الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي3%

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 611

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 177826 / تحميل: 7848
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

بلده الشام الذي بايعه وتوقف الحرب وتحقن الدماء ولكن الحسن فاجأه بان يتنازل عن ملك العراق له لقاء شروط والتفصيل في الهامش الرابع.

التعليقة رقم ٢ :

أقول : المراد بسيرة الخلفاء الصالحين هم الثلاثة الأول ولا يترقب من الحسنعليه‌السلام ان يشترط على معاوية التزامها لان أباه عليا قد ترك الخلافة المشروطة بالعمل بسيرة الشيخين مضافا إلى ان نظام الحكم في العراق أيام علي والحسن كان قائما على الكتاب والسنة دون سيرة الشيخين.

التعليقة رقم ٣ :

ان تسليم حكم العراق لمعاوية من قبل الحسن هو جزء من صيغة صلح تقدم بها الحسن لعلاج الانشقاق وإقامة حكم مدني يحفظ للجميع حقوقهم وطريقتهم في التعبد ردا على صيغة معاوية وكانت صيغته تكرس الانشقاق وصيغة الحسن تعالجه ويقدم الحسن على وضع الشروط بعد ان يوافق معاوية على اصل الأطروحة وقد وافق عليها وبعث بصحيفة بيضاء وقال له اكتب ما شئت التزمه. ومن ثم كانت شروط الحسن اولها : ان يعمل معاوية في رئاسة الدولة الجديدة بكتاب الله وسنة نبيه دون سيرة الشيخين لأنها رأي وليست من الكتاب والسنة ، ثانيها أن يترك سب علي لأنه ليس من السنة بل السنة تامر بذلك علي بخير ، وتجعل الساب له سابا لله ولرسوله ، الخ الشروط ...

التعليقة رقم ٤ :

نحن نشك في اشتراط المال انظر الباب الرابع الفصل الثالث من هذا الكتاب صفحة ٥٦٥.

التعليقة رقم ٥ :

أقول : هناك عدة قضايا ينبغي الانتباه إليها :

القضية الأولى : من البادئ بطلب الصلح هل الامام الحسن أم معاوية؟

والجواب هو ان طبيعة الأشياء وطريقة تفكير معاوية تقتضي ان يكون هو المبادر فانه حين بايعه أهل الشام على ما بويع عليه عثمان من الملك والإمامة الدينية وبذلك

٢٤١

حقق لدى أهل الشام فكرة مفادها انه امتداد للخلفاء القرشيين الثلاثة وانه الخط الشرعي للنبي وهذا المكسب بنفسه يستلزم ان يحافظ عليه معاوية بان يكرر ما عرض على عليعليه‌السلام سابقا ان تكون له الشام وان يكون لعلي سائر البلاد ورفض علي آنذاك ،

فان استجاب الحسن لطلب معاوية فهو المطلوب وبذلك يتفرغ لمواجهة مشكلة الإرهاب الداخلي ومشكلة الخطر الرومي من الشمال الشرقي لحدوده ،

وان رفض الحسن فان ذلك سوف يزيد أهل الشام قناعة بصدق اعلامهم بان عليا وولده طلاب فتنة وما عليهم الا الدفاع عن انفسهم ومحاربتهم.

القضية الثانية : ان الحسن له صفتان الأول صفة الإمامة الدينية بالنص والوصية من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهذه الصفة تستلزم العصمة وليست موضوعا للتنازل مطلقا وهي فاعلة سواء كان الحسن حاكما أو لم يكن ، الثانية صفة الحكومة وهذه لها أهلية ولها فعلية اما الأهلية فمن الله ورسوله بالتسمية ، اما الفعلية قبيعة أهل الحل والعقد وقد بايع الحسن أهل العراق على ذلك وهذه الصفة قابلة لان يتنازل عنها الامامعليه‌السلام .

القضية الثالثة : لابد ان نسأل عن السبب الذي دفع الحسن لان يتنازل عن ملك العراق؟ هل هل هو ضعف الجيش الكوفي أو انحصار علاج الانشقاق المستعصي وما ينطوي عليه من مخاطر على الإسلام والمسلمين وفتح قلوب اهل الشام لمشروع عليعليه‌السلام بذلك؟

والجواب هو الثاني ؛ كما مر بيانه مفصلا في الفصول السابقة. وصار الحسنعليه‌السلام فيه نظير المرأتين اللتين تنازعتا ولدا وأصرت كل واحدة انه ولدها فاعلن عليعليه‌السلام وقد اسند الحكم إليه انه سوف يقسمه إلى قسمين لكل واحدة منهن قسم فصاحت الأم الحقيقية انها تهب حصتها للأخرى ليعيش ولدها ولا يقتل ، هكذا عالج الحسن الانشقاق بان وهب حصته التي اقرّ معاوية بانها له وصارت البلاد واحدة بشروط ضمن فيها الحسنعليه‌السلام أمان شيعته ومصلحته مع مصالح الآخرين المشروعة.

التعليقة رقم ٦ :

أقول : شرط الحسنعليه‌السلام على معاوية ان لا يسميه أمير المؤمنين مبني على ان اسم أمير المؤمنين يشير إلى الإمامة الدينية وليس إلى الملك ، والذي صالح عليه الحسنعليه‌السلام

٢٤٢

معاوية ليس هو الإمامة الدينية بل هو الحكم المدني الذي قيده الحسن بالكتاب والسنة وشروط أخرى فرضها الواقع العراقي ، وتكون طاعته فيما إذا كان أمره بالكتاب والسنة وعدم مخالفته للشروط الأخرى في حقل ولايته التنفيذية وليس هذا معناه انه عادل في ذاته نظير القائد في الحرب الدفاعية يطاع أمره في الحرب باعتبار كفاءته وان لم يكن عدلا في شخصه.

التعليقة رقم ٧ :

أقول : تفيد المادة ان الحسنعليه‌السلام فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية وان راس الدولة الجديدة لا ينبغي له ان يقضي وإنما له الولاية التنفيذية في شؤون المجتمع في غير القضاء والتشريع.

التعليقة رقم ٨ :

أقول : ان مصطلح الإمامة يراد به احد معنيين ،

الأول : الحكم والسلطة.

الثاني : يراد به من كنا قوله حجة في الدين لنصب الهي والشيعة يقصرونه على الأئمة الاثني عشر من أهل البيت ،(١) اما عند غيرهم فهم يطلقونه على من كل قوله حجة في أي فن من الفنون فقالوا هذا امام في النحو وهذا امام في التاريخ وهذا امام في الفقه. وقول الدينوري يحمل على الأول.

يبقى هل ان الحسن بايع معاوية على الحكم؟

الجواب لم يكن موضوع الصلح عند معاوية حين تقدم به إلى الحسن هو ان يتنازل الحسن لمعاوية ويبايعه بل كان هو أن يبقى الحسن على بلده الذي بايعه وان يبقى معاوية على الشام ، وكذلك الأمر في الصيغة التي تقدم بها الحسن لم يكن موضوعها ان يبايع الحسن معاوية ، بل موضوع ان يتنازل الحسن عن ملك العراق لتأسيس حكم مدني مشروط بالكتاب والسنة وشروط أخرى تحفظ مصالح الجزء الكبير من الأمة الذي تنازل عن الملك وفي هذه الصيغة لم يتنازل الحسن عن الملك مطلقا بل اشترط ان يكون الملك له بعد موت معاوية. ان الحسن صالح معاوية على إقامة حكم مدني

__________________

(١) وقد فصلنا في ذلك في كتابنا شبهات وردود البحث التمهيدي.

٢٤٣

بشروط شخصت حاكمين وليس حاكما واحدا وهما من بايعه أهل العراق وأهل الشام ، وقدم الحسن بيعة أهل الشام على أهل العراق من اجل إيجاد الحكم المدني الجديد وحل أزمة الانشقاق إذن سوف يكون الحسن بعد التنازل حاكما على الأمة كلها مع وقف التنفيذ لحين موت معاوية ، فلا مجال لما رواه المؤرخون / وهم ما بين مغرض أو راو لمن هو افقه) من افتراض ان يبايع الحسن معاوية على الحكم.

كلامه رحمه‌الله في دراسة الشروط والوفاء بها

قالرحمه‌الله تحت عنوان (الاجتماع في الكوفة) : وكان طبيعيا أن يتفق الفريقان بعد توقيعهما الصلح ، على مكان يلتقيان فيه على سلام ، ليكون اجتماعهما في مكان واحد تطبيقا عمليا للصلح الذي يشهده التاريخ ، وليعترف كل منهما على مسمع من الناس بما أعطى صاحبه من نفسه وبما يلتزم له من الوفاء بعهوده. واختارا الكوفة ، فأقفلا إليها ، وأقفل معهما سيول من الناس غصت بهم العاصمة الكبرى ، وهم ـ على الأكثر ـ أجناد الفريقين ، تركوا معسكريهما وخفوا لليوم التاريخي الذي كتب على طالع الكوفة النحس أن تشهده راغمة أو راغبة.

وخطب معاوية في الناس و (على رواية المدائني) قال : «يا أهل الكوفة ، أترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون؟ ، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وألي رقابكم ، وقد آتاني الله ذلكو أنتم كارهون! ألا ان كل دم أصيب في هذه الفتنة مطلول ، وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين!! وروى أبو الفرج الأصفهاني عن حبيب بن أبي ثابت مسندا ، أنه ذكر في هذه الخطبة عليا فنال منه ، ثم نال من الحسن!

وزاد أبو اسحق السبيعي فيما رواه من خطبة معاوية قوله : «الا وان كل شيء أعطيت الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به!» «انظر التعليقة رقم ٩».

قال أبو اسحق : «وكان والله غدارا».

وتجهز الحسن ـ بعد ذلك ـ للشخوص إلى المدينة ، فلما صار بدير هند (الحيرة) نظر إلى الكوفة وقال :

٢٤٤

وما عن قلى فارقت دار معاشري

هم المانعون حوزتي وذماري

قال الشيخرحمه‌الله : وأي نفس ملائكية هذه التي لقيت من نشوز هذه الحاضرة ومن بوائقها ما لقيت ، ثم هي تودعها بهذا البيت من الشعر ، فلا تذكر من تاريخها الطويل العريض ، الا وفاء الأوفياء «المانعين الحوزة والذمار» وهم الذين منعوا عنه من أراده في المدائن ، والذين ثبتوا على طاعته يوم العسرة في مسكن ، فكانوا إخوان الصدق وخيرة الأنصار ، على قلتهم.

وصب الله على الكوفة بعد خروج آل محمد منها ، الطاعون الجارف ، فكان عقوبتها العاجلة على موقفها من هؤلاء البررة الميامين. وهرب منها واليها الأموي [المغيرة بن شعبة] خوف الطاعون ، ثم عاد إليها فطعن به فمات «انظر التعليقة رقم ١٠ ».

وكان الحسن ـ كما نعلم ـ أعرف الناس بمعاوية وبحظه من الصدق والوفاء ، وهو إذ يأخذ عليه الصيغ المغلظة في الإيمان والعهود ، لا يقصد من ذلك إلى التأكد من صدقه أو وفائه ، ولكن ليكشف للأغبياء قابليات الرجل في دينه وفي ذمامه وفي شرفه بالقول ، وانها للمبادأة الأولى التي ابتدأ الحسنعليه‌السلام زحفه منها إلى ميدانه الثاني.

ومن هنا وضع أول حجر في البناء الجديد لقضية أهل البيتعليهم‌السلام . ثم مشى موكب الزمان ، فإذا بالخطوات الموفقة تمشي وثيدا مع الزمان وإذا بطلائع النجاح كفيالق الجيش التي تتلاحق تباعا لتتعاون على الفتح. وان من الفتوح ما لا يعتمد في أداته على السلاح ، ومنها ما يكون وسائله الأولية أشبه بالهزيمة ، حتى ليخاله الناس تسليما محضا ، ولكنه في منطق العقلاء ، ظفر لامع وفتح مبين «انظر التعليقة رقم ١١ ».

وكان من أبرز الخطوات التي وفقت إليها خطة الحسنعليه‌السلام عن طريق الصلح ، في سبيل التشهير بمعاوية حيا وميتا ، والنكاية ببني أمية اطلاقا :

١ ـ أنها ألبت على معاوية في بداية عهده الاستقلالي عددا ضخما من الشخصيات البارزة في المملكة الإسلامية. فلعنه صراحة بعضهم ، وخبثه آخر ، وقرعه وجاها ثالث بل ثلاثة ، وقاطعه رابع ، وانكر عليه حتى مات غما من فعاله كبير خامس ، وقال فيه أحدهم : «وكان والله غدارا». وقال الآخر : «اربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن الا واحدة لكانت موبقة».

٢٤٥

٢ ـ وخلقت له معارضة الطبقات التي شملتها بنود المعاهدة ، سواء في الأمان المفروض فيها ، أو في الحقوق المالية المنصوص عليها. فإذا بعالم عظيم من الناس أصبح ينظر إلى معاوية نظره إلى العدو الواتر في النفس والمال ، بما نقضه من شروطهم ، في نفوسهم وأموالهم.

٣ ـ وظن معاوية أنه سيجعل من نقضه معاهدة الحسن وضعا شكليا لبيعة ابنه يزيد ، يتغلب به على عنعنات الإسلام المقررة بين المسلمين في أمر البيعة وصلاحية الخلافة. ولكنه لم يلبث أن اصطدم بالواقع ، فإذا بهذه البيعة الجديدة ، مثار النقمة الإسلامية العامة التي أصبحت تتحسس منذ ترشيح يزيد للخلافة بنوايا بني أمية من الإسلام.

٤ ـ ثم كانت البوائق الدامية التي جهر بها معاوية بعد نقض الصلح ، في قتله خيار المسلمين ـ من صحابة وتابعين ـ بغير ذنب ، عوامل أخرى للتشهير به ، ولتحطيم معنوياته المزعومة ، تمشيا مع الخطة المكينة ، التي أراها الامام الحسنعليه‌السلام منذ قرر الاقدام على الصلح.

٥ ـ وقضية الحسين في كربلاء سنة (٦١) هجرية ، كبرى قضايا الحسن فيما مهد له من الزحف على عدوهما المشترك ، وعدو أبيهما من قبل. ولا ننسى أنه قال له يوم وفاته : «ولا يوم كيومك أبا عبد الله». وهذه الكلمة على اختزالها ـ المقصود ـ هي الرمز الوحيد الذي سمع من الحسنعليه‌السلام ، فيما يشير به إلى الخطة المقنعة بالسر ، التي اعتورها الغموض من ست جهاتها ، منذ يوم الصلح إلى يوم صدور هذا الكتاب. وانك لتقرأ من هذه الكلمة لغة «القائد الأعلى» الذي يوزع القواد لوقائعهم ، ويوزع الأيام لمناسباتها ، ثم يميز أخاه ويوم أخيه فيقول : «ولا يوم كيومك ..». وكان من طبيعة الحال ان تبعث المناسبات الزمنية حلقات الخطة كلا ليومها. وكان لابد لكل حلقة أن توقظ الأخرى ، وأن تؤرث السابقة اللاحقة ، وتوقد الأولى جذورة الثانية ، وهكذا دواليك. وحسب الحسن لكل هذه الخطوات حسابها المناسب لها ، منذ قاول معاوية على هذا الصلح المعلوم ، ودرس ـ إلى ذلك ـ نفسيات خصومه بما كانت تشرئب له من النقمة عليه وعلى أخيه وعلى شيعته وعلى أهدافه جميعا. وكانت هذه

٢٤٦

المطالعات بنطاقها الواسع ، الأساس الذي بنى عليه الحسن خطواته المستقبلية فيما مهده لنفسه ولعدوه معا. وكان من طبيعة الحال ، أن تلقي هذه الخطوات قيادتها إلى الحسين فيما لو حيل بين الحسن وبين قيادتها بنفسه. وهذا هو ما أردناه في بداية هذا القول. وهكذا كانت نهضة الحسين الخالدة الخطوة الجبارة في خطة أخيه العبقري العظيم. «انظر التعليقة رقم ١٢ ».

وقال رحمه الله تعالى تحت عنوان (زعماء الشيعة المروعون) : وذكر أولهم عبد الله بن هاشم المرقال : كان كبير قريش في البصرة ، ورأس الشيعة فيها. وكان أبوه هاشم ـ المرقال ـ بن عتبة بن أبي وقاص ، القائد الجريء المقدام الذي لقي منه معاوية إلى عامله زياد : «اما بعد ، فانظر عبد الله بن هاشم بن عتبة ، فشد يده على عنقه ، ثم ابعث به إلي». فظرقه زياد في منزله ليلا ، وحمله مقيدا مغلولا إلى دمشق. فأدخل على معاوية ، وعنده عمرو بن العاص ، فقال معاوية لعمرو : «هل تعرف هذا؟» قال : «هذا الذي يقول أبوه يوم صفين ...» وقرأ رجزه وكان يحفظه ثم قال متمثلا :

وقد بنبت المرعى على دمن الثرى

وتبقى حزازات النفوس كما هيا

واستمر قائلا : «دونك يا أمير المؤمنين الضب المضب ، فأشخب أوداجه على أثباجه ، ولا ترده إلى العراق ، فإنه لا يصبر على النفاق ، وهم أهل الغدر وشقاق وحزب إبليس ليوم هيجانه ، وانه له هوى سيوديه ، ورأيا سيطغيه ، وبطانة ستقويه ، وجزاء سيئة مثلها». وكان مثل هذا المحضر ومثل هذا التحامل على العراق وأهله هو شنشنة عمرو بن العاص المعروفة عنه ، ولا نعرف أحدا وصف أهل العراق هذا الوصف العدو قبله.

أما ابن المرقال فلم يكن الرعديد الذي يغلق التهويل عليه قريحته ، وهو الشبل الذي تنميه الأسود الضراغم فقال ، وتوجه بكلامه إلى ابن الاص : «يا عمرو! ان اقتل ، فرجل أسلمه قومه ، وادرك يومه. أفلا كان هذا منك إذ تحيد عن القتال ، ونحن ندعوك إلى النزال فقال عمرو : «أما والله لا أحسبك منفلتا من مخالب أمير المؤمنين». فقال معاوية : «أيها عنكما». وأمر باطلاق عبد الله لنسيبه «انظر التعليقة رقم ١٣».

٢٤٧

ثم ذكر صعصعة بن صوحان وهو سيد من سادات العرب ، وعظيم من أقطاب الفضل والحسب. أسلم على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنه لم يلقه لصغره ، وأشكلت على عمر أيام خلافته قضية فخطب الناس وسألهم عما يقولون ـ فقام صعصعة ، وهو غلام شاب ، فأماط الحجاب ، وأوضح منهاج الصواب ـ ، وعملوا برأيه ـ ، وكان من أصحاب الخطط في الكوفة ، وشهد مع أمير المؤمنين «الجمل» و «صفين». قال في الإصابة(٣) «ان المغيرة نفى صعصعة بأمر معاوية من الكوفة إلى الجزيرة أو إلى البحرين ، وقيل إلى جزيرة ابن كافان فمات بها» «انظر التعليقة رقم ١٤».

(انتهى كلامهرحمه‌الله وفيما يلي تعليقاتنا التي تحمل الارقام من ٧ ـ ١٣)

تعليقات على كلامه رحمه‌الله من رقم ٩ الى رقم ١٤

التعليقة رقم ٩ :

أقول : نحن أمام ما ذكروه من قول معاوية عند دخوله الكوفة (ان شروط الحسن تحت قدميه) بين أمرين اما ان نقول بصحة صدور هذا القول من معاوية في الأسبوع الأول بعد الصلح ولكن النقض عمليا قد تم بعد عشر سنوات من الأمان. أو ان القول وتنفيذه قد صدر منه بعد عشر سنوات والذي نراه بعد الاغماض عن سندها هو الثاني وكان بعد قتل حجر وأصحابه لما سئل كيف قتلتهم وقد أعطيتهم الأمان قال كل شرط أعطيته للحسن فهو تحت قدمي ، وقد بينا في الفصل الثاني كيف ان الكوفة عاشت مع بقية البلاد الإسلامية عشر سنوات آمنة عزيزة انطلق منها شيعة علي لنشر أخبار سيرته المشرقة ، فلا يمكن طرح الروايات الكثيرة والشواهد العديدة التي تؤكد الأمان لرواية أو روايتين يمكن حملهما على ما بعد موت الحسن وليس قبله ، على اننا لا نوافق قول القائل ان معاوية اكتفى بها ملكا بل حولها إلى خلافة إلهية ، فلا يترقب منه ان يقول قاتلتكم لا تامر عليكم بيانا لحقده وهو يخطط لكي يرتقي بالحكم المدني المحدود الذي فرضه عليه الحسن إلى الخلافة الإلهية ، بل لا نوافق ان يكون معاوية احمق إلى الدرجة التي يفتح فيها جبهة مع أهل العراق ومع الحسن في الوقت الذي كان بأمس الحاجة اليهم لمواجهة خطر الروم والخوارج ، ان معاوية من الدهاء بمكانة عالية حين استطاع

٢٤٨

ان يدوس على جراحاته ويتحد من جديد مع طلحة مع علمه ان دم عثمان عنده من اجل ان يوحد قريشا ضد علي ودهاؤه هنا هو ان يستوعب أطروحة الحسن ويتقيد بها لخمس سنين أو عشر سنين ريثما يستقر له الملك ثم يتفرغ لمشروع علي يطوقه ويلاحق رجاله ثم يؤسس الخلافة الإلهية له ولأسرته بأحاديث كاذبة ، وقد ناقشنا سند الرواية في الباب الرابع الفصل الثاني ، انظر الصفحة رقم ٥١٧ من هذا الكتاب.

التعليقة رقم ١٠ :

الكوفة بما هي كوفة صارت حاضرة تحمل مشروع عليعليه‌السلام منذ ان استنجد بها عليعليه‌السلام : وهو بذي قار / على قريش حين احتلت البصرة ، وأجابه منها ما يزيد على عشرة آلاف مقاتل. ثم انجدته في صفين إذ خرجت معه تقاتل معاوية ، وانجدته بقتال ابناءها وآباءها في النهروان ووفت له حين بايعت / ولم تتردد / ولده الحسنعليه‌السلام على كتاب الله وسنة نبيه بصفته إمام الهدى ، ثم ساندت الحسن في مشروع الصلح حين رضيت ان يسلم أمرها : وهي مقر أهل الحل والعقد / إلى معاوية وعياً منهم وثقةً بقائدهم ان ذلك في صالح الرسالة وفي صالح مشروع علي مع حفظ وحدة الأمة.

التعليقة رقم ١١ :

أقول : ليس الفتح المبين هو ان يعلن معاوية غدره بشروط الحسن في أول يوم بل هو ان يعلن قبول معاوية الملك بشروط الحسن وهي في وجهها الآخر تعني الفتح المبين لمشروع علي في الشام. لان معاوية كان قد بايعه أهل الشام على ما بويع عليه عثمان من العمل بسيرة الشيخين ولعن علي وقتال شيعته الذين قتلوا عثمان كخط تلتزمه الدولة في اعلامها وسياستها وهو الآن يترحم على علي ، ويترك شيعته امنين يذكرون فضائله حتى في الشام وهم يزعمه قتلى عثمان ويترك الناس احرارا بلحاظ سيرة الشيخين في الحج وفي غيره يعمل كل شيخ باختياره.

التعليقة رقم ١٢ :

أقول : هذه كلها تصدق على معاوية بعد عشر سنوات الصلح أي بعد وفاة الحسن واعلانه الغدر المبين.

اما قول الشيخرحمه‌الله (ان نهضة الحسين الخالدة الخطوة الجبارة في خطة أخيه

٢٤٩

العبقري العظيم) فهي كلمة صائبة تعبر عن الارتباط بين حدث الغدر المبين الذي شكل طوقا جديدا على مشروع عليعليه‌السلام ونهضة الحسين المخطط لها ان تكسره وتفتح الطريق إلى الإمامة الهادية من جديد

التعليقة رقم ١٣ :

أقول : ولي زياد البصرة سنة ٤٤ هجرية. فالقصة إذن قد وقعت في ضوء هذه الرواية سنة ٤٤ هـ وكان عمرو بن العاص في زيارة للشام. ولكن الصحيح ان القصة وقعت أثناء حرب صفين وقد روى ابن عساكر في تاريخ دمشق انه جئ به أسيرا في صفين كما يبين ذلك شعره الذي رواه الرواة في القصة ثم سجنه معاوية ثم اطلق سراحه أيام التحكيم.

قال ابن عساكر : أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمّد بن خسرو ، أنا أبو غالب محمّد بن الحسن بن أحمد ، أنا أبو علي بن شاذان ، أنا أبو الحسين أحمد بن إسحاق بن نيخاب ، نا إبراهيم بن الحسين بن علي الكسائي ، نا يحيى بن سليمان ، حدّثني نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد ، عن رجل ، عن أبي سلمة قال : لما قتل هاشم بن عتبة وثب ابنه عبد الله بن هاشم فأخذ الراية ، فقاتل مليا ، ثم أسر ، فأتي به معاوية وعنده عمرو بن العاص فقيل : هذا المختال بن المرقال قال : فقال له ابن هاشم : ما أنا بأول رجل خذله قومه ، وأدركه يومه ، فقال له معاوية :

تلك أضغان صفين ، وما جنى عليك أبوك ، فقال عمرو : أيها الأمير ، ادفعه إليّ فأشخب أوداجه على أثباجه ، فقال له ابن هاشم : ألا كان هذا يا ابن العاص ، حيث أدعوك إلى النّزال ، وقد ابتلت أقدام الرجال ، وتضايقت بك المسالك ، وأشرفت على المهالك ، فأعجب معاوية ما سمع من كلامه ، فأمر به إلى الحبس ، وأنشأ يقول عمرو بن العاص أبياتا وبعث بها إلى معاوية :

أمر تلك أمرا حازما فعصيني

وكان من التوفيق قتل ابن هاشم

وكان أبوه يا معاوية الذي

رماك على جد بحز الغلاصم

فقتلنا حتى جرت من دمائنا

بصفّين أمثال البحور الخضارم

وهذا ابنه والمرء يشبهه ابنه

ويوشك أن تقرع به سنّ نادم

٢٥٠

فبلغ ذلك ابن هاشم وهو في الحبس ، فقال أبياتا وبعث بها إلى معاوية فقال :

معاوي إنّ المرء عمرا أبت له

ضغينة صدر غشّها غير نائم

يرى لك قتلي يا ابن هند وإنّما

يرى ما يرى عمرو ملوك الأعاجم

على أنهم لا يقتلون أسيرهم

إذا كان فيه منعة للمسالم

وقد كان منا يوم صفّين نقرة

عليك جناها هاشم وابن هاشم

هي الوقعة العظمى التي تعرفونها

وما مضى إلّا كأحلام نائم

مضى من قضاء الله فيها الذي مضى

وما مضى إلّا كأضغاث حالم

فإن تعف عنّي تعف عن ذي قرابة

وإن تر قتلي تستحل محارمي

قال : فعفا عنه معاوية ، وكسّاه ، وخلّى سبيله وأحسن إليه.(١)

التعليقة رقم ١٤ :

أقول : ولكن القاضي المغربي روى عن تميم بن مالك القرشي قال : كتب معاوية بن أبي سفيان إلى زياد : أن ابعث لي خطباء أهل العراق : وابعث إلي صعصعة بن صوحان. ففعل. فلما قدموا على معاوية خطبهم. فقال : (مرحبا بكم يا أهل العراق) قدمتم على إمامكم ، وهو جنة لكم يعطيكم مسألتكم ، ولا يعظم في عينه كبيرا ، ولا يحقر لكم صغيرا ، وقدمتم على أرض المحشر والمنشر والأرض المقدسة وأرض هجرة الأنبياء. ثم قال في خطبته : ولو أن أبا سفيان ولد الناس كلهم لكانوا أكياسا. ولما فرغ من خطبته : قال لصعصعة : قم واخطب يا صعصعة. فقام صعصعة : فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال : إن معاوية ذكر إنا قدمنا على إمامنا وهو جنة لنا فما يكون حالنا إذا انخرقت الجنة ، وذكر إنا قدمنا على أرض المحشر والمنشر والأرض المقدسة وأرض هجرة الأنبياء. فالمحشر والمنشر لا يضر بعدهما مؤمنا ولا ينفع قربهما كافرا. والأرض لا تقدس أحدا ، وإنما يقدس العباس أعمالهم. ولقد وطأها من الفراعنة أكثر مما وطأها من الأنبياء. وذكر إن أبا سفيان لو ولد الناس كلهم لكانوا أكياسا ، فقد ولدهم من هو خير من أبي سفيان آدم (صلوات الله عليه) فولد الكيس والأحمق (والجاهل والعالم). ـ فغضب معاوية ـ وقال : اسكت

__________________

(١) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ، ج ٣٣ ص ٣٤٦.

٢٥١

لا أم لك ولا أب ولا أرض. فقال صعصعة : الأب والأم ولداني ومن الأرض خرجت واليها أعود. فأمر برده إلى زياد ، ثم كتب إليه : أقمه للناس وأمره أن يلعن علياعليه‌السلام ، فإن لم يفعل ، فاقتله. فأخبره زياد بما أمره بن فيه وأقامه للناس. فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال : ، أيها الناس إن معاوية أمرني أن ألعن عليا فالعنوه لعنه الله ، ونزل. فقال زياد لصعصعة : لا أراك لعنت إلا أمير المؤمنين. قال : إن تركتها مبهمة وإلا بينتها. قال (زياد) : لتلعن عليا ، وإلا أسب عليا عليه السام وقد (قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله) ، وما كنت بالذي أسب الله ورسوله. فكتب زياد بخبره إلى معاوية ، فأمره بقطع عدائه وهدم داره. ففعل. بعض الشيعة إلى بعضهم ، فجمعوا له سبعين ألفا(١) .

أقول : اما بقية الأسماء التي ذكرها الشيخرحمه‌الله كحجر بن عدي وأصحابه فانه من الثابت تاريخيا ترويعهم وقتله كان بعد وفاة الحسن.

ويتضحم من ذلك ان السنوات العشر الأولى زمن الحسن كانت سنوات أمان ، وان الغدر بدأ به معاوية بعد وفاة الحسن وقد بدأ غدره بالحسنعليه‌السلام حين دس له السم واتضح أمره فيه كما بينا أدلته.

__________________

(١) القاضي النعمان المغربي ،شرح الاخبار في فضائل الأئمة الأطهار ، تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ١٤١٤ هـ ، ج ١ ص ١٧٠ ـ ١٧١.

٢٥٢

الباب الثاني / الفصل السادس

مسار الإمامة الإلهية لأربعين سنة

مرت قضية الإمامة الهادية للامة ومصادر الثقافة والتشريع بعد النبي خلال الأربعين سنة منذ حجة الوداع وحتى وفاة الحسن سنة ٥٠ هـ بأربعة مراحل وهي :

المرحلة الأولى : على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

١. دعا القرآن بوضوح إلى اتخاذ (القرآن وسنة النبي) مصدرا للتشريع والتثقيف وشجب (كتب الأنبياء السابقين) ان تكون مصدرا للتثقيف بسبب ما نالها من تحريف معتمد من قبل كتبتها افقدها قدرتها على استيعاب نمو الإنسان وتفتحه العقلي.

قال تعالى :

( قل أيّ شيء أكبر شهادةً قل الله شهيد بيني وبينكم ، وأوحي إليّ هذا القرآن لأُنذركم به ومن بلغ ) الأنعام / ١٩.

( إنّ علينا جمعه وقرآنه (١٧)فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه (١٨)ثمّ إنّ علينا بيانه (١٩)) القيامة / ١٧ ـ ١٩

( وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم ولعلّهم يتفكّرون ) النحل / ٤٤.

( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً وقال الله إنّي معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزّرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً لأُكفّرنّ

٢٥٣

عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (١٢)

فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣)

وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١٤)

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (١٥)

يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (١٦) المائدة / ١٢ ـ ١٦.

٢. وحث القرآن المؤمنين له على تبليغ الكتاب والسنة وعدم كتمانها.

قال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩)إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠)) البقرة / ١٥٩ ـ ١٦٠

وحث النبي امته على نشر حديثه (نضَّرَ(١) الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ثم أداها إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه لا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).(٢)

__________________

(١) أي نَعَّم.

(٢) الطبراني ،المعجم الكبير ج ٢ ص ١٢٧ وج ١٧ ص ٤٩. وابو داود ، سنن أبي داود ص ٥٨٠ ، وابن ماجة ،سنن ابن ماجة ، ص ٥٠. واحمد بن حنبل ،مسند احمد ، ج ١٣ ص ١٣٩. وأيضاً الحاكم ،المستدرك على الصحيحين ج ١ ص ١٦٢. وابو يعلى ،مسند أبي يعلى ج ٥ ص ٤٤١. والحميدي ، عبد الله بن الزبير ،مسند الحميدي ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤٠٩ ـ ١٩٨٨ م ، ج ١ ص ٤٧ ، والطبراني ،مسند الشاميين ، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي ، مؤسسة الرسالة بيروت ١٤١٧ ـ ١٩٩٦ م ، ج ٢ ص ٢٦١. والقضاعي ، محمد بن سلامة ،مسند الشهاب ، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي ، مؤسسة الرسالة بيروت ١٤٠٥ ـ ١٩٨٥ م.

٢٥٤

٣. اثبت القرآن وجود شهداء من آل إبراهيم بعد النبي أورثهم السنة النبوية ووثائقها عرضهم أئمة هدى على الناس وكلفهم حفظ الرسالة وجعلهم مطهرين معصومين وجعلهم مع النبي تحت عنوان واحد وهو (أهل البيت) ولم يسمِّهم القرآن وسمّاهم النبي.

كما ورد عن أبي سعيد الخدري وأم سلمة وواثلة بن الاسقع وغيرهم : قالوا نزلت( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) الأحزاب / ٣٣ في خمسة في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين.(١)

واثبت القرآن ان موقع (الشهيد على الناس) الذي جعله الله تعالى للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ابتداء( يا أيها النبيّ إنّا أرسلناك شاهداً ومبشّراً ونذيراً ) الأحزاب / ٤٥ مستمر في الأمة بعد النبي في أهل بيته قال تعالى( أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً ) هود / ١٧.

وهؤلاء الشهداء بعد النبي من ذرية إبراهيم كما في قوله تعالى :( مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) الحج / ٧٨.

وهؤلاء هم آل إبراهيم المشار اليهم في قوله تعالى :( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (٥٤)فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (٥٥)) النساء / ٥٤ ـ ٥٥

وآل إبراهيم هنا هم البقية الباقية من عترته المشار إليها في قوله تعالى( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧)رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨)رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩)) البقرة / ١٢٧ ـ ١٢٩

__________________

(١) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ١٤ ص ٣٨ ـ ٤٢.

(٢) والاية توضح أيضا ان هؤلاء الشهداء على الناس قد بشر بهم في الكتب السابقة كما بشر بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٥٥

وآل إبراهيم هؤلاء قد أورثهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر الله تعالى الكتاب وبيانه وراثة خاصة قال تعالى( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢)) فاطر / ٣٢ فالوارث للكتاب هو السابق بالخيرات. اما المقتصد فهو المتعلم منهم ، اما الظالم لنفسه فهو التارك لهم الصادّ عنهم. وهذه الوارثة نظير وراثة آل هارون تراث موسى المشار إليه في قوله تعالى( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) البقرة / ٢٤٨.

وقد كلف الله تعالى هؤلاء الوارثين السابقين بالخيرات بإذن الله ان يحفظوا الرسالة بعد النبي وعرضهم على الناس أئمة هدى وفرض الاقتداء بهم (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (٨٩)أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (٩٠)) الأنعام.(١)

وقد أكد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مفاهيم هذه الآيات بقوله : (اني تارك فيكم أمرين (وفي رواية ثقلين)(٢) لن تضلوا إن اتبعتموهما (وفي رواية ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا) : كتاب الله وعترتي أهل بيتي فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم. ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : نعم. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنتم مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه

__________________

(١) كرسنا كتابا خاصا لبحث الإمامة الإلهية لأهل البيت في ضوء القرآن وقبل الرجوع إلى السنة النبوية المطهرة.

(٢) حديث الثقلين وهو من الأحاديث المتواترة عند الطرفين وقد خرجه الفتلاوي في كتابه الكشاف المنتقي عن اكثر من مئة مصدر منها : (مسلم بن الحجاج ،صحيح مسلم ص ٩٤١. والترمذي ،سنن الترمذي ص ٨٥٨. وابن أبي شيبة ،المصنف ج ٦ ص ٣١٣. والدارمي ،سنن الدارمي ص ٥٥٠. واحمد بن حنبل ،مسند احمد ، ج ١٠ ص ٤٨ وفي مواضع متعددة منه. والنسائي ،السنن الكبرى ج ٥ ص ٤٥. وابن الجعد ،مسند ابن الجعد ص ٣٩٧. والحاكم ،المستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ١١٨. والبزار ،مسند البزار ج ١٠ ص ٢٤٠. وابن أبي عاصم ،السنة لأبي عاصم ، ص ٣٥٢ ـ ٣٥٤. والطبراني ،المعجم الكبير ، ج ٣ ص ٦٥ وفي مواضع متعدد منه. والنسائي ،فضائل الصحابة ص ١٥. والمتقي الهندي ،كنز العمال ، ج ١ ص ٩٩ وفي مواضع متعددة منه ، والهيثمي ، مجمع الزوائد ، دار الكتب العلمية ١٩٨٨ م ، ج ٩ ص ١٨٢ إلى غير ذلك من المصادر.

٢٥٦

وانصر من نصره واخذل من خذله)(١) . وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا علي انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي من بعدي)(٢) . وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيِّماً لا يضرهم من خذلهم كلهم من قريش).

روى النسائي واحمد عن عليعليه‌السلام أنه قال : كان لي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مُدخلان مُدخل بالليل ومُدخل بالنهار ، فكنت إذا دخلت بالليل تنحنح لي(٣) وفي رواية أخرى قال : كانت لي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منزلة لم تكن لأحد من الخلائق اني كنت آتيه كلَّ سَحَر فأُسلِّم عليه حتى يتنحنح(٤) . فان تنحنح انصرفت إلى أهلي وإلا دخلت عليه.

وروى الصفار عن عليعليه‌السلام انه قال : ما دخل رأسي يوما حتى علمت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما نزل به جبرائيل في ذلك اليوم من حلال أو حرام أو سنة أو أمر أو نهي فيما نزل فيه وفي من نزل قال الراوي : وإذا غاب عنه كان يتحفظ على رسول الله الأيام التي غاب فيها فإذا التقيا قال له رسول الله : يا علي نزل عليَّ في يوم كذا كذا

__________________

(١) حديث الغدير وهو من الأحاديث المشهورة المتواترة بين المسلمين وقد كتبت الكتب والرسائل قد استوفى ذلك كله العلامة الاميني في موسوعته القيمة (الغدير في الكتاب والسنة والادب ).

(٢) حديث المنزلة وهو أيضا من الأحاديث المتواترة عند الطرفين قال ابن عبد البر فيالاستيعاب ج ٢ ص ٤٦ ورى قوله ص (انت مني بمنزلة هارون من موسى) جماعة من الصحابة وهو من اثبت الآثار واصحها. وقد أخرجه كثير من العلماء في مصنفاتهم وكتبهم ومنها :

البخاري ،صحيح البخاري . ومسلم بن الحجاج ،صحيح مسلم . والترمذي ،سنن الترمذي ص ٨٤٩. وابن ماجة ،سنن ابن ماجة ص ٣٣. وابن أبي شيبة ،المصنف ج ٦ ص ٣٦٩. وابن حبان ،صحيح ابن حبان ج ٦ ص ١٧١. وابو عاصم ،السنه لابن أبي عاصم ص ٣١٥. والنسائي ،السنه الكبرى ج ٥ ص ٤٤. وعبد الرزاق الصنعاني ،المصنف ج ٥ ص ١٦٧. والحاكم ،المستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ١١٧. وابو داود الطيالسي ،مسند الطيالسي ج ١ ص ١١٤. وابو يعلى ،مسند أبي يعلى ج ١ ص ١٢٤ وفي مواضع متعددة منه. واحمد بن حنبل ، مسند احمد ج ٢ ص ٢١٩ وفي مواضع متعددة منه. وابن الجعد ،مسند ابن الجعد ص ٣٠١. والبزار ، مسند البزار ج ٣ ص ٢٧٦ وفي مواضع متعددة منه. والحميدي ،مسند الحميدي ج ١ ص ٣٨. والطبراني ، المعجم الكبير ج ١ ص ١٤٦ وفي مواضع متعددة منه. والمتقي الهندي ،كنز العمال ، ج ١٣ ص ٧١ وفي مواضع متعددة منه. والنسائي ،فضائل الصحابة ص ١٣. والهيثمي ،مجمع الزوائد ج ٩ ص ٩٦ وفي مواضع متعددة منه. إلى غير ذلك من المصادر.

(٣) النسائي ،المجتبى من السنن (سنن النسائي) ص ٢٠٨. واحمد بن حنبل ،مسند احمد ج ١ ص ٤٢٧ ، وابن ماجة ،سنن ابن ماجة ص ٥٩٦. وابن أبي شيبة ،المصنف ج ٥ ص ٢٤٤.

(٤) المصدر السابق ص ٢٠٨. واحمد بن حنبل ،مسند احمد ، ج ١ ص ٤٤٥. والبزار،مسند البزار ج ٣ ص ٩٨.

٢٥٧

وكذا وفي يوم كذا وكذا حتى يعدهما عليه إلى آخر اليوم الذي وافى فيه.(١)

وروى الصفار أيضاً عن عليعليه‌السلام انه قال : فما نزلت عليه آية في ليل ولا نهار إلا أقرأنيها وأملاها علي وكتبتها بيدي وعلمني تأويلها وتفسيرها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها وكيف نزلت وأين نزلت وفي من أنزلت إلى يوم القيامة.(٢)

وفي رواية الباقرعليه‌السلام قال : قال رسول الله لعلي : اكتب ما أُملي عليك ، قال : يا نبي الله أتخاف عليَّ النسيان؟ قال : لست أخاف عليك النسيان وقد دعوت الله أن يحفِّظك ولا يُنسِيَك ولكن اكتب لشركائك ، قال : قلت ومن شركائي يا نبي الله؟ قال : الأئمة من ولدك(٣)

قال تعالى :( أفمن كان على بيّنة من ربّه ويتلوه شاهدٌ منه ) هود / ١٧.

روى ابن عساكر بسنده عن ضُمرة عن عطاء عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال : رسول الله علي على بينة من ربه ، وأنا الشاهد منه.(٤)

وروى الحسكاني بسنده عن علي بن أبي المغيرة عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي بن أبي طالب قال : رسول الله على بينة من ربه ، وأنا الشاهد منه أتلوه وأتبعه.(٥)

وروى أحمد والطبراني وابن ماجة وغيرهم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي.(٦)

__________________

(١) الصفار ،بصائر الدرجات ، منشورات الأعلمي ١٤٠٤ هـ ، ص ٢٦١.

(٢) الصفار ،بصائر الدرجات ، ص ٢٦٢.

(٣) الطوسي ،الأمالي ، ص ٤٤١ ، الصفار ، بصائر الدرجات ، ص ٢٢٧. وقد توارث الأئمةعليهم‌السلام واحدا بعد واحد ، كتب عليعليه‌السلام ، روى حمران بن اعين عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : أشار إلى بيت كبير وقال : يا حمران ان في هذا البيت صحيفة طولها سبعن ذراعا بخط علي وإملاء رسول الله ولو ولينا الناس لحكمنا بينهم بما انزل الله لم نَعْدُ ما في هذه الصحيفة (المصدر السابق ص ١٩٩). وفي رواية أخرى قال : والله ان عندنا لجلدي ماعز وضأن أملاها رسول الله وخط علي (بيده) وأن عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعا أملاها رسول الله وخطها علي بيده وان فيها لجميع ما يحتاج إليه حتى ارض الخدش (المصدر السابق : ٢١٢ ، ٢١٧).

(٤) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ٤٥ ص ٢٧٥.

(٥) الحسكاني ،شواهد التنزيل ج ١ ص ٤٣٠.

(٦) احمد بن حنبل ،مسند احمد ج ١٣ ص ٣٩٤ ، ص ٣٩٦. والطبراني ،المعجم الكبير ج ٤ ص ١٦. وابن ماجة ، سنن ابن ماجة ص ٣٣. والنسائي ، سنن النسائي ج ٥ ص ٤٥ ، ١٢٨. الشيباني ،

٢٥٨

ومرادهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك هو التبليغ المساوق لتبليغ النبي عن ربه من حيث عدم احتمال الشك فيه انهصلى‌الله‌عليه‌وآله نسي أو اشتبه في قليل أو كثير مما يبلغه. وقد جاء هذا الاختصاص واضحا صريحا في قصة تبليغ براءة لما بعث النبي بها أبا بكر ليبلغها إلى المشركين في موسم الحج ثم نزل جبرئيل أن يبعث علياً ويأخذها منه لأنه للا يبلِّغ عنه إلا هو أو رجل منه.(١)

المرحلة الثانية : قريش المسلمة تمارس الإمامة الدينية

بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بدلا من أهل البيت عليهم‌السلام

١. الخلافة القرشية تفسح المجال لنشر ثقافة أهل الكتاب :

على الرغم من ان الخليفة عمر كان صاحب تجربة مباشرة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في شهود موقف الإلغاء هذا رأيناه يفسح المجال لمسلمة أهل الكتاب لنشر أساطيرهم.

روى أحمد بن حنبل بسنده عن الشعبي ، عن جابر : أن عمر بن الخطاب أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقال يا رسول الله : إني أصبت كتابا حسنا من بعض أهل الكتاب (وفي رواية عمر نسخ صحيفة من التوراة) (وفي رواية قال : يا رسول الله : إني مررت بأخ لي من يهود من قريضة فكتب لي جوامع من التوراة قال : أفلا أعرضها عليك؟) : فغضب وقال : أمتهوكون(٢) فيها يابن الخطاب : فوالذي نفسي بيده! لقد جئتكم بها بيضاء نقية. لا تسألوهم عن شيء(٣) فانهم لن يهدوكم وقد ضلوا.(٤)

__________________

الآحاد والمثاني ، ص ٢٩٤. والترمذي ،سنن الترمذي ص ٨٤٧. والمتقي الهندي ،كنز العمال ج ١١ ص ٢٧٧ ، أبو يعلى الموصلي ،مسند أبي يعلى ج ١ ص ١٢٧ ، ابن أبي شية ،المصنف ، ج ٦ ص ٣٦٩. وابن أبي عاصم ،السنة ، ص ٣٠٤. والنسائي ،فضائل الصحابة ، ص ١٥.

(١) انظر تبليغ براةء.

(٢) قال ابن الاثير : في مادة «هوك» فيه أنه قال لعمر في كلام : أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟ لقد جئت بها بيضاء نقية». التهوك كالتهور ، وهو الوقوع في الأمر بغير روية. والمتهوك : الذي يقع في كل أمر.

(٣) الامام الشافعي ،المسند ، دار الكتب العلمية ، ج ١٢ ص ٨٥ ، وابن أبي شيبة ،المصنف ، ج ٥ ص ٣١٣. وعبد الرزاق ،المصنف ج ١٠ ص ١٣٤. والمتقي الهندي ،كنز العمال ج ١ ص ١١٣ ، ابن أبي عاصم ،السنة ، ص ١٩.

(٤) الهيثمي ،مجمع الزوائد ج ١ ص ١٧٣ ، ١٧٤.

٢٥٩

ومن مسلمة أهل الكتاب تميم الداري(١) الذي سمح له عمر ان يقص في المسجد النبوي ساعة قبل خطبة الجمعة. وقد انتشرت بواسطته أسطورة الجساسة.

ومنهم كعب بن ماتع الحميري (ت سنة ٣٤ هجـ) أحد كبار علماء اليهود الذي لم يدخل في الإسلام زمن النبي على الرغم من ان همدان كلها قد أسلمت على يد علي ودخل في الإسلام زمن عمر وكان آنذاك قد ناهز الثمانين ، وكأن الخليفة قد وجد بغيته فيه فقربه إليه واعتمده في تفسير آيات المبدأ والمعاد وقصص الأنبياء لتملأ الفراغ الثقافي الذي أوجدته سياسة منع نشر الحديث النبوي ومنع السؤال عن تفسير القرآن ، وارتفعت منزلته لديه حيث كان يطلب عمر منه ان يعظه ويخوّفه.

وعلى أثر اعتماد الخليفة عليه ركن الآخرون إلى كعب كما يظهر ذلك مما رواه السيوطي(٢) قال : أخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط بسند حسن عن عبد الله بن الحارث قال : كنت عند عائشةرضي‌الله‌عنها وعندها كعبرضي‌الله‌عنه فذكر إسرافيلعليه‌السلام فقالت عائشة : أخبرني عن إسرافيلعليه‌السلام ؟ قال : له أربعة أجنحة جناحان في الهواءِ وجناح قد تسربل بهِ وجناح على كاهلهِ والقلم على أذنه فإذا نزل الوحي كتب القلمِ ثم درست الملائكةِ وملك كالصور جاث على إحدى ركبتيهِ وقد نصب الأخرىِ فالتقم الصورِ محنى ظهره وقد أمر إذا رأى إسرافيل قد ضم جناحيه أن ينفخ في الصور.(٣)

__________________

(١) تميم بن أوس بن خارجة أبو رقية الداري انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان ونزل بيت المقدس وكان إسلامه سنة تسع روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعنه أبن عمر وأبو هريرة وأنس بن مالك وزرارة بن أوفى وروح بن زنباع وعبد الله بن موهب وعطاء بن يزيد الليثي وهشر بن حوشب وعبد الرحمن بن غنم وجماعة مات بالشام ولا عقب له قال قتادة كان من علماء أهل الكتاب (ابن حجر ،تهذيب التهذيب ، ج ١ ص ٥٣٩). قال السائب بن يزيد هو أول من قص بإذن عمر توفي سنة أربعين م ٤ (الذهبي ،الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة ، ج ١ ص ١١٤). وفي فتوح البلدان للبلاذري ص ٤٣٧ ان عمر ألحقه بأهل بدر في العطاء. مضافا إلى انه عينه ليؤم الناس في للصلاة التي ابتدعها في ليالي شهر رمضان.

(٢) السيوطي ،الدر المنثور في التفسير المأثور ، دار المعرفة بيروت ، ج ٣ ص ٤٢. والطبراني ،المعجم الاوسط ، ج ٦ ص ٤٢٥ ، أبو نعيم ،حلية الأولياء ج ٦ ص ٤٦.

(٣) نقلنا ذلك من كتابالقرآن وروايات المدرستين للعلامة العسكري ، ج ٢ ص ٤٢٨ ـ ٤٣١ ، وتراجع مروياته فيحلية الأولياء لابي نعيم ج ٦ ص ٤٧٣ فان فيها العجب العجاب.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611