السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام20%

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 293

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 293 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 241867 / تحميل: 7919
الحجم الحجم الحجم
السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

يسبقوه إلى أهله، فجعل يقول: يا صباحاه يا صباحاه اوتيتم اوتيتم(١) .

هكذا بدأت الدعوة الإسلامية، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله يخطو خطوات قصيرة، يجابه ضوضاء الالحاد بحكمه وعظاته حتى دخل في الإسلام بعض الشخصيات البارزة ممن كانت لهم مكانة مرموقة بين الناس، وانجذبت إليه قلوب كثير من الشبان وأصبحت أفئدتهم تهوى إليه، غير أنّ الجو المفعم بالاحن والضغائن عرقل خطا دعوته، وتفاقمت جرائم قريش نحوه، فأجمعوا أمرهم على أن يخنقوا نداءه، بإنهاء حياته وإطفاء نوره، حيث اجتمع سادتهم في دار الندوة، وأجمعوا على أن يأخذوا من كل قبيلة فتى شاباً، ويسلّموا له سيفاً صارماً، وأوصوا هؤلاء الشباب بأن يضربوه ضربة رجل واحد، حتى يموت، فيستريحوا منه، وبذلك يتفرّق دمه في القبائل جميعاً، ولا يقدر بنو هاشم، على حربهم.

ولكنّ الله ردّ كيدهم، وصدّهم عن ذلك، وخيّب حيلتهم، وأخبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عن المكيدة الداهمة، فغادر مكة متوجهاً إلى « يثرب » حتى دخلها، فاجتمع حوله رجال من الأوس والخزرج، وبايعوه، ووعدوه بالنصر، والمؤازرة والحراسة.

والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وإن غادر مكة، وترك قومه، إلّا أنّ قومه لم يتركوه، بل أجّجوا نار الشحناء عليه، ودارت بينهم وبين الرسول حروب دامية، وحملات طاحنة، وبذلت قريش آخر ما في وسعها، ورمت كل ما في كنانتها، وبالغت في تقويض الإسلام، وهدم بنائه، إلى أن دخل العام السادس، من الهجرة، فتعاهد الفريقان في أرض الحديبية على هدنة تدوم عشر سنوات، بشروط خاصة.

هذا الصلح الذي تصالح به المسلمون في الحديبية، انقلب الى فتح مبين للإسلام، فانتهز الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الفرصة لنشر دعوته في البلاد البعيدة، فبعث سفراءه وفي أيدي كل واحد كتاب خاص إلى قيصر الروم، وكسرى فارس، وعظيم القبط، وملك الحبشة، والحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام، وهوذة بن علي الحنفي ملك اليمامة ،

__________________

(١) السيرة الحلبية، ج ١، ص ٣٢١ المقصود: هوجمتم من قبل العدو.

٤١

بل إلى رؤساء العرب، وشيوخ القبائل، والاساقفة، والمرازبة، والعمال، يدعوهم إلى دين الإسلام، الذي هو دين السلام، ورسالته من الله وما اُنزل إليه من ربّه.

وهذه المكاتيب أول دليل على أنّ رسالته، عالمية لا تحدد بحد، بل تجعل الأرض كلها مجالاً لإقامة هذا الدين، ودونك نماذج ممّا ورد في تلكم الرسائل :

١. كتب إلى كسرى ملك فارس :

« بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس: سلام على من اتبع الهدى أدعوك بدعاية الله فإنّي أنا رسول الله إلى الناس كافة، لاُنذر من كان حيّاً، ويحق القول على الكافرين، أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس »(١) .

٢. وكتبصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قيصر ملك الروم :

« بسم الله الرحمن الرحيم، إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أمّا بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرّتين فإن تولّيت فإنّما عليك إثم الاريسيين »(٢) .

وما ذكرناه نماذج من رسائله، وكتاباته الإبلاغية، وفيه وفي غيره مصارحة شديدة بأنّه رسول الله إلى العرب والعجم، وإلى الناس كلهم، من غير فرق بين اللون والجنس، والعنصر والوطن، ويمتد شعاع رسالته بامتداد الحضارة، ووجود الانسان، وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكافح كل مبدأ يضاد دينه، وكل رساله تغاير رسالته، وقد جرى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه طيلة حياته الرسالية، حتى التحق بالرفيق الأعلى.

يقول السير توماس ارنولد: « انّ هذه الكتب قد بدت في نظر من اُرسلت إليهم ضرباً من الخرق، فقد برهنت الأيام على أنّها لم تكن صادرة عن حماسة جوفاء وتدل هذه الكتب دلالة أكثر وضوحاً وأشد صراحة على ما تردد ذكره في القرآن من مطالبة الناس جميعاً بقبول الإسلام ».

__________________

(١) تاريخ الطبري، ج ٢، ص ٢٩٥، تاريخ اليعقوبي، ج ٢، ص ٦١ وغيرهما.

(٢) السيره الحلبية، ج ٢، ص ٢٧٥، مسند أحمد، ج ١، ص ٢٦٣ وغيرهما.

٤٢

فقد قال الله تعالى في سورة ص ٨٧ ـ ٨٨:( إِنْ هُوَ إلّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ *وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) .

وفي سورة يس ٦٩ ـ ٧٠:( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إلّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ *لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ) .

وفي سورة الفرقان ١:( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) .

وقال سبحانه:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) سورة سبأ: ٢٨.

وقال سبحانه:( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ) . سورة الأعراف ١٥٨.

وقال سبحانه:( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ ) . سورة آل عمران: ٨٥.

وقال سبحانه:( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ) . سورة النساء: ١٢٥.

وقال سبحانه:( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ *وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ *اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَٰهَ إلّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ *يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إلّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ *هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَىٰ وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ) . التوبة: ٢٩ ـ ٣٣(١) .

__________________

(١) الدعوة إلى الإسلام، ص ٣٤.

٤٣

تأثير تلكم الكتب :

وممّا يدل على أنّ هذه الكتب لم تصدر عن حماسة جوفاء، أنّه قد كان لها أثر بديع في أكثر هذه الأوساط، إذ تجاوبت معها شعور كثير منهم، فنبهتهم من رقدتهم، وانهضتهم من كبوتهم، فأصبحوا متفكّرين من ملبّ لدعوته، وخاضع لرسالته، ومؤمن بما أتاه، إلى معظّم لرسله، ومجيز لهم، ومكبّر إيّاه بإرسال التحف الثمينة، ودونك صورة مصغّرة ممّا أثارته تلكم الكتب في هذه البيئات، وقد روى أصحاب السير والتاريخ أُموراً كثيرة يطول بنا المقام بذكرها :

قال قيصر لأخيه ـ حين أمره برمي الكتاب ـ: أترى أرمي بكتاب رجل يأتيه الناموس الأكبر، وقال لأبي سفيان: إن كان ما تقول حقّاً فإنّه نبي، ليبلغنّ ملكه ما تحتي قدمي.

وخرج ضغاطر أسقف الروم بعد قراءة الكتاب، إلى الكنيسة وقال في حشد من الناس: يا معشر الروم أنّه قد جاءنا كتاب أحمد، يدعونا إلى الله وأنّي أشهد أن لا إلهَ إلّا الله وأنّ أحمد رسول الله.

وقال المقوقس: إنّي قد نظرت في أمر هذا النبي، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده ساحراً ضالاّ، ولا كاهناً كذّاباً.

وكتب فروة عامل قيصر بعمان إلى رسول الله كتاباً، أظهر فيه إسلامه، فلمّا اطّلع عليه قيصر أخذه واستتابه، فأبى فأمر بقتله، فقال حينما يقتل :

بلّغ سراة المسلمين بأنّني

سلم لربّي أعظمي وبناني

وكتب هوذة بن علي ملك اليمامة إلى رسول الله: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله.

ولبّي المنذر بن ساوى ملك البحرين دعوة الرسول وأظهر إسلامه.

وأجابه ملوك حمير، وأساقفة نجران، ولبّاه عمّال كسرى باليمن، واقيال

٤٤

حضرموت، وملك ايلة ويهود مقنا بالإسلام، أو بإعطاء الجزية.

وكتب النجاشي ملك الحبشة، كتابه المعروف، وأظهر إسلامه إلى درجة صلّى عليه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما بلغه موته(١) .

هذا غيض من فيض، وقليل من كثير، من تأثير دعوته العالمية ورسالته العامّة.

نعم قد شذ منهم كسرى ـ ومن لفّ لفه ـ وهو ذلك الملك الذي ورث السلطة والحكم عن أجداده من آل ساسان، فأبى أن يكون تابعاً للعرب، وخشى من هذا الدين على شخصه وملكه.

ولأجل ذلك لا تعجب إذا ثارت ثائرة كسرى، فمزّق كتاب الرسول، وأرسل إلى باذان، عامله باليمن، وكتب إليه: « ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين جلدين فليأتياني به »(٢) .

هذه صورة اجمالية من بدء دعوته إلى ختامها، أتينا بها بصورة مصغّرة، ليقف القارئ على أنّ دعوته لم تكن مقصورة على بلد خاص، أو شعب خاص بل كانت عالمية غير محدودة، وأنّ مرماه كان هو القضاء على جميع النزعات الاقليمية والمحلية والأديان السالفة وتذويبها في اطار رسالته العالمية الواسعة النطاق، وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصرّح بذلك في بدء دعوته، وأثنائها ومختتم أمره.

النصوص القرآنية في عالمية رسالته :

هلم معنا نتلو عليك نصوص القرآن الدالّة على أنّ رسالته، رسالة عالمية وأنّ دعوته لا تختص بإقليم خاص، أو اُمّة معيّنة، وإنّ مرماه هو إصلاح المجتمع البشري على وجه الاطلاق، ويمكن الاستدلال على ذلك بوجوه :

__________________

(١) راجع لمعرفة نصوص ما دار بينهم وبين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى كتاب « مكاتيب الرسول ».

(٢) الكامل، ج ٢، ص ٨١، السيرة الحلبية، ج ٣، ص ٢٧٨، إلى غير ذلك.

٤٥

الأوّل: إنّ كثيراً من الآيات تصرّح بأنّ رسالته عالمية، وأنّه رسول الله إلى الناس جميعاً، وأنّ الله أرسله رحمة للعالمين، وأنّه بشير ونذير للناس كافة، وأنّه ينذر بقرآنه كل من بلغه كتابه وهتافه، من غير فرق بين شخص وشخص، أو عنصر وآخر، ودونك بعض النصوص من هذا القسم :

١.( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ) ( الأعراف ـ ١٥٨ ).

٢.( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) ( سبأ ـ ٢٨ ).

٣.( وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِاللهِ شَهِيدًا ) ( النساء / ٧٩ ).

٤.( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) ( الأنبياء ـ ١٠٧ ).

٥.( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) ( الفرقان ـ ١ ).

٦.( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ) ( الأنعام ـ ١٩ ).

ـ أي كل من بلغه القرآن، ووصلت إليه هدايته في أقطار الأرض ـ.

٧.( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَىٰ وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ) ( الصف ـ ٩ ).

٨.( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ ) ( النساء ـ ١٧٠ ).

٩.( الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ) ( إبراهيم ـ ١ ).

١٠.( هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ) ( آل عمران ـ ١٣٨ ).

وهذه الآيات ونظائرها ممّا لم ننقلها، صريحة في أنّ هتاف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يختص باُمّة دون اُمّة، وأنّه بعث إلى الناس كافة مبشّراً ومنذراً لهم جميعاً.

الثاني: إنّ القرآن كثيراً ما يوجّه خطاباته إلى الناس غير مقيّدة بشيء، وهذا دليل

٤٦

واضح على أنّ هتافاته وتوجيهاته تعم الناس كافة، ودونك نماذج من هذا القسم.

١.( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة ـ ٢١ ).

٢.( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) ( البقرة ـ ١٦٨ ) إلى غير ذلك

فترى أنّه يخاطب الناس، ويقول: يا أيّها الناس تصريحاً منه على أنّ رسالته السماوية إلى الناس كلهم، لا إلى صنف خاص منهم.

فلو كان الإسلام ديناً اقليمياً، ورسالته طائفية، فلماذا تأتي هتافاته بلفظ:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) ؟!.

فقد تكرر هذا النداء في الكتاب ست عشرة مرة.

بل لماذا يخاطب أهل الكتاب ويناديهم بقوله( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ) ؟ فقد ورد هذا الخطاب في الذكر الحكيم اثنتي عشرة مرة.

وربّما يستدل في المقام بالخطابات الواردة في القرآن موجهة إلى بني آدم لكن الاستدلال بها لا يخلو من الاشكال، كما سيوافيك بيانه عند البحث عن ختم الدين والرسالة(١) .

الثالث: إنّ القرآن ربّما يأخذ العنوان العام موضوعاً لكثير من أحكامه، من غير تقييد بلون، أو عنصر، أو شعب أرض خاصة، وهذا يكشف عن أنّه بعث إلى إصلاح المجتمع البشري في مشارق الأرض ومغاربها، وأنّ الرسالة التي اُلقيت على عاتقه لا تحدد بحد، ودونك نماذج من هذا القسم :

١.( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ( آل عمران ـ ٩٧ ).

فقد أوجب حج البيت على الناس إذا استطاعوا إليه، عرباً كانوا، أم غير عرب ،

__________________

(١) لاحظ الفصل الثاني ـ في هذا الكتاب ـ ص ١١٣.

٤٧

فلم يقل: لله على الاُمّة العربية ـ مثلاً ـ حج بيته.

٢.( وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) ( الحج ـ ٢٥ ).

٣.( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ( لقمان ـ ٦ ). فالجملة الخبرية بمعنى الانشاء وتحريم الاشتراء ولذا استدل الفقهاء بها على حرمة كسب المغنيّات تبعاً للسنّة(١) .

فذم سبحانه كل من اشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله كائناً من كان إلى غير ذلك من الآيات.

الرابع: يقضي صريح القرآن بأنّ هدايته لا تختص بمجتمع خاص، بل تعم كل من تظلّه السماء، وتقلّه الأرض. ودونك بعضها :

١.( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ) ( النساء: ١٧٤ ).

٢.( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ ) ( البقرة ـ ١٨٥ ).

٣.( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) ( الزمر: ٢٧ ).

٤.( الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) ( إبراهيم ـ ١ ).

أليست هذه الآيات صريحة في أنّ القرآن نور وهدى للناس كلّهم، لا للعرب خاصة، ومع ذلك كيف يمكن أن نحمل رسالته على أنّها مختصة باُمّة دون اُمّة ؟! هذا ونجد سبحانه يقول:( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) ( الجمعة: ٣ ) وما المراد من ال‍:( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ ) ـ أي من المؤمنين ـ ؟ أليس المراد كل من جاء بعد

__________________

(١) راجع المكاسب، ص ٣٨، للشيخ الأعظم الأنصاري.

٤٨

الصحابة إلى يوم القيامة من العرب والعجم ؟(١) فالآية دالة على عمومية الرسالة مضافاً إلى خاتميتها.

هذه جوانب تلقي ضوءاً على البحث، وتهدف إلى أمر واحد: وهو أنّ رسالته ذات نزعة عالمية، غير محدودة بحد، فلا يحدها قطر، ولا يقيّدها شيء آخر من ألوان التحديد والتقييد، نعم مبدأ البرهان في كل واحد منها يختلف مع ما في الآخر ـ كما يظهر ذلك بالإمعان والتدبّر ـ(٢) .

البرهان على عمومية رسالته بوجه آخر :

وهناك لون آخر من البحث يتصل اتصالاً وثيقاً بطبيعة الإسلام، وبفكرته الكلية، عن الكون والحياة والإنسان، ونظرته الوسيعة الثاقبة في التقنين والتشريع وإن شئت فاجعله خامس الوجوه.

بيانه: أنّ الحقائق الراهنة التي جاء بها الصادع بالحق، في مختلف الأبواب والفصول، لا تستهدف سوى تبنّي الواقع، ولا تأخذ غيره دعامة، ولا تخضع لشرط من الشرائط الزمانية إلّا لنفس الأمر.

وإن شئت فقل: إنّ الإسلام لا يعتمد في أحكامه وتشريعاته وما يرجع إلى الانسان في معاشه ومعاده، إلّا على مقتضى الفطرة التي فطر عليها كلّ بني الإنسان والسائدة في كافة أفراده، في عامة أقطار الأرض جميعاً، وإذا كان الحكم والتشريع موضوعاً على طبق الفطرة الانسانية السائدة في جميع الأقطار والأفراد، فلا وجه

__________________

(١) مجمع البيان، ج ٥، ص ٢٨٤.

(٢) هذه الوجوه الأربعة تختلف في طريق البرهنة على المطلب، فقد استدل في الوجه الأوّل بتصريح القرآن على عموم رسالته، واعتمد في الثانية على شمولية هتافات القرآن وعمومية خطاباته في الفروع والاُصول، وفي ثالثها على أنّ القرآن كثيراً ما يتخذ العنوان العام لموضوع أحكامه، وفي رابعها على نص القرآن بأنّ هدايته وانذاره لا يختص بشعب خاص.

٤٩

لاختصاصه بإقليم دون إقليم، أو بشعب دون شعب.(١)

ولا يجد الباحث ـ مهما اُوتي من مقدرة علمية كبيرة ـ في ما جاء به نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله ، على سعة نطاقه، وبحثه في شتى الجهات، ومختلف النقاط أىّ طابع إقليمي، أو صبغة طائفية، وتلك آية واضحة على أنّ دعوته دعوة عالمية لا تتحيز إلى فئة معيّنة، ولا تنجرف إلى طائفة خاصة.

هذا هو الإسلام وتعاليمه القيّمة ومعارفه الاعتقادية، وسننه التشريعية فأمعن فيها النظرة مرة بعد اُخرى، فهل تجد فيه ما يشير إلى كونه ديناً إقليماً خاص، أو شريعة لفئة محدودة ؟ فإنّ للدين الإقليمي علائم وأمارات، أهمها أنّه يعتمد في معارفه وتشريعاته على خصوصيات بيئية، أو ظروف محلية، بحيث لو انقلبت تلكم الخصوصيات إلى غيرها، أصبحت السنن والطقوس المعتمد عليها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، وصار النافع منها ضاراً، فهل تجد أيّها الباحث في ما جاء به الإسلام شيئاً من تلكم الامارات.

هلم معي نحاسب بعض ما جاء به الإسلام في مجالات العلم والعمل، ونضعها على طاولة الحساب، فنكون على بصيرة كاملة في هذا الموضوع: فقبل كل شيء، لاحظ كتاب الله العزيز، ومعجزة الإسلام الخالدة، فقد انبثق نوره منذ أربعة عشر قرناً، حين كانت البشرية تسبح في ظلام دامس مخيف، ضاعت فيه كرامة الانسان وحريته، وساد العداء والتنازع بين الناس، وكان نظام الغاب وحده، مفزعاً للناس وملجأ إليهم.

وفي تلك الظروف جاء القرآن نوراً يستضيء به العالم، ويعيد للانسان كرامته ومكانته وحريته، مؤسّساً لمجتمع قائم على أساس وطيد من العدالة الاجتماعية، سواء في ذلك انسان الجزيرة العربية أم غيرها.

هلم معي نستعرض تعاليمه، فهل نرى آية من آياته الباهرة، أو قانوناً من قوانينه، أو حكمة من حكمه ومعارفه، أو سننه من سنة، أو فريضة من فرائضه تنفع في

__________________

(١) سوف نرجع إليه في ختام البحث، ونجعله دليلاً مستقلاً على عمومية رسالته.

٥٠

مجتمع دون آخر ؟ تفيد في إقليم دون إقليم ؟ تبلغ بمجتمع خاص إلى قمّة الرقي والحضارة، وتسف بجماعة اُخرى إلى هوة الضلال والجهل ؟!

ليت شعري ماذا يريد القائل من كلمته القارصة، أو فريته الشانئة ؟: « الإسلام دين طائفي، أو مبدأ إصلاح إقليمي، لا يصلح لعامة المجتمعات، ولا يصلح لعامة القارات، ولا تسعد به الإنسانية على اختلاف شعوبها وطبقاتها ».

ليت شعري ماذا يريد منها ؟ أيريد معارفه العليا في باب الصانع وصفاته، وما جاء في ذلك الباب من الحقائق الغيبية، والكنوز العلمية، التي لم تحم حولها فكرة انسان قبله، ولم توجد في زبر الاوّلين مثلها، أو شبهها.

فلو أراد ذلك، فتلك فرية بيّنة، إذ الإسلام قد أتى بفلسفة صحيحة وعرفان رصين وتوحيد خالص، فيه دواء المجتمع البشري في الأقطار كلها.

ترى ويرى كل من له إلمام بالإسلام أنّه كافح كل لون من ألوان الشرك، كافح عبدة الأصنام والأجرام السماوية، كافح كل تعلّق بغيره سبحانه، وتخضع لشيء دون الخالق، وأنقذ المجتمع البشري من مخالب الشرك، ومصائد الضلال، ونهاه عن عبادة حجر لا يعقل أو شجر لا يفهم، أو حيوان لا يدفع عن نفسه، أو انسان محتاج مثله، أو غيرها من الأرباب الكاذبة، فأعاد للانسان كرامته وحريته ومكانته المرموقة سواء في ذلك انسان الجزيرة أم غيره.

أيحسب هذا القائل أنّ ذلك التوحيد، وهذا العرفان مختصان بقوم دون قوم كيف ؟ فإذا كان النبي لا يستهدف سوى الواقع ولا يتبنّى غيره، وبعبارة صحيحة: إذا كان لا يوحى إليه سوى الحقيقة المجردة عن شوب كذب، فلا وجه لأن يختص باُمّة دون اُمّة.

ودونك سورة الحديد والآيات التي وقعت في صدرها، فاقرأها بإمعان وتدبّر فهل يعلق الشك بضميرك الحر، بأنّها تعاليم ومعارف تختص بمنطقة خاصة ولا تصلح للتطبيق في مناطق اُخرى، إلى غير ذلك من الآيات الواردة في العقائد والمعارف.

أم يريد أنّ أحكام الإسلام وتشريعاته في العبادات والمعاملات والأخلاق

٥١

وغيرها، قوانين إقليمية، لا تصلح إلّا لظروف خاصة، ولا تفيد إلّا في شبه الجزيرة العربية، ولا يسعد بها إلّا انسانها، دون اناس المناطق الاُخرى، إلّا أنّ تلك فرية بيّنة ليست فيها مسحة من الحق أو لمسة من الصدق، فهذه فروعه ودساتيره وفرائضه لا تجد فيها أثراً للطائفية أو أمارة للإقليمية.

ضع يدك على النظام الاجتماعي الذي جاء به الإسلام في أبواب النكاح والزواج، وأحكام الأولاد والنشوز والطلاق والفرائض، وإصلاح حال اليتامى وإنفاذ الوصايا، والإصلاح بين الناس، وأداء الأمانة، وحسن السلوك معهم، والتعاون والاحسان، إلى غير ذلك ممّا يجده الباحث في النظام الاجتماعي للإسلام.

ضع يدك على النظام الأخلاقي الذي فاق به الإسلام، كافة الأنظمة الخلقية التي كانت قبله، أو تأسّست بعده، فأمر بالصدق وأداء الأمانة، والصبر والثبات وحسن الظن بالناس، والعفو والغفران والقرى والضيافة، والتواضع، والشكر والتوكل، والاخلاق في العمل إلى غير ذلك ممّا أمر به، أو ما نهى عنه كالبخل والاختيال، والبهتان والغضب، والاثرة، والحسد، والغش والبغي والخمر والميسر، والجبن والغيبة والكذب، والاستكبار والرياء، والعجب والتنابز بالألقاب والانتحار والغدر و .

ضع يدك على نظامه السياسي في باب الحكم والسياسة، وما أتى به في اصلاح نظام الحرب، ودفع مفاسدها، وقصرها على مافيه من الخير للبشر، وايثار السلم على الحرب، وعلى الأنظمة والقوانين التي جاء بها في أبواب العقود والمعاملات، فأوجب حفظ المال عن الضياع والاقتصاد فيه وجعل فيه حقوقاً مفروضة ومندوبة، وأحلّ البيع وحرّم الربا، ونهى عن الغش والتطفيف، إلى غير ذلك ممّا يجده المتعمّق في كتب الفقه والأحكام.

قل لي بربّك هل تجد في هذه الأنظمة، أو في ثنايا هذه الأبواب والأحكام حكماً أو أحكاماً فيها تفكير طائفي أو نزعة اقليمية ؟ وإن كنت في ريب فاقرأ الآيات التالية ومئات نظائرها، تجدها دواء المجتمع الانساني في الأقطار كلها :

٥٢

١.( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ( النحل ـ ٩٠ ). أليست هذه القوانين عماد الاصلاح، وسناد الفلاح في عامة القارات ؟

٢. هلاّ كان منه قوله سبحانه( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) ( النساء ـ ٥٨ ).

وقد ندد الله باليهود لتجويزهم خيانة الاُميين، يعني العرب المشركين ومن ليس في دينهم، وقال:( وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إلّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ( آل عمران ـ ٧٥ ).

وليس هذا إلّا لأنّ دينهم على زعمهم كان طائفياً، فالحرام عندهم هو خيانة يهودي ليهودي مثله لا غير، وأمّا الإسلام فلمّا كان ديناً عالمياً غير مختص بطائفة دون اُخرى، فحرّم الخيانة مطلقاً على المسلم والكافر، وذلك آية كونه عالمياً لا طائفياً ولا إقليمياً.

٣. أو ليس منه قوله سبحانه:( وَلْتَكُن منكُمْ اُمّة يَدعُونَ إلى الخيرِ ويأمُرونَ بالمعروفِ وينهَونَ عن المنكرِ ) ( آل عمران ـ ١٠٤ ).

وقد عرضنا هذه الآيات على سبيل التنويه، فليس معنى هذا، أنّ ما جاء به الإسلام في طريق إصلاح المجتمع، محصور في هذا النطاق، فإنّ في كثير من الآيات التي لم نأت بها تنويهاً بمختلف الأخلاق الفاضلة الإنسانية، والشخصية والاجتماعية من صدق، وعدل، وبر، وأمانة، وصلة رحم، ولين جانب، ووفاء عهد، ووعد، ورحمة للضعيف، ومساعدة للمحتاج، ونصرة للمظلوم، وصبر، ودعوة إلى الخير، وتواص بالحق، وعدم اللجاج فيه، والانفاق لله، والدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، والتعاون على البر والتقوى، والرغبة في السلم.

كما احتوت آيات كثيرة تنديداً بمختلف الأخلاق السيئة والخصال المذمومة من

٥٣

كذب، وظلم، وبغي، واثم، وقتل نفس، وارتكاب فاحشة، وانتهاك عرض وافك وزور، وعربدة سكر، وإسراف وتبذير، وخيانة ونكث غدر، وخديعة، وقطع رحم، وأكل أموال الناس بالباطل، وجبن، وشح وأمر بمنكر وغلظة قلب، وفظاظة خلق، ورياء ومكابرة وانتقام باغ، وتناقض بين القول والعمل وغرور، وصد عن الحق، إلى غير ذلك من مساوئ الأخلاق ومحاسنها التي تجد نصوصها مبثوثة في القرآن الكريم. وتسهل عليك مراجعتها والاهتداء والتدبّر في معانيها إذا لا حظت كتاب « تفصيل آيات القرآن الكريم »(١) ، « والمعجم المفهرس »(٢) وغيرهما من الكتب والمعاجم.

هذا وقد عاشت الاُمّة الإسلامية بل الانسانية جمعاء(٣) في ظل هذه الدساتير ونظائرها الوافرة في أجيال متتابعة، وفي حقب من الزمان والمكان، فلو كانت مختصة بإقليم خاص، لأدّت إلى التناحر والاندحار في الأقاليم الاُخر، لا إلى الرقي والحضارة(٤) .

الدعوة إلى الفطرة، أساس الأحكام الإسلامية :

لقد بنى الإسلام أحكامه وتوجيهه في العلم والعمل على الفطرة الإنسانية السائدة في جميع الأقطار والأفراد، فدعا إلى التوحيد المطلق، وقرّر مبادئ العدالة والحرية والمواساة والاخاء بين الناس كافة والديمقراطية الحقة، ونشر العلم والحضارة

__________________

(١) تأليف المسيو جول لابوم، وقد وضع كتاباً باللغة الفرنسية، جمع فيه آيات القرآن بحسب معانيها، ووضع كلا منها في باب أو أبواب خاصة، حسب ما فهم منها، ولكنّه أخطأ في كثير من معانيها، فإنّه اكتفى في ترتيبه وتنسيقه بما فهمه من ظواهر الآيات حسب اللغة العربية وقواعدها، من دون أن يرجع إلى أسباب النزول، وسنّة النبي وسيرته والأئمّة من بعده.

(٢) تأليف محمد فؤاد عبد الباقي المصري.

(٣) اعترف به المستشرق غوستاف لوبون في آخر كتابه.

(٤) نعم كل اُمّة ركنت إلى الدعة والراحة، وحنت إلى تقليد عادات الأجانب في معترك الحياة، ونسيت مكانتها ورسالتها وقوانينها وأخذت بغيرها، رجعت إلى ورائها القهقرى وعلى هذا الأساس تعيش الاُمّة الإسلامية في هذا العصر في أنحاء العالم، فتراها متفرقة الكلمة ممزّقة، تأكلها حثالات الأرض.

٥٤

وقضى على الرذائل والمنكرات، والشهوات الجامحة، والتقاليد البالية، والخرافات الكاذبة، والرهبانية المبتدعة، وأمر بالفضائل والصدق في القول والوفاء بالعهد، والاجتناب عن العزوبة بنكاح الحرائر إلى غير ذلك من الوف الأحكام والتشريعات التي أشرنا إلى كثير منها وتعتبر بمجموعها دعائم الاصلاح في العالم كله، ولا تنازع الفطرة بل تطابقها ولا تتخلّف عنها قدر شعرة.

فإذا كانت الفطرة الإنسانية واحدة في الجميع، وكانت الأحكام الإسلامية مبنية عليها في جانب التشريع، فلا وجه لأن تختص بقوم دون قوم، وهذا بحث لطيف سوف نرجع إليه إن شاء الله عند البحث عن كون نبي الإسلام خاتم النبيين، ودينه خاتم الأديان وبه نجيب على الاشكال الدارج على ألسنة بعض المستهترين ممّن لا يؤمن بصريح القرآن في مسألة الخاتمية ويقول: « إنّ النصوص الشرعية في الكتاب والسنّة محدودة، وحوادث الناس ومقاصدهم متجددة ومتغيّرة ولا يمكن أن تفي النصوص المحدودة بالحوادث المتجددة الطارئة » فارتقب حتى يأتيك الجواب والبيان.

الإسلام يكافح المبادئ الرجعية :

وأدل دليل على أنّ الإسلام رسالة عالمية، أنّه يكافح النزعات الاقليمية والطائفية ولا يفرق بين اللون والجنس والعنصر ولا يفضّل أحداً إلّا بالتقوى، ويزيّف كل مقياس سواه ويقول:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) ( الحجرات ـ ١٣ ).

كفى له فخراً أنّه أوّل من حارب العصبية والنعرات الطائفية ودعا إلى الاخوة الانسانية، والزمالة البشرية، والانضواء تحت لواء واحد وهو لواء التوحيد المطلق.

أجل حارب العصبية، والنعرات الطائفية في ظل وحدات ثمان، وهو أوّل من أسّسها وأشاد بنيانها، أعني: وحدة الاُمّة، وحدة الجنس البشري، وحدة الدين، وحدة التشريع، وحدة الاخوة الروحية، وحدة الجنسية الدولية، وحدة القضاء، بل وحدة اللغة

٥٥

الدينية(١) .

وقد بلغت بها الاُمّة الإسلامية في العصور السالفة المزدهرة، الذروة من المجد والعظمة، فأصبحت ساسة البلاد وحكّام العباد.

أو ليس الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو قائل تلكم الكلم الدرية التالية، القاضية على كل نعرة طائفية، والانتماء إلى فئة خاصة والاتجاه إلى نجاح شعب خاص، فكيف ترمى شريعته بالطائفية وانقاذ جماعة معينة دون غيرها ؟

١. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيّها الناس إنّ الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ألا إنّكم من آدم وآدم من طين، ألا إنّ خير عباد الله، عبد إتّقاه »(٢) .

٢. « ألا إنّ العربية ليست بأب والد، ولكنّها لسان ناطق، فمن قصر عمله لم يبلغ به حسبه »(٣) .

٣. « إنّ الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا، مثل أسنان المشط، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأحمر على أسود إلّا بالتقوى »(٤) .

٤. « إنّما الناس رجلان: مؤمن تقي، كريم على الله; وفاجر شقي، هيّن على الله »(٥) .

وللدكتور حسن إبراهيم حسن هنا كلمة قيّمة، يقول :

« ينكر بعض المؤرخين أنّ الإسلام قد قصد به مؤسسه في بادئ الأمر أن يكون ديناً عالمياً برغم هذه الآيات البيّنات ومن بينهم « وليم ميور » إذ يقول :

« إنّ فكرة عموم الرسالة جاءت فيما بعد، وأنّ هذه الفكرة على الرغم من كثرة الآيات والأحاديث التي تؤيدها، لم يفكر فيها محمد نفسه، وعلى فرض أنّه فكّر فيها ،

__________________

(١) كل ذلك دليل على عالمية تشريعه، وسعة نطاق رسالته، ويجد الباحث في الذكر الحكيم والأحاديث الإسلامية دلائل واضحة على كل واحدة من هذه الوحدات، فلا نقوم بذكرها لئلاّ يطول بنا المقام وقد بحثنا عنها في الجزء الثاني.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) راجع للوقوف على مصادر هذه الكلمات: روضة الكافي، ص ٢٤٨، سيرة ابن هشام ج ٢، ص ٤١٢، بحار الأنوار، ج ٢١، ص ١٠٥، والشرح الحديدي، ج ١٧، ص ٢٨١، وقد أوردنا شطراً آخر من هذه الأحاديث في الجزء الثاني.

٥٦

كان تفكيره تفكيراً غامضاً، فإنّ عالمه الّذي كان يفكّر فيه إنّما كان بلاد العرب كما أنّ هذا الدين الجديد لم يهيأ إلّا لها، وأنّ محمداً لم يوجّه دعوته منذ بعث إلى أن مات إلّا للعرب دون غيرهم، وهكذا نرى أنّ نواة عالمية الإسلام قد غرست ولكنها إذا كانت قد اختمرت ونمت بعد ذلك فاّنما يرجع هذا إلى الظروف والأحوال أكثر منه إلى الخطط والمناهج ».

وكذلك شك « كيتاني » في أن يكون النبي قد تخطّى بفكره حدود الجزيرة العربية ليدعو اُمم العالم في ذلك الوقت إلى هذا الدين.

ومن الغريب أن يشك « وليم ميور » في صحة دعوى عموم الرسالة، وأن يبني شكه هذا على أنّ محمداً ما كان يعرف غير الجزيرة، وأنّها كانت عالمه الذي لم يفكّر في سواه، وأنّ هذا الدين لم يهيأ إلّا لتلك البلاد، وأنّ محمداً منذ بعث إلى أن مات لم يوجّه دعوته إلّا للعرب دون غيرهم، فهل خفيت على ذلك المؤرّخ صلة قريش بدول ذلك العهد، وما أتاحته لها التجارة من دراية وخبرة بشؤون هذه الاُمم وأحوالهم، وأنّ محمداً بوجه خاص قد سافر غير مرة للتجارة إلى بلاد الشام، فقد سافر وهو صبي مع عمه « أبي طالب » في تجاراته حتى إذا بلغ خديجة ما بلغها عن خبرته وأمانته، ألقت بمالها بين يديه، فكان من مهارته وحذقه ما جعلها تعرض عليه الزواج منها، ثم ظل يشتغل بالتجارة حتى بعث، فبعد ذلك يمكن أن يقال عن محمد أنّه كان لا يعرف غير بلاد العرب وهو رجل عصامي لم يكسب مركزه الممتاز في مكّة قبيل البعثة إلّا من ذكاء عقله وكفاية مواهبه.

هل يستبعد على محمد الذي خرج من مكّة ناجياً بنفسه ونفس صاحبه أن يتخطفها الناس لائذاً بأهل المدينة الذين آووه ونصروه، ثم صبر وصابر حتى عاد إلى مكة بعد ثماني سنين وهو السيد الآمر فيها وفي الجزيرة، تحوم حول شخصه مائة ألف من القلوب أو تزيد، ومن ورائهم كثيرون من أرجاء الجزيرة العربية يدينون له بالطاعة يقدم عليه رؤساؤها وأكابرها هل يبعد على هذا الرجل أن يرنو بناظره إلى ما وراء الجزيرة ليبسط عليه سلطانه، إن كان من محبي السلطة والحكم أو ليفيض عليها من

٥٧

الذي غمر الجزيرة وملأها عدلاً وأمناً ودعة وحبّاً ؟

لو قيل أنّ الاسكندر المقدوني كان يعمل على تكوين امبراطورية تشمل العالم القديم كلّه وتجعله يلتف حول هذا الشاب الإغريقي لصدقنا، ولو قيل أنّ « نابليون » كان يعمل على تكوين امبراطورية تشمل العالمين القديم والجديد، ليجلس على عرشها الفتي لصدقنا.

أمّا إذا قيل أنّ محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكّر في أن يدعو خلق الله المتاخمين لجزيرة العرب والمتّصلين بقريش ـ اتصالاً تعيش عليه قريش وينبني على أساسه كلّ شيء في البنية القرشية ـ فذلك أمر يعز على البحث النزيه والعقل الحر ( بزعم « وليم ميور » ) أن يقبله إلّا أن يكون تفكير ذلك النبي في هذا الأمر تفكيراً على نحو غامض.

وأمّا القول بأنّ ذلك الدين لم يهيأ إلّا لبلاد العرب، فإنّ ذلك لم يمنع محمداً من التفكير في تعميم دينه، لأنّ هذا التفكير سواء أتحقق أم لم يتحقق، إنّما يعتمد على اعتقاده أن دينه صالح لذلك، وقد ثبت من القرآن أنّه كان يعتقد أنّ الإسلام قد هيّئ لكلّ حالة، وأنّ القرآن قد تكفّل بتبيان كلّ شيء، إذ يقول الله تعالى لرسوله في غير آية:( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ) ( سورة النحل ـ ٨٩ ).

ويؤيد دعوى عموم الرسالة للجنس البشري قول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ بلالاً أوّل ثمار الحبشة، وأنّ صهيباً أوّل ثمار الروم، وكذلك ما قاله عن سلمان الذي كان أوّل من أسلم من الفرس، فكان عبداً نصرانياً بالمدينة اعتنق هذا الدين الجديد في السنة الاُولى من الهجرة، وهكذا صرّح الرسول في وضوح وجلاء، أنّ الإسلام ليس مقصوراً على الجنس العربي قبل أن يدور بخلد العرب أي شيء يتعلّق بحياة الفتح والغزو بزمن طويل، ويؤيد ذلك ما ورد في القرآن الكريم في تلك الآيات البينات »(١) .

__________________

(١) تاريخ الإسلام السياسي ـ الطبعة الخامسة ـ ج ١، ص ١٦٧ ـ ١٧٠، وذكر في المقام بعض الآيات التي تدل على عمومية رسالته.

٥٨

نظرة في الآيات

المشعرة بعدم العمومية

قد عرفت ما هو الحق في المقام بأنّ القرآن الكريم والسنّة النبوية، وسيرتها تدل بوضوح على عمومية رسالته لكل من في الأرض جميعاً.

غير أنّ هناك آيات ربّما يستشم منها عدم عمومية رسالته، وقد وقعت هذه الآيات سنداً للخصم، فنحن نذكر تلك الآيات ونوضح المقصود منها.

١. آيات الانذار :

انّ بعض الآيات في هذا الصدد توجه انذار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قومه وربّما تشعر باختصاص الرسالة ودونك هذه الآيات :

١.( وَلَٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ) ( القصص ـ ٤٦ ).

٢.( بَلْ هُوَ الحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ) ( السجدة ـ ٣ ).

٣.( لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ) ( يس ـ ٦ ).

٤.( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ المُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا ) ( مريم ـ ٩٧ ).

٥٩

فهذه الآيات ونظائرها تخص انذار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوم خاص، وبذلك تضيق دائرة الدعوة.

الجواب :

إنّ الإجابة على الاستدلال بهذه الآيات سهلة بعد الوقوف على ما ذكرنا من الآيات المصرحّة بعمومية الرسالة.

لأنّها أوّلاً: لا تخرج من حدّ الاشعار الضعيف الذي لا يعتمد عليه في مقابل الآيات المصرّحة بأشد التصريح بعمومية الدعوة.

وثانياً: إنّ هناك آيات بهذا الصدد تصرّح بعمومية الانذار، ففي سورة يس التي ورد فيها:( لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ ) قوله سبحانه:( لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ) ( يس ـ ٧٠ ).

فهذه الآية تشعر بأنّ دائرة الانذار تشمل كلّ حي يعقل ويخاطب به وهو يعم كلّ مستعد للهداية سواء أكان من قومه وممن يعيش في الجزيرة العربية أم لا.

وقال سبحانه أيضاً:( وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا ) ( الكهف ـ ٤ ).

وهم يعم اُمّة الكليم والمسيح الذين قالوا: اتّخذ الله ولداً.

فاليهود قالوا بأنّ الله اتّخذ عزيراً ولداً.

والنصارى قالوا: بأنّ الله اتّخذ المسيح ولداً.

وبذلك يظهر أنّ كلّ ما ورد في هذا الصدد من آيات الانذار لا يدل على التخصيص بل هو خطاب بمقتضى المقام.

فقد تقتضي البلاغة توجيه الكلام إلى قسم خاص كما تقتضي المصلحة في مقام آخر توجيه الكلام لكلّ من بعث لانذاره فلاحظ الآيات التالية حيث يقول سبحانه :

( قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ) ( الأنبياء ـ ٤٥ ).

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

للقبلة بالقرب من المنارة الشرقية.

أمّا الآن فهو يقع بالقرب من المحراب الأصلي للمسجد موازياً لمقام نبي الله هود عليه السلام وقد كتب على جدار القبلة «هذا مقام خضر النبي عليه السلام».

وكما في الأخبار الشريفة أنّ نبي الله الخضر عليه السلام سيبقى حيّاً إلى عصر ظهور الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف ثمّ يظهر ويتقدي هو وجماعته بالإمام الحجّة عليه السلام ويصلّون خلفه.

٤ ـ مكان نزول نبي الله عيسى عليه السلام : ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال : إنّ نبي الله عيسى بن مريم عليهما السلام ينزل بالجنب من المنارة الشرقية في دمشق ـ أي في المسجد الجامع ـ يوجد حجر كان نبي الله موسى عليه السلام قد ضربه بعصاه فانفجرت عنه اثنتا عشرة عيناً(١) .

مراقد أهل البيت عليهم السلام في الشام

١ ـ حرم السيّدة زينب عليها السلام :

تفيد الدلائل الكثيرة أنّ القبر الموجود في الجنوب الشرقي من العاصمة السورية والذي عمّر في السنوات الأخيرة وأُعيدت توسعته من جديد هو قبر عقيلة الهاشميين السيّدة زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام إلّا أنّ البعض من الأعلام ذهبوا أنّ القبر الموجود في الغوطة هو قبر «أُمّ كلثوم» ، كما ذهب البعض الآخر أنّه قبر للسيّدة زينب عليها السلام.

ولكي يتّضح المطلب فإنّ أقوال المؤرخين حول القبر الموجود في سوريا اليوم هي :

١ ـ قبر السيّدة أُمّ كلثوم عليها السلام.

٢ ـ قبر السيّدة زينب وكنيتها أُمّ كلثوم وأضافوا بأنّها بنت السيّدة الزهراء عليها السلام.

__________________

(١) تاريخ الأماكن السياحية في سوريا ص ٩٢ ـ ٩٣ ، ومراقد أهل البيت عليهم السلام في الشام ص ٢٤.

٢٢١

٣ ـ قبر السيّدة زينب الصغرى عليها السلام ، كنّاه بأُمّ كلثوم زوجة محمّد بن عقيل وكانت أُمّها جارية.

٤ ـ ذهب عدّة من الشيعة والسنّة أنّ القبر هو للسيّدة زينب الكبرى بنت الإمام علي عليه السلام ووالدتها الصدّيقة فاطمة عليها أفضل الصلاة والسلام.

ويمكن الجمع بين الأقوال أنّ السيّدة زينب عليها السلام الموجودة في سوريا تكنّى بأمّ كلثوم فينتفي التنافي بين القول الأوّل والثاني والرابع ، ومع الالتفات أنّ القول الثالث لا دليل تاريخي معتبر له ، فيكون القبر للسيّدة زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام والصدّيقة الزهراء عليها السلام.

أمّا كيف جاءت هذه السيّدة الجليلة إلى الشام ولماذا؟ وأيّهما أصحّ أنّها سافرت إلى سوريا مع زوجها عبدالله بن جعفر في إحدى السنين المجدبة أم أنّها هاجرت من المدينة أيّام واقعة الحرّة الأليمة عندما أباح يزيد اللعين المدينة المنوّرة؟

فهذا وللأسف الشديد ما لم يتطرّق إليه التاريخ ، نعم كتب بعض المتأخرين حول سفر العقيلة إلّا أنّهم لم يعتمدوا في ذلك على مصادر تاريخية.

فقد نقل أنّ الحافظ شمس الدين محمّد بن طولون الدمشقي المتوفّى سنة ٩٥٢ ه ذكر في كتابه حول حياة السيّدة زينب عليها السلام أنّها سافرت إلى الشام أيّام واقعة الحرّة سنة ٦٢ ه.

أمّا العلّامة الأمين قدس سره فقد نقل عن كتاب «تحيّة أهل القبور بالمأثور» أنّها عليها السلام سافرت في عهد عبدالملك بن مروان سنة القحط ليتفقّد عبدالله بن جعفر مزارعه التي في الشام ، فماتت العقيلة ودفنت في ذلك المكان.

وكتب اعتماد الدولة أيضاً في كتابه «خيرات الحسان» حول ذلك فقال : أمّا قبر السيّدة زينب عليها السلام ـ أصحّ الروايات ـ فهو في أحدى قرى الشام ، فلمّا أصابت المجاعة أهل المدينة أخذ عبدالله بن جعفر أهله إلى الشام ، وفي أثناء توقّفه في إحدى القرى ـ

٢٢٢

والتي قبر السيّدة موجود فيه اليوم ـ استمرضت العقيلة وماتت ودفنت في نفس القرية(١) .

ميلاد السيّدة زينب

فتحت العقيلة زينب عينيها المباركتين في المدينة المنوّرة في الخامس من جمادي الأُولى السنة الخامسة أو السادسة للهجرة ، وحينما أخبر رسول الله صلى الله عليه واله بولادتها جاء إلى منزل الصدّيقة الزهراء عليها السلام وقال : ايتوني بالمولودة لأراها ، فجاءته الصدّيقة عليها السلام بها فأخذها في حضنه وهو ينظر إليها ودموعه تنحدر على خدّيه ، فتوجّهت الصدّيقة الزهراء عليها السلام إلى ذلك وهاج بها الحزن بها وقالت : ممّا بكاءك يا أبة؟! قال صلى الله عليه واله : إنّ بكائي لما يجري على هذه الطفلة بعدنا من المصائب.

فقد عرضت عليّ مصائب كربلاء وما يجري على ابنتي هذه يوم عاشوراء بعد قتل أخيها الحسين عليه السلام وكيف أنّها ستصبر على قضاء الله تعالى وقدره ، ثمّ مكث رسول الله صلى الله عليه واله ينظر إليها مليّاً ويبكي مدّة إلى أن قال صلى الله عليه واله ما مضمونه : يا فاطمة! كلّ من بكى لمصائب زينب ينال ثواب من بكى على الحسن والحسين عليهما السلام.

الاسم المبارك

جرياً على العادة ، فإنّ أمير المؤمنين والصدّيقة الزهراء عليها السلام لم يكونا يسبقا رسول الله صلى الله عليه واله في تسمية أبناءهما ، ولذا فإنّهما عند تسمية عقيلة الهاشميين بقيا ينتظران رسول الله صلى الله عليه واله الذي كان ينتظر السماء ماذا تسمّيهم.

وعندما دخل رسول الله صلى الله عليه واله عليهما الدار هبط الأمين جبرائيل عليه السلام وأشار عليه أن يسمّيها بـ «زينب» وبالطبع فإنّ لأمير المؤمنين بنتين بهذا الإسم إحداهما زينب الكبرى والأُخرى زينب الصغرى ، أمّا كنيتها عليها السلام فهي أُمّ الحسن ، وفي بعض الأخبار أنّ كنيتها أُمّ كلثوم.

وكانت عليها السلام تلقّب بـ «العقيلة» و «عقيلة بني هاشم» و «عقيلة الطالبيين» ،

__________________

(١) شام سرزمين خاطره ها تأليف مهدي پيشوايى ص ٢١٥ ـ ٢١٦.

٢٢٣

والعقيلة هي التي تكون عزيزة جدّاً في قبيلتها.

كما أنّ لها ألقاباً أُخرى منها : الموثّقة ، العارفة ، العالمة غير المعلّمة ، الفاضلة ، الكاملة ، عابدة آل علي ، والمحدّثة ، وبطلة كربلاء.

ويكفيها فضلاً أنّ الإمام السجّاد عليه السلام قال في حقّها : أنت بحمد الله عالمة غير معلّمة وفهيمة غير مفهّمة.

الرؤيا العجيبة

نقل مؤلّف «طراز المذهب» فقال : في أواخر عمر النبي صلى الله عليه واله جاءته العقيلة زينب عليها السلام وقالت : يا جدّاه : رأيت في الرؤيا عاصفة شديدة جعلت الدنيا ظلماء ومن شدّة العاصفة لذت بشجرة كبيرة وفجأة إذا بالريح تقلع الغصن الذي كنت متمسّكة به فلذت بغصن آخر فاقتلع هو الآخر فلذت بالثالث ثمّ الرابع فاستيقظت من النوم فزعة مرعوبة.

فالتفت الرسول صلى الله عليه واله إليها ودموعه الشريفة تجري على محاسنه وقال : إنّ الشجرة الكبيرة أنا وعمّا قليل أُفارقكم ، والغصن الأوّل هو أُمّك فاطمة عليها السلام ، والغصن الثاني هو أبيك علي عليه السلام والغصنين الآخرين هما الحسنان عليهما السلام وبفقدهما تظلّم الدنيا(١) .

عبادة السيّدة زينب عليها السلام

لقد ورثت السيّدة زينب في العبادة أُمّها فاطمة الزهراء عليها السلام ، فكما أنّ الصدّيقة فاطمة عليها السلام كانت تقوم الليل كلّه بالعبادة والتهجّد وتلاوة القرآن ، كذلك هي العقيلة زينب عليها السلام ، كانت تقوم الليل كلّه ولذلك قال لها سيّد الشهداء عليه السلام : يا أُختاه لا تنسيني في نافلة الليل(٢) .

وكما نقل بعض الأعلام : أنّ السيّدة زينب عليها السلام لم تترك قيام الليل طيلة عمرها

__________________

(١) حضرة زينب كبرى تأليف محمد مقيمى ص ٤٩.

(٢) الخصائص الزينبية ص ١٠٥.

٢٢٤

المبارك حتّى في ليلة الحادي عشر عندما رأت تلك المصائب التي تجعل رأس الطفل شيباً كانت تصلّي من جلوس وإلى ذلك يشير الإمام السجّاد عليه السلام فيقول : إنّ عمّتي زينب لم تترك صلاة الليل رغم شدّة تعبها ، وقد رأيتها في أحد المنازل تصلّي صلاة الليل من جلوس ، ولمّا سألتها عن ذلك قالت : منذ ثلاثة أيّام وأنا أُقدّم طعامي إلى الأطفال ولشدّة الجوع عجزت عن الصلاة من قيام.

نعم ، فلولا جهاد السيّدة زينب في كربلاء والكوفة والشام لم يبق من الإسلام إلّا اسمه ومن الدين إلّا رسمه.

زهد السيّدة زينب عليها السلام

لقد بلغت السيّدة زينب عليها السلام درجة في التسليم والرضا بقضاء الله تعالى أنّها عافت العزّ والجاه الذي كان في بيت زوجها وخرجت إلى كربلاء ـ بعد إذن زوجها طبعاً ـ لتنصر دين الله تعالى وتؤازر إمام زمانها سيّد الشهداء عليه السلام الذي خرج لطلب الإصلاح في أُمّة جدّه رسول الله صلى الله عليه واله.

وفي واقع الأمر إنّ هذا هو قمّة الزهد ، حيث يتخلّى الإنسان عن كلّ شيء ويخرج من أجل نصرة الدين وإعلاء كلمة الله في الأرض(١) .

مجلس العقيلة في الكوفة

ذكر الجزائري فقال : عندما كان أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة كانت العقيلة زينب عليها السلام تفسّر لنساء الكوفة القرآن الكريم في بيتها.

وفي أحد الأيّام كانت تفسّر قوله تعالى «كهيعص»(٢) فدخل أمير المؤمنين عليه السلام الدار وقال : سمعتك تفسّرين قوله «كهيعص» قالت : نعم يا ابتاه ، قال : أما أنّها رموز للمصائب التي تنزل بكم آل الرسول صلى الله عليه واله ثمّ أخذ يعدّد لها المصائب التي ستنزل بهم يوم

__________________

(١) رياحين الشريعة ج ٣ ص ٦٣.

(٢) سورة مريم : ١.

٢٢٥

عاشوراء فارتفع صوت العقيلة بالبكاء والأنين(١) .

جود السيّدة زينب عليها السلام

سأل أحد المحتاجين أميرالمؤمنين عليه السلام أن يساعده ، فذهب الإمام علي عليه السلام إلى بيته وقال للصدّيقة الزهراء عليها السلام : هل لدينا طعام نعطيه لهذا المحتاج؟ قالت عليها السلام : ليس لدينا إلّا قرصاً واحداً من خبز الشعير وهو للسيّدة زينب عليها السلام ، آنذاك التفت عقيلة الهاشميين إلى الصدّيقة فاطمة عليها السلام وقالت : اعطي الخبز للمحتاج وأنا أصبر على الجوع.

وقد بلغ من شدّة جود وكرم هذه المرأة العظيمة أنّها أنفقت كلّ ما تملك وضحّت بنفسها من أجل إعلاء كلمة الحقّ وهذا قمّة الجود والسخاء(٢) .

ولا غرابة في ذلك ، فإنّ الطفلة التي لا يتجاوز عمرها خمس سنوات تكون بهذه الكيفية من الكرم بالطبع إنّها تضحّي من أجل العقيدة الإسلامية كلّ هذه التضحيات العظيمة.

استجابة دعاءها

من كلام لميرزا محمّد تقي سپهر في «ناسخ التواريخ» قال فيه : إنّ جلاوزة يزيد أدخلوا أهل البيت عليهم السلام من دروازة الساعات وهو أبعد الطرق إلى قصر يزيد في الشام.

وقبل أن يدخلوهم الشام أمروا الناس أن يزيّنوا المدينة وتعطّل الأسواق وتخرج المغنّيات في الشوارع ومعنّ الطبول والمزامير ، وقد أمر يزيد أن يرفعوا مئة وعشرين علماً ويبارك الناس بعضهم بعضاً فرحاً بهذا العيد المشؤوم.

ففي الخبر عن أبي مخنف : أنّهم مرّوا بأهل البيت عليهم السلام على قصر لعجوزة تدعى أُمّ الحجّام ، وقد كانت جالسة مع أربع نساء ، ولمّا رأت العجوزة رأس سيّد الشهداء عليه السلام وهويسطع نوراً ضربته بحجر فسالت الدماء الزاكية من جبينه.

__________________

(١) الخصائص الزينبية ص ٢٧ ، رياحين الشريعة ج ٣ ص ٢٧.

(٢) رياحين الشريعة ج ٣ ص ٦٤.

٢٢٦

أنذاك ضجّت العلوبات بالبكاء والعويل خاصّة العقيلة زينب عليها السلام التي زادها المنظر همّاً فوق همّها فرفعت يديها المباركتين نحو السماء ودعت الله بقلب حزين وقالت : اللهمّ خرّب قصرها وأحرقها بنار الدنيا قبل نار الآخرة.

يقول الراوي : أُقسم بالله ، ما أن دعت العقيلة بهذا الدعاء إذا بالقصر يلتهب ناراً يحترق حتّى صار رماداً ثمّ هبّت ريح عاصفة وذرته الرماد في كلّ مكان بحيث إنّه لا يمكن إعادة تشييده أبداً.

خطبة العقيلة عليها السلام في الشام

يقول مؤلّف «بحر المصائب» : حينما مرّوا بالعقيلة زينب عليها السلام في أسواق الشام يقدمها الرأس الشريف والناس ينظرون إليها فرحين مسرورين يضربون الطبول والمزامير فرحاً بهذا العيد كان الرأس الشريف بين الفترة والأُخرى يقول : لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم.

في ذلك الحال وبينما كان الناس يستهزؤون بأهل البيت عليهم السلام توجّهت عقيلة الهاشميين عليها السلام إلى رأس أخيها المظلوم عليه السلام وقالت : يا أخاه! انظر إلينا ولا تغمض عينيك عنّا ونحن بين العدى.

فالتفت الرأس الشريف إليها وقال : يا أُختاه اصبري ، فإنّ الله تعالى معنا.

ولذلك فإنّ السيّدة زينب عليها السلام لم تتحمّل جسارة القوم على الله تعالى فالتفت إليهم وقالت : أيّتها الأُمّة المشؤومة ، تقتلون ابن نبيّكم وسيّد شباب أهل الجنّة وتطوفون بأهله وعياله في أسواقكم فرحين بذلك؟! لا أنالكم الله رحمته وسخط عليكم

بعض كرامات السيّدة زينب عليها السلام

بداية وقبل كلّ شيء ينبغي الالتفات أنّ أصل وجود سيّدة زينب عليها السلام هو كرامة من الله تعالى ، فهي فرع من تلك الشجرة الطيّبة التي مدحها الله تعالى فقال :( أَصْلُهَا ثَابِتٌ

٢٢٧

وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ) (١) .

من جانب آخر فإنّ حياة هذه السيّدة الجليلة شاهد حقّ على كراماتها العظيمة ، ومع ذلك فإنّنا سنذكر بعض كراماتها ليعتبر منها الموالون ويتّعظ بها كلّ من كان له عقل سليم.

أمّا الكرامات فهي :

١ ـ نفس قصّة العجوزة التي ذكرناها هي شاهد صدق على كرامة السيّدة زينب عليها السلام.

٢ ـ قصّة جبل الجوشن الذي كان من النحاس وسقوط الطفل محسن المذكورة في التاريخ.

٣ ـ تصرّفها عليها السلام في النفوس عندما خطبت خطبتها في سوق الكوفة ، بل وتصرّفها في الجمادات كما نقلوا إذ أنّها عليها السلام لمّا أشارت على القوم أن اسكتوا هدأت الأنفاس وسكنت الأجراس.

٤ ـ علمها اللدنيّ الذي أشار إليه الإمام زين العابدين عليه السلام فقال : عمّة! أنت بحمد الله عالمة غير معلّمة.

٥ ـ إجابة دعاءها في حقّ ذلك الرجل الذي قال ليزيد الطاغية هب لي هذه الطفلة ـ أي سكينة ـ.

٦ ـ كيفية ولادتها عليها السلام.

٧ ـ قصّة طبخ الحلوى المذكورة في الكتب.

٨ ـ إخبارها عليها السلام ببقاء ذكر أهل البيت عليهم السلام وسرعة زوال سلطنة بني أُميّة في مجلس يزيد الطاغية حينما خطبت المعروفة والتي تعدّ في حدّ ذاتها كرامة لها.

٩ ـ قصّة «فضّة والأسد» المذكورة في فروع الكافي وبحار الأنوار وغيرها من

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٢٤.

٢٢٨

الكتب(١) .

١٠ ـ استجابة دعاءها حينما دعت على ذلك الرجل إثر حرقهم للخيام.

١١ ـ رؤيتها للرسول صلى الله عليه واله وجبرئيل وادي كربلاء.

فقد ذكر الشيخ جعفر النقدي في كتاب السيّدة زينب نقلاً عن رواية في البحار عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ السيّدة زينب عليها السلام لمّا جاءت إلى مصرع سيّد الشهداء عليه السلام ظهر عاشوراء رأت جدّها رسول الله صلى الله عليه واله وخاطبت عسكر بن سعد قائلة : الويل لكم ألا ترون رسول الله صلى الله عليه واله كيف يبكي لهذه المصيبة؟!

فإذا دعا عليكم لابتلعتكم الأرض ولهلكتم ، إلّا أنّهم يلم يعتنوا بكلامها.

١٢ ـ نقلا العلّامة النوري في «دار السلام» الكرامة التالية للسيّدة زينب وهي : حدّثني السيّد السند والحبر المعتمد العالم العامل وقدوة أرباب الفضائل البحر الزاخر عمدة العلماء الراسخين السيّد محمّد باقر السلطان آبادي نفع الله به الحاضر والبادي ، قال : عرض لي في أيّام واشتغالي ببروجرد مرض شديد ، فانتقلت إلى وطني فساعدت الحركة المرض ، فزاد وانصبت المواد إلى عيني اليسرى فصار بها رمد شديد وبياض ، واشتدّ به الوجع ، فمنعني الرقاد فجمع والدي العليم ما كان في بلدتنا من الأطباء ، فقال بعضهم : لابدّ له من شرب الدواء مقدار ستّة أشهر لعلّ عينه تعود صحيحة وقال بعضهم : يكفي في أربعين يوماً ، فضاق خلقي وكثر همّي من سماع كلماتهم لكثرة ما شربت من الدواء في تلك المدّة ، وكان لي أخ صالح تقي أراد السفر إلى المشاهد العظيمة ، وزيارة سادات البرية ، فهاج شوقي وقلت : أُصاحبك في الطريق لعلّي امسح عيني بعتبة من تربته شفاء من كلّ داء ، وفرج من كلّ ضيق ، فقال : وأنت في هذا المرض والوجع لا يمكنك الحركة وسمع بذلك الأطباء فقال بعضهم : يصير عمياء في المنزل الثاني ، وقال بعضهم : بعمى ولمّا يبلغ أوّل منازله ، فمنعوني فقصدت مشايعته في الظاهر ، فسافرت معه إلى

__________________

(١) راجع بحارالأنوار ج ٤٥ ص ١٦٩ ح ١٧.

٢٢٩

المنزل الأوّل ، وكان هناك رجل من الصلحاء الأخيار ، فلمّا سمع حكايتي حرّضني على المسير وقال : لا شفاء إلّا عند خلفاء الإله الكبير : فإنّي كنت مبتلى بوجع في القلب في مدّة تسع سنين وكلّت الأطباء عن تداويه فزرت أبا عبدالله الحسين عليه السلام فشفاني بحمد الله من غير تعب ومشقّة ، فلا تصغ إلى خرافات الأطباء وزر متوكّلاً بخالق البرايا ، فعزمت على المسير فلمّا بلغنا المنزل الثاني وجنّ الليل اشتدّ الوجع ، فطالت ألسنة العذّال وقالوا جميعاً : إمّا أن ترجع أو نترك السفر على كلّ حال؟ فقلت : عند الصباح تنكشف الأحوال ، فلمّا كان وقت السحر وسكن الوجع قليلاً ، وقدت فرأيت الصدّيقة الصغرى زينب الكبرى بنت إمام الأتقياء عليه آلاف التحية والثناء ، قد دخلت عليَّ وأخذت بطرف مقنعة كانت في رأسها ، وأدخلته في عيني ومسحتها به ، فانتبهت فلم أر في عيني وجعاً.

فلمّا أصبحنا قلت لأصحابي : لا أجد وجعاً فلا تمنعوني من المسير ، فحملوا كلامي أوّلاً على الحيلة ، فحلفت لهم ، فسرنا فلمّا مشينا بعض النهار عمدت إلى عيني فكشفت عنها الخرق التي كانت مشدودة عليها مذ خرجت من البلد ، ونظرت إلى التلال والجبال ، فلم أر فرقاً بينها وبين الأُخرى ، فقلت لبعض أصحابي : ادن منّي وانظر إلى عيني ، فنظر وقال : سبحان الله ليس فيها رمد ولا بياض ولا أثر من المرض ، ولا تفاوت بين العينين ، فوقفت وناديت جميع الزوّار وأخبرتهم بالرؤيا وكرامة الصدّيقة الصغرى ، ففرحوا واستبشروا وبعثوا بالخبر إلى الوالد وأهل البلد ، فقرّت عيونهم واطمأنّت قلوبهم ، وحدّثني بتلك الكرامة شيخنا الجليل النبيل والعالم الذي عدم له النظير والبديل المولى فتح علي السلطان آبادي الذي يأتي الاشارة إلى شطر من مناقبه ، وقال : كنت وقتئذ في سلطان آباد وشاهدت ما ذكره.

١٣ ـ كتب الحاج محمّد تقي صادق إحدى الكرامات التي ذكرها صاجب كتاب «التوسّلات» وهي كالتالي : فبعد التحية والسلام على الشيعة الموالين في كلّ مكان قال : أنقل لكم كرامة من كرامات عقيلة الهاشميين السيّدة زينب عليها السلام التي اصطفاها الله تعالى على الأُمّة.

٢٣٠

أمّا تفاصيل القضيّة فهي كالتالي :

ابتليت الأُخت المؤمنة فوزية زيدان(١) وهي من أهل جبل عامل في قرية جوية بألم شديد في قدميها وقد أُجريت له العديد من العمليات الجراحية ولكن دون جدوى حتّى بلغ بها الحال أنّها لا تستطيع تحريك قدميها وصارت تمشي جالسة وبمساعدة يديها وقد بقيت ٢٥ سنة جليسة الدار صابرة.

وفي إحدى السنين حينما أقبل شهر محرّم الحرام نفذ صبرها وعجزت من نفسها فطلبت من أهلها أن يأخذوها إلى سوريا لزيارة السيّدة زينب عليها السلام للتوسّل بها وتأخذ شفاءها منها ، إلّا أنّهم رفضوا ذلك وقالوا : ليس من الجيّد أن نأخذك إلى حرم السيّدة زينب عليها السلام وأنت على حالك هذه ، وإذا كانت العقيلة زينب عليها السلام تريد شفاءك لشفتك وأنت في بيتك.

وكلّما أصرّت فوزية عليهم أن يأخذوها إلى سوريا لم يقبلوا فاضطرّت أن تستسلم لهم وتصبر على علّتها.

وفي أحد أيّام شهر محرّم أقام أحد جيرانهم مجلساً لسيّد الشهداء عليه السلام في منزله ، فذهبت فوزية على حالتها المؤلمة متكئة على يديها واستمعت إلى القارئ وشاركت المستمعين البكاء والتوسّل بأهل البيت عليهم السلام ثمّ رجعت طبق الحالة السابقة إلى المنزل فصلّت الفريضة وخلدت إلى النوم بحالتها المنكسرة ودموعها الجارية لمصاب أهل البيت عليهم السلام.

ولمّا قرب الصباح استيقظت فوزية لتصلّي صلاة الصبح فتوجّهت أنّ الفجر لم يطلع فبقيت تنظر الفجر ، وفيما هي كذلك إذا بها تحسّ أنّ شخصاً قد أخذ بعضدها ويقول : قومي يا فوزية قومي وما أن سمعت فوزية هذا الكلام قامت بمساعدة ذلك الشخص

__________________

(١) لقد حازت هذه المرأة على عناية السيّدة زينب بعد ٢٥ سنة من المعاناة والآلام التي كانت تعانيها من قدميها. وقد كتبت الصحف قضيّتها مفصّلاً ومنها الصحف التالية السياسة المساء ، الهدى وغيرها.

٢٣١

على قدميها فرحة مسرورة ، ثمّ التفتت يميناً وشمالاً فلم تجد أحداً توجّهت إلى والدتها التي كانت نائمة معها في الغرفة وقالت : الله أكبر ولا إله إلّا الله والله أكبر ، فاستيقظت الوالدة ولمّا رأتها على ذلك الحال ذهلت واندهشت ، ثمّ خرجت فوزية خارج المنزل وهي تقول : الله أكبر ولا إله إلّا الله والله أكبر فسمع أخواتها صوتها وخرجوا خلفها ولمّا شاهدوها رفعوا أصواتهم بالصلوات فبلغ الخبر إلى الجيران فاجتمعوا حول دارهم وأخذوا يكبّرون ويهلّلون ، وشيئاً فشيئاً انتشر الخبر في كلّ القرية بل وإلى القرى والمدن المجاورة وأقبل العديد من الناس ليشاهدوها ويتبرّكوا بها حتّى صار منزلهم محطّ للزوّار ، فسلام الله عليك يا عقيلة بني هاشم يوم ولدت ويوم استشهدت مظلومة ويوم تبعثين حيّة.

شفاء طفلة هندية

نقل في بعض الكتب : أنّ المتولّي باشا عندما أعاد بناء حرم عقيلة الهاشميين عليها السلام في الشام أخذ الناس يقدّمون إليه النذورات من كلّ مكان وبالمقابل فإنّه كان يعطيهم الوصولات.

وفي أحد الأيّام دخل أحد الهنود الحرم الشريف وتوسّل بالسيّدة زينب عليها السلام وطلب منها أن تقض حاجته وقال : سيّدتي أعاهدك من الآن أُقدّم لحرمك ضريحاً مرصّعاً بالجواهر إذا قضيتي حاجتي على أن تتجاوز قيمة الضريح المليون دينار قال ذلك ثمّ خرج من الحرم الشريف إلى بيروت.

ولم تنقض مدّة طويلة إذا به بعث الرسالة إلى المتولّي باشا جاء فيها : لقد أمرت بعض المتخصّصين أن يعدّوا ضريحاً مرصّعاً بالجواهر ، وفي اليوم «الفلاني» سنأتي به حسب المراسم الخاصّة إلى سوريا فعليك أن تقيم بهذه المناسبة مجلساً مجلّلاً وسأدفع أنا كلّ تكاليفه.

وبالفعل ففي نفس اليوم الموعود جاءوا بالضريح المقدّس حسب التشريفات الهندية بعد أن خطب فيهم أحدهم خطبة عجيبة قال فيها : إنّ لي ابنة مريضة قد شلّت

٢٣٢

قداماها منذ سنين طويلة ، وعلى الرغم إنّني سخّرت ثروتي العظيمة كلّها من أجل شفاءها إلّا أنّني لم أصل إلى نتيجة أصلاً حتّى أتيت إلى زيارة السيّدة زينب عليها السلام وتوسّلت بها ونذرت لها بأن إذا شافت ابنتي أُهدي لحرمها ضريحاً مرصّعاً بالجواهر.

ولمّا رجعت إلى بيروت وجدت أنّهم بعثوا لي رسالة يخبروني بشفاء ابنتي من مرضها فبعثت لكم الرسالة أُبشّركم بشفاءها ولذا فقد سافرت إلى بلدي وشاهدت كيف شافت عقيلة الطالبيين عليها السلام ابنتي فتشيّعت بسبب هذه الكرامة وتشيّع معي الكثير من الناس(١) .

بكاء الإمام الحجّة لمصيبة عمّته

نقل الحاج ملّا علي السلطان على الخطيب التبريزي الذي يعدّ من العبّاد والزهّاد فقال : رأيت في المنام إمام العصر والزمان عليه السلام وقلت له : سيّدي إنّ ما نسب إليك في الزيارة الناحية أنّك قلت : فلأندبنّك صباحاً ومساءً ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً صحيح؟!

قال : نعم. قلت : سيّدي ما هي المصيبة التي جعلتك تبكي بدلاً الدمع دماً؟! فهل هي مصيبة علي الأكبر؟ قال : لا ، فلو كان علي الأكبر حي لبكى هو أيضاً لتلك المصيبة دماً. قلت : سيّدي ألمصيبة عمّك العبّاس تبكي دماً؟ قال : لا ، لو كان عمّي العبّاس لبكى لتلك المصيبة دماً.

قلت : حتماً إنّها مصيبة جدّك الحسين عليه السلام هي التي جعلتك تبكي دماً؟! قال : لا ، ولو كان جدّي سيّد الشهداء عليه السلام حيّاً لبكى من أجل تلك المصيبة دماً. قتل : ما هي تلك المصيبة التي جعلتك تبكي دماً؟! قال : إنّها مصيبة عمّتي زينب عليها السلام(٢) .

__________________

(١) مجموعة أنوار علمى معصومين عليهم السلام ص ٦٥ تأليف الشيخ علي الفلسفي.

(٢) شيفتگان حضرة مهدى عليه السلام تأليف الشيخ قاضي زاهدي ص ١٤٥ نقلاً عن العبقري الحسان للمرحوم النهاوندي.

٢٣٣

مقام السيّدة زينب عليها السلام

نقل آية الله الميرزا أحمد السيوبويه الساكن في طهران عن سماحة الشيخ حسين السامرائي الذي كان من الخطباء المتّقين في العراق أنّه قال : في إحدى سفراتي إلى مدينة سامراء وكان يوم الجمعة ذهبت قريب الغروب إلى سرداب الغيبة فوجدته خالياً لا أحد فيه ، وفيما أنا أتوسّل بإمام العصر والزمان عليه السلام أخذتني حالة من الروحانية العجيبة وإذا بي أسمع صوتاً من خلفي يقول : قل للشيعة والمحبّين أن يقسموا على الله تعالى بحقّ عمّتي زينب عليها السلام كي يعجّل الفرج(١) .

ولنعم ما نظم السيّد رضا الهندي قدس سره في مصيبتها حيث قال :

إن كان عندك عبرة تجريها

فانزل بأرض الطفّ كي نسقيها

فعسى نبلُّ مضاجع صفوة

ما بلّت الأكباد من جاريها

ولقد مررت على منازل عصمة

ثقل النبوّة كان أُلقي فيها

فبكيت حتّى خلتها ستجيبني

ببكائها حزناً على أهليها

وذكرت إذ وقفت عقيلة حيدر

مذهولة تصغي لصوت أخيها

بأبي التي ورثت مصائب أُمّها

فغدت تقابلها بصبر أخيها

لم تله عن جمع العيال وحفظهم

بفراق اخواتها وفقد بنيها

لم أنس إذ هتكوا حماها فانثنت

تشكو لواعجها إلى حاميها

تدعو فتحترق القلوب كأنّما

يرمي حشاها جمرة من فيها

هذي نساؤك من يكون إذا سرت

في الأسر سائقها ومن حاديها

أيسوقها زجر بضرب متونها

والشمر يحدوها بسبّ أبيها

عجباً لها بالأمس أنت تصونها

واليوم آل أُميّة تبديها

حسرى وعزّ عليك أن لم يتركوا

لك من ثيابك ساتراً يكفيها

__________________

(١) شيفتگان حضرة مهدى عليه السلام ج ١ ص ٢٥١.

٢٣٤

وسروا برأسك في القنا وقلوبها

تسمو إليه ووجدها يضنيها

إن أخّروه شجاه رؤية حالها

أو قدّموه فحالة يشجيها

وفاة السيّدة زينب عليها السلام

نقل صاحب «بحر المصائب» فقال : إنّ السيّدة زينب عليها السلام بعد فاجعة كربلاء ومآسي الشام والبكاء الطويل على سيّد الشهداء عليه السلام احدودب ظهرها وشاب رأسها وقضت بقيّة عمرها الشريف بالحزن والأسى إلى أن فارقت الدنيا مظلومة.

وقال صاحب «بحر المصائب» أيضاً : إنّ السيّدة أُمّ كلثوم عليها السلام توفّت بعد أربعة أشهر من رجوع أهل البيت عليهم السلام إلى المدينة المنوّرة ، وبعد ثمانين يوماً من رحيل السيّدة أُمّ كلثوم شاهدت العقيلة زينب عليها السلام أُمّها الصدّيقة الزهراء عليها السلام في المنام ، ولمّا استيقظت من النوم بقيت تبكي وتلطم على رأسها وجهها إلى أن أُغمي عليها ، ولمّا جاءوا إليها وحرّكوها وجدوها قد فارقت الدنيا.

وبرحيل العقيلة زينب عليها السلام تجدّد مصاب أهل البيت عليهم السلام وجلسوا عليها بالعزاء وأعادوا ببكاءهم ذكريات عاشوراء الأليمة التي أمضّت قلوب العلويين.

أمّا تاريخ وفاتها فقيل أنّه في العاشر من شهر رمضان المبارك ، وقيل في الرابع عشر من شهر رجب الأصب سنة ٦٢ ه كما ذهب إلى ذلك النسّابة عبيدلي المتوفّى سنة ٢٧٧ في كتابه أخبار الزينبيات.

وكما يبدو أنّ المؤرخين لم يختلفوا في سنة وفاة العقيلة زينب عليها السلام إلّا أنّهم وكما أشرنا اختلفوا في تاريخ وفاتها إلى قولين ، وهناك قول ثالث ذهب أنّ وفاتها في الخامس من شهر رجب الأصب ، والله أعلم بحقائق الأُمور.

أولاد السيّدة زينب عليها السلام

ذكر السبط ابن الجوزي في «تذكرة الخواص» فقال : إنّ لعبد الله بن جعفر أولاداً متعدّدين منهم : علي ، وعون الأكبر ، ومحمّد ، والعبّاس وأُمّ كلثوم ، وأُمّهم السيّدة زينب عليها السلام بنت الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام والصدّيقة فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه واله.

٢٣٥

وعدّ ابن قتيبة في كتاب «المعارف» : جعفر الأكبر من أولاد السيّدة زينب عليها السلام.

أمّا مؤلّف «عمدة الطالب» فقال : زينب الكبرى بنت الإمام علي عليه السلام وكنيتها أُمّ الحسن ، كانت تروي عن أُمّها فاطمة الزهراء عليها السلام الأخبار ، وقد تزوّجت من ابن عمّها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وولدت منه : علي وعون وعباس وغيرهم.

وقال الطبرسي في «أعلام الورى» : أمّا زينب الكبرى بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله فتزوّجها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وولد منها : علي ، وجعفر ، وعون الأكبر ، وأُمّ كلثوم أولاد عبدالله بن جعفر ، وقد روت زينب عن أُمّها فاطمة عليها السلام أخباراً(١) .

ونقل الشبلنجي في «نور الأبصار» فقال : ولدت السيّدة زينب عليها السلام من عبدالله بن جعفر أربعة أولاد وبنت واحدة.

وقال أيضاً : وإنّ ذرّيتها ـ السيّدة زينب عليها السلام ـ منتشرين إلى اليوم في البلاد والأمصار وهم من الشرفاء وأهل البركة.

وفي ناسخ التواريخ : إنّ عون بن عبدالله بن جعفر وأخيه محمّد ولدي السيّدة زينب عليها السلام استشهدوا في أرض كربلاء.

محلّ دفن العقيلة زينب عليها السلام

هناك ثلاثة أقوال بالنسبة إلى محلّ دفن السيّدة زينب عليها السلام وهي :

١ ـ أنّها دفنت في المدينة المنوّرة إلى جنب أئمّة البقيع عليهم السلام.

٢ ـ دفنت في القاهرة.

٣ ـ دفنت في دمشق في منطقة الغوطة وقبرها معروف اليوم يقصده الكثير من الشيعة والحبّين كلّ يوم.

أمّا القول الأوّل فالظاهر أنّه لا دليل له إلّا الحدس والظن ، ولعلّ منشأ هذا الظنّ هو أنّ العقيلة بعد الأسر عادت إلى المدينة ومن الطبيعي أن تموت فيها وتدفن في البقيع مقبرة

__________________

(١) أعلام الورى ج ١ ص ٣٩٦ ـ ٣٩٧.

٢٣٦

بني هاشم.

وكذا الحال بالنسبة إلى القول الثاني ـ في مصر ـ فهو لا دليل معتبر له.

وبرّد القولين الأوّلين يثبت القول الثالث وهو أنّها عليها السلام دفنت في قرية «رواية» من منطقة الغوطة في الشام ، وهي تقع على بعد سبعة كيلومترات من الجنوب الشرقي لدمشق.

وفي هذا المكان شيّد للعقيلة زينب عليها السلام مرقد عظيم وهو مزار للشيعة والمحبّين بل إنّه مزار لغير الشيعة أيضاً.

وكما يبدو من بعض التواريخ أنّ تاريخ هذا المزار للسيّدة زينب عليها السلام قديم جدّاً وإنّه كان موجوداً حتّى في القرن الثاني إذ أنّ ـ كما في التاريخ ـ السيّدة نفيسة زوجة إسحاق المؤتمن ابن الإمام الصادق عليه السلام كانت تأتي لزيارة هذا المرقد الشريف(١) .

بكاء الكون لمصاب السيّدة زينب عليها السلام

نقل العالم الجليل السيّد أسد الله الأصفهاني المقيم في كربلاء المقدّسة سنة ١٣١٩ لمؤلّف كتاب «الكبريت الأحمر» فقال : إنّ الإمام الحجّة بن الحسن عليه السلام قال لي في الرؤيا : إنّ أهل السماء يجتمعون يوم وفاة عمّتي زينب عليها السلام ويقرأون خطبتها الغرّاء في الكوفة ويبكون لمصابها الجلل(٢) .

كما نقل العالم الجليل الملّا علي الخياباني في كتاب «وقايع الأيّام» في تتمّة محرّم الحرام قصّة طويلة نذكر منها ما يتعلّق بالعقيلة زينب عليها السلام وهو :

يقول أحد الثقات : شاهدت الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف في عالم الرؤيا وهو في غاية الحزن ، فتقدّمت نحوه خطوات وسلّمت عليه وسألته عن حالته

__________________

(١) من أجل الاطّلاع أكثر راجع كتاب مراقد أهل البيت عليهم السلام للفهري.

(٢) الكبريت الأحمر ص ٨٥.

٢٣٧

فقال : اعلم أنّه منذ اليوم الذي توفّيت فيه عمّتي زينب عليها السلام وملائكة السماء تعقد مجلساً يوم وفاتها في السماء يقرؤون خطبتها في سوق الكوفة ويبكون إلى أن أذهب إليهم وأُسكتهم ، واليوم هو يوم وفاة عمّتي زينب عليها السلام وقد رجعت للتوّ من ذلك المجلس.

نعم ، يحقّ للملائكة أن تبكي لفقد هذه السيّدة الجليلة ، فلو لم يكن منها سوى السنة والنصف التي عاشتها بعد مقتل سيّد الشهداء عليه السلام فغيّرت من خلالها التاريخ لكفى.

بل إنّ يزيد الطاغية قبل أن تدخل العقيلة زينب عليها السلام الشام أسيرة كان فرحاً مسروراً بقتل سيّد الشهداء عليه السلام ولكن وبعد أن دخلت عليه قلبت نهاره إلى ليل وجعلته يجرّ آهات الحزن والحسرة طيلة عمره المتبقّي إلى أن فطس وذهب بعار الدنيا وعذاب الآخرة ألا فلعنة الله عليه وعلى أبيه وعلى بني أُميّة قاطبة ولعنة الله على كلّ من ملّكهم رقاب المسلمين.

علاقة السيّدة زينب بأخيها المظلوم

عندما كان البعثيون يقصفون مدينة قم المقدّسة التجأت أكثر من مرّة بمسجد جمكران المعروف. وفي أحد الأيّام خرجت من المسجد وقصدت زيارة السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام في قم المقدّسة ، وبعد الزيارة ذهبت لزيارة آية الله العظمى السيّد شهاب الدين مرعشي قدس سره فدار الحديث حول أهل البيت عليهم السلام وفضائلهم وإذا بآية الله المرعشي يقول : عندما ولدت السيّدة زينب عليها السلام أعطتها الصدّيقة الزهراء عليها السلام إلى رسول الله والإمام علي والحسن عليهم السلام وكانت السيّدة زينب عليها السلام مطبقة عيناها لم تفتحها في وجه أحدهم ، إلّا أنّها حينما أخذها أخوها سيّد الشهداء عليه السلام فتحت عيناها في وجهه المبارك.

وأضاف سماحته قدس سره فقال : وفي مجلس يزيد ـ لعنة الله عليه ـ كان الرأس الشريف ينظر إلى جميع الأسارى وهو على الرمح الطويل ، إلّا أنّه عندما نظر إلى حال أُخته العقيلة عليها السلام أطبق جفنيه وجرت دموعه وكأنّه عليه السلام يقول لها : أُخيّ زينب ، لقد حفظتي لي عيالي ، فجزاك الله خيراً ولاتزيدني خجلاً فوق خجلي.

٢٣٨

في حرم السيّدة زينب عليها السلام

نقل الخطيب الشهير محمّد رضا سقا زاده في مقدّمة كتاب «الخصائص الزينبية» عن سماحة آية الله العظمى الملّا علي الهمداني ذلك العالم الورع الذي توفّي قبل سنين أنّه قال :

سألت سماحة آية الله آقا ضياء العراقي عن قبر السيّدة زينب عليها السلام فنقل في جوابه القصّة التالية : أنّ أحد الشيعة من أهل القطيف في السعودية قصد زيارة الإمام الرضا عليه السلام ، وفي وسط الطريق نفدت أمواله وبقي حائراً فهو لا يستطيع الرجوع إلى وطنه ولا يقدر على مواصلة الطريق ، ولذا فقد توسّل بإمام العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف ليخلّصه من هذه الحيرة.

وفيما هو كذلك إذا بسيّد نوراني جليل القدر يتعرّف عليه ويقدّم له بعض الأموال لتوصله إلى سامراء.

وكان ممّا قال له هذا السيّد الجليل : راجع في سامراء وكيلنا الميرزا محمّد حسن الشيرازي وقل له يعطيك من أموالنا التي عنده لتذهب بها إلى زيارة جدّي علي بن موسى الرضا عليه السلام.

يقول الرجل القطيفي : لم أعرف حقيقة الرجل ولا من أين أتى إلّا أنّني تساءلت منه وقلت : إذا سألني آية الله الشيرازي من هو السيّد مهدي وما هي صفاته ماذا أُجيبه؟ فقال السيّد مهدي : قل للميرزا الشيرازي إنّ السيّد مهدي قال : إنّ العلامة هي : أنّك سافرت في الصيف أنت والحاج ملّا علي كني الطهراني إلى حرم عمّتي زينب عليها السلام ، وحيث إنّ الحرم الشريف كان مزدحماً بالزوّار ذهبت أنت والملّا علي كني إلى سطح الحرم وكانت الأوساخ والقاذورات قد تجمّعت فخلعت أنت عباءتك وأخذت تكنس سطح الحرم الشريف بها بينما كان الملّا علي كني يأخذ الغبار والأوساخ بيده إلى خارج الحرم الشريف ، وقد كنت حاضراً آنذاك أُشاهدكما.

٢٣٩

يقول القطيفي : حينما التقيت بالميرزا الشيرازي وذكرته له القضيّة قام على قدميه واحتضنني وجعل يقبّل عينيه ويبارك لي هذا التوفيق.

وأضاف الرجل القطيفي قائلاً : كما ذهبت إلى آية الله كني وذكرت له القضيّة فقام هو أيضاً إجلالاً لي وقبّل ما بين عينيه إلّا أنّه كان حزيناً لأنّ الإمام الحجّة عليه السلام لم يحوّل الرجل القطيفي عليه(١) .

__________________

(١) مراقد أهل البيت عليهم السلام في الشام للفهري ص ٧٥.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293