السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام20%

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 293

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 293 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 241838 / تحميل: 7919
الحجم الحجم الحجم
السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

كلّ ألوان التخلّف من خلال قوانينه ومبادئه التي تسمح للناس في المشاركة وابداء وجهة النظر صارت زمامه اليوم بيد يزيد الرجس الذي انكر الرسالة المحمّدية والوحي بكلّ وضوح وصراحة كجدّه أبي سفيان الذي لم يعترف بكلّ شيء في هذا الاتجّاه(١) ، ففي مثل هذه الأوضاع من انتشار الفساد في أرجاء الحكومة الإسلامية ، وعودة العناصر الرذيلة إلى السلطة الذين يعملون على إعادة الجاهلية إلى مسرح الحياة من جديد ماذا يعمل الإمام الحسين عليه السلام الذي هو رمز التقوى والطهارة وسنبل الحرّية والمدافع الوحيد عن الدين الإسلامي؟ فهل يبايع مثل يزيد ويؤيّد جرائمه وانحرافه ويقرّ بصحّة نواياه القذرة؟ بالطبع لا ، فالحسين عليه السلام لا يفعل ذلك ، كما صرّح هو بنفسه حينما دعاه الوليد والي المدينة وقرأ عليه رسالة يزيد التي تطالبه بأخذ البيعة من الحسين عليه السلام فقال عليه السلام حينها : «إنّا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح وبنا يختم ومثلي لا يبايع مثله ..»(٢) .

ومنذ ذلك الحين انطلق الإمام الحسين عليه السلام في نهضته وحركته ليعرّف المسلمين حقيقة يزيد القذرة ويحذّرهم من نواياه الخطيرة وذلك من خلال إعلان الثورة عليه حتّى قتل مظلوماً شهيداً وحينها عرف الناس حقيقة بني أُميّة ، فانطلقوا في محاربتهم من خلال الثورات المتواصلة في أرجاء البلاد الإسلامية حتّى سقط هذا النظام في نهاية الأمر وأدّى إلى زوال بني أُميّة(٣) .

وكما قلنا سابقاً ففي عهد معاوية ثمّ تصفية أكبر وأبرز رجال الشيعة أمثال حجر بن عدي ورشيد الهجري جرّاء حبّهم ولائهم لأهل البيت والتزامهم بولاية أمير

__________________

(١) انظر البداية والنهاية ص ١٩٧ ، ومقاتل الطالبيين ص ١٢٠.

(٢) البحار ج ٤٤ ص ٣٢٥ ، والدمعة الساكبة ص ٢٧٣ ، وأعيان الشيعة ج ٤ ص ١١٢ ، ومقتل الخوارزمي ج ١ ص ١٨٤.

(٣) مجلّة مكتب اسلام رقم ٢ ص ١٢ / فارسي.

٤١

المؤمنين عليه السلام ، فضلاً عن تمهيده المقدّمات لقتل الإمام الحسن عليه السلام سبط رسول الله صلى الله عليه واله عن طريق دسّ السمّ إليه(١) .

الإمام الحسين عليه السلام يحمي المظلومين :

من أبرز صفات الإمام الحسين عليه السلام هو دفاعه عن المظلوم ومحاربته للظالم المستبدّ وأوضح مصداق على ذلك هي قصّة أُرينب زوجة عبدالله بن سلام وهي كما يلي : فقد عرف يزيد في عهده وقبل ذلك أيضاً بشهوانية وحيوانية لم تعرف الحدود ولذلك كان يسعى للوصول إلى أهدافه القذرة ومنها جمع الأموال والجواري الراقصات والزعامة بكلّ طريقة ، بل إنّه تمنّى أن يحصل على امرأة عبدالله بن سلام تلك المرأة المحصنة العفيفة مع وجود زوجها!! وبدل ان يعمل معاوية على ردعه عن هذه الأُمنية الحقيرة عمل على تهيئة المقدّمات والأجواء له. فقد استعان بالمكر والاحتيال والكذب والخداع ـ كعادته ـ فاضطّر عبدالله بن سلام إلى طلاق زوجته وهو لا يعلم بنوايا يزيد ومعاوية ، وكان من المقرّر أن يبعث يزيد بن معاوية مَن يعقدها له ، ولمّا علم الإمام الحسين عليه السلام بالأمر أرسل خلف أُرينب وعقد عليها ـ بعد انتهاء العدّة ـ إلّا أنّه لم يدخل بها إذ لم يكن قصده سوى إفشال خطّة يزيد ، ولمّا علم يزيد بذلك غضب غضباً شديداً إلّا أنّه لم يقدر على فعل أي شيء وفي نفس الوقت اطّلع عبدالله بن سلام بالموضوع وندم كثيراً فما كان من سيّد الشهداء عليه السلام إلّا أن طلّقها وأرجعها إليه ، ولمّا علم الناس بذلك عرفوا أنّ قصد الإمام عليه السلام هو قطع يد المعتدي والمحافظة على الأُسرة المؤمنة حيث أظهر للناس غيرته واهتمامه بالمسلمين ، وهي من المظاهر التي عرف بها بنو هاشم وعدّها الناس من مفاخر آل علي عليهم السلام وبنفس الوقت عرفوا دناءة بني أُميّة أيضاً(٢) .

__________________

(١) اقتباس من كتاب : تحقيق قصير عن الشيعة للعلّامة الشيخ يحيى النوري ص ٩٣ / فارسي.

(٢) الإمام الثالث طبع مؤسّسة في طريق الحقّ نقلاً عن كتاب الإمامة والسياسة ج ١ ص ٢٥٣ وما بعدها.

٤٢

وصيّة معاوية ليزيد :

لمّا مرض معاوية مرضه الذي هلك فيه دعا يزيداً ابنه وقال له : يابني إنّي قد كفيتك الرحلة والترحال ووطّأت لك الأشياء وذلّلت لك الأعداء وأخضعت لك أعناق العرب وجمعت لك من جمع واحد وإنّي لا أتخوّف أن ينازعك هذا الأمر الذي استتبّ لك إلّا أربعة نفر من قريش : الحسين بن علي ، وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير وعبدالرحمن بن أبي بكر ، فأمّا عبدالله بن عمر فرجل قد وقذته العبادة وإذا لم يبق أحدٌ غيره بايعك ، وأمّا الحسين بن علي فإنّ أهل العراق لن يدعوه حتّى يخرجوه فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه فإنّ له رحماً ماسّة وحقّاً عظيماً ، وأمّا ابن أبي بكر فرجل إن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثلهم ليس له همّة إلّا في النساء واللهو ، وأمّا الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب فإذا أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير فإن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطّعه إرباً إرباً(١) وقال المحدّث القمّي : والصحيح إنّ عبدالرحمن ابن أبي بكر كان قد توفّي قبل موت معاوية(٢) .

يزيد الجاني

إنّ والد يزيد هو معاوية وأُمّه ميسون ، وكان ـ يزيد ـ قد سكن الصحراء ثمّ تعلّم على يد سرجون الرومي وقد ورث يزيد من أبيه الحقد والكره والعداوة لبني هاشم وآل النبي صلى الله عليه واله ، كما طغت عليه صفات البداوة قبيل الغرور والتصوّرات الخرافية والطباع الجاهلية والإدمان على شرب الخمر ، والعداء التقليدي للإسلام والمسلمين الذي تعلّمه من معلّمه المسيحي الرومي.

وقد عُلِمَ تأريخياً أنّ يزيد لم تكن له أيّة صلة تربطه بالدين ، فهو شاب عاش في عهد أبيه بعيداً عن أُصول الدين الإسلامي ومبادئه وأخلاقه بل قضى أغلب أوقاته في

__________________

(١) نفس المهموم ص ٢٩.

(٢) المصدر نفسه.

٤٣

الإدمان واللذائذ والشهوات التي لا يعرف شيئاً غيرها ، وخلال سنوات حكمه الثلاث لم تكن منه سوى الفجائع والفظائع التي لم يُسمع مثلها منذ الصدر الأوّل إلى أيّامه حتّى صارت جرائمه عديمة النظير.

ففي السنة الأُولى من حكمه قتل الإمام الحسين عليه السلام سبط النبي الأكرم مع أولاده وأصحابه وأهل بيته بأفجع قتلة عرفها التاريخ ، ثمّ أمر بسبي نساءه وأسرهنّ مع حمل الرؤوس الطاهرة على الرماح والطواف بها في المدن(١) .

وفي السنة الثانية من حكمه الشمؤوم أغار بجيش عنيف على المدينة المنوّرة وقتل أهلها وأهدر دماءهم ظلماً وأباح الأموال والأعراض والدماء فيها ثلاثة أيّام(٢) .

وفي سنته الثالثة أحرق الكعبة المقدّسة ودمّرها وخرّبها(٣) .

وبعد يزيد الطاغية حكم بنوا مروان وهم من بني أُميّة أيضاً (وقد تناولت الموسوعات التأريخية تفصيل ذلك) وكانوا أحد عشر حاكماً حكموا طيلة سبعين عاماً وكانت أيّامهم كلّها شؤم مئلت بالظلم والظلام وقلّ أن تكون في الإسلام أيّام صعاب مرّت على المسلمين كما مرّ عليهم في عهد هؤلاء الطغاة ، وبالأحرى كانت دولتهم عبارة عن امبراطورية استبدادية عربية لا تربطهم بالإسلام أيّة رابطة سوى الاسم وقد وصلت بهم الجرأة أنّ أحدهم الذي يحكم المسلمين بعنوان خليفة رسول الله صلى الله عليه واله تمنّى أن تبنى له غرفة فوق الكعبة الشريفة يجلس فيها للاستجمام والراحة في موسم الحجّ(٤) !!

يزيد شارب الخمر :

بعد قتل الإمام الحسين عليه السلام جلس يزيد في مجلس أُنسه وطربه مع ابن زياد

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢١٦ ، وتاريخ أبوالفداء ج ١ ص ١٩٠ ، ومروج الذهب ج ٣ ص ٦٣ وغيرها.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٤٣ ، وتاريخ أبوالفداء ج ١ ص ١٩٢ ، ومروج الذهب ج ٣ ص ٧٨.

(٣) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٢٤ ، وتاريخ أبوالفداء ج ١ ص ١٩٢ ، ومروج الذهب ج ٣ ص ٨١.

(٤) الشيعة في الإسلام للعلّامة الطباطبائي ص ٢٥.

٤٤

الذي كان يجلس إلى يمينه فقال لساقي الشراب : اسقني شربة تروي مشاشي ثمّ مِل مثلها ابن زياد صاحب السرّ والأمانة عندي ولتسديد مغنمي وجهادي ثمّ أمر الغنّين فغنّوا به(١) .

وكان قد شرب الخمر أيضاً حينما جاءوا إليه برأس الحسين عليه السلام وقد تجرّأ على الله تعالى وسكب فضلة شرابه على الرأس الشريف! فقامت زوجته وغسلت الرأس بماء الورد ثمّ رأت في منامها السيّدة الزهراء عليها السلام وعي تتفقّد ابنها وبعدها أمر يزيد لعنه الله بالرؤوس أن تعلّق على بوابّة المدينة مع إخراج عيال الإمام الحسين عليه السلام إلى الخربة(٢) .

ولم يكن يزيد يشرب الخمر فقط بل كان لا يعرف الصلاة ويلعب بالكلاب ويضرب الطنبور والدفّ والناي ويأتي الأُمّهات والأخوات والبنات(٣) .

إذا رأيت آلة القمار فالعن يزيد :

عن الفضل بن شاذان قال : سمعت الإمام الرضا عليه السلام يقول : لمّا حمل رأس الحسين إلى الشام أمر يزيد لعنه الله فوضع ونصب عليه مائدة فأقبل هو وأصحابه يأكلون ويشربون الفقّاع ، فلمّا فرغوا أمر بالرأس فوضع في طست تحت سريره ، وبسط عليه رقعة الشطرنج وجلس يزيد لعنه الله يلعب بالشطرنج ويذكر الحسين وأباه وجدّه صلى الله عليه واله ويستهزئ بذكرهم فمتى خمر صاحبه تناول الفقّاع فشربه ثلاث مرّات ثمّ صبّ فضلته ممّا يلي الطست من الأرض.

فمن كان من شيعتنا فليتورّع عن شرب الفقّاع واللعب بالشطرنج ومن نظر إلى الفقّاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسين عليه السلام وليلعن يزيد وآل زياد يمحو الله عزّ وجلّ بذلك

__________________

(١) مروج الذهب ج ٣ ص ٦٧.

(٢) كامل البهائي ج ١ ص ١٨٨.

(٣) مروج الذهب ج ٣ ص ٦٧ وتتمّة المنتهى ص ٣٦.

٤٥

ذنوبه ولو كانت كعدد النجوم(١) .

وقبل أن يموت يزيد عهد بالأمر إلى ابنه معاوية وأخذ البيعة من الناس له ، إلّا أنّ ابنه تنازل عن حكومته كما جاء في كتاب «النجوم الزاهرة»(٢) حيث جاء فيه أنّ معاوية ابن يزيد خطب بالناس وقال : أيّها الناس ما أنا بالراغب في الائتمار عليكم لعظيم ما اكرهه منكم ، وإنّي لا أعلم أنّكم تكرهوننا أيضاً لأنّا بليناكم ، وبليتم بنا ، إلّا أنّ جدّي معاوية قد نازع في هذا الأمر من كان أولى به منه ومن غيره ، لقرابته من رسول الله صلى الله عليه واله إلى أن قال : ولقد كان أبي يزيد بسوء فعله وإسرافه على نفسه غير خليق بالخلافة على أُمّة محمّد صلى الله عليه واله فركب هواه. واستحسن خطاه ، وأقدم على ما أقدم من جرأته على الله ، وبغيه على من استحلّ حرمته من أولاد رسول الله صلى الله عليه واله فقلّت مدّته ، وانقطع أثره ، وضاجع عمله ، وصار حليف حفرته ، ورهين خطيئته ، وبقيت أوزاره وتبعاته ، وحصل على ما قدّم(٣) .

وقال المسعودي : وملك معاوية بن يزيد بن معاوية بعد أبيه ، فكانت أيّامه أربعين يوماً إلى أن مات(٤) .

كيف تعامل يزيد مع رأس الحسين عليه السلام

إنّ ما فعله يزيد مع الرأس الشريف يكشف عن خبثه ، وقد أشرنا إلى إهراقه الشراب على الرأس الشريف ومع ذلك فهو لم يكتفِ بهذا بل جاء في الرسالة الحاوية لركن الإسلام الخوارزمي أنّه قال : لمّا وصل رأس الحسين عليه السلام ووضع أمامه ووضع قدمه على الرأس الطاهر فكان في المجلس الصحابي زيد بن أرقم فقاله «لا تفعل ذلك يا يزيد

__________________

(١) جزاء الأعمال ج ٢ ص ٧٥ / فارسي ، والبحار ج ٤٥ ص ١٧٦.

(٢) النجوم الزاهرة الطبعة الأُولى ج ١ ص ٢٤٦.

(٣) حياة الحيوان ج ١ ص ٦١ ـ ٦٢.

(٤) مروج الذهب ج ٣ ص ٧٢.

٤٦

فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه واله يقبّل ذلك الفمّ» إلّا أنّ اللعين مسك القضيب وأخذ ينكثه به ثنايا الإمام الحسين عليه السلام.

وجاء في الحاوية أيضاً : إنّ اللعين طلب خمراً وكان الرأس الشريف عنده فشرب حتّى سكر ورقص وهو على العرش حتّى سقط منه إلى الأ{ض من شدّة السكر ، كما مات أبوه سكراناً وقد علّق الصليب في عنقه.

وقال جماعة : إنّ يزيد خرج ذات يوم مع حرسه إلى صيد الغزلان ، فأخذ يطارد غزالة حتّى أمر الله الأرض فخسفت به( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ) (١) .

وذكر الشيخ الصدوق في أماليه : أنّه لمّا جاءوا برأس الحسين عليه السلام إلى يزيد وضع في طشت من ذهب وأخذ يزيد القضيب وجعل ينكث ثغر الحسين عليه السلام ويقول : ما أجمل ثغرك ، فقال له من كان حاضراً : يا يزيد كيف تفعل ذلك ، أشهد لقد رأيت النبي صلى الله عليه واله يرشف ثناياه(٢) .

رمي الإمام الحسين بالحجارة :

ذكر أبو ريحان البيروني فقال له : ما تعرّض إليه الإمام الحسين عليه السلام من الظلم لم يتعرّض إليه أحد في جميع الأُمم من قِبل أقبح الأفراد ، فقد ضربوه بالسيوف والرماح ورموه بالحجارة حتّى ضعف عن القتال ثم قتلوه وسحقوا بدنه بالخيل ، وذكر أنّ واحداً من هذه الخيل التي سحقت الإمام الحسين عليه السلام كان في مصر ، فخلع بعض الناس نعله وعلّقه على باب بيته تبرّكاً به لأنّه لامس بدن الإمام الطاهر حتّى صار هذا العمل عادة فأخذ أهل مصر يعلّقون نعل الخيل على أبوابهم.(٣) .

وروي أنّ دم الإمام الحسين عليه السلام بقي يفور حتّى قتل المختار بن أبي عبيدة الثقفي

__________________

(١) كامل بهائي ج ٢ ص ١٧٣ / فارسي.

(٢) أمالي الصدوق ص ٩٩.

(٣) الوجه المدمى ص ٣٦٨ فارسي ، نقلاً عن الآثار الباقية ص ٣١٩ ، وكتاب التعجّب ص ٤٦.

٤٧

سبعين الفاً من قتلة الإمام الحسين عليه السلام وقال المختار : إنّي قد قتلت سبعين الفاً ووالله لو قتلت أهل الأرض كلّهم لما قابل اصبع الحسين الذي قطعوه(١) .

لنعرف أعداء أهل البيت عليهم السلام

المعروف أنّ أعداء أهل البيت عليهم السلام كلّهم أولاد حرام يقول المرحوم الحوماني : إنّ النشاشيبي الذي يعود نسبه إلى الأمويين يقول : يجب القول إنّ الذين يكرهون أهل البيت تعشعش العداوة في أعماق قلوبهم اتّجاه أهل البيت عليهم السلام ، وفي بعض الأحيان تراهم يشمئزّون من سماع فضائل ومعاجز وكرامات الأئمّة عليهم السلام وسائر شؤون ولايتهم ولذا تراهم يقفون ضدّ عزاء سيّد الشهداء عليه السلام محاولة منعه وصدّه فعندما يرى الإنسان أمثال هؤلاء يتحقّق عنده الاطمئنان أنّ آباء هؤلاء كانوا من النواصب أعداء أهل البيت عليهم السلام أو أنّ أسلافهم كانوا بعيدين عن طريقة أهل البيت عليهم السلام(٢) .

أمثال هؤلاء ينطبق عليهم حديث الإمام الصادق عليه السلام حيث قال : «لا يبغضنا إلّا من خبثت ولادته أو حملت به أُمّه في طمثها يعني حيضها»(٣) وعن أبي رافع عن الإمام علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : «من لم يحبّ عترتي فهو لإحدى ثلاث إمّا منافق وإمّا الزنية وإمّا امرؤ حملت به أُمّه في غير طهر»(٤) .

لنعرف أولاد الحرام :

ذكر قطب الدين الأشكوري في «محبوب القلوب» وعلي بن الحسين المسعودي في «مروج الذهب» وعبدالله بن أسعد اليمني في «مرآة الجنان» وابن خلّكان الإربلي

__________________

(١) إثبات الوصية ص ٣١٠.

(٢) تحقيق حول يوم الأربعين لآية الله الشهيد السيّد محمّد علي القاضي الطباطبائي ص ٣٩٢.

(٣) جامع أحاديث الشيعة ص ١٩٠.

(٤) وسائل الشيعة ج ٢ ص ٣١٩ ح ٢٢٤٤.

٤٨

في «وفيّات الأعيان» وغيرهم قصّة تكشف لنا سبب عداوة النواصب للإمام علي عليه السلام وهي : يقول أبو دلف عيسى بن أبي دلف أنّ أخاه دلف ـ وبه كان يكنّى أبوه أبا دلف ـ كان ينتقض علي بن أبي طالب ، ويضع منه ومن شيعته ، وينسبهم إلى الجهل وأنّه قال يوماً وهو في مجلس أبيه ولم يكن أبوه حاضراً : إنّهم يزعمون أن لا ينتقص علياً أحد إلّا كان لغير رشدة ، وأنتم تعلمون غير الأمير ، يعني أباه ، وأنّه لا يتهيّأ الطعن على أحد من حرمه وأنا أبغض علياً ، قال : فما كان بأوشك من أن خرج أبو دلف ، فلمّا رأيناه قمنا له ، فقال : سمعت ما قاله دلف ، والحديث لا يكذب ، والخبر الوارد في هذا المعنى لا يختلف ، هو والله لزَنيْةٍ وحيضة ، وذلك أنّي كنت علياً فبعثت إليّ أُختي جارية لها ، كنت بها معجباً ، فلم أتمالك أن وقعت عليها وكانت حائضاً فعلقت به ، فلمّا ظهر حملها وهبتها لي(١) .

قبر يزيد عبرة على مدى التأريخ :

«وأي عبرة لأُولى الأبصار أعظم من كون ضريح الإمام الحسين عليه السلام حرماً معظّماً ويبقى قبر يزيد بن معاوية مزبلة» وحقّاً أنّها لعبرة لمن كان له قلب حفيظ ، فها هو قبر الإمام الحسين عليه السلام تعلوه القبّة الذهبية العملاقة مزهياً بالجلالة والعظمة ، وذاك قبر يزيد الطاغية مزبلة لم يبق منه شيء يذكر.

فقد جاء في كتاب «أخبار الدول» : أنّ يزيد مرض في شهر ربيع الأوّل عام ٦٤ ه بذات الجنب في حوران ثمّ هلك فيها ، فحملوا جنازته إلى دمشق ودفنوه عند الباب الصغير ، وقبره اليوم مزبلة وهلك عن سنّ ٣٧ عاماً وكانت زعامته ثلاث سنين وتسعة أشهر(٢) .

وبالرغم أنّ الإمام الحسين عليه السلام استشهد وجميع أولاده طلباً لمرضاة الله ولم يبق له من الذرّية إلّا علي بن الحسين عليه السلام الذي كان مريضاً آنذاك ، إلّا أنّ الله جعل ذرّية الإمام

__________________

(١) مروج الذهب ج ٣ ص ٤٧٥.

(٢) تتمّة المنتهى ص ٦٣ ط العربية.

٤٩

الحسين عليه السلام منه وهم اليوم ملؤوا العالم كلّه(١) .

واقعة الحرّة وإحراق البيت :

روى أبو الحسن المدائني فقال : ولدت الف امرأة بعد الحرّة من غير زوج فسمّوا بـ (أولاد الحرّة) وقال آخر : عشرة آلاف امرأة بكر ولدت بعد فاجعة الحرّة من غير زوج(٢) ، وفي أخبار الدول : أنّ الجيش الأموي زنا بألف فتاة باكرة ولم ينتهي الأمر إلى هذا الحدّ بل نهبوا أموال الناس وأباحوا دمائهم وأعراضهم فعاثوا فساداً وفسقاً في مدينه النبي صلى الله عليه واله حتّى ذكر بعضهم أنّهم مارسوا الزنا في مسجد النبي صلى الله عليه واله.

وكانت هذه الهجمة الهمجية على المدينة بعدما خلع أهلها بيعة يزيد وقاموا ثائرين ضدّه بعد واقعة كربلاء ، وبعد ما جلب رسل يزيد وعمّاله من الشام كلّ الرذائل الأخلاقية وافشوها في المدينة.

فمن كلام لابن الجوزي قال فيه : إنّ وفداً من أهل المدينة قدموا إلى الشام ولمّا رجعوا جهروا بشتمه ولعنه وقالوا : قدمنا من عند رجل لا دين له يسكر ويدع الصلاة(٣) .

فجنايات هذا الرجل وفساده وخبث طينته وظلمه وتعدّيه على الدين وتوهين أهله وتحقير شعائر ومقدّسات الإسلام من الأُمور المشهورة عند المؤرخين وقد ذكرها أكابر أهل السنّة أيضاً.

لنعرف يزيد وابن زياد بشكل أفضل

جاء في كتاب «جواهر المطالب» لأبي البركات شمس الدين محمّد الباغندي الذي توجد نسخته الخطّية في مكتبة الروضة الرضوية المقدّسة ، ذكر أبوالبركات نقلاً عن ابن الفوطي في تاريخه فقال :

__________________

(١) شخصية الإمام الحسين بن علي عليه السلام المتألّقة للمؤلّف ط ١ ص ٢٥٤.

(٢) راجع تذكرة الخواص ص ٢٥٩ ـ ٢٦٠.

(٣) تذكرة الخواص ص ٢٥٩.

٥٠

كان ليزيد قرد يدعى «أبو قبيس» وكان يرافقه دائماً ، وكلّما زادت فضلة من شرابه في الكأس سقاها لأبي قبيس وكان يقول عنه : هذا القرد أحد شيوخ بني اسرائيل مسخه الله قرداً بعد المعصية وكان يركبه على الحمار ويقامر به في سباق الخيل ، حتّى أنّه غلب ذات مرّة فابتهج يزيد كثيراً وأنشد شعراً بالمناسبة ، وأفظع من ذلك أنّه حينما مات هذا القرد حزن عليه كثيراً وتأثّر وتأسّف لموته وأمر بأن يشيع جثمانه كالإنسان تماماً فكفّن ودفن وأقام عليه أهل الشام مجالس العزاء!!

وذكر سبط ابن الجوزي في «تذكرة الخواص» فقال : إنّ يزيد استدعى ابن زياد إليه ـ بعد قتل الحسين عليه السلام ـ وأعطاه أموالاً كثيرة وتحفاً عظيمة وقرب مجلسه ورفع منزلته وأدخله على نسائه وجعله نديمه وسكر ليلة وقال للمغنّي غنّ ثمّ قال يزيد بديهيّاً :

اسقني شربة تروي فؤادي

ثمّ مل فاسق مثلها ابن زياد

صاحب السرّ والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وجهادي

قاتل الخارجي أعني حسيناً

ومبيد الأعداء والحسّاد

وقال ابن عقيل : وممّا يدلّ على كفره وزندقته فضلاً عن سبّه ولعنه أشعاره التي أفصح بها بالإلحاد وأبان عن خبث الضمائر وسوء الاعتقاد فمنها قوله في قصيدته التي أوّلها :

علّية هاتي واعلني وترنّمي

بذلك أنّي لا أُحبّ التناجيا

حديث أبي سفيان قدماً سمى بها

إلى أحد حتّى أقام البواكيا

ألا هات فاسقيني على ذاك قهوة

غيرها العنسي كرماً شاميا

إذا ما نظرنا في أُمور قديمة

وجدنا حلالاً شربها متواليا

وإن مت يا أُمّ الأحيمر فانكحي

ولا تأملي بعد الفراق تلاقيا

فإنّ الذي حدّثت عن يوم بعثنا

أحاديث طسم تجعل القلب ساهيا

ولابدّ لي من أزور محمّداً

بمشمولة صفراء تروي عظاميا

وإلى غير ذلك ممّا نقلته من ديوانه ولهذا تطرّق إلى هذه الأمة العار بولايته حتّى

٥١

قال أبو العلاء المعرّي مشيراً إلى ذلك العار :

أرى الأيّام تفعل كلّ نكر

فما أنا في العجائب مستزيد

أليس قريشكم قتلت حسيناً

وكان على خلافتكم يزيد

وقال ابن الجوزي : ولمّا لعنه جدّي أبو الفرج على المنبر ببغداد بحضرة الناصر وأكابر العلماء قام جماعة من الجفاة من مجلسه فذهبوا فقال جدّي( أَلاَ بُعْداً لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ) (١) ـ(٢) .

وحكى لي بعض أشياخنا عن ذلك اليوم : أنّ جماعة سألوا جدّي عن يزيد فقال : ما تقولون في رجل ولي ثلاث سنين في السنة الاُولى قتل الحسين وفي الثانية أخاف المدينة وأباحها وفي الثالثة رمى الكعبة بالمجانيق وهدمها؟

فقالوا : نلعن ، فقال : فالعنوه(٣) .

وقال جدّي في كتاب (الردّ المتعصّب العنيد) جاء في الحديث : لعن من فعل ما لا يقارب عشر معشار فعل يزيد وذكر الأحاديث التي ذكرها البخاري ومسلم في (الصحيحين) مثل حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه واله أنّه لعن الواشمات والمتوشّمات ، وحديث ابن عمر لعن الله الواشمة والمتوشّمة ولعن الله المصوّرين وحديث جابر لعن رسول الله صلى الله عليه واله أكل الربا وموكله ، وحديث ابن عمر في مسند أحمد لعنت الخمر على عشرة وجود وأورد أخباراً كثيرة في هذا الباب وكلّ هذه الأشياء دون فعل يزيد الذي قتل الإمام الحسين وأخوته وأهله ونهب المدينة وهدم الكعبة ضربها بالمجانيق وأشعاره الدالّة على فساد عقيدته ومن رام الزيادة على هذا فاليقف على كتابه(٤) .

__________________

(١) سورة هود : ٩٥.

(٢) تذكرة الخواص ص ٢٦١.

(٣) تذكرة الخواص ص ٢٦١.

(٤) تذكرة الخواص ص ٢٦٠ ـ ٢٦٢.

٥٢

اللهمّ العن أوّل ظالم ظلم حقّ محمّد وآل محمّد وآخر تابع له على ذلك اللهمّ العن العصابة التي جاهدت الحسين وشايعت وبايعت وتابعت على قتله اللهمّ العنهم جميعاً(١) .

يزيد يفتضح ويتورّط (٢)

وبعد واقعة الطفّ أحسّ يزيد أنذه وقع في ورطة كبيرة ، فقد كرهه الناس ولم يعد لحديثه في آل البيت عليهم السلام أي أثر في نفوس الجماهير بعدما عرفوا كذبه وخيانته وإجرامه ، وكان يحاول عبر أحاديثه المزيّفة أن يلوّث سمعة سيّد الشهداء عليه السلام إلّا أنّ جهوده ذهبت أدراج الرياح ، فلم ينجح هذا الطاغية في اتّهام الإمام الحسين عليه السلام على أنّه خارجي أو كافر ، وكيف يكون ذلك وقد تكلّم رأسه الشريف أمام الناس في مجلس يزيد عندما أمر الأخير بقتل سفير الروم جرّاء اعتراضه عليه في قتل الإمام الحسين عليه السلام فنطق الرأس قائلاً : لا حول ولا قوّة إلّا بالله.

فمن الذي رأى أو سمع أنّ رأساً مقطوعاً يتكلّم بلغة فصيحة؟ وهل يستطيع ابن ميسون أن يقاوم هذا الإعجاز الإلهي؟ وهل أنّه يقدر على إطفاء هذا النور الربّاني؟ كلّا وحاشا.

وكذلك كان السخط الجماهيري قد غطّى نظرة عامّة الناس تجاه يزيد اللعين بل شملت هذه النظرة بيته أيضاً ، فعندما شاهدت زوجته هند بنت عمرو بن سهيل(٣) الأنوار

__________________

(١) زيارة عاشوراء.

(٢) إلى هذا المبحث كانت الترجمة لسماحة الشيخ فاضل الفراتي أمّا البقية فقد ترجمت على يد الشيخ جاسم الأديب.

(٣) هند كانت زوجة عبدالله بن عامر بن كريز وهو ابن خال عثمان بن عفّان ، ولمّا علم معاوية إنّ ابنه يزيد يرغب في هند ، عمل على تطليقها من زوجها عبدالله ، وقد ذكر الخوارزمي في مقتل الحسين عليه السلام حيلة معاوية ومكره في تطليق هذه المرأة وزواجها من يزيد ، وهو أمر غير بعيد عن سياسة معاوية فإنّه عرف

٥٣

الإلهية نازلة وصاعدة من السماء على المكان الذي تسكن فيه هالها المنظر الرهيب وانطلقت نحو موضع النور فوجدت رأس الإمام الحسين عليه السلام ولكنّه كان أمام يزيد في مجلسه فدخلت عليه بدون حجاب وكان يزيد يقول : هذا رأس ابن بنت رسول الله في بيتنا ، ولمّا رأى اللعين زوجته مكشفة الرأس نهض إليها وغطّى رأسها وقال لها : أبكي وانحبي على الحسين فإنّه كان صريخ بني هاشم وقد تعجّل ابن زياد قتله(١) .

وذات مرّة شاهدت هند في عالم الرؤيا ملائكة الله تنزّل من السماء على رأس الإمام الحسين عليه السلام وتطوف حوله ثمّ تسلّم عليه ، ولمّا استيقظت ذهبت إلى يزيد لتخبره بالرؤيا فوجدته في إحدى الغرف وهو جالس يبكي ويقول : مالي ومال الحسين ، فعلمت أنّ يزيد هو الآخر قد شاهد ما رأته هي.

نعم لقد تعرّض يزيد إلى موجة عظيمة من السخط الجماهيري وكلّما حاول أن يتدارك الأمر بالخطابات التعسّفية اتّجاه أهل البيت عليهم السلام لم ينجح أبداً ، وغاية ما حقّقه هو أنّه ألقى بالذنب كلّه على ابن زياد لكي ينجو هو من هذه الورطة ، ولكن حتّى هذا الأمر لم يخف على الناس بعدما عرفوا رسالته إلى والي المدينة يطالبه في أخذ بيعة أهل المدينة له وكان في ضمن هذه الرسالة رسالة صغيرة كتب فيها خذ البيعة من الحسين أيضاً فإن امتنع اضرب عنقه(٢) .

ولا يخفى أنّ الذي دعا يزيد إلى ذلك هو علمه الواضح أنّ الخليفة الشرعي هو ابن رسول الله صلى الله عليه واله وأنّه مورد اتّفاق جميع المسلمين ، وكان يعلم أيضاً أنّ الناس بايعوا معاوية خوفاً من سطوته لا حبّاً له ، وبهذا فشل يزيد في تبرئة نفسه من دم الحسين الشهيد عليه السلام

__________________

بهذه الأساليب ، وقد ذكر ابن قتيبة في الأمامة والسياسة كيف أنّ يزيد رغب في جمال أُرينب فعمل معاوية على طلاقها من زوجها عبدالله بن سلام ج ١ ص ٦١ وقد ذكر مؤلّف كتاب نهاية الارب ج ٦ ص ١٨٠ هذه القصّة كاملة لكنّه أبدل أرينب بـ «زينب».

(١) مقتل العوالم ص ١٥١ ، وتاريخ الطبري ج ٦ ص ١٥٠.

(٢) تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٨٨ ، وتاريخ ابن الأثير ج ٤ ص ٥ ، والبداية ج ٨ ص ١٤٦.

٥٤

فشل في القاء الأمر كلّه على ابن زياد ظنّاً منه أنّ الحقائق لا تظهر بعد حين ، فها هو التاريخ اليوم يشهد أنّ يزيد قتل الإمام الحسين عليه السلام.

دفاع الغزالي عن يزيد!

بالرغم من كلّ هذه الأُمور الدالّة على كفر يزيد الطاغية إلّا أنّ الغزالي يصرّح في كتابه «إحياء العلوم» بعدم جواز لعنه ، بل إنّه منع من لعن قتلة سيّد الشهداء عليه السلام قاطبة ولو كان اللعن مجملاً كقولك (لعنة الله على قاتل الحسين) فحتّى مثل هذا يعدّه ممنوعاً شرعاً ، وحجّته في ذلك أنّ من الممكن توبة قاتل الحسين مع أنّ خباثة يزيد لم تنقطع يوماً عنه فقد استمرّ اللعين في إجرامه إلى أواخر أيّامه كإباحة المدينة ورجم الكعبة وما إلى ذلك ، وقد شبّه الغزالي يزيد بوحشي قاتل حمزة عليه السلام الذي تاب من عمله ، ولذلك فلا يجوز لعنه مع أنّ القتل من الذنوب الكبيرة إن لم يتب صاحبه منه فإنّه في خطر عظيم.

والحال أنّ هذا النوع من القياس غير صحيح لأنّ وحشي عندما قتل حمزة سيّد الشهداء عليه السلام كان كافراً ولمّا أسلم جُبّ عنه كلّ شيء إذ أنّ الإسلام يجب ما قبله ، ومع ذلك فإنّ النبي صلى الله عليه واله لم يطق رؤية وحشي حتّى مع إسلامه وقال له : غيّب وجهك عنّي!!

أمّا يزيد فلم يكن في الظاهر كافر بل كان يدّعي الإسلام وأنّه خليفة النبي صلى الله عليه واله على المسلمين! ومع ذلك قتل الإمام الحسين عليه السلام ، فتشبيهه بوحشي ليس بصحيح أصلاً ، بل إنّ فعل يزيد يكفي للحكم عليه بالكفر والارتداد لأنّه كان يعرف مَن هو الإمام الحسين عليه السلام ، الجدير ذكره أنّ هذا الطاغية صرّح في أشعاره وكشف عن دوافعه الخبيثة في قتل الإمام الحسين ألا وهي الانتقام من النبي صلى الله عليه واله الذي قتل آبائه وأجداده في بدر وأُحد فقد أنشد :

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج.

وقال :

لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل ..

ولذلك فلا معنى لتوقّف الغزالي عن لعن هذا المجرم ، الذي لعنه نفس علماء السنّة

٥٥

وصرّحوا بجواز لعنه لأنّه خارج عن الدين مستدلّين على ذلك بمثل هذه الأشعار المصرّح بها بالكفر.

فقد نقل أنّه لمّار رأى سبايا آل محمّد صلى الله عليه واله على الجمال على ربى جيرون وسمع صوت الغراب ينعق قال :

لمّا بدت تلك الحمول وأشرقت

تلك الشموس على ربي جيرون

نعب الغراب فقلت قل أولا تقل

فقد اقتضيت من الرسول ديونِ(١)

وممّن صرّح بكفر يزيد من علماء أهل السنّة القاضي أبو يعلى وأحمد بن حنبل وابن الجوزي(٢) والكياهرسي(٣) والشيخ محمّد البكري وسعد التفتازاني(٤) .

فمن الكلام للجاحظ قال فيه : إنّ الجرائم التي ارتكبها يزيد من قتله للإمام الحسين عليه السلام وإخافته لأهل المدينة وخرابه الكعبة وأسره لبنات رسول الله صلى الله عليه واله وضربه ثنايا الحسين عليه السلام بالعصا ، ألا تُعد دليلاً على قساوته وعداوته وكرهه وحقده وعناده ونفاقه ، أمّ أنّها تدلّ على محبّته وإخلاصه للنبي وآله عليهم السلام؟

ثمّ إنّه قال : وعلى أي حال فهذه الأعمال مصداق لنفسه وضلاله ، فهو فاسق ملعون وكلّ من منع من لعنه فهو ملعون(٥) .

كما لم يتردّد العلّامة الآلوسي في لعن يزيد ، الذي جمع الخصائص الخبيثة وقضى أيّام حياته بارتكاب المعاصي الكبيرة والإصرار عليها ، فمن خباثته وفسقه ما ارتكبه في مكة ورضاه بقتل الإمام الحسين ـ على جدّه وعليه أفضل السلام ـ بل وسروره لقتله ، وإهانته لآل الحسين عليه السلام ، واعتقد الآلوسي أنّ هذا الخبيث لم يعتقد بالرسالة الخاتمة

__________________

(١) روح المعاني ج ٨ ص ١٢٥ في تفسير قوله :( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ ) .

(٢) تذكرة الخواص ص ١٦٢.

(٣) وفيّات الأعيان.

(٤) السيرة الحلبية ج ١ ص ١٧٢.

(٥) رسائل الجاحظ ص ٢٩٨.

٥٦

للنبي صلى الله عليه واله ، وعلى أي حال فإنّ مجموع ما ارتكبه يزيد الطاغية من إهانته الساكنين في الحرم الإلهي (مكة) وما جناه بحقّ آل النبي صلى الله عليه واله وعترته الطاهرة سواء في حياة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام أو بعد شهادته ، فضلاً عن تفاخره وتكبّره الذي لا يقلّ عن تجاسره على القرآن الكريم لمّا جعله في الأوساخ والقاذورات ، ولا أتصوّر أنّ أمره يخفى على أغلب المسلمين ، نعم أنّ المسلمين آنذاك كانوا مغلوبين على أمرهم من «حكّام الجور» ولم يكن أمامهم سوى الصبر إلى أن قضى الله تعالى فيه بقضائه العادل فأهلكه وأراح العباد من شرّه.

وإذا كان هناك من يحتاط ويخشى أن يلعن يزيد علانية ، فليقل هكذا :

«اللهمّ العن الراضين بقتل الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وعترة الرسول صلى الله عليه واله الذين آذوهم بلا ذنب وغصبوا حقّهم» وبهذه الطريقة فإنّه يلعن «يزيد» الذي يشمله اللعن بالخصوص.

فضيحة ألاعيب معاوية

فور ما تلقّى مروان بن الحكم رسالة معاوية توجّه نحو منزل عبدالله بن جعفر مسروراً متصوّراً أنّ بني هاشم سيقبلون هذا الطرح ويرحبّون به كسائر الناس العاديين المنكبين على حطام الدنيا وأنّ هذه الخدمة الجليلة ستخلّد اسمه في التاريخ.

ولذلك اجتمع بجماعته وطرح عليهم اقتراح معاوية الشيطاني وألقى عليهم خطبة مفصّلة أثنى فيها على آل بيت رسول صلى الله عليه واله وأشاد بفضائلهم ، ثمّ أشار إلى مسألة المهر وأبدى استعداده لتسديد جميع ديون عبدالله بن جعفر وضروة رفع الخصومة بين الطرفين والسعي من أجل فتح صفحة جديدة في تاريخيهما ثمّ جلس مسروراً لينظر ماذا يكون الجواب؟

لحظات قليلة والصمت يعمّ المجلس بينما غرق العديد من الحضور في بحر لجي من الأفكار الطويلة التي لاأوّل لها ولا آخر فيما أخذ البعض يحدّث نفسه بأهميّة مثل

٥٧

هذه الفرصة الذهبية.

وبينما هم كذلك إذا بسيّد الشهداء عليه السلام الذي كان مطّلعاً على المخطّط الشيطاني أقبل وجلس في جانب المجلس ليرى ما هي ردّة فعل الحاضرين وكيف سيتعاملون مع هذه الأُلعوبة التي دبّرتها الأيادي الأموية بكلّ خباثة.

مباشرة التفت عبدالله بن جعفر إلى مروان والي المدينة وقال له : إنّ أمر ابنتي بيد خالها فهو زعيم بني هاشم وملاذهم.

آنذاك التفت أبوعبدالله الحسين عليه السلام إلى القوم وخطب فيهم خطبة بليغة قطع فيها نزاع القوم وخيّب آمال بني أُميّة وحدّد للجميع حقيقة آل الرسول صلى الله عليه واله وواقع بني أُميّة المخبوء على بعض الناس.

ومن الأُمور التي أشار إليها سيّد الشهداء عليه السلام في خطابه هي الشروط الثلاثة التي طرحها مروان فقال :

يامروان ، قد قلت ، فسمعنا ، أمّا قولك : مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنّة رسول الله صلى الله عليه واله في بناته ونسائه وأهل بيته عليهم السلام ، وهو اثنتا عشرة أُوقية ، يكون أربعمائة وثمانين درهماً. وأمّا قولك مع قضاء ديَن أبيها ، فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنّا ديوننا؟!

وفي هذا إشارة أنّ بين أُميّة كانوا يوسطون نساءهم في تسديد ديونهم.

وقال عليه السلام : واعلم أنّ من يغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبط يزيد بكم ، وأمّا قولك : من يغبطنا به أكثر ممّن يغبطه بنا ، فإنّما يغبطنا به أهل الجهل ، ويغبطه بنا أهل العقل(١) .

صراع الحقّ والباطل

كما أشار سيّد الشهداء عليه السلام في خطبته إلى استحالة تحقّق الشرط الثالث الذي كان

__________________

(١) مناقب آل أبي طالبت ج ٤ ص ٣٨.

٥٨

بنو أُميّة يركزّون عليه ألا وهو الصلح بينهم وبين بني هاشم ومدّ جسور العلاقة والمودّة بينهما فقال عليه السلام : إنّا قوم عاديناكم في الله ولم نكن نصالحكم للدنيا فلقد أعيى الناس فكيف السبب(١) .

وحقيقة إنّ هذه العبارة من سيّد الشهداء عليه السلام خيّبت كلّ آمال معاوية وأتباعه وكشفت لهم حقيقة موقف آل الرسول عليهم السلام وأتباعهم تجاههم ، الجدير ذكره أنّ سيّد الشهداء عليه السلام في نفس المجلس زوّج ابنة عبدالله بن جعفر من أحد الهاشميين بعد أن وهبهما ضيعة في المدينة ليقطع بذلك كلّ آمال يزيد ويخيّب أحلامه.

وعندما سمع مروان البليد هذه الكلمات النارية اضطرّ أن يترك المجلس خجلاً وهو يجرّ أذيال الخزي والعار بعد أن عرف الجميع الفرق الجلي بين أهل الحقّ والباطل.

وفي واقع الأمر أنّ سيرة أهل البيت عليهم السلام قد جرت على ذلك ، فهم لا يداهنون أهل الباطل ولا يجاملونهم أو يمدّوا إليهم يد السلام أبداً.

ولذا فمن الواجب على كلّ من يواليهم ويظهر المحبّة لهم ـ خاصّة لسيّد الشهداء عليه السلام الذي رفض الانصياع لأهل الباطل ـ أن يرفض أهل الباطل ولا ينخدع بهم ويدقّق جيّداً في تعامله معهم.

خطبة الإمام الحسين عليه السلام في مجلس معاوية

نقل أنّ سيّد الشهداء عليه السلام دخل مجلس معاوية بن سفيان في أحد الأيّام فألحّ الناس عليه بشدّة وتوسّلوا به كي يخطب فيهم ويعظم ، فخطب أبو عبدالله عليه السلام خطبة بليغة أشار فيها إلى شرائط القائد في نظر الإسلام وفضح بذلك معاوية السوء الذي كان يدّعي زوراً أنّه يتحلّى بمثل هذه الشرائط.

ومن أهم تلك الشرائط التي أكّد عليها سيّد الشهداء عليه السلام في خطبته هو اطّلاع القائد الإسلامي على حقائق القرآن الكريم والتزامه التامّ بها وعمله المستمرّ بإرشاداته وأوامره

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ٣٣٩.

٥٩

ونواهيه.

وفي طيّات خطابه عليه السلام أشار إلى مسؤولية الأُمّة في اختيار القائد المناسب ولزوم إطاعتهم له فقال :

نحن حزب الله الغالبون ، وعترة رسول الله صلى الله عليه واله الأقربون ، وأهل بيته الطيّبون ، وأحد الثقلين اللذين جعلنا رسول الله صلى الله عليه واله ثاني كتاب الله تبارك وتعالى الذي تفصيل كلّ شيء ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والمعوّل علينا في تفسيره ولا يبطينا تأويله ، بل نتّبع حقائقه ، فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة ، أن كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة(١) .

إنّهم لا يميّزون بين الناقة والجمل

نقل المؤرّخ الشهير علي بن حسين المسعودي الذي يعتبر من المؤرخين الإسلاميين الكبار في كتابه «مروج الذهب» فقال : إنّ رجلاً من أهل الكوفة دخل على بعير له إلى دمشق في حال منصرفهم عن صفّين ، فتعلّق به رجل من دمشق فقال : هذه ناقتي أُخذت منّي بصفّين ، فارتفع أمرهما إلى معاوية ، وأقام الدمشقي خمسين رجلاً بيّنة يشهدون أنّها ناقته ، فقضى معاوية على الكوفي ، وأمره بتسليم البعير إليه ، فقال الكوفي : أصلحك الله! إنّه جمل وليس بناقة ، فقال معاوية : هذا حكم قد مضى ، ودسّ إلى الكوفي بعد تفرّقهم فأحضره وقال له : أبلغ علياً أنّي أُقاتله بمائة ألف ما فيهم من يفرّق بين الناقة والجمل(٢) .

وذكر المسعودي بعد نقله لهذه القضية فقال : وقد بلغت طاعة الناس لمعاوية حدّاً بحيث أنّه صلّى بهم حين ذهابه إلى صفّين الجمعة يوم الأربعاء ولم يقل له أحد أنّ اليوم هو

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٨ ص ١٤٤ ح ٤٥.

(٢) مروج الذهب ج ٣ ص ٣١ ـ ٣٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

فالإمام الحسينعليه‌السلام هو باب الله، وهو وسيلة الرحمة الإلهية، وهو الصراط المستقيم الذي ندعو الله يومياً أن يهدينا إليه.

فإن تعرف الإمام الحسينعليه‌السلام بانّه ابن أمير المؤمنين الإمام عليٍّعليه‌السلام ، وابن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وأنّه سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشهيد كربلاء، وغريب الغرباء، فتلك معرفة جيدة، ولكنها لا تقع في الدرجة الأولى من درجات المعرفة، فمن أراد السموّ إلى الدرجات العلا والثواب الأكبر فعليه أن يعرف الإمام الحسينعليه‌السلام حقّ المعرفة.

وقد ورد بسندٍ معتبر عن بشير الدهّان قال: قلت للصادق (صلوات الله وسلامه عليه): ربما فاتني الحج، فأعرف عند قبر الحسينعليه‌السلام ؟

قال:« أحسنت يا بشير، أيّما مؤمن أتى قبر الحسين (صلوات الله عليه) عارفاً بحقه في غير يوم عيد كُتب له عشرون حجّة، وعشرون عمرة مبرورات متقبلات، وعشرون غزوة مع نبيٍّ مرسل وإمام عادل. ومَن أتاه في يوم عرفة عارفاً بحقه كُتب له ألف حجة، وألف عمرة مبرورات متقبلات، وألف غزوة مع نبي مرسل وإمام عادل » (١) ، إلى غير ذلك من الثواب والدرجة.

التقوى والورع شرط الولاية

إنّ من يريد الوصول إلى الهدف المنشود فعليه أن يبحث ويسير وفق الطريق الصحيح، وحتّى الرغبة في الوصول إلى أهل البيت (عليهم الصلاة والسّلام) بحاجة إلى تحديد الطريق الصحيح من الطريق المنحرف.

وبين هذا وذاك نجد - وللأسف الشديد - من يمنّي نفسه بالفوز بمرضاة الله رغم ارتكابه أنواع الكبائر، تحت طائلة أنّه يحب أهل البيتعليهم‌السلام ،

____________________

(١) مفاتيج الجنان - فضائل زيارة الحسين في يوم عرفة.

١٦١

شأنه في ذلك شأن فرقة المرجئة التي أسسها أو قوّمها بنو اُميّة في إطار مساعيهم الشيطانيّة لإخماد حركة المجتمع نحو الحق والحريّة؛ فقد كانت تلك الفرقة تعتقد بأنّ التفوّه بالشهادتين، والاعتقاد برسالة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأداء بعض التكاليف كفيل بضمان الجنّة حتّى وإن تخلّل ذلك ارتكاب الكبائر والموبقات من الذنوب.

وتستدل تلك الفرقة على ما ذهبت إليه ببعض الآيات والشبهات. ولكنّ الأئمّة المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) في مقابل ذلك عارضوا هذه العقيدة التي سيطرت آنذاك على عقول كثير من المسلمين، عارضوها بكل قوّة، وعملوا دون تمييع الحدود التي رسمها الله سبحانه وتعالى بين المؤمنين وغير المؤمنين؛ فقالوا مراراً وتكراراً، وبشكل أو بآخر بأنّ الإيمان قول وعمل، وأكّدوا بأنّ الإيمان عمل كلّه والقول منه، بمعنى أنّ القول وإعلان الإيمان ليس إلاّ عملاً واحداً من جملة أعمال الإيمان.

وقالوا أيضاً: إنّ مرتكب الكبيرة لدى ارتكابه المعصية يبتعد عن روح الإيمان، وأيّة قيمة للإيمان من الممكن بقاؤها مع إنسان لا يجد في نفسه مانعاً يمنعه عن ارتكاب الكبائر من الكذب، والفجور، والظلم، وقتل الآخرين، بل وما فائدة الإيمان؟ ولماذا إذاً خلق الله عزّ وجلّ النار ورسم العدالة؟!

إنّ بعض الناس الذين يدّعون الإيمان وحبّ وموالاة أهل البيتعليهم‌السلام ، ولكنهم في الوقت ذاته تتّحد عقيدتهم مع عقيدة المرجئة، فيقولون بعدم التناقض بين الإيمان والظلم، أو الفجور أو التقاعس عن أداء التكاليف الدينية، إنّ هؤلاء ينبغي أن يعرفوا بأنّ الولاية لأهل البيتعليهم‌السلام قضية أساسية من قضايا الرسالة الإلهية، ومن لا يتّبع تعاليم أهل البيتعليهم‌السلام حريٌّ به أن تُسلب

١٦٢

منه هذه الولاية؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم:( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَآءُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِاَيَاتِ اللَّهِ ) (الروم/١٠).

والتكذيب بآيات الله من الممكن أن يأخذ صبغة عملية عبر ارتكاب المآثم والموبقات والكبائر وهجر التكاليف الشرعية، كما قد يأخذ التكذيب بآيات الله صبغة مباشرة عبر عدم الاعتراف بها والكفر بها جهاراً.

فالذي لا يطيع أوامر الله والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وخلفائه الأئمةعليهم‌السلام من بعده من شأنه أن يموت كافراً، ومن شأنه أيضاً أن يحرم من ولاية الله والرسول والأئمة، وذلك هو الخسران المبين.

ولقد كرّر الإمام أبو عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام قوله لشيعته:« أبلغ (الراوي)موالينا عنّا السلام، وأخبرهم أنّا لا نغني عنهم من الله شيئاً إلاّ بعمل، وأنّهم لن ينالوا ولايتنا إلاّ بعمل أو ورع » (١) .

فمن يقل بأنّه موالٍ للأئمةعليهم‌السلام ويعيش بين الموالين هو الآخر معرّض إلى الانزلاق نحو المفاسد، ومن ثمّ سيتبيّن له الخطل فيما ادّعاه؛ وذلك لأنّ الأئمةعليهم‌السلام أنفسهم لا يعترفون بتشيّع إنسان ما لم يتبعهم بما أمروه به ونهوه عنه.

وإنّها لخطيئة كبرى وخسارة عظمى أن يتصور الإنسان أن موالاة أهل البيتعليهم‌السلام مجرّد المحبة وإحياء الذكرى؛ لأنّ الولاية بمعناها الكامل والصحيح هي طاعة الله، وطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والاعتراف بحقّ آل البيتعليهم‌السلام ، والسير على نهجهم الذي لم ولن يختلف أبداً عن تعاليم القرآن.

ومن نماذج النقص في الولاية للأئمةعليهم‌السلام أن نرى البعض منهمكاً في التحدّث عن فضائلهم ومناقبهم وتأريخهم، ولكنّه في الوقت ذاته يقصّر في

____________________

(١) بحار الأنوار ٢ / ٢٨.

١٦٣

التعرّف إلى الحكمة الإلهية من وجود الأئمّةعليهم‌السلام ، أو تنصيبهم زعماء للدين من دون الناس، ويقصّر أيضاً في معرفة فقههم ومعارفهم الإلهية؛ فتراه - تبعاً لذلك - يجادل في كل صغيرة وكبيرة مجادلةً تنبع من عدم التسليم لآراء الأئمّةعليهم‌السلام ، مع علمه واعترافه بعصمتهم ومنزلتهم من القرآن والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فمَن قال بإمامة الحسين بن علي وسائر الأئمة المعصومينعليهم‌السلام يتوجّب عليه اتّباع كلماتهم، فلا يجهلها أو يتجاهلها، أو يفسّرها حسب هواه وأغراضه.

ومن جملة ما يروى في هذا الإطار أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام سأل رجلاً من أتباعه - ولعله فضيل بن يسار - قائلاً:« كيف تسليمك لنا يا فضيل؟ » .

فأجاب: يابن رسول الله، لو أخذتَ تفّاحة وقسمتها قسمين، وقلْت هذا القسم حلال وهذا حرام فأنا لا أقول: لماذا؟ بل أقول: سلّمت.

وكان من قبله سلمان المحمدي؛ حيث أُثر عنه أنّه كان يقتفي أثر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فيضع قدمه في موضع قدم الإمامعليه‌السلام ، فهو كان يرغب بالتعبير عن اتّباعه وتسليمه لأمير المؤمنينعليه‌السلام حتّى في هذا المجال وبهذه الطريقة …

آفاق الولاية

بعد أن نتجاوز خطيئة المرجئة وقشرية السلفية بالنسبة لأهل البيتعليهم‌السلام ، وبعد أن نتوجّه إلى العمق، أقول كلمة، وأعتقد بأنّها مهمّة للغاية، وهي: إنّ الإنسان حينما يحب ويتبع الأئمةعليهم‌السلام يجب أن تتنامى في قلبه محبّة أولياء ومحبّي الأئمّةعليهم‌السلام ؛ إذ لا يجوز العيش في رحاب أهل البيتعليهم‌السلام مع رفض أوليائهم ومحبّيهم، ويتبع ذلك عدم صحّة البحث عن المعاذير لذلك الرفض أو الطرد أو الكره.

١٦٤

ويروى في هذا المجال عن محمّد بن علي الصوفي قال: استأذن إبراهيم الجمّالرضي‌الله‌عنه على أبي الحسن عليّ بن يقطين الوزير فحجبه، فحجّ عليُّ بن يقطين في تلك السنة، فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفرعليه‌السلام فحجبه، فرآه ثاني يومه، فقال عليُّ بن يقطين: يا سيدي، ما ذنبي؟!

فقال:« حجبتك لأنّك حجبت أخاك إبراهيم الجمّال، وقد أبى الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك إبراهيم الجمّال » .

فقلت: سيدي ومولاي، مَن لي بإبراهيم الجمّال في هذا الوقت، وأنا بالمدينة وهو بالكوفة؟!

فقال:« إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك، واركب نجيباً هناك مسرجاً » .

قال: فوافى البقيع وركب النجيب، ولم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمّال بالكوفة، فقرع الباب وقال: أنا عليُّ بن يقطين.

فقال إبراهيم الجمّال من داخل الدار: وما يعمل عليُّ بن يقطين الوزير ببابي؟!

فقال عليُّ بن يقطين: يا هذا، إنَّ أمري عظيم! وآلى عليه أن يأذن له، فلمّا دخل قال: يا إبراهيم، إنَّ المولىعليه‌السلام أبى أن يقبلني أو تغفر لي.

فقال: يغفر الله لك.

فآلى عليُّ بن يقطين على إبراهيم الجمّال أن يطأ خدّه، فامتنع إبراهيم من ذلك، فآلى عليه ثانياً ففعل، فلم يزل إبراهيم يطأ خدّه وعليُّ بن يقطين يقول: اللَّهمَّ اشهد. ثمَّ انصرف وركب النجيب وأناخه من ليلته بباب المولى موسى بن جعفرعليه‌السلام بالمدينة، فأذن له ودخل عليه فقبله(١) .

إذاً فالقضية حادّة ومهمّة للغاية، لا سيما وأنّ الشيطان قد أكثر من مزالقه ومهاويه ليوقع بها بين الناس؛ لذلك نرى البعض يكيل التهم

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٨ / ٨٥.

١٦٥

والأكاذيب للعلماء والكتّاب والمجاهدين العاملين، وبأعصاب باردة، غافلاً أو متغافلاً عن أنّ ما يجترحه بلسانه من غيبة أو إشاعة للفحشاء أو قول بغير حقٍّ أو افتراء على شيعة أهل البيتعليهم‌السلام من شأنه أن يبعده عن أهل البيتعليهم‌السلام فيلقيه على رأسه في جهنم.

مسؤولياتنا تجاه الولاية

من الممكن أن نعبّر عن مسؤوليتنا تجاه الولاية لأهل البيتعليهم‌السلام بعدة أبعاد ونقاط، وهي:

١ - أن نعرف أهل البيتعليهم‌السلام حقّ المعرفة؛ فنعرف مقامهم ومنزلتهم، وأنّهم خلفاء الله في الأرض، وأنهم أسماؤه الحسنى … ونستطيع ذلك من خلال الأدعية والزيارات المأثورة، فلنكن على تواصل دائم معهم عبر قراءة الزيارات الشريفة الواردة بحقهم، من قبيل زيارة عاشوراء، ولنعوّد أنفسنا على زيارة أضرحة الأئمةعليهم‌السلام وأولادهم ما أمكن.

٢ - معرفة كلماتهم؛ وعليه فإنّ القراءة الواعية للكتب التي احتوت آثارهم؛ مثل نهج البلاغة، والصحيفة السجّادية، وتحف العقول لها الأثر الأكبر في تعميق المعرفة بسنّة أهل البيت (صلوات الله عليهم).

٣ - معرفة مسيرتهم العملية والاقتداء بها؛ ولذلك كان لزاماً علينا البحث عن الكتب والمقالات والمحاضرات الخاصّة بهذا الشأن.

٤ - الاتّباع والاقتداء بهم.

٥ - الدفاع عنهم، فربّنا العلي القدير يقول:( يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) ، ونصرة الله تكون عبر نصرة دينه، وإنّ أوّل من يمثل الدين هو الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرته، وأهل بيتهعليهم‌السلام وسيرتهم

١٦٦

ومبادئهم، وهذا يعني الذبّ عن شخصياتهم المقدسة ما امكن؛ فلندافع عن أئمتناعليهم‌السلام بالعمل الصالح، وإنشاء المشاريع، وكتابة الكتب وغير ذلك.

٦ - محبّة أولياء آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وحمايتهم والدفاع عنهم، وليكن الشعار الأوّل في هذا المضمار ما نقرأه في زيارة المعصومينعليهم‌السلام ، حيث جاء:« اِنّي سِلْمٌ لِمَن سالمكم، وحربٌ لمَن حاربكم، ووليٌّ لمَن والاكم، وعدوٌّ لمَن عاداكم » (١) .

نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المنتصرين لدينه، وأن لا يستبدل بنا غيرنا، وأن يجعلنا مع الحسينعليه‌السلام فنواليه ونتّبعه، ونعرفه وندافع عنه. وندعوه تبارك وتعالى أن يرفع الضيم عن أتباع أهل البيتعليهم‌السلام أينما كانوا، وأن يجعل كلمتهم هي العليا، وكلمة أعدائهم السفلى، إنّه وليّ التوفيق.

____________________

(١) مفاتيح الجنان - زيارت الإمام الحسينعليه‌السلام في يوم عاشوراء / ٤٥٧.

١٦٧

الشعائر الحسينيّة اُسلوباً ومحتوىً

ترى لماذا نحيي في كلِّ عام شعائر الإسلام في ذكرى استشهاد أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ؟ ولماذا تتجدد هذه الذكرى مع مرور السنين، وتتسع في كل عام، وتنتشر عبر آفاق جديدة؟

هذا السؤال ليس سؤالاً فقهياً أو علمياً محضاً، بل هو سؤال واقعي يعيشه كل إنسان مسلم. وللإجابة عليه نقول: إنّ هذه الواقعة يعيشها كل قلب، وكل فطرة، وكل نفس بشرية.

وقد طرح عليّ هذا التساؤل اثنان من المستشرقين الالمان قائلين: لماذا يتغيّر كل شيء عندكم أيها الشيعة إذا اقترب هلال محرم، لا بضغط من حكومة، ولا بمال من غني، ولا بإعلام قوي، بل بشكل عفوي، في حين أنّكم تعتقدون بقول نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله :« مداد العلماء خير من دماء الشهداء »، فلماذا ترفعون راية الحسين بينما يقرّر رسولكم أن مداد العلماء خير من دماء الشهداء؟

سر خلود الثورة الحسينيّة

وعندما أجبتهما على هذا السؤال قلت لهما: أوّلاً: إنّ الحسينعليه‌السلام ليس شخصاً، بل هو قضية، وقيمة، ومدرسة، ومنهج، ومسيرة؛

١٦٨

فهوعليه‌السلام كالنبي إبراهيم الذي كان يمثّل اُمّة، وكان حنيفاً مسلماً ولم يكن من المشركين؛ ولذلك فإنّ جميع أتباع الديانات السماوية يقدّسون هذا الرجل؛ لانه جسّد قيمة التوحيد، ورفع راية (لا إله إلاّ الله)، فتحوّل إلى قيمة؛ ولذلك قرّر القرآن الكريم أنّه كان اُمّة، واستجاب له الله سبحانه وتعالى عندما قال:( وَاجْعَل لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ) (الشعراء/٨٤).

وكما أنّ إبراهيمعليه‌السلام جسّد قيمة، فإنّ الحسينعليه‌السلام قد جسّد قيمة هو الآخر؛ فقد استشهد في سبيل العدل والحق، ومن أجل الدين والحرية. ومن المعلوم أنّ هذه القيم ثابتة، فلا يمكن أن يأتي زمان لا نحتاج فيه إلى الدين والعدالة والحرية؛ فالحق هو فلسفة الحياة، بل هو الحياة نفسها، وبدونه لا يمكن ان تستمر. وكما أنّ قيمة الدين والعدالة والحرية والحقّ وسائر القيم المقدسة مستمرة، فإنّ قضية الإمام الحسينعليه‌السلام مستمرة هي الاُخرى.

وفي القسم الثاني من الإجابة قلت لذينك المستشرقين: إننا نعيش اليوم تحت راية أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، ونحن أتباع أهل البيتعليهم‌السلام لا يمكن أن نعيش بدونه؛ لأنّ العيش بدونه يعني العيش بدون قيم، وبدون دين واستقلال.

أهمّية المواكب الحسينيّة

ونحن كنّا وما زلنا نقيم المواكب الحسينيّة في كلِّ عام؛ ففي أيام الأربعين يتقاطر الشيعة على مدينة كربلاء لتتحوّل إلى موكب حسيني كبير، وهذه المواكب هي الناطقة عن قضية الإمام الحسينعليه‌السلام

١٦٩

وقضايا الشيعة في العالم الإسلامي؛ فعلى سبيل المثال اُعدم قبل خمسة وأربعين عاماً مسلم إيراني بسيف آل سعود ظلماً وعدواناً، وفي تلك السنة حملت جميع المواكب الحسينيّة التي وفدت إلى كربلاء راية هذا الرجل، وبعد فترة كان النظام البائد في إيران يضطهد العلماء، فكانت المواكب الحسينيّة في العراق تنادي بالدفاع عن علماء إيران، وبعد فترة اُخرى حدثت مجزرة ضد الشيعة في لبنان، فما كان من المواكب الشيعية في العراق إلاّ أن نادت بالدفاع عن الشيعة في لبنان.

وأنا اُوجّه كلامي هنا إلى اُولئك الذين يلوموننا على بكائنا في يوم عاشوراء، فأقول لهم: إنّنا نبكي بكاء الأبطال، ولكي نصبح حسينيين. فمثل هذه الشعائر هي التي حافظت على الإسلام، بلى هي التي حافظت علينا - نحن الشيعة - على مرّ التاريخ رغم كثافة المشاكل المحيطة بنا.

وهكذا فإنّ ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام كانت قضية فأصبحت قيمة، وكانت واقعة فتحولت إلى راية. وكل إنسان في هذا العالم يريد أن يدافع عن قيمه وقضيّته وظلامته لا بدّ أن ينضوي تحت هذه الراية المقدّسة.

الشعائر الحسينيّة والأنظمة الطاغوتيّة

وقد أدركت الحكومة الطاغوتيّة عمق هذه الشعائر؛ ولذلك فإنّها عمدت وتعمد إلى محاربة الشعائر الدينية للشيعة، فهي تريد - في الحقيقة - أن تعزل الشيعة عن تأريخهم.

ففي كلِّ عام تهتدي الآلاف المؤلّفة من البشر بفضل الحسينعليه‌السلام ؛ ولذلك فإنّ الحكومات تحرص على محاربة هذه المجالس التي يجب أن نحافظ عليها بأي شكل من الأشكال لكي تستمر المسيرة والنهضة؛ ذلك لأنّ الإمام الحسينعليه‌السلام

١٧٠

استشهد، وباستشهاده في كربلاء أثبت أنّ الظلامة التي ارتكبت بحقِّ أهل البيتعليهم‌السلام كانت حقيقية.

تعظيم شعائر الله

وهكذا فإنّ الشعائر باقية ومستمرة، فالله سبحانه وتعالى يقول:( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (الحج/ ٣٢).

وهنا اُريد أن أتوقّف عند كلمتين في تفسير هذه الآية الكريمة المقتطفة من سورة الحج؛ الكلمة الاُولى هي (الشعائر) التي هي جمع شعيرة، وهي كل عمل يشعرك بشيء؛ فقد كانوا يأتون بالإبل إلى مكّة المكرّمة بعد أن يشعروها - أي يلطّخوها بشيء من الدم -، أو يقلّدوها بشيء يشعر أنّها قرابين في سبيل الله تعالى؛ لكي يتجمّع عليها الفقراء والمساكين وينالوا نصيبهم منها.

والقرآن الكريم يصف هذا العمل بقوله تعالى:( مِن شَعَآئِرِ اللَّه ) (الحج/٣٦)، أي إنّ هذه القرابين خالصة لله سبحانه ولا شأن لأحد بها؛ وعلى هذا فإنّ الشعائر تنطبق على كل ما يعظّمه الإنسان شريطة أن لا يكون حراماً.

ويحذّر القرآن الكريم في قوله تعالى:( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) من أن تفرغ الشعيرة من محتواها؛ لأنّها يجب أن ترسّخ التقوى - التي هي الكلمة الثانية التي نريد التحدث عنه - في النفس، فيجب أن نخلص النية في أدائها تماماً كالصلاة التي تكون باطلة إذا ما انعدمت منها النية؛ لأنّ النية هي إطار ومحتوى الصلاة بالإضافة إلى ذكر الله تعالى وخشوع القلب.

وهكذا الحال بالنسبة إلى الشعائر الحسينيّة، فلنعمل من أجل ان تتحوّل هذه الشعائر إلى مدرسة تربوية للمجتمع.

١٧١

وهنا أطرح بعض الاقتراحات في مجال تطوير الشعائر الحسينيّة وإغنائها، وهي:

١ - فهم شخصية الحسين عليه‌السلام من خلال كلماته

علينا أن نفهم الحسينعليه‌السلام من خلال كلماته؛ فقد كانعليه‌السلام إماماً ناطقاً، وكان من أعظم ما تكلّم به دعاؤه في يوم عرفة، هذا الدعاء الغنيّ بالمعاني العرفانية، والذي يقول من جملة ما يقول فيه:« الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصنعه صنع صانع، وهو الجواد الواسع. فطر أجناس البدائع، وأتقن بحكمته الصنائع، لا تخفى عليه الطلائع، ولا تضيع عنده الودائع، جازي كل صانع، ورائش كل قانع، وراحم كل ضارع، منزل المنافع، والكتاب الجامع بالنور الساطع » (١) .

فلنتأمل هذه الفقرة، ولننظر كيف يعرّف الإمام الحسينعليه‌السلام ربه (عزّ وجلّ) بكلمات مضيئة تفيض توحيداً وإخلاصاً.

وأمّا عن كلامه في النبوّة والإمامة فيقولعليه‌السلام :« إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق … ومثلي لا يبايع مثله » (٢) .

ومن جملة كلامهعليه‌السلام في الموت قوله:« خُطّ الموت على ولد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة » (٣) .

____________________

(١) مفاتيح الجنان - دعاء الإمام الحسين يوم عرفة.

(٢) حياة الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام - القرشي ٢ / ٢٥٥.

(٣) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٦٦.

١٧٢

٢ - تخريج الخطباء

إنّنا نمتلك - والحمد لله - حوزات علمية، وقد حافظت هذه الحوزات على استقلالها وحيويتها على مدى العصور، ولكن هذه الحوزات تخرّج العلماء والمراجع الكبار في الغالب، وعلينا أن نفتح إلى جانب هذه الحوزات أو داخلها تخصّص للخطباء؛ لكي يتلقّى الطالب في الحوزة دروس الخطابة.

٣ - إقامة المؤتمرات

إنّ شهر محرم هو بالنسبة إلينا الرأسمال الوحيد، فإذا لم نقم المجالس في شهر عاشوراء من كلِّ عام فسوف لا نمتلك برنامجاً للأعوام القادمة، فلماذا إذاً لا نقيم مؤتمرات للخطباء؛ كأن يجتمعوا قبيل حلول شهر محرم في كلِّ عام ليتبادلوا الأفكار والآراء بينهم بشأن تطوير المجالس الحسينيّة؟

٤ - دور المشرفين على الحسينيّات والمواكب

إنّ المشرفين على المجالس والحسينيّات والمواكب عليهم بدورهم أن يعقدوا الاجتماعات على مدار السنة؛ لكي يدرسوا ويصدروا القرارات بشأن بناء الحسينيّات، وجمع التبرعات، والإتيان بالخطباء الجدد الذين من شأنهم أن يسهموا في تزويد المسلمين بأفكار جديدة.

٥ - دور المثقّفين

وهنا اُوجّه كلامي إلى المثقفين، وأدعو كل واحد منهم إلى أن يبثّوا بين الناس من خلال كلماتهم وكتبهم ومقالاتهم كلَّ ما هو جديد ومفيد عن الثورة الحسينيّة.

١٧٣

ضرورة تطوير الأساليب

وعلى هذا فإنّ علينا أن نعمل جاهدين من أجل أن نطوّر أساليبنا من ناحية المحتوى، وهذه هي إحدى مسؤولياتنا الكبرى.

فمن المتعيّن علينا أن ندعو إلى المجالس الحسينيّة، وأن نحرص على أن يحضرها عدد كبير من الناس؛ وذلك من خلال تطوير الأساليب، وتزويد الشعائر الحسينيّة بالمحتوى الذي يجب أن يكون تجسيداً لمدرسة الحسينعليه‌السلام التي هي مدرسة القيم والتقوى.

ومن الجدير بالذكر هنا أنّ المجالس الحسينيّة يجب أن تكون اللسان المعبّر والناطق عن مشاكلنا وآلامنا وقضايانا، أي أن نُعطي لهذه الشعائر محتوىً حضارياً مرتبطاً بالزمان؛ ذلك لأن شيعة الحسينعليه‌السلام لا بدّ أن يسيروا في خطه، وأن يترجم الواحد منهم قوله إلى واقع عملي وهو يقف امام ضريحهعليه‌السلام ويردّد:« إنّي سِلمٌ لمن سالمكم، وحربٌ لمَن حاربكم، ووليٌّ لمَن والاكم، وعدوٌ لمَن عاداكم » (١) .

فنحن نسير في خطّهعليه‌السلام ، ونمثل تكتّلاً واحداً تحت رايته التي لا بدّ أن تقودنا إلى الجنة كما يشير إلى ذلك الحديث الشريف:« أوسع الأبواب في القيامة باب أبي عبد الله الحسين » .

والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين

____________________

(١) مفاتيح الجنان - زيارة الإمام الحسينعليه‌السلام في يوم عاشوراء / ٤٥٧.

١٧٤

الفهرس

المقدّمة ٣

ذلكم الإمام الحسين عليه‌السلام.... ٦

الفصل الأوّل: على خطى الإمام الحسين عليه‌السلام.... ٩

الإمام الحسين عليه‌السلام منار التوحيد. ١١

١ - الإمام الحسين. ١١

٢ - الكلمة المسؤولة ١٩

٣ - القيادة الربانيّة ٢٠

٤ - المنهج الواضح. ٢٢

٥ - الاستقامة حتّى الشهادة أو النصر ٢٤

الإمام الحسين عليه‌السلام مشعل الهدى وسفينة الخلاص.. ٢٨

ألف: يوم الحسين. ٢٨

باء: رسالة عاشوراء ٣١

الإمام الحسين عليه‌السلام ضمير الاُمة ومسؤولية المستقبل. ٣٦

الضمير الناهض.. ٣٦

شهر محرم.. باب الرحمة ٣٨

العودة الى القرآن. ٤٠

الرؤية السليمة ٤٠

حصن الإيمان. ٤١

مسؤوليات اجتماعيّة ٤١

الإمام الحسين عليه‌السلام الشهيد الشاهد. ٤٤

كربلاء رمز المواجهة ٤٨

الإمام الحسين. ٥١

الإمام الحسين عليه‌السلام والتطوّر الحضاري للأمة ٦١

الإمام الحسين عليه‌السلام وسيلة النهوض الحضاري. ٦٦

١٧٥

الفصل الثاني: على نهج الإمام الحسين عليه‌السلام.... ٧١

الإمام الحسين عليه‌السلام آية العقل والعاطفة ٧٣

الإمام الحسين عليه‌السلام ضمانة الهدى والفلاح. ٨٤

الإمام الحسين. ٨٤

العودة إلى حقيقة الدين؛ رسالة الأنبياء ٨٥

حقائق الدين في القرآن. ٨٨

فرصة إصلاح النفس.. ٩٠

الإمام الحسين عليه‌السلام ومنهج البراءة من المشركين. ٩٢

الرفض بداية الإيمان. ٩٤

درس المسؤولية ٩٦

اتّباع القيادة الربانيّة ٩٧

اختيار المنهج السليم. ٩٨

الإمام الحسين عليه‌السلام محور حكمة الخلق، ومظهر تحدّي الطغيان. ١٠٠

الإمام الحسين. ١٠٠

الإرادة حكمة الخلق. ١٠١

كربلاء خلاصة بطولات التاريخ. ١٠٢

الشهادة كرامة عظيمة ١٠٣

ذعر الحكم الاُموي من الإمام الحسين. ١٠٤

الردّ الحاسم. ١٠٥

جرائم الحزب الاُموي. ١٠٦

الفتنة الكبرى. ١٠٧

الإعداد للثورة ١٠٩

سر عظمة الإمام الحسين عليه‌السلام.... ١١١

نظرات في عظمة الإمام الحسين. ١١٢

الخلوص والصفاء ١١٣

مأساة تستدر الدموع. ١١٦

١٧٦

الفصل الثالث: على هدى الإمام الحسين عليه‌السلام.... ١١٧

كربلاء البداية لا النهاية ١١٩

هل كانت فاجعة الطف الأليمة نهاية أم بداية؟ ١١٩

تكامل مسيرة التاريخ. ١٢٠

حملة الرسالة ١٢٤

حركات ذات بعدين. ١٢٦

أعلى درجات الإيمان. ١٢٦

الحزب الجاهلي والتحدي الرسالي. ١٣٠

إحدى صور المعاناة ١٣٠

لكلِّ قبيلةٍ صنم. ١٣١

عمل فريد من نوعه ١٣٢

صراع مبدئي. ١٣٤

ما هي مسؤوليتنا؟ ١٣٥

واقعة كربلاء ثورة مستمرة ١٣٧

لماذا الإمام الحسين عليه‌السلام مصباح الهدى. ١٤١

الإمام الحسين عليه‌السلام يدعوك لنصرته ١٤٩

الإمام الحسين. ١٤٩

هتاف الحسين مازال يدّوي. ١٥٠

معركة الحق والباطل تعيد نفسها ١٥١

بنو اُميّة يعودون إلى الحياة ١٥١

الصراع ما يزال متجدّداً ١٥٢

نحن ومحّرم ١٥٣

شهر محرم منعطف خطير. ١٥٤

ماذا نقدّم؟ ١٥٥

بين القول والفعل. ١٥٦

أين نحن من ولاية الإمام الحسين عليه‌السلام.... ١٥٨

١٧٧

مَن هو الإمام الحسين عليه‌السلام؟ ١٥٩

التقوى والورع شرط الولاية ١٦١

آفاق الولاية ١٦٤

مسؤولياتنا تجاه الولاية ١٦٦

الشعائر الحسينيّة اُسلوباً ومحتوىً. ١٦٨

سر خلود الثورة الحسينيّة ١٦٨

أهمّية المواكب الحسينيّة ١٦٩

الشعائر الحسينيّة والأنظمة الطاغوتيّة ١٧٠

تعظيم شعائر الله. ١٧١

١ - فهم شخصية الحسين. ١٧٢

٢ - تخريج الخطباء ١٧٣

٣ - إقامة المؤتمرات.. ١٧٣

٤ - دور المشرفين على الحسينيّات والمواكب.. ١٧٣

٥ - دور المثقّفين. ١٧٣

ضرورة تطوير الأساليب.. ١٧٤

١٧٨

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293