الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي9%

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 611

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 177801 / تحميل: 7845
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

٢ ـ( هَلْ كُنتُ إلّا بَشَرًا رَّسُولاً ) ومعناه أنّه بشر مأمور لا يستطيع القيام بالممكن من هذه الاُمور إلّا بإذنه سبحانه، شأن كل رسول في إنجاز رسالته.

وبعبارة اُخرى إنّكم إن كنتم تطلبون هذه الاُمور منّي بما أنا بشر، فالممكن منها خارج عن إطار قدرة البشر، وإن كنتم تطلبون مني بما أنني رسول مبلغ فلا أستطيع التصرف بلا إذن ورخصة منه سبحانه، وعلى كل تقدير فهؤلاء الجهلة المجادلون ما كانوا ليؤمنوا ولو جاءهم النبي بأضعاف ما لم يطلبوا به. قال تعالى:( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ المَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إلّا أَن يَشَاءَ اللهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) ( الأنعام / ١١١ ).

والمراد من قوله:( إلّاأَن يَشَاءَ اللهُ ) هو المشيئة القاهرة التي تجبر الناس على الإيمان بالرسالة، وعندئذ لا يقام لمثل هذا الإيمان وزن ولا قيمة(١) .

* * *

٤ ـ طلب طرد الفقراء

روى الثعلبي باسناده عن عبد الله بن مسعود قال: مر الملأ من قريش على رسول الله وعنده صهيب وخباب وبلال وعمّار وغيرهم من ضعفاء المسلمين، فقال: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك أفنحن نكون تبعاً لهم ؟ أهؤلاء الذين منَّ الله عليهم ؟ أطردهم عنك فلعلّك إن طردتهم اتّبعناك، فأنزل الله تعالى:( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ ) (٢) .

__________________

(١) لقد بسطنا الكلام في الجزء الرابع من هذه الموسوعة في تحديد الشروط التي يجب للنبي دونها القيام بالمعجزة وبيّنّاه في مفاد الآيات النافية للإعجاز، لاحظ: ص ٩٥ ـ ١٥٤ من ذلك الجزء.

(٢) مجمع البيان: ج ٤ ص ٣٠٥.

١٨١

قال ابن هشام: وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا جلس في المسجد وجلس إليه المستضعفون من أصحابه: خباب وعمّار وأبو فكيهة يسار مولى صفوان بن اُميّة بن محرث وصهيب وأشباههم من المسلمين، هزأت بهم قريش وقال بعضهم لبعض: هؤلاء أصحابه كما ترون، أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا بالهدى والحق ؟ لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقنا هؤلاء إليه، وما خصّهم الله به دوننا، فأنزل الله تعالى فيهم:( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ *وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَٰؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ *وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( الأنعام / ٥٢ ـ ٥٤ )(١) .

وقد ذكر في شأن نزول الآية وجه آخر يناسب كونها مدنيّة لا مكيّة، علماً بأنّ جميع آيات السورة مكيّة وهذا يبعد أن تكون هذه الآية وحدها مدنيّة مع أنّ لحن الآية يناسب كونها مكّية.

ومثله قوله سبحانه:( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) ( الكهف / ٢٨ ).

والسورة مكيّة ومفاد الآية يشبه مفاد الآيات المكيّة، وقد ذكر في شأن نزولها أيضاً ما يعرب عن كونها مدنيّة، وإليك النص الدال على ذلك:

روى السيوطي في الدر المنثور: جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصين الفزاري فوجدا النبي قاعداً مع بلال وصهيب وعمّار وخباب في اُناس ضعفاء من المؤمنين فلمّا رأوهم حقّروهم، فأتوه فخلوا به فقالوا: إنّا نحب أن تجعل

__________________

(١) السيرة النبويّة، لابن هشام: ج ١ ص ٣٩٢ و ٣٩٣.

١٨٢

لنا منك مجلساً تعرف لنا العرب به فضلاً، فإنّ وفود العرب ستأتيك فنستحيي أن ترانا العرب قعوداً مع هؤلاء الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمه معنا فإذا نحن فرغنا فلتقعد معهم إن شئت، قال نعم، قالوا: فاكتب لنا عليك بذلك كتاباً، فدعا بالصحيفة ودعا عليّا ليكتب ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبرئيل بهذه الآية:( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ) إلى قوله( فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) فألقى رسول الله الصحيفة من يده، فأتيناه وهو يقول:( سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) فكنّا نقعد معه، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فأنزل الله:( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) قال: فكان رسول الله يقعد معنا بعد فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم(١) .

يقول العلّامة الطباطبائي في هذا الصدد: « إستفاضت الروايات على نزول سورة الأنعام دفعةً، هذا والتأمل في سياق الآيات لا يبقي ريباً أنّ هذه الروايات إنّما هي من قبيل ما نسمّيه تطبيقاً، بمعنى أنّهم وجدوا مضامين بعض الآيات تقبل الإنطباق على بعض القصص الواقعة في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فعدّوا القصّة سبباً لنزول الآية لا بمعنى أنّ الآية انّما نزلت وحدها دفعة لحدوث تلك الواقعة ورفع الشبهة الطارئة من قبلها، بل بمعنى أنّ الآية يرتفع بها ما يطرء من قبل تلك الواقعة من الشبهة كما ترفع بها الشبه الطارئة من قبل سائر الوقائع من أشباه الواقعة ونظائرها كما يشهد بذلك ما ترى في هذه الروايات الثلاث الواردة في سبب نزول قوله:( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ ) الآية، فإنّ الغرض فيها واحد لكن القصص مختلفة في عين أنّها متشابهة فكأنهم جاءوا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واقترحوا عليه أن يطرد عنه الضعفاء كرّة بعد كرّة وعنده في كل مرّة عدّة من ضعفاء المؤمنين وفي مضمون الآية إنعطاف إلى هذه الإقتراحات أو بعضها(٢) .

__________________

(١) الدر المنثور: ج ٣ ص ١٣، ونقله في مجمع البيان عند تفسير الآيتين فلاحظ.

(٢) الميزان: ج ٧ ص ١١٠ بتصرّف يسير.

١٨٣

ويضيف قائلاً: « إنّ ما اقترح المشركون على النبي نظير ما اقترحه المستكبرون من سائر الأمم على رسلهم من أن يطردوا عن أنفسهم الضعفاء والفقراء من المؤمنين تعزّزاً وتكبّرا وقد حكى الله سبحانه عن قوم نوح فيما حكى من محاجّتهعليه‌السلام حجاجاً يشبه ما في هذه الآيات من الحجاج قال تعالى:( فَقَالَ المَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إلّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إلّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ) إلى أن قال:( وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُم مُّلاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ *وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) ( هود / ٢٧ و ٢٩ و ٣٠ )(١) .

__________________

(١) الميزان: ج ٧ ص ١١٠ بتصرّف يسير.

١٨٤

د ـ تعذيب النبيّ وأصحابه

قد كان إيقاع الأذى على الدعاة المصلحين من سنن المجتمعات الجاهلية حيث قد كان أهلها يخالونهم أعداء لأنفسهم ومصالحهم فكانوا يقابلونهم بالإيذاء والشتم والضرب والقتل فلم يكن النبي فيما لاقاه من الأذى والسب والتنكيل به وبأصحابه بدعاً من الاُمور.

وقد أدار المشركون رحى الشر عليهم طيلة لبثهم في مكة فجاء الوحي يحثّهم على الصبر والثبات بتعابير وأساليب مختلفة وإليك توضيح ذلك:

١ ـ نزل الوحي مسلّياً بقوله:( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ المُرْسَلِينَ ) ( الأنعام / ٣٤ ) وقوله:( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) ( النحل / ١٢٧ ).

٢ ـ ومحفزاً تارة اُخرى بتذكيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله بجَلَد أولى العزم في إداء رسالاتهم بقوله:( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ) ( الأحقاف / ٣٥ ).

٣ ـ وثالثة داعياً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله تفويض الأمر إلى الله والتريّث حتى يأتي موعده بقوله:( وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ ) ( يونس / ١٠٩ ).

٤ ـ ورابعاً مروّضا لهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قبال ما يكال إليه من

١٨٥

صنوف الايذاء بقوله:( وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً ) ( المزمل / ١٠ ).

٥ ـ وخامساً منبّهاً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله بتجنب ما وقع فيه النبيّ يونس بقوله سبحانه:( وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ ) ( القلم / ٤٨ ).

فهذه الآيات ونظائرها تعرب عن عظم درجة الايذاء والوصب الذي عاناه النبي في سبيل إرساء قواعد دعوته حيث قابلها برحابة صدر وسعة نفس، وعلى الرغم من كل ذلك فلم تتحرك شفتاه بطلب إنزال العذاب عليهم. سواء عندما كان في مكة أم بعد مغادرتها إلى المدينة فكان يقابل تزمّت قومه وعنادهم بالحكمة والموعظة الحسنة ما وجد لذلك سبيلاً.

المضطهدون في صدر البعثة

وقد جاء في كتب السيرة أسماء الذين عذّبوا بيد قريش من صحابة النبي الأكرم وعلى رأسهم « ياسر » و « سميّة » أبوا عمّار، و « صهيب » و « بلال » و « خباب » وقد اُستشهد أبو عمّار واُمّ عمّار بتعذيب المشركين وأمّا عمّار فقد أعطاهم بلسانه ما أرادوا منه وبقي قلبه مطمئن بالإيمان وعندما جاء خبر تعذيب قريش لنبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يزل يلهج بهم ويدعو لهم ويقول: إصبروا آل ياسر موعدكم الجنّة، ويقول: أبشروا آل ياسر موعدكم الجنّة، ويقول: أللّهم اغفر لآل ياسر وقد فعل.

يقول ابن هشام: وكان بنو مخزوم يخرجون بعمّار وأبيه واُمّه وكانوا أوّل أهل بيت في الإسلام إذا حميت الظهيرة يعذّبونهم برمضاء مكّة فيمر بهم رسول الله فيقول: صبراً آل ياسر موعدكم الجنّة. صبراً آل ياسر فإنّ مصيركم إلى الجنّة(١) .

__________________

(١) سيرة ابن هشام: ج ١ ص ٣١٩ ـ ٣٢٠.

١٨٦

يروي أبو نعيم عن عثمان بن عفان قال: لقيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالبطحاء فأخذ بيدي فانطلقت معه، فمرّ بعمّار واُمّ عمار وهم يعذّبون، فقال: صبراً آل ياسر فإنّ مصيركم إلى الجنّة.

وروى أيضاً عن مجاهد: أوّل من أظهر الإسلام سبعة، فعدّ منهم عمّار وسميّة ـ اُمّ عمّار ـ.

وكانوا يلبسونهم أدراع الحديد ثمّ يسحبونهم في الشمس فبلغ منهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ من حر الحديد والشمس، فلمّا كان من العشيّ أتاهم أبوجهل ـ لعنه الله ـ ومعه حربة فجعل يشتمهم ويوبّخهم(١) .

ثمّ إنّ المشركين أصابوا عمّار بن ياسر فعذّبوه ثمّ تركوه ( لأنّه أعطاهم ما يطلبون ) فرجع إلى رسول الله فحدّثه بالذي لقي من قريش.

وفي رواية: أخذ بنو المغيرة فغطّوه في بئر ميمون وقالوا: أكفر بمحمّد، فتابعهم على ذلك وقلبه كاره.

وفي رواية ثالثة: أخذ المشركون عمّار بن ياسر فعذّبوه حتى باراهم في بعض ما أرادوا، فشكى ذلك إلى النبي، فقال النبي: كيف تجد قلبك ؟ قال: مطمئناً بالإيمان، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : فإن عادوا فعد، فنزل قوله سبحانه:( مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ( النحل / ١٠٦ ).

فأخبر الله سبحانه أنّه من كفر بعد إيمانه فعليه غضب من الله وله عذاب أليم، وأمّا من أكره وتكلّم بها لسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوّه فلا حرج عليه، لأنّ الله سبحانه إنّما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم(٢) .

__________________

(١) حلية الأولياء: ج ١ ص ١٤٠.

(٢) تفسير الطبري: الجزء ١٤، ص ١٢٢.

١٨٧

لقد تطرّق إلى بعض القلوب أنّ عمّاراً كفر، فقال النبي: إنّ عمّاراً مِلئ إيماناً من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه، وجاء عمّار إلى رسول الله وهو يبكي، فقال: ما وراءك ؟ فقال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، فجعل رسول الله يمسح عينيه ويقول: إن عادوا لك فعد لهم بما قلت، وأضاف الطبرسي أنّ ياسراً وسميّة أبوي عمّار أوّل شهيدين في الإسلام(١) .

إنّ الأساليب التي أنتهجتها وتبنّتها قريش لشل حركة تقدم الدعوة النبويّة لـمّا أضحت فاشلة، إضطرّت إلى اللجوء إلى أسلوب آخر وهو اثارة الضوضاء والضجيج، للحيلولة دون بلوغ القرآن إلى مسامع الناس.

إثارة الضوضاء عند تلاوة النبي للقرآن

كان القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى للنبي وكانت العرب تعرف بفطرتها أنّه كلام فوق كلام البشر، وأنّ له لحلاوة وأنّ عليه لطلاوة وأنّ أعلاه لمثمر وأنّ أسفله لمغدق وأنّه يعلو وما يعلى عليه(٢) .

هكذا وصف القرآن بعض أعداء النبي، وقد كانت الشباب من قريش وغيره يدركون حلاوة القرآن بذوقهم السليم فيندفعون إلى الإعتناق به حيث كان القرآن يأخذ بمجامع قلوبهم ويوردهم المنهل العذب من الإيمان، فلم ير أعداء النبي بدّاً من نهي العرب عن الاستماع إليه وقد كان النبي يجهر بالقرآن في الأشهر الحرم في المسجد الحرام، فاحتالوا بالمكاء والتصفير والتخليط في المنطق على رسول الله حتى لا يسمع صوته ولا يعلم كلامه، وإليه يشير قوله سبحانه:( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) ( فصّلت / ٢٦ ). حتى يصدّوا بذلك

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٣ ص ٣٨٨.

(٢) اقتباس من كلام الوليد بن المغيرة، راجع مجمع البيان: ج ٥ ص ٣٨٧، والسيرة النبويّة: ج ٥ ص ٣٨٢.

١٨٨

من اَراد استماعه، فإذا لم يسمع ولم يفهم لا يتبعه فيغلبون بذلك محمداً(١) . فأوعدهم الله سبحانه بقوله:( فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ولقد تحقّق وعده سبحانه في الدنيا يوم بدر فقتل منهم من قتل وأسر منهم من اُسر، فنالوا جزاء أعمالهم، وبقي عليهم العذاب الأكبر الذي يجزون به في يوم البعث. يقول سبحانه:( ذَٰلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ) ( فصّلت / ٢٧ و ٢٨ ).

العذر الأخير للإمتناع عن قبول الدعوة

وأقصى ما كان عند قريش من العذر لتبرير عملهم وعدم إعتناقهم لدين النبي، هو أنّهم كانوا يخافون من مشركي الجزيرة العربيّة حيث إنّهم كانوا على خلاف التوحيد بل على عبادة الأصنام، فقالوا: لو اعتنقنا دين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ورفضنا الأصنام والأوثان، لثار الجميع علينا، وهذا ما يحكيه عنهم قوله سبحانه:( وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ) ( القصص / ٥٧ ) والآية تعطي أنّهم كانوا واقفين على أنّ دين النبي حقٌّ ولكن الذي منعهم عن اتباع الهدى مخافة أن تتخطّفهم العرب من أرضهم وليس لهم طاقة بهم(٢) .

فردّه الوحي بأنّ الله سبحانه جعل بهم مكّة دار أمن وأمان ودفع ضرّ الناس عنهم عندما كانوا مشركين فإذا آمنوا واعتنقوا دين الله يعمّهم الأمن والسلامة أيضاً لأنّهم في حالة الإيمان أقرب إلى الله سبحانه من حالة الكفر، فالخالق الذي قطع أيدي الأشرار عن بلدهم قادر في كلتا الحالتين، وإليه يشير قوله سبحانه:( أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ

__________________

(١) تفسير الطبري: الجزء ٢٤ ص ٧٢.

(٢) التخطّف: أخذ الشيء على وجه الإضطراب من كل وجه، والمصطلح الدارج هو الإختطاف.

١٨٩

أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) ( القصص / ٥٧ ).

كان على هؤلاء أن يعتبروا بأقوام متمرّدين الذين أعطوا المعيشة الواسعة، فلم يعرفوا حق النعمة وكفروا فعمّهم الهلاك وهذه ديار عاد وثمود وقوم لوط صارت خالية عن أهلها وهي قريبة منهم، فإنّ ديار عاد إنّما كانت بالأحقاف وهو موضع بين اليمن والشمال وديار ثمود بوادي القرى، وديار لوط بسدوم وكانت قريش تمر بهذه المواضع في تجارتها، وإليه يشير قوله سبحانه:( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ (١) مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إلّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ) ( القصص / ٥٨ ).

هذا آخر ما كان عندهم من المبرّرات لعدم الإيمان بالدّعوة.

خرافة الغرانيق

كان اللازم علينا ضرب الصفح عن تناول هذه الخرافة التاريخية بالبحث لأَنّا قد اعتمدنا في سرد حوادث السيرة النبوية وفق ما ورد في القرآن الكريم، فما جاء في خلال آياته نذكره وما لم يرد نتركه إلى كتب السيرة والتاريخ، غير أنّ هذه القصة لـمّا الصقت بساحة القرآن الكريم القدسيّة بالإستناد إلى بعض الآيات الموهمة لذلك كذباً وزوراً، فصارت ذريعة في الآونه الأخيرة بيد أعداء الدين من المستشرقين ك‍ « بروكلمان » في كتاب تاريخ الشعوب الإسلامية، ص ٣٤، وكتاب « الإسلام » لفرويد هيوم، لزم علينا التطرّق لتلك الخرافة وتحليلها تحليلاً علميّاً مؤيّداً بالبرهان الرصين والحجّة الدّامغة حتى لا يبقى لمشكك شكّ ولا لمريب ريب إلّا من أخذته العصبية العمياء فإنّها داء لا علاج له، خصوصاً ما نشاهده في المؤامرة الأخيرة التي حاكتها بريطانيا وغيرها من أذناب الكفر العالمي حيث زمّروا وطبّلوا لكتاب « الآيات الشيطانية » لمؤلّفه « سلمان رشدي » ومنحوا له جائزة أدبية في ذلك المجال، والرجل

__________________

(١) البطر: الطغيان عن النعمة.

١٩٠

هندي الأصل بريطاني الجنسيّة والدراسة وقد ترجم الكتاب بإيعاز من الدول المستعمرة إلى أكثر اللغات العالميّة مع أنّه ليس بكتاب أدبي ولا علمي ولا تاريخي، بل أشبه بأضغاث أحلام نسجها الخيال وروّج لها الإستعمار، وإليك القصّة على وجه الإجمال:

« جلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ناد من أندية قريش كثير أهله فتمنّى يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه، فأنزل الله عليه:( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ *مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ) فقرأه رسول الله حتى إذا بلغ( أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّىٰ *وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَىٰ ) ألقى عليه الشيطان كلمتين:

« تِلْكَ الغَرَانِيقُ العُلَى وَإِنَّ لَشَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْجَى » فتكلّم بها ثمّ مضى فقرأ السورة كلّها فسجد في آخر السورة وسجد القوم جميعاً معه، ورفع الوليد بن المغيرة تراباً إلى جبهته فسجد عليه وكان شيخاً كبيراً لا يقدر على السجود، فرضوا بما تكلّم به، وقالوا: قد عرفنا أنّ الله يحيي ويميت وهو الذي يخلق ويرزق ولكنّ آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، إذ جعلت لها نصيباً، فنحن معك. قالا ( محمد بن كعب القرظي ومحمد ابن قيس ): فلمّا أمسى أتاه جبرئيلعليه‌السلام فعرض عليه السورة فلمّا بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه، قال: ما جئتك بهاتين، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إفتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل !! فأوحى الله عليه:( كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ) . فما زال مغموماً مهموماً حتّى نزلت عليه:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( الحج / ٥٢ )، قال فسمع من كان من المهاجرين بأرض الحبشة: إنّ أهل مكّة قد أسلموا كلّهم، فرجعوا إلى عشائرهم وقالوا: هم أحبّ إلينا، فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما يلقي الشيطان »(١) .

__________________

(١) تفسير الطبري: الجزء ١٧، ص ١٣١.

١٩١

وتحقيق القوم في تلك القصّة يتوقّف على البحث عن سند الرواية التي أوردها الطبري في تفسيره والسيوطي في الدر المنثور أوّلاً، ودراسة متنها وعرضه على العقل والقرآن ثانياً لكي يتجلّى الحق بأجلى مظاهره.

تحليل سند الرواية

إنّ هذه الروايات لا يمكن الإحتجاج بها لوجهين:

الأوّل: إنّ أسانيدها تنتهي إلى التابعين الذين لم يدركوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

من أمثال:

١ ـ محمد بن كعب القرظي ٢ ـ محمد بن قيس ٣ ـ أبو العالية ٤ ـ سعيد بن جبير ٥ ـ الضحّاك ٦ ـ ابن شهاب.

ولم يدرك واحد منهم النبي قطّ وهم قد ساقوا القصّة من دون أن يذكروا الواسطة بينهم وبينه، وإليك نصوص علماء الرجال في حقّهم:

الف ـ محمد بن كعب القرظي

قال ابن حجر: قال العجلي: مدني تابعي ...، وقال البخاري: إنّ أباه كان ممّن لم يَثْبُت يوم قريظة فترك، وما نقل من قتيبة من أنّه ولد في عهد النبي لا حقيقة له. إنّما الذي ولد في عهده، هو أبوه، وقد ذكروا انّه كان من سبي قريظة ممّن لم يحتلم ولم ينبت فخلّوا سبيله، حكي ذلك البخاري في ترجمة محمد، ويدلّ على ذلك إنّه مات سنة ١٠٨ ه‍ ق وقيل: ١١٧ ه‍ ق وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وجاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من طرق أنّه قال: يخرج من أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد يكون بعده. قال ربيعة: فكنّا نقول: هو محمد بن كعب، والكاهنان قريظة والنضير ـ إلى أن يقول ـ:

١٩٢

... فكان يقص في المسجد فسقط عليه وعلى أصحابه سقف، فمات هو وجماعة معه(١) .

ب ـ محمد بن قيس

وهو محمد بن قيس المدني قاض عمر بن عبد العزيز، روى عن أبي هريرة وجابر، ويقال: مرسل، توفّي أيام الوليد بن يزيد. روى عنه أبو معشر ـ قال ابن معين: ليس بشيء لا يروى عنه(٢) .

ج ـ ابن شهاب

وهو محمد بن مسلم الزهري ـ كان يدلّس في النادر ـ وهو أحد التابعين بالمدينة، وقال ابن حجر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب ابن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري وكنيته أبو بكر وهو من رؤوس الطبقة الرابعة مات سنة خمس وعشرين [ بعد المائة ] وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين(٣) .

د ـ أبو العالية

وهو رفيع بن مهران الرياحي أدرك الجاهلية وأسلم بعد وفاة النبي بسنتين ودخل على أبي بكر وصلّى خلف عمر حتى قيل: إنّه أدرك عليّاً ولم يسمع منه(٤) .

__________________

(١) تهذيب التهذيب: ج ٩ ص ٤٢١.

(٢) تهذيب التهذيب: ج ٩ ص ٤١٤.

(٣) ميزان الإعتدال: ج ٤ ص ٤٠، وتقريب التهذيب: ج ٢ ص ٢٠٧، ووفيات الاعلام: ج ٤ برقم ٥٦٣.

(٤) تهذيب التهذيب: ج ٣ ص ٣٨٤.

١٩٣

ه‍ ـ سعيد بن جبير

فهو سعيد بن جبير الكوفي روى عن ابن عباس وابن الزبير وغيره، قتله الحجّاج صبراً سنة ٩٥(١) .

و ـ الضحّاك

وهو الضحّاك بن عثمان. قال أبو زرعة: ليس بقوي، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. مات بالمدينة سنة ثلاث وخمسين(٢) .

هؤلاء الذين ينتهي إليهم السند كلّهم تابعون، نعم رواه الطبري أيضاً عن ابن عباس فهو ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ـ مات سنة ثمان وستين بالطائف وهو أحد المكثرين من الصحابة، ولكنّه لم يكن حاضراً في زمن القصة بل لم يكن متولّداً فيه ( لأنّ تاريخها يرجع إلى السنة الخامسة من البعثة وهو ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ) فتكون روايته مقطوعة.

وعلى كل تقدير فكل ما رواه الطبري في هذا المجال مراسيل أو مقطوعات لا يمكن الإحتجاج بها.

الثاني: إنّ الأسانيد تشتمل على رجال ضعاف لا يمكن الإحتجاج بهم سوى طريق سعيد بن جبير وقد عرفت أنّه أيضاً مرسل.

هذا ما لدى الطبري في تفسيره وأمّا ما نقله السيوطي فلا يقصر عمّا نقله الطبري في الضعف والإرسال، وقد رواه عن « أبي صالح » وأبي بكر بن عبد الرحمان ابن الحارث و « السدى » أيضاً.

__________________

(١) تهذيب التهذيب: ج ٤ ص ١١.

(٢) تهذيب التهذيب: ج ٤ ص ٤٤٧.

١٩٤

أمّا الأوّل فهو مشترك بين ١٩ شخصاً لم يرو واحد منهم عن النبي فالجلّ لولا الكل تابعون(١) .

وأمّا الثاني فهو أبو بكر بن عبد الرحمان بن الحارث ولد في خلافة عمر(٢) .

وأمّا الثالث فهو محمد بن مروان تابعي. قال ابن معين: ليس بثقه، قال ابن نمير: ليس بشيء وكان كذّاباً(٣) .

نعم رواه أيضاً عن سعيد بن جبير وابن عباس وقد عرفت حالهما، ورواه عن السدي وهو أيضاً تابعي.

مضافاً إلى إشتمال الإسناد على رجال ضعاف، وأمّا ما ذكره السيوطي من أنّه أخرج الطبراني والبزاز وابن مردويه والضياء في المختار بسند رجاله ثقات من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس فهو غير صحيح لما عرفت من أنّ المرسل والمقطوع لا يوصفان بالصحة على الإطلاق ولو وصفا بالصحّة فالمراد هو الصحّة النسبية، فلا يحتج بها.

إنّ علماء الإسلام وأهل العلم والدراية من المسلمين، قد أشبعوا هذه الرواية نقضاً وردّاً وإبراماً فوصفها السيد مرتضى: بأنّها خرافة وضعوها(٤) .

وقال النسفي عند القول بها: غير مرضي. وقال الخازن في تفسيره: إنّ العلماء وهّنوا أصل القصّة ولم يروها أحد من أهل الصحّة، ولا أسندها ثقة بسند صحيح، أو سليم متّصل، وإنّما رواها المفسّرون والمؤرّخون المولعون بكل غريب، الملفّقون من الصحف كل صحيح وسقيم، والذي يدل على ضعف هذه القصّة اضطراب رواتها وانقطاع سندها واختلاف ألفاظها(٥) .

__________________

(١) راجع تهذيب التهذيب: ج ١٢ ص ١٣٠ ـ ١٣١.

(٢) تهذيب التهذيب: ج ١٢ ص ١٣٠ ـ ١٣٣.

(٣) تهذيب التهذيب: ج ٩ ص ٤٣٦ برقم ٧١٩.

(٤) تنزيه الأنبياء: ص ١٠٩.

(٥) الهدى إلى دين المصطفى: ج ١ ص ١٣٠.

١٩٥

وقال القاضي عياض: إنّ هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحّة ولا رواه ثقة بسنده سليم متصل، وإنّما أولع به المفسّرون، والمؤرّخون، المولعون بكل غريب، والمتلقّفون من الصحف كل صحيح وسقيم، وصدق القاضي بكر بن العلا المالكي حيث قال: لقد بلي الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير، وتعلّق بذلك الملحدون مع ضعف نقلته، واضطراب رواياته، وانقطاع أسناده واختلاف كلماته(١) .

وقال أمين الإسلام الطبرسي: أمّا الأحاديث المروية في هذا الباب فهي مطعونة ومضعّفة عند أصحاب الحديث، وقد تضمّنت ما ينزّه الرسل عنه، فكيف يجوز ذلك على النبي وقد قال سبحانه:( كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ) وقال:( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَىٰ ) .

وأقصى ما يمكن أن يقال: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما تلا سورة والنجم وبلغ إلى قوله:( أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّىٰ *وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَىٰ ) علمت قريش من عادته أنّه كان يعيبها، قال بعض الحاضرين من الكافرين: ( تِلْكَ الغَرَانِيقُ العُلَى ) فظنّ الجهّال أن ذلك من قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

وقال السيّد الطباطبائي: إنّ الأدلّة القطعيّة على عصمته تكذّب متنها، وإن فرضت صحّة سندها، فمن الواجب تنزيه ساحته المقدّسة عن مثل هذه الخطيئة، مضافاً إلى أنّ الرواية تنسب إليه أشنع الجهل وأقبحه فقد تلا « تِلْكَ الغَرَانِيقُ العُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى » وجهل أنّه ليس من كلام الله، ولانزل به جبرئيل، وجهل أنّه كفر صريح يوجب الإرتداد، ودام على جهله، حتى سجد وسجدوا في آخر السورة، ولم يتنبّه ثمّ دام على جهله حتى نزل عليه جبرئيل، وأمره أن يعرض عليه السورة فقرأها عليه وأعاد الجملتين وهو مصرّ على جهله، حتى أنكره عليه جبرئيل، ثمّ أنزل عليه آية تثبت نظير هذا الجهل الشنيع والخطيئة الفاضحة لجميع الأنبياء

__________________

(١) الشفاء: ج ٢ ص ١٢٦.

(٢) الطبرسي مجمع البيان: ج ٤ ص ٦١ و ٦٢.

١٩٦

والمرسلين وهي قوله:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) .

لو جاز مثل هذا التصرّف من الشيطان في لسانه بالقائه جملة أو جملتين، في ثنايا الوحي، لارتفع الأمن عن الكلام الإلهي، فكان من الجائز حينئذ أن تكون بعض الآيات القرآنية من إلقاء الشيطان فيلقي نفس هذه الآية( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ) فيضعه في لسان النبي وذكره، فيحسبها من كلام الله الذي نزل به جبرئيل كما حسب حديث الغرانيق كذلك ـ إلى أن قال ـ وبذلك يرتفع الإعتماد والوثوق بكتاب الله من كل جهة، وتلغى الرسالة والدعوة النبويّة بالكليّة جلّت ساحة الحق من ذلك(١) .

هذا كلّه راجع إلى اسناد الرواية وكلمات العلماء بشأنه، وأمّا ما يرجع إلى متنها فنشير إلى أمرين كل واحد كاف لإبطال الرواية:

تحليل متن الرواية

١ ـ إنّ هذه الروايات أجمعت على أنّ النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله قرأ سورة والنجم فلمّا بلغ إلى قوله( أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّىٰ *وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَىٰ ) وسوس إليه الشيطان بهاتين الجملتين ثمّ مضى في التلاوة حتى إذا بلغ آية السجدة في آخر السورة، سجد وسجد معه المشكرون.

فنقول: إنّ الذين كانوا في المسجد كانوا على قدر من الوعي والدراية فكيف يعقل منهم أنّهم سمعوا هاتين الجملتين، اللتين تتضمّنان مدح أصنامهم وأوثانهم، وغاب عن سمعهم ما يتضمّن التنديد والازراء بشأن آلهتهم، فإنّه قد جاء بعد هاتين الجملتين المدّعيتين قوله سبحانه:( إِنْ هِيَ إلّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إلّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن

__________________

(١) الطباطبائي، الميزان: ج ١٤ ص ٤٣٥ و ٤٣٦.

١٩٧

رَّبِّهِمُ الهُدَىٰ ) ( النجم / ٢٣ ).

فهل يتعقّل أن ينسب إلى أوتاد الفصاحة والبلاغة أنّهم أقنعوا بهاتين الجملتين، وفاتهم ما تضمّنته الآيات الكثيرة التي أعقبتها.

فهذه حجة بالغة على أنّ واضع القصة كان غافلاً عن تلك الآيات التي ترد على هاتين الجملتين بصلابة.

٢ ـ إنّ وجود التناقض في طيّات الرواية من جهات شتّى دليل واضح على كونها مختلقة حاكتها أيدي القصّاصين.

وأمّا بيان ذلك التناقض فمن وجوه:

أ ـ تروي الروايات أنّ النبي والمسلمين والمشركين سجدوا إلّا الوليد ابن المغيرة فإنّه لم يتمكّن من السجود لشيخوخته، وقيل: مكانه سعيد بن العاص، وقيل: كلاهما، وقيل: اُميّة بن خلف، وقيل: أبو لهب، وقيل: المطّلب.

ب ـ تضمّن بعضها أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قرأها وهو قائم يصلّي، وتضمّن البعض الآخر أنّه قرأها بينما هو جالس في نادي قومه.

ج ـ يقول بعضها: حدّث بها نفسه، وآخر: جرت على لسانه.

د ـ يقول بعضها: انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تنبّه لها حين تلاوتها، والآخر: انّه لم يتنبّه إلى المساء حتى جاء إليه جبرئيل فعرضها عليه ثمّ تبيّن له الخطأ، إلى غير ذلك من وجوه التناقض التي يقف عليها المتتبع عند التأمّل وامعان النظر في متون الروايات المختلفة التي جمعها ابن جرير والسيوطي في تفسيرهما.

فحصيلة الكلام: إنّ الرواية بشتّى طرقها وصورها لا تصحّ الإحتجاج بها لكون إسنادها مراسيل ومقاطيع من جانب، وكونها متضاربة المضمون من جانب آخر، والذي يسقط الرواية عن الحجّية أنّها تنتهي إلى قصّاصين نظير محمد بن كعب

١٩٨

القرظي ومحمد بن قيس، وهما مولعان بذكر كل صحيح وسقيم في أنديتهم ومجالسهم، لأنّ لكل غريب لذّة، ليس في غيره، خصوصاً أنّ محمد بن كعب ابن بيت يهودي أباد النبي قبيلته، ولم يبق منه إلّا نفراً قليلاً، فمن المحتمل جداً أنّه حاكها على نول الوضع لينتقم من النبي الأكرم وليشوِّه عصمته، والآفة كل الآفة من هؤلاء المستسلمين مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه.

ثمّ إنّ الآية التي زعمت الرواية أنّها نزلت في تلك الواقعة أعني قوله سبحانه:

( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( الحج / ٥٢ ). وقد فرغنا من تفسيره في هذه الموسوعة عند البحث عن عصمة الأنبياء فلا نعيد(١) .

__________________

(١) مفاهيم القرآن: ج ٤ ص ٣٤٨ ـ ٤٥٠.

١٩٩
٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

عن رجل من الأنصار عن أنس ابن مالك قال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم دعوا لي أصحابي وأصهاري.(١)

اما بنو فراس بن غَنْم :

فقد قال ابن أبي الحديد في شرح الفقرة : (وبنو فراس بن غنم بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وهم بنو فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة(٢) حي مشهور بالشجاعة منهم علقمة بن فراس وهو جذل الطعان ، ومنهم ربيعة بن مكدم بن حدثنا بن جذيمة بن علقمة بنفراس الشجاع المشهور حامي الظعن حيا وميتا ولم يحم الحريم وهو ميت أحد غيره. عرض له فرسان من بني سليم ومعه ظعائن من أهله يحميهم وحده فطاعنهم فرماه نبيشة بن حبيب بسهم أصاب قلبه فنصب رمحه في الأرض واعتمد عليه وهو ثابت في سرجه لم يزل ولم يمل وأشار إلى الظعائن بالرواح ، فسرن حتى بلغن بيوت الحي وبنو سليم قيام إزاءه لا يقدمون عليه ويظنونه حيا حتى قال قائل منهم : إني لا أراه إلا ميتا ولو كان حيا لتحرك ، إنه والله لماثل راتب على هيئة واحدة لا يرفع يده ولا يحرك رأسه ، فلم يقدمأحد منهم على الدنو منه حتى رموا فرسه بسهم فشب من تحته [أي رفع يديه] فوقع وهو ميت وفاتتهم الظعائن.(٣)

قال ابن ابي الحديد : قال القطب الراوندي : بنو فراس بن غنم هم الروم ، وليس بجيد والصحيح ما ذكرناه.(٤)

ونظير هذا الطعن نجده في خطب أخرى كما في الخطبة الآتية.

__________________

(١) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ٥٩ ص ١٠٤.

(٢) قال عمر كحالة فيمعجم قبائل العرب ج ٣ ص ٩١١ : فراس بن غنم : بطن من كنانة ، من العدنانية ، وهم : بنو فراس ابن غنم بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. من ديارهم : برزة ، أقاموا بمصر. وأوقعت بنو فراس ببني سليم ببزرة. وكانوا على غاية من الشجاعة والفروسية.

(٣) ابن ابي الحديد ،شرح نهج البلاغة ج ١ ص ٣٤٢.

(٤) ابن ابي الحديد ،شرح نهج البلاغة ج ١ ص ٣٤٨.

٤٢١

النموذج الثاني : خطبة يرويها الشيخي المفيد تنسب

إلى علي عليه‌السلام فيها طعن على أهل الكوفة

روى الشيخ المفيد خطبة لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام حذف السند وهي :

أيها الناس ، إني استنفرتكم لجهاد هؤلاء القوم فلم تنفروا ، وأسمعتكم فلم تجيبوا ، ونصحت لكم فلم تقبلوا ، شهود كالغُيَّب ، أتلو عليكم الحكمة فتعرضون عنها ، وأعظكم بالموعظة البالغة فتتفرقون عنها ، كأنكم حمر مستنفرة فرت من قسورة ، وأحثكم على جهاد أهل الجور فما أتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين أيادي سبأ ، ترجعون إلى مجالسكم تتربعون حلقا ، تضربون الأمثال ، وتناشدون الأشعار ، وتجسسون الأخبار ، حتى إذا تفرقتم تسألون عن الأسعار ، جهلة من غير علم ، وغفلة من غير ورع ، وتتبعا في غير خوف ، نسيتم الحرب والاستعداد لها ، فأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها ، شغلتموها بالأعاليل والأباطيل.

العجب كل العجب وما لي لا أعجب من اجتماع قوم على باطلهم ، وتخاذلكم عن حقكم!

يا أهل الكوفة ، أنتم كأم مجالد ، حملت فأملصت ، فمات قيمها ، وطال تأيمها ، وورثها أبعدها.

والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إن من ورائكم للأعور الأدبر جهنم الدنيا لا يبقي ولا يذر ، ومن بعده النهاس الفراس الجموع المنوع ، ثم ليتوارثنكم من بني أمية عدة ، ما الآخر بأرأف بكم من الأول ، ما خلا رجلا واحدا ، (بلاء قضاه الله) على هذه الأمة لا محالة كائن ، يقتلون خياركم ، ويستعبدون أراذلكم ، ويستخرجون كنوزكم وذخائركم من جوف حجالكم ، نقمة بما ضيعتم من أموركم وصلاح أنفسكم ودينكم.

يا أهل الكوفة ، أخبركم بما يكون قبل أن يكون ، لتكونوا منه على حذر ، ولتنذروا به من اتعظ واعتبر.

كأني بكم تقولون : إن عليا يكذب ، كما قالت قريش لنبيها ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وسيدها نبي الرحمة محمد بن عبد الله حبيب الله ، فيا ويلكم ، أفعلى من أكذب؟!

٤٢٢

أعلى الله ، فأنا أول من عبده ووحده ، أم على رسوله ، فأنا أول من آمن به وصدقهونصره! كلا ، ولكنها لهجة خدعة كنتم عنها أغبياء. والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لتعلمن نبأه بعد حين ، وذلك إذا صيركم إليها جهلكم ، ولا ينفعكم عندها علمكم.

فقبحا لكم يا أشباه الرجال ولا رجال ، حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال(١) ، أم والله أيها الشاهدة أبدانهم ، الغائبة عنهم عقولهم ، المختلفة أهواؤهم ، ما أعز الله نصر من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم ، ولا قرت عين من آواكم ، كلامكم يوهي الصم ، الصلاب ، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم المرتاب. يا ويحكم ، أي دار بعد داركم تمنعون! ومع أي إمام بعدي تقاتلون!

المغرور ـ والله ـ من غررتموه ـ من فاز بكم بالسهم الأخيب ، أصبحت لا أطمع في نصركم ، ولا أصدق قولكم ، فرق الله بيني وبينكم ، وأعقبني بكم من هو خير لي منكم ، وأعقبكم من هو شر لكم مني. إمامكم يطيع الله وأنتم تعصونه ، وإمام أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه ،

والله لوددت أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم ، فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني واحدا منهم.

والله لوددت أني لم أعرفكم ولم تعرفوني ، فإنها معرفة جرت ندما.

لقد وريتم صدري غيظا ، وأفسدتم علي أمري بالخذلان والعصيان ، حتى لقد قالت قريش : إن عليا رجل شجاع لكن لا علم له بالحروب ، لله درهم ، هل كان فيهم أحد أطول لها مراسا مني! وأشهد لها مقاساة! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، ثم ها أنا ذا قد ذرفت على الستين ، لكن لا أمر لمن لا يطاع.

أم والله ، لوددت أن ربي قد أخرجني من بين أظهركم إلى رضوانه ، وإن المنية لترصدني فما يمنع أشقاها أن يخضبها ـ وترك يده على رأسه ولحيته ـ عهد عهده إلي النبي الأمي وقد خاب من افترى ، ونجا من اتقى وصدق بالحسنى.

يا أهل الكوفة ، دعوتكم إلى جهاد هؤلاء ليلا ونهارا وسرا وإعلانا ، وقلت لكم اغزوهم ، فإنه ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ، فتواكلتم وتخاذلتم ، وثقل

__________________

(١) الحجال : جمع حجلة ، وهي بيت يزين بالثياب والأسرة والستور ، يهيا للعروس.

٤٢٣

عليكم قولي ، واستصعب عليكم أمري ، واتخذتموه وراءكم ظهريا ، حتى شنت عليكم الغارات ، وظهرت فيكم الفواحش والمنكرات تمسيكم وتصبحكم ، كما فعل بأهل المثلات من قبلكم ، حيث أخبر الله تعالى عن الجبابرة والعتاة الطغاة ، والمستضعفين الغواة ، في قوله تعالى (يذبحون أبناءكم ، ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) " أم والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لقد حل بكم الذي توعدون ، عاتبتكم ـ يا أهل الكوفة ـ بمواعظ القرآن فلم أنتفع بكم ، وأدبتكم بالدرة فلم تستقيموا ، وعاقبتكم بالسوط الذي يقام به الحدود فلم ترعووا(١) ، ولقد علمت أن الذي يصلحكم هو السيف ، وما كنت متحريا صلاحكم بفساد نفسي ، ولكن سيسلط عليكم من بعدي سلطان صعب ، لا يوقر كبيركم ، ولا يرحم صغيركم ، ولا يكرم عالمكم ، ولا يقسم الفيء بالسوية بينكم ، وليضربنكم ويذلنكم ويجمرنكم(٢) في المغازي ويقطعن سبيلكم ، وليحجبنكم على بابه ، حتى يأكل قويكم ضعيفكم ، ثم لا يبعد الله إلا من ظلم منكم ، ولقلما أدبر شيء ثم أقبل ، وإني لأظنكم في فترة ، وما في إلا النصح لكم.

يا أهل الكوفة ، منيت منكم بثلاث واثنتين صم ذووا أسماع ، ولكم ذوو ألسن ، وعمي ذوو أبصار ، لا إخوان صدق عند اللقاء ، ولا إخوان ثقة عند البلاء.

اللهم إني قد مللتهم وملوني ، وسئمتهم وسئموني. اللهم لا ترض عنهم أميرا ولا ترضهم عن أمير ، وأمث قلوبهم كما يماث الملح في الماء.

أم والله ، لو أجد بدا من كلامكم ومراسلتكم ما فعلت ، ولقد عاتبتكم في رشدكم حتى لقد سئمت الحياة ، كل ذلك تراجعون بالهزء من القول فرارا من الحق ، وإلحادا(٣) إلى الباطل الذي لا يعز الله بأهله الدين ، وإني لأعلم أنكم لا تزيدونني غير تخسير ، كلما أمرتكم بجهاد عدوكم اثاقلتم إلى الأرض ، وسألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول. إن قلت لكم في القيظ : سيروا ، قلتم : الحر شديد ، وإن قلت لكم في البرد : سيروا ، قلتم : القر شديد ، كل ذلك فرارا عن الجنة. إذا كنتم عن الحر والبرد

__________________

(١) الإرعواء : وهو الندم على الشيء والانصراف عنه والترك له.

(٢) التجمير : ترك العسكر في وجه العدو.

(٣) الحادا أي ميلا.

٤٢٤

تعجزون ، فأنتم عن حرارة السيف أعجز ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

يا أهل الكوفة ، قد أتاني الصريخ يخبرني أن أخا غامد(١) قد نزل الأنبار على أهلها ليلا في أربعة آلاف ، فأغار عليهم كما يغار على الروم والخزر ، فقتل بها عاملي ابن حسان وقتل معه رجالا صالحين ذوي فضل وعبادة ونجدة ، بوأ الله لهم جنات النعيم ، وإنه أباحها ، ولقد بلغني أن العصبة من أهل الشام كانوا يدخلون على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة ، فيه تكون سترها ، ويأخذون القناع من رأسها ، والخرص(٢) من أذنها ، والأوضاح(٣) من يديها ورجليها وعضديها ، والخلخال والمئزر من سوقها ، فما تمتنع إلا بالاسترجاع والنداء : يا للمسلمين ، فلا يغيثها مغيث ، ولا ينصرها ناصر. فلو أن مؤمنا مات من دون هذا أسفا ما كان عندي ملوما ، بل كان عندي بارا محسنا.

واعجبا كل العجب ، من تضافر هؤلاء القوم على باطلهم وفشلكم عن حقكم! قد صرتم غرضا يرمى ولا ترمون ، وتغزون ولا تغزون ، ويعصى الله وترضون ، تربت أيديكم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها ، كلما اجتمعت من جانب تفرقت من جانب "(٤) .

أقول : والتأمل في فقرات هذه الخطبة يكشف عن تجميعها من روايات مختلفة ، وقد ورد كثير من فقراتها مسندا في مصادر أخرى وفي اسانيدها رجال غير مؤتمنين على أهل الكوفة كما بينا.

أورد قسما منها الشريف الرضي في المختار من خطب الإمام علي ولم يكن همهرحمه‌الله حين اختار من الخطب والرسائل التحقيق ، ومن المؤسف انه لم يورد مصادر ولا أسانيد مختاراته ، ولكن الباحث لا يعسر عليه ان يجد اسانيدها في هذا المصدر أو ذاك(٥) ، ومن خلال مقارنتها بعضها مع بعض يستطيع الباحث ان يحكم على الاصيل

__________________

(١) أخا غامد ، هو سفيان بن عرف بن المغفل الغامدي ، أمره معاوية على جيش لغارة على أهل الأنبار والمدائن في أيام عليعليه‌السلام ، وقتل حسان بن حسان عامل عليعليه‌السلام على الأنبار.

(٢) الخرص : الحلقة من الذهب والفضة.

(٣) الاوضاح : حلي من الفضة.

(٤) الشيخ المفيد ،الإرشاد ج ١ ص ٢٧٨ ـ ٢٨٤.

(٥) وقد انبرى في عصرنا اكثر من باحث لتتبع اسانيد هذه الخطب منهم الباحث عبد الله نعمة ،مصادر

٤٢٥

من الدخيل من كلامهعليه‌السلام وبخاصة عندما يستريبه فقرة أو اكثر من الخطبة لمخالفتها المعروف والثابت من سيرتهعليه‌السلام .

وفيما يلي بعض روايات مسندة أخرى تضمنت الفقرات الآنفة الذكر :

منها ما رواه البلاذري عن حدثني يحيى بن معين ، حدثنا سليمان أبو داود الطيالسي أنبأنا شعبة ابن الحجاج ، أنبأنا محمد بن عبيد الله الثقفي ، قال : سمعت أبا صالح يقول : شهدت عليا ووضع المصحف على رأسه حتى سمعت تقعقع الورق! فقال : اللهم إني سألتهم ما فيه فمنعوني ذلك! اللهم إني قد مللتهم وملوني ، وأبغضتهم وأبغضوني وحملوني على غير خلقي وعلى أخلاق لم تكن تعرف لي! فأبدلني بهم خيرا لي منهم ، وأبدلهم بي شرا مني ، ومث قلوبهم ميث الملح في الماء.

وفي سند الرواية أبو داود الطيالسي البصري وشيخه شعبة وكلاهما بصريان متهمان في أهل الكوفة.

مضافا إلى انها تخالف المعروف عن أهل الكوفة ، فانهم لم يبغضوا عليا ، كيف وقد شهد معاوية بحبهم له ووفائهم له بقوله : هيهات يا أهل العراق والله لوفاؤكم له اعجب إلي من حبكم له في حياته ، فضلا عن دفعهم الثمن غاليا واثروا قطع الايدي والقتل والسجن على البراءة منه.

ومنها أيضا رواية أبي الفرج في كتابه الاغاني قال فحدثني العباس بن علي بن العباس النسائي ، قال : حدثنا محمد بن حسان الأزرق ، قال : حدثنا شبابة بن سوار(١) ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن عمرو بن قيس ، عن أبي صادق قال :

__________________

نهج البلاغة وأسانيده ، طبعة دار الهدى بيروت سنة ١٣٩٢ هـ ١٩٧٢ م والمرحوم السيد عبد الزهراء الخطيب في أربعة أجزاء طبعة الأعلمي بيروت ، سنة ١٣٩٥ هـ ..

(١) شبابة بن سوار المدائني : قال الفضل با شاذان ت ٢٦٠ هـ في كتابهالايضاح ص ٤٥٠ : هو من أعدى الناس لعليعليه‌السلام . وفيتاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج ٩ ص ٢٩٤ ـ ٢٩٩ قال : اصله من خراسان نزل في المدائن وحدث بها وببغداد ، قال ابن حجر فيتهذيب التهذيب ج ٤ ص ٢٦٤ ـ ٢٦٦ : قيل اسمه مروان حكاه ابن عدي اخرج له الستة. روى عن حريز بن عثمان الرحبي وشعبة وشيبان ويونس بن أبي إسحاق وابن أبي ذئب والليث وغيرهم وقال البخاري يقال مات سنة (٢٠٤) أو (٢٠٥) وقال أبو موسى وغيره مات سنة (٢٠٦) وقال العجلي فيمعرفة الثقاة ج ١ ص ٤١ : مولده في حدود عام ١٣٠ هـ ومات بمكة في ٢٠٦ هـ قال ابن حجر : وقال أبو بكر بن أحمد بن أبي

٤٢٦

أغارت خيل لمعاوية على الأنبار ، فقتلوا عاملا لعليعليه‌السلام يقال له حسن بن حسان ، وقتلوا رجالا كثيرا ونساءا ، فبلغ ذلك علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، فخرج حتى أتى المنبر ، فرقيه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال :

إن الجهاد باب من أبواب الجنة ، فمن تركه ألبسه الله ثوب الذلة ، وشمله البلاء وديث بالصغار ، وسيم الخسف! وقد قلت لكم اغزوهم قبل أن يغزو بكم ، فإنه لم يغز قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا! فتواكلتم وتخاذلتم وتركتم قولي وراءكم ظهريا حتى شنت عليكم الغارات ، هذا أخو غامد قد جاء الأنبار فقتل عاملي عليها حسان بن حسان ، وقتل رجالا كثيرا ونساء ، والله لقد بلغني أنه كان يأتي المرأة المسلمة ، والأخرى المعاهدة فينزع حجلها ورعائها ثم ينصرفون موفورين لم يكلم أحد منهم كلما فلو أن امرأ مسلما مات من دون هذا أسفا لم يكن عليه ملوما ، بل كان به جديرا! يا عجبا ـ عجبا يميت القلب ويشعل الأحزان؟! ـ من اجتماع هؤلاء القوم على ضلالتهم وباطلهم وفشلكم عن حقكم! حتى صرتم غرضا ، ترمون ولا ترمون وتغزون ولا تغزون ، ويعصى الله وترضون! إذا قلت لكم اغزوهم في الحر قلتم : هذه حمارة القيظ فأمهلنا وإذا قلت لكم اغزوهم في البرد قلتم : هذا أوان قر وصر فأمهلنا فإذا كنتم من الحر والبرد تفرون فأنتم والله من السيف أشد فرارا! يا أشباه الرجال ـ ولا رجال ـ ويا طغام الأحلام وعقول ربات الحجال.

وددت والله أني لم أعرفكم ، بل وددت أني لم أركم! معرفة والله جرعت بلاء وندما؟! وملأتم جوفي غيظا بالعصيان والخذلان ، حتى لقد قالت قريش : إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب! ويحهم! هل فيهم [أحد]) أشد مراسا لها

__________________

الثلج حدثني أبو علي بن سختي المدائني رجل معروف من أهل المدائن قال رأيت في المنام رجلا نظيف الثوب حسن الهيئة فقال لي من أين أنت قلت من أهل المدائن قال من أهل الجانب الذي فيه شبابة قلت نعم قال فاني ادعو الله فأمن على دعائهم اللهم إن كان شبابة يبغض أهل نبيك فاضربه الساعة بفالج قال فانتبهت وجئت إلى المدائن وقت الظهر وإذا الناس في هرج فقلت ما للناس فقالوا فلج شبابة في السحر ومات الساعة.

٤٢٧

مني ، والله لقد دخلت فيها وأنا ابن عشرين ، وأنا الآن قد نيفت على الستين ، ولكن لا رأي لمن لا يطاع.

فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أنا كما قال الله تعالى (لا أملك إلا لنفسي وأخي) [٢٥ / المائدة] فمرنا بأمرك فوالله لنعطينك ولو حال بيننا وبينك جمر الغضى وشوك القتاد ، قال : وأين تبلغان مما أريد؟ ـ [قال لهما] : هذا أو نحوه ـ ثم نزل [عليه‌السلام ].

قال العلامة المحقق المحمودي بعد ان أورد الخطبة بالسند السابق يذكر المصادر :

ذكرها ابو الفرج تحت عنوان : (أخبار أم حكيم ومقتل ابني عبيد الله بن العباس) من كتاب الأغاني : ج ١٥ ، ص ٢٦٦ ط تراثنا.

وذكرها أيضا السيد الرضيرحمه‌الله في المختار : (٢٧) من خطب النهج ،

وذكرها قبله المبرد ، في كتاب الكامل : ج ١ ، ص ١٩.

وذكرها جماعة آخرون كقالضي النعمان في دعائم الإسلام : ج ١ ، ص ٣٩٠ وغيره.

وذكره البلاذري أيضا في الحديث : (٤٩٠) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف : ج ١ ص ٤١٨. وفي الطبعة الأولى : ج ٢ ص ٤٤٢.

ورواه ابن عبد ربه أيضا في العقد الفريد : ج ٢ ص ٣٥٣ وفي ط : ج ٤ ص ١٣٦.

وذكره الدينوري أيضا قبيل مقتلهعليه‌السلام من كتاب الأخبار الطوال ص ٢١١.(١)

ولها مصادر أخر ...

والقاري الكريم يلاحظ في السند شبابة وقد أوردنا ترجمته في هذا الكتاب انظر هامش الصفحة رقم ٤٢٩ ، وهو معروف بعدائه لأهل البيت فضلا عن شيعتهم.

أقول :

نحن لا ننفي ان تكون هناك كلمات عتب وتوبيخ لقسم من الكوفيين وبخاصة

__________________

(١) الشيخ المحمودي ،نهج السعادة ج ٢ ص ٥٦٠ ـ ٥٦٦.

٤٢٨

في الفترة ما قبل معركة النهروان حيث استطاع الخوارج ان يوجدوا نوعا من الشلل العام في المجتمع ولم تكن سياسة عليعليه‌السلام استعمال القوة في قمع المناقشات التي كان يصيرها الخوارج ضده املا منه ان يثوب إلى رشده من يثوب منهم ، وهذه الأحاديث والتوبيخات تخلوا من الطعن الذي اشتملت عليه الخطب السابقة ونموذجه ما أورده صاحب كتاب الغارات بسنده : ورواه المحمودي في كتابه نهج السعادة(١) : عن إبراهيم بن محمد الثقفيرحمه‌الله عن إسماعيل بن أبان الأزدي ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن رفيع بن فرقد البجلي قال : سمعت علياعليه‌السلام يقول :

ألا ترون يا معاشر أهل الكوفة؟ والله لقد ضربتكم بالدرة التي أعظ بها السفهاء فما أراكم تنتهون ، ولقد ضربتكم بالسياط التي أقيم بها الحدود فما أراكم ترعوون فما بقي إلا [أن أضربكم] بسيفي وإني لأعلم الذي يقومكم بإذن الله ، ولكني لا أحب أن آتي ذلك منكم.

والعجب منكم ومن أهل الشام؟ إن أميرهم يعصي الله وهم يطيعونه ، وإن أميركم يطيع الله وأنتم تعصونه!

إن قلت لكم : انفروا إلى عدوكم [في أيام الصيف قلتم : هذه حمارة القيظ أمهلنا يسلخ عنا الحر ، وإذا قلت لكم : انفروا إليهم في الشتاء] قلتم : القر يمنعنا. أفترون [أن] عدوكم لا يجدون [الحر] والقر كما تجدونه؟! ولكنكم أشبهتم قوما قال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : انفروا في سبيل الله. فقال [لهم] كبراؤهم : لا تنفروا في الحر. فقال الله لنبيه : (قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون) [٨١ / التوبة].

والله لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بحذافيرها على الكافر ما أحبني! وذلك إنه قضى ما قضى على لسان النبي الأمي : أنه لا يبغضك مؤمن ولا يحبك كافر(٢) وقد خاب من حمل ظلما وافترى.

يا معاشر أهل الكوفة والله لتصبرن على قتال عدوكم أو ليسلطن الله عليكم قوما أنتم أولى بالحق منهم فليعذبنكم ، أفمن قتلة بالسيف تحيدون إلى موتة على الفراش؟

__________________

(١) ج ٢ ص ٥٨٧ ـ ٥٩١.

(٢) الرواية المشهورة في كتب الحديث تذكر لفظة (منافق) وهي الصحيحة.

٤٢٩

فأشهد أني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله [يقول : والله] لموتة على الفراش أشد من ضربة ألف سيف! ، أخبرني به جبرئيل. فهذا جبرئيل يخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما تسمعون(١) .

أقول :

والقارئ الكريم يجد الخطبة خالية من كلمات الطعن الآنفة الذكر ، ونسق التوبيخ ينسجم مع حالة الشلل اوجدها الخوارج في المجتمع وقد تربوا على منهج الخلفاء ولم ينفتحوا على منهج عليعليه‌السلام على الرغم من معرفتهم ان منهجه هو منهج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وان منهج الخلفاء هو منهج انفسهم مخالفين فيه سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والدولة التي منحتهم حرية التعبير عن آرائهم.(٢)

النموذج الثالث : ما رواه ابن عساكر في

تاريخ مدينة دمشق ج ١٢ ص ١٦٩

قال وأنبأنا محمد بن عبد الله الحافظ أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الصنعاني بمكة أنبأنا إسحاق بن إبراهيم نبأنا عبد الرزاق أخبرنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار عن الحسن قال : قال علي لأهل الكوفة اللهم كما ائتمنتهم فخانوني ونصحت لهم فغشوني فسلط عليهم فتى ثقيف الذيال الميال يأكل خضرتها ويلبس فروتها ويحكم فيها بحكم الجاهلية ، قال يقول الحسن وما خلق الله الحجاج يومئذ انتهى

أقول :

والرواية التي يرويها القاضي النعمان الذي اشار اليه المحموديرحمه‌الله تشير إلى ان هذه الكلمات في أهل البصرة وليس أهل الكوفة كما في الخبر الآتي :

روى القاضي النعمان عن رجل من أهل البصرة قال : قال عليعليه‌السلام ـ على المنبر ـ : يا أهل البصرة ، إن كنت قد أديت لكم الأمانة ونصحت لكم بالغيب ،

__________________

(١) المحمودي ، نهج السعادة ، ج ٢ ص ٥٦٠ ـ ٥٦٦.

(٢) من المفيد للقارئ الكريم قراءة جواب العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه مختصر مفيد ج ٨ ص ١٠٦ ـ ١٢٨ في سائل سأله عن كلمات امير المؤمنينعليه‌السلام الموبخة لأصحابه.

٤٣٠

واتهمتموني ، وكذبتموني ، فسلط الله عليكم فتى ثقيف.

فقام رجل ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، وما فتى ثقيف؟ قال : رجل لا يدع الله حرمة إلا انتهكها ، به داء يعتري الملوك ، لو لم تكن إلا النار لدخلها.(١)

وفي رواية أخرى عن الدغشي ، باسناده عن الأصبغ بن نباتة ، قال : لما انهزم أهل البصرة قام فتى إلى علي صلوات الله عليه ، فقال : ما بال ما في الأخبية لا تقسم؟ فقال عليعليه‌السلام : لا حاجة لي في فتوى المتعلمين. قال : ثم قام إليه فتى آخر. فقال مثل ذلك. فرد عليه مثل ما ردَّ أولا». فقال له الفتى : أما والله ما عدلت. فقال له عليعليه‌السلام : إن كنت كاذبا» فبلغ الله بك سلطان فتى ثقيف.

ثم قال عليعليه‌السلام : اللهم إني قد مللتهم وملوني ، فأبدلني بهم ما هو خير منهم ، وأبدلهم بي ما هو شر لهم. قال الأصبغ بن نباتة : فبلغ ذلك الفتى سلطان الحجاج ، فقتله.(٢)

أقول :

وليس من شك ان الفقرة ما قبل الأخيرة ان صدق الراوي في ايرادها ، فهي دعوة على كثير من أهل البصرة حين نكثوا بيعته واستجابوا لقريش الناكثة وقاتلوا عليا. ولا تصدق على أهل الكوفة لانه نصروه وقاتلوا معه أهل البصرة ولولا نصرتهم له لكانت الأمور تتجه اتجاها آخر.

وقد ذكرهم علي أيضا بقوله :

(كنتم جند المرأة ، وأتباع البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم ، أخلاقكم دقاق ، وعهدكم شقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق ، والمقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه ، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه ، كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينة ، قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها ، وغرق من في ضمنها. وفي رواية : وأيم الله ، لتغرقن بلدتكم ، حتى كأني أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة ، أو نعامة جاثمة.(٣)

__________________

(١) القاضي النعمان المغربي ،شرح الأخبار ، ج ٢ ص ٢٩٠ ـ ٢٩١.

(٢) القاضي النعمان المغربي ،شرح الأخبار ، ج ٢ ص ٢٩٠.

(٣) ابن أبي الحديد ،شرح نهج البلاغة ، ج ١ ص ٢٥١.

٤٣١

النموذج الرابع : رواية أبي مخنف وغيره في تفرق الكوفيين

بعد النهروان بخلاف رواية أبي عوانة التي تؤكد

اجتماع كلمة الكوفيين على علي عليه‌السلام

قال البلاذري : وحدثني عباس بن هشام ، عن أبيه ، عن لوط بن يحيى أبي مخنف : أن عمارة بن عقبة بن أبي معيط كتب إلى معاوية من كوفة يعلمه أنه خرج على علي قراء أصحابه ونساكهم فسار إليهم فقتلهم فقد فسد عليه جنده وأهل مصره ، ووقعت بينهم العداوة ، وترقوا أشد الفرقة.

أقول :

وقد روى الثقفي في الغارات قال : قال : أبو مخنف عمن ذكره عن زيد بن وهب ان عليا قال للناس وهو أول كلام قال لهم بعد النهر :

أيها الناس استعدوا للمسير إلى عدو في جهاده القربة إلى الله ودرك الوسيلة عنده ، حيارى في الحق ، جفاة عن الكتاب نكب عن الدين ، يعمهون في الطغيان ويعكسون في غمرة الضلال ، فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ، وتوكلوا على الله وكفى بالله وكيلا وكفى بالله نصيرا.

قال : فلا هم نفروا ولا تيسروا فتركهم أياما حتى إذا أيس من أن يفعلوا دعا رؤساءهم ووجوههم ، فسألهم عن رأيهم وما الذي ينظرهم فمنهم المعتل ومنهم المكره وأقلهم من نشط.

فقام فيهم خطيبا فقال : عبد الله مالكم إذا أمرتكم أن تنفروا اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة وبالذل والهوان من العز؟! أو كلما ندبتكم إلى الجهاد دارت أعينكم كأنكم من الموت في سكرة ، وكأن قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون ، وكأن أبصاركم كمه فأنتم لا تبصرون لله أنتم ما أنتم ..! الا أسود الشرى في الدعة وثعالب رواغة حين تدعون إلى البأس ، ما أنتم لي بثقة لي بثقة سجيس الليالي ، ما أنتم يركب يُصال بكم ولا ذوي عز يعتصم إليه ، لعمرو الله لبئس حشاش الحرب أنتم ، انكم تكادون ولا تكيدون ويتنقص أطرافكم ولا تتحاشون ، ولا ينام عنكم وأنتم

٤٣٢

في غفلة ساهون ، ان أخا ـ الحرب اليقظان ذو عقل ، وبات لذل من وادع ، وغلب المتجادلون والمغلوب مقهور ومسلوب.

ثم قال : أما بعد فان لي عليكم حقا ، وان لكم علي حقا ، فأما حقكم علي فالنصيحة لكم ما صحبتكم ، وتوفير فيئكم عليكم ، وتعليمكم كيما لا تجهلوا ، وتأديبكم كي تعلموا ، وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصح لي في المغيب والمشهد ، والاجابة حين أدعوكم ، والطاعة حين آمركم ، فان يرد الله بكم خيرا تنتزعوا عما أكره ، وتراجعوا إلى ما احب تنالوا ما تطلبون وتدركوا ما تأملون.(١)

قال البلاذري : وحدثني هشام بن عمار الدمشقي أبو الوليد [قال] : حدثني صدقة بن خالد ، عن زيد بن واقد ، عن أبيه ، عن أشياخهم أن معاوية لما بويع وبلغه قتال علي أهل النهروان ، كاتب وجوه من معه مثلالأشعث ابن قيس وغيره ووعدهم ومناهم وبذل لهم حتى مالوا إليه وتثاقلوا عن المسيرمع عليعليه‌السلام ، فكان يقول فلا يلتفت إلى قوله ، ويدعو فلا يسمع لدعوته!

فكان معاوية يقول : لقد حاربت عليا بعد صفين بغير جيش ولا عناء ـ أو قال : ولا عتاد.

أقول :

في سند الرواية الأولى أبو مخنف وهو متهم في أهل الكوفة من خلال كتابه مقتل الحسين ،

وفي سند الرواية الثانية هشام بن عمار الدمشقي وأهل دمشق متهمون في أهل الكوفة وقال ابن حجر حدث باربعمائة حديث ليس لها اصل.(٢)

مضافا إلى ذلك فهي معارضة بروايات أخرى رواها البلاذري في ترجمة عليعليه‌السلام في رسالته إلى قيس بن سعد واليه على آذربايجان : ان الناس قد اجتمعت كلمتهم وليس لنا شغل الا انتظارك.

قال البلاذري وحدثني أبو مسعود الكوفي ، عن عوانة : أن عليا [عليه‌السلام ]

__________________

(١) إبراهيم بن محمد الثقفي ، الغارات ، ج ٢ ص ٦٩١.

(٢) ابن حجر ، مقدمة فتح الباري ص ٤٤٨.

٤٣٣

كتب إلى قيس ابن سعد [بن عبادة] وهو عامله على آذربيجان : «أما بعد فاستعمل على عملك عبيد الله ابن شبيل الأحمسي وأقبل فإنه قد اجتمع ملأ المسلمين وحسنت طاعتهم ، وانقادت لي جماعتهم ولا يكن لك عرجة ولا لبث ، فإنا جادون معدون ، ونحن شاخصون إلى المحلين ، ولم أؤخر المسير إلا انتظارا لقدومك علينا إن شاء الله والسلام.

وروى أيضا عن أبي مسعود قال : قال عوانة : قال عمرو بن العاص ـ حين بلغه ما عليه على من الشخوص إلى الشام وأن أهل الكوفة قد انقادوا له :

لا تحسبني يا علي غافلا

لأوردن الكوفة القبائلا

ستين ألفا فارسا وراجلا

فقال : علي :

لأبلغن العاصي بن العاصي

ستين ألفا عاقدي النواصي

مستحقبين حلق الدلاص(١)

ويؤكد ذلك ما رواه سليم في كتابه من ان الناس قد ازدادت بصيرتهم بعلي واستبصر عامة من كان يشك في ضلالة من خالفه.(٢)

النموذج الخامس : رواياتموضوعة على لسان الحسن عليه‌السلام

ضد الكوفيين نذكر منها

ما رواه الطبري قال : حدثني عبد الله بن أحمد المروذي قال أخبرني أبي قال حدثنا سليمان قال حدثني عبد الله عن يونس (الايلي) عن الزهري قال بايع أهل العراق الحسن بن علي بالخلافة فطفق يشترط عليهم الحسن إنكم سامعون مطيعون تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت فارتاب أهل العراق في أمرهم حين اشترط عليهم هذا الشرط وقالوا ما هذا لكم بصاحب وما يريد هذا القتال فلم يلبث الحسنعليه‌السلام بعدما بايعوه إلا قليلا حتى طعن طعنة أشوته فازداد لهم بغضا وازداد منهم ذعرا فكاتب

__________________

(١) البلاذري ،انساب الاشراف ، ص ٤٨٠ ـ ٤٨١.

(٢) سليم بن قيس الهلالي ،كتاب سليم بن قيس ج ٢ ص ٦٧٠ ـ ٦٧١.

٤٣٤

معاوية وأرسل إليه بشروط قال إن أعطيتني هذا فأنا سامع مطيع وعليك أن تفي لي به ووقعت صحيفة الحسن في يد معاوية وقد أرسل معاوية قبل هذا إلى الحسن بصحيفة بيضاء مختوم على أسفلها وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك فلما أتت الحسن اشترط أضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك وأمسكها عنده وأمسك معاوية صحيفة الحسنعليه‌السلام التي كتب إليه يسأله ما فيها فلما التقى معاوية والحسنعليه‌السلام سأله الحسن أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذي ختم معاوية في أسفله فأبى معاوية أن يعطيه ذلك فقال لك ما كنت كتبت إلى أولا تسألني أن أعطيكه فاني قد أعطيتك حين جاءني كتابك قال الحسنعليه‌السلام وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه فاختلفا في ذلك فلم ينفذ للحسنعليه‌السلام من الشروط شيئا.(١)

وروى بالسند نفسه قال : جعل عليعليه‌السلام قيس ابن سعد على مقدمته من أهل العراق إلى قبل آذربيجان وعلى أرضها وشرطة الخميس التي ابتدعتها العرب وكانوا أربعين ألفا بايعوا علياعليه‌السلام على الموت ولم يزل قيس يدارئ ذلك البعث حتى قتل عليعليه‌السلام واستخلف أهل العراق الحسن بن عليعليه‌السلام على الخلافة وكان الحسن لا يرى القتال ولكنه يريد أن يأخذ لنفسه ما استطاع من معاوية ثم يدخل في الجماعة وعرف الحسن أن قيس بن سعد لا يوافقه على رأيه فنزعه وأمر عبد الله بن عباس فلما علم عبد الله بن عباس بالذي يريد الحسنعليه‌السلام أن يأخذه لنفسه كتب إلى معاوية يسأله الأمان ويشترط لنفسه على الأموال التي أصابها فشرط ذلك له معاوية.(٢)

أقول :

وفي سند الرواية الزهري وهو فقيه ورواية البلاط الأموي الرسمي ، ثم تلميذه الاثير يونس الايلي(٣) مولى معاوية بن أبي سفيان رافقه اثنتا عشرة سنة في أخريات عمره

__________________

(١) الطبري ،تاريخ الطبري ج ٤ ص ١٢٣ ـ ١٢٤.

(٢) المصدر السابق.

(٣) هو يونس بن يزيد بن أبي النجاد الايلي أبو يزيد القرشي. ذكره خليفة في الطبقة الثالثة من أهل

٤٣٥

ولذلك اعتبروه الأثبت فيه من أصحابه.

وما رواه الطبري أيضا قائلا : وحدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال حدثنا عثمان بن عبد الحميد أو ابن عبد الرحمن الخزاعي أبو عبد الرحمن قال حدثنا إسماعيل بن راشد قال بايع الناس الحسن بن عليعليه‌السلام بالخلافة ثم خرج بالناس حتى نزل المدائن وبعث قيس بن سعد على مقدمته في اثنى عشر ألفا وأقبل معاوية في أهل الشام حتى نزل مسكن فبينا الحسن في المدائن إذ نادى مناد في العسكر ألا إن قيس بن سعد قد قتل فانفروا فنفروا ونهبوا سرادق الحسنعليه‌السلام حتى نازعوه بساطا كان تحته وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن وكان عم المختار بن أبي عبيد عاملا على المدائن وكان اسمه سع دبن مسعود فقال له المختار وهو غلام شاب هل لك في الغنى والشرف قال وما ذاك قال توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية فقال له سعد عليك لعنة الله أثب على ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأوثقه بئس الرجل أنت فلما رأى الحسنعليه‌السلام تفرق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح وبعث معاوية إليه عبد الله بن عامر وعبد الرحمن ابن سمرة بن حبيب بن عبد شمس فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها ثم قام الحسن في أهل العراق فقال يا أهل العراق إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث قتلكم أبى وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي ودخل الناس في طاعة معاوية ودخل معاوية الكوفة فبايعه الناس.

وفي سند الرواية موسى المسروقي كوفي عامي سنة ٢٥٨ هـ.

ثم : عثمان بن عبد الحميد أو ابن عبد الرحمن الخزاعي أبو عبد الرحمن.

أقول :

هو عثمان بن عبد الرحمن بن مسلم الحراني الطرائفي ت سنة ٢٠٣ هـ والخزاعي

__________________

مصر صحب الزهري اثني عشر سنة. وكان الزهري إذا قدم ايلة نزل عند يونس وإذا سار إلى المدينة زامله يونس. قال محمد بن سعد حديثه حلو ربما جاء بالشيء المنكر ، توفي في صعيد مصر سنة ١٥٩ ه أو ١٦٠ هـ. كان تعداده في بني أمية. (ايلة مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام وقيل هي آخر الحجاز واول الشام. الحموي ،معجم البلدان ج ١ ص ٢٣٢.

٤٣٦

تصحيف الحراني(١) .

قال ابن حجر : عثمان بن عبد الرحمن بن مسلم الحراني أبو عبد الرحمن ويقال أبو عبد الله ويقال أبو محمد ويقال أبو هاشم المكتب المعروف بالطرائفي اخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة ، مولى منصور بن محمد بن مروان وقيل مولى بني تيم ..

قال البخارييروي عن قوم ضعاف ،

وقال ابن أبي حاتم عن أبيه إسحاق بن منصور عن ابن معين عثمان بن عبد الرحمن التيمي ثقة. قال وسألت أبي عنه فقال صدوق وأنكر على البخاري إدخاله في الضعفاء يشبه بقية في روايته عن الضعفاء.

وقال أبو أحمد الحاكم إنما لقب بالطرائفي لأنه كان يتبع طرائف الحديث يرويعن ثم ضعاف حديثه ليس بالقائم.

وقال ابن عدي سمعت أبا عروبة ينسبه إلى الصدق وقال لا بأس به متعبد ويحدث عن قوم مجهولين بالمناكير وعنده عجائب وهو في الجزريين كبقية في الشاميين.

قال أبو أحمد وصوبه عثمان انه لابأس به وتلك العجائب من جهة المجهولين وما يقع في حديثه من الانكار فإنما يقع من جهة من يروي عنه.

قال ابن حجر : وقال ابن أبي عاصم صدوق اللسان

وقال الساجي عنده مناكير.

وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه لا أجيزه

وقال الأزدي متروك ،

وقال ابن نمير كذاب ،

وقال ابن حبان يروي عن قوم ضعاف أشياء يدلسها لا يجوز الاحتجاج به.

ووثقه ابن شاهين

مات سنة (٢٠٣) وقيل سنة (٢٠٢).(٢)

__________________

(١) انظر ابن الدمشقي ،جواهر المطالب ت ٨٧١ تحقيق المحمودي ص ٨٩ ، حيث رواها عن الطبري بلفظ الحراني وليس الخزاعي.

(٢) ابن حجر ،تهذيب التهذيب ج ٧ ص ١٢٣ ـ ١٢٤.

٤٣٧

الباب الثالث / الفصل السابع

الروايات الطاعنة في الحسن عليه‌السلام

روايات الواقدي (٢٠٧ هـ)

روى ابن سعد عن محمد بن عمر الواقدي(١) عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قال علي : يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن بن علي فانه رجل مطلاق ، فقال رجل من همدان : والله لنزوجنَّه فما رضي امسك وما كره طلَّق.(٢)

وروى ابن سعد أيضا عن محمد بن عمر عن علي بن عمر عن أبيه(٣) عن علي بن حسين قال كان الحسن بن علي مطلاقا للنساء وكان لا يفارق امرأة الا وهي تحبه.(٤)

وروى أيضا قال اخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن

__________________

(١) المزي ،تهذيب الكمال : قال محمد بن سعد أخبرني أنه اي الواقدي ولد في أول سنة ثلاثين ومئة وقال في موضع أخر محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولى عبد الله بن بريدة الأسلمي كنا من أهل المدينة فقدم بغداد في سنة ثمانين ومئة في دين لحقه فلم يزل بها وخرج إلى الشام والرقو ثم رجع إلى بغداد فلم يزل بها إلى أن قدم المأمون من خراسان فولاه القضاء بعسكر المهدي فلم يزل قاضيا حتى مات ببغداد ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة سبع ومئتين ودفن يوم الثلاثاء في مقابر الخيزران وهو ابن ثمان وسبعين سنة وذكر أنه ولد سنة ثلاثين ومئة.

(٢)ترجمة الحسن من طبقات ابن سعد القسم غير المطبوع ص ٦٩.

(٣) مجهولان هو وولده.

(٤) المصدر السابق ص ٦٧.

٤٣٨

محمد عن أبيه قال قال علي : ما زال الحسن بن علي يتزوج ويطلق حتى خشيت ان يورثنا عدواة في القبائل.(١)

روايات جرير بن حازم (١٧٥ هـ)

روى ابن سعد عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه قال اخبرنا شعبة عن أبي إسحاق عن معدي كرب ان عليا مر على قوم مجتمعين ورجل يحدثهم فقال من هذا قالوا الحسن فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا. ان لكل قوم صداد وان صدادنا الحسن.(٢)

رواية سحيم بن حفص الأنصاري احد شيوخ

المدائني (٢٣٨ هـ) وابن سعد

روى ابن سعد عن علي بن محمد عن سحيم بن حفص الأنصاري. عن عيسى بن أبيه ارون المزني. قال : تزوج الحسن بن علي حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. وكان المنذر بن الزبير هويها. فأبلغ الحسن عنها شيئافطلقها الحسن. فخطبها المنذر فأبت أن تزوجه وقالت : شهرني. فخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب فتزوجها فرقي إليه المنذر أيضا شيئا ، فطلقها. ثم خطبها المنذر. فقيل لها : تزوجيه فيعلم الناس أنه كان يَعْضَهُكِ (أي يبهتك) فتزوجته فعلم الناس أنه كذب عليها. فقال الحسن لعاصم بن عمر : انطلق بنا حتى نستأذن المنذر فندخل على حفصة فاستأذناه. فشاور أخاه عبد الله بن الزبير فقال دعهما يدخلان عليها. فدخلا فكانت إلى عاصم أكثر نظرا منها إلى الحسن وكانت إليه أبسط في الحديث. فقال الحسن للمنذر خذ بيدها فأخذ بيدها. وقام الحسن وعاصم فخرجا وكان الحسن يهواها وإنما طلقها لما رقا إليه المنذر. فقال الحسن يوما لابن أبي عتيق وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن وحفصة عمته هل لك في العقيق؟ قال : نعم. فخرجا فمرا على منزل حفصة. فدخل إليها الحسن فتحدثا

__________________

(١) ابن سعد ،الطبقات الكبرى القسم الناقص ج ١ ص ٣٠١.

(٢) ابن سعد ،الطبقات الكبرى القسم الناقص ج ١ ص ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ورواه أيضاً ابن معين عن ذر عن شعبة عن أبي اسحق عن معدي كرب (ابن معين ،تاريخ ابن معين ج ٢ ص ٤١٩).

٤٣٩

طويلا ثم خرج. ثم قال أيضا بعد ذلك بأيام لابن أبي عتيق : هل لك في العقيق؟ قال : نعم. فخرجا فمرا بمنزل حفصة. فدخل الحسن فتحدثا طويلا. ثم خرج ثم قال الحسن مرة أخرى لابن أبي عتيق : هل لك في العقيق؟ فقال : يا ابن أم ألا تقول هل لك في حفصة؟.(١)

روايات الوضاح اليشكري الواسطي البصري ابو عوانة (١٧٦ هـ)

روى ابن سعد عن يحيى بن حماد قال اخبرنا أبو عوانة(٢) عن سليمان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي إدريس عن المسيب بن نجبة قال سمعت عليا يقول الا احدثكم عني وعن أهل بيتي؟ اما عبد الله بن جعفر فصاحب لهو ، واما الحسن بن علي فصاحب جفنة وخوان فتى من فتيان قريش لوقد التقتا حلقتا البطان لم يغن في الحرب عنكم شيئا ، واما أنا وحسين فنحن منكم وانتم منا.(٣)

وروى أيضا موسى بن إسماعيل قال حدثنا ابو عوانة عن المغيرة عن ثابت بن هرمز قال لما أتى الحسن بن علي قصر المدائن قال المختار لعمه هل لك في أمر تسود به العرب؟ قال وما هو؟ قال تدعني ان اضرب عنق هذا واذهب برأسه إلى معاوية قال : ما ذاك بلاهم عندنا أهل البيت.(٤)

__________________

(١) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، ط ٥ ، ج ١ ، ص : ٣٠٧ ، سحين بن حفص الأنصاري كنيته أبو اليقظان واسمه عامر بن حفص وسحيم لقب له. ذكره ابن النديم في الفهرست ص ١٠٦. وقد ورد في إسناد عند الطبري تاريخ الطبري ، ج ٤ ص ٤٤٩ المدائني عن سحيم مولى وبرة التميمي عن عبيد بن عمرو القرشي وذكره ياقوت فيمعجم الأدباء : ج ١١ ص ١٨٠ ولم يزد على ما ذكره صاحب الفهرست وهو أخباري نسابة من شيوخ المدائني.

(٢) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، ج ٧ ص ٢٨٧ أبو عوانة واسمه الوضاح مولى يزيد بن عطاء وكان ثقة صدوقا أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا مهدي بن ميمون قال رأيت أبا عوانة وهو غلام زمان خالد بن عبد الله يقرأ بالأصوات ، يحيى بن حماد قال توفي أبو عوانة سنة ست وسبعين ومائة في خلافة هارون وعلينا جعفر بن سليمان وكان أصله من أهل واسط ثم انتقل إلى البصرة فنزلها حتى مات بها.

(٣) ابن سعد ،الطبقات الكبرى القمس الناقص ج ١ ص ٢٩٧ ، ابن أبي الحديدشرح نهج البلاغة ج ١٦ ص ١١.

(٤) المصدر السابق ص ٦٢.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611