أشارت إليهم الآية بقولها :( سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ) .

وهنا يمكن أن يقال بأنّ وجود المجموعة «الظالمة» ينافي أنّ هؤلاء جميعا مشمولون بقوله «اصطفينا»؟

وفي الجواب نقول : إنّ هذا شبيه بما ورد بالنسبة إلى بني إسرائيل في الآية (٥٣) من سورة المؤمن :( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ ) ، في حال أنّنا نعلم أنّ بني إسرائيل جميعهم لو يؤدّوا وظيفتهم إزاء هذا الميراث العظيم.

أو نظير ما ورد في الآية (١١٠) من سورة آل عمران :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) .

أو ما ورد في الآية (١٦) من سورة الجاثية بخصوص بني إسرائيل أيضا( وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ ) .

وكذلك في الآية (٢٦) من سورة الحديد نقرأ :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ ) .

وخلاصة القول : إنّ الإشارة في أمثال هذه التعبيرات ليست للامّة بأجمعها فردا فردا ، بل إلى مجموع الامّة ، وإن احتوت على طبقات ، ومجموعات مختلفة(١) .

__________________

(١) أمّا ما احتمله البعض من أنّ التقسيم الوارد في الآية يعود على «عبادنا» وليس على «الذين اصطفينا» ، بحيث أنّ هذه المجموعات الثلاثة لا تدخل ضمن مفهوم ورثة الكتاب ، بل ضمن مفهوم «عبادنا» و «الذين اصطفينا» فقط المجموعة الثالثة أي «السابقين بالخيرات» ، فيبدو بعيدا ، لأنّ الظّاهر هو أنّ هذه المجموعات ممّن ذكرتهم الآية ، ونعلم أنّ الحديث في الآية لم يكن عن كلّ العباد ، بل عن( الَّذِينَ اصْطَفَيْنا ) ، ناهيك عن إضافة «نا» إلى «عباد» وهو نوع من التمجيد والمدح ، ممّا يجعل ذلك غير منسجم مع التّفسير المذكور.

٨٧

وقد ورد في روايات كثيرة عن أهل بيت العصمةعليهم‌السلام في تفسير «سابق بالخيرات» بالمعصومعليه‌السلام ، و «ظالم لنفسه» بمن لا يعرف الإمام ، و «المقتصد» العارف بالإمام(١) .

هذه التّفسيرات شاهد واضح على ما اخترناه لتفسير الآية ، وهو أنّه لا مانع من كون هذه المجاميع الثلاثة ضمن ورثة الكتاب الإلهي.

ولا نحتاج إلى التذكير بأنّ تفسير الروايات أعلاه هو من قبيل بيان المصاديق الأوضح للآية ، وهم الأئمّة المعصومون ، إذ هم الصفّ الأوّل ، بينما العلماء والمفكّرون وحماة الدين الآخرون في صفوف اخرى.

كذلك فإنّ التّفسير الوارد في تلك الروايات للظالم والمقتصد ، هو أيضا من قبيل بيان المصاديق ، وإذا لاحظنا أنّ بعض الرّوايات تنفي شمول الآية للعلماء في مقصودها فإنّ ذلك في الحقيقة لإلفات النظر إلى وجود الإمام في مقدّمة تلك الصفوف.

ومن الجدير بالذكر أنّ جمعا من المفسّرين القدماء والمعاصرين احتملوا الكثير من الاحتمالات في تفسير هذه المجاميع ، والتي هي في الحقيقة جميعا من قبيل بيان المصاديق(٢) .

__________________

(١) راجع تفسير نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، صفحة ٣٦١ ، كذلك الكافي ، المجلّد ١ ، باب من اصطفاه الله من عباده.

(٢) ذهب بعض بأنّ السابق بالخيرات هم أعوان الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمقتصد طبقة التابعين ، والظالم لنفسه أفرادا آخرون. والبعض الآخر فسّروا «سابق بالخيرات» بالذين يفضّل باطنهم على ظاهرهم و «المقتصد» بالذين يتساوى ظاهرهم وباطنهم ، و «الظالم لنفسه» بالذين يفضّل ظاهرهم على باطنهم. والبعض الآخر قالوا إنّ «السابقين» هم الصحابة ، و «المقتصدين» هم تابعيهم ، و «الظالمين» هم المنافقون. وقال آخرون بأنّ الآية تشير إلى المجموعات الثلاثة الواردة في سورة الواقعة ـ الآيات ٧ إلى ١١.( وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) . وفي حديث أنّ «السابق بالخيرات» هم الأئمّة علي والحسن والحسين وشهداء آل محمّد عليهم الصلاة والسلام ، والمقتصد المتديّنون المجاهدون ، والظالم لنفسه الذي خلط عملا صالحا وآخر غير صالح.

٨٨

وهنا يطرح السؤال التالي : لماذا ابتدأ الحديث بذكر الظالمين كمجموعة اولى ، ثمّ المقتصد ، ثمّ السابقين بالخيرات ، في حين أنّ العكس يبدو أولى من عدّة جهات؟

بعض كبار المفسّرين قالوا للإجابة على هذا السؤال : إنّ الهدف هو بيان ترتيب مقامات البشر في سلسلة التكامل ، لأنّ أوّل المراحل هي مرحلة العصيان والغفلة ، وبعدها مقام التوبة والإنابة ، وأخيرا التوجّه والاقتراب من الله سبحانه وتعالى ، فحين تصدر المعصية من الإنسان فهو «ظالم لنفسه» ، وحين يلج مقام التوبة فهو «مقتصد» ، وحين تقبل توبته ويزداد جهاده في طريق الحقّ ، ينتقل إلى مقام القرب ليرقى إلى مقام «السابقين بالخيرات»(١) .

وقال آخر : بأنّ هذا الترتيب لأجل الكثرة والقلّة في العدد والمقدار ، فالظالمون يشكّلون الأكثرية ، والمقتصدون في المرتبة التالية ، والسابقون للخيرات وهم الخاصّة والأولياء من الناس هم الأقلّية وان كانوا أفضل من الناحية الكيفيّة.

الملفت للتأمّل ما نقل في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : (ما مؤدّاه): «قدّم الظالم لكي لا ييأس من رحمة الله ، وأخّر السابقون بالخيرات لكي لا يأخذهم الغرور بعملهم»(٢) .

ويمكن أن يكون كلّ من هذه المعاني الثلاثة مقصودا.

وآخر كلام في تفسير هذه الآية حول المشار إليه في جملة( ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) ؟

قال البعض ، بأنّه ميراث الكتاب الإلهي ، وقال آخرون بأنّه إشارة إلى التوفيق التي شمل حال السابقين بالخيرات ، وطيّهم لهذا الطريق بإذن الله ، لكن يبدو أنّ

__________________

وكلّ هذه التّفسيرات كما قلنا من قبيل بيان المصاديق ، وكلّها قابلة للتعقّل ، عدا التّفسير الأوّل الّذي لا يحتوي على مفهوم صحيح.

(١) مجمع البيان ، تفسير الآية مورد البحث.

(٢) تفسير أبو الفتوح الرازي ، المجلّد ٩ تفسير الآيات مورد البحث.

٨٩

المعنى الأوّل أنسب وأكثر انسجاما مع ظاهر الآية.

* * *

ملاحظة

من هم حرّاس الكتاب الإلهي؟

على ما ذكر القرآن الكريم فإنّ الله سبحانه وتعالى يشمل الامّة الإسلامية بمواهب عظيمة ، من أهمّها ذلك الميراث الإلهي العظيم وهو «القرآن».

وقد اصطفيت الامّة الإسلامية من باقي الأمم ، وتلك نعمة أعطيت لها ، ومسئولية ثقيلة أسندت إليها بنفس النسبة التي فضّلت بها وأصبحت بسببها مشمولة باللطف الإلهي ، وستكون هذه الامّة في صف «السابقين بالخيرات» ما أدّت حقّ حفظ وحراسة هذا الميراث العظيم. أي أن تسبق جميع الأمم في الخيرات ، في تطوير العلوم ، في التقوى والزهد ، في العبادة وخدمة البشرية ، في الجهاد والاجتهاد ، في التنظيم والإدارة ، في الفداء والإيثار والتضحية ، فتتقدّم وتسبق في كلّ هذه الأمور ، وإلّا فإنّها لا تكون قد أدّت حقّ حفظ ذلك الميراث العظيم. خاصّة إذا علمنا أنّ تعبير «السابقين بالخيرات» مفهوم واسع إلى درجة أنّه يشمل التقدّم في جميع الأمور ذات المنحى الإيجابي من امور الحياة.

نعم ، فحملة مثل هذا الميراث هم ـ فقط ـ أولئك الذين يتّصفون بتلك الصفات ، بحيث أنّهم لو أعرضوا عن تلك الهدية السماوية العظيمة ولم يراعوا حرمتها ، فسيكونون مصداقا لـ «ظالم لنفسه» ، إذ أنّ محتوى تلك الهدية الإلهية ليس سوى نجاتهم وتوفيقهم وانتصارهم ، فإنّ من يضرب عرض الحائط بنسخة الدواء التي كتبها له الطبيب ، فإنّه يساعد على استمرار الألم والعذاب لنفسه. وإنّ من يحطّم مصباحه الوحيد وهو يسير في طريق مظلم ، إنّما يسوق نفسه إلى التيه والضياع ، لأنّ الله سبحانه وتعالى غني عن الجميع.

٩٠

وعلى المذنبين أيضا أن لا ينسوا حقيقة أنّهم كانوا مشمولين بمضمون الآية الكريمة في زمرة( الَّذِينَ اصْطَفَيْنا ) وإنّ لهم ذلك الاستعداد بالقوّة ، فعليهم أن يتجاوزوا مرحلة «الظالم لنفسه» وينتقلوا إلى مرحلة «المقتصد» وليرتقوا من هناك حتّى ينالوا فخر «السابقين بالخيرات» ، حيث أنّهم من جهة الفطرة والبناء الروحي من الذين اصطفاهم الحقّ.

* * *

٩١

الآيات

( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (٣٥) )

التّفسير

الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن :

هذه الآيات في الحقيقة نتيجة لما ورد ذكره في الآيات الماضية ، يقول تعالى :( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها ) (١) .

«جنّات» جمع «جنّة» بمعنى (الروضة) وكلّ بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض.

__________________

(١) «جنّات عدن» : يمكن أن تكون خبرا لمبتدء محذوف تقديره «جزائهم» أو «أولئك لهم جنّات عدن» ، نظير الآية (٣١ ـ سورة الكهف) بعضهم أيضا قال : إنّها (بدل) عن «الفضل الكبير» ، ولكن باعتبار أنّ «الفضل الكبير» إشارة إلى ميراث الكتاب السماوي ، فلا يمكن أن تكون «جنّات» بدلا عنها ، إلّا إذا اعتبرنا المسبّب في مقام السبب.

٩٢

و «عدن» بمعنى الاستقرار والثبات ، ومنه سمّي المعدن لأنّه مستقر الجواهر والمعادن. وعليه فإنّ «جنّات عدن» بمعنى «جنّات الخلد والدوام والاستقرار».

على كلّ حال فإنّ هذا التعبير يشير إلى أنّ نعم الجنّة العظيمة خالدة وثابتة ، وليست كنعم الدنيا ممزوجة بالقلق الناجم عن زوالها وعدم دوامها ، وأهل الجنّة ليست لهم جنّة واحدة ، بل جنّات متعدّدة تحت تصرّفهم.

ثمّ تشير الآية إلى ثلاثة أنواع من نعم الجنّة ، بعضها إشارة إلى جانب مادّي وبعضها الآخر إلى جانب معنوي وباطني ، وبعض أيضا يشير إلى عدم وجود أي نوع من المعوّقات ، فتقول الآية :( يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ ) .

فهؤلاء لم يلتفتوا في هذه الدنيا إلى بريقها وزخرفها ، ولم يجعلوا أنفسهم أسرى لزبرجها ، ولم يكونوا أسرى التفكير باللباس الفاخر ، والله سبحانه وتعالى يعوّضهم عن كلّ ذلك ، فيلبسهم في الآخرة أفخر الثياب.

هؤلاء زيّنوا حياتهم الدنيا بالخيرات ، فزيّنهم الله سبحانه وتعالى في يوم تجسّد الأعمال يوم القيامة بأنواع الزينة.

لقد قلنا مرارا بأنّ الألفاظ التي وضعت لهذا العالم المحدود لا يمكنها أن توضّح مفاهيم ومفردات عالم القيامة العظيم ، فلأجل بيان نعم ذلك العالم الآخر نحتاج إلى حروف اخرى وثقافة اخرى وقاموس آخر ، على أيّة حال ، فلأجل توضيح صورة وإن كانت باهتة عن النعم العظيمة في ذلك العالم لا بدّ لنا أن نستعين بهذه الألفاظ العاجزة.

بعد ذلك تلك النعمة الماديّة ، تنتقل الآية مشيرة إلى نعمة معنوية خاصّة فتقول :وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) .

فهؤلاء يحمدون الله بعد أن أصبحت تلك النعمة العظيمة من نصيبهم ، وتلاشت عن حياتهم جميع عوامل الغمّ والحسرة ببركة اللطف الإلهي ، وتبدّدت سحب الهمّ

٩٣

المظلمة عن سماء أرواحهم ، فلا خوف من عذاب إلهي ، ولا وحشة من موت وفناء ، ولا قلق ، ولا أذى الماكرين ، ولا اضطهاد الجبابرة القساة الغاصبين.

اعتبر بعض المفسّرين ذلك الغمّ والحسرة إشارة إلى نظير ما يتعرّض له في الدنيا ، واعتبره البعض الآخر إشارة إلى الحسرة في المحشر على نتائج أعمالهم ، ولا تضادّ بين هذين التّفسيرين ، ويمكن جمعهما في إطار المفهوم العام للآية.

«الحزن» : (على وزن عدم) ، و «الحزن» ـ على وزن عسر ـ كليهما لمعنى واحد كما ذهب إليه أرباب اللغة ، وأصله الوعورة والخشونة في الأرض واطلق على الخشونة في النفس لما يحصل فيها من الغمّ ويضادّه الفرح(١) .

ثمّ يضيف أهل الجنّة هؤلاء( إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) .

فبغفرانه أزال عنّا حسرة الزلّات والذنوب ، وبشكره وهبنا المواهب الخالدة التي لن يلقى عليها الغمّ بظلاله المشؤومة. غفر وستر بغفرانه الكثير الكثير من ذنوبنا ، وبشكره أعطانا الكثير على أعمالنا البسيطة القليلة القليلة!

أخيرا تنتقل الآية مشيرة إلى آخر النعم ، وهي عدم وجود عوامل الإزعاج والمشقّة والتعب والعذاب ، فتحكى عن ألسنتهم( الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ ) .

الدار الآخرة هناك دار إقامة لا كما في الدنيا حيث أنّ الإنسان ما أن يألف محيطه ويتعلّق به حتّى يقرع له جرس الرحيل! هذا من جانب ومن جانب آخر فمع أنّ العمر هناك متّصل بالأبد ، إلّا أنّ الإنسان لا يصيبه الملل أو الكلل ، أو التعب أو النصب مطلقا ، لأنّهم في كلّ آن أمام نعمة جديدة ، وجمال جديد.

«النصب» بمعنى التعب ، و «اللغوب» بمعنى التعب والنصب أيضا. هذا على ما تعارف عليه أهل اللغة والتّفسير ، في حين أنّ البعض فرّق بين اللفظتين فقال بأنّ (النصب) يطلق على المشاقّ الجسمانية ، و «اللغوب» يطلق على المشاقّ

__________________

(١) مفردات الراغب.

٩٤

الروحية(١) . أو أنّه الضعف والنحول الناجم عن المشقّة والألم ، وبذا يكون «اللغوب» ناجما عن «النصب»(٢) .

وبذا فلا وجود هناك لعوامل التعب والمشقّة ، سواء كانت نفسية أو جسمانية.

* * *

__________________

(١) انظر تفسير روح المعاني ، مجلّد ٢٢ ، صفحة ١٨٤.

(٢) المصدر السابق.

٩٥

الآيات

( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧) إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨) )

التّفسير

ربّنا أخرجنا نعمل صالحا!

القرآن الكريم يقرن (الوعيد) (بالوعود) ويذكر «الإنذارات» ، إلى جانب «البشارات» لتقوية عاملي الخوف والرجاء الباعثين للحركة التكاملية في الإنسان ، إذ أنّ الإنسان بمقتضى «حبّ الذات» يقع تحت تأثير غريزتي «جلب المنفعة» و «دفع الضرر».

وعليه فمتابعة للحديث الذي كان في الآيات السابقة عن المواهب الإلهية

٩٦

العظيمة وصبر «المؤمنين السابقين في الخيرات» ينتقل الحديث هنا إلى العقوبات الأليمة للكفّار ، والحديث هنا أيضا عن العقوبات المادية والمعنوية.

تبتدئ الآيات بالقول :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ ) ، فكما أنّ الجنّة دار المقامة والخلد للمؤمنين ، فإنّ النار أيضا مقام أبدي للكافرين.

ثمّ تضيف( لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ) (١) ، فمع أنّ تلك النار الحامية وذلك العذاب المؤلم يستطيع القضاء عليهم في كلّ لحظة ، إلّا أنّهم ولعدم صدور الأمر الإلهي ـ وهو المالك لكلّ شيء ـ بموتهم لا يموتون ، يجب أن يبقوا على قيد الحياة ليذوقوا عذاب الله. فالموت بالنسبة إلى هؤلاء ليس سوى منفذ للخلاص من العذاب ، لكن الله تعالى أوصد دونهم ذلك المنفذ.

يبقى منفذ آخر هو أن يبقوا على قيد الحياة ويخفّف عنهم العذاب شيئا فشيئا ، أو أن يزداد تحمّلهم للعذاب فينتج عن ذلك تخفيف العذاب عنهم ، ولكن تتمّة الآية أغلقت هذا المنفذ أيضا( وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها ) .

ثمّ تضيف الآية وللتأكيد على قاطعية هذا الوعد الإلهي( كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ) .

فقد كفر هؤلاء في بادئ الأمر بنعمة وجود الأنبياء والكتب السماوية ، ثمّ أتلفوا رصيدهم الذي سخّره الله لمساعدتهم على نيل السعادة ، نعم ، فجزاء الكفّار ليس سوى الحريق والعذاب الأليم ، الحريق بالنار التي أشعلوها بأيديهم في الحياة الدنيا واحتطبوا لها من أفكارهم وأعمالهم ووجودهم.

وبما أنّ كلمة «كفور» صيغة مبالغة ، فإنّ لها معنى أعمق من «كافر» ، علاوة على أنّ لفظة «كافر» تستخدم في قبال «مؤمن» ولكن «كفور» إشارة إلى أولئك الذين كفروا بكلّ نعم الله ، وأغلقوا عليهم جميع أبواب الرحمة الإلهيّة في هذه الدنيا ، لذا فإنّ الله يغلق عليهم جميع أبواب النجاة في الآخرة.

__________________

(١) «لا يقضى عليهم» بمعنى لا يحكم عليهم.

٩٧

وتنتقل الآية التالية إلى وصف نوع آخر من العذاب الأليم ، وتشير إلى بعض النقاط الحسّاسة في هذا الخصوص ، فتقول الآية الكريمة :( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ) (١) .

نعم ، فهم بمشاهدة نتائج أعمالهم السيّئة ، يغرقون في ندم عميق ، ويصرخون من أعماق قلوبهم ويطلبون المحال ، العودة إلى الدنيا للقيام بالأعمال الصالحة.

التعبير بـ «صالحا» بصيغة النكرة إشارة إلى أنّهم لم يعملوا أقلّ القليل من العمل الصالح ، ولازم هذا المعنى أنّ كلّ هذا العذاب والألم إنّما هو لمن لم تكن لهم أيّة رابطة مع الله سبحانه في حياتهم ، وكانوا غرقى في المعاصي والذنوب ، وعليه فإنّ القيام بقسم من الأعمال الصالحة أيضا يمكن أن يكون سببا في نجاتهم.

التعبير بالفعل المضارع «نعمل» أيضا له ذلك الإشعاع ، ويؤيّد هذا المعنى ، وهو تأكيد أيضا على «أنّنا كنّا مستغرقين في الأعمال الطالحة».

قال بعض المفسّرين : إنّ الربط بين وصف «صالحا» واللاحق لها «كنّا نعمل» يثير نكتة لطيفة ، وهي أنّ المعنى هو «إنّنا كنّا نعمل الأعمال التي عملنا بناء على تزيين هوى النفس والشيطان ، وكنّا نتوّهم أنّها أعمال صالحة ، والآن قرّرنا أن نعود ونعمل أعمالا صالحة في حقيقتها غير التي ارتكبناها».

نعم فالمذنب في بادئ الأمر ـ وطبق قانون الفطرة السليمة ـ يشعر ويشخص قباحة أعماله ، ولكنّه قليلا قليلا يتطبّع على ذلك فتقل في نظره قباحة العمل ، ويتوغّل أبعد من ذلك فيرى القبيح جميلا ، كما يقول القرآن الكريم :( زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ ) (٢) .

وفي مكان آخر يقول تعالى :( وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) .(٣)

__________________

(١) «يصطرخون» من مادّة «صرخ» بمعنى الصياح الشديد الذي يطلقه الإنسان من القلب للاستغاثة وطلب النجدة ، للتخلّص من الألم أو العذاب أو أي مشكل آخر.

(٢) التوبة ، ٣٧.

(٣) الكهف ، ١٠٤.

٩٨

على كلّ حال ، ففي قبال ذلك الطلب الذي يطلبه أولئك من الله سبحانه وتعالى ، يصدر ردّ قاطع عنه سبحانه وتعالى حيث يقول :( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ ) فإذا لم تنتفعوا بكلّ ما توفّر بين أيديكم من وسائل النجاة تلك ومن كلّ الفرص الكافية المتاحة( فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ) .

هذه الآية تصرّح : لم يكن ينقصكم شيء ، لأنّ الفرصة أتيحت لكم بما يكفي ، وقد جاءتكم نذر الله بالقدر الكافي ، وبتحقّق هذين الركنين يحصل الانتباه والنجاة ، وعليه فليس لكم أي عذر ، فلو لم تكن لكم المهلة كافية لكان لكم العذر ، ولو كانت لكم مهلة كافية ولم يأتكم نذير ومرشد ومعلّم فكذلك لكم العذر ، ولكن بوجود ذينك الركنين فما هو العذر؟!

«نذير» عادة ترد في الآيات القرآنية للإشارة إلى وجود الأنبياء ، وبالأخصّ نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن بعض المفسّرين ذكروا لهذه الكلمة هنا معنى أوسع ، بحيث تشمل الأنبياء والكتب السماوية والحوادث الداعية إلى الانتباه كموت الأصدقاء والأقرباء ، والشيخوخة والعجز ، وكما يقول الشاعر :

رأيت الشيب من نذر المنايا

لصاحبه وحسبك من نذير(١)

من الجدير بالملاحظة أيضا أنّه قد ورد في بعض الروايات أنّ هناك حدّا من العمر يعتبر إنذارا وتذكيرا للإنسان ، وذلك بتعبيرات مختلفة ، فمثلا

في حديث عن ابن عبّاس مرفوعا عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من عمّره الله ستّين سنة فقد أعذر إليه»(٢) .

وعن أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام أنّه قال : «العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستّون سنة»(٣) .

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٤١٠.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

٩٩

وعن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا أنّه قال : «إذا كان يوم القيامة قيل : أين أبناء الستّين؟ وهو العمر الذي قال الله :( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ) (١) .

ولكن ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : إنّ الآية «توبيخ لابن ثماني عشرة سنة»(٢) .

طبعا ، من الممكن أن تكون الرواية الأخيرة إشارة إلى الحدّ الأقل ، والروايات السابقة إشارة إلى الحدّ الأعلى ، وعليه فلا منافاة بينها ، وحتّى أنّه يمكن انطباقها على سنين اخرى أيضا ـ حسب التفاوت لدى الأفراد ـ وعلى كلّ حال فإنّ الآية تبقى محتفظة بسعة مفهومها.

في الآية الأخيرة ـ من هذه الآيات ـ يرد الجواب على طلب الكفّار في العودة إلى الدنيا فتقول الآية :( إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ) .

الجملة الاولى في الحقيقة دليل على الجملة الثانية ، أي إنّه كيف يمكن لعالم أسرار السموات والأرض وغيب عالم الوجود أن لا يكون عالما بأسرار القلوب؟!

نعم ، فهو سبحانه وتعالى يعلم أنّه لو استجاب لما طلبه منه أهل جهنّم ، وأعادهم إلى الدنيا فسوف يعاودون نفس المسيرة المنحرفة التي كانوا عليها ، كما أشارت إلى ذلك الآية (٢٨) من سورة الأنعام :( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) .

إضافة إلى ذلك فالآية تنبيه للمؤمنين على أن يسعوا لتحقيق الإخلاص في نيّاتهم ، وأن لا يأخذوا بنظر الإعتبار غير الله سبحانه وتعالى ، لأنّ أقلّ شائبة في نواياهم سيكون معلوما لديه وباعثا لمجازاتهم على قدر ذلك.

* * *

__________________

(١) الدرّ المنثور ، ج ٥ ، ص ٢٥٤.

(٢) مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٤١٠.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

للقبلة بالقرب من المنارة الشرقية.

أمّا الآن فهو يقع بالقرب من المحراب الأصلي للمسجد موازياً لمقام نبي الله هود عليه السلام وقد كتب على جدار القبلة «هذا مقام خضر النبي عليه السلام».

وكما في الأخبار الشريفة أنّ نبي الله الخضر عليه السلام سيبقى حيّاً إلى عصر ظهور الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف ثمّ يظهر ويتقدي هو وجماعته بالإمام الحجّة عليه السلام ويصلّون خلفه.

٤ ـ مكان نزول نبي الله عيسى عليه السلام : ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال : إنّ نبي الله عيسى بن مريم عليهما السلام ينزل بالجنب من المنارة الشرقية في دمشق ـ أي في المسجد الجامع ـ يوجد حجر كان نبي الله موسى عليه السلام قد ضربه بعصاه فانفجرت عنه اثنتا عشرة عيناً(١) .

مراقد أهل البيت عليهم السلام في الشام

١ ـ حرم السيّدة زينب عليها السلام :

تفيد الدلائل الكثيرة أنّ القبر الموجود في الجنوب الشرقي من العاصمة السورية والذي عمّر في السنوات الأخيرة وأُعيدت توسعته من جديد هو قبر عقيلة الهاشميين السيّدة زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام إلّا أنّ البعض من الأعلام ذهبوا أنّ القبر الموجود في الغوطة هو قبر «أُمّ كلثوم» ، كما ذهب البعض الآخر أنّه قبر للسيّدة زينب عليها السلام.

ولكي يتّضح المطلب فإنّ أقوال المؤرخين حول القبر الموجود في سوريا اليوم هي :

١ ـ قبر السيّدة أُمّ كلثوم عليها السلام.

٢ ـ قبر السيّدة زينب وكنيتها أُمّ كلثوم وأضافوا بأنّها بنت السيّدة الزهراء عليها السلام.

__________________

(١) تاريخ الأماكن السياحية في سوريا ص ٩٢ ـ ٩٣ ، ومراقد أهل البيت عليهم السلام في الشام ص ٢٤.

٢٢١

٣ ـ قبر السيّدة زينب الصغرى عليها السلام ، كنّاه بأُمّ كلثوم زوجة محمّد بن عقيل وكانت أُمّها جارية.

٤ ـ ذهب عدّة من الشيعة والسنّة أنّ القبر هو للسيّدة زينب الكبرى بنت الإمام علي عليه السلام ووالدتها الصدّيقة فاطمة عليها أفضل الصلاة والسلام.

ويمكن الجمع بين الأقوال أنّ السيّدة زينب عليها السلام الموجودة في سوريا تكنّى بأمّ كلثوم فينتفي التنافي بين القول الأوّل والثاني والرابع ، ومع الالتفات أنّ القول الثالث لا دليل تاريخي معتبر له ، فيكون القبر للسيّدة زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام والصدّيقة الزهراء عليها السلام.

أمّا كيف جاءت هذه السيّدة الجليلة إلى الشام ولماذا؟ وأيّهما أصحّ أنّها سافرت إلى سوريا مع زوجها عبدالله بن جعفر في إحدى السنين المجدبة أم أنّها هاجرت من المدينة أيّام واقعة الحرّة الأليمة عندما أباح يزيد اللعين المدينة المنوّرة؟

فهذا وللأسف الشديد ما لم يتطرّق إليه التاريخ ، نعم كتب بعض المتأخرين حول سفر العقيلة إلّا أنّهم لم يعتمدوا في ذلك على مصادر تاريخية.

فقد نقل أنّ الحافظ شمس الدين محمّد بن طولون الدمشقي المتوفّى سنة ٩٥٢ ه ذكر في كتابه حول حياة السيّدة زينب عليها السلام أنّها سافرت إلى الشام أيّام واقعة الحرّة سنة ٦٢ ه.

أمّا العلّامة الأمين قدس سره فقد نقل عن كتاب «تحيّة أهل القبور بالمأثور» أنّها عليها السلام سافرت في عهد عبدالملك بن مروان سنة القحط ليتفقّد عبدالله بن جعفر مزارعه التي في الشام ، فماتت العقيلة ودفنت في ذلك المكان.

وكتب اعتماد الدولة أيضاً في كتابه «خيرات الحسان» حول ذلك فقال : أمّا قبر السيّدة زينب عليها السلام ـ أصحّ الروايات ـ فهو في أحدى قرى الشام ، فلمّا أصابت المجاعة أهل المدينة أخذ عبدالله بن جعفر أهله إلى الشام ، وفي أثناء توقّفه في إحدى القرى ـ

٢٢٢

والتي قبر السيّدة موجود فيه اليوم ـ استمرضت العقيلة وماتت ودفنت في نفس القرية(١) .

ميلاد السيّدة زينب

فتحت العقيلة زينب عينيها المباركتين في المدينة المنوّرة في الخامس من جمادي الأُولى السنة الخامسة أو السادسة للهجرة ، وحينما أخبر رسول الله صلى الله عليه واله بولادتها جاء إلى منزل الصدّيقة الزهراء عليها السلام وقال : ايتوني بالمولودة لأراها ، فجاءته الصدّيقة عليها السلام بها فأخذها في حضنه وهو ينظر إليها ودموعه تنحدر على خدّيه ، فتوجّهت الصدّيقة الزهراء عليها السلام إلى ذلك وهاج بها الحزن بها وقالت : ممّا بكاءك يا أبة؟! قال صلى الله عليه واله : إنّ بكائي لما يجري على هذه الطفلة بعدنا من المصائب.

فقد عرضت عليّ مصائب كربلاء وما يجري على ابنتي هذه يوم عاشوراء بعد قتل أخيها الحسين عليه السلام وكيف أنّها ستصبر على قضاء الله تعالى وقدره ، ثمّ مكث رسول الله صلى الله عليه واله ينظر إليها مليّاً ويبكي مدّة إلى أن قال صلى الله عليه واله ما مضمونه : يا فاطمة! كلّ من بكى لمصائب زينب ينال ثواب من بكى على الحسن والحسين عليهما السلام.

الاسم المبارك

جرياً على العادة ، فإنّ أمير المؤمنين والصدّيقة الزهراء عليها السلام لم يكونا يسبقا رسول الله صلى الله عليه واله في تسمية أبناءهما ، ولذا فإنّهما عند تسمية عقيلة الهاشميين بقيا ينتظران رسول الله صلى الله عليه واله الذي كان ينتظر السماء ماذا تسمّيهم.

وعندما دخل رسول الله صلى الله عليه واله عليهما الدار هبط الأمين جبرائيل عليه السلام وأشار عليه أن يسمّيها بـ «زينب» وبالطبع فإنّ لأمير المؤمنين بنتين بهذا الإسم إحداهما زينب الكبرى والأُخرى زينب الصغرى ، أمّا كنيتها عليها السلام فهي أُمّ الحسن ، وفي بعض الأخبار أنّ كنيتها أُمّ كلثوم.

وكانت عليها السلام تلقّب بـ «العقيلة» و «عقيلة بني هاشم» و «عقيلة الطالبيين» ،

__________________

(١) شام سرزمين خاطره ها تأليف مهدي پيشوايى ص ٢١٥ ـ ٢١٦.

٢٢٣

والعقيلة هي التي تكون عزيزة جدّاً في قبيلتها.

كما أنّ لها ألقاباً أُخرى منها : الموثّقة ، العارفة ، العالمة غير المعلّمة ، الفاضلة ، الكاملة ، عابدة آل علي ، والمحدّثة ، وبطلة كربلاء.

ويكفيها فضلاً أنّ الإمام السجّاد عليه السلام قال في حقّها : أنت بحمد الله عالمة غير معلّمة وفهيمة غير مفهّمة.

الرؤيا العجيبة

نقل مؤلّف «طراز المذهب» فقال : في أواخر عمر النبي صلى الله عليه واله جاءته العقيلة زينب عليها السلام وقالت : يا جدّاه : رأيت في الرؤيا عاصفة شديدة جعلت الدنيا ظلماء ومن شدّة العاصفة لذت بشجرة كبيرة وفجأة إذا بالريح تقلع الغصن الذي كنت متمسّكة به فلذت بغصن آخر فاقتلع هو الآخر فلذت بالثالث ثمّ الرابع فاستيقظت من النوم فزعة مرعوبة.

فالتفت الرسول صلى الله عليه واله إليها ودموعه الشريفة تجري على محاسنه وقال : إنّ الشجرة الكبيرة أنا وعمّا قليل أُفارقكم ، والغصن الأوّل هو أُمّك فاطمة عليها السلام ، والغصن الثاني هو أبيك علي عليه السلام والغصنين الآخرين هما الحسنان عليهما السلام وبفقدهما تظلّم الدنيا(١) .

عبادة السيّدة زينب عليها السلام

لقد ورثت السيّدة زينب في العبادة أُمّها فاطمة الزهراء عليها السلام ، فكما أنّ الصدّيقة فاطمة عليها السلام كانت تقوم الليل كلّه بالعبادة والتهجّد وتلاوة القرآن ، كذلك هي العقيلة زينب عليها السلام ، كانت تقوم الليل كلّه ولذلك قال لها سيّد الشهداء عليه السلام : يا أُختاه لا تنسيني في نافلة الليل(٢) .

وكما نقل بعض الأعلام : أنّ السيّدة زينب عليها السلام لم تترك قيام الليل طيلة عمرها

__________________

(١) حضرة زينب كبرى تأليف محمد مقيمى ص ٤٩.

(٢) الخصائص الزينبية ص ١٠٥.

٢٢٤

المبارك حتّى في ليلة الحادي عشر عندما رأت تلك المصائب التي تجعل رأس الطفل شيباً كانت تصلّي من جلوس وإلى ذلك يشير الإمام السجّاد عليه السلام فيقول : إنّ عمّتي زينب لم تترك صلاة الليل رغم شدّة تعبها ، وقد رأيتها في أحد المنازل تصلّي صلاة الليل من جلوس ، ولمّا سألتها عن ذلك قالت : منذ ثلاثة أيّام وأنا أُقدّم طعامي إلى الأطفال ولشدّة الجوع عجزت عن الصلاة من قيام.

نعم ، فلولا جهاد السيّدة زينب في كربلاء والكوفة والشام لم يبق من الإسلام إلّا اسمه ومن الدين إلّا رسمه.

زهد السيّدة زينب عليها السلام

لقد بلغت السيّدة زينب عليها السلام درجة في التسليم والرضا بقضاء الله تعالى أنّها عافت العزّ والجاه الذي كان في بيت زوجها وخرجت إلى كربلاء ـ بعد إذن زوجها طبعاً ـ لتنصر دين الله تعالى وتؤازر إمام زمانها سيّد الشهداء عليه السلام الذي خرج لطلب الإصلاح في أُمّة جدّه رسول الله صلى الله عليه واله.

وفي واقع الأمر إنّ هذا هو قمّة الزهد ، حيث يتخلّى الإنسان عن كلّ شيء ويخرج من أجل نصرة الدين وإعلاء كلمة الله في الأرض(١) .

مجلس العقيلة في الكوفة

ذكر الجزائري فقال : عندما كان أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة كانت العقيلة زينب عليها السلام تفسّر لنساء الكوفة القرآن الكريم في بيتها.

وفي أحد الأيّام كانت تفسّر قوله تعالى «كهيعص»(٢) فدخل أمير المؤمنين عليه السلام الدار وقال : سمعتك تفسّرين قوله «كهيعص» قالت : نعم يا ابتاه ، قال : أما أنّها رموز للمصائب التي تنزل بكم آل الرسول صلى الله عليه واله ثمّ أخذ يعدّد لها المصائب التي ستنزل بهم يوم

__________________

(١) رياحين الشريعة ج ٣ ص ٦٣.

(٢) سورة مريم : ١.

٢٢٥

عاشوراء فارتفع صوت العقيلة بالبكاء والأنين(١) .

جود السيّدة زينب عليها السلام

سأل أحد المحتاجين أميرالمؤمنين عليه السلام أن يساعده ، فذهب الإمام علي عليه السلام إلى بيته وقال للصدّيقة الزهراء عليها السلام : هل لدينا طعام نعطيه لهذا المحتاج؟ قالت عليها السلام : ليس لدينا إلّا قرصاً واحداً من خبز الشعير وهو للسيّدة زينب عليها السلام ، آنذاك التفت عقيلة الهاشميين إلى الصدّيقة فاطمة عليها السلام وقالت : اعطي الخبز للمحتاج وأنا أصبر على الجوع.

وقد بلغ من شدّة جود وكرم هذه المرأة العظيمة أنّها أنفقت كلّ ما تملك وضحّت بنفسها من أجل إعلاء كلمة الحقّ وهذا قمّة الجود والسخاء(٢) .

ولا غرابة في ذلك ، فإنّ الطفلة التي لا يتجاوز عمرها خمس سنوات تكون بهذه الكيفية من الكرم بالطبع إنّها تضحّي من أجل العقيدة الإسلامية كلّ هذه التضحيات العظيمة.

استجابة دعاءها

من كلام لميرزا محمّد تقي سپهر في «ناسخ التواريخ» قال فيه : إنّ جلاوزة يزيد أدخلوا أهل البيت عليهم السلام من دروازة الساعات وهو أبعد الطرق إلى قصر يزيد في الشام.

وقبل أن يدخلوهم الشام أمروا الناس أن يزيّنوا المدينة وتعطّل الأسواق وتخرج المغنّيات في الشوارع ومعنّ الطبول والمزامير ، وقد أمر يزيد أن يرفعوا مئة وعشرين علماً ويبارك الناس بعضهم بعضاً فرحاً بهذا العيد المشؤوم.

ففي الخبر عن أبي مخنف : أنّهم مرّوا بأهل البيت عليهم السلام على قصر لعجوزة تدعى أُمّ الحجّام ، وقد كانت جالسة مع أربع نساء ، ولمّا رأت العجوزة رأس سيّد الشهداء عليه السلام وهويسطع نوراً ضربته بحجر فسالت الدماء الزاكية من جبينه.

__________________

(١) الخصائص الزينبية ص ٢٧ ، رياحين الشريعة ج ٣ ص ٢٧.

(٢) رياحين الشريعة ج ٣ ص ٦٤.

٢٢٦

أنذاك ضجّت العلوبات بالبكاء والعويل خاصّة العقيلة زينب عليها السلام التي زادها المنظر همّاً فوق همّها فرفعت يديها المباركتين نحو السماء ودعت الله بقلب حزين وقالت : اللهمّ خرّب قصرها وأحرقها بنار الدنيا قبل نار الآخرة.

يقول الراوي : أُقسم بالله ، ما أن دعت العقيلة بهذا الدعاء إذا بالقصر يلتهب ناراً يحترق حتّى صار رماداً ثمّ هبّت ريح عاصفة وذرته الرماد في كلّ مكان بحيث إنّه لا يمكن إعادة تشييده أبداً.

خطبة العقيلة عليها السلام في الشام

يقول مؤلّف «بحر المصائب» : حينما مرّوا بالعقيلة زينب عليها السلام في أسواق الشام يقدمها الرأس الشريف والناس ينظرون إليها فرحين مسرورين يضربون الطبول والمزامير فرحاً بهذا العيد كان الرأس الشريف بين الفترة والأُخرى يقول : لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم.

في ذلك الحال وبينما كان الناس يستهزؤون بأهل البيت عليهم السلام توجّهت عقيلة الهاشميين عليها السلام إلى رأس أخيها المظلوم عليه السلام وقالت : يا أخاه! انظر إلينا ولا تغمض عينيك عنّا ونحن بين العدى.

فالتفت الرأس الشريف إليها وقال : يا أُختاه اصبري ، فإنّ الله تعالى معنا.

ولذلك فإنّ السيّدة زينب عليها السلام لم تتحمّل جسارة القوم على الله تعالى فالتفت إليهم وقالت : أيّتها الأُمّة المشؤومة ، تقتلون ابن نبيّكم وسيّد شباب أهل الجنّة وتطوفون بأهله وعياله في أسواقكم فرحين بذلك؟! لا أنالكم الله رحمته وسخط عليكم

بعض كرامات السيّدة زينب عليها السلام

بداية وقبل كلّ شيء ينبغي الالتفات أنّ أصل وجود سيّدة زينب عليها السلام هو كرامة من الله تعالى ، فهي فرع من تلك الشجرة الطيّبة التي مدحها الله تعالى فقال :( أَصْلُهَا ثَابِتٌ

٢٢٧

وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ) (١) .

من جانب آخر فإنّ حياة هذه السيّدة الجليلة شاهد حقّ على كراماتها العظيمة ، ومع ذلك فإنّنا سنذكر بعض كراماتها ليعتبر منها الموالون ويتّعظ بها كلّ من كان له عقل سليم.

أمّا الكرامات فهي :

١ ـ نفس قصّة العجوزة التي ذكرناها هي شاهد صدق على كرامة السيّدة زينب عليها السلام.

٢ ـ قصّة جبل الجوشن الذي كان من النحاس وسقوط الطفل محسن المذكورة في التاريخ.

٣ ـ تصرّفها عليها السلام في النفوس عندما خطبت خطبتها في سوق الكوفة ، بل وتصرّفها في الجمادات كما نقلوا إذ أنّها عليها السلام لمّا أشارت على القوم أن اسكتوا هدأت الأنفاس وسكنت الأجراس.

٤ ـ علمها اللدنيّ الذي أشار إليه الإمام زين العابدين عليه السلام فقال : عمّة! أنت بحمد الله عالمة غير معلّمة.

٥ ـ إجابة دعاءها في حقّ ذلك الرجل الذي قال ليزيد الطاغية هب لي هذه الطفلة ـ أي سكينة ـ.

٦ ـ كيفية ولادتها عليها السلام.

٧ ـ قصّة طبخ الحلوى المذكورة في الكتب.

٨ ـ إخبارها عليها السلام ببقاء ذكر أهل البيت عليهم السلام وسرعة زوال سلطنة بني أُميّة في مجلس يزيد الطاغية حينما خطبت المعروفة والتي تعدّ في حدّ ذاتها كرامة لها.

٩ ـ قصّة «فضّة والأسد» المذكورة في فروع الكافي وبحار الأنوار وغيرها من

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٢٤.

٢٢٨

الكتب(١) .

١٠ ـ استجابة دعاءها حينما دعت على ذلك الرجل إثر حرقهم للخيام.

١١ ـ رؤيتها للرسول صلى الله عليه واله وجبرئيل وادي كربلاء.

فقد ذكر الشيخ جعفر النقدي في كتاب السيّدة زينب نقلاً عن رواية في البحار عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ السيّدة زينب عليها السلام لمّا جاءت إلى مصرع سيّد الشهداء عليه السلام ظهر عاشوراء رأت جدّها رسول الله صلى الله عليه واله وخاطبت عسكر بن سعد قائلة : الويل لكم ألا ترون رسول الله صلى الله عليه واله كيف يبكي لهذه المصيبة؟!

فإذا دعا عليكم لابتلعتكم الأرض ولهلكتم ، إلّا أنّهم يلم يعتنوا بكلامها.

١٢ ـ نقلا العلّامة النوري في «دار السلام» الكرامة التالية للسيّدة زينب وهي : حدّثني السيّد السند والحبر المعتمد العالم العامل وقدوة أرباب الفضائل البحر الزاخر عمدة العلماء الراسخين السيّد محمّد باقر السلطان آبادي نفع الله به الحاضر والبادي ، قال : عرض لي في أيّام واشتغالي ببروجرد مرض شديد ، فانتقلت إلى وطني فساعدت الحركة المرض ، فزاد وانصبت المواد إلى عيني اليسرى فصار بها رمد شديد وبياض ، واشتدّ به الوجع ، فمنعني الرقاد فجمع والدي العليم ما كان في بلدتنا من الأطباء ، فقال بعضهم : لابدّ له من شرب الدواء مقدار ستّة أشهر لعلّ عينه تعود صحيحة وقال بعضهم : يكفي في أربعين يوماً ، فضاق خلقي وكثر همّي من سماع كلماتهم لكثرة ما شربت من الدواء في تلك المدّة ، وكان لي أخ صالح تقي أراد السفر إلى المشاهد العظيمة ، وزيارة سادات البرية ، فهاج شوقي وقلت : أُصاحبك في الطريق لعلّي امسح عيني بعتبة من تربته شفاء من كلّ داء ، وفرج من كلّ ضيق ، فقال : وأنت في هذا المرض والوجع لا يمكنك الحركة وسمع بذلك الأطباء فقال بعضهم : يصير عمياء في المنزل الثاني ، وقال بعضهم : بعمى ولمّا يبلغ أوّل منازله ، فمنعوني فقصدت مشايعته في الظاهر ، فسافرت معه إلى

__________________

(١) راجع بحارالأنوار ج ٤٥ ص ١٦٩ ح ١٧.

٢٢٩

المنزل الأوّل ، وكان هناك رجل من الصلحاء الأخيار ، فلمّا سمع حكايتي حرّضني على المسير وقال : لا شفاء إلّا عند خلفاء الإله الكبير : فإنّي كنت مبتلى بوجع في القلب في مدّة تسع سنين وكلّت الأطباء عن تداويه فزرت أبا عبدالله الحسين عليه السلام فشفاني بحمد الله من غير تعب ومشقّة ، فلا تصغ إلى خرافات الأطباء وزر متوكّلاً بخالق البرايا ، فعزمت على المسير فلمّا بلغنا المنزل الثاني وجنّ الليل اشتدّ الوجع ، فطالت ألسنة العذّال وقالوا جميعاً : إمّا أن ترجع أو نترك السفر على كلّ حال؟ فقلت : عند الصباح تنكشف الأحوال ، فلمّا كان وقت السحر وسكن الوجع قليلاً ، وقدت فرأيت الصدّيقة الصغرى زينب الكبرى بنت إمام الأتقياء عليه آلاف التحية والثناء ، قد دخلت عليَّ وأخذت بطرف مقنعة كانت في رأسها ، وأدخلته في عيني ومسحتها به ، فانتبهت فلم أر في عيني وجعاً.

فلمّا أصبحنا قلت لأصحابي : لا أجد وجعاً فلا تمنعوني من المسير ، فحملوا كلامي أوّلاً على الحيلة ، فحلفت لهم ، فسرنا فلمّا مشينا بعض النهار عمدت إلى عيني فكشفت عنها الخرق التي كانت مشدودة عليها مذ خرجت من البلد ، ونظرت إلى التلال والجبال ، فلم أر فرقاً بينها وبين الأُخرى ، فقلت لبعض أصحابي : ادن منّي وانظر إلى عيني ، فنظر وقال : سبحان الله ليس فيها رمد ولا بياض ولا أثر من المرض ، ولا تفاوت بين العينين ، فوقفت وناديت جميع الزوّار وأخبرتهم بالرؤيا وكرامة الصدّيقة الصغرى ، ففرحوا واستبشروا وبعثوا بالخبر إلى الوالد وأهل البلد ، فقرّت عيونهم واطمأنّت قلوبهم ، وحدّثني بتلك الكرامة شيخنا الجليل النبيل والعالم الذي عدم له النظير والبديل المولى فتح علي السلطان آبادي الذي يأتي الاشارة إلى شطر من مناقبه ، وقال : كنت وقتئذ في سلطان آباد وشاهدت ما ذكره.

١٣ ـ كتب الحاج محمّد تقي صادق إحدى الكرامات التي ذكرها صاجب كتاب «التوسّلات» وهي كالتالي : فبعد التحية والسلام على الشيعة الموالين في كلّ مكان قال : أنقل لكم كرامة من كرامات عقيلة الهاشميين السيّدة زينب عليها السلام التي اصطفاها الله تعالى على الأُمّة.

٢٣٠

أمّا تفاصيل القضيّة فهي كالتالي :

ابتليت الأُخت المؤمنة فوزية زيدان(١) وهي من أهل جبل عامل في قرية جوية بألم شديد في قدميها وقد أُجريت له العديد من العمليات الجراحية ولكن دون جدوى حتّى بلغ بها الحال أنّها لا تستطيع تحريك قدميها وصارت تمشي جالسة وبمساعدة يديها وقد بقيت ٢٥ سنة جليسة الدار صابرة.

وفي إحدى السنين حينما أقبل شهر محرّم الحرام نفذ صبرها وعجزت من نفسها فطلبت من أهلها أن يأخذوها إلى سوريا لزيارة السيّدة زينب عليها السلام للتوسّل بها وتأخذ شفاءها منها ، إلّا أنّهم رفضوا ذلك وقالوا : ليس من الجيّد أن نأخذك إلى حرم السيّدة زينب عليها السلام وأنت على حالك هذه ، وإذا كانت العقيلة زينب عليها السلام تريد شفاءك لشفتك وأنت في بيتك.

وكلّما أصرّت فوزية عليهم أن يأخذوها إلى سوريا لم يقبلوا فاضطرّت أن تستسلم لهم وتصبر على علّتها.

وفي أحد أيّام شهر محرّم أقام أحد جيرانهم مجلساً لسيّد الشهداء عليه السلام في منزله ، فذهبت فوزية على حالتها المؤلمة متكئة على يديها واستمعت إلى القارئ وشاركت المستمعين البكاء والتوسّل بأهل البيت عليهم السلام ثمّ رجعت طبق الحالة السابقة إلى المنزل فصلّت الفريضة وخلدت إلى النوم بحالتها المنكسرة ودموعها الجارية لمصاب أهل البيت عليهم السلام.

ولمّا قرب الصباح استيقظت فوزية لتصلّي صلاة الصبح فتوجّهت أنّ الفجر لم يطلع فبقيت تنظر الفجر ، وفيما هي كذلك إذا بها تحسّ أنّ شخصاً قد أخذ بعضدها ويقول : قومي يا فوزية قومي وما أن سمعت فوزية هذا الكلام قامت بمساعدة ذلك الشخص

__________________

(١) لقد حازت هذه المرأة على عناية السيّدة زينب بعد ٢٥ سنة من المعاناة والآلام التي كانت تعانيها من قدميها. وقد كتبت الصحف قضيّتها مفصّلاً ومنها الصحف التالية السياسة المساء ، الهدى وغيرها.

٢٣١

على قدميها فرحة مسرورة ، ثمّ التفتت يميناً وشمالاً فلم تجد أحداً توجّهت إلى والدتها التي كانت نائمة معها في الغرفة وقالت : الله أكبر ولا إله إلّا الله والله أكبر ، فاستيقظت الوالدة ولمّا رأتها على ذلك الحال ذهلت واندهشت ، ثمّ خرجت فوزية خارج المنزل وهي تقول : الله أكبر ولا إله إلّا الله والله أكبر فسمع أخواتها صوتها وخرجوا خلفها ولمّا شاهدوها رفعوا أصواتهم بالصلوات فبلغ الخبر إلى الجيران فاجتمعوا حول دارهم وأخذوا يكبّرون ويهلّلون ، وشيئاً فشيئاً انتشر الخبر في كلّ القرية بل وإلى القرى والمدن المجاورة وأقبل العديد من الناس ليشاهدوها ويتبرّكوا بها حتّى صار منزلهم محطّ للزوّار ، فسلام الله عليك يا عقيلة بني هاشم يوم ولدت ويوم استشهدت مظلومة ويوم تبعثين حيّة.

شفاء طفلة هندية

نقل في بعض الكتب : أنّ المتولّي باشا عندما أعاد بناء حرم عقيلة الهاشميين عليها السلام في الشام أخذ الناس يقدّمون إليه النذورات من كلّ مكان وبالمقابل فإنّه كان يعطيهم الوصولات.

وفي أحد الأيّام دخل أحد الهنود الحرم الشريف وتوسّل بالسيّدة زينب عليها السلام وطلب منها أن تقض حاجته وقال : سيّدتي أعاهدك من الآن أُقدّم لحرمك ضريحاً مرصّعاً بالجواهر إذا قضيتي حاجتي على أن تتجاوز قيمة الضريح المليون دينار قال ذلك ثمّ خرج من الحرم الشريف إلى بيروت.

ولم تنقض مدّة طويلة إذا به بعث الرسالة إلى المتولّي باشا جاء فيها : لقد أمرت بعض المتخصّصين أن يعدّوا ضريحاً مرصّعاً بالجواهر ، وفي اليوم «الفلاني» سنأتي به حسب المراسم الخاصّة إلى سوريا فعليك أن تقيم بهذه المناسبة مجلساً مجلّلاً وسأدفع أنا كلّ تكاليفه.

وبالفعل ففي نفس اليوم الموعود جاءوا بالضريح المقدّس حسب التشريفات الهندية بعد أن خطب فيهم أحدهم خطبة عجيبة قال فيها : إنّ لي ابنة مريضة قد شلّت

٢٣٢

قداماها منذ سنين طويلة ، وعلى الرغم إنّني سخّرت ثروتي العظيمة كلّها من أجل شفاءها إلّا أنّني لم أصل إلى نتيجة أصلاً حتّى أتيت إلى زيارة السيّدة زينب عليها السلام وتوسّلت بها ونذرت لها بأن إذا شافت ابنتي أُهدي لحرمها ضريحاً مرصّعاً بالجواهر.

ولمّا رجعت إلى بيروت وجدت أنّهم بعثوا لي رسالة يخبروني بشفاء ابنتي من مرضها فبعثت لكم الرسالة أُبشّركم بشفاءها ولذا فقد سافرت إلى بلدي وشاهدت كيف شافت عقيلة الطالبيين عليها السلام ابنتي فتشيّعت بسبب هذه الكرامة وتشيّع معي الكثير من الناس(١) .

بكاء الإمام الحجّة لمصيبة عمّته

نقل الحاج ملّا علي السلطان على الخطيب التبريزي الذي يعدّ من العبّاد والزهّاد فقال : رأيت في المنام إمام العصر والزمان عليه السلام وقلت له : سيّدي إنّ ما نسب إليك في الزيارة الناحية أنّك قلت : فلأندبنّك صباحاً ومساءً ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً صحيح؟!

قال : نعم. قلت : سيّدي ما هي المصيبة التي جعلتك تبكي بدلاً الدمع دماً؟! فهل هي مصيبة علي الأكبر؟ قال : لا ، فلو كان علي الأكبر حي لبكى هو أيضاً لتلك المصيبة دماً. قلت : سيّدي ألمصيبة عمّك العبّاس تبكي دماً؟ قال : لا ، لو كان عمّي العبّاس لبكى لتلك المصيبة دماً.

قلت : حتماً إنّها مصيبة جدّك الحسين عليه السلام هي التي جعلتك تبكي دماً؟! قال : لا ، ولو كان جدّي سيّد الشهداء عليه السلام حيّاً لبكى من أجل تلك المصيبة دماً. قتل : ما هي تلك المصيبة التي جعلتك تبكي دماً؟! قال : إنّها مصيبة عمّتي زينب عليها السلام(٢) .

__________________

(١) مجموعة أنوار علمى معصومين عليهم السلام ص ٦٥ تأليف الشيخ علي الفلسفي.

(٢) شيفتگان حضرة مهدى عليه السلام تأليف الشيخ قاضي زاهدي ص ١٤٥ نقلاً عن العبقري الحسان للمرحوم النهاوندي.

٢٣٣

مقام السيّدة زينب عليها السلام

نقل آية الله الميرزا أحمد السيوبويه الساكن في طهران عن سماحة الشيخ حسين السامرائي الذي كان من الخطباء المتّقين في العراق أنّه قال : في إحدى سفراتي إلى مدينة سامراء وكان يوم الجمعة ذهبت قريب الغروب إلى سرداب الغيبة فوجدته خالياً لا أحد فيه ، وفيما أنا أتوسّل بإمام العصر والزمان عليه السلام أخذتني حالة من الروحانية العجيبة وإذا بي أسمع صوتاً من خلفي يقول : قل للشيعة والمحبّين أن يقسموا على الله تعالى بحقّ عمّتي زينب عليها السلام كي يعجّل الفرج(١) .

ولنعم ما نظم السيّد رضا الهندي قدس سره في مصيبتها حيث قال :

إن كان عندك عبرة تجريها

فانزل بأرض الطفّ كي نسقيها

فعسى نبلُّ مضاجع صفوة

ما بلّت الأكباد من جاريها

ولقد مررت على منازل عصمة

ثقل النبوّة كان أُلقي فيها

فبكيت حتّى خلتها ستجيبني

ببكائها حزناً على أهليها

وذكرت إذ وقفت عقيلة حيدر

مذهولة تصغي لصوت أخيها

بأبي التي ورثت مصائب أُمّها

فغدت تقابلها بصبر أخيها

لم تله عن جمع العيال وحفظهم

بفراق اخواتها وفقد بنيها

لم أنس إذ هتكوا حماها فانثنت

تشكو لواعجها إلى حاميها

تدعو فتحترق القلوب كأنّما

يرمي حشاها جمرة من فيها

هذي نساؤك من يكون إذا سرت

في الأسر سائقها ومن حاديها

أيسوقها زجر بضرب متونها

والشمر يحدوها بسبّ أبيها

عجباً لها بالأمس أنت تصونها

واليوم آل أُميّة تبديها

حسرى وعزّ عليك أن لم يتركوا

لك من ثيابك ساتراً يكفيها

__________________

(١) شيفتگان حضرة مهدى عليه السلام ج ١ ص ٢٥١.

٢٣٤

وسروا برأسك في القنا وقلوبها

تسمو إليه ووجدها يضنيها

إن أخّروه شجاه رؤية حالها

أو قدّموه فحالة يشجيها

وفاة السيّدة زينب عليها السلام

نقل صاحب «بحر المصائب» فقال : إنّ السيّدة زينب عليها السلام بعد فاجعة كربلاء ومآسي الشام والبكاء الطويل على سيّد الشهداء عليه السلام احدودب ظهرها وشاب رأسها وقضت بقيّة عمرها الشريف بالحزن والأسى إلى أن فارقت الدنيا مظلومة.

وقال صاحب «بحر المصائب» أيضاً : إنّ السيّدة أُمّ كلثوم عليها السلام توفّت بعد أربعة أشهر من رجوع أهل البيت عليهم السلام إلى المدينة المنوّرة ، وبعد ثمانين يوماً من رحيل السيّدة أُمّ كلثوم شاهدت العقيلة زينب عليها السلام أُمّها الصدّيقة الزهراء عليها السلام في المنام ، ولمّا استيقظت من النوم بقيت تبكي وتلطم على رأسها وجهها إلى أن أُغمي عليها ، ولمّا جاءوا إليها وحرّكوها وجدوها قد فارقت الدنيا.

وبرحيل العقيلة زينب عليها السلام تجدّد مصاب أهل البيت عليهم السلام وجلسوا عليها بالعزاء وأعادوا ببكاءهم ذكريات عاشوراء الأليمة التي أمضّت قلوب العلويين.

أمّا تاريخ وفاتها فقيل أنّه في العاشر من شهر رمضان المبارك ، وقيل في الرابع عشر من شهر رجب الأصب سنة ٦٢ ه كما ذهب إلى ذلك النسّابة عبيدلي المتوفّى سنة ٢٧٧ في كتابه أخبار الزينبيات.

وكما يبدو أنّ المؤرخين لم يختلفوا في سنة وفاة العقيلة زينب عليها السلام إلّا أنّهم وكما أشرنا اختلفوا في تاريخ وفاتها إلى قولين ، وهناك قول ثالث ذهب أنّ وفاتها في الخامس من شهر رجب الأصب ، والله أعلم بحقائق الأُمور.

أولاد السيّدة زينب عليها السلام

ذكر السبط ابن الجوزي في «تذكرة الخواص» فقال : إنّ لعبد الله بن جعفر أولاداً متعدّدين منهم : علي ، وعون الأكبر ، ومحمّد ، والعبّاس وأُمّ كلثوم ، وأُمّهم السيّدة زينب عليها السلام بنت الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام والصدّيقة فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه واله.

٢٣٥

وعدّ ابن قتيبة في كتاب «المعارف» : جعفر الأكبر من أولاد السيّدة زينب عليها السلام.

أمّا مؤلّف «عمدة الطالب» فقال : زينب الكبرى بنت الإمام علي عليه السلام وكنيتها أُمّ الحسن ، كانت تروي عن أُمّها فاطمة الزهراء عليها السلام الأخبار ، وقد تزوّجت من ابن عمّها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وولدت منه : علي وعون وعباس وغيرهم.

وقال الطبرسي في «أعلام الورى» : أمّا زينب الكبرى بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله فتزوّجها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وولد منها : علي ، وجعفر ، وعون الأكبر ، وأُمّ كلثوم أولاد عبدالله بن جعفر ، وقد روت زينب عن أُمّها فاطمة عليها السلام أخباراً(١) .

ونقل الشبلنجي في «نور الأبصار» فقال : ولدت السيّدة زينب عليها السلام من عبدالله بن جعفر أربعة أولاد وبنت واحدة.

وقال أيضاً : وإنّ ذرّيتها ـ السيّدة زينب عليها السلام ـ منتشرين إلى اليوم في البلاد والأمصار وهم من الشرفاء وأهل البركة.

وفي ناسخ التواريخ : إنّ عون بن عبدالله بن جعفر وأخيه محمّد ولدي السيّدة زينب عليها السلام استشهدوا في أرض كربلاء.

محلّ دفن العقيلة زينب عليها السلام

هناك ثلاثة أقوال بالنسبة إلى محلّ دفن السيّدة زينب عليها السلام وهي :

١ ـ أنّها دفنت في المدينة المنوّرة إلى جنب أئمّة البقيع عليهم السلام.

٢ ـ دفنت في القاهرة.

٣ ـ دفنت في دمشق في منطقة الغوطة وقبرها معروف اليوم يقصده الكثير من الشيعة والحبّين كلّ يوم.

أمّا القول الأوّل فالظاهر أنّه لا دليل له إلّا الحدس والظن ، ولعلّ منشأ هذا الظنّ هو أنّ العقيلة بعد الأسر عادت إلى المدينة ومن الطبيعي أن تموت فيها وتدفن في البقيع مقبرة

__________________

(١) أعلام الورى ج ١ ص ٣٩٦ ـ ٣٩٧.

٢٣٦

بني هاشم.

وكذا الحال بالنسبة إلى القول الثاني ـ في مصر ـ فهو لا دليل معتبر له.

وبرّد القولين الأوّلين يثبت القول الثالث وهو أنّها عليها السلام دفنت في قرية «رواية» من منطقة الغوطة في الشام ، وهي تقع على بعد سبعة كيلومترات من الجنوب الشرقي لدمشق.

وفي هذا المكان شيّد للعقيلة زينب عليها السلام مرقد عظيم وهو مزار للشيعة والمحبّين بل إنّه مزار لغير الشيعة أيضاً.

وكما يبدو من بعض التواريخ أنّ تاريخ هذا المزار للسيّدة زينب عليها السلام قديم جدّاً وإنّه كان موجوداً حتّى في القرن الثاني إذ أنّ ـ كما في التاريخ ـ السيّدة نفيسة زوجة إسحاق المؤتمن ابن الإمام الصادق عليه السلام كانت تأتي لزيارة هذا المرقد الشريف(١) .

بكاء الكون لمصاب السيّدة زينب عليها السلام

نقل العالم الجليل السيّد أسد الله الأصفهاني المقيم في كربلاء المقدّسة سنة ١٣١٩ لمؤلّف كتاب «الكبريت الأحمر» فقال : إنّ الإمام الحجّة بن الحسن عليه السلام قال لي في الرؤيا : إنّ أهل السماء يجتمعون يوم وفاة عمّتي زينب عليها السلام ويقرأون خطبتها الغرّاء في الكوفة ويبكون لمصابها الجلل(٢) .

كما نقل العالم الجليل الملّا علي الخياباني في كتاب «وقايع الأيّام» في تتمّة محرّم الحرام قصّة طويلة نذكر منها ما يتعلّق بالعقيلة زينب عليها السلام وهو :

يقول أحد الثقات : شاهدت الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف في عالم الرؤيا وهو في غاية الحزن ، فتقدّمت نحوه خطوات وسلّمت عليه وسألته عن حالته

__________________

(١) من أجل الاطّلاع أكثر راجع كتاب مراقد أهل البيت عليهم السلام للفهري.

(٢) الكبريت الأحمر ص ٨٥.

٢٣٧

فقال : اعلم أنّه منذ اليوم الذي توفّيت فيه عمّتي زينب عليها السلام وملائكة السماء تعقد مجلساً يوم وفاتها في السماء يقرؤون خطبتها في سوق الكوفة ويبكون إلى أن أذهب إليهم وأُسكتهم ، واليوم هو يوم وفاة عمّتي زينب عليها السلام وقد رجعت للتوّ من ذلك المجلس.

نعم ، يحقّ للملائكة أن تبكي لفقد هذه السيّدة الجليلة ، فلو لم يكن منها سوى السنة والنصف التي عاشتها بعد مقتل سيّد الشهداء عليه السلام فغيّرت من خلالها التاريخ لكفى.

بل إنّ يزيد الطاغية قبل أن تدخل العقيلة زينب عليها السلام الشام أسيرة كان فرحاً مسروراً بقتل سيّد الشهداء عليه السلام ولكن وبعد أن دخلت عليه قلبت نهاره إلى ليل وجعلته يجرّ آهات الحزن والحسرة طيلة عمره المتبقّي إلى أن فطس وذهب بعار الدنيا وعذاب الآخرة ألا فلعنة الله عليه وعلى أبيه وعلى بني أُميّة قاطبة ولعنة الله على كلّ من ملّكهم رقاب المسلمين.

علاقة السيّدة زينب بأخيها المظلوم

عندما كان البعثيون يقصفون مدينة قم المقدّسة التجأت أكثر من مرّة بمسجد جمكران المعروف. وفي أحد الأيّام خرجت من المسجد وقصدت زيارة السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام في قم المقدّسة ، وبعد الزيارة ذهبت لزيارة آية الله العظمى السيّد شهاب الدين مرعشي قدس سره فدار الحديث حول أهل البيت عليهم السلام وفضائلهم وإذا بآية الله المرعشي يقول : عندما ولدت السيّدة زينب عليها السلام أعطتها الصدّيقة الزهراء عليها السلام إلى رسول الله والإمام علي والحسن عليهم السلام وكانت السيّدة زينب عليها السلام مطبقة عيناها لم تفتحها في وجه أحدهم ، إلّا أنّها حينما أخذها أخوها سيّد الشهداء عليه السلام فتحت عيناها في وجهه المبارك.

وأضاف سماحته قدس سره فقال : وفي مجلس يزيد ـ لعنة الله عليه ـ كان الرأس الشريف ينظر إلى جميع الأسارى وهو على الرمح الطويل ، إلّا أنّه عندما نظر إلى حال أُخته العقيلة عليها السلام أطبق جفنيه وجرت دموعه وكأنّه عليه السلام يقول لها : أُخيّ زينب ، لقد حفظتي لي عيالي ، فجزاك الله خيراً ولاتزيدني خجلاً فوق خجلي.

٢٣٨

في حرم السيّدة زينب عليها السلام

نقل الخطيب الشهير محمّد رضا سقا زاده في مقدّمة كتاب «الخصائص الزينبية» عن سماحة آية الله العظمى الملّا علي الهمداني ذلك العالم الورع الذي توفّي قبل سنين أنّه قال :

سألت سماحة آية الله آقا ضياء العراقي عن قبر السيّدة زينب عليها السلام فنقل في جوابه القصّة التالية : أنّ أحد الشيعة من أهل القطيف في السعودية قصد زيارة الإمام الرضا عليه السلام ، وفي وسط الطريق نفدت أمواله وبقي حائراً فهو لا يستطيع الرجوع إلى وطنه ولا يقدر على مواصلة الطريق ، ولذا فقد توسّل بإمام العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف ليخلّصه من هذه الحيرة.

وفيما هو كذلك إذا بسيّد نوراني جليل القدر يتعرّف عليه ويقدّم له بعض الأموال لتوصله إلى سامراء.

وكان ممّا قال له هذا السيّد الجليل : راجع في سامراء وكيلنا الميرزا محمّد حسن الشيرازي وقل له يعطيك من أموالنا التي عنده لتذهب بها إلى زيارة جدّي علي بن موسى الرضا عليه السلام.

يقول الرجل القطيفي : لم أعرف حقيقة الرجل ولا من أين أتى إلّا أنّني تساءلت منه وقلت : إذا سألني آية الله الشيرازي من هو السيّد مهدي وما هي صفاته ماذا أُجيبه؟ فقال السيّد مهدي : قل للميرزا الشيرازي إنّ السيّد مهدي قال : إنّ العلامة هي : أنّك سافرت في الصيف أنت والحاج ملّا علي كني الطهراني إلى حرم عمّتي زينب عليها السلام ، وحيث إنّ الحرم الشريف كان مزدحماً بالزوّار ذهبت أنت والملّا علي كني إلى سطح الحرم وكانت الأوساخ والقاذورات قد تجمّعت فخلعت أنت عباءتك وأخذت تكنس سطح الحرم الشريف بها بينما كان الملّا علي كني يأخذ الغبار والأوساخ بيده إلى خارج الحرم الشريف ، وقد كنت حاضراً آنذاك أُشاهدكما.

٢٣٩

يقول القطيفي : حينما التقيت بالميرزا الشيرازي وذكرته له القضيّة قام على قدميه واحتضنني وجعل يقبّل عينيه ويبارك لي هذا التوفيق.

وأضاف الرجل القطيفي قائلاً : كما ذهبت إلى آية الله كني وذكرت له القضيّة فقام هو أيضاً إجلالاً لي وقبّل ما بين عينيه إلّا أنّه كان حزيناً لأنّ الإمام الحجّة عليه السلام لم يحوّل الرجل القطيفي عليه(١) .

__________________

(١) مراقد أهل البيت عليهم السلام في الشام للفهري ص ٧٥.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293