الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي9%

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 611

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 178110 / تحميل: 7881
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الفصل الثالث

القرآن والغزو الثقافي

٨١

٨٢

امتزاج الحق بالباطل

في ضوء المطالب التي جرى بيانها في الفصلين المتقدمَين، وفي حدود تحقيق غاية الكتاب فقد تمّ تقديم إيضاحات موجزة عن مكانة القرآن وأهميته، ودور هذا الكتاب الإلهي، من منظار نهج البلاغة في هداية البشر نحو السعادة الكمال، والآن يتبادر هذا السؤال وهو : هل يكفي الالتزام بالأمور الآنفة الذكر لغرض الاستفادة من القرآن الكريم، والتمسك بالثقل الأكبر الذي يُعد تراثاً عظيماً للنبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ربّما يقال لو جرى الالتزام بكافة الأمور التي تلعب دوراً في الفهم الصحيح والاستنباط الصائب من القرآن، فمن المحتم أن تُفهم أحكام القرآن ومعارفه كما هي، وتتبلور ثقافة المجتمع على أساس توجيهات القرآن الكريم ويتحصّن الناس من الخطر في ظل الحكومة الدينية وتحت ظلال القرآن؛ لأنّ التمسك بالقرآن هو ذاته الفهم الصحيح لمعارفه والعمل على أساس التعاليم القرآنية.

بالرغم من أنّ الجواب المذكور يُعتبر إلى حدّ ما صحيحاً في حدود الهدايات الفردية للقرآن، لكن تحقّق هذا الأمر إنّما يكون حينما يُنظر إلى الدور المفترض للقرآن على مستوى عامٍ، ويُدرك موقعه في مواجهة الأفكار الضالة والمتطاولين على الثقافة الدينية.

يبدو أنّ تحكيم ثقافة القرآن وقيادة المجتمع على أساس المعتقدات والقيم الدينية لن يكون مهمةً سهلةً، بدون معرفة الأفكار الضالة لأعداء القرآن، ومواجهتهم من خلال تسليط الأضواء، وفضح مؤامراتهم أمام الملأ، وهذا أمر غالباً ما يكون محط غفلة.

٨٣

بناءً على هذا ينبغي إلى جانب العمل على فهم القرآن والعمل بتوجيهاته، أن لا يُغفل عن أعداء القرآن بأي نحو كان، فلا يتحقق التمسك بالقرآن وتحكيم هذا الكتاب السماوي إلاّ بمعرفة الأفكار الضالة المعادية للقرآن ومواجهتها.

إنّ الحق والباطل متلاصقان في مقام العمل مثل تلاصقهما في مقام المعرفة، أي أنّكم إذا ما عرفتم الحق فستعرفون الباطل أيضاً، ومعرفة الباطل تعينكم لكي تعرفوا الحق أيضاً، وفي مقام العمل يتعذر تحكيم القرآن في المجتمع بدون معرفة الأعداء والأفكار المنحرفة، والتصدي لمؤامراتهم ومكائدهم الشيطانية في إضعاف الثقافة الدينية للناس.

إنّنا وفي هذا المجال نورد في البداية كلاماً لعليعليه‌السلام في نهج البلاغة، ومن ثَمّ نقوم ببيان أساليب أعداء القرآن في تضليل الرأي العام للمجتمع لنعرّف - من خلال توضيح شبهات الملحدين - الرأي العام للناس لاسيما طبقة الشباب والمثقّفين في المجتمع بالمؤامرات الشيطانية التي يحيكها الأعداء.

إنّ معرفة الأعداء والمناهضين للقرآن والثقافة الدينية من الأهمية والحساسية بحيث يقول عليعليه‌السلام : ( وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ، وَلَنْ تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ، وَلَنْ تَمَسَّكُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَهُ، فَالْتَمِسُوا ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ فَإِنَّهُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ وَمَوْتُ الْجَهْلِ )(١) ، فاعلموا أنّكم لا تعرفون طريق الهداية ولا تسلكونه إلاّ أن تعرفوا الذين تخلوا عن الهداية الإلهية، ولا تتمسكون بعهد الله وهو القرآن الكريم إلاّ أن تعرفوا الذين نكثوا ذلك العهد، ولا تكونون ممّن تمسكوا بحبل الله المتين والأتباع الحقيقيين للقرآن إلاّ أن تعرفوا الذين حادوا عن القرآن واعرضوا عن هذا الكتاب الإلهي، ثمّ يقولعليه‌السلام : خذوا تفسير القرآن ومعارفه عن أهل القرآن - أهل البيت - لأنّهم هم الذين يحيون العلوم والمعارف الإلهية ويميتون الجهل.

إنّ هذا الكلام الجلي لعليعليه‌السلام المرتكز على ضرورة تمييز العدو ومعروفة الأفكار

____________________

(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٤٧.

٨٤

الضالة وضرورة فضح المنحرفين، يضاعف واجب علماء الدين والقائمين على نشر العلوم والمعارف الإلهية؛ لأن إزالة الأفكار المنحرفة، وشبهات الملحدين، عن أذهان الناس، لاسيما الشباب الذين لا يتمتعون بالبنية العلمية الكافية من حيث العلوم والمعارف الدينية، من المهام الأساسية للتبليغ، وتحكيم الثقافة القرآنية والدينية وبدون ذلك لا يمكن توقّع تحقيق النتيجة المنشودة والمفترضة، ولغرض توضيح هذا الأمر نتابع البحث في ثلاثة أقسام هي : الشبهات، والأساليب، ودوافع الأعداء من إثارة الشبهات.

بالرغم من أنّ القرآن أعظم نعمة مَنَّ بها الله سبحانه وتعالى بها على عباده، ورغم أنّه تكفّل المحافظة عليه من تطاول الشياطين وذوي الأطباع الشيطانية من الناس، لكن هذه ليست نهاية القصة، فالشيطان - هذا العدو المتربص ببني آدم - يوحي بالشبهات في كل عصر وبما يتناسب مع الظروف والروح السائدة، على مَن لهم القدرة من حيث الموقع الاجتماعي بالتأثير على أفكار الناس، وفي إطار أهوائهم النفسية؛ ليجرّ عامة الناس من خلالهم خلفه، ويحرفهم عن القرآن والدين، وبما أنّ القرآن أعظم وسيلة لنجاة الناس وهدايتهم وسعادتهم، فإنّ كل ما يتمناه الشيطان ويهدف له هو فصل الناس عن القرآن والدين، ومن أحابيل الشيطان في هذا الاتجاه هو تشجيع وساوس الذين بمقدورهم خلخلة إيمان واعتقاد الناس عن طريق إثارة الشبهات حول الدين والقرآن.

لقد كان عمل الشيطان والشياطنة في مقارعة القرآن الكريم قائماً منذ بداية نزول القرآن، وقد بدأت هذه الأعمال منذ الحث على ملء الآذان بالقطن، والمنع عن الاستماع لآيات الله، وتوجيه الاتهام للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والافتراء عليه وهي مستمرة الآن بصور أخرى، وسوف تستمر لاحقاً أيضاً، وفي هذا المجال نغض الطرف عن إيراد تفاصيل طريقة المواجهة مع القرآن على مر التاريخ، ولغرض تجنّب الإطناب في الحديث نحاول من خلال ذكر بعض الشبهات التي تُثار الآن في وسط المجتمع؛ لإضعاف الثقافة الدينية

٨٥

للناس، لاسيما الشباب منهم وعقائدهم؛ كي نعمل على تنوير عقول القرّاء ومنهم الشباب، كي يتسنّى لهم ومن خلال الاطلاع على هذه المؤامرات الشيطانية التصدي للغزو الثقافي الذي يشنه الأعداء.

عندما يئس الشياطين في مواجهتهم للقرآن من القضاء عليه وإفنائه قرّروا حرمان الناس من التعرف على مضمونه، فكان أعداء القرآن وعلى مدى عدة قرون يروّجون في أوساط المسلمين، لاسيما الشيعة من أنّنا ينبغي أن لا نتوقع الكثير من القرآن؛ لأنّ القرآن متعذر الفهم بالنسبة إلينا، ونحن لسنا على اطلاع بباطن القرآن، وعليه لا يمكن الاستناد إلى ظاهر القرآن.

إنّ هؤلاء وبإيحائهم بفكرة عدم قدرتنا على فهم القرآن كانوا يحاولون حرمان الناس من الانتهال من القرآن، وبالنتيجة يُخرجون القرآن من صلب حياة المسلمين، وفي هذه الأثناء بالرغم من أنّ الاحترام الظاهري للقرآن في صيغة القراءة والتقبيل وتقديسه واحترامه كان شائعاً بين المسلمين، لكن هدف الأعداء ومناهضي القرآن هو حرمان الناس من مضمون القرآن والعمل بتعاليم هذا الكتاب السماوي.

واليوم يقوم أدعياء التنوّر الفكري - الذين يفتقرون للكثير من العلوم والمعارف الإسلامية - بإثارة أكثر الشبهات إضلالاً، والمؤامرات الشيطانية التي حيكت في الغرب قبل عدة قرون حول الكتب المحرّفة لسائر الباديان، وذلك تحت عنوان الأفكار الحديثة في وسط المحافل الثقافية والعلمية للمجتمع، والتأثير على الشريحة الطلابية المتعطشة للعلم والمعرفة، التي لا معرفة لها بأسس الأفكار الباطلة والأوهام الشيطانية لهؤلاء، متوهمين أنّهم يقومون بإضعاف المرتكزات العقائدية لهذه الطبقة، غافلين عن أنّ الشعب المسلم لاسيما الشباب من الطلبة والعلماء المسلمين الواعين، سيدركون بطلان أفكارهم الخاوية الشوهاء والبعيدة عن المنطق والعقل.إنّ عقائد وأفكار وعلوم الشعب المسلم وعلماء الدين تقوم على العقل والمنطق، ونابعة من علوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة

٨٦

المعصومينعليهم‌السلام ، وتنبثق من ينبوع الوحي، وحيثما واجه مسلمٌ أفكاراً منحرفة في المجالات الفكرية والعقائدية فإنّه ينبري لطرح ذلك أمام العلماء والمختصين بالعلوم والمعارف الدينية؛ ليحصل على الجواب الصحيح والمنطقي.

شبهة عدم بلوغ حقيقة الدين

لقد أثيرت شبهة عدم إمكانية بلوغ حقيقة الدين بدوافع شيطانية للغاية، ولها من الآثار المدمرة التي لا مجال الآن للتطرّق إليها جميعاً، ونكتفي هنا بتوضيح أصل الشبهة وكشف بعض زواياها الخافية ولوازمها، ونترك الحكم إليكم.

بما أنّ بحثنا يختص بالقرآن الكريم فإنّنا نتناول هذه الشبهة بالبحث فيما يخص القرآن.

فهذه الشبهة تُثار بصور شتى ومستويات مختلفة فيما يتعلق بفهم القرآن الكريم، فتارة يقال إنّ بعض آيات القرآن الكريم لها تفسيرات مختلفة، ولا يتفق المفسّرون في آرائهم في تفسيرها وتفصيلها، ونحن مهما قمنا بالتحقيق لغرض أن نحصل على رأي صائب يكون كاشفاً عن الكلام الواقعي للقرآن، فإنّنا في النهاية سنقبل بتفسير ورأي أحد المفسّرين، ومن الطبيعي أنّ سائر المفسّرين لا يرون فيه رأي القرآن، وعليه فإنّه ليس يسيراً بلوغ الكلام الحقيقي للقرآن.

من الطبيعي أنّ مثيري هذه الشبهة يحاولون من خلال الإيحاء بالفكرة المذكورة إثارة الشكوك لدى الذين لا يتمتعون بقوة فكرية، واقتدار علمي متين، وقدرة على التحليل والإجابة، والمطالعة الكافية في المعارف الدينية، إنّ هؤلاء واستناداً لتصوراتهم الخاطئة، يعتقدون أنّ القواعد الفكرية والعقائدية للمسلمين تقوم على أساس التقليد الأعمى، وهي تتحطّم من خلال نسج هذه الأوهام، ولأنّهم يعرفون جيداً عندما يسود الفكر والعقل والمنطق فإنّ القرآن ومعارف هذا الكتاب الإلهي وحدها التي تحظى بتصديق العقل السليم، والمنطق الصحيح، ويتقبلها كل إنسان توّاق للحق صادقاً من كل

٨٧

قلبه، فقد حاولوا إثارة الشبهة المذكورة بشكل أكثر عمقاً؛ ليكونوا - حسب زعمهم - قد وجّهوا ضربةً أقوى إلى الفكر الديني، غافلين عن أنّ الواعين من علماء المسلمين وبتحليلهم لأفكار هؤلاء سيدركون الآثار واللوازم الباطلة لهذا النمط من الفكر، الذي لا مآل له سوى الانحدار في ورطة التشكيك.

على أية حال، يظهر من إثارة الشبهة المذكورة بالنحو الذي جرى بيانه، أنّ مثيري الشبهة يعتقدون أنّ القرآن ذو حقائق ثابتة، ولكن بما أنّ المفسّرين لا يتفقون بآرائهم في تفسير القرآن فإنّ أيدينا تقصر عن بلوغ الكلام الواقعي للقرآن، وعليه فليس ممكناً الاستفادة من القرآن ويجب أن نلقيه جانباً.

ولكن عندما يواجهون الآيات الصريحة والواضحة في القرآن، ويعجزون عن إيجاد تشويه في ظاهرها ومعناها الجلي، ويرون أنفسهم عاجزين أمام العقل والمنطق ومحكمات القرآن، فإنّهم يتمادون أكثر فيثيرون الشبهة بنحو آخر، ولغرض بلوغ غايتهم المتمثلة بتجريد القرآن والعقائد والقيم الدينية من شأنها، فإنّهم يبادرون إلى تغيير موقفهم بشكل كامل عن كلامهم السابق المتمثل بعدم إمكانية فهم القرآن والعلوم الدينية، فيقفون في النقطة المعاكسة تماماً، ففي موقفهم السابق كانوا يقبلون بالمعنى الذاتي والواقعي لكلام القرآن والمعارف الدينية، ويرونها بعيدةً عن متناول الإنسان، أمّا في موقفهم الجديد فهم يعتبرون القرآن والتعاليم الدينية خاليةً من الواقعية، معتبرين المعارف والتعاليم الدينية استنباطات ذهنية للناس عن الآيات ويقولون : ليس القرآن وحده بل كافة الكتب السماوية نزلت بنحوٍ يمكن معه تفسيرها بصور مختلفة، وتكون جميع تلك التفاسير المختلفة والاستنباطات المتباينة صحيحة وصائبة، فإذا ما طُرح سؤال فحتى لو كانت تلك التفاسير والاستنباطات تختلف فيما بينها إلى حدّ التناقض، فهم سيقولون إنّ الاختلاف في الاستنباطات لا يؤدي إلى حدوث مشكلة حتى لو كان بمستوى التضاد والتناقض؛ لأنّ الدين والقرآن بالأساس لم يبيّن الحقيقة، بل هو

٨٨

ألفاظ وقوالب فارغة ألقيت على النبي باسم الوحي الإلهي، وكل مَن يرجع إليها يتداعى أمر ما في ذهنه !! وما يتداعى هو فهم الإنسان نفسه، وبما أنّ البشر يمتلكون عقولاً متباينة ففي النتيجة تكون الأفهام متباينةً أيضاً، فالدين هو تلك الأفهام المتباينة للناس عن ألفاظ القرآن وآياته والتعاليم الدينية، وحيث إنّ القرآن والتعاليم لا تكشف عن أية حقيقة فإنّ الأفهام المتباينة عنها ليست قابلةً للتصديق والتكذيب، فالأفهام جميعها محقة ومحكومة بالصحة والصدق؛ لأنّ القرآن لا يكشف عن حقائق ثابتة يتطابق معها أحد الأفهام والتفسيرات.

لقد تمادى ناسجو الأوهام لنظرية الصُرط المستقيمة أو القراءات المتعددة للدين أيضاً أكثر من هذا؛ ولغرض أن يوجّهوا ضربةً إلى أصل الدين وأساسه - أي الوحي - فإنّهم يقولون : ليس الإنسان وحده لا يدرك حقيقةً ثابتةً عن القرآن والوحي الإلهي وإنّ كل إنسان يقدّم ويفسّر أفكاره تحت عنوان الوحي، بل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً وبسبب ما يتميز به من صفة بشرية قد طرح فهمه وإدراكه واستنباطه للناس على أنّه وحي.

وعليه؛ فإنّ فهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بدوره فهم شخصي، يتناسب مع عقليته وظروفه الخاصة الزمانية والمكانية، طرحها بصيغة ألفاظ وآيات، وبناءً على هذا لا يمكن اعتبار القرآن كلام الله ووحيه، بل ينبغي القول أنّ القرآن الكلام النبي.

لابدّ أنّكم ستسألون : ما الذي يجب صنعه مع آيات من قبيل :

( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ‏* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (١) أو :( تَنزِيلٌ مِن رَبّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) (٢) ؟ يقول أنصار هذه النظرية في الإجابة : هذه المضامين استنباط وفهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً وتكشف عن أحاسيسه.

من البديهي أنّ مثل هذه النظرية لا مصير لها سوى الوقوع في ورطة التشكيك ،

____________________

(١) النجم : ٣ و٤.

(٢) الحاقة : ٤٣ - ٤٦.

٨٩

وإنكار الحقيقة وتجاهل العقل والمنطق والتلاعب بالألفاظ، فسيقول الموحون بهذه الفكرة في مواجهة أجلى المعاني وأوضح المفاهيم : إنّ هذا إحساسكم وفهمكم ولا ينم عن أية حقيقة سوى أفكاركم، وعليه فإنّه جيد ومحترم بالنسبة إليكم، لكنّه لا وزن ولا شأن له بالنسبة للآخرين !

على أية حال يبدو أنّ إشاعة مثل هذه الرؤية إزاء الدين والقرآن تُعد من أكثر الأساليب والمصائد الشيطانية تطوراً، التي حيكت لحد الآن؛ لإغواء وخداع بني آدم.

التلقين والتكرار سلاح مهم لدى الشياطين

إنّ أحد أساليب الشياطين لإغواء البشر هو إصرارهم وتأكيدهم على الوسوسة لبني آدم، والتسلل إلى أفكارهم وعقولهم؛ ولهذا السبب يذكّرهم القرآن بصفة الوسواس الخناس، ويرشد الناس للاستعاذة بالله من شر شياطين الإنس والجن؛ لأنّ الشياطين تعمل بوسوستها ودس الأوهام في قلب الإنسان، لأن تُخضع قلب الإنسان لسيطرتها، وتسيّر أفكاره في منعطفات السقوط والضلال.

إنّ الشياطين وذوي الأطباع الشيطانية من الناس يعلمون بأنّ عليهم الثرثرة والكتابة والتكرار من أجل؛ دس الأوهام الشيطانية في عقول عباد الله، ليجعلوا العقول تأنس أوهامهم الباطلة، ليتسللوا بالتدريج في أذهان الناس وعقولهم، وهم بأنفسهم يقولون : ينبغي التكلّم والكتابة والتكرار إلى الحد الذي يصاب الناس معه بالشك والتردّد.

إنّهم واستلهاماً من إبليس يعملون بالدرجة الأُولى على إغواء وتضليل الطبقة المثقفة والطلابية؛ لأنه - وحسب تصورهم - يستطيعون بيسر إضلال عامة الناس بخداعهم لهذه الطبقة، غافلين عن أنّ الله سبحانه وتعالى قد جعل مشاعل زاهرةً لهداية المسلمين لاسيما الشيعة، وبلطف من الله واستلهاماً من علوم ومعارف هؤلاء سيطلع

٩٠

المسلمون على الأحابيل الشيطانية للأعداء؛ ويغدون أشدّ نباتاً وصلابةً يوماً بعد يوم في اتّباعهم للقرآن.

الاستناد إلى المتشابهات، أسلوب آخر في مواجهة القرآن

لقد تقدمت الإشارة إلى أنّ أحد شؤون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة المعصومين (عليهم السلام) هو، تفسير وبيان الوحي الإلهي، فيما أنّ القرآن ذو محكمات ومتشابهات، وكما تقدمت الإشارة آنفاً أنّ له ظاهراً وباطناً، فليس متيسراً الوصول إلى عمق معارفه إلاّ للنبي والأئمة المعصومين والعارفين بالعلوم الإلهية وتفسيرها وبيانها، لا يقوى عليه سوى المتعلّمين في مدرسة أهل البيت.

بناءً على هذا وطبقاً لحكم العقل ومنهج العقلاء القائم على وجوب رجوع الجاهل إلى العالم، فلا سبيل لفهم القرآن ومعارف الدين، سوى الرجوع إلى مَن جاء بهذا الكتاب الإلهي والأئمة المعصومينعليهم‌السلام والدارسين في مدرستهم، لكن ليس الأمر أنّ جميع الناس يقتفون المنهج العقلائي، أو أنّهم يرون أنفسهم ملتزمين بالعقل والمنطق والمبادئ المنطقية في الفهم والتفهيم والتفهّم، فهنالك أناس يعملون فقط من أجل إضلال الناس، ولا هدف لهم سوى إثارة الشبهة والفتنة في المجتمع، وقد عني القرآن بهذا الأمر أيضاً :( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُو الأَلْبَابِ ) (١) لقد قسّمت هذه الآية القرآن الكريم إلى قسمين : محكمات ومتشابهات، ووصفت المحكمات ب- ( أُمُّ الْكِتَابِ ) فبعض القرآن آيات محكمات تمثّل الأم والأصل للقسم الثاني أي المتشابهات.

____________________

(١) آل عمران : ٧.

٩١

إنّ محكمات القرآن عبارة عن الآيات الواضحة معانيها، ومعارفها لا تقبل الشك، وهذه الآيات تمثّل أصول وأُمّهات معارف القرآن، فمعيار وملاك صحة وعدم صحة المعارف الدينية هي المحكمات وأُمّهات القرآن، وفي المقابل هنالك آيات ليس ممكناً فهمها دون الاستعانة بالمحكمات، وليس للجميع إدراك عمق معانيها، ويعبّر عن هذه الطائفة من آيات القرآن بالمتشابهات.

لقد نهى القرآن الناس عن اتّباع المتشابهات بدون الاستعانة بالمحكمات وبتفسير وبيان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة المعصومينعليهم‌السلام ، فالقرآن الكريم يعتبر اتّباع المتشابهات دليلاً على انحراف القلب، ويصرّح بأنّ الذين يجعلون متشابهات القرآن ملاكاً لفكرهم وفهمهم وعقائدهم، إنّما يسعون وراء الفتنة وتأويل القرآن وتحريفه، وبتصريح القرآن لا يعلم تأويل وتفسير الآيات المتشابهة إلاّ الله والراسخون في العلم والأئمة المعصومينعليهم‌السلام ، والراسخون في العلم هم الذين تقبّلوا العبودية لله بكل كيانهم قائلين : آمنا بالقرآن محكماته ومتشابهاته كلّ من عند ربنا.

الحكمة من وجود المتشابهات في القرآن

هنا ربّما يتبادر هذا السؤال وهو، لماذا لم ينزل القرآن بنحو تكون جميع آياته بيّنةً ومحكمةً بعيدة عن أي إبهام وإجمال؛ لتكون يسيرة الفهم والفائدة للجميع على حد سواء ؟

للإجابة على هذا السؤال نورد في البداية مقدمةً موجزة : إنّ عقلنا نحن العاديين من الناس تابع للعوامل الطبيعية، فعندما يولد الناس العاديون يتعرفون على الحسيات في البداية عن طريق الحواس، وفي البداية يتبلور فهمهم وإدراكهم في حدود المحسوسات والماديات، لكن القوى الفكرية للإنسان تنمو تدريجياً، وتحصل شيئاً فشيئاً على القدرة على التجريد، وبالنتيجة تحصل لديه القابلية على إدراك الأمور ما فوق المادية، فكلما

٩٢

تمتع عقل الإنسان بالمزيد من النمو وقوة التجريد، وخرج عن أجواء المادة والماديات، فهو يدرك أفضل بنفس هذا المستوى حقائق ما وراء الطبيعة، وبما أنّ جميع الناس ليسوا سواء من حيث النمو العقلي، فهم لا يكونون سواء أيضاً في إدراك الأمور غير المحسوسة، فليسوا قلّةً الناس الذين تمضي عشرات السنين من أعمارهم، لكن فهمهم وإدراكهم يبقى بمستوى فهم وإدراك الأطفال في السابعة أو الثامنة من العمر، وربّما يمضي عمرهم وهم ما يزالون يتصورون لله والمجردات زماناً ومكاناً؛ لأنّ فهمهم وقابليتهم وقدرتهم على التعقّل، وقابليتهم العقلية بقيت في حدود الماديات، في حين أنّ أساس الدين هو الإيمان بالغيب، أي الإيمان بالحقائق المجردة وغير المادية، يقول القرآن:( ذلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتّقِينَ * الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) (١) .

بناءً على هذا؛ إنّ أساس الإيمان هو أن يؤمن الإنسان بحقائق غير محسوسة ويعتقد بها، ولكن ما هي حقيقة وكنه تلك الحقائق ؟ إنّه أمر ليس ممكناً إدراكه إلاّ بالإلهامات الإلهية التي تنزل على قلوب الأنبياء والأئمة المعصومينعليهم‌السلام ، ونحن البسطاء من الناس لا سبيل أمامنا لإدراك نفحة من أمور ما وراء الطبيعة وحقيقتها إلاّ بترصين قوانا العقلية والعبور التدريجي من المحسوسات إلى المجردات وأمور ما وراء الطبيعة.

من ناحية أخرى أنّ الألفاظ التي تُستخدم في دائرة المجردات غالباً ما وضعت من أجل المعاني المحسوسة :( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) (٢) أو :( هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (٣) فمفردات فوق، على، عالي وعلو إنّما تعني جميعها العلو في مقابل الأسفل والداني، من البديهي أنّ الإنسان لا يدرك في البداية من هذه المفردات معنىً أوسع من المعنى الحسي، فالإنسان مثلاً يضع رأسه ملاكاً للعلو، وكل ما يقع بمستوى الرأس ويرتفع نحو السماء يعتبره عالياً، ويجعل من قدمه ملاكاً للداني وكل ما هو أدنى منه يعتبره

____________________

(١) البقرة : ٢ و ٣.

(٢) الشورى : ١١.

(٣) الشورى : ٤.

٩٣

دانياً، ولهذا السبب يقول إنّ السماء عالية والأرض، واطئة وبدخوله إلى الحياة الاجتماعية يخرج تدريجياً عن هذه المعاني الحسية فيدرك المعنى غير الحسي والانتزاعي لها، أي عندما يقال إنّ فلاناً مقامه عالياً أو ارتفع، لا يدرك الإنسان من هذه المفردة ذلك المعنى الحسي لِما هو أعلى من الرأس، ولا يتداعى لديه من الهبوط ذلك المعنى الحسي للكلمة.

من الطبيعي أنّ المعنى المراد في مثل هذه الاستخدامات قد جُرّد من اللوازم المادية والمحسوسة، فعندما يقال إنّ الذي يخلق الكون بأجمعه بإرادة واحدة منه له مقام عالٍ جداً، فإنّ العلوّ الذي يُنسب إلى الباري تعالى أكثر مدى إلى ما لا نهاية من ذلك العلو الذي يُنسب إلى رئيس إزاء مَن هم تحت يديه، والفارق بينهما كالمسافة بين الصفر وبين ما لا نهاية، وكالمسافة بين الحقيقة والمجاز؛ لأنّ كل علو وشأن اعتباري إنّما هو عارية وزائل ما خلا العلو الحقيقي الذي هو جديرٌ بالله خالق الكون وله وحده فهو الذي :( إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (١) .

وعلى هذا الأساس حين يقول القرآن :( هو العليُّ العظيمُ ) (٢) فليس المراد هو العلو المادي والمحسوس لله، ولا المراد من عظمته العِظم والكبر المادي والمحسوس، وأمّا ما هي حقيقة علو وعظمة الله ؟ فهي مسألة لا تبلغها عقول البشر، وطبعاً في الكثير من الحالات لا يوجد لفظ آخر غير الألفاظ التي تُستخدم للمعاني الحسيّة، ولا مناص من استخدام تلك الألفاظ للتعبير عن المعاني المجرّدة كقوله مثلاً :( هو العليُّ العظيم ) ، فالعلو هو اللفظ الذي يُستخدم للإشارة إلى علو السقف بالنسبة إلى الأرضية، والعظيم هو اللفظ الذي يُستخدم للإشارة إلى جبل دماوند، ولكن حينما تُستخدم هذه الألفاظ بشأن الله فهي تُجرّد من معانيها الحسيّة، ومن الطبيعي أنّ الأمر ليس بذلك النحو بحيث يودّي تجريدها إلى التوصّل إلى حقيقتها.

____________________

(١) يس : ٨٢.

(٢) البقرة : ٢٥٥.

٩٤

يقال إنّ الألفاظ والمعاني التي يحصل التوصّل إلى حقيقتها عن الطريق المذكور، تتّصف بنوع من التشابه الباعث على الإبهام والمغالطة، فمَن لم يتمكّن حتى الآن من تجريد المعاني المذكورة من الشوائب والمتعلّقات الحسية، عندما يوصف الله ب- ( العليّ ) يتوهّم أنّ الله فوق السموات، في حين أنّ الله ليس بجسمٍ حتى يُتصوّر له مكان :( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) (١) لكنّه لا يفهم أكثر من ذلك، ومن الطبيعي أنّه غير مكلّف بأكثر ممّا يفهم؛ لأنّه لا طاقة له على ما هو أكثر من ذلك.

وأمّا مَن تجاوز هذه المرحلة، وغدت لديه مقدرة أكثر على الفهم، وأضحى يدرك المعاني الاعتبارية، عندما يقال( إنّ اللهَ عليٌ عظيمٌ ) يظنّ أنّ علو الله يشبه علو ورفعة مرتبة الرئيس بالنسبة إلى مَن هم تحت إمرته، ولكن أين هذا المعنى من علو الله ؟!

إنّ مَن أمضى عمره في اكتساب العلم والحكمة وإدراك المعاني المجرّدة يفهم من العلو معنىً أبعد من المعاني المذكورة، ويقول إنّ لله علواً وجودياً على ما سواه.

إنّ لكل المخلوقات وجوداً، ولله وجوداً أيضاً، ولكن لا يمكن مقارنة وجود الله تبارك وتعالى مع الموجودات الأخرى من حيث علو المرتبة الوجودية، ولكن ما هي حقيقة هذا العلو ورفعة المرتبة الوجودية ؟ إنّه أمر يستطيع كل شخص الاقتراب منه على قدر فهمه، وإن كان إدراك كنهه لا يتيسّر لأحد.

والآن في ضوء التوضيح المذكور، نقول : إنّ الله عندما يريد أن يتحدث لنا نحن بني الإنسان، عن أمور تفوق فهمنا العادي، فهو يستخدم ألفاظاً يمكننا عند التأمّل فيها إدراكها على قدر فهمنا، وإن كانت هذه المعاني تفوق فهمنا، ففي مثل هذه الحالات لابدّ من استخدام ألفاظ متشابهة.

على هذا الأساس فإنّ الآيات التي تتحدث عمّا وراء الطبيعة وتفوق فهم الناس العاديين، لابدّ أن تنطوي لا إرادياً على مرتبة من التشابه، ولابدّ من الاستعانة بالمحكمات للاقتراب من حقيقتها، مثلاً عندما يقول القرآن :( هو العليُّ العظيمُ ) (٢) ولا

____________________

(١) البقرة : ١١٥.

(٢) الشورى : ٤.

٩٥

ندرك حقيقة وكنه علو المرتبة الوجودية وحقيقة عظمة الله، لابدّ عند ذاك من تفسيرها عبر الاستعانة بمحكمات القرآن مثل قوله تعالى :( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (١) ؛ لكي لا نقع في سوء الفهم وخطأ التفسير.تقول الآية الأُولى إنّ الله عليُّ عظيم، فيما تصرّح الآية الثانية أنّ الله لا مثيل له ولا نظير، أي مهما تصورتم من العلو والعظمة لله تعالى فإنّكم لم تدركوا علوّه وعظمته؛ لأنّ الله فوق كل ذلك.

وهكذا الحال بالنسبة إلى صفات الله أيضاً، فحينما يقال إنّ الله عالم، الله قادر، فمن البديهي أنّ حقيقة علم الله تعالى تفوق وتختلف عن ذلك المعنى، الذي يتبلور في الذهن عن الإنسان من خلال إدراكه للصور الذهنية، وأمّا حقيقة علم أو قدرة الله، وبشكل عام حقيقة أوصاف الله، فهو موضوع ليس ممكناً فهمه إلاّ لله الذي تعتبر ذاته عين العلم وعين الحياة والقدرة.

لقد استخدم الله تعالى - من أجل إرشاد الناس إلى ذاته والى صفاته الإلهية - ذات الألفاظ التي يدرك الناس منها ابتداءً تلك المعاني الحسية؛ لكي ينتفع الناس من تلك المعارف السامية ولو قليلاً.

بناءً على هذا، فإنّ وجود الآيات المتشابهة في القرآن من الحكم الإلهية، التي لولاها لانغلق كلياً أمام الإنسان سبيل إدراك المعاني والمعارف المجرّدة وغير المحسوسة، بيد أنّ استخدام المتشابهات وتفسيرها وتبيينها - كما أشرنا سابقاً - يجب أن يأتي من خلال الاستعانة بالمحكمات، لكن الأمر ليس بالشكل الذي ينتهجه كل مَن يبتغي فهم القرآن ومعارفه، المسار المنطقي والعقلاني والطبيعي المشار إليه آنفاً لغرض فهم المعارف الإلهية، ففي الآية موضوع البحث يشير تعالى إلى وجود آيات متشابهات ومحكمات في القرآن، ويقول وأمّا الذين( فِي قُلُوبِهِم زَيغٌ ) (٢) المصابون بداء روحي وقلبي وانحراف فكري، أو بعبارة أخرى( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) (٣) يجعلون الآيات

____________________

(١) الشورى : ٧.

(٢) آل عمران : ٧.

(٣) البقرة : ١٠.

٩٦

المتشابهات ملاكاً لفكرهم وعملهم، ويحملون الآيات المتشابهات من القرآن الكريم على معاني حسيّة بدون الالتفات إلى الآيات المحكمات، ويوفّرون بذلك دواعي ضلالهم وضلال غيرهم.

مزج الحق والباطل، سلاح آخر بيد المنحرفين

من الطبيعي أنّ مَن يريدون مجابهة الدين والقرآن والمعارف والقيم الدينية في أوساط المجتمع الإسلامي، لا يتّبعون أبداً أسلوب المجابهة المباشرة لتحقيق أغراضهم؛ لأنّهم يعلمون جيداً بأنّهم في مثل هذه الحالة سيواجهون معارضةً عامّة من قِبل أبناء الشعب المسلم، وسيفشلون في الخطوة الأُولى، إنّهم يستخدمون الأساليب النفسية الأساسية والمناسبة من أجل تحقيق أهدافهم الشيطانية.

إنّ أحد أساليبهم مزج الحق والباطل، فهم يمزجون الحق والباطل، وينشرون مزيجاً من كلام الحق والباطل ببيان جميل؛ لكي يتلقّى المخاطبون - الذين لا يملكون أحياناً الوعي والخُبرة اللازمة للتمييز بين كلام الحق من الباطل - كلامهم بالقبول، لكي يلقون بالنتيجة في ذهن السامع الغافل الكلام الباطل المزيّن بثوب الحق، والمخفي تحت نقاب من البيان الأدبي الجميل.

قال الإمام عليعليه‌السلام : ( فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ، وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، وَيَنْجُو الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنى )(١) .

من الطبيعي أنّ المنحرفين ومَن يعبّر عنهم القرآن بأنّ قلوبهم ونفوسهم في ضيق وغير مستعدّين للخضوع لله، يجعلون الآيات المتشابهة والروايات المشكوك في

____________________

(١) نهج البلاغة : الخطبة ٥٠.

٩٧

سندها أو المتشابهة الدلالة، على رأس عملهم ونشاطهم الإعلامي المضاد للإسلام، ويتهرّبون من الاستماع إلى الكلام الحق والمعارف الإلهية، المنقولة بأسناد معتبرة عن لسان أهل البيت والأئمة المعصومينعليهم‌السلام .

إنّ هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم أحياناً مسلمين، إنّما يصطفّون عن علمٍ أو عن جهل إلى جانب المعاندين للإسلام؛ وذلك لأنّهم يهدفون أيضاً إلى أن ينسبوا إلى الإسلام زوراً نقاط ضعف زائفةً، ويحاولون من خلال تضخيمها تقليل رغبة الناس الذين لديهم نزوع إلى الحق ممّن لم يعتنقوا الإسلام بعد، والكلام في هذا الكتاب غير موجّه إلى الملحدين والأعداء من غير المسلمين، وإنّما هو موجّه إلى مَن يعتبرون أنفسهم مسلمين.

ومن الممكن طبعاً أن يختلق هؤلاء تبريرات لأنفسهم؛ من أجل عدم الإصغاء إلى صوت الحق، والتمرّد على الانقياد للعقل والمنطق، من قبيل ما أشرنا إليه في مجال القراءات وأنواع الفهم المختلف للدين، ويصرّون على موقفهم دون الالتفات إلى النتائج التي تتمخّض عن كلامهم، وسنترك في هذا الفصل الحكم للقرّاء الكرام حول تلك التبريرات ومآل الفكرة الآنفة الذكر.ولكنّنا ندعوهم - انطلاقاً من الحرص على مصلحتهم وما فيه خيرهم - إلى إعادة النظر في معتقداتهم وأفكارهم وإيمانهم، مثلما يدعو القرآن المؤمنين إلى حثّ بعضهم على التفكير والتعقّل والصلاح والهداية، وتذكير بعضهم الآخر بالحق.

القراءات المختلفة، حربة لمجابهة القرآن

سطّرنا في الفصول السابقة من هذا الكتاب نبذةً موجزة عن عظمة وخصائص أكبر النعم التي تفضل بها الله على عباده، أَلا وهو القرآن الكريم، ومرّ علينا أيضاً أنّ الله تبارك وتعالى قد أنزل القرآن الكريم بواسطة أشرف الملائكة وهو جبرئيل الأمين ،

٩٨

على أعز خلقه، وهو محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لكي يكون بين يدي الإنسان، ولكي يضمن الإنسان سعادته الدنيوية والأخروية، من خلال التعرّف والالتزام بتعاليم وإرشادات هذا الكتاب السماوي في حياته الفردية والاجتماعية.

لقد ركّزت بعض كلمات الإمام عليعليه‌السلام في نهج البلاغة على ضرورة التمسّك بالقرآن الكريم؛ لاجتناب الفتنة والضلال، ومعالجة المآسي والمشاكل الفردية والاجتماعية، وقيل أيضاً إنّ تفسير وبيان القرآن بما يعنيه من بيان أحكام القرآن الكريم، وشرح تفاصيل المسائل والواجبات الدينية من صلاحية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة المعصومينعليهم‌السلام فقط، وجرى أيضاً توضيح هذا المعنى وهو أنّ تفسير القرآن خارج إطار الأحكام والواجبات الدينية، وشرح معارفه للآخرين يدخل فقط ضمن صلاحية المتخصصين وعلماء الدين والعارفين بعلوم القرآن وأهل البيت، وقلنا إنّ العلماء الذين أمضوا أعمارهم في فهم معارف الدين وعلوم أهل البيت، هم وحدهم القادرون على التمييز بين متشابهات ومحكمات القرآن، ويمكنهم من خلال الاستعانة بالمحكمات وروايات أهل البيتعليهم‌السلام ، تفسير متشابهات القرآن وبيان معارفه للناس؛ لكي يتسنّى لهؤلاء الناس اتخاذ ذلك قاعدةً لحركتهم الفكرية، وجعله مثالاً عملياً لتكاملهم الفردي والاجتماعي، وتلبية الدعوة الإلهية :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للّهِ‏ِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) (١) وتوفير الأرضية لفلاحهم.

وفي المقابل أشرنا إلى أنّه كان هناك منذ القدم مَن يحاولون إبعاد الناس عن القرآن بالهواجس والوساوس الشيطانية، ولكي يحقّق هؤلاء الأشخاص أهدافهم فهم يحاولون وبأساليب تخيّلية الإيحاء بأنّ القرآن متعذّر فهمه، وبالنتيجة ينبغي أن لا نرجو من القرآن أن يوجّهنا ويرشدنا في الحياة، وقلنا إنّ هذه الشبهة الشيطانية كانت مثارةً على مدى التاريخ بصور شتّى، وقد بلغت اليوم ذروتها بشكلها المتكامل، وغدت

____________________

(١) الأنفال : ٢٤.

٩٩

تُطرح بأنماط جديدة، حتى بات معارضو القرآن والثقافة الدينية اليوم يطرحون خيالاتهم أحياناً على شكل نظرية، مفادها أنّ ( لغة الدين لغة خاصّة)؛ لكي يخدعوا بهذه الطريقة من ليس لديهم وعياً كافياً بالعلوم والمعارف الدينية، وعندما يُسألون عن مرادهم من القول بأنّ ( لغة الدين لغة خاصة )، يقولون عند الإجابة عن هذا السؤال بأنّ التعاليم الدينية والقرآن عبارة عن ألفاظ وقوالب، يشكّل محتواها أفهام وذهنيات الناس أنفسهم، ومن الطبيعي أنّ هؤلاء الأشخاص ينتقون عادةً عبارات أدبية، وينشدون الأشعار الحماسية، ويطرحون من خلال ذلك نظريتهم بنحو لا يفهم المرء هدفهم ومقصودهم بسهولة، لأنّه سيدرك حينذاك خواء كلامهم.

يبدو أنّ التفكير المذكور الذي يُطرح تارةً تحت عنوان ( الصُرط المستقيمة )، ويُطرح تارةً أخرى تحت عنوان ( الأفهام، والقراءات، والتفاسير المختلفة للدين )، وقد يُطرح ثالثةً في قالب نظريات ( لغة الدين ) أو ( الدين الأقلّي والأكثري )، لا يستهدف إلاّ مجابهة المعتقدات الدينية والفكر التوحيدي، ولا يخفى على المطّلعين، بأنّ المتديّنين وخاصّة المفكرين المسلمين النابهين أوعى من أن لا يدركوا بُعد كلام هؤلاء عن العقل والمنطق، أو أن يجهلوا الأهداف الخفية لمَن يروّجون لهذه الشبهات الواهية.

دافع وهدف المعارضين للثقافة الدينية من وجهة نظر القرآن

وفي ضوء ما سبق عرضه من الموضوعات يتبادر إلى الأذهان هذا السؤال وهو، ما الهدف الذي يسعى إليه المعارضون، من وراء اتّباع هذه الأساليب الشيطانية في مجابهة القرآن والثقافة الدينية للشعب ؟ ولغرض الإجابة عن هذا السؤال ينبغي أوّلاً تسليط الضوء على رأي القرآن، ثمّ نأتي بعد ذلك على شرح كلام الإمام عليعليه‌السلام في نهج البلاغة حول هذا الموضوع.

يُفهم من القرآن بأنّه منذ أَوائل نزوله انبرى الشيطان وسخّر كل طاقاته محاولاً

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

صلاة الفجر وبعد العصر.

وقال أخبرنا مالك بن إسماعيل قال حدثنا إسماعيل عن أبي الجحاف عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير أنه كان لا يدع أحدا يغتاب عنده أحدا يقول إن أردت ذلك ففي وجهه.

قال محمد بن سعد : وكان سعيد لما انهزم أصحاب بن الأشعث من دير الجماجم هرب فلحق بمكة قال أخبرنا عارم بن الفضل وسليمان بن حرب قالا حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين قال كان سعيد بن جبير حائنا إنه فعل ما فعل ثم أتى مكة يفتي الناس قال أخبرنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثني حفص بن خالد قال حدثني من سمع سعيد بن جبير يقول يوم أخذ وشي بي واش في بلد الله الحرام أكله إلى الله. وقال وكان الذي أخذ سعيد بن جبير خالد بن عبد الله القسري وكان والي الوليد بن عبد الملك على مكة فبعث به إلى الحجاج.

قال أخبرنا موسى بن إسماعيل قال حدثني عبد الله بن مروان عن شريك عن هشام الدستوائي قال رأيت سعيد بن جبير يطوف بالبيت مقيدا ورأيته دخل الكعبة عاشر عشرة مقيدين قال أخبرنا يزيد بن هارون عن عبد الملك بن أبي سليمان قال سمع خالد بن عبد الله صوت القيود فقال ما هذا فقيل له سعيد بن جبير وطلق بن حبيب وأصحابهما يطوفون بالبيت فقال اقطعوا عليهم الطواف.

وقال أخبرنا علي بن محمد عن أبي اليقظان قال كان سعيد بن جبير يقول يوم دير الجماجم وهم يقاتلون قاتلوهم على جورهم في الحكم وخروجهم من الدين وتجبرهم على عباد الله وإمانتهم الصلاة واستذلالهم المسلمين. فلما انهزم أهل دير الجماجم لحق سعيد بن جبير بمكة فأخذه خالد بن عبد الله فحمله إلى الحجاج(١) .

روايات في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام عن ابن عباس كثيرة منها

فيي مسند احمد حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا الفضل بن دكين ثنا بن أبي عيينة عن الحسن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة قال غزوت مع علي اليمن

__________________

(١) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ج ٦ ص ٢٥٧ ـ ٢٦٧.

٣٢١

فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يتغير فقال يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قلت بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه(١) .

وفي المستدرك للحاكم : حدثنا محمد بن صالح بن هانئ ثنا أحمد بن نصر أخبرنا محد بن علي الشيباني بالكوفة ثنا أحمد بن حازم الغفاري وأنبأ محمد بن عبد الله العمري ثنا محمد بن إسحاق ثنا محمد بن يحيى وأحمد بن يوسف قالوا ثنا أبو نعيم ثنا بن أبي غنية عن الحكم عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن بريدة الأسلمي رضي الله تعالى عنه قال غزوت مع علي إلى اليمن فرأيت منه جفوة فقدمت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يتغير فقال يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قلت بلى يا رسول الله فقال من كنت مولاه فعلي مولاه وذكر الحديث هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه(٢)

وروى الطبراني في المعجم الكبير عن ابن أبي عاصم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة نا الفضل بن دكين عين بن أبي غنية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال مررت مع علي رضي الله تعالى عنه إلى اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكرت عليا فتنقصته فجعل وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يتغير فقال ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قلت بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه(٣)

وفي المعجم الكبير قال الطبراني حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا مسلم بن إبراهيم ثنا الحسن بن أبي جعفر عن أبي الصهباء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق(٤) .

__________________

(١) احمد بن حنبل ،مسند احمد ج ٥ ص ٣٤٧.

(٢) الحاكم النيسابوري ،المستدرك ج ٣ ص ١١٩.

(٣) الطبراني ،المعجم الكبير ج ٣ ص ٤٦٧.

(٤) أبو عاصم ، الآحاد والمثاني ج ٤ ص ٣٢٥.

٣٢٢

وفيه أيضا قال حدثنا محمد بن عبد الله ثنا حرب بن الحسن الطحان ثنا حسين الأشقر عن قيس بن الربيع عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال لما نزلت قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قالوا يا رسول الله ومن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي وفاطمة وابناهما(١) .

وقال أيضا حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا حرب بن الحسن الطحان ثنا حسين الأشقر عن قيس عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال لما نزلت قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قالوا يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي وفاطمة وابناهما رضي الله تعالى عنهم(٢) .

وقال أيضا حدثنا علي بن العباس البجلي الكوفة ثنا محمد بن تسنيم ثنا حسن بن حسين العربي ثنا يحيى بن عيسى الرملي عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لأم سلمة هذا علي بن أبي طالب لحمه لحمي ودمه دمي هو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي(٣) .

وقال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن مرزوق ثنا حسين الأشقر ثنا نصير بن زياد عن عثمان أبي اليقظان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قالت الأنصار فيما بينهم لو جمعنا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم مالا فبسط يده لا يحول بينه وبينه أحد فأتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا يا رسول الله إنا أردنا أن نجمع لك من أموالنا فأنزل الله عز وجل فخرجوا مختلفين فقال بعضهم ألم تروا ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

وقال بعضهم إنما قال هذا لنقاتل عن أهل بيته وننصرهم ، فأنزل الله عز وجل( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٢٤)وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ

__________________

(١) الطبراني ،المعجم الكبير ج ٣ ص ٤٧.

(٢) الطبراني ،المعجم الكبير ج ١١ ص ٤٤٤.

(٣) الطبراني ،المعجم الكبير ج ١٢ ص ١٨.

٣٢٣

مَا تَفْعَلُونَ (٢٥)وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (٢٦)) الشورى / ٢٤ ـ ٢٦.

فعرض لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتوبة.(١)

وفي الكامل لابن عدي روى ابن عدي في الكامل ٣ / ٤٣١ عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن أبي جبير عن ابن عباس عن النبي قال : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة من احبهما فقد احبني ومن ابغضهما فقد ابغضني.(٢)

وفي تذكرة الحفاظ للذهبي قال حدثنا محمد بن شداد أخبرنا أبو نعيم أنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أوحى الله إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم اني قتلت بيحيى سبعين ألفا واني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا غريب وعبد الله خرج له مسلم(٣) .

وفي كشف الاستار للبزار عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال بعث رسول الله إلى خيبر ـ احسبه قال أبا بكر فرجع منهزما يجبن أصحابه ويحبنه أصحابه فقال رسول الله لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله رسوله ويحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح الله عليه فثار الناس فقال أين علي. فإذا هو يشتكي عينيه فتفل في عينيه فدفع إليه الراية فهزها ففتح الله عليه(٤) .

__________________

(١) الطبراني ،المعجم الكبير ج ١٢ ص ٣٣.

(٢) ابن عدي ، الكامل في ضعفاء الرجال ج ٣ ص ٤٣١ ورواه أيضا عطية عن أبي سعيد الخدري سألت الدارقطني عن سويد بن سعيد فقال تكلم فيه يحيى بن معين وقال حدث عن أبي معاوية عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة قال يحيى معين وهذا باطل عن أبي معاوية لم يروه غير سويد وجرح سويد لروايته لهذا الحديث. قال الدارقطنيرحمه‌الله فلم نزل نظن أن هذا كما قاله يحيى وأن سويدا أتى أمرا عظيما في روايته لهذا الحديث حتى دخلت مصر في سنة سبع وخمسين (ومائتين) فوجدت هذا الحديث في مسند أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي المعروف بالمنجنيقي وكان ثقة روى عن أبي كريب عن أبي معاوية كما قال سويد سواء وتخلص سويد وصح الحديث عن أبي معاوية وقد حدث أبو عبد الرحمن النسائي عن إسحاق بن إبراهيم هذا ومات أبو عبد الرحمن قبله (الجرجاني ، أبو القاسم حمزة بن يوسف ،سؤالات حمزة بن يوسف السهمي ، مكتبة المعارف الرياض ١٤٠٤ هـ ـ ١٩٨٤ م ، ص ٢١٦.

(٣) الذهبي ،تذكرة الحفاظ ج ١ ص ٧٦.

(٤) ابن كثير ،جامع المسانيد والسُّنَن ، دار خضر بيروت ١٤١٩ هـ ، ج ٣٠ ص ٢٤٠.

٣٢٤

وفي رواية البخاري عن محمد حدثنا بن عيينة عن سليمان الأحول سمع سعيد بن جبير سمع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى قلت يا أبا عباس ما يوم الخميس قال اشتد برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وجعه فقال ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ما له أهجر استفهموه فقال ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه فأمرهم بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم والثالثة خير إما أن سكت عنها وإما أن قالها فنسيتها قال سفيان هذا من قول سليمان(١) .

وروى أيضا قال حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا المغيرة بن النعمان قال حدثني سعيد بن جبير عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي إن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقول إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح.(٢)

وروى الحاكم قال أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا سيار بن حاتم ثنا جعفر بن سليمان ثنا مالك بن دينار قال سألت سعيد بن جبير فقلت يا أبا عبد الله من كان حامل راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال فنظر إلي وقال كأنك رخيَّ البال فغضبت وشكوته إلى إخوانه من القراء فقلت ألا تعجبون من سعيد أني سألته من كان حامل راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فنظر إلي وقال إنك لرخي البال ، قالوا إنك سألته وهو خائف من الحجاج وقد لاذ لابيت فسله الآن فسألته فقال كان حاملها علي رضي الله تعالى عنه هكذا سمعته من عبد الله بن عباس هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ولهذا الحديث شاهد من حديث زنفل العرفي وفيه طول فلم أخرجه(٣) .

وروى النسائي قال أنبأ أحمد بن عثمان بن حكيم الكوفي الأودي عن خالد بن

__________________

(١) البخاري ، صحيح البخاري ج ٣ ص ١١٥٥.

(٢) البخاري ، صحيح البخاري ج ٣ ص ١٢٢٢.

(٣) الحاكم النيسابوري ، المستدرك ج ٣ ص ١٠٣.

٣٢٥

مخلد قال حدثنا علي بن صالح عن ميسرة عن حبيب عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال كنا مع ابن عباس بعرفات فقال مالي لا أسمع الناس يلبون فقلت يخافون من معاوية فخرج بن عباس من فسطاطه فقال لبيك اللهم لبيك فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي(١) .

وروى المزي عن عباد بن زياد عن عمرو بن أبي المقدام عن أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن أبي الحمراء قال سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت عن يمين العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله ايدته بعلي ونصرته(٢) .

عطية العوفي (١١٠ هـ)رحمه‌الله :

قال أبو جعفر الطبري في كتاب ذيل المذيل : عطية بن سعد بن جنادة العوفي من جديلة قيس يكنى أبا الحسن ، قال ابن سعد : أخبرنا سعد بن محمد بن الحسن بن عطية قال جاء سعد بن جنادة إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام وهو بالكوفة فقال يا أمير المؤمنين انه قد ولد لي غلام فسمه فقال هذا عطية الله فسمي عطية وكانت أمه رومية وخرد عطية مع ابن الأشعث ، هرب عطية إلى فارس وكتب الحجاج إلى محمد ابن قاسم الثقفي ان ادع عطية فان لعن علي بن أبي طالب وإلا فاضربه أربعمائة سوط وحلق رأسه ولحيته فلما ولي قتيبة بن مسلم خراسان خرج إليه عطية فلم يزل بخراسان حتى ولي عمر بن هبيرة العراق فكتب إليه عطية يسأله الإذن له في القدوم فأذن له فقدم الكوفة فلم يزل بها إلى أن توفي سنة ١١١ وكان كثير الحديث ثقة ان شاء الله(٣) .

أقول : وفي الطبقات ٦ / ٣٠٥ ، تنهي الترجمة بقول ابن سعد : وله أحاديث صالحة ومن الناس من لا يحتج به ولم يوردها الطبري في المنتخب.

__________________

(١)النسائي ،سنن النسائي ، ج ٢ ص ٤١٩.

(٢) المزي ،تهذيب الكمال ، ج ٣٣ ص ٢٥٨.

(٣) الطبري ،المنتخب من المذيل ص ١٢٨ ، ابن سعد ،الطبقات الكبرى ج ٦ ص ٣٠٤.

٣٢٦

قال الشيخ القميرحمه‌الله : وحكي عن ملحقات الصراح قال : عطية العوفي ابن سعيد له تفسير في خمسة اجزاء قال عطية عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات على وجه التفسير واما على وجه القراءة فقرأت عليه سبعين مرة(١) .

قال المزي : ولعطية عن أبي سعيدا أحاديث عدد ، وكان يعد مع شيعة أهل الكوفة قال محمد بن عبد الله الحضرمي توفي سنة إحدى عشرة ومئة(٢) .

أقول : وكان عطية العوفي على راس ثمانمائة طليعة اربعة آلاف مقاتل في الجيش الذي بعثه المختار إلى مكة ليخلص بني هاشم من حصار ابن الزبير لهم من اجل ان يبايعوه.

قال ابن سعد في الطبقات ٥ / ١٠٣ : أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا ربيعة بن عثمان ومحمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وإسحاق بن يحيى بن طلحة وهشام بن عمارة عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم والحسين بن الحسن بن عطية العوفي عن أبيه عن جده وغيرهم أيضا قد حدثني قالوا : قطع المختار بعثا إلى مكة فانتدب منهم أربعة آلاف فعقد لأبي عبد الله الجدلي عليهم وقال له سر فإن وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم أنت ومن معك عضدا وانفذ لما أمروك به وإن وجدت بن الزبير قد قتلهم فاعترض أهل مكة حتى تصل إلى بن الزبير ثم لا تدع من آل الزبير شفرا ولا ظفرا وقال يا شرطة الله لقد أكرمكم الله بهذا المسير ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عمر فسار القوم ومعهم السلاح حتى أشرفوا على مكة فجاء المستغيث اعجلوا فما أراكم تدركونهم فقال الناس لو أن أهل القوة عجلوا فانتدب منهم ثمانمائة رأسهم عطية بن سعد بن جنادة العوفي حتى دخلوا مكة فكبروا تكبيرة سمعها بن الزبير فانطلق هاربا حتى دخل دار الندوة ويقال بل تعلق بأستار الكعبة وقال أنا عائذ الله ،

قال عطية : ثم ملنا إلى ابن عباس وابن الحنفية وأصحابهما في دور قد جمع لهم الحطب فأحيط بهم حتى بلغ رؤوس الجدر لو أن نارا تقع فيه ما رئي منهم أحد حتى تقوم الساعة أخرناه عن الأبواب وعجل علي بن عبد الله بن عباس وهو يومئذ رجل

__________________

(١) القمي ، الشيخ عباس ،الكنى والالقاب ، مكتبة الصدر ـ طهران ، ج ٢ ص ٤٨٨.

(٢) المزي ،تهذيب الكمال ج ٢٠ ص ١٤٥.

٣٢٧

فأسرع في الحطب يريد الخروج فأدمى ساقيه وأقبل أصحاب بن الزبير فكنا صفين نحن وهم في المسجد نهارنا ونهاره لا ننصرف إلا إلى صلاة حتى أصبحنا ، وقدم أبو عبد الله الجدلي في الناس فقلنا لابن عباس وابن الحنفية ذرونا نريح الناس من ابن الزبير ، فقالا هذا بلد حرمه الله ما أحله لاحد إلا للنبيعليه‌السلام ساعة ما أحله لاحد قبله ولا يحله لاحد بعده فامنعونا وأجيرونا قال فتحملوا وإن مناديا لينادي في الجبل ما غنمت سرية بعد نبيها ما غنمت هذه السرية إن السرايا تغنم الذهب والفضة وإنما غنمتم دماءنا فخرجوا بهم حتى أنزلوهم منى فأقاموا بها ما شاء الله أن يقيموا ، ثم خرجوا إلى الطائف فأقاموا ما أقاموا وتوفي عبد الله بن عباس بالطائف سنة ثمان وستين وصلى عليه محمد بن الحنفية ، وبقينا مع بن الحنفية فلما كان الحج وحج بن الزبير من مكة فوافى عرفة في أصحابه ووافى محمد بن الحنفية من الطائف في أصحابه فوقف بعرفة ووافى نجدة بن عامر الحنفي تلك السن في أصحابه من الخوارج فوقف ناحية وحجت بنو أمية على لواء فوقفوا بعرفة فيمن معهم.

أقول : ومن رواياته في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام :

روى الطبراني قال حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا فضيل بن مرزوق (ت في حدود ال ١٦٠ هـ)(١) ثنا عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن أم سلمة قالت نزلت

__________________

(١) ابن حجر ،تهذيب التهذيب ، ي م ٤ البخاري في جزء رفع اليدين ومسلم والأربعة فضيل بن مرزوق الأغر الرقاشي ويقال الرواسي الكوفي أبو عبد الرحمن مولى بني عنزة روى عن أبي إسحاق السبيعي وعدي بن ثابت وعطية العوفي والأعمش وميسرة بن حبيب وشقيق بن عقبة وجبلة بنت مصفح وغيرهم وعنه زهير بن معاوية ووكيع وعبد الغفار بن الحكم وحسين بن علي الجعفي وأبو أسامة والفضل بن موفق ويحيى بن آدم ويحيى بن أبي بكير ويزيد بن هارون ومحمد بن ربيعة الكلابي ومحمد بن فضيل ونعيم بن ميسرة النحوي وزيد بن الحباب وأبو نعيم وعلي بن الجعد وآخرون قال معاذ بن معاذ سألت الثوري عنه فقال ثقة وقال الحسن بن علي الحلواني سمعت الشافعي يقول سمعت بن عيينة يقول فضيل بن مرزوق ثقة وقال بن أبي خيثمة عن بن معين ثقة وقال عبد الخالق بن منصور عن بن معين صالح الحديث إلا أنه شديد التشيع وقال أحمد لا أعلم إلا خيرا وقال بن أبي حاتم عن أبيه صالح الحديث صدوق يهم كثيرا يكتب حديثه قلت يحتج به قال لا وقال النسائي ضعيف وقال بن عدي أرجو أنه لا بأس به وقال الحسين بن الحسن المروزي سمعت الهيثم بن جميل يقول جاء فضيل بن مرزوق وكان من أئمة الهدى زهدا وفضلا إلى الحسن بن صالح بن حى فذكر قصة له عند النسائي حديث عبد الله بن عمر إياكم والشح قلت قال مسعود عن الحاكم ليس هو من شرط

٣٢٨

هذه الآية في بيتي)( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) وهي جالسة على الباب فقلت يا رسول الله ألست من أهل البيت قال أنت إلى خير(١) .

وقال حدثنا الحسن بن أمد بن حبيب الكرمتنني بطرسوس حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا عمار بن محمد عن سفيان الثوري عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف (ت ١٤٥) عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه في قول عز وجل (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) قال نزلت في خمسة في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلي فاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم لم يروه عن سفيان إلا عمار بن محمد بن أخت سفيان تفرد به أبو الربيع(٢) .

وقال حدثنا محمد بن عبد العزيز بن ربيعة الكلابي أبو مليل الكوفي حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد المقري عن أبي سلمة الصائغ(٣) عن عطية عن أبي سعيد الخدري سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وآله وسلم يقول إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له لم يروه عن أبي سلمة إلا بن أبي حماد تفرد به عبد العزيز بن محمد(٤) .

روى ابن عساكر قال أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم قال قرأت على عمي الشريف الأمير نقيب الطالبيين أبي البركات عقيل بن العباس الحسيني قلت أخبركم أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن محمد بن أبي كامل الأطرابلسي قراءة عليه بدمشق أنا

__________________

الصحيح وقد عيب على مسلم إخراجه لحديثه قال بن حبان في الثقات يخطئ وقال في الضعفاء كان يخطئ على الثقات ويروي عن عطية الموضوعات وقال بن شاهين في الثقات اختلف قول بن معين فيه وقال في الضعفاء قال أحمد بن صالح حديث فضيل عن عطية عن أبي سعيد حديث الله الذي خلقكم من ضعف ليس له عندي أصل ولا هو بصحيح وقال بن رشدين لا أدري من أراد أحمدبن صالح بالتضعيف أعطية أم فضيل بن مرزوق وقال العجلي جائزالحديث صدوق وكان فيه تشيع وقال أحمد لا يكاد يحدث عن غير عطية. وفي تقريب التهذيب انه توفي في حدود الستين بعد المائة.

(١) الطبراني ،المعجم الكبير ج ٣ ص ٥٢.

(٢) الطبراني ، المعجم الصغير ج ١ ص ٢٣١.

(٣) قال الرازي فيالجرح والتعديل ، نصر بن عمر أبو سلمة الصائغ روى عن سقط روى عنه وكيع ويحيى الحماني سألت أبي عنه فقال شيخ.

(٤) الطبراني ، المعجم الصغير ج ٢ ص ٨٤.

٣٢٩

أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة القرشي نا جعفر بن محمد بن عنبسة اليشكري بالكوفة نا يحيى بن عبد الحميد الجماني نا قيس بن الربيع عن سعد الخفاف عن عطية العوفي عن محدوج بن زيد الذهلي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما آخى بين المسلمين أخذ بيد علي فوضعها على صدره ثم قال يا علي أنت أخي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي أما تعلم تعلم أن أول» «من يدعى به يوم القيامة يدعى بي فأقام عن يمين العرش في ظله فأكسى حلة خضراء من حلل الجنة ثم يدعى بأبيك إبراهيمعليه‌السلام فيقام عن يمين العرش فيكسى حلة خضراء من حلل الجنة ثم يدعى بالنبيين والمرسلين بعضهم على إثر بعض فيقومون سماطين فيكسون حللا خضرا من حلل الجنة وأنا أخبرك يا علي أنه أول من يدعى بي من أمتي يدعى بك لقرابتك مني ومنزلتك عندي فيدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد يستبشر به ادم وجميع من خلق الله عز وجل من الأنبياء والمرسلين فيستظلون بظل لوائي فتسير باللواء بين السماطين الحسن بن علي عن يمينك والحسين عن يسارك حتى تقف بيني وبين إبراهيم في ظل العرش فتكسى حلة خضراء من حلل الجنة فينادي مناد من عند العرش يا محمد نعم الأب أبوك إبراهيم ونعم الأخ أخوك وهو علي يا علي إنك تدعى إذا دعيت وتحيا إذا حييت وتكسى إذا كسيت»(١) .

وروى احمد قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا عمار بن خالد ثنا إسحاق بن الأزرق عن عبد الملك بن أبي سليمان (ت ١٤٥)(٢) عن عطية عن زيد بن أرقم قال

__________________

(١) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٥٣.

(٢) ابن حجر ،تهذيب التهذيب ، خت م ٤ البخاري في التعاليق ومسلم والأربعة عبد الملك بن أبي سليمان واسمه ميسرة أبو محمد ويقال أبو سليمان وقيل أبو عبد الله العرزمي أحد الأئمة روى عن أنس بن مالك وعطاء بن أبيرياح وسعيد بن جبير وسلمة بن كهيل وأنس بن سيرين ومسلم بن يناق وابن الزبير وعبد الله بن عطاء المكي وأبي حمزة الثمالي وزبيد اليامي وعبد الله بن كيسان مولى أسماء وعبد الملك بن أعين وغيرهم ، قال أبو زرعة الدمشقي سمعت أحمد ويحيى يقولان عبد الملك بن أبي سليمان ثقة وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين ضعيف وقال بن عمار الموصلي ثقة حجة وقال العجلي ثثبت في الحديث وقال يعقوب بن سفيان ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن عبد الملك بن أبي سليمان ثقة متقن فقيه. قال الهيثم بن عدي مات في ذي الحجة سنة خمس وأربعين ومائة وفيها أرخه غير واحد ، وذكره بن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ وكان من خيار أهل الكوفة وحفظائهم والغالب على من يحفظ ويحدث أن يهم وليس من الإنصاف ترك حديث شيخ ثبت صحت عنه السنة

٣٣٠

خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجحفة يوم غدير خم وهو آخذ بعضد علي فقال يا أيها الناس ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى يا رسول الله قال فمن كنت مولاه فعذا مولاه(١) .

وروى الطبراني قال حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا سويد بن سعيد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة(٢) .

وروى احمد قال حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أسود بن عامر أخبرنا أبو إسرائيل يعني إسماعيل بن أبي إسحاق الملائي(٣) عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم اني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض(٤) .

أقول : رواه عن عطية أيضا : الأعمش وكثير النوى وطلحة بن مصرف وأبو الجحاف وعبد الملك بن سليمان العرزمي وهارون بن سعيد واسرائيل وفضيل بن مرزوق.

يحيى بن يعمر البصري الفقيه قاضي مرو :

قال الذهبي يحيى بن يعمر القاضي أبو سليمان ويقال أبو عدي العدواني البصري

__________________

بأوهام بهم فيها والأولى فيه قبول ما يروي بتثبت وترك ما صح أنه وهم فيه ما لم يفحش فمن غلب خطأه على صوابه استحق الترك.

(١) احمد بن حنبل ، مسند احمد ج ٥ ص ١٩٥.

(٢) الطبراني ، المعجم الكبير ج ٣ ص ٣٩.

(٣) البخاري ، التاريخ الكبير ج ١ ص ٣٤٦ إسماعيل بن أبي إسحاق أبو إسرائيل العبسي الملائي الكوفي مولى سعد بن حذيفة عن الحكم وعطية ضعفه أبو الوليد. قال أحمد حدثنا حجاج قال أبو إسرائيل ولدت بعد الجماجم بسنة وكانت الجماجم سنة ثلاث وثمانين ولي ثمان وسبعون سنة تركه بن مهدي. قال ابن سعد في الطبقات الكبرى ج ٦ أبو إسرائيل الملائي العبسي واسمه إسماعيل بن أبي إسحاق قال يقولون إنه صدوق وكان بهز بن أسد يحكي أنه سمع أبا إسرائيل تناول عثمان وأشياء نحو هذا تحكى عنه.أقول : وتضعيفه لأجل تناوله عثمان.

(٤) احمد بن حنبل ،مسند احمد ج ٣ ص ١٤.

٣٣١

الفقيه قاضي مرو روى عن أبي ذر وعمار وعائشة وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وأبي الأسود الديلي وغيرهم وعنه عبد الله بن بريدة وقتادة ويحيى بن عقيل وعطاء الخراساني وسليمان التيمي وإسحاق بن سويد العدوي قال أبو داود لم يسمع من عائشة قلت فما الظن بالذين قبلها وقيل أنه أول من نقط المصحف وكان أحد الفصحاء الفقهاء أخذ العربية عن أبي الأسود وكان الحجاج قد نفاه فقبله قتيبة بن مسلم وولاه قضاء خراسان وكان له عدة نواب ثم عزله قتيبة لما بلغه عنه شرب المنصف متفق على حديثه وثقته(١) .

قال ابن حجر قال قال الحاكم : وقال الحاكم يحيى بن يعمر فقيه أديب نحوي مروزي تابعي وأكثر روايته عن التابعين وأخذ النحو عن أبي الأسود الديلي نفاه الحجاج إلى مرو فقبله قتيبة بن مسلم وقد قضى في أكبر مدن خراسان وكان إذا انتقل من بلد استخلف على القضاء بها وقال أبو الحسن علي بن الأثيرالجزري في الكامل مات سنة تسع وعشرين ومائة كذا قال وفيه نظر وقال غيره مات في حدود العشرين(٢) .

قال السيوطي : وأخرج أبو الشيخ ابن أبي حاتم عن أبي حرب بن أبي الأسود قال أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر فقال بلغني انك تزعم ان الحسن والحسين من ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم تجده في كتاب الله وقد قرأته من أوله إلى آخره فلما أجده قال ألست تقرأ سورة الانعام (ومن ذريته داود وسليمان) حتى بلغ (ويحيى وعيسى) قال بلى قال أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب قال صدقت.

قال الرازي في تفسير قوله تعالى (وعلم آدم الأسمء كلها) عن الشعبي قال كنت عند الحجاج فاتي بيحيى بن يعمر فقيه خراسان من بلخ مكبلا بالحديد فقال له انت زعمت ان الحسن والحسين من ذرية رسول الله فقال بلى فقال الحجاج لتاتيني بها بينة واضحة من كتاب الله أو لاقطعنك عضوا عضوا (وتلا عليه) قوله تعالى (ومن ذريته داود وسليمان ..) فاطرق ملياهم رفع راسه فقال كأني لم أقرأ هذه الاية من كتاب

__________________

(١) الذهبي ،تذكرة الحفاظ ج ١ ص ٤٧٥.

(٢) ابن حجر ،تهذيب التهذيب ج ١١ ص ٢٧٦.

٣٣٢

الله حلوا وثاقه وأعطوه من المال كذا وكذا(١) .

دور الامام السجاد والباقر والصادق عليهم‌السلام

في الكوفة بعد نهضة الحسين عليه‌السلام

كانت إمامة السجادعليه‌السلام من سنة ٦١ هـ إلى موته سنة ٩٤ هـ ثم إمامة ولده الباقرعليه‌السلام إلى سنة ١١٤ هـ ثم إمامة ولده الصادقعليه‌السلام إلى سنة ١٤٨ هـ وقد استهدف هؤلاء الأئمة الثلاثة مهمتين أساسيتين :

الأول : تربية الشيعة على الحزن والبكاء والزيارة للحسين كصفة دائمية في شخصيتهم واحياء العشرة الأولى من المحرم بذكر مصيبة الحسين وبخاصة يوم العاشر ثم الأربعين التي بدأها علي بن الحسين وجابر بن يزيد الانصاري ثم إقامة مجالس العزاء وانشاد الشعر فيه وقد بدأ ذلك علي بن الحسين بنفسه الشريفة حين بكى أباه قريبا من أربعين سنة ، ونمت الظاهرة وترعرعت برعاية الامامين الباقر والصادقعليهما‌السلام حتى برزت كظاهرة اجتماعية.

الثانية : تربية نوعين من العلماء الأول علماء بكتب عليعليه‌السلام في الفقه والسيرة والتفسير ليثقفوا الشيعة بثقافة كتاب عليعليه‌السلام أمثال محمد بن مسلم الطائفي وزرارة بن اعين وحمران بن اعين وأبان بن تغلب وغيرهم. الثاني علماء من ذرية عليعليه‌السلام ينهضون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على نهج الحسين والثورة على الأمويين لللإطاحة بهم وإقامة حكم على نهج عليعليه‌السلام . كزيد بن علي بن الحسين وولده يحيى وعيسى ومحمد وإبراهيم ولدا عبد الله بن الحسن وآخرين من ولده أيضا ومنهم إدريس مؤسس ملك الادارسة في المغرب.

الكوفة على عهد هشام وثورة زيد رحمه‌الله ١١٢ هـ

قال البلاذري وهو يترجم لزيد بن عليرضي‌الله‌عنه : وقرأت في كتب سالم كاتب هشام كتاباً نسخته :

__________________

(١) الرازي ، مفاتيح الغيب ٢ / ١٩٤.

٣٣٣

(أمّا بعد فقد عرفت حال أهل الكوفة في حبِّهم أهل البيت ووضعهم إيّاهم في غير مواضعهم لافتراضهم على أنفسهم طاعتهم ووظَّفوا عليهم شرائع دينهم ونحلتهم إيّاهم عظيم ما هو كائن ممَّا استأثر الله بعلمه دونهم حتّى حملوهم على تفريق الجماعة والخروج على الأئمة(١)

قال البلاذري : وبعث يوسف بن عمر إلى أم امرأة لزيد أزدية ، فهدم دارها وحملت إليه ، فقال لها : أزوَّجتِ زيدا؟ قالت : نعم زوجته وهو سامع مطيع ، ولو خطب إليك إذ كان كذلك لزوَّجته. فقال شُقّوا عليها ثيابها ، فجلدها بالسياط وهي تشتمه وتقول : ما أنت بعربي تعرِّيني وتضربني لعنك الله ، فماتت تحت السياط ، ثم أمر بها فأُلقيت في العراء ، فسرقها قومها ودفنوها في مقابرهم.

وأخذ امرأة قوَّت زيدا على أمره ، فأمر بها أن تقطع يدها ورجلها وضرب عنق زوجها.

وضرب امرأة أشارت على أمها أن تؤوي ابنة لزيد خمسمائة سوط. وهدم دورا كثيرة.

وأُتِيَيوسف بعبد الله بن يعقوب السلمي من ولد عتبة بن فرقد (وكان زوَّجَ ابنته من يحيى بن زيد) فقال له يوسف : ائتني بابنتك ، قال : وما تصنع بها جارية عاتق(٢) في البيت؟ قال : أقسم لتأتيني بها أو لأضربنَّ عنقك ، (وقد كان كتب إلى هشام يصف طاعته) فأبى أن يأتيه بابنته فضرب عنقه ، وأمر العريف أن يأتيه بابنة عبد الله بن يعقوب فأبى ، فأمر به فدُقَّت.

قال البلاذري : ولما فرغ يوسف من أمر زيد صعد منبر الكوفة فشتم أهلها وقال : يا أهل المِدْرَة الخبيثة! (والله ما يقعقع لي بالشِّنان ولا تقرن بي الصعبة) لقد هممت أن أخرب بلدكم وأن أحربكم بأموالكم ، والله ما أطلت منبري إلا لأسمعكم عليه ما تكرهون ، فإنكم أهل بغي وخلاف ، ولقد سألت أمير المؤمنين (هشام بن عبد الملك) أن

__________________

(١) الطبري ،تاريخ الطبري (ج ٧ ص ١٧٠ ـ ١٧١) ولم يذكر الطبري مصدره الذي أخذ الرواية عنه.

(٢) العاتق : الجارية أول ما أدركت.

٣٣٤

يأذن لي فيكم ولو فعل لقتلت مقاتلتكم وسبيت نساءكم. إن يحيى بن زيد(١) ليتنقل في حجال نسائكم كما كان أبوه ، يفعل ، وما فيكم مطيع إلا حكيم بن شريك المحاربي ، والله لو ظفرت بيحياكم لعرقت خصييه كما عرقت خصيتي أبيه.(٢)

الكوفة مركز مرجعية الامام الصادق عليه‌السلام

تحرك الأئمة السجاد والباقر ثم الصادقعليه‌السلام في المدينة بصفتهم رواة حديث يأخذون عن الصحابة والتابعين في الجو الذي سمحت به السلطة الأموية على عهد بني مروان امتدادا للسياسة التي وضعها معاوية لإحياء معالم الدولة الأموية الأولى في إطار سيرة الشيخين كخط في قبال الثقافة التي احياها عليعليه‌السلام ومنعت منها الدولة الأموية الثانية ، ثم كونوا لهم بمقدار ما يسمح لهم الظرف السياسي وسطهم الخاص بهم وانفتحوا تدريجيا على الثقاة من اصحابهم يدعونهم إلى ولايتهم ويعرفونهم بكتاب عليعليه‌السلام الذي املاه النبي عليه في السنة ، وكان الجيل الجديد من الشيعة الذي ولد أيام الحجاج لا يعرف من احكام الإسلام الا الذي تبنته الدولة الأموية الثانية وقد اشارت الى ذلك رواية الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيسى بن السري أبي اليسع قال :

قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع أحدا التقصير عن معرفة شيء منها ، الذي من قصر عن معرفة شيء منها فسد دينه ولم يقبل [الله] منه عمله ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه وقبل منه عمله ...

فقال : شهادة أن لا إله إلا الله والايمان بأن محمدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والاقرار بما جاء به من عند الله وحق في الأموال الزكاة ، والولاية التي أمر الله عز وجل بها : ولاية آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ،.

قال : فقلت له : هل في الولاية فضل يعرف لمن أخذ به؟ قال : نعم قال الله عز

__________________

(١) ترجم البلاذري ليحيى بن زيد وحركته ومقتله في الجوزجان فيانساب الاشراف (ج ٣ ص ٤٥٣ ـ ٤٥٨).

(٢) البلاذري ،انساب الأشراف ج ٣ ص ٤٤٨ ـ ٤٥٠.

٣٣٥

وجل :( يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأُولي الأمر منكم ) وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية.

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وكان علياعليه‌السلام وقال الآخرون : كان معاوية ،

ثم كان الحسنعليه‌السلام

ثم كان الحسينعليه‌السلام وقال الآخرون : يزيد بن معاوية ولا سواء ولا سواء

قال : ثم سكت ثم قال : أزيدك؟

فقال له حكم الأعور : نعم جعلت فداك.

قال : ثم كان علي بن الحسين ثم كان محمد بن علي أبا جعفر.

وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس.(١)

وكان الفرد الشيعي آنذاك لا يفاتح بكتاب عليعليه‌السلام وفتاواه الخاصة التي تخالف المشهور عند الناس آنذاك ، حتى تؤخذ منه العهود ان لا يحدث به حتى يأتيه الإذن كما في رواية زرارة قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الجد فقال «ما أجد أحدا قال : فيه إلا برأيه إلا أمير المؤمنينعليه‌السلام » قلت : أصلحك الله فما قال فيه أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟

فقال «إذا كان غدا فالقني حتى أقرئكه في كتاب علي»

قلت : أصلحك الله حدثني فإن حديثك أحب إلي من أن تقرأينه في كتاب ،

فقال لي الثانية «أسمع ما أقول لك إذا كان غدا فالقني حتى أقرئكه في كتاب ، فأتيته من الغد بعد الظهر وكانت ساعتي التي كنت أخلو به فيها بين الظهر والعصر وكنت أكره أن أسأله إلا خاليا خشية أن يفتيني من أجل من يحضرني بالتقية فلما دخلت عليه أقبل علي ابنه جعفر ، فقال «أقرئ زرارة صحيفة الفرائض» ثم قام لينام فبقيت أنا وجعفر في البيت فقام فأخرج إلي صحيفة مثل فخذ البعير.

__________________

(١) الشيخ الكليني ،الكافي ج ٢ ص ١٩ ـ ٢١.

٣٣٦

فقال «لست أقرئكها حتى تجعل لي عليك الله أن لا تحدث بما تقرأ فيها أحدا أبدا حتى آذن لك» ولم يقل : حتى يأذن لك أبي ،

فقلت : أصلحك الله ولم تضيق علي ولم يأمرك أبوك بذلك؟

فقال لي : ما أنت بناظر فيها إلا على ما قلت لك»

فقلت : فذاك لك ، وكنت رجلا عالما بالفرائض والوصايا ، بصيرا بها ، حاسبا لها ، ألبث الزمان اطلب شيئا يلقيي علي من الفرائض والوصايا لا أعلمه فلا أقدر عليه ، فلما ألقى إلي طرف الصحيفة إذا كتاب غليظ يعرف أنه من كتب الأولين فنظرت فيها فإذا فيها خلاف ما بأيدي الناس من الصلة والأمر بالمعروف الذي ليس فيه اختلاف وإذا عامته كذلك فقرأته حتى أتيت على آخره بخبث نفس وقلة تحفظ وسقام رأي وقلت وأنا أقرأوه باطل حتى أتيت على آخره ثم أدرجتها ودفعتها إليه فلما أصبحت لقيت أبا جعفرعليه‌السلام .

فقال لي «أقرأت صحيفة الفرائض؟»

فقلت : نعم ، فقال «كيف رأيت ما قرأت؟»

قال : قلت : باطل ليس بشيء هو خلاف ما الناس عليه ،

قال «فإن الذي رأيت والله يا زرارة هو الحق ، الذي رأيت إملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخط عليعليه‌السلام بيده».(١)

وقد استغل الامام الباقرعليه‌السلام تغير السياسية الأموية من الشدة إلى السماحة النسبية أيام عمر بن عبد العزيز (٩٩ ـ ١٠١ هـ) وكذلك الامام الصادق استغل أخريات العهد الأموي وبدايات العهد العباسي ان يربيا فقهاء الشيعة أمثال محمد بن مسلم وزرارة بن اعين وأبان بن تغلب(٢) وكان الامام الباقر يقول لهذا الأخير : (اجلس في مجلس المدينة

__________________

(١) الفيض الكاشاني ،الوافي ، مكتبة الامام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام العامة ـ أصفهان ١٤٠٦ هـ ج ٢٥ ص ٧٥١ ـ ٧٥٢. عن (الكافي ج ٧ ص ٩٤ والتهذيب ج ٩ ص ٢٧١).

(٢) قال الحموي ياقوت في مجمع الادباء ١ / ١٠٨ ابان بن تغلب بن رياح الجريري ، أبو سعيد البكري مولى بنى جرير بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن عكاشة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ـ ذكره أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في مصنفي الإمامية ، ومات أبان في سنة إحدى وأربعين ومائة قال أبو جعفر هو ثقة جليل القدر عظيم المنزلة في أصحابنا لقي أبا محمد علي بن الحسين ،

٣٣٧

وأفت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك).

وعن سليمان ابن خالد قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : ما أجد أحدا أحيا ذكرنا وأحاديث أبيعليه‌السلام إلا زرارة ، وأبو بصير ليث المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية العجلي ، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا ، هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبيعليه‌السلام على حلال الله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا ، والسابقون إلينا في الآخرة.(١)

روى ابن عدي عن إبراهيم بن محمد الرماني أبو نجيح قال سمعت حسن بن زياد يقول سمعت أبا حنيفة وسئل من أفقه من رأيت فقال ما رأيت أحدا أفقه من جعفر بن محمد لما أقدمه المنصور الحيرة بعث إلي فقال يا أبا حنيفة ان الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيئ له من مسائلك تلك الصعاب فقال فهيأت له أربعين مسألة ثم بعث إلي أبو جعفر فأتيته بالحيرة فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه فلما بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر فسلمت وأذن لي أبو جعفر فجلست ثم التفت إلى جعفر فقال يا أبا عبد الله تعرف هذا قال نعم هذا أبو حنيفة ثم أتبعها قد أتانا ثم قال يا أبا حنيفة هات من مسائلك سل أبا عبد الله فابتدأت أسأله قال فكان يقول في المسألة أنتم تقولون فيها كذا وكذا وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة وربما خالفنا جميعا حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرج منها مسألة ثم قال أبو حنيفة أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.(٢)

__________________

وأبا جعفر وأبا عبد الله عليه مالسلام وروى عنهم وكانت له عندهم حظوة وقدم ، قال له أبو جعفر اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فإني أحب أن أرى في شيعتي مثلك ، وقال أبو عبد الله لما أتاه نعيه أما والله لقد أوجع قلبي موت أبان ، قال وكان قارئا فقيها لغويا نبيها ثبتا وسمع من العرب وحكى عنهم وصنف كتاب الغريب في القرآن وذكر شواهده من الشعر فجاء فيما بعد عبد الرحمن بن محمد الأزدي الكوفي فجمع من كتاب أبان ومحمد بن السائب الكلبي وابن روق عطية بن الحارث فجعله كتابا فيما اختلفوا فيه وما اتفقوا عليه فتارة يجيء كتاب أبان مفردا وتارة يجيء مشتركا على ما عمله عبد الرحمن ولأبان أيضا كتاب الفضائل.

(١) الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن ،وسائل الشيعة ، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي ، دار إحياء التراث العربي بيروت ـ لبنان ١٩٨٣ م. ج ١٨ ص ١٠٤.

(٢) ابن عدي ، الكامل في ضعفاء الرجال ج ٢ ص ١٣٣. والذهبي ،سير أعلام النبلاء ج ٦ ص ٢٥٧. والمزي ،تهذيب الكمال ، ج ٥ ص ٧٩.

٣٣٨

وقال الحسن بن علي بن زياد الوشاء لابن عيسى القمي : إني أدركت في هذا المسجد : يعني مسجد الكوفة تسعمائة شيخ كل يقول : حدثني جعفر بن محمدعليه‌السلام .(١)

قال البراقي وقد صنف الافظ أبو العباس بن عقدة الهمداني الكوفي المتوفى سنة ٣٣٣ كتابا في أسماء الرجال الذين رووا الحديث عن (الإمام الصادق)عليه‌السلام فذكر ترجمة (٤٠٠٠) رجل.(٢)

الكوفة على عهد حركة ولدي عبد الله بن الحسن المثنى رضي‌الله‌عنه

قال الطبراني حدثني سعيد بن تسنيم بن الحواري بن زياد بن عمرو بن الأشرف قال سمعت من لا أحصى من أصحابنا يذكرون أن أبا جعفر (الخليفة) شاور في أمر إبراهيم فقيل له إن أهل الكوفة له شيعة ، والكوفة قدر يفور أنت طبقها فاخرج حتى تنزلها ففعل.(٣)

قال وحدثني عبد الملك ابن سليمان عن حبيب بن مرزوق قال حدثني تسليم بن الحواري قال لما ظهر محمد وإبراهيم ابنا عبد الله أرسل أبو جعفر إلى عبد الله بن علي وهو محبوس عنده ان هذا الرجل قد خرج فإن كان عندك رأى فأشربه علينا وكان ذا رأي عندهم فقال إن المحبوس محبوس الرأي فأخرجني حتى يخرج رأيي فأرسل إليه أبو جعفر ، لو جاءني حتى يضرب بابي ما أخرجتك وأنا خير لك منه وهو ملك أهل بيتك ، فأرسل إليه عبد الله ارتحل الساعة حتى تأتى الكوفة فاجثم على أكبادهم فإنهم شيعة أهل هذا البيت وأنصارهم ثم احففها بالمسالح فمن خرج منها إلى وجه من الوجوه أو أتاها من وجه من الوجوه فاضرب عنقه ، وابعث إلى سلم بن قتيبة ينحدر عليك وكان بالري واكتب إلى أهل الشام فمرهم أن يحملوا إليك من أهل البأس والنجدة ما يحمل البريد فأحسن جوائزهم ووجههم مع سلم ففعل(٤) .

__________________

(١) النجاشي ،فهرست أسماء مصنفي الشيعة المشتهر بـ رجال النجاشي ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ١٤١٦ هـ ، ص ٣١.

(٢) البراقي ،تاريخ الكوفة ، شريعت قم ١٤٢٤ هـ. ص ٤٠٨.

(٣) الطبري ،تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٧.

(٤) الطبري ،تاريخ الطبري ج ٦ ص ١٩٤.

٣٣٩

قال الطبري حدثني مسلم الخصي مولى محمد بن سليمان قال كان أمر إبراهيم وأنا ابن بضع عشرة سنة وأنا يومئذ لأبي جعفر فأنزلنا الهاشمية بالكوفة ونزل هو بالرصافة في ظهر الكوفة وكان جميع جنده الذين في عسكره نحوا من ألف وخمسمائة فكان يطوف الكوفة كلها في كل ليلة وأمر مناديا فنادى من أخذناه بعد عتمة فقد أحل بنفسه فكان إذا أخذ رجلا بعد عتمة لفه في عباءة وحمله فبيَّتَه عنده فإذا أصبح سأل عنه فان علم براءته أطلقه وإلا حبسه.

وحدثني جواد ابن غالب قال حدثني العباس بن مسلم مولى قحطبة قال كان أمير المؤمنين أبو جعفر إذا اتهم أحدا من أهل الكوفة بالميل إلى إبراهيم أمر أبى سلما بطلبه فكان يمهل حتى إذا غسق الليل وهدأ الناس نصب سلما على منزل الرجل فطرقه في بيته حتى يخرجه فيقتله ويأخذ خاتمه قال أبو سهل جواد فسمعت جميلا مولى محمد بن أبي العباس يقول للعباس بن سلم والله لو لم يورثك أبوك إلا خواتيم من قتل أهل الكوفة كنت أيسر الأبناء.

قال الطبري : وحدثني يحيى بن ميمون من أهل القادسية قال سمعت عدة من أهل القادسية يذكرون أن رجلا من أهل خراسان يكنى أبا الفضل ويسمى فلان ابن معقل ولى القادسية ليمنع أهل الكوفة من اتيان إبراهيم وكان الناس قد صُدُّوا في طريق البصرة فكانوا يأتون القادسية ثم العذيب ثم وادى السباع ثم يعدلون ذات اليسار في البر حتى قدموا البصرة قال فخرج نفر من الكوفة اثنا عشر رجلا حتى إذا كانوا بوادي السباع لقيهم رجل من موالى بني أسد يسمى بكرا من أهل شراف دون واقصة بميلين من أهل المسجد الذي يدعى الموالى فأتى ابن معقل فأخبره فأدركهم بخفان وهي على أربعة فراسخ من القادسية فقتلهم أجمعين.(١)

وقال حدثني عبد الله بن راشد بن يزيد قال سمعت إسماعيل بن موسى البجلي وعيسى بن النضر السمانين وغيرهما يخبرون أن غزوان كان لآل القعقاع بن ضرار

__________________

(١) الطبري ،تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٤٩.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611