السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام20%

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 293

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 293 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 241831 / تحميل: 7919
الحجم الحجم الحجم
السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

والقصيدة تزيد على الستين بيتاً. وله قصيدة أيضاً في مجموعة الشيخ لطف الله، وأولها:

إنهض إلى أم القرى ومناتها

وبطيبة طف بي على عرصاتها

وهي أكثر من سبعين بيتاً.

وله أيضاً:

أسير الهوى ما بال ثغرك مفترا

أراك بما أولاك مولاك مغتراً

وتختال في ثوب الشبيبة مائساً

وتطرب في تذكار غادتك الغرا

فدع ذكر من تهوى ولا تطع الهوى

أما سمعت أذناك بالوقعة الكبرى

أيصبح منك السن ياويك باسماً

سروراً وتبكي عين فاطمة الزهراء

ألا اطلق عنان العيس واعنف بسيرها

وإن جئت وادي الطف قف نبك من ذكرى

هناك ترى من نور العرش باسمه

له كبد حرى وفي بردة حمرا

تحتوي على 56 بيتاً نقلنا منها هذا المقطع.

٢١

السيد علي السيد احمد

بكى بقاني دمه والمدمع

صب لذكر دمنة ومريع

لم يبق فيها من يجيب داعياً

ولا يلبي ناشداً ولا يعي

غير اثاف جثم ودونها

نوء وأشلا وتد ومخدع

فما البكا وما العنا وما الشجى

وما الضنا على الذي لم ينفع

هلم هات كلما ادخرته

من مدمع ومن دم وابك معي

على الحسين المستضام والإمام

بن الإمام الألمعي اللوذعي

السيد السميدع ابن السيد

السميدع ابن السيد السميدع

الأروع المبجل المعظم المكرم

الممجد ابن الأروع

واذكر عظيم رزئه فإنه

بمثله كل الورى لم تسمع

قضى ظماً مع صحبه بكربلا

ودون السلسبيل المترع

وفي آخرها:

آل النبي حبكم قد انحنت

عليه - مذ كونت - عوج أضلعي

إذ حبكم وبغضكم بين الورى

علامة للنصب والتشيع

وأنتم يوم الحساب عدتي

لشدتي ومأمني لمفزعي

وهاكم عذراء من نجلكم

بغير وشي الحب لم تلفع

تحجبت من البها ببرقع

وهي لقلب الخصم قلب البرقع

٢٢

ولي وآبائي وللرحم اشفعوا

إذ غيركم يوم القضا لم يشفع

عليكم الرحمن صل ما اكتسى

روض الربيع نسج أيدي الهمع(1)

وفي مجموعة حسينية في مكتبة الامام الصادق العامة في حسينية آل الحيدري بمدينة الكاظمية على مشرفها أفضل التحية، والمجموعة في قسم المخطوطات - رقم 75 تحتوي على جملة قصائد لشعراء قدماء كلهم من القرن الثاني عشر الهجري، أو قبل ذلك. وقد جاء في آخرها:

وقد فرغت من تحرير هذه المجموعة في مراثي سيدنا ومولانا وإمامنا أبي عبدالله الحسينعليه‌السلام . في يوم السابع من شهر جمادي الثانية من شهور سنة 1242. وأنا العبد الجاني محمد شفيع بن محمد بن مير بن عبدالجميل الحسيني غفر الله لهم.

__________________

1 - عن مجموعة المراثي الحسينية بخط محمد شفيع بن محمد بن مير الحسيني سنة 1242 مخطوطة مكتبة الامام الصادق العامة بالكاظمية حسينية آل الحيدري رقم « 7 ».

٢٣

السيد محمد الشاخوري

أهاجك ربع دارس وطلول

ترحل منها للفراق خليل(1)

فبت كئيباً ساهر الطرف باكياً

ودمعك بعد الظاغنين هطول

إذا مر ذكر البان ظلت لبينه

دموعك في صحن الخدود تسيل

وتشتاق آرام النقا ولطالما

عراك لذكراها أسى ونحول

أما قد بدا شيب العذار وإنه

لعمري على قرب الرحيل دليل

أتخدعك الدنيا بريب غرورها

وأنت لثقل الحادثات حمول

وتستعب اللذات فيها وصفوها

قليل وأما خطبها فجليل

فإياك والدنيا الغرور فكم بها

لعمري عزيز صار وهو ذليل

أتاحت لآل المصطفى جمرة الردى

وليس لهم في العالمين مثيل

فهم بين مسجون قضى في حديده

وآخر مسموم وذاك قتيل

وأعظم شيء أورث القلب حسرة

ووجداً مدى الأيام ليس يزول

مصاب بأرض الطف قد جل خطبه

فكم قمر فيه عراه أفول

__________________

1 - عن مجموعة الشيخ لطف الله.

٢٤

غداة قضت من آل احمد عصبة

لدى الطف شبان لهم وكهول

أناخت بأرض الغاضريات بدنهم

لهم في ثراها مضجع ومقيل

قضوا ظمأ ما بردوا غلة الظما

وللوحش من ماء الفرات نهول

ومن بينهم ريحانة الطهر أحمد

عفير على حر التراب جديل

له جسد أودت به شفر الضبا

لقى ودم الأوداج منه يسيل

كست جسمه يوم الطفوف سنابك

بعثيرها في البيد وهي تجول

وحاكت له ريح الصبا بهبوبها

قميص رغام بالدماء غسيل

على لذة الأيام من بعده العفا

فما بعده الصبر الجميل جميل

لحى الله عينا تذخر الدمع بعده

ونفساً إلى قرب السلو تميل

فيا قلب ذب من شدة الوجد والأسى

ويا عين سحي فالمصاب جليل

بنات رسول الله تسبى حواسراً

لهن على فقد الحسين عويل

وتبرز من تلك الخدود لواغبا

وليس لها بعد الحسين كفيل

سوافر لا ستر يغطي رؤوسها

تنوح ودمع المقلتين همول

نوادب من وجد يكاد لنوحها

تذوب الرواسي حرقة وتزول

يسير بها في أعنف السير سائق

ويزجرها حاد هناك عجول

ينادين يا جداه بعدك أظهرت

علينا حقود جمة وذهول

وصالت علينا عصبة أموية

نغول نمتها بالسفاح نغول

أيا جد أضحى السبط ملقى على الثرى

تجر عليه للرياح ذيول

قضى ظمأ والماء جار ودونه

حدود سيوف لمع ونصول

وساقوا إمام العصر يا جد بينهم

أسيراً يقاسي الضر وهو عليل

أضر به السير الشديد وسورة

الحديد وقيد في اليدين ثقيل

أولي الوحي يا من حبهم لوليهم

أمان، وعن حر الجحيم مقيل

فإن لم تقيلوا نجلكم من ذنوبه

فليس اليه في النجاة سبيل

أيشقي ويبقى أحمد في ذنوبه

وأنتم ظلال للأنام ظليل

٢٥

الملا كاظم الأزري

المتوفى 1211

من روائعه في الإمام الحسين (ع):

إن كنت في سنة من غارة الزمن

فانظر لنفسك واستيقظ من الوسن

ليس الزمان بمأمون على أحد

هيهات أن تسكن الدنيا إلى سكن

لا تنفق النفس إلا في بلوغ مني

فبائع النفس فيها غير ذي غبن

ودع مصابحة الدنيا فليس بها

إلا مفارقة السكان للسكن

وكيف يحمد للدنيا صنيع يد

وغاية البشر فيها غاية الحزن

هي الليالي تراها غير خائنة

الا بكل كريم الطبع لم يخن

الا تذكرت اياما بها ظعنت

للفاطميين اظعان عن الوطن

ايام طل من المختار اي دم

وادميت اي عين من أبي حسن

أعزز بناصر دين الله منفردا

في مجمع من بني عبادة الوثن

يوصي الأحبة ان لا تقبضوا أبدا

إلا على الدين في سر وفي علن

وان جرى أحد الأقدار فاصطبروا

فالصبر في القدر الجاري من الفطن

ثم انثنى للأعادي لا يرى حكما

إلا الذي لم يدع رأسا على بدن

سقيا لهمته ما كان أكرمها

في سقي ماضي المواضي من دم هتن

وللظبى نغمات في رؤوسهم

كأنها الطير قد غنت على فنن

٢٦

يا جيرة الغي ان انكرتم شرفي

فإن واعية الهيجاء تعرفني

لا تفخروا بجنود لا عداد لها

ان الفخار بغير السيف لم يكن

ومذرقى نبر الهيجاء اسمعها

مواعظا من فروض الطعن والسنن

لله موعظة الخطي كم وقعت

من آل سفيان في قلب وفي اذن

كأن أسيافه اذ تستهل دماً

صفائح البرق حلت عقدة المزن

لله حملته لو صادفت فلكا

لخر هيكله الأعلى على الذقن

يفري الجيوش بسيف غير ذي ثقة

على النفوس ورمح غير مؤتمن

وعزمة في عرى الأقدار نافذة

لو لاقت الموت قادته بلا رسن

حق إذا لم تصب منه العدى غرضا

رموه بالنبل عن موتورة الضغن

فانقض عن مهره كالشمس عن فلك

فغاب صبح الهدى في الفاحم الدجن

قل للمقادير قد ابدعت حادثة

غريبة الشكل ما كانت ولم تكن

امثل شمر اذل الله جبهته

يلقى حسيناً بذاك الملتقى الخشن

واحسرة الدين والدنيا على قمر

يشكوا الخسوف من العسالة اللدن

يا سيدا كان بدء المكرمات به

والشمس تبدأ بالأعلى من القنن

من يكنز اليوم من علم ومن كرم

كنزا سواك عليه غير مؤتمن

هيهات إن الندى والعلم قد دفنا

ولا مزية بعد الروح للبدن

لقد هوت من نزار كل راسية

كانت لابنية الأمجاد كالركن

لله صخرة وادي الطف ما صدعت

إلا جواهر كانت حلية الزمن

خطب ترى العالم العلوي لان له

ما العذر للعالم السفلي لم يلن

من المعزي حمى الإسلام في ملك

من بعده حرم الإسلام لم يصن

يهينك يا كربلا وشي ظفرت به

من صنعة لامن لايمن صنعة اليمن

لله فخرك ما في جيدة عطل

ولا بمرآته الأدنى من الدرن

كم خر في تربك النوري بدر تقى

لولاه عاطلة الإسلام لم تزن

حي من الشوس معتاد وليدهم

على رضاع دم الأبطال لا اللبن

يجول في مشرق الدنيا ومغربها

نداهم جولان القرط في الأذن

٢٧

من مبلغ سوق ذاك اليوم ان به

جواهر القدس قد بيعت بلا ثمن

قل للمكارم موتي موت ذي ظمأ

فقد تبدل ذاك العذب بالأجن

لقد اطلت على الإسلام نائبة

كقتل هابيل كانت فتنة الفتن

أقول والنفس مرخاة ازمتها

يقودها الوجد من سهل إلى حزن

مهلا فقد قربت أوقاف منتظر

من عهد آدم منصور على الزمن

كشاف مظلمة خواض ملحمة

فياض مكرمة فكاك مرتهن

قرم يقلد حتى الوحش منته

وابن النجابة مطبوع على المنن

صباح مشرقها مصباح مغربها

مزيل محنتها من كل ممتحن

أغر لا يتجلى نور سؤدده

ألا بروض من الدين الحنيف جني

تسعى إلى المرتقى الأعلى به همم

لا تحتذي منه إلا قنة القنن

يسطو بسيفين من بأس ومن كرم

يستأصلان عروق البخل والجبن

يا من نجاة بني الدنيا بحبهم

كأنها البحر لم يركب بلا سفن

طوبى لحظ محبيكم لقد حصلوا

على نصيب بقرن الشمس مقترن

هل تزدري بي آثامي ولي وله

بكم إلى درجات العرش يرفعني

أرجوكم ورجاء الأكرمين عني

حياً وبعد اندراج الجسم في الكفن

يا من بقدرهم الاعلى علت مدحي

والدر يحسن منظوماً على الحسن

فها كم من شجي البال مغرمة

عذراء ترفل في ثوب من الشجن

جاءت تهادى من الأزري حالية

من اجتلى حسنها الفنان يفتتن

ثم الصلاة عليكم ما بدا قمر

فانجاب عنه حجاب الغارب الدجن

٢٨

الملا كاظم الازري

والمشهور بـ ملا كاظم بن محمد بن مهدي الأزري البغدادي يسكن بغداد ومدرسة النجف، صريحاً في الرأي قوي الحجة مهيباً في المطلع، وكان يتمتع بمكانة سامية في كافه الأوساط الأدبية، ولدى جميع الطبقات الشعبية، لم يكن في بغداد أشعر منه منذ نهاية العصر العباسي حتى عهده الذهبي وعاصر من العلماء الأعاظم: السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي، والشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي الكبير، واتصل بالبيوت الشريفة ونادمهم وتروى له نوادر كثيرة منها أن ابن الراوي قال له يوماً في إحدى.

الندوات الأدبية: بلغني عنك انك مجنون، فأجابه الأزري: وبلغني عنك انك مأفون، فان صدق الراوي ففي وفيك، وإن كذب الراوي فلعنة الله على الراوي. ومنها انه قدم النجف الأشرف فاجتمع عليه الأدباء والعلماء ومنهم السيد صادق الفحام واستنشدوه فأنشد من شعره فلم يوفه السيد جعفر حقه بالإستحسان والاجادة، وما زاد على كلمة: موزون - فأنشأ الأزري:

عرضت در نظامي عند من جهلوا

فضيعوا في ضلام الجهل موقعة

فلم أزل لائماً نفسي أعاتبها

من باع دراً على الفحام ضيعه

جاء لقب الأزري من جدهم وهو محمد بن مراد بن المهدي بن إبراهيم بن عبدالصمد بن علي التميمي البغدادي المتوفى في سنة 1162 وهو الذي لقب بالأزري لأنه كان يتعاطى بيع الأزر المنسوجة من القطن والصوف.

٢٩

وقد نبغ من هذه الأسرة في العلم والأدب عدد ليس بالقليل، وأول لامع منهم هو الشيخ كاظم، فالشيخ محمد رضا، فالشيخ يوسف الأول، فالشيخ مسعود، فالشيخ مهدي، فالمترجم له.

قال السيد الأمين في الأعيان ج 43 ص 101: بيت الأزري بيت أدب وعلم وثراء. ويظهر من ورقة الوقف المشهور الآن بوقف بيت الأزري وبعض الحجج الشرعية القديمة أن أسرة هذا البيت كانت تقطن بغداد منذ أكثر من ثلاثة قرون، اما ما قبل ذلك فلا يعلم عنها شيء. وقد اشتهر من بين أفرادها علمان هما الشيخ كاظم والشيخ محمد رضا.

(نشأة المترجم وحياته)

ولد الشيخ كاظم الازري في بغداد سنة 1143 على الأصح ولم تزل داره التي ولد فيها قائمة في محلة ( رأس القرية ) من بغداد وهي من جملة أوقاف والده التي وقفها عليه وعلى إخوته سنة 1159. وبقي في طفولته مقعداً سبع سنوات ثم مشى.

درس العلوم العربية ومقداراً غير قليل من الفقه والأصول على فضلاء عصره ولكنه ولع بالأدب وانقطع عن متابعة الدرس. وأخذ ينظم الشعر ولم يبلغ العشرين عاماً. كان سريع الخاطر حاضر النكتة وقاد الذهن قوي الذاكرة كما كان محترم الجانب لدى العلماء والوجهاء من أبناء عصره حتى ان السيد مهدي بحر العلوم كان يقدمه على كثيرين من العلماء لبراعته في المناظرة ولطول باعه في التفسير والحديث ولاطلاعه الواسع على التاريخ والسير، وكان قصير القامة مع سمنة فيه، لا يفارقه السلاح ليلاً ونهاراً خشية على نفسه من اعدائه. وفي

٣٠

سنة الف وماية ونيف وستين من الهجرة حج بيت الله الحرام. وله في حجه قصيدة مطلعها:

انخ المطي فقد وفدت على الحمى

والثم ثراه محييا ومسلما

ثم عظم بعدئذ اتصاله بالحاج سليمان بك الشاوي الحميري الذي كانت له الرئاسة المطلقة والكلمة النافذة في بغداد.

وكان الحاج سليمان بك يقدر فضله ويأنس بأدبه الجم ولم يزل يحمي جانبه ويدافع عنه إلى أن توفاه الله. وكانت وفاته حسب المشهور في سنة 1212 ودفن في مقبرة أسرته في الكاظمية غير أن الحجر الذي وجد في داخل السرداب يدل على أن تاريخ وفاته سنة 1201 والله أعلم(1) .

(ادبه وشعره)

استقبل الناس شعر الشيخ كاظم الأزري كفصل الربيع من السنة نسيمه المنعش وأزهاره العبقة. جاء بعد شتاء مجهد طويل لأنه جمع بين جزالة اللفظ وجمال الأسلوب ورصانة التركيب وحسن الديباجة. وفيه جاذبية، فالذي يقرأ قصيدة من شعره لا يتركها حتى ينتهي منها وفيه نشوة كالراح تدفع شاربها إلى المزيد منها ليزداد نشوة وسروراً. وأكثر الخبراء بالأدب يعدون الشيخ كاظم الأزري في طليعة شعراء العراق وذلك في بعض مناحيه الشعرية، ومن فحولهم

__________________

1 - قال الشيخ الطهراني في ( الذريعة ) قسم الديوان: كانت وفاة الشيخ كاظم الأزري 1 ج 1 سنة 1211 - والمدفون بالكاظمية تجاه المقبرة المنسوبة الى الشريف المرتضى، كما وجد بها على لوحة قبره.

أقول: المقبرة تسمى بمقبرة المرتضى نسبة الى ابراهيم المرتضى ابن الامام الكاظم (ع).

٣١

البارزين في المناحي الآخرى. ويصعب التمييز بين قصائده من ناحية السلاسة والطلاوة والرقة والانسجام وهو صاحب الهائية التي تنوف على أكثر من خمسمائة بيت ويعرفها الناس بقرآن الشعر وبالملحمة الكبرى وهذه القصيدة الفذة في بابها هي صدى نفسه الكبيرة الخصب الممرع طبعت على حدة مع تخميسها للشيخ جابر الكاظمي(1) . أما ديوانه فقد عني السيد رشيد السعدي بطبعة سنة 1320. وتلاقفته الأيدي بوقته ولا زال الناس يتطلبونه ويستنسخونه. على أن الديوان لم يستوعب شعره كله بل لايزال عند بعض الحريصين على الأدب قسم منه غير مطبوع. وفي تتمة أمل الآمل: كان فاضلاً متكلماً حكيماً أديباً شاعراً مفلقاً تقدم على جميع شعراء عصره وقال في « التتمة » عن القصيدة الهائية: كانت تزيد على ألف بيت أكلت الأرضة جملة منها كانت النسخة موضوعة في دولاب خوفاً عليها ولما أخرجوها وجدوا جملة منها قد تلف فقدموها إلى السيد صدر الدين العاملي فأخرج منها هذا الموجود اليوم الذي خمسه الشيخ جابر.

وإليك نبذة صغيرة من شعره الذي أصبح يدور على الألسن كالأمثال السائرة: منها قوله:

وما أسفي على الدنيا ولكن

على ابل حداها غير حاد

وقوله:

وقد تأتي الخديعة من صديق

كما تأتي النصيحة من معاد

__________________

1 - قال الشيخ محمد محرز الدين في ( معارف الرجال ) جاء في هدية الأحباب، عن شيخ الفقهاء صاحب كتاب ( جواهر الكلام ) انه كان يتمنى أن تكون القصيدة الأزرية في صحيفة أعماله، وكتاب الجواهر في صحيفة أعمال الأزري.

٣٢

وقوله:

إن من كان همه في المعالي

هجر الظل واستظل الهجيرا

وقوله:

لا تعجبا لفساد كل صحيحة

فالناس في زمن كجلد الأجرب

وقوله:

لا تنوحي إلا علي لديهم

ما على كل من يموت يناح

وقوله:

ولسوف يدرك كل باغ بغيه

المرء ينسى والزمان يؤرخ

وقوله:

ذريتي أذق حر الزمان وبرده

فلا خير فيمن عاقة الحر والبرد

وقوله:

فتيقظ إذا رأيت عيون

الحظ يقظى ونم إذا الحظ ناما

وقوله:

ولو كان في الجبن استراحة أهله

لما سهرت عين القطا وغفى الرند

أما ملحمته الشهيرة التي استهلها بقوله:

لمن الشمس في قباب قباها

شف جسم الدجى بروح ضياها

فقد تضمنت كثيراً من الأمثال والروائع وهي من أروع ما قيل في مدح الرسول الأعظم وعترته الطيبين وهي على جانب كبير من الجزالة والبلاغة وقوة

٣٣

الاحتجاج وقد طبعت غير مرة مع تخميسها، بالحروف الحجرية أولاً ثم أعيدت مرة بعد مرة.

أقول وان والديوان المشار إليه فيه اغلاط كثيرة وجملة من الأشعار منسوبة له ولم تصح هذه النسبة كالبيتين الواردتين في ديوانه - حرف الراء ص 125.

قالوا حبيبك ملسوع فقلت لهم

من عقرب الصدغ أم من حية الشعر

قالوا بلى من أفاعي الأرض قلت لهم

فكيف ترقى أفاعي الأرض للقمر

وقد أثبتهما الحافظ الدميري في ( حياة الحيوان ) قبل أن يولد الأزري بقرون وذلك في مادة ( العقرب ) ولا يخفى ان وفاة الدميري كانت لسنة 808 ولم يذكر الدميري صاحبهما بل جاء بهما على سبيل الاستشهاد فقال:

وإليك جملة من روائع الأزري في الإمام الحسين (ع):

هي المعالم ابلتها يد الغير

وصارم الدهر لا ينفك ذا أثر

يا سعد دع عنك دعوى الحب ناحية

وخلني وسؤال الارسم الدثر

أين الأولى كان اشراق الزمان بهم

اشراق ناحية الآكام بالزهر

جار الزمان عليهم غير مكترث

وأي حر عليه الدهر لم يجر

وكم تلاعب بالأمجاد حادثة

كما تلاعبت الغلمان بالأكر

لا حبذا فلك دارت دوائره

على الكرام فلم تترك ولم تذر

وان ينل منك مقدار فلا عجب

هل ابن آدم الا عرضة الخطر

وكيف تأمن من مكر الزمان يدا

خانت بآل علي خيرة الخير

أفدي القروم الأولى سارت ركائبهم

والموت خلفهم يسري على الأثر

ما أبرقت في الوغى يوماً سيوفهم

إلا وفاض سحاب الهام بالمطر

يسطو بكل هلال كل بدر دجى

بجنح ليل من الهيجاء معتكر

هم الاسود ولكن الوغى اجم

ولا مخالب غير البيض والسمر

٣٤

ثاروا ولولا قضاء الله يمسكهم

لم يتركوا لبني سفيان من أثر

أبدوا وقائع تنسي ذكر غيرهم

والوخز بالسمر ينسي الوخز بالأبر

غر المفارق والأخلاق قد رفلوا

من المحامد في أسنى من الحبر

لله من في فيافي كربلاء ثووا

وعندهم علم ما يجري من القدر

سل كربلا كم حوت منهم بدور دجى

كأنها فلك للأنجم الزهر

لم أنس حامية الاسلام منفردا

صفر الأنامل من حام ومنتصر

رأى قنا الدين من بعد استقامتها

مغموزة وعليها صدع منكسر

فقام يجمع شملا غير مجتمع

منها ويجبر كسراً غير منجبر

لم انسه وهو خواض عجاجتها

يشق بالسيف منها سورة السور

كم طعنة تتلظى من أنامله

كالبرق يقدح من عود الحيا النضر

وضربة تتجلى من بوارقه

كالشمس طالعة من جانبي نهر

وواحد الدهر قد نابته واحدة

من النوائب كانت عبرة العبر

من آل أحمد لم تترك سوابقه

في كل آونة فخراً لمفتخر

اذا نضى بردة التشكيل عنه تجد

لاهوت قدس تردى هيكل البشر

ما مسه الخطب الا مس مختبر

فما رأى منه إلا اشرف الخبر

فأقبل النصر يسعى نحوه عجلا

مسعى غلام إلى مولاه مبتدر

فأصدر النصر لم يطمع بمورده

فعاد حيران بين الورد والصدر

يا من تساق المنايا طوع راحته

موقوفة بين قوليه خذي وذري

لله رمحك اذ ناجى نفوسهم

بصادق الطعن دون الكاذب الأشر

يا ابن النبيين ما للعلم من وطن

الا لديك وما للحلم من وطر

يا نيرا راق مرآه ومخبره

فكان للدهر ملء السمع والبصر

لاقاك منفرداً أقصى جموعهم

فكنت أقدر من ليث على حمر

صالوا وصلت ولكن أين منك هم

ألنقش في الرمل غير النقش في الحجر

لم تدع آجالهم إلا وكان لهم

جواب مصغ لأمر السيف مؤتمر

حتى دعتك من الأقدار أشرفها

إلى جوار عزيز الملك مقتدر

٣٥

فكنت أسرع من لبى لدعوته

حاشاك من فشل فيها ومن خور

إن يقتلوك فلا عن فقد معرفة

الشمس معروفة بالعين والأثر

لم يطلبوك بثار أنت صاحبه

ثار لعمرك لو لا الله لم يثر

أي المحاجر لا تبكي عليك دما

ابكيت والله حتى محجر الحجر

لهفي لرأسك والخطار يرفعه

قسرا فيطرق رأس المجد والخطر

قد كنت في مشرق الدنيا ومغربها

كالحمد لم تغن عنها سائر السور

ما انصفتك الظبى يا شمس دارتها

إذ قابلتك بوجه غير مستتر

ولا رعتك القنا يا ليث غابتها

إذ لم تذب لحياء منك أو حذر

كم خضت فيها بيوم الروع معمعة

ينبو بها غرب حد الصارم الذكر

فعاد خصمك والخذلان يتبعه

وعدت ترفل في برد من الظفر

اين الظبي والقنا مما خصصت به

لولا سهام اراشتها يد القدر

أما درى الدهر مذوافاك مقتنصاً

بأن طائره لولاك لم يطر

يا صفقة(1) الدين لم تنفق بضاعتها(2)

في كربلاء ولم تربح سوى الضرر

وموسما للوغى في كربلاء جرى

ببيعة فاز فيها كل متجر

أنظر إلى الدهر قد شلت أنامله

والعلم ذو مقلة مكفوفة البصر

وأصبحت عرصات العلم دارسة

كأنها الشجر الخالي من الثمر

يادهر حسبك ما أبديت من غير(3)

أين الأسود أسود الله من مضر

أمسى الهدى والندى يستصر خان لهم(4)

والقوم لم يصبحوا إلا على سفر

يا دهر مالك ترمي كل ذي خطر

عن المناكب بعد العز في الحفر

جررت آل علي في القيود فهل

للقوم عندك ذنب غير مغتفر

تركت كل كمي من ليوثهم

فرائساً(5) بين ناب الكلب والظفر

__________________

1 - واصفقة خ ل

2 - بضاعته خ ل.

3 - عبر خ ل.

4 - بهم خ ل.

5 - فريسة خ ل.

٣٦

أما ترى علم الاسلام بعدهم

والكفر ما بين مطوي ومنتشر

من ذاكر لبنات المصطفى مقلا

قد ولكتها يد الضراء بالسهر

وكيف أسلو لآل الله أفئدة

يعار منها جناح الطائر الذعر

هذى نجائب للهادي تقلقلها

ايدي النجائب من بدو ومن حضر

وهذه حرمات الله تهتكها

خزر الحواجب هتك النوب والخزر

لم انس من عترة الهادي جحاجحة

يسقون من كدر يكسون من عفر

قد غير الطعن منهم كل جارحة

الا المكارم في أمن من الغير

هم الأشاوس تمضي كل آونة

وذكرهم غرة في جبهة السير

من المعزي نبي الله في ملأ

كانوا بمنزلة الأرواح للصور

أن يتركوا زينة الدنيا فانهم

من حضرة الملك الأعلى على سرر

وان أبوا لذة الأولى مكدرة

فقد صفت لهم الأخرى من الكدر

انى تصيب الليالي بعدهم غرضاً

والقوس خالية من ذلك الوتر

بني أمية لا تسري الظنون بكم

فان للثأر ليثا من بني مضر

سيفا من الله لم تفلل مضاربه

يبري الذي هو من دين الإله بري

كم حرمة هتكت فيكم لفاطمة

وكم دم عندكم للمصطفى هدر

أين المفر بني سفيان من أسد

لو صاح بالفلك الدوار لم يدر

مؤيد العز يستسقى الرشاد به

انواء عز بلطف الله منهمر

وينزل الملأ الأعلى لخدمته

موصولة زمر الأملاك بالزمر

يا غاية الدين والدنيا وبدءهما

وعصمة النفر العاصين من سقر

ليست مصيبتكم هذي التي وردت

كدراء أول مشروب لكم كدر

لقد صبرتم على أمثالها كرماً

والله غير مضيع أجر مصطبر

فهاكم يا غياث الله مرثية

من عبد عبدكم المعروف بالأزري

يرجو الاغاثة منكم يوم محشره

وأنتم خير مدخور لمدخر

سمي كاظمكم اهدى لكم مدحاً

اصفى من الدر بل أنقى من الدرر

حييتم بصلاة الله ما حييت

يذكركم صفحات الصحف والزبر

٣٧

السيد سليمان الكبير

سرت تطوي الوهاد إلى الروابي

ولا تهوى الهشيم ولا الجوابي

نفور من بنات العيس تفري

مهامه دونها شيب الغراب

تعير الريح اخفاقاً خفاقاً

وتغني بالسراب عن الشراب

تريك الجيد قائمة فتلقى

على خمس تسير من الهباب

تلوح على الربي نسراً وتهوي

هوي المصلتات إلى الرقاب

تمر على الحزون كومض برق

تألق بين مركوم السحاب

تخال ذميلها في السهل سرباً

من الكدري فر من العقاب

وإن وخدت بجرعاء وتلع

تلوت بينها مثل الحباب

تسيح على الفيافي القفر تطوي

مفاوز عاريات من ذئاب

تراها إن حدوت لها ظليماً

تذعر بين هاتيك الشعاب

تعير الريم لفتتها وتضوي

بأعضاد من التبر المذاب

فإن تشنق لها خرمت أو أن

لها أسلست تهوى في العذاب

فدعها والمسير فحيث تهوى

طلاب دونه أعلى الطلاب

إلى ظل الإله وسر قدس

تلألأ من ذرى أعلى الحجاب

إلى البطل الكمي وبحر جود

سواحله الندى دون العباب

إلى علم الهدى ومنار فضل

إلى بحر الندى فصل الخطاب

٣٨

إلى نور العلي ومن لديه

علي وهو في أم الكتاب

صراط مسقيم بل حكيم

بأمر الله في يوم الحساب

قسيم النار والجنات بين

الخلائق كلها يوم المئاب

إلى من قال فيه الله بلغ

لأحمد بعد تعظيم العتاب

وإلا لم تكن بلغت عني

ولم تك سامعاً فيه جوابي

فقام له بها بغدير خم

خطيباً معلناً صوت الخطاب

ألا من كنت مولاه فهذا

له مولى ينوب بكم منابي

فوالي من يواليه وعادي

معاديه ومن لعداه صابي

بأمر الله قوموا بايعوه

على نهج الهداية والصواب

فبايعه الجميع وما تأنى

شريف أو دني أو صحابي

فمنهم مؤمن سراً وجهراً

ومنهم من ينافق في ارتياب

ومنهم من أبى ويقول جهراً

نبيكم بها أضحى يحابي

فلما كذبوا المختار فيها

هوى النجمان يا لك من عجاب

فبرهانان ذانك من إلهي

لحيدرة فأيهما المحابي

أمن في داره أمسى منيراً

أم الهاوي لتعجيل العذاب

ومن أفق السما قد خر نجم

على الشيطان يهوي كالشهاب

لذلك أنزل الرحمن فيه

لسورة سائل سوء العذاب

له الآيات في الآيات تتلى

بمحكمها وتأويل الصواب

كيوم أكمل الإسلام فيه

ونعمته تتم بلا ذهاب

معاجز حارت الأوهام فيها

فلا تحصى بعد أو حساب

وأن المصطفى للعلم دار

وحيدر سورها بل خير باب

وكلهم أحمداً جمل وضب

وخاطب حيدراً خرس الذياب

وثعباناً وليثاً ثم موتى

رماماً قد بلوا تحت التراب

وشق البدر للهادي وردت

ذكاء للوصي المستطاب

٣٩

حسام الله خافض كل رفع

من الاشراك من بعد انتصاب

صفاتك معجزات معجزات

ذوي الألباب توقع في ارتياب

متى راموا حقايقها يضلوا

عن التوحيد في تيه التصابي

وان يجهلها أبداً ضلالاً

عن الاسلام بل أي انقلاب

ألا يامحنة الألباب أنى

بحدك ذو ذكاء فيك صابي

فيالك محنة للخلق عظمى

ورحمتها ويالك من عذاب

وصاعقة على الأبطال تهوي

من الآفاق طوراً كالعقاب

وطوراً تحصب الفرسان حصباً

مبيراً في الذهاب وفي الإياب

بذلت لأحمد نفساً تسامت

وحزت ببذلها كل الثواب

جزاك الله عنه كل خير

أبا الحسنين من حصن مهاب

أبا الحسنين يانعم المنادى

إذا دهم المصاب على المصاب

يعز عليك لو تلقى حسيناً

رميلاً فوقه يجثو الضبابي

قتيلاً ظامياً والماء أضحى

مباحاً للذئاب وللكلاب

غسيلاً بالدماء لقاً جريحاً

على الرمضاء ووايلاه كابي

ولو شاهدت يا مولاي لما

دهى نسوانه هول المصاب

برزن من الخيام مهتكات

نوادب بعد صون واحتجاب

تخال نساءه لما تبدت

شموساً قد برزن من الحجاب

وكل نادب واعظم كربي

وواذلاه واطول اكتئابي

ثواكل لا تجف لها دموع

محسرة على حسر الركاب

فذي تنعى عليه بلا قناع

وذي تبكي عليه بلا نقاب

وهذي نادب واطول حزني

ووجدي باحتراق وانتحاب

سبايا بين شر الناس تسري

على قتب مسلبة الثياب

بنات محمد أضحت أسارى

حيارى بعد سبي واستلاب

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الأربعاء ، فلماذا تصلّي صلاة الجمعة(١) ؟!

كفر بني أُميّة

عندما آلت الخلافة إلى بني أُميّة أخذوا يتلاعبون بها تلاعب الصبيان في الكرة وعمدوا إلى تضليل أهل الشام واقصائهم عن أهل البيت عليهم السلام فابتدعوا قضيّة لعن وسبّ أميرالمؤمنين عليه السلام على المنابر ما يقارب ثمانين عاماً حتّى شبّ على ذلك الصغار وشاب عليها الكبار فصار الشاميون لا يميّزون بين الحقّ والباطل.

وقد بلغ من شدّة الحرب الإعلامية ضدّ أهل البيت عليهم السلام في الشام أنّ الكثير من الناس آنذاك لم يكونوا يسمعوا باسم الحسنين عليهما السلام بل ولم يطّلعوا على الواحد من الألف من فضائل أهل البيت عليهم السلام.

بل إنّهم لم يسمعوا بفضائل آل الرسول صلى الله عليه واله إلّا في مجلس يزيد الطاغية عندما ارتقى سيّد الساجدين عليه السلام الأعواد وأخذ يعدّد فضائل أميرالمؤمنين وسائر أهل البيت عليهم السلام وكشف للشاميين رذائل بني أُميّة وآل مروان ، وكيف أنّهم تجاسروا على الله تعالى وقتلوا ريحانة الرسول وسيّد شباب أهل الجنّة عليه السلام والصفوة المختارة من أهله وصحابته.

وعلى كلّ فقد بلغ تأثير الحرب الإعلامية التي شنّها بنو أُميّة ضدّ أهل البيت عليهم السلام أنّهم لمّا سمعوا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد استشهد في المحراب تساءلوا بكلّ تعجّب وقالوا : وهل كان علي يصلّي حتّى يقتل في المحراب(٢) ؟!

__________________

(١) بررسى تاريخ عاشوراء ص ٤٨ للمرحوم الدكتور محمّد إبراهيم آيتي بيرجندي.

(٢) بررسي تاريخ عاشوراء دكتور محمّد إبراهيم بيرجندي ص ٤٨.

٦١

الخلافة الموروثة

بعد أن استشهد أميرالمؤمنين عليه السلام رجع الناس حسب وصيّته إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام وبايعوه ، وقد تصدّى الإمام عليه السلام للخلافة ونهض بأعباءها إلّا أنّ معاوية السوء لم يجلس مكتوف اليدين وبقي يجيّش الجيوش ويجنّد الرجال إلى أن خرج بجيش جرّار متّجها نحو العراق لمقاتلته عليه السلام.

وليس ذلك فحسب ، وإنّما أخذ معاوية يدبّر المؤامرات الشيطانية وينفق الأموال الطائلة فاشترى العديد من أنصار من الإمام الحسن عليه السلام وأغرى الكثير منهم حتّى اضطرّ سبط رسول الله عليه السلام أن يصالحه ويتنازل عن حقّه في الخلافة ولكن بشرط أن تعود إليه بعد موت معاوية اللعين(١) .

وفي عام ٤٠ ه وبعد أن استولى معاوية على الخلافة جاء إلى العراق وخطب في الناس وكشف لهم مدى خباثته وحماقته فقال : ما قاتلتكم لتصوموا أو تصلّوا وإنّما قاتلتكم لأتولّى عليكم وقد مكّنني الله من ذلك(٢) .

وقال أيضاً : كنت قد عاهدت الحسن بن علي بأُمور ، وها أنا ذا أضعها تحت أقدامي(٣) .

وفي واقع الأمر أنّ معاوية عبر كلامه هذا كشف للناس أنّ سياسته لا ربط لها بالدين أصلاً ، وأنّه غير حاضر للالتزام بكلّ العهود والمواثيق التي عاهد الإمام الحسن عليه السلام والناس عليها ، ولذلك عكف على تسخير كلّ القوى للمحافظة على حكومته وسلطنته في البلاد. ولا يخفى أنّ هكذا طريقة في الحكم لا يمكن أن تسمّى خلافة وإنّما هي ملكية

__________________

(١) نفس المصدر ص ٤٣.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٤ ص ١٦٠ ، تاريخ الطبري ج ٤ ص ١٢٤ ، تاريخ ابن الأثير ج ٣ ص ٢٠٣.

(٣) نفس المصدر.

٦٢

وفرض للسلطنة ، ولذا فإنّ بعض من ذهبوا لملاقاته كانوا يسلّمون عليه بالملوكية(١) بل إنّه شخصياً عبّر في بعض مجالسه الخاصّة عن حكومته بالملكية وإن كان يتظاهر أمام الملأ بالخلافة(٢) .

كما سعى معاوية السوء أن يصير ملكه الذي شيّده على الظلم والطغيان والاستيلاء على رقاب العباد وراثة يتداول بين ذرّيته وجماعته من بني أُميّة.

وبالفعل فقد عيّن معاوية ابنه يزيد كخليفة من بعده رغم تجاهره بالفسق واطلاع الناس على فساده وانحرافه.

من جانب آخر فإنّ معاوية لكي يصل إلى ما أذاع به أمام الناس من نقضه لمعاهدته مع الإمام الحسن عليه السلام وإدلائه بالخلافة لابنه يزيد شارب الخمور دبّر مخطّطاً شيطانياً آخراً للإمام الحسن عليه السلام ودسّ إليه السمّ الفتّاك فاستشهد مسموماً مظلوماً صلوات الله عليه وخلى الجو لابنه يزيد.

ولا يخفى أنّ معاوية بالغائه المعاهدة مع الإمام الحسن عليه السلام صرّح عمليّاً أنّه لن يترك شيعة أهل البيت عليه السلام آمنين يتّصلون بأئمّتهم ويستفيدون من إرشاداتهم القيّمة ومواعظهم المفيدة ، وهذا ما حصل فعلاً.

فقد أعلن أمام الملأ أنّ كلّ من ينقل حديثاً أو منقبة من مناقب أهل البيت عليهم السلام لا حرمة لنفسه وماله وعرضه ، كما أكّد اللعين على نشر الفضائل المبتدعة لبعض من يسمّونهم بالصحابة والخلفاء. وبالمقابل ابتدع معاوية المسألة لعن أمير المؤمنين عليه السلام على المنابر وبقي ذلك حتّى زمان الخليفة الأموي عمر ابن عبد العزيز.

وبالاضافة إلى ذلك فقد بعث إلى عمّاله في كلّ البلاد وأمرهم بقتل ومطاردة صحابة أمير المؤمنين عليه السلام وخواصّه فضلاً عن الجاء الشيعة عامّة إلى التبرّي من الإمام

__________________

(١) راجع تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٩٣.

(٢) راجع تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٠٢.

٦٣

علي عليه السلام ولعنه علانية ومن يأبي منهم فلا يتردّدون في قتله(١) .

التشديد على الشيعة

من أشدّ الأزمنة التي مرّت على الشيعة في تاريخهم الطويل هو زمان معاوية بن أبي سفيان الذي حكم عشرين عاماً وأذاقهم فيها أشدّ المعاناة والمحن ، علماً أنّ إمامين من أئمّة الهدى ـ الحسن والحسين عليهما السلام ـ كانا في ذلك العهد يشاهدان ويعايشان الأحداث المأساوية التي تمرّ على شيعتهم ومحبّيهم إلّا أنّهما لا يستطيعان دفع هذه المآسي عنهم.

وحتّى سيّد الشهداء عليه السلام الذي ثار ضدّ يزيد الطاغية خلال الستّة أشهر الأُولى من حكومته واستشهد هو وأنصاره الخلّص لم يستطيع أن يصنع شيئاً أيّام معاوية.

الملفت للانتباه أنّ أكثر أهل السنّة يوجّهون قتل من يسمّونهم بالصحابة للشيعة المظلومين وتنكيلهم بهم ـ خاصّة معاوية الذي أخذ الكثير من علماء السنّة يوجّهون أفعاله ويحملونها على المحامل الحسنة كأن يقولوا : هؤلاء من صحابة الرسول صلى الله عليه واله وقد ورد في أحاديث النبي صلى الله عليه واله أنّ الصحابة مجتهدون ومعذورون ، وأنّ الله تعالى راضٍ عنهم وأنّ كلّ ما يفعلونه من جرائم وجنايات سيغفرها الله لهم. مقابل توجيهات السنّة البعيدة عن الإنصاف رفض الشيعة مثل هذه الإعذار والتوجيهات وذلك لـ :

١ ـ ليس من المعقول أنّ مثل الرسول صلى الله عليه واله الذي بعث لإحياء الحقّ وتطبيق العدالة ونشر الحرّية بعد أن ضحّى التضحيات العظيمة وعانى هو وأتباعه أمرّ الويلات والمصائب يترك الأُمّة سدى دون راعي أو قائد يقودها من بعده.

٢ ـ إنّ الروايات المجعولة الدالّة على عدالة مطلق الصحابة مهما كانوا إنّما وردتنا من نفس الصحابة الذين وضعوا مثل هذه الروايات ليغطّوا بها فضائحهم وزلّاتهم.

وممّا يشهد على ذلك أنّ نفس الصحابة لم يعملوا بمثل هذه الروايات وكانوا ينالون

__________________

(١) النصائح الكافية ص ٥٨ ، ٦٤ ، ٧٧ ، ٧٨.

٦٤

من بعضهم البعض ويتهجّمون على غيرهم حتّى قتل بعضهم بعضاً ولعن كلّ منهم البقيّة.

وعليه فإنّ نفس عمل الصحابة يكذب مثل هذه الروايات الموضوعة ، وإذا سلّمنا بصحّتها فلابدّ من حملها على معنى آخر غير المعنى الخاطئ الذي يفسّره البعض من تقديس البعض ممّن يسمّونهم بالصحابة.

وعلى فرض أنّ الله تعالى دعا إلى تقديس الصحابة واحترامهم فإنّ ذلك مقتصراً على المواضع الخاصّة التي مدحهم الله تعالى(١) ولا تبقى هذه القداسة لهم على مرّ الزمان حتّى لو سوّدوا بأفعالهم صفحات التاريخ.

استقرار سلطنة بني أُميّة

بعد أن توفّي معاوية بن أبي سفيان عام ٦٠ ه تولّى ابنه يزيد الطاغية زمام الحكومة الإسلامية وذلك طبق البيعة التي أخذها له والده زوراً من الناس.

وكما قلنا سابقاً فإنّ يزيد بشهادة التاريخ لم يكن متديّناً أصلاً ، بل كان شاباً لا أُبالياً حتّى في زمان والده المشؤوم لم يكن يعتني بالقوانين الإسلامية ولم يكن له همّ سوى اللهو والفساد.

وقد ارتكب يزيد خلال السنين التي حكم فيها المسلمين مخازي وفجائع لم يسمع بها التاريخ من قبله. ومن يعد يزيد استلم بنو مروان الخلافة ووصلت إلى أيديهم ، وكما ينقل المؤرخون أنّ الحكومة الإسلامية بقيت بيد بني مروان ما يقارب سبعين عاماً ولم يمرّ على الإسلام والمسلمين مثل هذه السنين العجاف حتّى بلغ الأمر أنّ أحدهم ممّن يسمّونهم بخلفاء الرسول وحماة الدين صمّم أن يتّخذ لنفسه غرفة فوق الكعبة المقدّسة

__________________

(١) هذه إشارة إلى قوله تعالى :( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) سورة التوبة : ١٠٠.

٦٥

يقضي فيها أوقات اللهو وساعات المجون أيّام الحجّ(١) .

كما أنّ أحدهم تفأّل بالقرآن الكريم وإذا به يقرأ قوله تعالى :( وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) (٢) ، فوضع القرآن ورماه بسهامه وقال :

تهدّدني بجبّار عنيد

فها آنذا جبّار عنيد

فإذا ما جئنا يوم حشر

فقل يا ربّ مزّقني الوليد(٣)

بالطبع فإنّ الشيعة لهم اختلاف أساسي مع السنّة في مسألتين وهما : الخلافة والمرجعية الدينية.

وحيث إنّ الحكومات الجائرة على مرّ التاريخ كانت تطارد الشيعة وتضيّق عليهم الخناق في معتقداتهم فإنّ الكثير منهم حرم من نعمة جوار الأئمّة عليهم السلام ونزلوا البلاد النائية.

وبالرغم أنّ المضايقات الشديدة التي لاقاها الشيعة الموالون لا تكاد تعدّ أو تحصى إلّا أنّهم كانوا يوماً بعد الآخر يزدادون اعتقاداً بأئمّتهم خاصّة سيّد الشهداء عليه السلام الذي قتل جوراً بيد الطاغية يزيد وأعوانه الطغاة.

ولعلّ خير شاهد على هذا الكلام أنّ الشيعة لمّا أحسّوا بالفرج أيّام الإمام الباقر عليه السلام حيث كانت الحكومة الأموية مشغولة بنفسها أخذوا يتقاطرون عليه من كلّ حدب وصوب وبقوا ينهلون ويستفيدون من علومه المباركة.

وقد بلغت هذه الحالة حدّاً بحيث إنّ القرن الأوّل للهجرة لم ينته إلّا والشيعة قد نزلوا قم وعمّروها(٤) .

ومع أنّ الشيعة كانوا يعملون بالتقيّة كما أوصاهم الأئمّة الأطهار عليهم السلام إلّا أنّ الكثير

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٧٣.

(٢) سورة إبراهيم : ١٥.

(٣) مروج الذهب ج ٣ ص ٢٢٨.

(٤) معجم البلدان مادّة قم.

٦٦

من العلويين ثاروا ضدّ الحكومات الفاسدة آنذاك لشدّة المضايقات المفروضة عليهم وعادة ما كان هؤلاء العلويين يحوزون على الشهادة.

وكانت الحكومات الجائرة تتفنّن في التمثيل بمثل هؤلاء السادة والشواهد على ذلك كثيرة منها ما صنعوه بزيد بن الإمام السجّاد عليه السلام حيث أخرجوا جسده من قبره وصلبوه ثلاث سنين ثمّ أنزلوه وحرقوه وذروا رماد جسده في الهواء(١) .

الشيعة في القرن الثاني للهجرة

في أواخر الثلث الأوّل من القرن الثاني للهجرة توالت العديد من الانقلابات والحروب الدامية التي جاءت على أثر ظلم بني أُميّة وسوء تعاملهم مع الناس في مختلف المناطق الإسلامية في العالم.

من جانب آخر فقد ظهرت في خراسان حركة جديدة باسم أهل البيت عليهم السلام وكان المتصدّي لها هو أبو مسلم المروزي القائد الايراني الذي ثار ضدّ بني أُميّة وقاوم حكّامها إلى أن أطاح بدولتهم(٢) .

وعلى الرغم أنّ هذا الانقلاب الجديد أخذ يدّعي التبليغ للتشيّع كثيراً ويطالب بالدماء الزاكية لشهداء أهل البيت عليهم السلام علّ الناس يبايعوا أبو مسلم الخراساني الذي يدّعي أنّه مرضي من قبل أهل البيت عليهم السلام إلّا أنّ مثل هذا الانقلاب لم يكن مقبولاً عند الشيعة بدليل أنّ نفس أبو مسلم عرضه بيعته على الإمام الصادق في المدينة فرفضها عليه السلام وقال : «أنت لست من رجالنا ولا الزمان زماننا»(٣) .

__________________

(١) مروج الذهب ج ٣ ص ٢١٧ ـ ٢١٩ ، تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٦٦.

(٢) الشيعة في الإسلام العلّامة الطباطبائي ص ٢٦.

(٣) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٨٦ ، مروج الذهب ج ٣ ص ٢٦٨.

٦٧

ولمّا استولى بنو العبّاس على الخلافة باسم أهل البيت عليهم السلام(١) تلاطفوا في بداية الأمر مع الناس والعلويين خاصّة وأذاعوا بني الملأ أنّهم سينتقمون لشهداء العلويين وأعربوا عن سخطهم الكامل على بني أُميّة واهداروا دمائهم بحيث إنّهم كلّما وجدوا قبر أحد أُمرائهم أحرقوه(٢) إلّا أنّهم بعد ذلك كشفوا عن حقيقتهم السيّئة وأعادوا تاريخ بني أُميّة كاملاً بل وتجاوزوا الحدّ وأنسوا الناس ظلم بني أُميّة.

على كلّ فقد تجاوز الأمويون على الإمام السجّاد عليه السلام ودسّوا إليه السمّ الفتّاك فمات عليه السلام شهيداً مسموماً(٣) .

ناهيك عن قتلهم لريحانتي رسول الله صلى الله عليه واله وسيّدا شباب أهل الجنّة حيث دسّوا للإمام الحسن عليه السلام السمّ وقتلوا سيّد الشهداء عليه السلام بتلك الصورة البشعة.

وقد بلغت فضائح بني أُميّة حدّاً أنّ أهل الذين يعتبرون مطلق الخلفاء مفترضي قسّموا الخلفاء إلى :

١ ـ الخلفاء الأربعة الأوائل بعد رسول الله صلى الله عليه واله وهم : أبوبكر وعمر وعثمان والإمام علي عليه السلام.

٢ ـ الخلفاء الغاصبون : ويبدأون من معاوية بن أبي سفيان وينتهون إلى بني مروان.

وعلى أثر شدّة ظلم الأمويين وإعاثتهم الفساد في البلاد سخط الناس عليهم وتفاعلوا مع العبّاسيين ضدّهم وأطاحوا بدولتهم وذلك في عهد آخرهم وهو مروان الحمّار.

وكما ينقل المؤرخون : أنّ العبّاسيين عندما ثاروا ضدّ الأمويين فرّ أبناء مروان وعياله على وجوههم وطرقوا أبواب الكثير من الناس علّهم يؤونهم ويحمونهم إلّا أنّ

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٨٦ ، مروج الذهب ج ٣ ص ٢٦٨.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٩١ ـ ٩٦ ، تاريخ أبي الفداء ج ١ ص ٢١٢.

(٣) بحارالأنوار ج ١٢.

٦٨

أحداً لم يقبل ذلك فبقوا في صحراء «النوبة» حيارى مدّة وقد مات الكثير منهم من شدّة الجوع والعطش ، أمّا البقيّة فقد لجأوا إلى اليمن بزي الحمّالين ومنها ذهبوا إلى مكّة واختفوا فيها(١) .

خلاصة القول إنّ بني العبّاس لم يبقوا لبني أُميّة في الظلم شيئاً حتّى صار الناس يترحّمون على أيّام الأمويين من شدّة ما عاثوا في الأرض الفساد.

ففي التاريخ أنّ أحد الغنّين أنشد للأمين العبّاسي بيتين من الشعر حرّك فيهما شهوته فوهب له ثلاثة ملايين درهماً ، وإذا بالمغنّي يسقط على قدمي الأمين يقبّلهما من شدّة الفرح وهو يقول : يا أميرالمؤمنين أكلّ هذه الأموال لي؟ فأجابه الأمين قائلاً : لا يهمّ ، سأُعوّضها من إحدى البلاد(٢) .

يزيد والسرور الذي لم يدم

لقد بلغت بني اُميّة ضدّ أمير المؤمنين في الشام حدّاً بحيث إنّ الناس في ذلك البلد كانوا يعتقدون أنّ بني أُميّة أقرب الناس إلى الرسول صلى الله عليه واله.

ولكن وبعد أن قدم أهل البيت عليهم السلام إلى الشام أُسارى ، وعلى أثر خطابات الإمام السجّاد عليه السلام فوق منابر دمشق وفي شوارعها فضلاً عن خطابات السيّدة زينب عليها السلام في مجلس يزيد وبعد أن اتصّل الناس بالإمام زين العابدين عليه السلام وحقّقوا عنه انكشفت لهم الحقيقة وافتضح يزيد اللعين ، ولذا فإنّه بعد تلك الخطابات لم يستطع ابقاء أهل البيت عليهم السلام في الشام خشية أن ينقلب الناس عليه.

فقد كان الأمويون يوصلون الحقائق إلى الناس في الشام معكوسة ضدّ أهل البيت عليهم السلام بحيث إنّ هذه التبليغات السيّئة أخذت مأخذها عند أهل الشام حتّى أنّ مشايخ دمشق حسب نقل «تجارب السلف» تأثّروا بمثل هذه الدعايات الضالّة ، ولو أنّ

__________________

(١) الشيعة في الإسلام العلّامة الطباطبائي ص ٢٦.

(٢) الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.

٦٩

أهل البيت عليهم السلام لم يدخلوا الشام أُسارى لما انكشفت لهم الحقيقة ولبقوا مخدوعين حتّى اليوم.

وعلى أيّة حال ، فقد ظنّ يزيد اللعين أنّه ـ وحسب الظاهر ـ انتصر على سيّد الشهداء عليه السلام بعد قتله إيّاه وسبي ذرّيته إلى الشام وأنّ الأُمور ستسقرّ له ويصفو له الجو بحيث يبقى هو وأحفاده رغيدي العيش مرتاحين البال يتنعّمون في ملكهم.

ولم يعلم ذلك الطاغية أنّ المنتصر الحقيقي هو سيّد الشهداء عليه السلام ، ولذا فإنّه لم تنقض مدّة بسيطة حتّى ذهب ملكه وضاع سلطانه وبقي لعنه في التاريخ حتّى أنّ ابنه معاوية ارتقى المنبر يوماً في نفس الشام وتبّرأ من أفعاله السيّئة التي سوّد بها صفحات التاريخ.

نعم ، فقد استرّ يزيد في بادئ الأمر بقتل سيّد الشهداء عليه السلام وبعث خلف ابن زياد اللعين وأكرمه بالهدايا والعطايا الجزيلة إلّا أنّ هذه الفرحة لم تدم طويلاً حتّى انقلبت إلى أحزان وآهات.

فقد نقل المحدّث القمّي في كتابه نفس المهموم فقال : أقول : يظهر لمن تأمّل أفعال يزيد وأقواله أنّه لما جيء برأس الحسين عليه السلام وأهل بيته سرّ بذلك غاية السرور ، ففعل ما فعل مع الرأس الشريف وقال ما قال وحبس علياً بن الحسين عليه السلام وسائر أهل بيته في محبس لا يكنّهم من حرّ ولا قرّ حتّى تقشّرت وجوههم(١) ، فلمّا عرفهم الناس واطّلعوا على جلالتهم وأنّهم مظلومون ومن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه واله كرهوا فعل يزيد بل لعنوه وسبّوه وأقبلوا على أهل البيت عليهم السلام ، فلمّا اطّلع يزيد على ذلك أراد أن يفرغ ذمّته من دم الحسين عليه السلام ، فنسب قتله إلى ابن زياد ولعنه بفعله ذلك وأظهر الندم على قتله عليه السلام وغيّر

__________________

(١) ربما يتصوّر البعض من هذه العبارة أنّ أهل البيت عليهم السلام بقوا مدّة طويلة في خرابة الشام حتّى تقشّرت جلودهم ، والحال أنّ هذا ليس بصحيح إذ أنّ جلودهم تقشّرت على أثر السير تحت الهجير في الصحاري عندما ساقوهم أُسارى في الصحاري بحيث أنّهم لمّا أُودعوا في خرابة الشام تساقطت جلودهم.

٧٠

حاله مع علي بن الحسين وسائر أهل بيته ، فأنزلهم في داره الخاصّة حفظاً للملك والسلطنة وجلباً لقلوب العامّة لا أنّه ندم على قتل الحسين عليه السلام وساءه ما فعل ابن زياد بحسب الواقع ونفس الأمر ، والذي يدلّ على هذا ما نقله السبط ابن الجوزي في التذكرة : أنّه استدعى ابن زياد إليه وأعطاه أموالاً كثيرة وتحفاً عظيمة وقرّب مجلسه ورفع منزلته وأدخله على نسائه وجعله نديمه ، وسكر ليلة وقال للمغنّي غنّ ثمّ قال يزيد بديهاً :

اسقني شربة تروي مشاشي

ثمّ مل فاسق مثلها ابن زياد

صاحب السرّ والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وجهادي

قاتل الخارجي أعني حسيناً

ومبيد الأعداء والحسّاد(١)

وفي الكامل لابن الأثير : أنّ ابن زياد التقى بمسافر بن شريح في طريق الشام وقال له : لقد قتلت الحسين بن علي بأمر يزيد ، فهو الذي أمرني بذلك وقال : إمّا تقتل الحسين أو أقتلك ، فاخترت قتله.

ومن هنا يعلم أن تظاهر يزيد اللعين بالندامة بعد قتل سيّد الشهداء عليه السلام لم يكن إلّا من باب الحيلة والخدعة والغدر ليبرّء نفسه أمام الناس الذين سخطوا عليه ليجلب رضاهم وودّهم أمّا في الواقع والحقيقة فهو كان مسروراً بقتل الحسين عليه السلام.

ولعلّ خير شاهد على ذلك هو أنّ شمر بن ذي الجوشن اللعين كان يصلّي ويقول بعد صلاته(٢) :

__________________

(١) نفس المهموم ص ٤٢١ ، تذكرة الخواص ص ١٦٤.

(٢) ينبغي لمن يعتقدون بمثل معاوية ويزيد أنّهم من أُولى الأمر ويجب طاعتهم وأن يحكّموا عقولهم ويرجعوا إلى ضمائرهم ويرون هل من الممكن أن يكون أمثال هؤلاء من أُولي الأمر؟!

وهل يمكن أن يكون أمثال هؤلاء الذين حكموا بخلاف أحكام الله وقتلوا ريحانة رسول الله صلى الله عليه واله من أُولي الأمر؟!

بالطبع إنّ الحكم بأنّ أمثال هؤلاء الأوباش من أُولي الأمر هو من التناقض العجيب ، ومن المعروف أنّ الله

٧١

إلهي إنّ طاعة أُولي الأمر هو الذي حداني لقتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه واله(١) .

من هم أُولوا الأمر؟

قال الله تعالى في كتابه الكريم :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) فقد تظافرت الروايات بين الفريقين أنّ المراد بأولي الأمر هو أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة المعصومين عليهم السلام من ذرّيته ، فعن أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ :( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) فقال : نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام(٣) .

وفي حديث آخر عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) قال عليه السلام : «الأئمّة من ولد علي وفاطمة عليهما السلام إلى أن تقوم الساعة».

فنفس رسول الله صلى الله عليه واله الذي صرّح قائلاً : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ـ وفي ذلك كناية بأن لا طاعة لمخلوق إطلاقاً لأنّهم غير معصومين وبالتالي فربما يأمرون بمعصية الخالق ـ ينصّ على طاعة الإمام علي وذرّيته المعصومين عليهم السلام طاعة مطلقة وهذا خير دليل على عصمتهم إذ أنّهم لو لم يكونوا معصومين لأمكن أن يأمروا بمعصية الخالق

__________________

تعالى لا يصدر منه التناقض أبداً.

وكما أنّ الله تعالى لا يصدر عنه التناقض ، كذلك القرآن الكريم فهو كلام الله ومن المحال أن يدعوا إلى التناقض؟!

إذن لابدّ من الرجوع إلى العقول السليمة والاعتراف أنّ أُولي الأمر يجب أن يكونوا من المعصومين حتّى لا يلزم التناقض.

(١) راجع ميزان الاعتدال للذهبي ج ٢ ص ٢٨٠.

(٢) سورة النساء : ٥٩.

(٣) الكافي ج ١ ص ٢٨٦ ح ١.

٧٢

والحال أنّ الرسول ينفيها مطلقاً فلابدّ من القول بعصمتهم مطلقاً.

وممّا يدلّ على أنّ المراد بأُولي الأمر هم الأئمّة الأطهار عليهم السلام هو ما نقله المفسّرون من الروايات الكثيرة التي فسّر رسول الله صلى الله عليه واله فيها المراد الحقيقي من الآية ونصّ فيها على أسماء الأئمّة المعصومين عليهم السلام واحداً بعد الآخر إلى الإمام الثاني عشر عليه السلام.

ومن هنا يتّضح أنّ ولي أمر شمر بن ذي الجوشن هو يزيد بن معاوية ، وأنّ العزاء الذي أقامه هذا الطاغية على سيّد الشهداء عليه السلام لم يكن إلّا حيلة ومحاولة لاشغال الناس عن جرائمه البشعة التي سوّد بها صفحات التاريخ.

فمن كان للمحدّث القمّي في كتاب «نفس المهموم» نقلاً عن كامل البهائي : أنّ السيّدة زينب عليها السلام أرسلت إلى يزيد تسأله الإذن أن يقمن المأتم على الحسين عليه السلام ، فأجاز ذلك وأنزلهنّ في دار للحجارة ، فأقمن المأتم هناك سبعة أيّام ويجتمع عندهنّ في كلّ يوم جماعة كثيرة لا تحصي من النساء. فقصد الناس أن يهجموا على يزيد في داره ويقتلوه ، فاطّلع على ذلك مروان وقال ليزيد : لا يصلح لك أن توقف أهل بيت الحسين في الشام فأعدّ لهم الجهاز وابعث بهم إلى الحجاز. فهيّأ لهم المسير وبعث بهم إلى المدينة(١) .

وعلى كلّ ، فقد سعى يزيد اللعين وبذل جهده على تزييف الحقائق علّه يخمّد من ثورة الناس وسخطهم عليه وكان مروان مطّلعاً أيضاً على غضب الناس ولذا فإنّه اضطرّ إلى إخراج أهل البيت عليهم السلام من الشام. وعليه فمن البعيد أن يسمح يزيد لأهل البيت عليهم السلام كي يقيموا العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام سبعة أيّام إذ أنّه مع تلك الأوضاع العصبية وهيجان الناس واضطرابهم عليه كيف يمكن أن يسمح لأهل البيت عليهم السلام أن يبقوا في الشام أكثر ويبقي رأس سيّد الشهداء عليه السلام معلّقاً على القنا في مسجد الجامع؟ بل إنّ كلّ من يلاحظ سياسة يزيد الشيطانية وحيله الخبيثة التي كان يجلب من خلالها القلوب الضعيفة ويخدع بها العقول البسيطة يثق تماماً أنّ يزيد لم يبق الرأس الشريف وإنّما بعثه مع أهل

__________________

(١) نفس المهموم ص ٤١١ ـ ٤١٢.

٧٣

البيت عليهم السلام خشية أن تضطرب عليه الأوضاع أكثر فيذهب سلطانه.

فمن كلام للطبري قال فيه : إنّ يزيد أبقى أهل البيت عليهم السلام ثلاثة أيّام أقاموا فيها العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام بداية ورودهم إلى الشام وذلك في خرابة من خرابات الشام.

ونقل عن الإمام الصادق في بصائر الدرجات وغيره أنّه لمّا أُتي بعلي بن الحسين عليهما السلام يزيد بن معاوية ـ عليهما لعائن الله ـ ومن معه جعلوه في بيت فقال بعضهم : إنّما جُعلنا في هذا البيت ليقع علينا فيقتلنا ، فراطن الحرس فقالوا : انظروا إلى هؤلاء يخافون أن تقع عليهم البيت وإنّما يخرجون غداً فيقتلون. فقال علي بن الحسين : لم يكن فينا أحد يحسن الرطانة غيري والرِّطانة عند أهل المدينة الرومية(١) .

ومع الالتفات إلى جميع هذه الأُمور يتّضح لماذا لم يبق يزيد أهل البيت عليهم السلام في الشام؟ ولماذا انصرف عن نيّته في قتلهم؟ ولماذا انهار عرشه وذهب سلطانه بعد هذه الأحداث بقليل حتّى أنّ ابنه معاوية صعد المنبر وتبّرأ من أفعاله البشعة؟

ويتضّح أيضاً أنّ يزيد أجبر قادة السجون على التكلّم باللغة الرومية وربما أنّهم لم يكونوا من أصل رومي وإنّما لوجود العلاقات الوثيقة بين الأمويين والروم ، ولنفوذ الروم بين الحكّام الأمويين خاصّة معاوية ويزيد اللذين اتّخذوا سرجون الرومي ككاتب ومستشار إلى زمان عبدالملك بن مروان. فإنّ هذا اللعين هو الذي أشار على يزيد أن يأمر ابن زياد بقتل سيّد الشهداء عليه السلام.

وبإشارة من سرجون الرومي أيضاً أولى يزيد ابن زياد حكومة الكوفة والبصرة ثمّ أمره بالخروج لمقاتلة ريحانة رسول الله صلى الله عليه واله(٢) .

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ٣٣٨.

(٢) من أراد مزيد الإطّلاع على سيرة هذا اللعين الرومي فليراجع كتاب «التدوين في أحوال جبال شروين» تأليف محمّد حسن خان اعتماد السلطنة وزير علوم ايران في أيّام القاجار. وراجع الإرشاد حول سيّد الشهداء ص ٩٦.

٧٤

ولا يخفى أنّ علاقة بني أُميّة مع الروم كانت عريقة جدّاً ، إذ أنّ بني أُميّة لم يكونوا من أصل عربي أصلاً وإنّما كانوا من الروم.

كما يستفاد من الرواية السابقة أنّ الأئمّة الأطهار عليهم السلام يعرفون اللغة الرومية جيّداً ، علماً أنّ مع معتقدات الشيعة الإمامية في الأئمّة عليهم السلام أنّهم يعرفون جميع اللغات بل ويحسنون التكلّم بها إذ أنّه لا يمكن أن يكون حجّة الله على الخلق جاهلاً بلغة ما لأنّ ذلك يستوجب النقص النافي لحجّيته على العباد.

من جانب آخر تدلّ الرواية أنّ يزيد في بادئ الأمر بعد دخول أهل البيت عليهم السلام الشام وحبسهم في دمشق كان ينوي قتلهم ومحو آثارهم تماماً وهذا ما يظهر من حديث ابن عساكر إلّا أنّه وبعد مدّة انصرف عن هذه الفكرة الشيطانية(١) .

أيّها الظالمون اعتبروا

انظر عزيزي القارئ بعين الاعتبار كيف أنّ معاوية ويزيد اللذين كانا يبلّغان لأنفسهما ويدّعون أمام أهل الشام أنّهما من المقرّبين عند الرسول صلى الله عليه واله أنّ ذلك لم يدم طويلاً حيث انكشفت هذه الأُلعوبة وعرف الناس خداعهما حتّى أنّ معاوية بن يزيد أقرب الناس إليهما ارتقى المنبر أمام الملأ العام وأقرّ أنّ أمير المؤمنين عليه السلام وأحفاده عليهم السلام أحقّ بالخلافة من بني أُميّة(٢) .

فقد شاءت إرادة السماء أن تجري الحقائق على لسان أقرب الناس إلى بني أُميّة ويبقى هذا الحديث علامة بارزة في جبين التاريخ لتعتبر منه الأجيال عبر العصور المختلفة.

__________________

(١) راجع تحقيق حول يوم أربعين سيّد الشهداء عليه السلام فارسي للشهيد آية الله سيّد محمّد علي القاضي الطباطبائي التبريزي رحمه الله ص ٤٥٨ ـ ٤٦٦.

(٢) أشرنا إلى بعض المقتطفات من خطبته فليراجع.

٧٥

الملفت للانتباه أنّ التاريخ أثنى على معاوية بن يزيد لقوله الحقّ ونبذه للتعصّب الجاهلي وأشاد بموقفه العظيم مقابل جرائم والحده إلّا أنّ ابن تيمية الحراني ذلك المعصّب وبعد مضي أكثر من الف عام جاء ليعلن عن ملكيته أكثر من نفس الملك وأنكر الواضحات ورفض ضروريات التاريخ ولذا أصبح من أعلام الضلالة المنبوذين الذين يتشاءم الناس من ذكر أسمائهم جرّاء تعصّبه الجاهلي ليزيد بن معاوية وأمثاله(١) .

ومن المتعصّبين الضالّين أيضاً هو القهستاني الذي قال : إذا أراد الإنسان أن يقرأ مصيبة سيّد الشهداء عليه السلام فمن الأفضل أن يقرأ مصائب الصحابة أولاً كي لا يتشبّه بالروافض.

ولا يخفى أن مراده من ذلك أن يذكر القارئ مصيبة عثمان بن عفّان الأموي ، الذي أجمع الصحابة على كفره وحكموا بوجوب قتله إلى أن قتل ودفن في مزبلة من مزابل اليهود(٢) ، فهل يمكن القياس بين سيّد الشهداء عليه السلام الذي قتل مظلوماً ونصر بدمه الإسلام وبين من أجمع الصحابة بكفره ووجوب قتله؟!

العجيب أنّ حجّة الإسلام لأهل السنّة الغزالي قال : يحرم على الواعظ قراءة مصيبة سيّد الشهداء عليه السلام وينبغي له أن يمرّ على النزاعات والخلافات التي حدثت بين الصحابة وكأنّه لم يسمعها بل عليه أن يغضّ الطرف عن هكذا أحداث حتّى لا يقع بعض الصحابة الذين نصّ القرآن الكريم على نفاقهم في قفص الاتّهام.

بالطبع أنّه قال هذا الكلام كي تنطلي الحقائق على الناس وينخدعوا بأمثال أبي سفيان وابنه معاوية وعمرو بن العاص وغيرهم من المنافقين الذين أصبحوا زوراً من

__________________

(١) تحقيق حول أربعين سيّد الشهداء عليه السلام لآية الله القاضي التبريزي ص ٤٦٨.

(٢) فقد قتلوا عثمان ورموا جنازته في مزبلة وبقي ثلاثة أيّام إلى أن جاء مروان وبعض رفاقه فحملوا الجنازة ودفنوها إلّا أنّ قوماً من بني مازن تعهّدوا وقالوا : في أي مكان تدفنوه فإنّنا سنخبر الناس عن مكانه ولذا فإنّهم أخذوه إلى مقبرة من مقابر اليهود.

٧٦

أعلام الدين وخلفاء المسلمين(١) .

وفي عصرنا الراهن هناك الكثير ممّن ارتضوا مقولة الغزالي إلّا أنّهم لا يتمكّنون من منع الناس عن فهم حقائق التاريخ ، ولذا فقد لجأوا إلى ترويج الأفكار السطحية المستوردة من الغرب وخرافات الفلسفة علّهم عبر هذه السفسطات الفلسفية والفتاوى البعيدة عن الدليل يخدعوا الناس ويقنعوهم بخلفاء بني أُميّة الذين ادّعوا ظلماً وعدواناً أنّهم أولياء الأمر.

وبالرغم من كلّ هذه الخطابات والكتابات الضالّة الرامية لاقصاء الشعوب عن العقائد الحقّة إلّا أنّ الناس عامّة خاصّة الشباب الواعي كانوا لهم بالمرصاد حيث ردّوا مثل هذه الادّعاءات الخاوية ولم يعتقدوا بهم طرفة عين أبداً بل وبقوا ينظرون إليهم كملوك جبابرة حكموا البلاد ظلماً ونشروا فيها الفساد.

وعلى كلّ ، فإنّ أمثال فتاوي الغزالي والقهستاني ليس لها قيمة أبداً إذ أنّه من ضروريات مذهب الشيعة التابعين لأهل البيت عليهم السلام هو إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام وإحياء مأساته ومصابه طيلة السنة ، وقد أكّد أهل البيت عليهم السلام على ذلك بشدّة وأشاروا إلى قداسنة هذه الشعائر في رواياتهم الشريفة بشكل متظافر حتّى أصبحت عند الشيعة من أفضل المقدّسات المجمع عليها.

من جانب آخر فإنّ زيارة مراقد أهل البيت عليهم السلام والبكاء عليهم وإقامة مأتمهم وإحياء شعائرهم هي من أفضل المستحبّات بل ومن ألزم الأُمور التي يجب على عموم الشيعة حفظها والالتزام بها خاصّة البكاء على سيّد الشهداء عليه السلام وزيارته. وقد صنّف العلّامة المتبحّر أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي كتاباً قيّماً باسم «كامل الزيارات» جمع فيه أصحّ الروايات وأسدّها حول هذه المسألة علماً أنّ الكتاب قد طبع بهمّة العلّامة الكبير الشيخ عبدالحسين الأميني صاحب الموسوعة النفيسة المسمّاة

__________________

(١) تحقيق حول أربعين سيّد الشهداء عليه السلام ص ١٧٤.

٧٧

بالغدير.

بطبيعة الحال أنّه مع وجود وصايا كهذه من قبل أهل البيت عليهم السلام على إقامة الشعائر لا تبقي قيمة لفتاوى النواصب والخوارج من أعداء الأئمّة الأطهار عليهم السلام الذين أفتوا وفق عقولهم الناقصة وآرائهم الفاسدة بحرمتها خاصّة مع الالتفات أنّ مثل هذه الوصايا من أئمّة الهدى عليهم السلام تناقلت إليهم واحداً بعد الآخر عن جدّهم الأطهر صلى الله عليه واله الذي هو سيّد العارفين بأحكام الشريعة.

ولذا فمن المفترض أن نسأل الغزالي نفسه ونقول له : بأي دليل أفتيت بحرمة إقامة العزاء لسيّد الشهداء عليه السلام؟ فهل وصلك خبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه واله أمّ أنّك تنقل عن بعض من يسمّون بالصحابة أمثالك ممّن لم يعصمهم الله تعالى؟

وهل إنّنا نتّبع آراؤك الضالّة أم نلتزم بأقوال الإمام الصادق عليه السلام حفيد رسول الله صلى الله عليه واله؟

بلا شكّ إنّ كلّ من عنده أدنى قدر من الإيمان يرجّح أتباع أهل بيت عليهم السلام الذين نصّ القرآن الكريم على عصمتهم في آية التطهير ويترك فتاواك الضالّة التي عبّر الإمام الصادق عليه السلام من أمثالها : لمثل هذا تمنع السماء قطرها(١) .

__________________

(١) تحقيق حول أربعين سيّد الشهداء عليه السلام ص ٢٧٨.

٧٨

الفصل الرابع

بعد أن تعرّفنا على الشجرة الملعونة ومدى خباثة معاوية ونجله النجس يزيد ، ومن باب أنّ الأشياء تعرف بأضدادها ، فلا بأس أن نتعرّف أيضاً على الشجرة الطيّبة لأهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله عليهم أجمعين.

وحتّى لا يطول بنا المقام ونخرج عن أصل البحث ، ومراعاة للاختصار فقد قدّمنا بعض المقتطفات السريعة حول أفضل شخصية في هذه الأُسرة الطيّبة ألا وهو ابن عمّ النبي صلى الله عليه واله وزوج الزهراء البتول عليها السلام ووالد السبطين الحسن والحسين عليهما السلام وأبو الأئمّة الأطهار عليهم السلام أسد الله الغالب علي بن أبي طالب عليه أفضل صلوات الله وسلامه.

فقد اخترنا بعض مناقب أمير المؤمنين عليه السلام ليدرك العالم عمق الخسارة وعظم المصيبة التي ارتكبها أرباب الشجرة الملعونة في حقّ هذا البيت الطاهر ، ولنعرف الشيء القليل من مقامات هذا البيت الطاهر الذي اصطفى الله تعالى أهله وجعلهم مضرب للخير والبركة فقال عزّ من قائل :( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) (١) .

أمّا هذه المناقب فهي :

علي عليه السلام ركن التوحيد

روي عن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال : «ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ،

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٢٤ ـ ٢٧.

٧٩

ولن يبعث الله نبيّاً إلّا بنبوّة محمّد صلى الله عليه واله وولاية وصيّه علي عليه السلام»(١) .

وعن الإمام الرضا عليه السلام عن أبيه عن جدّه عن أبيه محمّد بن علي بن الحسين عليهم السلام في قوله تعالى :( فِطْرَةَ اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) (٢) قال : «هو لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علي أمير المؤمنين ولي الله ، إلى هاهنا التوحيد»(٣) .

مكتوب على أبواب الجنّة

عن جابر الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : ليلة أُسرى بي إلى السماء أُمر بعرض الجنّة والنار عليّ ، فرأيتهما جميعاً ، رأيت الجنّة وألوان نعيمها ، ورأيت النار وألوان عذابها ، وعلى كلّ باب من أبواب الجنّة الثمانية : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علي ولي الله(٤) .

مكتوب على العرش

عن أبي عبدالله عليه السلام قال : «مسطور بخطّ جليل حول العرش : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علي أمير المؤمنين»(٥) .

الشاكّ في ولاية علي عليه السلام

عن عطاء قال : سألت عائشة عن علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت : «ذاك خير البشر ولا يشكّ فيه إلّا كافر»(٦) .

حرب الجمل من أين؟

قيل إنّ عائشة بعد أن نقلت حديث رسول الله صلى الله عليه واله : «علي خبر البشر فمن أبى فقد

__________________

(١) الصراط المستقيم ص ١٠ نقلاً عن بصائر الدرجات ص ٧٢ ح ١.

(٢) سورة الروم : ٣.

(٣) الصراط المستقيم ص ١٩ نقلاً عن تفسير علي بن إبراهيم القمّي ج ٢ ص ١٥٥.

(٤) بحار الأنوار ج ٢٧ ح ٢٤.

(٥) بحار الأنوار ج ٢٧ ص ١١ ـ ١٢ ح ٢٧.

(٦) بحار الأنوار ج ٣٨ ص ٥ ح ٧.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293