السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام20%

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 293

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 293 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 241828 / تحميل: 7919
الحجم الحجم الحجم
السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِن يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزيدُونَ * فآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ) (١) .

٥ -( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِن رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحينَ ) (٢) .

هذه هي الآيات الواردة حول قصّة يونس، وبالإحاطة بها يتمكّن المفسّر من الإجابة على الأسئلة المطروحة حولها، وإن لم تكن لبعضها صلة بالعصمة.

أمّا ما جاء من الروايات حول القصّة، فكلّها روايات آحاد لا يمكن الركون إلى الخصوصيات الواردة فيها، بل بعض ما فيها لا يناسب ساحة الإنسان العادي فضلاً عن النبي؛ ولأجله تركنا ذكرها.

والذي تضافرت عليه الروايات هو أنّه لمّا دعا قومه إلى الإسلام، وعرف منهم الامتناع، دعا عليهم ووقف على استجابة دعائه، فأخبرهم بنزول العذاب، فلمّا ظهرت أماراته كان من بينهم عالم أشار إليهم أن افزعوا إلى الله لعلّه يرحمكم، ويردّ العذاب عنكم، فقالوا: كيف نصنع ؟ قال: اجتمعوا واخرجوا إلى المفازة، وفرّقوا بين النساء والأولاد، وبين الإبل وأولادها ثمّ ابكوا وادعوا، فذهبوا وفعلوا ذلك، وضجّوا وبكوا، فرحمهم الله، وصرف عنهم العذاب(٣) .

فنقول : توضيح مفاد الآيات يتوقّف على البحث عن عدّة أُمور:

____________________

١ - الصافات: ١٣٩ - ١٤٨.

٢ - القلم: ٤٨ - ٥٠.

٣ - بحار الأنوار: ١٤/٣٨٠ من الطبعة الجديدة، رواه جميل بن درّاج الثقة عن الصادقعليه‌السلام .

٢٠١

١ - لماذا كُشف العذاب عن قوم يونس دون غيرهم ؟

صريح قوله سبحانه: (فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْي فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِين )(١) .

إنّ أُمّة يونس هي الأُمّة الوحيدة التي نفعها إيمانها قبل نزول العذاب وكشف عنهم؛ وذلك لأنّ ( لولا ) التحضيضية إذا دخلت على الفعل الماضي تفيد معنى النفي، كما في قولك: هلاّ قرأت القرآن، وعلى ذلك يكون معنى قوله سبحانه:( فلولا كانت قرية آمنت ) أنّه لم يكن ذلك أبداً، فاستقام الاستثناء بقوله:( إلاّ قوم يونس ) ، والمعنى هلاّ كانت قرية من هذه القرى التي جاءتهم رسلنا فكذّبوهم آمنت قبل نزول العذاب فنفعها إيمانها، لكن لم يكن شيء من ذلك إلاّ قوم يونس لمّا آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي.

ولا شك أنّه قد نفع إيمان قوم يونس، ولكن لم ينفع إيمان فرعون، وعندئذٍ يُطرح هنا السؤال التالي: ما الفرق بين الإيمانين ؟ حيث نفع إيمانهم دون إيمان الثاني وأتباعه، يقول سبحانه:( وَجَاوَزْنَا بِبَني إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إلاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * ءَآلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَاليَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ) (٢) .

____________________

١ - يونس: ٩٨.

٢ - يونس: ٩٠ - ٩٢.

٢٠٢

الجواب : الفرق بين الإيمانين، أحدث هذا الفرق، حيث كان إيمان قوم يونس إيماناً عن اختيار؛ ولأجل ذلك بقوا على إيمانهم بعد رفع العذاب، وكان إيمان فرعون إيماناً اضطرارياً غير ناجم عن ثورة روحية على الكفر والوثنية، بل كان وليد رؤية العذاب وهجوم الأمواج، لا أقول: إنّ إيمان قوم يونس كان حقيقياً جديّاً، وإيمان الآخرين كان صورياً غير حقيقي، بل: الكل كان حقيقياً، وإنّما الاختلاف في كون أحدهما ناشئاً من اختيار، والآخر ناشئاً من الاضطرار والخوف، وبعبارة أُخرى: ناشئاً من عامل داخلي وناشئاً من عامل خارجي.

والدليل على ذلك استقرار وثبوت قوم يونس على الإيمان بعد كشف العذاب عنهم لقوله سبحانه:( وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلى حِينٍ ) ، ويقول سبحانه:( وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ) (١) ، والظاهر من الآية أنّ يونس بعدما نجا ممّا ابتلي به، أُرسل إلى نفس قومه، فاستقبلوه بوجوه مشرقة وتمتّعوا في ظل الإيمان إلى الوقت المؤجّل في علم الله.

وأمّا الفراعنة فكانت سيرتهم الإيمان عند نزول العذاب والرجوع إلى الفساد، وإلى ما كانوا عليه من الفساد في مجال العقيدة والعمل، بعد كشفه، والذكر الحكيم يصرّح بذلك في الآيات التالية:( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ) (٢) .

____________________

١ - الصافات: ١٤٧ - ١٤٨.

٢ - الأعراف: ١٣٣- ١٣٥.

٢٠٣

وثبات قوم يونس على إيمانهم وعدم انحرافهم عنه بعد كشف العذاب، ونكث الفراعنة بعد كشف الرجز عنهم، خير دليل على أنّ إيمان القوم كان إيماناً اختيارياً ثابتاً ونابعاً عن اليقين، وإيمان الفراعنة كان اضطرارياً ناشئاً عن الخوف.

والأوّل من الإيمانين يخرق حجب الجهل، ويشاهد الإنسان عبوديّته بعين القلب وعظمة الرب ونور الإيمان، فيصير خاضعاً أمام الله، يعبده ولا يعبد غيره.

والثاني منهما يدور مدار وجود عامل الاضطرار والإلجاء، فيؤمن عند وجوده ويكفر بارتفاعه، ولا يعد ذلك الإيمان كمالاً للروح ولا قيمة له في سوق المعارف، قال سبحانه:( وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرض كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤمِنينَ ) (١)

ولا شك أنّه تعلّقت إرادته التشريعية بإيمان الناس كلّهم بشهادة بعث الأنبياء وإرسال الرسل، ولكن لم تتعلّق إرادته التكوينية بإيمانهم، وإلاّ لم تتخلّف عن مراده وأصبح الناس كلّهم مؤمنين إيماناً لا عن اختيار، ولكن بما أنّه لا قيمة للإيمان الخارج عن إطار الاختيار، والناشئ عن الإلجاء والاضطرار؛ لم تتعلّق إرادته سبحانه بإيمانهم، وإليه يشير قوله:( ولو شاء ربك لآمن من في الاَرض كلهم جميعاً ) .

٢ - هل كان كشف العذاب تكذيباً لإيعاد يونس ؟

قد وعد سبحانه في كتابه العزيز بأنه يؤيّد رسله وينصرهم ولا يكذبهم وهو عزّ من قائل:( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد ) (٢) .

____________________

١ - يونس: ٩٩.

٢ - غافر: ٥١.

٢٠٤

فلو أخبر واحد منهم عن وقوع حادثة أو نزول رحمة وعذاب على قوم، فلابد أن يكون وضع المخبر به في المستقبل على وجه لا يلزم منه تكذيبهم، وذلك إمّا بوقوع نفس المخبر به كما هو الحال في إخبار صالح لقومه، حيث تنبّأ وقال:( تَمتّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثةَ أيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ) ، فلمّا بلغ الأجل المحدّد( وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ ) (١) ، وإمّا بظهور علامات وأمارات دالّة على صدق مقال النبي وإخباره، وأنّ عدم تحقّقه لأجل تغيير التقدير بالدعاء والعمل الصالح، قال سبحانه:( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرض ) (٢) .

وقال عز من قائل:( ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٣) .

هذه سنّة الله سبحانه في إنزال النعمة والنقمة ورفعهما.

وما أخبر به يونس كان من هذا القبيل، فقد تنبّأ بنزول العذاب، وشاهد القوم طلائع العذاب وعلائمه(٤) فبادروا بالتوبة والإنابة إلى الله حسب إرشاد عالمهم، فكشف عنهم العذاب، وليس في هذا تكذيب ليونس، لو لم يكن فيه تصديق، حيث وقفوا على صدق مقالته، غير أنّ لله سبحانه سنناً في الحياة، فأخذ المعتدي باعتدائه سنّة، والعفو عنه لإنابته أيضاً سنّة، ولكلٍّ موضع خاص، وهذا

____________________

١ - هود: ٦٥، ٦٧ - ٦٨.

٢ - الأعراف: ٩٦.

٣ - الأنفال: ٥٣.

٤ - لاحظ تفسير الطبري: ١١/١١٧ - ١١٨؛ الدر المنثور: ٣/٣١٧ - ٣١٨؛ البحار: ١٤/٣٩٦ من الطبعة الحديثة.

٢٠٥

معنى البداء الذي تقول به الإمامية، الذي لو وقف إخواننا أهل السنّة على حقيقته لاعترفوا به من صميم القلب، ولكن الدعايات الباطلة حالت بينهم وبين الوقوف على ما تتبنّاه الإمامية في هذا المضمار، وقد أوضحنا حقيقة الحال في رسالة ( البداء من الكتاب والسنّة )(١) ومَن أراد الوقوف على واقع الحال فليرجع إليها.

٣ - أسئلة ثلاثة حول عصمته

ألف - ما معنى كونه مغاضباً ؟ ومن المغضوب عليه ؟

ب - ماذا يراد من قوله:( فظنّ أن لن نقدر عليه ) ؟

ج - كيف تجتمع العصمة مع اعترافه بكونه من الظالمين ؟

هذه هي الأسئلة الحسّاسة في قصّة يونسعليه‌السلام ، وقد تمسّك بها المخطِّئة، وإليك توضيحها واحداً بعد واحد:

أمّا الأوّل: فقد زعم المخطِّئة أنّ معناه أنّه خرج مغاضباً لربّه من حيث إنّه لم ينزل بقومه العذاب.

ولكنّه تفسير بالرأي، بل افتراء على الأنبياء، وسوء ظن بهم، ولا يغاضب ربَّه إلاّ مَن كان معادياً له وجاهلاً بحكمه في أفعاله، ومثل هذا لا يليق بالمؤمن فضلاً عن الأنبياء.

وإنّما كان غضبه على قومه لمقامهم على تكذيبه وإصرارهم على الكفر ويأسه من توبتهم، فخرج من بينهم(٢) .

____________________

١ - مطبوعة منتشرة.

٢ - تنزيه الأنبياء: ١٠٢.

٢٠٦

هكذا فسّره الإمام الرضاعليه‌السلام عندما سأله المأمون عن مفاد الآية وقال: ( ذلك يونس بن متى ذهب مغاضباً لقومه )(١) .

وأمّا الثاني : أعني:( فظنّ أن لن نقدر عليه ) فالفعل، أعني: ( نقدر )، من القدر بمعنى الضيق لا من القدرة، قال سبحانه:( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ ) (٢) ، وقال سبحانه:( إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقْدِرُ ) (٣) ، فمعنى الآية أنّه ظن أن لا يضيق عليه الأمر لترك الصبر والمصابرة مع قومه، لا بمعنى أنّه خطر هذا الظن بباله، بل كان ذهابه وترك قومه يمثّل حالة من ظن أن لن نقدر عليه في خروجه من قومه من غير انتظار لأمر الله، فكانت مفارقته قومه ممثّلة لحال مَن يظن بمولاه ذلك.

وأمّا تفسيره بأنّه ظن أنّه سبحانه لا يقدر عليه، فهو تفسير بما لا تصح نسبته إلى الجهلة من الناس فضلاً عن الأولياء والأنبياء.

وبما أنّ مفارقته قومه بلا إذن منه سبحانه - كان يمثّل حال مَن يظن أن لا يضيّق مولاه عليه - ابتلاه الله بالحوت فالتقمه.

فوقف على أنّه ترك ما هو الأولى فعلاً، فندم على عمله( فنادى في الظلمات أن لا إله إلاّ أنت ) .

ونقل الزمخشري في كشّافه: عن ابن عباس أنّه دخل على معاوية فقال: لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة، فغرقت فيها، فلم أجد لنفسي خلاصاً إلاّ بك، قال: وما هي يا معاوية ؟ فقرأ هذه الآية وقال: أو يظن نبي الله أن لا يقدر عليه ؟

____________________

١ - بحار الأنوار: ١٤/٣٨٧.

٢ - الطلاق: ٧.

٣ - الإسراء: ٣٠.

٢٠٧

قال: هذا من القدر لا من القدرة ثمّ أضاف صاحب الكشّاف: يصح أن يفسّر بالقدرة على معنى ( أن لن نعمل فيه قدرتنا )، وأن يكون من باب التمثيل، بمعنى فكانت حاله ممثّلة بحال مَن ظنّ أن لن نقدر عليه في مراغمته قومه من غير انتظار لأمر الله، ويجوز أن يسبق ذلك إلى وهمه بوسوسة الشيطان ثم يردعه ويردّه بالبرهان، كما يفعل المؤمن المحقق بنزعات الشيطان وما يوسوس إليه في كل وقت(١) .

ولا يخفى أنّ ما نقله عن ابن عباس هو المعتمد، بشهادة استعماله في القرآن بمعنى الضيق، وهو المناسب لمفاد الآية، وأمّا الوجهان الآخران فلا يصح الركون إليهما، خصوصاً الوجه الأخير؛ لأنّ الأنبياء أجلّ شأناً من أن تحوم حول قلوبهم الهواجس الشيطانية حتى يعودوا إلى معالجتها بالبرهان، فليس له سلطان على المخلصين من عباده، وقد اعترف بذلك الشيطان وقال كما يحكيه سبحانه:( إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (٢) .

وأمّا السؤال الثالث : فقد مرّ أنّ الظلم في اللغة بمعنى وضع الشيء في غير موضعه، ولا شك أنّ مفارقته قومه وتركهم في الظرف القلق العصيب كان أمراً لا يترقب صدوره منه، وإن لم يكن عصياناً لأمر مولاه، فالعطف والحنان المترقّب من الأنبياء غير ما يترقّب من غيرهم؛ فلأجل ذلك كان فعله واقعاً غير موقعه.

ومن المحتمل أن يكون الفعل الصادر منه في غير موقعه هو طلبه العذاب لقومه وترك المصابرة، ويؤيّده قوله سبحانه:

( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ) (٣) .

فالظاهر أنّ متعلّق النداء في الآية

____________________

١ - الكشاف: ٢/٣٣٥ - ٣٣٦.

٢ - ص: ٨٣.

٣ - القلم: ٤٨.

٢٠٨

طلب نزول العذاب على قومه بقرينة قوله:( وهو مكظوم ) ، أي كان مملوءاً غيضاً أو غمّاً، والمعنى: يا أيّها النبي لا تكن مثل صاحب الحوت، ولا يوجد منك مثل ما وجد منه من الضجر والمغاضبة، فتُبتلى ببلائه، فاصبر لقضاء ربّك، فإنّه يستدرجهم ويملي لهم ولا تستعجل لهم العذاب لكفرهم.

ويستفاد من بعض الروايات أنّ سبب لومه وردعه كان أمراً ثالثاً، وهو أنّه لمّا وقف على نجاة أُمّته غضب وترك المنطقة(١) .

والوجهان: الأوّل والثاني هما الصحيحان.

وممّا ذكرنا يعلم مفاد قوله سبحانه:( إذ أبق إلى الفلك المشحون ) ، فشبّه حاله بالعبد الآبق؛ وذلك لما مرّ من أنّ خروجه في هذه الحال كان ممثلاً لإباق العبد من خدمة مولاه، فأخذه الله بذلك.

وعلى كل تقدير فالآيات تدل على صدور عمل منه كان الأليق بحال الأنبياء تركه، وهو يدور بين أُمور ثلاثة: أمّا ترك قومه من دون إذن، أو طلب العذاب وكان الأولى له الصبر، أو غضبه على نجاة قومه.

إلى هنا تمّ توضيح الآيات المهمّة التي وقعت ظواهرها ذريعة لأُناس يستهترون بالقيم والفضائل، ويستهينون بأكبر الواجبات تجاه الشخصيات الإلهية، وبقي الكلام في عصمة النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونفيض القول فيها في البحث الآتي.

____________________

١ - بحار الأنوار: ١٤/٣٨.

٢٠٩

الطائفة الثالثة

عصمة النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وما تمسّكت به المخطِّئة

عصمة النبي الخاتم من العصيان والخطأ، من فروع عصمة الأنبياء كلّهم، فما دلّت على عصمتهم من الآيات، تدلّ على عصمته أيضاً بلا إشكال، ولا نحتاج بعد ذلك إلى إفراد البحث عنه في هذا المجال، فقد أفاض الله عليه ذلك الكمال كما أفاض على سائر الأنبياء من غير استثناء، فهو معصوم في المراحل الثلاث التالية:

١ - مرحلة تلقّي الوحي وحفظه وأدائه إلى الأُمّة.

٢ - مرحلة القول والفعل، وعلى ذلك، فهو من عباده المكرّمين الذين لا يعصون الله ما أمرهم وهم بأمره يعملون.

٣ - مرحلة تطبيق الشريعة وغيرها من الأمور المربوطة بحياته، فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يسهو ولا يخطأ في حياته الفردية والاجتماعية.

وما دلّ على عصمة تلك الطائفة في هذه المراحل الثلاث دلّ على عصمته فيها أيضاً.

٢١٠

نعم، هناك آيات بالخصوص دالّة على عصمته من العصيان ومصونيته من الخطأ، كما أنّ هناك آيات وردت في حقّه وقعت ذريعة لمنكري العصمة؛ ولأجل ذلك أفردنا بحثاً خاصاً في هذا المقام لنوفيه حقّه.

أمّا ما يدل على عصمته من العصيان والخلاف، فيكفي في ذلك قوله سبحانه:( وإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ) (١) .

وقد ذكر المفسّرون أسباباً لنزولها بما لا يناسب ساحة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أوضحها ما ذكره الطبرسي في مجمعه: أنّ المشركين قالوا له: كفّ عن شتم آلهتنا، وتسفيه أحلامنا، واطرد هؤلاء العبيد والسقاط الذين رائحتهم رائحة الصنان(٢) حتى نجالسك ونسمع منك، فطمع في إسلامهم، فنزلت الآية(٣) .

ولتوضيح مفاد الآيات نبحث عن أُمور:

١ - إنّ الآيات كما سنرى تشير إلى عصمته، ومع ذلك استدلّت المخطّئة بها على خلافها، وهذا من عجائب الأمور، إذ لا غرو في أنّ تتمسّك كل فرقة بقسم من الآيات على ما تتبنّاه، وإنّما العجب أن تقع آية واحدة مطرحاً لكلتا الفرقتين، فيفسّرها كلٌّ حسب ما يتوخّاه، مع أنّ الآية لا تتحمّل إلاّ معنى واحداً لا معنيين متخالفين.

٢ - إنّ الضمير في كلا الفعلين( كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ) يرجع إلى المشركين ،

____________________

١ - الإسراء: ٧٣ - ٧٥.

٢ - الصنان: نتن الإبط.

٣ - مجمع البيان: ٣/٤٣١.

٢١١

ويدل عليه سياق الآيات، والمراد من( الذي أوحينا إليك ) هو القرآن بما يشتمل عليه من التوحيد ونفي الشريك، والسيرة الصالحة، والمراد من الفتنة في( ليفتنونك ) هو الإزلال والصرف، كما أنّ الخليل من الخُلَّة بمعنى الصداقة لا من الخَلّة بمعنى الحاجة.

٣ - إنّ قوله:( وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك ) يخبر عن دنو المشركين من إزلاله وصرفه عمّا أُوحي إليه، لا عن دنو النبي وقربه من الزلل والانصراف عمّا أُوحي إليه، وبين المعنيين فرق واضح.

٤ - إنّ قوله سبحانه:( ولولا أن ثبّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً ) مركّب من جملتين، إحداهما شرطية، والأخرى جزائية، أمّا الأُولى فقوله:( ولولا أن ثبّتناك ) ، وأمّا الأخرى فقوله:( لقد كدت تركن إليهم ) ، وبما أنّ لولا في الآية امتناعية(١) تدل على امتناع الجزاء لوجود التثبيت، مثل قولنا: لولا علي لهلك عمر، فامتنع هلاكه لوجوده.

٥ - وليس الجزاء هو الركون بمعنى الميل، بل الجزاء هو القرب من الميل والانصراف كما يدل عليه قوله:( لقد كدت تركن ) ، فامتنع القرب من الميل فضلاً عن نفس الميل لأجل وجود تثبيته.

٦ - إنّ تثبيته سبحانه لنبيّه لم يكن أمراً مختصاً بالواقعة الخاصّة، بل كان أمراً عامّاً لجميع الوقائع المشابهة لتلك الواقعة؛ لأنّ السبب الذي أوجب إفاضة التثبيت عليه فيها، يوجب إفاضته عليه في جميع الوقائع المشابهة، ولا معنى

____________________

١ - يقول ابن مالك:

لولا ولوما يلزمان الابتدا

إذا امتناعاً بوجودٍ عقدا

والشرط في الآية مؤوّل إلى الاسم أي لولا تثبيتنا، لقد كدت تركن إليهم.

٢١٢

لخصوصية المعلول والمسبّب مع عمومية العلّة، وعلى ذلك تكون الآية من دلائل عصمته في حياته، وسداده فيها على وجه العموم.

وتوهّم اختصاصها بالواقعة التي تآمر المشركون فيها لإزلاله من كلمات رماة القول على عواهنه.

٧ - إنّ التثبيت في مجال التطبيق فرع التثبيت في مجال التفكير، إذ لا يستقيم عمل إنسان ما لم يتم تفكيره، وعلى ذلك يفاض على النبي السداد مبتدئاً من ناحية التفكّر منتهياً إلى ناحية العمل، فهو في ظل هذا السداد المفاض، لا يفكّر بالعصيان والخلاف فضلاً عن الوقوع فيه.

٨ - إنّ تسديده سبحانه، لا يخرجه عن كونه فاعلاً مختاراً في عامة المجالات: الطاعة والمعصية، فهو بعد قادر على النقض والإبرام والانقياد والخلاف؛ ولأجل ذلك يخاطبه في الآيات السابقة بقوله:( إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً )

وعلى ضوء ما ذكرنا فالآية شاهدة على عصمته، ودالة على عنايته سبحانه برسوله الأكرم فيراقبه ويراعيه ولا يتركه بحاله، ولا يكله إلى نفسه، كل ذلك مع التحفّظ على حريته واختياره في كل موقف.

فقوله سبحانه:( ولولا أن ثبّتناك لقد كدت تركن إليهم ) نظير قوله:( وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ ) (١) لكنّ الأوّل راجع إلى صيانته عن العصيان، والثاني ناظر إلى سداده عن السهو والخطاء في الحياة، وسيوافيك توضيح الآية الثانية في البحث الآتي.

____________________

١ - النساء: ١١٣.

٢١٣

وفي الختام نذكر ما أفاده الرازي في المقام: قال: احتج الطاعنون في عصمة الأنبياء بهذه الآية بوجوه:

الأوّل : إنّها دلّت على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرب من أن يفتري على الله، والفرية على الله من أعظم الذنوب.

الثاني: إنّها تدل على أنّه لولا أنّ الله تعالى ثبّته وعصمه لقرب أن يركن إلى دينهم.

الثالث : أنّه لولا سبق جرم وجناية لم يحتج إلى ذكر هذا الوعيد الشديد.

والجواب عن الأوّل: إنّ ( كاد ) معناها المقاربة، فكان معنى الآية قرب وقوعه في الفتنة، وهذا لا يدل على الوقوع.

وعن الثاني : أنّ كلمة لولا تفيد انتفاء الشيء، لثبوت غيره، نقول: ( لولا على لهلك عمر ) ومعناه أنّ وجود عليعليه‌السلام منع من حصول الهلاك لعمر، فكذلك هاهنا فقوله:( ولولا أن ثبّتناك ) معناه لولا حصل تثبيت الله لك يا محمد، فكان تثبيت الله مانعاً من حصول ذلك الركون.

وعن الثالث : إنّ التهديد على المعصية لا يدل على الإقدام عليها، والدليل عليه آيات منها قوله تعالى:( ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين ) الآيات، وقوله تعالى:( لئن أشركت ) وقوله:( ولا تطع الكافرين ) (١) .

أدلّة المخطِّئة

لقد اطّلعت في صدر البحث على عصمة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أنّ هناك

____________________

١ - مفاتيح الغيب: ٥/٤٢٠.

٢١٤

آيات وردت في حق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد صارت ذريعة لبعض المخطّئة الذين يحاولون إنكار العصمة، وهي عدة آيات:

الأُولى: العصمة والخطابات الحادّة

هناك آيات تخاطب النبي بلحن حاد وتنهاه عن اتّباع أهواء المشركين، والشرك بالله، والجدال عن الخائنين، وغير ذلك، ممّا يوهم وجود أرضية في نفس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لصدور هذه المعاصي الكبيرة عنه، وإليك هذه الآيات مع تحليلها:

١ -( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَالَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَل-ىٍّ وَلا نَصِيرٍ ) (١) .

وقد جاءت الآية في نفس هذه السورة بتفاوت في الذيل، فقال بدل قوله:( مَالَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِىٍّ ولا نَصِير ) ،( إِنَّكَ إِذاً لمِنَ الظَّالِمِينَ ) (٢) ، كما جاءت أيضاً في سورة الرعد، غير أنّه جاء بدل قوله:( ولا نصير ) ( ولا واق ) .

وعلى أيّ حال فقد تمسّكت المخطِّئة بالقضية الشرطية على أرضية متوقّعة في نفس النبي لاتّباع أهوائهم وإلاّ فلا وجه للوعيد.

ولكنّ الاستدلال على درجة من الوهن؛ إذ لا تدل القضية الشرطية إلاّ على الملازمة بين الشرط والجزاء، لا على تحقّق الطرفين، ولا على إمكان تحقّقهما، وهذا من الوضوح بمكان، قال سبحانه:( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا ) (٣) وليس فيها أيّ دلالة على تحقّق المقدّم أو التالي، وبما ذكرنا يتضح حال الآيتين

____________________

١ - البقرة: ١٢٠.

٢ - البقرة: ١٤٥.

٣ - الأنبياء: ٢٢.

٢١٥

التاليتين:

٢ - إنّه سبحانه يخاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقضايا شرطية كثيرة قال سبحانه:( وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً * إِلاَّ رَحْمَةً مِن رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً ) (١) .

ومن المعلوم المقطوع به أنّه سبحانه لا يستلب منه ما أوحى إليه.

٣ - قال سبحانه:( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرينَ ) (٢) ، وقال أيضاً:( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل * لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِن أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزينَ ) (٣) فهذه الآيات ونظائرها التي تحكي عن القضية الشرطية لا تدلّ على ما يرتئيه الخصم بوجه من الوجوه، أي وجود أرضية متوقّعة لصدور هذه القضايا، وذلك لوجهين:

ألف: إنّ هذه الآيات تخاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما أنّه بشر ذو غرائز جامحة بصاحبها، ففي هذا المجال يصح أن يخاطب النبي بأنّه لو فعل كذا لقوبل بكذا، وهذا لا يكون دليلاً على إمكان وقوع العصيان منه بعدما تشرّف بالنبوّة وجُهّز بالعصمة وعُزّز بالرعاية الربانية، فالآيات التي تخاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما هو بشر لا تعم ذلك المجال.

ب - إنّ هذه الآيات تركّز على الجانب التربوي، والهدف تعريف الناس بوظائفهم وتكاليفهم أمام الله سبحانه، فإذا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبي العظمة - محكوماً

____________________

١ - الإسراء: ٨٦ - ٨٧.

٢ - الزمر: ٦٥.

٣ - الحاقة: ٤٤ - ٤٧.

٢١٦

بهذه الأحكام ومخاطباً بها، فغيره أَولى أن يكون محكوماً بها.

وعلى ذلك فتكون الآيات واردة مجرى : ( إيّاك أعني واسمعي يا جارة )، فهؤلاء الذين يتخذون تلك الآيات وسيلة لإنكار العصمة، غير مطّلعين على ( ألف باء ) القرآن؛ وبذلك يظهر مفاد كثير من الآيات النازلة في هذا المجال، يقول سبحانه عندما يأمره بالصلاة إلى المسجد الحرام:

٤ -( الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) (١) ، ويريد بذلك تعليم الناس أن لا يقيموا وزناً لإرجاف المرجفين في العدول بالصلاة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، كما يحكي سبحانه وتعالى عنهم بقوله:( سَيَقُولُ الْسُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا ولاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ) (٢) .

٥ - إنّه سبحانه يبطل إلوهيّة المسيحعليه‌السلام بحجّة أنّه وليد مريمعليها‌السلام بأنّ تولّده بلا أب يشبه تكوّن آدم من غير أب ولا أُم، قال سبحانه:( إنَّ مَثَلَ عِيْسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون ) ، فعند ذلك يخاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله:( الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) (٣) .

ولا شك أنّ الخطاب جرى مجرى ما ذكرنا: ( إيّاك أعني واسمعي يا جارة )، فإنّ النبي الأعظم بعدما اتصل بعالم الغيب وشاهد ورأى الملائكة وسمع كلامهم، هل يمكن أن يتسرّب إليه الشك حتى يصح أن يخاطب بقوله:( فلا تكن من الممترين ) على الجد والحقيقة ؟

٦ - إنّه سبحانه يخاطب النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما جلس على كرسي القضاء

____________________

١ - البقرة: ١٤٧.

٢ - البقرة: ١٤٢.

٣ - آل عمران: ٥٩ - ٦٠.

٢١٧

بقوله:( وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً ) (١) .

فالآية تكلّف النبي أن لا يدافع عن الخائن، ومن الواضح أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن في زمن حياته مدافعاً عن الخائن، وإنّما هو خطاب عام أُريد منه تربية المجتمع وتوجيهه إلى هذه الوظيفة الخطيرة، وبما أنّ أكثر الناس لا يتحمّلون الخطاب الحاد، بل يكون مرّاً في أذواق أكثرهم، اقتضت الحكمة أن يكون المخاطب، غير من قصد له الخطاب.

٧ - وعلى ذلك يحمل قوله سبحانه:( إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلا تَكُن لِلْخائِنِينَ خَصِيماً ) (٢) .

وأخيراً نقول: إنّ سورة الإسراء تحتوي على دساتير رفيعة المستوى، ترجع إلى وظائف الأمّة: الفردية والاجتماعية، وهو سبحانه يبتدئ الدساتير بقوله:( لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولا ) (٣) ، وفي الوقت نفسه يختمها بنفس تلك الآية باختلاف يسير فيقول:( ولا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً ) (٤) .

فهذه الخطابات وأشباهها وإن كانت موجّهة إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكن قصد بها عامة الناس لنكتة سبق ذكرها، وإلاّ فالنبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعظم مَن أن يشرك بالله تعالى بعد تشرّفه بالنبوّة، كيف، وهو الذي كافح الوثنية منذ نعومة أظفاره إلى أن بعث نبيّاً لهدم الشرك وعبادة غير الله تبارك وتعالى.

____________________

١ - النساء: ١٠٧.

٢ - النساء: ١٠٥.

٣ - الإسراء: ٢٢.

٤ - الإسراء: ٣٩.

٢١٨

وقس على ذلك كلّما يمرُّ عليك من الآيات التي تخاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلحن شديد، فتفسير الجميع بالوجهين اللّذين قدّمنا ذكرهما.

الآية الثانية: العصمة والعفو والاعتراض

كان النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصدد خلق مجتمع مجاهد يقف في وجه الروم الشرقية، فأذن بالجهاد إلى ثغرها ( تبوك )، فلبّت دعوته زرافات من الناس بلغت ثلاثين ألف مقاتل، إلاّ أنّ المنافقين أبوا الاشتراك في صفوف المجاهدين، فتعلّقوا بأعذار واستأذنوا في الإقامة في المدينة، وأذن لهم النبي الأكرم، وفي هذا الشأن نزلت الآية التالية:

( عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ) (١) .

والآية تصرّح بعفوه سبحانه عنه كما يقول:( عَفَا اللهُ عَنْكَ ) ، كما تتضمّن نوع اعتراض على النبي حيث أذن لهم في عدم الاشتراك، كما يقول سبحانه:( لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ) ، وعندئذ يفرض هذا السؤال نفسه:

ألف: كيف يجتمع العفو مع العصمة ؟

ب: ما معنى الاعتراض على إذن النبي ؟

أقول: أمّا الجملة الأُولى: فتوضيحها بوجهين:

الأوّل: أنّها إنّما تدل على صدور الذنب - على فرض التسليم - إذا كانت جملة خبرية حاكية عن شمول عفوه سبحانه للنبي في الزمان الماضي، وأمّا إذا

____________________

١ - التوبة: ٤٣.

٢١٩

كانت خبرية ولكن أُريد منها الإنشاء وطلب العفو، كما في قوله:( أيّدك الله ) ( غفر الله لك ) ، فالدلالة ساقطة؛ إذ طلب العفو والمغفرة للمخاطب نوع دعاء وتقدير وتكريم له.

الثاني : ليس على أديم الأرض إنسان يستغني عن عفوه ومغفرته سبحانه حتى الأولياء والأنبياء؛ لأنّ الناس بين كونهم خاطئين في الحياة الدنيا، وكونهم معصومين، ووظيفة الكل هي الاستغفار.

أمّا الطائفة الأُولى فواضحة، وأمّا الثانية فلوقوفهم على عظمة الرب وكبر المسؤولية، وأنّ هنا أُموراً كان الأليق تركها، أو الإتيان بها، وإن لم يأمر بها الرب أمر فرض، أو لم ينه عنها نهي تحذير، والمترقّب منهم غير المترقّب من غيرهم.

ولأجل ذلك كان الأنبياء يستغفرون كل يوم وليلة قائلين: ( ما عرفناك حق معرفتك وما عبدناك حق عبادتك ).

وحاصل الوجهين: أنّ طلب العفو نوع تكريم واحترام للمخاطب بصورة الدعاء، وليس إخباراً عن واقعية محقّقة حتى يستلزم صدور ذنب من المخاطب، هذا من جانب، ومن جانب آخر: أنّ كل إنسان مهما كان في الدرجة العالية من التقوى، يرى في أعماله حسب عرفانه واستشعاره عظمة الرب وكبر المسؤولية، أنّ ما هو الأليق خلاف ما وقع منه، فتوحي إليه نفسه الزكيّة، طلب العفو والمغفرة لإزالة آثار هذا التقصير في الآجل والعاجل.

وأمّا الجملة الثانية:

فلا شك أنّها تتضمّن نوع اعتراض على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكن لا على صدور ذنب أو خلاف منه، بل لأنّ إذنه كان مفوّتاً لمصلحة له، وهو معرفة الصادق في إيمانه

٢٢٠

للقبلة بالقرب من المنارة الشرقية.

أمّا الآن فهو يقع بالقرب من المحراب الأصلي للمسجد موازياً لمقام نبي الله هود عليه السلام وقد كتب على جدار القبلة «هذا مقام خضر النبي عليه السلام».

وكما في الأخبار الشريفة أنّ نبي الله الخضر عليه السلام سيبقى حيّاً إلى عصر ظهور الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف ثمّ يظهر ويتقدي هو وجماعته بالإمام الحجّة عليه السلام ويصلّون خلفه.

٤ ـ مكان نزول نبي الله عيسى عليه السلام : ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال : إنّ نبي الله عيسى بن مريم عليهما السلام ينزل بالجنب من المنارة الشرقية في دمشق ـ أي في المسجد الجامع ـ يوجد حجر كان نبي الله موسى عليه السلام قد ضربه بعصاه فانفجرت عنه اثنتا عشرة عيناً(١) .

مراقد أهل البيت عليهم السلام في الشام

١ ـ حرم السيّدة زينب عليها السلام :

تفيد الدلائل الكثيرة أنّ القبر الموجود في الجنوب الشرقي من العاصمة السورية والذي عمّر في السنوات الأخيرة وأُعيدت توسعته من جديد هو قبر عقيلة الهاشميين السيّدة زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام إلّا أنّ البعض من الأعلام ذهبوا أنّ القبر الموجود في الغوطة هو قبر «أُمّ كلثوم» ، كما ذهب البعض الآخر أنّه قبر للسيّدة زينب عليها السلام.

ولكي يتّضح المطلب فإنّ أقوال المؤرخين حول القبر الموجود في سوريا اليوم هي :

١ ـ قبر السيّدة أُمّ كلثوم عليها السلام.

٢ ـ قبر السيّدة زينب وكنيتها أُمّ كلثوم وأضافوا بأنّها بنت السيّدة الزهراء عليها السلام.

__________________

(١) تاريخ الأماكن السياحية في سوريا ص ٩٢ ـ ٩٣ ، ومراقد أهل البيت عليهم السلام في الشام ص ٢٤.

٢٢١

٣ ـ قبر السيّدة زينب الصغرى عليها السلام ، كنّاه بأُمّ كلثوم زوجة محمّد بن عقيل وكانت أُمّها جارية.

٤ ـ ذهب عدّة من الشيعة والسنّة أنّ القبر هو للسيّدة زينب الكبرى بنت الإمام علي عليه السلام ووالدتها الصدّيقة فاطمة عليها أفضل الصلاة والسلام.

ويمكن الجمع بين الأقوال أنّ السيّدة زينب عليها السلام الموجودة في سوريا تكنّى بأمّ كلثوم فينتفي التنافي بين القول الأوّل والثاني والرابع ، ومع الالتفات أنّ القول الثالث لا دليل تاريخي معتبر له ، فيكون القبر للسيّدة زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام والصدّيقة الزهراء عليها السلام.

أمّا كيف جاءت هذه السيّدة الجليلة إلى الشام ولماذا؟ وأيّهما أصحّ أنّها سافرت إلى سوريا مع زوجها عبدالله بن جعفر في إحدى السنين المجدبة أم أنّها هاجرت من المدينة أيّام واقعة الحرّة الأليمة عندما أباح يزيد اللعين المدينة المنوّرة؟

فهذا وللأسف الشديد ما لم يتطرّق إليه التاريخ ، نعم كتب بعض المتأخرين حول سفر العقيلة إلّا أنّهم لم يعتمدوا في ذلك على مصادر تاريخية.

فقد نقل أنّ الحافظ شمس الدين محمّد بن طولون الدمشقي المتوفّى سنة ٩٥٢ ه ذكر في كتابه حول حياة السيّدة زينب عليها السلام أنّها سافرت إلى الشام أيّام واقعة الحرّة سنة ٦٢ ه.

أمّا العلّامة الأمين قدس سره فقد نقل عن كتاب «تحيّة أهل القبور بالمأثور» أنّها عليها السلام سافرت في عهد عبدالملك بن مروان سنة القحط ليتفقّد عبدالله بن جعفر مزارعه التي في الشام ، فماتت العقيلة ودفنت في ذلك المكان.

وكتب اعتماد الدولة أيضاً في كتابه «خيرات الحسان» حول ذلك فقال : أمّا قبر السيّدة زينب عليها السلام ـ أصحّ الروايات ـ فهو في أحدى قرى الشام ، فلمّا أصابت المجاعة أهل المدينة أخذ عبدالله بن جعفر أهله إلى الشام ، وفي أثناء توقّفه في إحدى القرى ـ

٢٢٢

والتي قبر السيّدة موجود فيه اليوم ـ استمرضت العقيلة وماتت ودفنت في نفس القرية(١) .

ميلاد السيّدة زينب

فتحت العقيلة زينب عينيها المباركتين في المدينة المنوّرة في الخامس من جمادي الأُولى السنة الخامسة أو السادسة للهجرة ، وحينما أخبر رسول الله صلى الله عليه واله بولادتها جاء إلى منزل الصدّيقة الزهراء عليها السلام وقال : ايتوني بالمولودة لأراها ، فجاءته الصدّيقة عليها السلام بها فأخذها في حضنه وهو ينظر إليها ودموعه تنحدر على خدّيه ، فتوجّهت الصدّيقة الزهراء عليها السلام إلى ذلك وهاج بها الحزن بها وقالت : ممّا بكاءك يا أبة؟! قال صلى الله عليه واله : إنّ بكائي لما يجري على هذه الطفلة بعدنا من المصائب.

فقد عرضت عليّ مصائب كربلاء وما يجري على ابنتي هذه يوم عاشوراء بعد قتل أخيها الحسين عليه السلام وكيف أنّها ستصبر على قضاء الله تعالى وقدره ، ثمّ مكث رسول الله صلى الله عليه واله ينظر إليها مليّاً ويبكي مدّة إلى أن قال صلى الله عليه واله ما مضمونه : يا فاطمة! كلّ من بكى لمصائب زينب ينال ثواب من بكى على الحسن والحسين عليهما السلام.

الاسم المبارك

جرياً على العادة ، فإنّ أمير المؤمنين والصدّيقة الزهراء عليها السلام لم يكونا يسبقا رسول الله صلى الله عليه واله في تسمية أبناءهما ، ولذا فإنّهما عند تسمية عقيلة الهاشميين بقيا ينتظران رسول الله صلى الله عليه واله الذي كان ينتظر السماء ماذا تسمّيهم.

وعندما دخل رسول الله صلى الله عليه واله عليهما الدار هبط الأمين جبرائيل عليه السلام وأشار عليه أن يسمّيها بـ «زينب» وبالطبع فإنّ لأمير المؤمنين بنتين بهذا الإسم إحداهما زينب الكبرى والأُخرى زينب الصغرى ، أمّا كنيتها عليها السلام فهي أُمّ الحسن ، وفي بعض الأخبار أنّ كنيتها أُمّ كلثوم.

وكانت عليها السلام تلقّب بـ «العقيلة» و «عقيلة بني هاشم» و «عقيلة الطالبيين» ،

__________________

(١) شام سرزمين خاطره ها تأليف مهدي پيشوايى ص ٢١٥ ـ ٢١٦.

٢٢٣

والعقيلة هي التي تكون عزيزة جدّاً في قبيلتها.

كما أنّ لها ألقاباً أُخرى منها : الموثّقة ، العارفة ، العالمة غير المعلّمة ، الفاضلة ، الكاملة ، عابدة آل علي ، والمحدّثة ، وبطلة كربلاء.

ويكفيها فضلاً أنّ الإمام السجّاد عليه السلام قال في حقّها : أنت بحمد الله عالمة غير معلّمة وفهيمة غير مفهّمة.

الرؤيا العجيبة

نقل مؤلّف «طراز المذهب» فقال : في أواخر عمر النبي صلى الله عليه واله جاءته العقيلة زينب عليها السلام وقالت : يا جدّاه : رأيت في الرؤيا عاصفة شديدة جعلت الدنيا ظلماء ومن شدّة العاصفة لذت بشجرة كبيرة وفجأة إذا بالريح تقلع الغصن الذي كنت متمسّكة به فلذت بغصن آخر فاقتلع هو الآخر فلذت بالثالث ثمّ الرابع فاستيقظت من النوم فزعة مرعوبة.

فالتفت الرسول صلى الله عليه واله إليها ودموعه الشريفة تجري على محاسنه وقال : إنّ الشجرة الكبيرة أنا وعمّا قليل أُفارقكم ، والغصن الأوّل هو أُمّك فاطمة عليها السلام ، والغصن الثاني هو أبيك علي عليه السلام والغصنين الآخرين هما الحسنان عليهما السلام وبفقدهما تظلّم الدنيا(١) .

عبادة السيّدة زينب عليها السلام

لقد ورثت السيّدة زينب في العبادة أُمّها فاطمة الزهراء عليها السلام ، فكما أنّ الصدّيقة فاطمة عليها السلام كانت تقوم الليل كلّه بالعبادة والتهجّد وتلاوة القرآن ، كذلك هي العقيلة زينب عليها السلام ، كانت تقوم الليل كلّه ولذلك قال لها سيّد الشهداء عليه السلام : يا أُختاه لا تنسيني في نافلة الليل(٢) .

وكما نقل بعض الأعلام : أنّ السيّدة زينب عليها السلام لم تترك قيام الليل طيلة عمرها

__________________

(١) حضرة زينب كبرى تأليف محمد مقيمى ص ٤٩.

(٢) الخصائص الزينبية ص ١٠٥.

٢٢٤

المبارك حتّى في ليلة الحادي عشر عندما رأت تلك المصائب التي تجعل رأس الطفل شيباً كانت تصلّي من جلوس وإلى ذلك يشير الإمام السجّاد عليه السلام فيقول : إنّ عمّتي زينب لم تترك صلاة الليل رغم شدّة تعبها ، وقد رأيتها في أحد المنازل تصلّي صلاة الليل من جلوس ، ولمّا سألتها عن ذلك قالت : منذ ثلاثة أيّام وأنا أُقدّم طعامي إلى الأطفال ولشدّة الجوع عجزت عن الصلاة من قيام.

نعم ، فلولا جهاد السيّدة زينب في كربلاء والكوفة والشام لم يبق من الإسلام إلّا اسمه ومن الدين إلّا رسمه.

زهد السيّدة زينب عليها السلام

لقد بلغت السيّدة زينب عليها السلام درجة في التسليم والرضا بقضاء الله تعالى أنّها عافت العزّ والجاه الذي كان في بيت زوجها وخرجت إلى كربلاء ـ بعد إذن زوجها طبعاً ـ لتنصر دين الله تعالى وتؤازر إمام زمانها سيّد الشهداء عليه السلام الذي خرج لطلب الإصلاح في أُمّة جدّه رسول الله صلى الله عليه واله.

وفي واقع الأمر إنّ هذا هو قمّة الزهد ، حيث يتخلّى الإنسان عن كلّ شيء ويخرج من أجل نصرة الدين وإعلاء كلمة الله في الأرض(١) .

مجلس العقيلة في الكوفة

ذكر الجزائري فقال : عندما كان أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة كانت العقيلة زينب عليها السلام تفسّر لنساء الكوفة القرآن الكريم في بيتها.

وفي أحد الأيّام كانت تفسّر قوله تعالى «كهيعص»(٢) فدخل أمير المؤمنين عليه السلام الدار وقال : سمعتك تفسّرين قوله «كهيعص» قالت : نعم يا ابتاه ، قال : أما أنّها رموز للمصائب التي تنزل بكم آل الرسول صلى الله عليه واله ثمّ أخذ يعدّد لها المصائب التي ستنزل بهم يوم

__________________

(١) رياحين الشريعة ج ٣ ص ٦٣.

(٢) سورة مريم : ١.

٢٢٥

عاشوراء فارتفع صوت العقيلة بالبكاء والأنين(١) .

جود السيّدة زينب عليها السلام

سأل أحد المحتاجين أميرالمؤمنين عليه السلام أن يساعده ، فذهب الإمام علي عليه السلام إلى بيته وقال للصدّيقة الزهراء عليها السلام : هل لدينا طعام نعطيه لهذا المحتاج؟ قالت عليها السلام : ليس لدينا إلّا قرصاً واحداً من خبز الشعير وهو للسيّدة زينب عليها السلام ، آنذاك التفت عقيلة الهاشميين إلى الصدّيقة فاطمة عليها السلام وقالت : اعطي الخبز للمحتاج وأنا أصبر على الجوع.

وقد بلغ من شدّة جود وكرم هذه المرأة العظيمة أنّها أنفقت كلّ ما تملك وضحّت بنفسها من أجل إعلاء كلمة الحقّ وهذا قمّة الجود والسخاء(٢) .

ولا غرابة في ذلك ، فإنّ الطفلة التي لا يتجاوز عمرها خمس سنوات تكون بهذه الكيفية من الكرم بالطبع إنّها تضحّي من أجل العقيدة الإسلامية كلّ هذه التضحيات العظيمة.

استجابة دعاءها

من كلام لميرزا محمّد تقي سپهر في «ناسخ التواريخ» قال فيه : إنّ جلاوزة يزيد أدخلوا أهل البيت عليهم السلام من دروازة الساعات وهو أبعد الطرق إلى قصر يزيد في الشام.

وقبل أن يدخلوهم الشام أمروا الناس أن يزيّنوا المدينة وتعطّل الأسواق وتخرج المغنّيات في الشوارع ومعنّ الطبول والمزامير ، وقد أمر يزيد أن يرفعوا مئة وعشرين علماً ويبارك الناس بعضهم بعضاً فرحاً بهذا العيد المشؤوم.

ففي الخبر عن أبي مخنف : أنّهم مرّوا بأهل البيت عليهم السلام على قصر لعجوزة تدعى أُمّ الحجّام ، وقد كانت جالسة مع أربع نساء ، ولمّا رأت العجوزة رأس سيّد الشهداء عليه السلام وهويسطع نوراً ضربته بحجر فسالت الدماء الزاكية من جبينه.

__________________

(١) الخصائص الزينبية ص ٢٧ ، رياحين الشريعة ج ٣ ص ٢٧.

(٢) رياحين الشريعة ج ٣ ص ٦٤.

٢٢٦

أنذاك ضجّت العلوبات بالبكاء والعويل خاصّة العقيلة زينب عليها السلام التي زادها المنظر همّاً فوق همّها فرفعت يديها المباركتين نحو السماء ودعت الله بقلب حزين وقالت : اللهمّ خرّب قصرها وأحرقها بنار الدنيا قبل نار الآخرة.

يقول الراوي : أُقسم بالله ، ما أن دعت العقيلة بهذا الدعاء إذا بالقصر يلتهب ناراً يحترق حتّى صار رماداً ثمّ هبّت ريح عاصفة وذرته الرماد في كلّ مكان بحيث إنّه لا يمكن إعادة تشييده أبداً.

خطبة العقيلة عليها السلام في الشام

يقول مؤلّف «بحر المصائب» : حينما مرّوا بالعقيلة زينب عليها السلام في أسواق الشام يقدمها الرأس الشريف والناس ينظرون إليها فرحين مسرورين يضربون الطبول والمزامير فرحاً بهذا العيد كان الرأس الشريف بين الفترة والأُخرى يقول : لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم.

في ذلك الحال وبينما كان الناس يستهزؤون بأهل البيت عليهم السلام توجّهت عقيلة الهاشميين عليها السلام إلى رأس أخيها المظلوم عليه السلام وقالت : يا أخاه! انظر إلينا ولا تغمض عينيك عنّا ونحن بين العدى.

فالتفت الرأس الشريف إليها وقال : يا أُختاه اصبري ، فإنّ الله تعالى معنا.

ولذلك فإنّ السيّدة زينب عليها السلام لم تتحمّل جسارة القوم على الله تعالى فالتفت إليهم وقالت : أيّتها الأُمّة المشؤومة ، تقتلون ابن نبيّكم وسيّد شباب أهل الجنّة وتطوفون بأهله وعياله في أسواقكم فرحين بذلك؟! لا أنالكم الله رحمته وسخط عليكم

بعض كرامات السيّدة زينب عليها السلام

بداية وقبل كلّ شيء ينبغي الالتفات أنّ أصل وجود سيّدة زينب عليها السلام هو كرامة من الله تعالى ، فهي فرع من تلك الشجرة الطيّبة التي مدحها الله تعالى فقال :( أَصْلُهَا ثَابِتٌ

٢٢٧

وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ) (١) .

من جانب آخر فإنّ حياة هذه السيّدة الجليلة شاهد حقّ على كراماتها العظيمة ، ومع ذلك فإنّنا سنذكر بعض كراماتها ليعتبر منها الموالون ويتّعظ بها كلّ من كان له عقل سليم.

أمّا الكرامات فهي :

١ ـ نفس قصّة العجوزة التي ذكرناها هي شاهد صدق على كرامة السيّدة زينب عليها السلام.

٢ ـ قصّة جبل الجوشن الذي كان من النحاس وسقوط الطفل محسن المذكورة في التاريخ.

٣ ـ تصرّفها عليها السلام في النفوس عندما خطبت خطبتها في سوق الكوفة ، بل وتصرّفها في الجمادات كما نقلوا إذ أنّها عليها السلام لمّا أشارت على القوم أن اسكتوا هدأت الأنفاس وسكنت الأجراس.

٤ ـ علمها اللدنيّ الذي أشار إليه الإمام زين العابدين عليه السلام فقال : عمّة! أنت بحمد الله عالمة غير معلّمة.

٥ ـ إجابة دعاءها في حقّ ذلك الرجل الذي قال ليزيد الطاغية هب لي هذه الطفلة ـ أي سكينة ـ.

٦ ـ كيفية ولادتها عليها السلام.

٧ ـ قصّة طبخ الحلوى المذكورة في الكتب.

٨ ـ إخبارها عليها السلام ببقاء ذكر أهل البيت عليهم السلام وسرعة زوال سلطنة بني أُميّة في مجلس يزيد الطاغية حينما خطبت المعروفة والتي تعدّ في حدّ ذاتها كرامة لها.

٩ ـ قصّة «فضّة والأسد» المذكورة في فروع الكافي وبحار الأنوار وغيرها من

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٢٤.

٢٢٨

الكتب(١) .

١٠ ـ استجابة دعاءها حينما دعت على ذلك الرجل إثر حرقهم للخيام.

١١ ـ رؤيتها للرسول صلى الله عليه واله وجبرئيل وادي كربلاء.

فقد ذكر الشيخ جعفر النقدي في كتاب السيّدة زينب نقلاً عن رواية في البحار عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ السيّدة زينب عليها السلام لمّا جاءت إلى مصرع سيّد الشهداء عليه السلام ظهر عاشوراء رأت جدّها رسول الله صلى الله عليه واله وخاطبت عسكر بن سعد قائلة : الويل لكم ألا ترون رسول الله صلى الله عليه واله كيف يبكي لهذه المصيبة؟!

فإذا دعا عليكم لابتلعتكم الأرض ولهلكتم ، إلّا أنّهم يلم يعتنوا بكلامها.

١٢ ـ نقلا العلّامة النوري في «دار السلام» الكرامة التالية للسيّدة زينب وهي : حدّثني السيّد السند والحبر المعتمد العالم العامل وقدوة أرباب الفضائل البحر الزاخر عمدة العلماء الراسخين السيّد محمّد باقر السلطان آبادي نفع الله به الحاضر والبادي ، قال : عرض لي في أيّام واشتغالي ببروجرد مرض شديد ، فانتقلت إلى وطني فساعدت الحركة المرض ، فزاد وانصبت المواد إلى عيني اليسرى فصار بها رمد شديد وبياض ، واشتدّ به الوجع ، فمنعني الرقاد فجمع والدي العليم ما كان في بلدتنا من الأطباء ، فقال بعضهم : لابدّ له من شرب الدواء مقدار ستّة أشهر لعلّ عينه تعود صحيحة وقال بعضهم : يكفي في أربعين يوماً ، فضاق خلقي وكثر همّي من سماع كلماتهم لكثرة ما شربت من الدواء في تلك المدّة ، وكان لي أخ صالح تقي أراد السفر إلى المشاهد العظيمة ، وزيارة سادات البرية ، فهاج شوقي وقلت : أُصاحبك في الطريق لعلّي امسح عيني بعتبة من تربته شفاء من كلّ داء ، وفرج من كلّ ضيق ، فقال : وأنت في هذا المرض والوجع لا يمكنك الحركة وسمع بذلك الأطباء فقال بعضهم : يصير عمياء في المنزل الثاني ، وقال بعضهم : بعمى ولمّا يبلغ أوّل منازله ، فمنعوني فقصدت مشايعته في الظاهر ، فسافرت معه إلى

__________________

(١) راجع بحارالأنوار ج ٤٥ ص ١٦٩ ح ١٧.

٢٢٩

المنزل الأوّل ، وكان هناك رجل من الصلحاء الأخيار ، فلمّا سمع حكايتي حرّضني على المسير وقال : لا شفاء إلّا عند خلفاء الإله الكبير : فإنّي كنت مبتلى بوجع في القلب في مدّة تسع سنين وكلّت الأطباء عن تداويه فزرت أبا عبدالله الحسين عليه السلام فشفاني بحمد الله من غير تعب ومشقّة ، فلا تصغ إلى خرافات الأطباء وزر متوكّلاً بخالق البرايا ، فعزمت على المسير فلمّا بلغنا المنزل الثاني وجنّ الليل اشتدّ الوجع ، فطالت ألسنة العذّال وقالوا جميعاً : إمّا أن ترجع أو نترك السفر على كلّ حال؟ فقلت : عند الصباح تنكشف الأحوال ، فلمّا كان وقت السحر وسكن الوجع قليلاً ، وقدت فرأيت الصدّيقة الصغرى زينب الكبرى بنت إمام الأتقياء عليه آلاف التحية والثناء ، قد دخلت عليَّ وأخذت بطرف مقنعة كانت في رأسها ، وأدخلته في عيني ومسحتها به ، فانتبهت فلم أر في عيني وجعاً.

فلمّا أصبحنا قلت لأصحابي : لا أجد وجعاً فلا تمنعوني من المسير ، فحملوا كلامي أوّلاً على الحيلة ، فحلفت لهم ، فسرنا فلمّا مشينا بعض النهار عمدت إلى عيني فكشفت عنها الخرق التي كانت مشدودة عليها مذ خرجت من البلد ، ونظرت إلى التلال والجبال ، فلم أر فرقاً بينها وبين الأُخرى ، فقلت لبعض أصحابي : ادن منّي وانظر إلى عيني ، فنظر وقال : سبحان الله ليس فيها رمد ولا بياض ولا أثر من المرض ، ولا تفاوت بين العينين ، فوقفت وناديت جميع الزوّار وأخبرتهم بالرؤيا وكرامة الصدّيقة الصغرى ، ففرحوا واستبشروا وبعثوا بالخبر إلى الوالد وأهل البلد ، فقرّت عيونهم واطمأنّت قلوبهم ، وحدّثني بتلك الكرامة شيخنا الجليل النبيل والعالم الذي عدم له النظير والبديل المولى فتح علي السلطان آبادي الذي يأتي الاشارة إلى شطر من مناقبه ، وقال : كنت وقتئذ في سلطان آباد وشاهدت ما ذكره.

١٣ ـ كتب الحاج محمّد تقي صادق إحدى الكرامات التي ذكرها صاجب كتاب «التوسّلات» وهي كالتالي : فبعد التحية والسلام على الشيعة الموالين في كلّ مكان قال : أنقل لكم كرامة من كرامات عقيلة الهاشميين السيّدة زينب عليها السلام التي اصطفاها الله تعالى على الأُمّة.

٢٣٠

أمّا تفاصيل القضيّة فهي كالتالي :

ابتليت الأُخت المؤمنة فوزية زيدان(١) وهي من أهل جبل عامل في قرية جوية بألم شديد في قدميها وقد أُجريت له العديد من العمليات الجراحية ولكن دون جدوى حتّى بلغ بها الحال أنّها لا تستطيع تحريك قدميها وصارت تمشي جالسة وبمساعدة يديها وقد بقيت ٢٥ سنة جليسة الدار صابرة.

وفي إحدى السنين حينما أقبل شهر محرّم الحرام نفذ صبرها وعجزت من نفسها فطلبت من أهلها أن يأخذوها إلى سوريا لزيارة السيّدة زينب عليها السلام للتوسّل بها وتأخذ شفاءها منها ، إلّا أنّهم رفضوا ذلك وقالوا : ليس من الجيّد أن نأخذك إلى حرم السيّدة زينب عليها السلام وأنت على حالك هذه ، وإذا كانت العقيلة زينب عليها السلام تريد شفاءك لشفتك وأنت في بيتك.

وكلّما أصرّت فوزية عليهم أن يأخذوها إلى سوريا لم يقبلوا فاضطرّت أن تستسلم لهم وتصبر على علّتها.

وفي أحد أيّام شهر محرّم أقام أحد جيرانهم مجلساً لسيّد الشهداء عليه السلام في منزله ، فذهبت فوزية على حالتها المؤلمة متكئة على يديها واستمعت إلى القارئ وشاركت المستمعين البكاء والتوسّل بأهل البيت عليهم السلام ثمّ رجعت طبق الحالة السابقة إلى المنزل فصلّت الفريضة وخلدت إلى النوم بحالتها المنكسرة ودموعها الجارية لمصاب أهل البيت عليهم السلام.

ولمّا قرب الصباح استيقظت فوزية لتصلّي صلاة الصبح فتوجّهت أنّ الفجر لم يطلع فبقيت تنظر الفجر ، وفيما هي كذلك إذا بها تحسّ أنّ شخصاً قد أخذ بعضدها ويقول : قومي يا فوزية قومي وما أن سمعت فوزية هذا الكلام قامت بمساعدة ذلك الشخص

__________________

(١) لقد حازت هذه المرأة على عناية السيّدة زينب بعد ٢٥ سنة من المعاناة والآلام التي كانت تعانيها من قدميها. وقد كتبت الصحف قضيّتها مفصّلاً ومنها الصحف التالية السياسة المساء ، الهدى وغيرها.

٢٣١

على قدميها فرحة مسرورة ، ثمّ التفتت يميناً وشمالاً فلم تجد أحداً توجّهت إلى والدتها التي كانت نائمة معها في الغرفة وقالت : الله أكبر ولا إله إلّا الله والله أكبر ، فاستيقظت الوالدة ولمّا رأتها على ذلك الحال ذهلت واندهشت ، ثمّ خرجت فوزية خارج المنزل وهي تقول : الله أكبر ولا إله إلّا الله والله أكبر فسمع أخواتها صوتها وخرجوا خلفها ولمّا شاهدوها رفعوا أصواتهم بالصلوات فبلغ الخبر إلى الجيران فاجتمعوا حول دارهم وأخذوا يكبّرون ويهلّلون ، وشيئاً فشيئاً انتشر الخبر في كلّ القرية بل وإلى القرى والمدن المجاورة وأقبل العديد من الناس ليشاهدوها ويتبرّكوا بها حتّى صار منزلهم محطّ للزوّار ، فسلام الله عليك يا عقيلة بني هاشم يوم ولدت ويوم استشهدت مظلومة ويوم تبعثين حيّة.

شفاء طفلة هندية

نقل في بعض الكتب : أنّ المتولّي باشا عندما أعاد بناء حرم عقيلة الهاشميين عليها السلام في الشام أخذ الناس يقدّمون إليه النذورات من كلّ مكان وبالمقابل فإنّه كان يعطيهم الوصولات.

وفي أحد الأيّام دخل أحد الهنود الحرم الشريف وتوسّل بالسيّدة زينب عليها السلام وطلب منها أن تقض حاجته وقال : سيّدتي أعاهدك من الآن أُقدّم لحرمك ضريحاً مرصّعاً بالجواهر إذا قضيتي حاجتي على أن تتجاوز قيمة الضريح المليون دينار قال ذلك ثمّ خرج من الحرم الشريف إلى بيروت.

ولم تنقض مدّة طويلة إذا به بعث الرسالة إلى المتولّي باشا جاء فيها : لقد أمرت بعض المتخصّصين أن يعدّوا ضريحاً مرصّعاً بالجواهر ، وفي اليوم «الفلاني» سنأتي به حسب المراسم الخاصّة إلى سوريا فعليك أن تقيم بهذه المناسبة مجلساً مجلّلاً وسأدفع أنا كلّ تكاليفه.

وبالفعل ففي نفس اليوم الموعود جاءوا بالضريح المقدّس حسب التشريفات الهندية بعد أن خطب فيهم أحدهم خطبة عجيبة قال فيها : إنّ لي ابنة مريضة قد شلّت

٢٣٢

قداماها منذ سنين طويلة ، وعلى الرغم إنّني سخّرت ثروتي العظيمة كلّها من أجل شفاءها إلّا أنّني لم أصل إلى نتيجة أصلاً حتّى أتيت إلى زيارة السيّدة زينب عليها السلام وتوسّلت بها ونذرت لها بأن إذا شافت ابنتي أُهدي لحرمها ضريحاً مرصّعاً بالجواهر.

ولمّا رجعت إلى بيروت وجدت أنّهم بعثوا لي رسالة يخبروني بشفاء ابنتي من مرضها فبعثت لكم الرسالة أُبشّركم بشفاءها ولذا فقد سافرت إلى بلدي وشاهدت كيف شافت عقيلة الطالبيين عليها السلام ابنتي فتشيّعت بسبب هذه الكرامة وتشيّع معي الكثير من الناس(١) .

بكاء الإمام الحجّة لمصيبة عمّته

نقل الحاج ملّا علي السلطان على الخطيب التبريزي الذي يعدّ من العبّاد والزهّاد فقال : رأيت في المنام إمام العصر والزمان عليه السلام وقلت له : سيّدي إنّ ما نسب إليك في الزيارة الناحية أنّك قلت : فلأندبنّك صباحاً ومساءً ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً صحيح؟!

قال : نعم. قلت : سيّدي ما هي المصيبة التي جعلتك تبكي بدلاً الدمع دماً؟! فهل هي مصيبة علي الأكبر؟ قال : لا ، فلو كان علي الأكبر حي لبكى هو أيضاً لتلك المصيبة دماً. قلت : سيّدي ألمصيبة عمّك العبّاس تبكي دماً؟ قال : لا ، لو كان عمّي العبّاس لبكى لتلك المصيبة دماً.

قلت : حتماً إنّها مصيبة جدّك الحسين عليه السلام هي التي جعلتك تبكي دماً؟! قال : لا ، ولو كان جدّي سيّد الشهداء عليه السلام حيّاً لبكى من أجل تلك المصيبة دماً. قتل : ما هي تلك المصيبة التي جعلتك تبكي دماً؟! قال : إنّها مصيبة عمّتي زينب عليها السلام(٢) .

__________________

(١) مجموعة أنوار علمى معصومين عليهم السلام ص ٦٥ تأليف الشيخ علي الفلسفي.

(٢) شيفتگان حضرة مهدى عليه السلام تأليف الشيخ قاضي زاهدي ص ١٤٥ نقلاً عن العبقري الحسان للمرحوم النهاوندي.

٢٣٣

مقام السيّدة زينب عليها السلام

نقل آية الله الميرزا أحمد السيوبويه الساكن في طهران عن سماحة الشيخ حسين السامرائي الذي كان من الخطباء المتّقين في العراق أنّه قال : في إحدى سفراتي إلى مدينة سامراء وكان يوم الجمعة ذهبت قريب الغروب إلى سرداب الغيبة فوجدته خالياً لا أحد فيه ، وفيما أنا أتوسّل بإمام العصر والزمان عليه السلام أخذتني حالة من الروحانية العجيبة وإذا بي أسمع صوتاً من خلفي يقول : قل للشيعة والمحبّين أن يقسموا على الله تعالى بحقّ عمّتي زينب عليها السلام كي يعجّل الفرج(١) .

ولنعم ما نظم السيّد رضا الهندي قدس سره في مصيبتها حيث قال :

إن كان عندك عبرة تجريها

فانزل بأرض الطفّ كي نسقيها

فعسى نبلُّ مضاجع صفوة

ما بلّت الأكباد من جاريها

ولقد مررت على منازل عصمة

ثقل النبوّة كان أُلقي فيها

فبكيت حتّى خلتها ستجيبني

ببكائها حزناً على أهليها

وذكرت إذ وقفت عقيلة حيدر

مذهولة تصغي لصوت أخيها

بأبي التي ورثت مصائب أُمّها

فغدت تقابلها بصبر أخيها

لم تله عن جمع العيال وحفظهم

بفراق اخواتها وفقد بنيها

لم أنس إذ هتكوا حماها فانثنت

تشكو لواعجها إلى حاميها

تدعو فتحترق القلوب كأنّما

يرمي حشاها جمرة من فيها

هذي نساؤك من يكون إذا سرت

في الأسر سائقها ومن حاديها

أيسوقها زجر بضرب متونها

والشمر يحدوها بسبّ أبيها

عجباً لها بالأمس أنت تصونها

واليوم آل أُميّة تبديها

حسرى وعزّ عليك أن لم يتركوا

لك من ثيابك ساتراً يكفيها

__________________

(١) شيفتگان حضرة مهدى عليه السلام ج ١ ص ٢٥١.

٢٣٤

وسروا برأسك في القنا وقلوبها

تسمو إليه ووجدها يضنيها

إن أخّروه شجاه رؤية حالها

أو قدّموه فحالة يشجيها

وفاة السيّدة زينب عليها السلام

نقل صاحب «بحر المصائب» فقال : إنّ السيّدة زينب عليها السلام بعد فاجعة كربلاء ومآسي الشام والبكاء الطويل على سيّد الشهداء عليه السلام احدودب ظهرها وشاب رأسها وقضت بقيّة عمرها الشريف بالحزن والأسى إلى أن فارقت الدنيا مظلومة.

وقال صاحب «بحر المصائب» أيضاً : إنّ السيّدة أُمّ كلثوم عليها السلام توفّت بعد أربعة أشهر من رجوع أهل البيت عليهم السلام إلى المدينة المنوّرة ، وبعد ثمانين يوماً من رحيل السيّدة أُمّ كلثوم شاهدت العقيلة زينب عليها السلام أُمّها الصدّيقة الزهراء عليها السلام في المنام ، ولمّا استيقظت من النوم بقيت تبكي وتلطم على رأسها وجهها إلى أن أُغمي عليها ، ولمّا جاءوا إليها وحرّكوها وجدوها قد فارقت الدنيا.

وبرحيل العقيلة زينب عليها السلام تجدّد مصاب أهل البيت عليهم السلام وجلسوا عليها بالعزاء وأعادوا ببكاءهم ذكريات عاشوراء الأليمة التي أمضّت قلوب العلويين.

أمّا تاريخ وفاتها فقيل أنّه في العاشر من شهر رمضان المبارك ، وقيل في الرابع عشر من شهر رجب الأصب سنة ٦٢ ه كما ذهب إلى ذلك النسّابة عبيدلي المتوفّى سنة ٢٧٧ في كتابه أخبار الزينبيات.

وكما يبدو أنّ المؤرخين لم يختلفوا في سنة وفاة العقيلة زينب عليها السلام إلّا أنّهم وكما أشرنا اختلفوا في تاريخ وفاتها إلى قولين ، وهناك قول ثالث ذهب أنّ وفاتها في الخامس من شهر رجب الأصب ، والله أعلم بحقائق الأُمور.

أولاد السيّدة زينب عليها السلام

ذكر السبط ابن الجوزي في «تذكرة الخواص» فقال : إنّ لعبد الله بن جعفر أولاداً متعدّدين منهم : علي ، وعون الأكبر ، ومحمّد ، والعبّاس وأُمّ كلثوم ، وأُمّهم السيّدة زينب عليها السلام بنت الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام والصدّيقة فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه واله.

٢٣٥

وعدّ ابن قتيبة في كتاب «المعارف» : جعفر الأكبر من أولاد السيّدة زينب عليها السلام.

أمّا مؤلّف «عمدة الطالب» فقال : زينب الكبرى بنت الإمام علي عليه السلام وكنيتها أُمّ الحسن ، كانت تروي عن أُمّها فاطمة الزهراء عليها السلام الأخبار ، وقد تزوّجت من ابن عمّها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وولدت منه : علي وعون وعباس وغيرهم.

وقال الطبرسي في «أعلام الورى» : أمّا زينب الكبرى بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله فتزوّجها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وولد منها : علي ، وجعفر ، وعون الأكبر ، وأُمّ كلثوم أولاد عبدالله بن جعفر ، وقد روت زينب عن أُمّها فاطمة عليها السلام أخباراً(١) .

ونقل الشبلنجي في «نور الأبصار» فقال : ولدت السيّدة زينب عليها السلام من عبدالله بن جعفر أربعة أولاد وبنت واحدة.

وقال أيضاً : وإنّ ذرّيتها ـ السيّدة زينب عليها السلام ـ منتشرين إلى اليوم في البلاد والأمصار وهم من الشرفاء وأهل البركة.

وفي ناسخ التواريخ : إنّ عون بن عبدالله بن جعفر وأخيه محمّد ولدي السيّدة زينب عليها السلام استشهدوا في أرض كربلاء.

محلّ دفن العقيلة زينب عليها السلام

هناك ثلاثة أقوال بالنسبة إلى محلّ دفن السيّدة زينب عليها السلام وهي :

١ ـ أنّها دفنت في المدينة المنوّرة إلى جنب أئمّة البقيع عليهم السلام.

٢ ـ دفنت في القاهرة.

٣ ـ دفنت في دمشق في منطقة الغوطة وقبرها معروف اليوم يقصده الكثير من الشيعة والحبّين كلّ يوم.

أمّا القول الأوّل فالظاهر أنّه لا دليل له إلّا الحدس والظن ، ولعلّ منشأ هذا الظنّ هو أنّ العقيلة بعد الأسر عادت إلى المدينة ومن الطبيعي أن تموت فيها وتدفن في البقيع مقبرة

__________________

(١) أعلام الورى ج ١ ص ٣٩٦ ـ ٣٩٧.

٢٣٦

بني هاشم.

وكذا الحال بالنسبة إلى القول الثاني ـ في مصر ـ فهو لا دليل معتبر له.

وبرّد القولين الأوّلين يثبت القول الثالث وهو أنّها عليها السلام دفنت في قرية «رواية» من منطقة الغوطة في الشام ، وهي تقع على بعد سبعة كيلومترات من الجنوب الشرقي لدمشق.

وفي هذا المكان شيّد للعقيلة زينب عليها السلام مرقد عظيم وهو مزار للشيعة والمحبّين بل إنّه مزار لغير الشيعة أيضاً.

وكما يبدو من بعض التواريخ أنّ تاريخ هذا المزار للسيّدة زينب عليها السلام قديم جدّاً وإنّه كان موجوداً حتّى في القرن الثاني إذ أنّ ـ كما في التاريخ ـ السيّدة نفيسة زوجة إسحاق المؤتمن ابن الإمام الصادق عليه السلام كانت تأتي لزيارة هذا المرقد الشريف(١) .

بكاء الكون لمصاب السيّدة زينب عليها السلام

نقل العالم الجليل السيّد أسد الله الأصفهاني المقيم في كربلاء المقدّسة سنة ١٣١٩ لمؤلّف كتاب «الكبريت الأحمر» فقال : إنّ الإمام الحجّة بن الحسن عليه السلام قال لي في الرؤيا : إنّ أهل السماء يجتمعون يوم وفاة عمّتي زينب عليها السلام ويقرأون خطبتها الغرّاء في الكوفة ويبكون لمصابها الجلل(٢) .

كما نقل العالم الجليل الملّا علي الخياباني في كتاب «وقايع الأيّام» في تتمّة محرّم الحرام قصّة طويلة نذكر منها ما يتعلّق بالعقيلة زينب عليها السلام وهو :

يقول أحد الثقات : شاهدت الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف في عالم الرؤيا وهو في غاية الحزن ، فتقدّمت نحوه خطوات وسلّمت عليه وسألته عن حالته

__________________

(١) من أجل الاطّلاع أكثر راجع كتاب مراقد أهل البيت عليهم السلام للفهري.

(٢) الكبريت الأحمر ص ٨٥.

٢٣٧

فقال : اعلم أنّه منذ اليوم الذي توفّيت فيه عمّتي زينب عليها السلام وملائكة السماء تعقد مجلساً يوم وفاتها في السماء يقرؤون خطبتها في سوق الكوفة ويبكون إلى أن أذهب إليهم وأُسكتهم ، واليوم هو يوم وفاة عمّتي زينب عليها السلام وقد رجعت للتوّ من ذلك المجلس.

نعم ، يحقّ للملائكة أن تبكي لفقد هذه السيّدة الجليلة ، فلو لم يكن منها سوى السنة والنصف التي عاشتها بعد مقتل سيّد الشهداء عليه السلام فغيّرت من خلالها التاريخ لكفى.

بل إنّ يزيد الطاغية قبل أن تدخل العقيلة زينب عليها السلام الشام أسيرة كان فرحاً مسروراً بقتل سيّد الشهداء عليه السلام ولكن وبعد أن دخلت عليه قلبت نهاره إلى ليل وجعلته يجرّ آهات الحزن والحسرة طيلة عمره المتبقّي إلى أن فطس وذهب بعار الدنيا وعذاب الآخرة ألا فلعنة الله عليه وعلى أبيه وعلى بني أُميّة قاطبة ولعنة الله على كلّ من ملّكهم رقاب المسلمين.

علاقة السيّدة زينب بأخيها المظلوم

عندما كان البعثيون يقصفون مدينة قم المقدّسة التجأت أكثر من مرّة بمسجد جمكران المعروف. وفي أحد الأيّام خرجت من المسجد وقصدت زيارة السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام في قم المقدّسة ، وبعد الزيارة ذهبت لزيارة آية الله العظمى السيّد شهاب الدين مرعشي قدس سره فدار الحديث حول أهل البيت عليهم السلام وفضائلهم وإذا بآية الله المرعشي يقول : عندما ولدت السيّدة زينب عليها السلام أعطتها الصدّيقة الزهراء عليها السلام إلى رسول الله والإمام علي والحسن عليهم السلام وكانت السيّدة زينب عليها السلام مطبقة عيناها لم تفتحها في وجه أحدهم ، إلّا أنّها حينما أخذها أخوها سيّد الشهداء عليه السلام فتحت عيناها في وجهه المبارك.

وأضاف سماحته قدس سره فقال : وفي مجلس يزيد ـ لعنة الله عليه ـ كان الرأس الشريف ينظر إلى جميع الأسارى وهو على الرمح الطويل ، إلّا أنّه عندما نظر إلى حال أُخته العقيلة عليها السلام أطبق جفنيه وجرت دموعه وكأنّه عليه السلام يقول لها : أُخيّ زينب ، لقد حفظتي لي عيالي ، فجزاك الله خيراً ولاتزيدني خجلاً فوق خجلي.

٢٣٨

في حرم السيّدة زينب عليها السلام

نقل الخطيب الشهير محمّد رضا سقا زاده في مقدّمة كتاب «الخصائص الزينبية» عن سماحة آية الله العظمى الملّا علي الهمداني ذلك العالم الورع الذي توفّي قبل سنين أنّه قال :

سألت سماحة آية الله آقا ضياء العراقي عن قبر السيّدة زينب عليها السلام فنقل في جوابه القصّة التالية : أنّ أحد الشيعة من أهل القطيف في السعودية قصد زيارة الإمام الرضا عليه السلام ، وفي وسط الطريق نفدت أمواله وبقي حائراً فهو لا يستطيع الرجوع إلى وطنه ولا يقدر على مواصلة الطريق ، ولذا فقد توسّل بإمام العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف ليخلّصه من هذه الحيرة.

وفيما هو كذلك إذا بسيّد نوراني جليل القدر يتعرّف عليه ويقدّم له بعض الأموال لتوصله إلى سامراء.

وكان ممّا قال له هذا السيّد الجليل : راجع في سامراء وكيلنا الميرزا محمّد حسن الشيرازي وقل له يعطيك من أموالنا التي عنده لتذهب بها إلى زيارة جدّي علي بن موسى الرضا عليه السلام.

يقول الرجل القطيفي : لم أعرف حقيقة الرجل ولا من أين أتى إلّا أنّني تساءلت منه وقلت : إذا سألني آية الله الشيرازي من هو السيّد مهدي وما هي صفاته ماذا أُجيبه؟ فقال السيّد مهدي : قل للميرزا الشيرازي إنّ السيّد مهدي قال : إنّ العلامة هي : أنّك سافرت في الصيف أنت والحاج ملّا علي كني الطهراني إلى حرم عمّتي زينب عليها السلام ، وحيث إنّ الحرم الشريف كان مزدحماً بالزوّار ذهبت أنت والملّا علي كني إلى سطح الحرم وكانت الأوساخ والقاذورات قد تجمّعت فخلعت أنت عباءتك وأخذت تكنس سطح الحرم الشريف بها بينما كان الملّا علي كني يأخذ الغبار والأوساخ بيده إلى خارج الحرم الشريف ، وقد كنت حاضراً آنذاك أُشاهدكما.

٢٣٩

يقول القطيفي : حينما التقيت بالميرزا الشيرازي وذكرته له القضيّة قام على قدميه واحتضنني وجعل يقبّل عينيه ويبارك لي هذا التوفيق.

وأضاف الرجل القطيفي قائلاً : كما ذهبت إلى آية الله كني وذكرت له القضيّة فقام هو أيضاً إجلالاً لي وقبّل ما بين عينيه إلّا أنّه كان حزيناً لأنّ الإمام الحجّة عليه السلام لم يحوّل الرجل القطيفي عليه(١) .

__________________

(١) مراقد أهل البيت عليهم السلام في الشام للفهري ص ٧٥.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293