الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي9%

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 611

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 177769 / تحميل: 7843
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

فحكوا أنهم كانوا في مصيبة وحيدة، فهم في ذلك إذ خرج من الدار الداخلة خادم فصاح بخادم آخر: يابشر، خذ هذه الرقعة وامض بها إلى دار أمير المؤمنين وادفعها إلى فلان، وقل هذه رقعة الحسن بن علي فاستشرف الناس لذلك، ثم فتح في صدر الرواق باب وخرج خادم أسود ثم خرج بعده أبو محمدعليه‌السلام ، حاسراً مكشوف الرأس، وعليه مبطنة بيضاء، وكان وجهه وجه أبيه لا يخطئ منه شيئاً، وكان في الدار أولاد المتوكل، وبعضهم ولاة العهود، فلم يبق أحد إلاّ قام على رجله ووثب إليه أبو محمد الموفق فقصده أبو محمد، فعانقه، ثم قال له: مرحباً بابن العم وجلس بين بابي الرواق والناس كلهم بين يديه وكانت الدار كالسوق بالأحاديث فلما خرج وجلس أمسك الناس فما كنا نسمع شيئاً إلاّ العطسة والسعلة، وخرجت جارية تندب أبا الحسن فقال أبو محمدعليه‌السلام :ما هاهنا من يكفي مؤونة هذه الجاهلة؟ فبادر الشيعة إليها فدخلت الدار، ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمد ـ العسكري ـ فنهض فصلَّى عليه وأخرجت الجنازة وخرج يمشي حتى أُخرج بها إلى الشارع الذي بإزاء دار موسى بن بغا، وقد كان أبو محمد صلَّى عليه قبل أن يخرج إلى الناس ويصلي عليه المعتمد(١) . ثم دفن في دار من دوره(٢) .

ويمكن أن يُستفاد من هذه الرواية: أن هذا الجمع الغفير المشارك فضلاً عن رجال البلاط العباسي، يكشف عن المكانة العالية والتأثير الفاعل للإمام في الأمة والدور الكبير الذي قام به في حياته، فضلاً عن أن حضور ولاة العهد ربما يكون تغطية للجريمة البشعة التي قام بها الخليفة العباسي بدس السم إليه ومن ثم وفاته.

ــــــــــــ

(١) وفي رواية الطبري: صلَّى عليه أبو محمد بن المتوكل: ٧ / ٥١٩.

(٢) إثبات الوصية: ٢٠٦.

٨١

١٠ ـ من دلائل إمامته بعد استشهاد أبيهعليهما‌السلام

١ ـ قال أبو هاشم الجعفري: خطر ببالي أن القرآن مخلوقٌ أم غير مخلوق ؟ فقال أبو محمدعليه‌السلام :ياأبا هاشم، اللهُ خالقُ كل شيء، وما سواه مخلوق .(١)

٢ ـ وقال أيضاً: قال أبو محمدعليه‌السلام :إذا خرج القائم يأمر بهدم المنابر والمقاصير التي في المساجد . فقلتُ في نفسي: لأيّ معنى هذا ؟، فأقبل عليّ وقال:معنى هذا أنّها محدثة مبتدعة، لم يبنها نبيّ ولا حجّة .(٢)

٣ ـ وسأله الفهفكي: ما بال المرأة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين ؟ فقال أبو محمدعليه‌السلام :إن المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا عليها معقلة، إنّما ذلك على الرجال . فقلتُ في نفسي ; قيل لي إن ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن هذه المسألة فأجابه بمثل هذا الجواب وفي رواية:لما جعل لها من الصداق . فأقبل أبو محمد عَليّ فقال:نعم ، هذه مسألة ابن أبي العوجاء، والجواب منّا واحد إذا كان معنى المسألة واحداً، أُجري لآخرنا ما أُجري لأوّلنا وأوّلنا وآخرنا في العلم والأمر سواء. ولرسول الله ولأمير المؤمنين فضلهما (٣) .

٤ ـ وقال أبو هاشم الجعفري: قلتُ في نفسي قد كتب الإمام:ياأسمع السامعين... اللهم أجعلني في حزبك وفي زمرتك . فأقبل عليّ أبو محمد فقال: أنت في حزبه وفي زمرته إذا كنت بالله مؤمناً ولرسوله مصدِّقاً ولأوليائه عارفاً ولهم تابعاً،

ــــــــــــ

(١) المناقب ٢ / ٤٦٧.

(٢) المناقب ٢ / ٤٦٨.

(٣) المناقب ٢ / ٤٦٨.

٨٢

فأبشر ثمّ أبشر .(١)

٥ ـ عن علي بن أحمد بن حمّاد، قال: خرج أبو محمد في يوم مصيف راكباً وعليه تجفاف وممطر، فتكلّموا في ذلك، فلمّا انصرفوا من مقصدهم أمطروا في طريقهم وتبلوّا سواه.(٢)

٦ ـ وعن محمد بن عيّاش قال: تذاكرنا آيات الإمامعليه‌السلام فقال ناصبيّ: إن أجاب عن كتاب بلا مداد علمت أنه حقّ، فكتبنا مسائل وكتب الرجل بلا مداد على ورق وجعل في الكتب وبعثنا إليه فأجاب عن مسائلنا وكتب على ورقة اسمه واسم أبويه فدهش الرجل، فلمّا أفاق اعتقد الحق.(٣)

٧ ـ وعن محمد بن عبد الله قال: فقد غلام صغير فلم يوجد، فأخبر بذلك، فقالعليه‌السلام :اطلبوه في البركة ، فطلب فوجد فيها ميّتاً.(٤)

٨ ـ وروى أبو سليمان المحمودي فقال: كتبتُ إلى أبي محمدعليه‌السلام أسأله الدعاء بأن أُرزق ولداً، فوقّع:رزقك الله ولداً وأصبرك عليه . فولد لي ابن ومات(٥) .

٩ ـ وروي عن علي بن إبراهيم الهمدانيّ قال: كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام أسأله التبرك بأن يدعو أن أُرزق ولداً من بنت عمّ لي، فوقّع:رزقك الله ذُكراناً ، فولد لي أربعة(٦) .

١٠ ـ وعن عمر بن أبي مسلم قال: كان سميع المسمعيّ يؤذيني كثيراً ويبلغني عنه ما أكره، وكان ملاصقاً لداري، فكتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام أسأله الدعاء بالفرج عنه، فرجع الجواب:أبشِر بالفرج سريعاً، ويقدم عليك مال من ناحية فارس، وكان لي بفارس ابن عمّ تاجر لم يكن له وارث غيري فجاءني ماله بعد ما مات بأيّام يسيرة .

ــــــــــــ

(١) المناقب ٢ / ٤٦٩.

(٢) المناقب ٢ / ٤٧٠.

(٣) المناقب ٢ / ٤٧٠.

(٤) الثاقب: ٢٣١.

(٥) بحار الأنوار ٥٠ / ٢٦٩ عن الخرائج والجرائح: ١/٤٣٩ ح ١٨ ب ١٢.

(٦) بحار الأنوار ٥٠ / ٢٦٩ عن الخرائج والجرائح: ١/٤٣٩ ح ١٩ ب ١٢.

٨٣

١١ ـ ووقّع في الكتاب:استغفِر اللهَ وتُب إليه ممّا تكلّمت به ، وذلك أني كنت يوماً مع جماعة من النصّاب فذكروا أبا طالب حتى ذكروا مولاي، فخضت معهم لتضعيفهم أمره، فتركتُ الجلوس مع القوم وعلمت أنه أراد ذلك(١) .

١٢ ـ وروي عن الحجّاج بن يوسف العبدي قال: خلّفت ابني بالبصرة عليلاً وكتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء لابني فكتب إليّ:رحم الله ابنك إن كان مؤمناً ، قال الحجّاج: فورد عليّ كتاب من البصرة أنّ ابني مات في ذلك اليوم الذي كتب إليّ أبو محمد بموته، وكان ابني شكّ في الإمامة للاختلاف الذي جرى بين الشيعة(٢) .

ــــــــــــ

(١) مسند الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام : ١١٨ وبحار الأنوار ٥٠ / ٢٧٣ عن الخرائج والجرائح: ١/٤٤٧ ح ٣٣ ب ١٢.

(٢) مسند الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام : ١١٨ وبحار الأنوار ٥٠/٢٧٤ عن الخرائج والجرائح: ١/٤٨٨ ح٣٤ ب١٢.

٨٤

الباب الثالث

فيه فصول:

الفصل الأول: ملامح عصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام .

الفصل الثاني: عصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام .

الفصل الثالث: متطلّبات عصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام .

الفصل الأول: ملامح عصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام

الحالة السياسية

امتاز العصر العبّاسي الثاني الذي بدأ بحكم المتوكل سنة(٢٣٢ هـ ) بالنفوذ الواسع الذي تمتع به الأتراك الذين غلبوا الخلفاء وسلبوهم زمام إدارة الدولة، وأساؤا التعامل مع الأهالي منذ أيام المعتصم الذي سبق المتوكّل إلى الحكم، وهذا الوضع قد اضطرّ المعتصم لنقل مركز حكمه من بغداد إلى سامراء بسبب السلوك التركي الخشن وشكاية أهالي بغداد منهم. كما اتّسم بضعف القدرة المركزية للدولة الإسلامية وفقدانها بالتدريج لهيبتها التي كانت قد ورثتها من العصر الأوّل، لأسباب عديدة منها انشغال الحكّام بملاذّهم وشهواتهم، ومنها سيطرة الموالي ـ ولا سيّما الأتراك ـ على مقاليد السياسة العامة بعد انهماك الحكّام بالملاهي.

وكانت سيطرة الأتراك وقوّادهم قد بلغت حدّاً لا مثيل له، إذ كان تنصيب الخلفاء وعزلهم يتمّ حسب إرادة هؤلاء القوّاد الأتراك، وأنتج تعدّد الإرادات السياسية وضعف الخلفاء ظاهرة خطيرة للغاية هي قِصر أعمار حكوماتهم وسرعة تبدّل الخلفاء وعدم استقرار مركز الخلافة الذي يمثّل السلطة المركزية للدولة الإسلامية.

وهذا الضعف المركزي قد أنتج بدوره نتائج سلبية أخرى مثل استقلال الأمراء في أطراف الدولة الإسلامية بالحكم والاتجاه نحو تأسيس دويلات شبه مستقلّة في شرق الدولة الإسلامية وغربها بل انتقلت هذه الظاهرة بشكل آخر إلى داخل الحاضرة الإسلامية فكانت من علائمها بروز حالات الشغب من قبل الخوارج باستمرار منذ سنة(٢٥٢ هـ ) إلى سنة(٢٦٢ هـ ).

٨٥

وظهور صاحب الزنج في سنة(٢٥٥ هـ )، فضلاً عن ثوّار علويين كانوا يدعون إلى الرضى من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا سيّما بعد ما عرفناه من كراهة المتوكّل للعلويين وقتله للإمام الهاديعليه‌السلام ومراقبته الشديدة للإمام الحسن العسكريعليه‌السلام (١) .

الحالة الاجتماعية

تحدثنا فيما سبق عن الظرف السياسي وملابساته: من عدم الاستقرار وفقدان الأمن وذلك لتعدد الحركات السياسية والمذهبية، الخارجة على الدولة العباسية في مختلف الأمصار الإسلامية فضلاً عن دور الأتراك البارز في خلع وتولية الخليفة العباسي، وهذا دون شك ينعكس سلبياً على الظروف الاجتماعية التي كان يعيشها أبناء الأمة المسلمة ورعايا الدولة الإسلامية فينجم عنه توتّر في علاقة السلطة بالشعب، وعدم استقرار الوضع الاجتماعي نتيجة لذلك، كما أن اختلال الظروف السياسية يتسبب في التفاوت الاجتماعي وظهور الطبقية أو الفئات المتفاوتة في المستوى المعيشي والمتباينة في الحقوق والواجبات تبعاً لولائها وقربها أو بعدها من البلاط ورجاله، فانقسم أبناء الأمة وأتباع الدين الذي كان يركّز على الأخوة الإيمانية والمساواة والعدل والإنصاف(٢) ، إلى جماعة قليلة مترفة ومتمتعة بقوّة السلطان وأخرى واسعة ـ تمثل غالبية أبناء الأمة الإسلامية ـ وهي معدمة ومسحوقة أنهكها الصراع وزجّها في النّزاعات والحروب والتي ما تخمد إحداها حتى تتأجّج الثانية وتتسع لتشمل مساحة أوسع من أرض الدولة الإسلامية(٣) ،

ــــــــــــ

(١) راجع الكامل في التاريخ ومروج الذهب أحداث السنين(٢٣٢ ـ ٢٥٦ هـ ).

(٢) قال تعالى في سورة الحجرات الآية: ١٣( إنّما المؤمنون إخوة ) وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الناس سواسية كأسنان المشط المبسوط للسرخسي: ٥/٢٣، لسان الميزان: ٢/٤٣، باختلاف يسير.

(٣) الكامل لابن الأثير: ٤ أحداث السنين(٢٤٨ ـ ٣٢٢هـ ).

٨٦

ثم لتنفصل بعض أجزائها فتكون دولة مستقلة عن مركزية الدولة وغير خاضعة لها، وأطلق المؤرخون عليها مرحلة(إمرة الأمراء)(١) ، إضافة إلى الدولة المستقلة كما هو الحال بالنسبة لأمارة الحمدانيين والبويهيين والدولة الصفارية(٢٥٤هـ) والدولة السامانية(٢٦١ ـ ٣٨٩هـ) وغيرها... ممّا أدّى إلى تفكّك وسقوط الدولة العباسية فيما بعد سنة(٦٥٦هـ).

لقد كان المجتمع الإسلامي في أواخر العصر العباسي الأوّل يتألف من عدة عناصر. هي: العرب والفرس والمغاربة وظهر العنصر التركي أيضاً على مسرح السياسة في عهد المعتصم الذي اتّخذهم حرساً له، وأسند إليهم مناصب الدولة وأهمل العرب والفرس، ولما رأوا الخطر المحدق بهم من قبل الأتراك استعانوا بالمغاربة والفراغنة وغيرهم من الجنود المرتزقة.(٢)

كما نلاحظ انقسام المسلمين في هذا العصر إلى شيع وطوائف وتعرّض المجتمع الإسلامي إلى أنواع التنازع المذهبي المؤدي إلى التفكّك أيضاً، فهناك أهل السُنة الذين كانوا يشكلون السواد الأعظم ويتمتّعون بقسط وافر من الحرية المذهبية والطمأنينة النفسية في عهد نفوذ الأتراك، وهناك الشيعة الذين كانوا يقاسون كثيراً من العنت والاضطهاد.(٣)

وهذا لا يعني الالتزام الديني من قبل حكام الدولة العباسية بالمذهب السني بقدر ما يوضح لنا أن موقفهم هذا كان من أجل التصدي لحركة الأئمة في الأمة ومحاصرتها بمختلف الوسائل والطرق والتي منها: دعم ومساندة فرق وحركات تحمل توجهات السلطة وترى السلطة فيها استتباب الوضع لها ولا تخشى من تمرّدها. فهي تعيش على فتات موائدها وبذلها وبذخها لهم من أجل ديمومة الحكم واستمرار السلطة للخلفاء.

ــــــــــــ

(١) تاريخ الإسلام السياسي د. حسن إبراهيم حسن: ٣ / ٢٦ وما بعدها.

(٢) تاريخ الإسلام السياسي: ٣ / ٤٢٢ ـ ٤٢٣.

(٣) تأريخ الإسلام السياسي: ٣ / ٤٢٣.

٨٧

ولم يكن هذا ليدوم بدخول العنصر التركي الذي كان يميل إلى البذخ والسيطرة وعدم الخضوع إلى سلطة الخليفة العباسي كما أوضحنا.

أما بالنسبة إلى التفكك الاجتماعي في هذا العصر فيمكن ملاحظته من خلال طبقات المجتمع في هذا العصر، وهي:

١ ـ طبقة الرقيق، وكانت مصر وشمالي أفريقية وشمالي جزيرة العرب من أهم أسواق الرقيق الأسود، وقد جُلب كثير من الزنجيات والزنوج لفلاحة الأرض وحراسة الدور. وإنّ كثرة الزنج في العراق أدّت إلى قيام ثورة الزنج التي دامت أكثر من أربع عشرة سنة(٢٥٥ ـ ٢٧٠هـ).(١)

وكلفت هذه الثورة الدولة والاُمة الكثير من الأموال والدماء لإخمادها مما أسهم بشكل كبير في إضعافها.

٢ ـ أهل الذمة، وهم اليهود والنصارى، ولم تتدخل الدولة في شعائرهم بل على العكس كان يبلغ من تسامح الحكّام أنهم كانوا يحضرون مواكبهم واحتفالاتهم ويأمرون بحمايتهم.(٢)

٣ ـ رجال البلاط والملاّك وغيرهم ممن لهم نفوذ كبير في سياسة الدولة وتأثير واسع في الوضع الاقتصادي والاجتماعي.

٤ ـ عامة الناس والذين أجهدتهم الضرائب والحروب والخلافات والمنازعات الداخلية.

٥ ـ ونشأت طبقة واسعة من الرقيق وغيرهم ـ من المغنيات ـ اللائي كن يُحيين ليالي اللهو للخلفاء، وغيرهم، وقد ارتفعت أسعارهن بشكل ملفت للنظر.(٣) مما أدى أخيراً إلى إضعاف العلاقة داخل البلاط نفسه بين البلاط وبين قواد الجيش من أتراك وغيرهم، فضلاً عن آثاره السلبية على المجتمع عامة

ــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري ٧، أحداث السنين(٢٥٥ ـ ٢٧٠ هـ ).

(٢) الحضارة الإسلامية: ٢٦٨، راجع تاريخ الإسلام السياسي: ٣ / ٤٢٤.

(٣) تاريخ الإسلام السياسي: ٣ / ٤٣٥.

٨٨

الحالة الثقافية

انتشرت الثقافة الإسلامية في هذا العصر انتشاراً يدعو إلى الإعجاب بفضل الترجمة من اللغات الأجنبية وخاصة اليونانية والفارسية والهندية إلى العربية.

والعامل الأول في ذلك هو حث الإسلام المسلمين على طلب العلم واعتباره فريضة على كل مسلم ومسلمة. كما حظي العلماء بتشجيع من الخلفاء والسلاطين والامراء ورجال العلم والأدب.

وكانت مراكز هذه الحركة الثقافية في بلاط السامانيين والغزنويين والبويهيين والحمدانيين في الشرق وفي بلاط الطولونيين والإخشيديين والفاطميين في مصر وفي بلاد الأمويين في الأندلس.

ويضاف إلى ذلك ظهور كثير من الفرق التي اتخذت الثقافة والعلم وسيلة لتحقيق مآربها السياسية.

وكان للجدل والنقاش الذي قام بين هذه الفرق من ناحية وبينها وبين العلماء الرسميين ـ أي فقهاء السلطة ـ من ناحية أخرى أثر كبير في هذه النهضة العلمية التي كان يتميز بها هذا العصر وخاصّة في القرن الرابع الهجري على الرغم مما انتاب العالم الإسلامي بوجه عام من تفكك وانحلال وما أصاب الدولة العباسية من ضعف ووهن(١) .

ــــــــــــ

(١) تاريخ الإسلام السياسي: ٣ / ٣٣٢.

٨٩

الحالة الاقتصادية

اعتنى العباسيون بالزراعة وفلاحة البساتين التي قامت على دراسة علمية(١) . وذلك بفضل انتشار المدارس الزراعية التي كان لها الأثر الكبير في إنارة عقول المسلمين.

ولما كانت الزراعة تعتمد على الري، اهتم العباسيون بتنظيم أساليبه وجعل الماء مباحاً للجميع، ولذلك عملوا على تنظيمه في مصر والعراق واليمن وشمال شرقي فارس وبلاد ما وراء النهر، وبلغ هذا النظام شأواً بعيداً من الدقة، حتى أن الأوربيين أدخلوا كثيراً من هذه النظم في بلادهم.

واعتنت الدولة العباسية بصيانة السدود والترع، وجعلوا جماعة من الموظفين أطلق عليهم اسم(مهندسين) وكانت مهمتهم المحافظة على السدود عصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام خشية انبثاق الماء منها فيما إذا حدث ثغر من الهدم والتخريب(٢) .

ــــــــــــ

(١) تاريخ الإسلام السياسي: ٣ / ٣١٩ بتصرف.

(٢) تجارب الأمم لمسكويه: ٢ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧ بتصرف. وقال المعتزلي: الهندسة أصلها بالفارسية: أندازه اي المقدار والمهندس أي المقدِّر.

٩٠

الفصل الثاني: عصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام

لقد أمضى الإمام الحسن العسكري الجزء الأكبر من عمره الشريف في العاصمة العباسية ـ سامراء ـ وواكب جميع الظروف والملابسات والمواقف التي واجهت أباه الإمام علياً الهاديعليه‌السلام ، ثم تسلّم مركز الإمامة وقيادة الأمة الإسلامية سنة(٢٥٤هـ) بعد وفاة أبيهعليه‌السلام وعمره الشريف آنذاك(٢٢) عاماً.

وكانت مواقفه امتداداً لمواقف أبيهعليه‌السلام بوصفه المرجع الفكري والروحي لأصحابه وقواعده وراعياً لمصالحهم العقائدية والاجتماعية بالإضافة إلى تخطيطه وتمهيده لغيبة ولده الإمام المهدي المنتظرعليه‌السلام (١) .

وبالرغم من الضعف الذي كان قد أحاط بالدولة العباسية في عصر الإمامعليه‌السلام لكن السلطة القائمة كانت تضاعف إجراءاتها التعسفيّة في مواجهة الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام والجماعة الصالحة المنقادة لتعاليمه وإرشاداتهعليه‌السلام . فلم تضعف في مراقبته ولم تترك الشدة في التعامل معه بسجنه أو محاولة تسفيره إلى الكوفة خشية منه ومن حركته الفاعلة في الأمة وتأثيره الكبير فيها.

ــــــــــــ

(١) الأئمة الاثنا عشر: ٢٣٥، دار الأضواء، ١٤٠٤هـ.

٩١

ثم إن المواجهة من الإمام كقيادة للحركة الرسالية لم تكن خاصة بالخلفاء العباسيين الذين عاصرهم الإمامعليه‌السلام إذ كان هناك أيضاً خطر النواصب وهم الذين نصبوا العداء لأهل البيت النبويعليهم‌السلام ووقفوا ضد أطروحتهم الفكرية والسياسية المتميزة التي كانت تتناقض مع أطروحة الحكم القائم والطبقة المستأثرة بالحكم والمنحرفة عن الإسلام النبوي.(١)

والنواصب ـ الأمويون منهم أو العباسيون ـ كانوا يعلمون جيّداً أن أهل البيت النبوي هم ورثة النبي الحقيقيون، ولا يمكنهم أن يسيطروا على السلطة إلاّ بإبعاد أهل البيتعليهم‌السلام عن مصادر القدرة وذلك بتحديد الأئمة المعصومين وشيعتهم وشلّ حركتهم وعزلهم عن الأمة والتضييق عليهم بمختلف السبل وبما يتاح لهم من وسائل قمعية.

وقد يكون لطبيعة هذه الظروف والملابسات التي عانى منها الإمام العسكري وشيعته الدور الأكبر في ما كان يتّخذه الإمامعليه‌السلام من مواقف سلبية أو إيجابية إزاء الأحداث والظواهر التي منيت بها الأمة الإسلامية والتي ستعرفها فيما بعد.

لقد عاصر الإمام العسكريعليه‌السلام ثلاثة من خلفاء الدولة العباسية، فقد عاشعليه‌السلام شطراً من خلافة المعتز والذي هلك على أيدي الأتراك، ليخلفه المهتدي العباسي الذي حاول أن يتخذ من سيرة عمر بن عبد العزيز الأموي مثلاً يحتذي به إغراء للعامّة ولينقل أنظارهم المتوجهة صوب الإمام العسكريعليه‌السلام لزهده وتقواه وورعه، وما كان يعيشه من همومهم وآلامهم التي كانوا يعانونها من السلطة وتجاوزاتها في الميادين المختلفة.

ــــــــــــ

(١) الأئمة الاثنا عشر: ٢٣٥.

٩٢

ولم يفلح المهتدي بهذا السلوك لازدياد الاضطراب في دائرة البلاط العباسي نفسه مما أثار الأتراك عليه فقتلوه عام(٢٥٦هـ)، وقد اعتلى العرش العباسي من بعده المعتمد الذي استمر في الحكم حتى عام(٢٧٠ هـ )(١) .

١ ـ المعتز العباسي(٢٥٢ ـ ٢٥٥ هـ )

لقد ازداد نفوذ الأتراك بعد قتلهم المتوكل عام(٢٤٧هـ) وتنصيب ابنه المنتصر بعده، حتى أن الخليفة العباسي أصبح مسلوب السلطة ضعيف الإرادة ويتضح ذلك مما رواه ابن طباطبا حيث قال:

«.. لما جلس المعتز على سرير الخلافة فقد حضر خواصه وأحضروا المنجّمين وقالوا لهم: انظروا كم يعيش وكم يبقى في الخلافة، وكان بالمجلس بعض الظرفاء، فقال: أنا أعرف من هؤلاء بمقدار عمره وخلافته، فقالوا: فكم تقول أنه يعيش وكم يملك ؟ قال: مهما أراد الأتراك، فلم يبق أحد إلاّ ضحك»(٢) .

يعكس لنا هذا النص ما كان للأتراك من نفوذ ودور في إرادة الدولة وعزل الخلفاء والتحكّم في الأمور العامة. فقد استولوا على المملكة واستضعفوا الخلفاء، فكان الخليفة في أيديهم كالأسير إن شاءوا خلعوه وإن شاءوا قتلوه، وكان المعتز يخاف الأتراك ويخشى بأسهم ولا يأمن جانبهم وكان بُغا الصغير ـ وهو أشدّ هؤلاء خطراً ـ أحد قوّاد الجيش الذي أسهم في قتل المعتز مع جماعة من الأتراك بعد أن أشهدوا عليه بأنه قد خلع نفسه.

ــــــــــــ

(١) الفخري في الآداب السلطانية، ابن طباطبا: ٢٢١.

(٢) الفخري في الآداب السلطانية: ٢٢١.

٩٣

لقد عاصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام أواخر خلافة المعتز الذي كان استشهاد الإمام الهاديعليه‌السلام على يده بدس السمّ إليه فكانت سياسة المعتز امتداداً لسياسة المتوكّل في محاربة الإمام الحسن العسكري ـ والشيعة ـ بل ربما ازدادت ظروف القهر في هذه الفترة حتى أنّ المعتز أمر بتسفير الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام إلى الكوفة حين رأى خطر وجود الإمامعليه‌السلام واتّساع دائرة تأثيره وكثرة أصحابه.

قال محمّد بن بلبل: تقدّم المعتز إلى سعيد الحاجب أن أخرج أبا محمد إلى الكوفة ثم اضرب عنقه في الطريق(١) .

وكتب إلى الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام أبو الهيثم ـ وهو أحد أصحاب الإمامعليه‌السلام ـ يستفسر عن أمر المعتز بإبعاده إلى الكوفة قائلاً:

«جُعلت فداك بلغنا خبرٌ أقلقنا وبلغ منا»، فكتب الإمامعليه‌السلام : «بعد ثلاث يأتيكم الفرج» فخلع المعتز بعد ثلاثة أيام وقتل(٢) .

فلم تكن العلاقة بين الإمامعليه‌السلام والمعتز إلاّ تعبيراً عن الصراع والعداء الذي ابتدأ منذ أن استلم بنو العبّاس الخلافة بعد سقوط الدولة الاُموية وامتدّ على طول عمر الدولة إلاّ في فترات قصيرة جدّاً، فكان كيد السلطة ورصدها لتحرّك الإمامعليه‌السلام دائماً ومستمراً وذلك لما عرفه الخلفاء من المكانة السامية والدور الفاعل للأئمّة في الأمة وما كانوا يخشونه منهم على سلطتهم وكيانهم الذي أقاموه بالسيف والدم على جماجم الأبرياء والأتقياء من أبناء الأمة الإسلامية.

ويروي لنا محمد بن علي السمري توقّع الإمام الحسن العسكري هلاك المعتزّ قائلاً: «دخلت على أبي أحمد عبيد الله بن عبد الله وبين يديه رقعة أبي محمد ـ العسكري ـعليه‌السلام ، فيها:إني نازلت الله في هذا الطاغي يعني الزبيري ـ لقب المعتز ـوهو آخذه بعد ثلاث، فلما كان في اليوم الثالث فعل به ما فعل »(٣) فقد قتل شرّ قتلة.

ويصف ابن الأثير قتل المعتز الذي ورد في هذه العبارة قائلاً عنه:

ــــــــــــ

(١) كشف الغمة: ٣/٢٠٦.

(٢) الخرائج والجرائح: ١/٤٥١ ح ٣٦.

(٣) كشف الغمة: ٣/٢٠٧ عن كتاب الدلائل.

٩٤

«دخل إليه جماعة من الأتراك فجرّوه برجله إلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس وخرقوا قميصه، وأقاموه في الشمس في الدار، فكان يرفع رجلاً ويضع أخرى لشدّة الحر، وكان بعضهم يلطمه وهو يتّقي بيده وأدخلوه حجرة، وأحضروا ابن أبي الشوارب وجماعة أشهدوهم على خلعه، وشهدوا على صالح بن وصيف أن للمعتز وأمه وولده وأخته الأمان، وسلّموا المعتز إلى من يعذّبه، فمنعه الطعام والشراب ثلاثة أيّام، فطلب حسوة من ماء البئر فمَنَعَه ثم أدخلوه سرداباً وسدّوا بابه، فمات»(١) .

وكان سبب خلعه أنه منع الأتراك أرزاقهم ولم يكن لديه من المال وقد تنازلوا له إلى خمسين ألف دينار، فأرسل إلى أمه يسألها أن تعطيه مالاً فأرسلت إليه: «ما عندي شيء»، فتآمروا عليه وقتلوه.

وهذه القصة خير مؤشّر على ضعف السلطة العباسية وخروج الأمر من يد الخليفة، فالكتّاب المسؤولون على الأموال يتصرّفون بها كيف ما كانوا يشاءون ولا يطيعون الخليفة في شيء فكانت تلك النهاية المخزية للمعتز على أيدي أعوانه، وحرّاسه من الأتراك.

٢ ـ المهتدي العباسي(٢٥٥ـ ٢٥٦ هـ )

هو محمد بن الواثق بن المعتصم، أمه أم ولد تسمى وردة، ولي الخلافة بعد مقتل أخيه المعتز سنة(٢٥٥هـ)، وما قبل أحد ببيعته حتى جيء بالمعتزّ واعترف أمام شهود أنه عاجز عن الخلافة ومدّ يده فبايع المهتدي فارتفع حينئذ إلى صدر المجلس(٢) ، وبويع بالخلافة.

ــــــــــــ

(١) الكامل في التاريخ: ٧/١٩٥، ١٩٦.

(٢) تاريخ الخلفاء، السيوطي: ٤٢٢.

٩٥

ولقد تصنّع الزهد والتقشّف محتذياً سيرة عمر بن عبد العزيز إغراء للعامة ومحاولة لتغيير انطباعهم عن الخلفاء العباسيين الذين عُرفوا بالمجون والترف والإسراف في الملذّات والخمر ومجالس اللهو، فقد نقل هاشم بن القاسم حينما سأل المهتدي عن ما هو عليه من التقشّف وبما هو فيه من النعمة فقال له: إنّ الأمر كما وصفت، ولكنّي فكّرت في أنه كان في بني أمية عمر ابن عبد العزيز ـ وكان من التقلّل والتقشّف ما بلغك ـ فغرتُ على بني هاشم فأخذت نفسي بما رأيت(١) .

فلم تكن الدوافع وراء هذه السيرة رضا الله سبحانه بل كانت هذه السيرة لإضفاء شيء من صبغة التديّن على نفسه من أجل أن تطيعه عامة الناس ومحاولة لإبعاد أنظارها عما تحلّى به بنو هاشم وفي مقدّمتهم الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام الذي عُرف بتقواه وورعه ومواساته للأمة في ظروفها القاسية، وكان الأولى بالخليفة الاتعاظ بسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام لما عرف بزهده وتقواه بل هو الذي سنَّ نهج الزهد للمسلمين بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن عمر بن عبد العزيز نفسه حين سأله جلساءه عن أزهد الناس، فقالوا له: أنتم، قال: لا:إن أزهد الناس عليّ بن أبي طالب (٢) .

سياسة المهتدي تجاه معارضيه

أ ـ الخليفة وأمراء الجند:

كانت سياسة المهتدي تجاه الأتراك تتمثل بالحذر والحيطة والخشية من انقلابهم عليه كما فعلوا بالمتوكل والمعتز، لذا أمر بقتل موسى ومفلح من أمراء جنده الأتراك الذين كانوا يتمتّعون بنفوذ كبير وتأثير فاعل في مجريات الأحداث، غير أن(بكيال) الذي أمره المهتدي بقتلهما

ــــــــــــ

(١) تاريخ الخلفاء: ٤٢٣.

(٢) تاريخ الطبري: ٣ حوادث(٩١ ـ ١٠١ هـ ) وهي خلافة عمر بن عبد العزيز.

٩٦

توقّف عن قتل موسى بن بغا، لإدراكه أن للمهتدي خطة للحد من نفوذ الأتراك وتقليص الدور الذي كانوا يتمتعون به، وقال بكيال: إنّي لست أفرح بهذا وإنما هذا يعمل علينا كلنا، فأجمعوا على قتل المهتدي فكان بين الأتراك ومناصري الخليفة قتال شديد وقُتل في يوم واحد أربعة آلاف من الأتراك ودام القتال إلى أن هزم جيش الخليفة المؤلّف من المغاربة والفراغنة والأشروسنية، ومن ثم اُمسك الخليفة فعصر على خصيتيه فمات في عام(٢٥٦ هـ )(١) .

ومن الأحداث المهمة في عصر المهتدي:

١ ـ انتفاضة أهل حمص بقيادة ابن عكار على محمد بن إسرائيل.

٢ ـ إخراجه أم المعتز وأبا أحمد وإسماعيل ابني المتوكل وابن المعتزّ إلى مكّة ثم ردّهم إلى العراق.

٣ ـ نفي وإبعاد بعض الشيعة من بلدانهم إلى بغداد كما فعل بجعفر ابن محمود.

٤ ـ إعطاؤه الأمان لمعارضيه.

٥ ـ الحرب بين عيسى بن شيخ الربعي وأماجور التركي عامل دمشق وهزيمة الأول(٢) .

ب ـ المهتدي وأصحاب الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام :

لم تكن الظروف المحيطة بالإمام العسكري وأصحابه في عهد المهتدي أحسن مما كانت عليه من الشدة والنفي والتهجير والقتل إبّان عهود المعتز والمتوكل ومن سبقهما

ــــــــــــ

(١) تاريخ الخلفاء، السيوطي: ٤٢٤.

(٢) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٥٠٥، ٥٠٦.

٩٧

من خلفاء الدولة العباسية، بل كانت سياسة المهتدي امتداداً للمنهج العباسي في التصديّ للإمام وشيعته وخاصته والنكاية بهم، والتجسس عليهم ومصادرة أموالهم ومطاردتهم.

لقد قاسى الشيعة والإمام الحسن العسكريعليه‌السلام في عهد المهتدي الكثير من الظلم والتعسّف، ويمكن أن نقف على ذلك من خلال ما رواه أحمد بن محمد حيث قال: كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام ـ حين أخذ المهتدي في قتل الموالي ـ ياسيدي الحمد لله الذي شغله عنك، فقد بلغني أنّه يتهدّدك ويقول: «والله لأخلينّهم عن جديد الأرض» فوقّع أبو محمدعليه‌السلام بخطه:«ذاك أقصر لعمره، وعد من يومك هذا خمسة أيّام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف بموته» ، فكان كما قالعليه‌السلام ، وقد سبق أن أوضحنا ذلك(١) .

ومن مظاهر اضطهاد الشيعة ومصادرة أملاكهم وأموالهم ما روي عن عمر بن أبي مسلم حيث قال: قدم علينا(بسرّ من رأى) رجل من أهل مصر يقال له سيف بن الليث يتظّلم إلى المهتدي في ضيعة له قد غصبها إياه شفيع الخادم وأخرجه منها، فأشرنا عليه أن يكتب إلى أبي محمدعليه‌السلام يسأله تسهيل أمرها، فكتب إليه أبو محمدعليه‌السلام :«لا بأس عليك ضيعتك تردّ عليك فلا تتقدّم إلى السلطان وألق الوكيل الذي في يده الضيعة وخوّفه بالسلطان الأعظم الله ربّ العالمين» ، فلقيه، فقال له الوكيل الذي في يده الضيعة قد كُتب إليّ عند خروجك من مصر أن أطلبك وأردّ الضيعة عليك، فَرَدَّها عليه بحكم القاضي ابن أبي الشوارب وشهادة الشهود ولم يحتج إلى أن يتقدّم إلى المهتدي(٢) .

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١/٥١٠ ح ١٦ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٣١ وفي إعلام الورى: ٢/١٤٤، ١٤٥ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/٢٠٤.

(٢) أصول الكافي: ١/٥١١ ح ١٨.

٩٨

ويمكن الاستدلال من خلال النص على اتساع القاعدة الشعبية للإمامعليه‌السلام وصلته بهم وعمق الأواصر التي كانت تصله بهم، فهو يتفقّد ما يحتاجونه، ويساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في قضاء حوائجهم، وإن لبعض أصحابه في الأمصار تأثيراً وعلائق بالولاة ومن يديرون الأمور في الولايات، فكانت أخبار شيعته تصله أوّلاً بأول، ويحاول إبعادهم عن الوقوع في حبائل السلطان وشركه كما في قصة سيف بن الليث المصري.

ج ـ سجن الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام :

ولما رأى المهتدي أنّ وسائل النفي والإبعاد والمصادرة، لم تكن لتحدّ من نشاط الإمامعليه‌السلام وشيعته، واتّساع حركته، لما كان لتعليمات الإمامعليه‌السلام ورقابته لشيعته من أثر في إفشال محاولات السلطة العباسيّة لم تجد السلطة بُدّاً من اعتقال الإمامعليه‌السلام والتضييق عليه في السجن، وكان المتولي لِسجنه صالح بن وصيف الذي أمر المهتدي موسى بن بغا التركي بقتله، وقد جاءه العباسيّون إبان اعتقال الإمامعليه‌السلام فقالوا له: ضيّق عليه ولا توسّع، فقال صالح: «ما أصنع به قد وكّلت به رجلين، شرّ من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم»، ثمّ أمر بإحضار الموكلين فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل ؟ ـ يعني الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ـ فقالا له: ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظر إلينا أرعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا فلمّا سمع العباسيّون ذلك انصرفوا خائبين(١) .

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١/٥١٢ ح ٢٣ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٣٤ وفي إعلام الورى: ٢/١٥٠ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/٢٠٤.

٩٩

لقد كان المهتدي يهدّد الإمام بالقتل وقد بلغ النبأ بعض أصحاب الإمامعليه‌السلام فكتب إليه: يا سيدي الحمد لله الذي شغله عنك فقد بلغني أنه يتهددك. وذلك حين انشغل المهتدي بفتنة الموالي، وعزم على استئصالهم. وهنا نجد الإجابة الدقيقة من الإمامعليه‌السلام حول مستقبل المهتدي حيث كتب الجواب ما يلي:ذاك أقصر لعمره، عدّ من يومك هذا خمسة ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به (١) . وكان كما قال فقد انهزم جيشه ودخل سامراء وحده مستغيثاً بالعامة منادياً يامعشر المسلمين: أنا أمير المؤمنين قاتلوا عن خليفتكم، فلم يجبه أحد(٢) .

وقال أبو هاشم الجعفري: كنت محبوساً مع الحسن العسكري في حبس المهتدي بن الواثق فقال لي:في هذه الليلة يبتر الله عمره ، فلمّا أصبحنا شغب الأتراك وقُتل المهتدي وولّي المعتمد مكانه (٣) .

٣ ـ المعتمد ابن المتوكل العبّاسي(٢٥٦ ـ ٢٧٩ هـ )

وعاصر الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام بعد المعتزّ والمهتدي، المعتمد العباسي، الذي انهمك في اللهو واللّذات واشتغل عن الرعيّة فكرهه الناس وأحبّوا أخاه طلحة(٤) .

وكان المعتمد ضعيفاً يعمل تحت تأثير الأتراك الذين يديرون أمور الحكم، ويقومون بتغيير الخلفاء والأمراء، وقد صوّر المعتمد نفسه هذا

ــــــــــــ

(١) إعلام الورى: ٣٥٦.

(٢) الكامل في التاريخ: ٥/٣٥٦.

(٣) المناقب: ٢/٤٦٢.

(٤) تاريخ الخلفاء، السيوطي: ٤٢٥.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

رويات إسرائيل بن يونس (١٦٠ هـ)

روى ابن سعد عن محمد بن عبد الله الأسدي (٢٠٣ هـ) قال حدثنا إسرائيل(١) عن أبي إصحاق عن هبيرة بن يريم قال قيل لعلي هذا الحسن بن علي في المسجد يحدث الناس فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا ، وما طحن ابل يومئذ.(٢)

روايات محمد بن المهلب الحراني الملقب ب

غندر (ت قبل المائتين)

روى ابن عساكر عن غندر(٣) عن شعبة قال سمعت أبا إسحاق يحدث ان عليا مرَّ على قوم مجتمعين ورجل يحدثهم فقال من هذا قالوا الحسن فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا.(٤)

روايات قيس بن الربيع (١٦٨ هـ)

روى ابو الفرج عن احمد عن عمر بن شبة عن المدائني عن قيس بن الربيع(٥) عن

__________________

(١) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ، ج ٦ ص ٣٧٤ إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ويكنى أبا يوسف توفي بالكوفة سنة اثنتين وستين ومائة وقال أبو نعيم سنة ستين ومائة وكان ثقة حدث عنه الناس حديثا كثيرا ومنهم من يستضعفه. تهذيب التهذيب : قال عثمان بن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مهدي إسرائيل لص يسرق الحديث. وفي الكاشف للذهبي ج ١ ص ٢٤١ قال أبو حاتم هو من أتقنأصحاب أبي إسحاق وضعفه بن المديني توفي ١٦٢ ع.

(٢) ابن سعد ، الطبقات الكبرى ، القمس المفقود ، من ذخائر تراثنا ترجمة الحسن من ابن سعد غير المطبوع ص ٥٨.

(٣) لعله محمد بن جعفر مات بالبصرة سنة ١٩٤ هـ ، ابن عدي ، الكامل في ضعفاء الرجال ، ج ٦ ص ٢٩٥ ، محمد بن المهلب غندر الحراني سمعت بن أبي معشر يقول كان يضع الحديث وهو أموي يحدث عن النفيلي ونظرائه ويكنى أبا الحسن. ابن العجمي ،الكشف الحثيث ص ٢٥١ : محمد بن المهلب الحراني لقبه غندر يروي عن أبي جعفر النفيلي وغيره قال أبو عروبة فيما رواه عنه بن عدي يضع الحديث.

(٤) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ، ترجمة الحسن ١٦٩.

(٥) العقيلي ،الضعفاء الكبير (ضعفاء العقيلي ) ، ج ٣ ص ٤٦٩ قيس بن الربيع أبو محمد الكوفي الأسدي قال محمد بن إسماعيل البخاري حدثنا علي بن المديني قال كان وكيع يضعف قيس بن الربيع ، وقال عمرو بن علي سمعت أبا داود يقول سمعت شعبة يقول من يعذرني من يحيى هذا الأحول لا يرضى قيس بن الربيع. حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سمعت أبي يقول سمعت الربيع بن الجراح غير

٤٤١

الاجلح عن الشعبي عن جندب : ان الحسن قال لابيه حين طلب ان يجلد الوليد بن عقبة : مالك ولهذا؟(١)

روايات إسماعيل بن إبراهيم بن عُليَّة

البصري (١٩٣ هـ)

وروى أبو الفرج أيضا : عن عمر بن شبة وسعيد بن محمد المخزومي كلاهما عن محمد بن حاتم عن إسماعيل بن إبراهيم بن علية البصرة عن سعيد بن عروبة البصرة عن عبد الله بن الداناج عن حضين بن المنذر أبي ساسان قال : لما جيء بالوليد بن عقبة

__________________

مرة يقول حدثنا قيس بن الربيع والله المستعان حدثنا محمد بن زكريا حدثنا محمد بن المثنى قال ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثنا عن قيس بن الربيع شيئا قط. وقال عمرو بن علي يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن قيس وكان عبد الرحمن حدثنا عنه قبل ذلك قم تركه ، عن عباس قال سمعت يحيى يقول قيس بن الربيع ليس بشيء وفي موقع آخر قيس بن الربيع لا يساوي شيئا. حدثنا محمد قال حدثني عباس قال سمعت يحيى وسئل عن قيس فقال قال عثمان أتيناه فكان يحدث فربما أدخل حديث مغيرة في حديث منصور. وفي معرفة الثقات قال ابن حبان : قيس بن الربيع الأسدي الناس يضعفونه وكان شعبة يروى عنه وكان معروفا بالحديث صدوقا ويقال إن ابنه أفسد عليه كتبه بأخرة فترك الناس حديثه. وفي تذكرة الحفاظ ١ / ٢٢٦ د ت ق قيس بن الربيع الربيع الحافظ أبو محمد الأسدي الكوفي أحد الاعلام على ضعف فيه حدث عن عمرو بن مرة وحبيب بن أبي ثابت وعلقمة بن مرئد وزياد بن علاقة ومحارب بن دثار وطبقتهم من الكوفيين ولم يرتحل حدث عنه سفيان وشعبة وهما من طبقته وإسحاق السلولي وعاصمبن علي ومحمد بن بكار بن الريان وعلي بن الجعد ويحيى الحماني وخلق كان شعبة يثني عليه وقال عفان كان ثقة وقال يعقوب بن شبة هو عند جميع أصحابنا صدوق وكتابه صالح وهو رديء الحفظ جدا ولينه أحمد بن حنبل وقال بن معين ليس بشيء وقال النسائي متروك واما بن عدي فقواه وقال لا بأس به عامة رواياته مستقيمة القول فيه ما قال شعبة وقال أبو الوليد شهد جنازة قيس بن الربيع شريك فقال ما ترك بعده مثله وقال محمد بن عبيد الطنافسي لم يكن قيس عندنا بدون الثوري وإنما ولي شيئا فأقام على رجل حدا فمات قال فطفئ أمره قال وكان يعلق النساء بثديهن ويرسل عليهن الزنابير وقال أبو الوليد كتبت عن قيس ستة آلاف حديث قلت وقد كان قيس من أوعية العلم وارى الأئمة تكلموا فيه لظلمه مات سنة سبع أوثمان وستين ومائة رحمه الله تعالى. وفي الضعفاء والمتروكين للنسائي قال : قيس بن الربيع متروك الحديث كوفي. وفي تقريب التهذيب قال ابن حجر : قيس بن الربيع الأسدي أبو محمد الكوفي صدوق تغير لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به من السابعة مات سنة بضع وستين د ت ق. وفي تاريخ بغداد : قال بن عمار وكان قيس بن الربيع عالما بالحديث ولكنه ولي المدائن فقتل رجلا فيما بلغني فنفر الناس عنه.

(١) أبو الفرج الاصفهاني ، الاغاني ج ٥ ص ١٤٤.

٤٤٢

إلى عثمان بن عفان وقد شهدوا عليه بشرب الخمر قال لعلي دونك ابن عمك فاقم عليه الحد فأوعز علي إلى ابنه الحسن أنْ يقوم بجلد الوليد ، فرفض الحسن وقال له : مالك ولهذا؟ فقال له علي : بل ضعفت ووهنت وعجزت ، ثم أمر عبد الله بن جعفر فقام فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال علي امسك جلد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعين وجلد ابو بكر أربعين واتمها عمر ثمانين وكل سنة.(١)

روايات محمد بن أبي أيوب ت قبل

المائتين هجرية

البلاذري عن احمد بن إبراهيم الدورقي عن أبي نعيم عن محمد بن أبي أيوب عن قيس بن مسلم (ت ١٢٠ هـ) عن طارق بن شهاب ان الحسن بن علي قال لعلي يا أمير المؤمنين اني لا استطيع ان اكلمك وبكى فقال علي : تكلم ولا تحن حنين الجارية. فقال ان الناس حصروا عثمان فأمرتك ان تعتزلهم وتلحق بمكة حتى تؤوب إلى العرب عوازب احلامها فأبيت ثم قتله الناس فأمرتك ان تعتزل الناس فلو كنت في جحر ضب لضربت إليك العرب آباط الإبل حتى يستخرجوك فغلبتني وانا امرك اليوم ان لا تقدم العراق فاني اخاف عليك ان تقتل بمضيعة ٢ / ٢١٧.

روايات عبد الأعلى بن عبد الاعلى الشامي

البصري (١٨٩ هـ)

روى ابن عساكر بسنده عن عبيد بن عمر بن ميسرة أبو سعيد القواريري (٢٣٥ هـ) البصري(٢) نا عبد الأعلى(٣) عن هشام بن حسان (ت ١٤٨ هـ) عن محمد بن سيرين قال

__________________

(١) أبو الفرج الاصفهاني ،الاغاني ج ٥ ص ١٤٥.

(٢) عبيد الله بن عمر بن ميسرة أبو سعيد القواريري الجشمي مولاهم البصري سكن بغداد أخرج البخاري في الجمعة عنه عن خالد بن الحارث قال ابخاري مات يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلتمن ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ومائتين قال أبو حاتم هو صدوق وروى عنه هو وأبو زرعة قال أبو بكر بن أبي خيثمة مات ببغداد وسمعت بن معين يقول هو ثقة.

(٣) معرفة الثقات لابن حبان : عبد الأعلى بن عبد الأعلى بن عبد الله بن شراحيل الشامي أبو محمد من

٤٤٣

تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم.(١)

روايات عبد الله بن عون (١٥١ هـ)

روى ابن عساكر عن شيران الرامهرمزينا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي ت ٢٥٢ هـ نا قريش بن انس(٢) (ت ٢٠٨ هـ) نا عبد الله بن عون (ت ١٥١ هـ) عن محمد قال خطب الحسن بن علي إلى منظور بن سيار بن (١) زبان الفزاري ابنته فقال والله أني لأنكحك واني لا علم انك على طلق ملق غير انك اكرم العرب بيتا واكرمه نسبا.(٣)

روايات محمد بن عبيد (٢٠٤ هـ)

وقال محمد بن سعد أخبرنا محمد بن عبيد (٢٠٤ هـ)(٤) :

__________________

أهل البصرة وقيل أبو همام كان يكره أن يقال له أبو همام يروى عن حميد الطويل روى عنه مسدد وأهل البصرة مات يومالأحد في شهر شعبان سنة أربع أو سبع وثمانين ومائة وكان قدريا متقنا في الحديث غير داعية إليه.

(١) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ٣١ ص ٢٤٩.

(٢) [٨٩٠] قريش بن أنس الأنصاري مولى بني والية كنيته أبو أنس من أهل البصرة يروي عن بن عون والبصريين روى عنه العراقيون مات سنة تسع ومائتين وكان سخيا صدوقا إلا أنه اختلط في آخر عمره حتى كان لا يدري ما يحدث به بقي ست سنين في اختلاطه فظهر في روايته أشياء مناكير لا تشبه حديثه القديم فلما ظهر ذلك من غير أن يتميز مستقيم حدثه من غيره لم يجز الاحتجاج به فيما انفرد فأما فيما وافق الثقات فهو المعتبر بأخباره تلك روى عن أشعث عن الحسن عن سمرة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى أن يقد السير بين إصبعين أي لا يقطع بين إصبعين مخافة أن يقطع الأصابع أخبرناه بن قحطبة قال حدثنا بندار بن بشار قال حدثنا قريش بن أنس عن أشعث. وفي تهذيب التهذيب : هشيم عن العوام عن جميع بنعمير على الصواب انتهى وله عند الأربعة ثلاثة أحاديث وقد حسن الترمذي بعضها وقال بن نمير كان من أكذب الناس كان يقول أن الكراكي تفرخ في السماء ولا يقع فراخها رواه بن حبان في كتاب الضعفاء بإسناده وقال كان رافضيا يضع الحديث وقال الساجي له أحاديث مناكير وفيه نظر وهو صدوق وقال العجلي تابعي ثقة. ابن حجر ،تهذيب التهذيب ج ٢٢ ص ٩٥ قال أبو نعيم الفضل بن دكين كان فاسقا وذكره بن حبان في الثقات قلت وقال الآجري عن أبي داود جميع بن عمر راوي حديث هند بن أبي هالة أخشى أن يكون كذابا وقال العجلي جميع لا بأس به يكتب حديثه وليس بالقوي.

(٣) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ٣١ ص ٢٥١.

(٤) قال الذهبي فيتذكره الحفاظ ج ١ ص ٣٣٣ ع محمد بن عبيد بن أبي أمية الحافظ الثقة أبو عبد الله الأيادي الكوفي الكنافسي الأحدب مولى بني حنيفة ولد سنة سبع وعشرين ومائة وسمع هشام بن عروة والأعمش وإسماعيل وعبيد الله وابن إسحاق ومسعرا حدث عنه اخوه يعلى وأحمد وابن معين

٤٤٤

عن مجالد (ت ١٤٤ هـ) عن الشعبي ،

وعن يونس بن أبي إسحاق (ت ١٥٩ هـ) عن أبيه

وعن أبي السفر (سعيد بن عمرو الهمداني) (مات زمن بني أمية في امارة خالد) وغيرهم.

قالوا : بايع أهل العراق الحسن بن علي بعدقتل علي بن أبي طالب ثم قالوا له سر إلى هؤلاء القوم الذين عصوا الله ورسوله وارتكبوا العظيم وابتزوا الناس أمورهم فإنا نرجو أن يمكن الله منهم فسار الحسن إلى أهل الشام وجعل على مقدمته قيس بن سعد بن عبادة في اثني عشر ألفا وكانوا يسمون شرطة الخميس.

قال : وقال غيره وجه إلى الشام عبيد الله بن العباس ومعه قيس بن سعد فسار فيهم قيسحتى نزل مسكن والأنبار وناحيتها.

وسار الحسن حتى نزل المدائن وأقبل معاوية في أهل الشام يريد الحسن حتى نزل جسر منبج.

__________________

وإسحاق وابنا أبي شيبة وعباس الدوري وأحمد بن الفرات وخلق كثير سكن بغداد مدة وكان أحد المتقنين وكان يعلى أكبر منه بتسع سنين رواه أبو أمية الطرسوسي عن يعلى قال أثرم سألت أبا عبد الله عن يعلى ومحمد وعمر فوثقهم وقال أبو جعفر بن أبي شيبة سألت بن معين عن بني عبيد الثلاثة فوثقهم وقال اثبتهم يعلى وقال محمد بن عبد الله بن عمار كلهم ثبت قال واحفظهم يعلى وأبصرهم بالحديث محمد الأحدب وعمر شيخهم وقال يعقوب السدوسي محمد بن عبيد مولى لأياد مكث ببغداد دهرا ثم رجع إلى الكوفة فمات بها سنة أربع ومائتين وكان ممن يقدم عثمان وقل من يذهب إلى هذا من الكوفيين عامتهم يقدم عليا أو يقف عند عثمان وعلي سمعت على بن المديني وذكر محمد بن عبيد فقال كان كيسا وقال العجلي كوفي ثقة كان حديثه أربعة آلاف يحفظها قال بن سعد ثقة كثير الحديث صاحب سنة مات سنة أربع وقال خليفة ومطين سنة خمس ومائتين رحمه الله تعالى. معرفة الثقات لابن حبان : محمد بن عبيد الطنافسي يكنى أبا عبد الله أحدب كوفي ثقة وكنا عثمانيا وكان حديثه أربعة آلاف يحفظها. وفي الجرح والتعديل للرازي قال : وكان يظهر السنة. وقال في تهذيب الكمال : انتقل من الكوفة فنزل بغداد فمكث بها دهرا ثم رجع إلى الكوفة فمات بها قبل أخيه يعلى في سنة أربع ومئتين في خلافة المأمون وكان من الكوفيين ممن يقدم عثمان على علي وقل من يذهب إلى هذا من الكوفيين عامتهم يقدم عليا على عثمان أو يقف عند عثمان وعلي سمعت علي بن المديني وذكر محمد بن عبيد فقال كان كيسا وقال محمد بن سعد نزل بغداد دهرا ثم رجع إلى الكوفة فمات قبل يعلى في سنة أربع ومئتين في خلافة المأمون وكان ثقة كثير الحديث وكان صاحب سنة وجماعة. وكذلك في الطبقات الكبرى لابن سعد.

٤٤٥

فبينا الحسن بالمدائن إذ نادى مناد في عسكره ألا إن قيس بن سعد قد قتل قال فشدالناس على حجرة الحسن فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره وطعنه رجل من بني أسد يقال له بن اقيصر بخنجر مسموم في أليته فتحول من مكانه الذي انتهبت فيه متاعه ونزل الأبيض قصر كسرى.

وقال عليكم لعنة من أهل قرية فقد علمت أن لا خير فيكم قتلتم أبي بالأمس واليوم تفعلون بي هذا.

ثم دعا عمرو بن سلمة الارحبي فأرسله وكتب معه إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله الصلح ويسلم له الأمر على أن يسلم له ثلاث خصال يسلم له بيت المال فيقضي منه دينه ومواعيده التي عليه ويتحمل منه هو ومن معه من عيال أبيه وولده وأهل بيته ولا يسب علي وهو يسمع وأن يحمل إليه خراج فسا ودرابجرد من أرض فارس كل عام إلى المدينة ما بقي فأجابه معاوية إلى ذلك وأعطاه ما سأل.

قال (ابن سعد) : ووفي معاوية للحسن ببيت المال وكان فيه يومئذ سبعة آلاف ألف درهم فاحتملها الحسن وتجهز بها هو وأهل بيته إلى المدينة. وكف معاوية عن سب علي والحسن يسمع ودس معاوية إلى أهل البصرة فطردوا وكيل الحسن وقالوا لا نحمل فيئنا إلى غيرنا يعنون خراج فسا ودرابجرد.

فأجرى معاوية على الحسن كل سنة ألف ألف درهم.

وعاش الحسن بعد ذلك عشر سنين.(١)

روايات عبد الله بن بكر السهمي البصري (٢٠٨ هـ)

قال محمد بن سعد وأخبرنا عبد الله بن بكر السهمي(٢) قال حدثنا حاتم بن أبي

__________________

(١) المزي ،تهذيب الكمال ج ٦ ص ٢٤٥ ، وفي تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ترجمة الحسن قال محمد بن سعد قال ابو عبيد عن مجالد عن الشعبي ولعله تصحيف.

(٢) الذهبي ،تذكرة الحفاظ : ع عبد الله بن بكر الحافظ الصادق أبو وهب السهمي البصري نزيل بغداد سمع أباه بكر بن حبيب وحميد الطويل وابن عون وهشام بن حسان وحاتم بن أبي صغيرة وعنه أحمد بن حنبل وابن أبي شيبة وابن المديني وعبد الله بن منير المروزي والحارث بن أبي أسامة ومحمد بن الفرج الأزرق وخلق وثقه أحمد وجماعة وكان رأسا في الحديث والفقه وكان أبوهمن كبار أئمة

٤٤٦

صغيرة (البصري) عن عمرو بن دينار أن معاوية كان يعلم أن الحسن كان أكره الناس للفتنة فلما توفي علي بعث إلى الحسن فأصلح الذي بينه وبينه سرا وأعطاه معاوية عهدا إن حدث به حدث والحسن حي ليسمينه وليجعلن هذا الأمر إليه فلما توقف منه الحسن ، قال عبد الله بن جعفر والله إني لجالس عند الحسن إذ أخذت لأقوم فجذب ثوبي وقال يا هناه اجلس فجلست قال إني قد رأيت رأيا وإني أحب أن تتابعني عليه قال قلت ما هو قال قد رأيت أن أعمد إلى المدينة فأنزلها وأخلي بين معاوية وبين هذا الحديث فقد طالت الفتنة وسفككت فيها الدماء وقطعت فيها الأرحام وقطعت السبل وعطلت الفروج يعني الثغور فقال بن جعفر جزاك الله عن أمة محمد خيرا فأنا معك وعلى هذا الحديث فقال الحسن ادع لي الحسين فبعث إلى حسين فأتاه فقال أي أخي إني قد رأيت رأيا وإني أحب أن تتابعني عليه قال : ما هو؟ فقص عليه الذي قال لابن جعفر :

قال الحسين أعيذك بالله أن تكذب عليا في قبره وتصدق معاوية فقال الحسن والله ما أردت أمرا قط إلا خالفتني إلى غيره والله لقد هممت أن أقذفك في بيت فاطينه عليك حتى أقضي أمري فلما رأى الحسين غضبه قال أنت أكبر ولد علي وأنت خليفته وأمرنا لأمرك تبع فافعل ما بدا لك.(١)

وتلحق بهذه الروايات الموضوعة :

روايات جميع بن عمر توفي بحدود المائتين

قال المزي قال جميع بن عمر عن مجالد بن سعيد(٢) عن طحرب العجلي عن الحسن

__________________

العربية عاش عبد الله بضعا وثمانين سنة ومات في أول سنة ثمان ومائتين أخبرنا بن أبي عمر وابن علان والفخر علي والقطب أحمد بن عبد السلام كتابة قالوا أنا عمر بن طبرزد أنا بن الحصين أنا بن غيلان أنا أبو بكر الشافعي نا علي بن الحسن بن عبدويه الخزاز سنة سبع وسبعين ومائتين نا عبد الله بن بكر نا حميد عن أنس قال كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في طريق ومعه أناس من أصحابه فعرضت له امرأة فقالت يا رسول الله لي إليك حاجة فقال يا أم فلان اجلسي في أدنى نواحي السكك حتى اجلس إليك ففعلت فجلس إليها حتى قضت حاجتها.

(١) تاريخ مدينة دمشق ترجمة الحسن.

(٢) قال ابن سعد في الطبقات ج ٦ : مجالد بن سعيد الهمداني ويكنى ابا عمير توفي سنة ١٤٤ هـ في خلافة

٤٤٧

قال : لا أقاتل بعد رؤيا رأتها رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واضعا يده على العرض ورأيت أبا بكر واضعا يده على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ورأيت عمر واضعا يده على أبي بكر ورأيت عثمان واضعا يده على عمر ورأيت دماء دونهم فقيل ذا دم عثمان يطلب الله به.(١)

رواية المقدسي في البدء والتاريخ ت ٥٠٧ هـ

وقال المقدسي في البدء والتاريخ : «أنَّهعليه‌السلام كان أرخى ستره على مائتي حرة».(٢)

روايات ابن كثير في البداية والنهاية

روى ابن كثير عن أبي بكر الخرائطي الشامي ت ٣٢٥ هـ في كتابه مكارم الأخلاق عن القواريري (٣٢٥ هـ) نا عبد الأعلى عن هشام بن حسان (ت ١٤٨ هـ) عن محمد بن سيرين قال تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم.(٣)

وروى أيضا عن أبي علي الحداد أنا أبو نعيم ، نا سليمان بن احمد نا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرازق عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه عن الحسن بن سعد عن أبيه قال متع الحسن بن علي امرأتين بعشرين ألف درهم وزقاق من عسل فقالت إحداهما / واراها الحنفية / متاع قليل من حبيب مفارق فأخبر الرسول الحسن بن علي فبكى وقال لولا أني سمعت أبي يحدث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم جدي انه قال من طلق امرأته ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره لراجعتها.(٤)

__________________

ابي جعفر وكان ضعيفا في الحديث ، وقال العقيلي في الضعفاء ج ٤ ص ٢٣٤ عن ابي سعيد الاشج قال ذكر رجل عثمان عند مجالد بن سعيد فقال مجالد لغلامه جره واطرحه في البئر. قال ابن حبان في المجروحين ج ٣ ص ١٠ كان مجالد رديء الحفظ يقلب الاسانيد ويرفع المراسيل لا يجوز الاحتجاج به.

(١) المزي ،تهذيب الكمال ، ج ٦ ص ٢٤٩ وج ٣٩ ص ٤٨٤.

(٢) المقدسي ،البدء والتاريخ ج ٢ ص ١٤٥.

(٣) ابن كثير ،البداية والنهاية ج ٨ ص ٣٨ ، ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ١٤ ص ٧٨. المزي ،تهذيب الكمال ج ٢ ص ٥٩٢.

(٤) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ١٣ ص ٢٥٠. وابن كثير ،البداية والنهاية ج ٢ ص ٣٨.

٤٤٨

وروى أيضا عن غندر نا شعبة قال سمعت أبا إسحاق يحدث انه سمع معد كرب يحدث ان عليا مرَّ على قوم مجتمعين ورجل يحدثهم فقال من هذا قالوا الحسن فقال طحن ابل لم تعوَّد طحنا.(١)

وروى ابن عساكر عن عمرو بن أبي قيس عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة قال كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي فلما قتل علي قالت لتهنئك الخلافة قال لقتل علي تظهرين الشماتة اذهبي فأنت طالق ثلاثا قال فتلفعت بثيابها فلما جاءها الرسول قالت متاع قليل من حبيب مفارق فلما بلغه قولها بكى ثم قال لولا أني سمعت جدي أو حدثني أبي أنه سمع جدي يقول : ايما رجل طلق امرأته ثلاثا عند الاقراء أو ثلاثا مبهمة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره لراجعتها.(٢)

وروى أيضا عن محمد بن عمر نا عبد الرحمن بن أبي الموال (ت ١٧٣ هـ) قال سمعت عبد الله بن حسن يقول كان حسن بن علي قل ما يفارقه اربه حرائر وكان صاحب ضرائر وكانت عنده ابنة منظور بن سيارالفزاري وعنده امرأة من بني أسد من آل حزيمفطلقهما وبعث إلى كل واحدة منهما بعشرة آلاف درهم وزقاق من عسل متعة وقال لرسوله يسار بن سعيد بن يسار وهو مولاه احفظ ما يقولان لك فقالت الفزارية : بارك الله فيه وجزاه خيرا وقالت الاسدية متاع قليل من حبيب مفارق فرجع فأخبره فراجع الاسدية وترك الفزارية.(٣)

أقول : ليس من شك ان الشيعة انطلاقا من ايمانهم بعصمة الامام الحسن لا يسلمون بصحة هذه الروايات ، وهي بميزان الرؤية الجديدة نموذج للاعلام العباسي ضد الحسن نكاية بذريته الثائرة ضد الحكم العباسي.

__________________

(١) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ، ترجمة الحسن ج ٤ ص ٨٦.

(٢) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ١٤ ص ٧٩.

(٣) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ١٤ ص ٧٧. والمزي ،تهذيب الكمال ج ٢ ص ٥٩٢. وابن كثير ،البداية والنهاية ، ج ٨ ص ٣٨.

٤٤٩

الباب الثالث / الفصل الثامن

ملاحظات نقدية حول رواية البخاري في الصلح وشرح ابن حجر لها

رواية البخاري في قصة صلح الحسن عليه‌السلام

حدثنا عبد الله بن محمّد (المسندي) حدثنا سفيان (بن عيينة) عن أبي موسى (إسرائيل بن موسى البصري) قال سمعت الحسن (البصري) يقول : استقبل والله الحسن بن عليّ معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص إني لأرى كتائب لا تولّي حتى تقتل أقرانها فقال له معاوية وكان والله خير الرّجلين أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء من لي بأمور الناس من لي بنسائهم من لي بضيعتهم (في نسخة أخرى بصبيتهم) فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس عبد الرحمن بن سمرة (بن حبيب بن عبد شمس) وعبد الله بن عامر بن كريز (بن عبد شمس) فقال اذهبا إلى هذا الرّجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه فأتياه فدخلا عليه فتكلّما وقالا له فطلبا إليه فقال لهما الحسن بن عليّ إنّا بنو عبد المطّلب قد أصبنا من هذا المال وإنّ هذه الأمّة قد عاثت في دمائها قالا فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك قال فمن لي بهذا قالا نحن لك به فما سألهما شيئا إلا قالا نحن لك به فصالحه.

فقال الحسن (البصري) ولقد سمعت أبا بكرة يقول رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر والحسن بن عليّ إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرّة وعليه أخرى ويقول إنّ ابني هذا

٤٥٠

سيّد ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين قال لي عليّ بن عبد الله إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث(١) .

البخاري حدثنا عليّ بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا إسرائيل أبو موسى ولقيته بالكوفة جاء إليّ بن شبرمة فقال أدخلني على عيسى فأعظه فكأنّ بن شبرمة خاف عليه فلم يفعل.

قال حدثنا الحسن قال لمّا سار الحسن بن عليّرضي‌الله‌عنهما إلى معاوية بالكتائب قال عمرو بن العاص لمعاوية أرى كتيبة لا تولّي حتى تدبر أخراها قال معاوية من لذراريّ المسلمين فقال أنا فقال عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن سمرة نلقاه فنقول له الصّلح.

قال الحسن : ولقد سمعت أبا بكرة قال بينا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يخطب جاء الحسن فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ابني هذا سيّد ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين(٢) .

شرح ابن حجر لرواية البخاري مع

ملاحظاتنا عليه

قال ابن حجر :

قوله (باب قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم للحسن بن علي ان ابني هذا لسيد)

في رواية المروزي والكشميهني سيد بغيرلام وكذا لهم في مثل هذه الجمة في كتاب الصلح وبحذف (ان) وساق المتن هناك بلفظ ان ابني هذا سيد وساقه هنا بحذفها وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية سبعة أنفس عن سفيان بن عيينة وبيَّن اختلاف ألفاظهم.

قوله (حدثنا إسرائيل أبو موسى) هي كنية إسرائيل واسم أبيه موسى فهو ممن وافقت كنيته اسأبيه فيؤمَن فيه من التصحيف وهو بصري كان يسافر في التجارة إلى الهند وأقام بها مدة.

قوله (ولقيته بالكوفة) قائل ذلك هو سفيان بن عيينة والجملة حالية.

__________________

(١) البخاريالجامع الصحيح ج ٣ ص ١٧٠.

(٢) البخاريالجامع الصحيح ج ٨ ص ٩٩.

٤٥١

قوله (وجاء إلى ابن شبرمة) هو عبد الله قاضي الكوفة في خلافة أبي جعفر المنصور ومات في خلافته سنة أربع وأربعين ومائة وكان صارما عفيفا ثقة فقيها.

قوله (فقال أدخلني علعيسى فأعظه) بفتح الهمزة وكسر العين المهملة وفتح الظاء المشالة من الوعظ ، وعيسىهو ابن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن أخي المنصور وكان أميرا على الكوفة إذ ذاك.

(قوله فكأنَّ) بالتشديد (ابن شبرمة خاف عليه) أي على إسرائيل (فلم يفعل) أي فلم يدخله على عيسى بن موسى ولعل سبب خوفه عليه انه كان صادعا بالحق فخشى انه لا يتلطف بعيسى فيبطش به لما عنده من غِرة الشباب وغرة الملك. وكانت وفاة عيسى المذكور في خلافة المهدي سنة ثمان وستين ومائة.

قوله (لما سار الحسن بن علي إلى معاوية بالكتائب) ، في رواية عبد الله ابن محمد عن سفيان في كتاب الصلح استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال ، والكتائب بمثناة وآخره موحدة جمع كتيبة بوزن عظيمة وهي طائفة من الجيش تجتمع وهي فعلية بمعنى مفعولة لان أمير الجيش إذا رتبهم وجعل كل طائفة على حدة كتبهم في ديوانه كذلك ذكر ذلك ابن التين عن الداودي ومنه قيل مكتب بني فلان ، قال وقوله (أمثال الجبال) أي لا يُرى لها طرف لكثرتها كما لا يرى من قابل الجبل طرفه ، ويحتمل ان يريد شدة البأس.

وأشار الحسن البصري بهذه القصة إلى : ما اتفق بعد قتل عليرضي‌الله‌عنه ، وكان علي لما انقضى أمر التحكيم ورجع إلى الكوفة تجهز لقتال أهل الشام مرة بعد أخرى فشغله أمر الخوارج بالنهروان ، وذلك في سنة ثمان وثلاثين ثم تجهز في سنة تسع وثلاثين فلم يتهيأ ذلك ، لافتراق آراء أهل العراق عليه ، ثم وقع الجِدّ منه في ذلك في سنة أربعين فأخرج إسحاق من طريق عبد العزيز بن سياه (بكسر المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف) قال لما خرج الخوارج قام علي فقال أتسيرون إلى الشام أو ترجعون إلى هؤلاء الذين خلفوكم في دياركم قالوا بل نرجع إليهم فذكر قصة الخوارج قال فرجع علي إلى الكوفة فلما قتل واستخلف الحسن وصالح معاوية كتب إلى قيس بن سعد بذلك فرجع عن قتال معاوية.

٤٥٢

قال البدري :

قوله (افتراق آراء أهل العراق عليه) يريد انقسام جيش علي بعد رجوعهم من صفين إلى فرقتين فرقة تخطئ عليا وهم الذين انتهوا إلى تكفير علي وطلبهم ان يعترف بكفره ويتوب منه وأخرى تصوبه ، وقد تحملهم علي في بادئ الأمر لان مجرد تخطئة الحاكم ونقده لا يوجب قتالهم ولا عقوبتهم حتى رفعوا السلاح وافسدوا وقتلوا عبد الله بن خبابرضي‌الله‌عنه ، اقدم على قتالهم بعد ان وعظهم ورجع منهم ألفان أو اكثر.

قال ابن حجر :

وأخرج الطبري بسند صحيح عن يونس بن يزيد عن الزهري قال جعل علي على مقدمة أهل العراق قيس بن سعد بن عبادة وكانوا أربعين ألفا بايعوه على الموت ، فقتل علي فبايعوا الحسن بن علي بالخلافة وكان لا يحب القتال ولكن كان يريد أن يشترط على معاوية لنفسه فعرف ان قيس بن سعد لا يطاوعه على الصلح فنزعه وأمر عبد الله بن عباس فاشترط لنفسه كما اشترط الحسن.

قال البدري :

الجزء الأول من الرواية صحيح على انه توجد رواية أخرى انه بايعه ستون الفا وان معه مائة ألف سيف ، اما الجزء الآخر فيما يرتبط بالحسنعليه‌السلام فهو كذب ولم يعزل قيسا ، والخلل في الرواية منحصر بالزهري وتلميذيه الاول يونس بن يزيد الايلي ت ١٥٩ ـ ١٦٠ هـ ، قال محمد بن سعد حديثه حلو ربما جاء بالشيء المنكر. الثاني معمر الصنعاني وسيأتي الحديث عنه.

قال ابن حجر :

وأخرج الطبري والطبراني من طريق إسماعيل بن راشد قال بعث الحسن قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر ألفا يعني من الأربعين فسار قيس إلى جهة الشام وكان معاوية لما بلغه قتل علي خرج في عساكر من الشام وخرج الحسن بن علي حتى نزل المدائن فوصل معاوية إلى مسكن.

وقال ابن بطال ذكر أهل العلم بالاخبار ان عليا لما قتل سار معاوية يريد العراق

٤٥٣

وسار الحسن يريد الشام فالتقيا بمنزل من ارض الكوفة فنظر الحسن إلى كثرة من معه فنادى يا معاوية اني اخترت ما عند الله فان يكن هذا الأمر لك فلا ينبغي لي ان أنازعك فيه وان يكن لي فقد تركته لك فكبر أصحاب معاوية وقال المغيرة عند ذلك أشهد اني سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول إن ابني هذا سيد الحديث وقال في آخره فجزاك الله عن المسلمين خيرا انتهى.

قال ابن حجر وفي صحة هذا نظر من أوجه :

الأول ان المحفوظ ان معاوية هو الذي بدأ بطلب الصلح كما في حديث الباب.

الثاني ان الحسن ومعاوية لم يتلاقيا بالعسكرين حتى يمكن ان يتخاطبا وإنما تراسلا ، فيحمل قوله فنادى يا معاوية على المراسلة ويجمع بأن الحسن راسل معاوية بذلك سرا فراسله معاوية جهرا.

والمحفوظ ان كلام الحسن الأخير انما وقع بعد الصلح والاجتماع كما أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي في الدلائل من طريقه ومن طريق غيره بسندهما إلى الشعبي قال لما صالح الحسن بن علي معاوية قال له معاوية قم فتكلم فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اما بعد فان أكيس الكيس التقى وان أعجز العجز الفجور الا وان هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حق لامرئ كان أحق به مني أو حق لي تركته لإرادة إصلاح المسلمين وحقن دمائهم وان أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ثم استغفر ونزل.

وأخرج يعقوب بن سفيان ومن طريقه أيضا البيهقي في الدلائل من طريق الزهري فذكر القصة وفيها فخطب معاوية ثم قال قم يا حسن فكلم الناس فتشهد ثم قال أيها الناس ان الله هداكم بأولنا وحقن دمائكم بآخرنا وان لهذا الأمر مدة والدنيا دول وذكر بقية الحديث

الثالث ان الحديث لأبي بكرة لا للمغيرة لكن الجمع ممكن بأن يكون المغيرة حدث به عندما سمع مراسلة الحسن بالصلح وحدث به أبو بكرة بعد ذلك وقد روى أصل الحديث جابر أورده الطبراني والبيهقي في الدلائل من فوائد يحيى بن معين بسند صحيح إلى جابر وأورده الضياء في الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين وعجبت للحاكم في عدم استدراكه مع شدة حرصه على مثله.

٤٥٤

قال البدري :

مناقشة ابن حجر لما ذكره ابن بطال صحيحة ، الا فيما يتعلق بطلب معاوية من الحسنعليه‌السلام ان يخطب وما ذكره من كلام الحسنعليه‌السلام ، فان جزءا منه وهو قوله (ان الله هداكم بأولنا) ويريد به محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هداهم من ضلاله الكفر ، اما قوله حقن دماءكم باخرنا ، فان الحسن ليس آخر أهل البيت ، مضافا إلى ما نسب إليه من قولهعليه‌السلام : (وان هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حق لامرئ كان أحق به مني أو حق لي) فان هذا الترديد من الحسن إذا حملنا على قوله تعالى سبأ / ٢٤ ، فهو صحيح ، والا فهو ليس صادقا في حق الحسن لأنه على يقين من أمره ومن مشروعية حكمه في قبال بطلان بيعة أهل الشام لمعاوية ، ومهما يكن من أمر فان الذيتذكره الروايات من طلب معاوية ان يخطب في أهل الكوفة بعد ما ابرم الصلح أمر غير وارد تماما ، لان قضية الصلح والشروط قد وضحها الحسن لشعبه قبل ان يوضحها لمعاوية وهو من طبيعة الأشياء لان الحسن ليس ديكتاتورا مع شعبه والقضية تتعلق بمصيرهم كشعب وبمشروععلي الإحيائي لسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي تحملوا نصرته.

قال ابن حجر :

قال ابن بطال : سلم الحسن لمعاوية الأمر وبايعه على إقامة كتاب الله وسنة نبيه. ودخل معاوية الكوفة وبايعه الناس فسميت سنة الجماعة لاجتماع الناس وانقطاع الحرب وبايع معاوية كل من كان معتزلا للقتال كابن عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وأجاز معاوية الحسن بثلاثمائة ألف وألف ثوب وثلاثين عبدا ومائة جمل وانصرف إلى المدينة وولى معاوية الكوفة المغيرة بن شعبة والبصرة عبد الله بن عامر ورجع إلى دشق.

قال البدري :

قوله (واجاز معاوية الحسن بثلاثمائة ألف الخ) هي صيغة أخرى من رواية سفيان بن عيينة موضع البحث ، قال الحاكم النيسابوري حدثنا أبو بكرمحمد بن

٤٥٥

إسحاق وعلي بن حمشاد قالا ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا أبو موسى قال سمعت الحسن يقول استقبل الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص والله إني لأرى كتائب لا تولى أو تقتل أقرانها فقال معاوية وكان خير الرجلين أرأيت إن قتل هؤلاء هؤلاء من لي بدمائهم من لي بأمورهم من لي بنسائهم قال فبعث معاوية عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس قال سفيان وكانت له صحبة فصالح الحسن معاوية وسلم الأمر له وبايعه بالخلافة على شروط ووثائق وحمل معاوية إلى الحسن مالا عظيما يقال خمس مائة ألف ألف درهم وذلك في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وإنما كان ولي قبل أن يسلم الأمر لمعاوية سبعة أشهر وأحد عشر يوما(١) .

رجع الكلام إلى ابن حجر في شرح الرواية :

قوله (قال عمرو بن العاص لمعاوية أرى كتيبة لا تولى) بالتشديد أي لا تدبر (قوله حتى تدبر أخراها) وفي رواية عبد الله بن محمد في الصلح اني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها.

قوله (قال معاوية من لذراري المسلمين) أي من يكفلهم إذا قتل آباؤهم. زاد في (كتاب) الصلح (فقال له معاوية وكان والله خير الرجلين يعني معاوية أي عمروان قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس من لي بنسائهم من لي بضيعتهم) يشير إلى أن رجال العسكرين معظم من في الإقليمين فإذا قتلوا ضاع أمر الناس وفسد حال أهلهم بعدهم وذراريهم والمراد بقوله ضيعتهم الأطفال والضعفاء سموا باسم ما يؤول إليه أمرهم لأنهم إذا تركوا ضاعوا لعدم استقلالهم بأمر المعاش ، وفي رواية الحميدي عن سفيان في هذه القصة من لي بأمورهم من لي بدمائهم من لي بنسائهم واما قوله هنا في جواب قول معاوية من لذراري المسلمين فقال أنا فظاهره يومهم ان المجيب بذلك هو عمرو بن العاص ولم أر في طرق الخبر ما يدل على ذلك فإن كانت محفوظة فلعلها كانت فقال اني بتشديد النون المفتوحة قالها عمرو على سبيل الاستبعاد.

__________________

(١) الحاكم النيسابوري ، المستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ١٩١.

٤٥٦

قال ابن حجر :

وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن معمرعن الزهري قال : وكان قيس بن سعد بن عبادة على مقدمة الحسن بن علي فأرسل إليه معاوية سجلا قد ختم في أسفله فقال أكتب فيه ما تريد فهو لك فقال له عمرو بن العاص بل نقاتله فقال معاوية وكان خير الرجلين على رسلك يا أبا عبد الله لا تخلص إلى قتل هؤلاء حتى يقتل عددهم من أهل الشام فما خير الحياة بعد ذلك واني والله لا أقاتل حتى لا أجد من القتال بدا).

قال البدري :

قوله (فأرسل إليه معاوية سجلا قد ختم في أسفله فقال أكتب فيه ما تريد فهو لك) هذا القول من معاوية إلى قيس بن سعد ،

ونحن نورد المقطع كاملا من رواية معمر عن الزهري فيما يخص الصلح هو قوله : (واستخلف أهل العراق الحسن بن علي على الخلافة وكان الحسن لا يريد القتال ولكنه كان يريد أن يأخذ لنفسه ما استطاع من معاوية ثم يدخل في الجماعة ويبايع ، فعرف الحسن أن قيس بن سعد لا يوافقه على ذلك فنزعه وأمر مكانه عبيد الله بن العباس فلما عرف عبيد الله بن العباس الذي يريد الحسن أن يأخذ لنفسه كتب عبيد الله إلى معاوية يسأله الآمان ويشترط لنفسه على الاموال التي أصاب فشرط ذلك معاوية له وبعث إليه ابن عامر في خيل عظيمة فخرج إليهم عبيد الله ليلا حتى لحق بهم وترك جنده الذين هو عليهم لا أمير لهم ومعهم قيس بن سعد فأمرت شرطة الخمسين قيس بن سعد وتعاهدوا وتعاقدوا على قتال معاوية وعمرو بن العاص حتى يشترط لشيعة علي ولمن كان اتبعه على أموالهم ودمائهم وما أصابوا من الفتنة فخلص معاوية حين فرغ من عبيد الله والحسن إلى مكايدة رجل هو أهم الناس عنده مكيدة وعنده أربعون ألفا فنزل بهم معاوية وعمرو وأهل الشام أربعين ليلة يرسل معاوية إلى قيس ويذكره الله ويقول على طاعة من تقاتلني ويقول قد بايعني الذي تقاتل على طاعته فأبى قيس أن يقر له حتى أرسل معاوية بسجل قد ختم له في اسفله فقال أكتب في هذا السجل فما كتبت فهو لك فقال عمرو لمعاوية لا تعطه هذا وقاتله فقال معاوية وكان خير الرجلين على رسلك يا أبا عبد الله فإنا لن نخلص إلى قتل هؤلاء حتى يقتل عددهم من

٤٥٧

أهل الشام فما خير الحياة بعد ذلك وأني والله لا أقاتله حتى لا أجد من ذلك بدا فلما بعث إليه معاوية بذلك السجل اشترط قيسبن سعد لنفسه ولشيعة علي الأمان على ما أصابوا من الدماء والأموال ولم يسأل معاوية في ذلك مالا فأعطاه معاوية ما اشترط عليه ودخل قيس ومن معه في الجماعة)(١) .

أقول : هذه الرواية رواها أيضا الطبري(٢) عن يونس الايلي عن الزهري. والزهري غير مأمون في الحديث أساسا عن تاريخ مع بني أمية والذي انفردت به رواية الزهري برواية من لا يتهم في روايته عنه ، هو : ان الذي طلب الأمان للشيعة قيس بن سعد وليس الحسنعليه‌السلام الذي طلب الاموال لنفسه!!! وبالتالي فان بلاءها منحصر بالزهري عالم البلاط الأموي وتبنى تلميذاه معمر بن راشد(٣) ويونس الايلي روايتها تلبية لرغبة

__________________

(١) عبدالرزاق الصنعاني ، لمصنف ج ٥ ص ٤٦١ ـ ٤٦٣.

(٢) الطبري تاريخ الامم والملوك ٤ / ١٢٥.

(٣) معمر بن راشد مولى الأزد يقال كان مملوكا لقوم ينزلون طاحية توفي سنة ثلاث وخمسين ومائة في رمضان وكان يكنى أبا عروة (ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٥٩ ص ٣٩٥) ويروي أبو بكر محمد بن محمد بن رجاء قال معمر بن راشد كان بالبصرة وكان تاجرا يختلف إلى الشام فوافى آل مروان ولهم وليمة وعرس فاستعاروا منه متاعا لعرسهم فأعارهم فلما انقضى عرسهم برّوه قال إنما أنا عبد ، وكلما بررتموني به فهو لمولاي ، ولكن كلموا هذا الرجل يحدثني يعني الزهري فكلموه فحدثه. وعن ابن عائشة نا عبد الواحد بن زياد قال قلت لمعمر كيف سمعت من ابن شهاب قال كنت مملوكا لقوم من طاحية فأرسلوني ببز أبيعه فقدمت المدينة فنزلت دارا فرأيت شيخا والناس يعرضون عليه العلم فعرضت عليه معهم (ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٥٩ ص ٣٩٣) ،أقول : والرواية الأولى هي الصحيحة لان معمر التقى الزهري في الرصافة. فقد روى ابن عساكر عن عثمان ابن أحمد نا حنبل بن إسحاق حدثني أبو عبد الله نا عبد الرزاق قال قال معمر كنت جئت الزهري بالرصافة فجعل يلقي عليَّ. (ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ٥٩ ص ٣٩٣) قال السمعاني ج ٣ ص ٧١ (الرصافة وهي بلدة بالشام كان ينزلها هشام بن عبد الملك فنسب البلد إليه فيقال : رصافة هشام ، والمشهور بهذه النسبة أبو محمد حجاج بن يوسف بن أبي منيع ـ واسمه عبد الله بن أبي زياد الرصافي قام أبو حاتم بن حبان : هو من أهل الشام ، سكن حلب ، يروي عن جده عبيد الله بن أبي زياد عن الزهري ، روى عنه الحسين بن الحسن المروزي وأيوب بن محمد الوزان. وأبو أحمد عبيد الله بن أبي زياد الرصافي ، يروى عن ابن شهاب الزهري) ، ومنذ اتصاله بالزهري وهو آنذاك دون الخامسة والعشرين من العمر على اكثر تقدير ، اختص بالزهري وهو في أخريات عمره وبرز اسمه قال عن حماد بن سلمة قال لما رحل معمر إلى الزهري نبل وكنا نسميه معمر الزهري ، (ابن عساكر / تاريخ مدينة دمشق ج ٥٩ /). روى عبد الرزاق عن ابن عيينة قال كنت جالسا عند سعيد بن أبي عروبة (ت هـ) فحدث بحديث عن معمر قال لقد رفعنا معمر كم هذا أخذنا عنه) ، وفي رواية

٤٥٨

خلفاء بني العباس في تشويه الحسنعليه‌السلام .

رجع الحديث إلى شرح ابن حجر :

قوله (فقال عبد الله بن عامر) هو بن كريز بن عبد شمس).

(وعبد الرحمن بن سمرة) هو ابن حبيب بن عبد شمس).

قوله (نلقاه فنقول له الصلح) أي نشير عليه بالصلح وهذا ظاهره انهما بدآ بذلك والذي تقدم في كتاب الصلح ان معاوية هو الذي بعثهما فيمكن الجمع بأنهما عرضا أنفسهما فوافقهما ولفطه هناك. (فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس) أي ابن عبد مناف بن قصي (عبد الرحمن بن سمرة) زاد الحميدي في مسنده عن سفيان (بن حبيب بن عبد شمس) قال سفيان وكانت له صحبة.

(وبنو حبيب بن عبد شمس بنو عم بني أمية بن عبد شمس ومعاوية هو ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية)

(فقال معاوية اذهبا إلى هذا الرجل فأعرضا عليه) أي ما شاء من المال.

(وقولا له) أي في حقن دماء المسلمين بالصلح.

(واطلبا إليه) أي اطلبا منه خلعه نفسه من الخلافة وتسليم الأمر لمعاوية وابذلا له في مقابله ذلك ما شاء.

(قال فقال لهما الحسن بن علي إنّا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وان هذه الأمة قد عاثت في دمائها ، قالا فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك قال فمن لي بهذا قالا نحن لك به فما سألهما شيئا الا قالا نحن لك به فصالحه).

قال ابن بطال : هذا يدل على أن معاوية كان هو الراغب في الصلح وأنه عرض على الحسن المال ورغَّبه فيه وحثَّه على رفع السيف وذكره ما وعده به جدهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من سيادته في الإصلاح به ، فقال له الحسن إنّا بنو عبد المطلب (أصبنا من هذا المال) أي أنا جُبِلنا على الكرم والتوسعة على اتباعنا من الأهل والموالي وكنا

__________________

قال معمرا روينا عنه وهو حدث قال سفيان قلت أنت شرفته الله شرفه) (ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ٥٩ ص ٤٠٣)أقول : اقل ما تفيده الرواية ان معمر بن راشد وسفيان بن عيينة كانا يدا واحدة في المنهج فضلا عن تلمذتهما الخاصة على الزهري.

٤٥٩

نتمكن من ذلك بالخلافة حتى صار ذلك لنا عادة.

وقوله (أن هذه الأمة) أي العسكرين الشامي والعراقي.

قوله (قد عاثت) بالمثلثة أي قتل بعضها بعضا فلا يكفون عن ذلك الال بالصفح عما مضى منهم والتألف بالمال وأراد الحسن بذلك كله تسكين الفتنة وتفرقة المال على من لا يرضيه الا المال فوافقاه على ما شرط من جميع ذلك والتزما له من المال في كل عام والثياب والأقوات ما يحتاج إليه لكل من ذكر.

قال البدري :

كلام ابن بطال في تفرقة المال على من لا يرضيه الا المال كلام باطل ، لأنه الذين قتلوا زمن أبيه علي كانوا شهداء وكانت اسرهم قد اجرى لها راتبا ، وقد اكد الحسن هذا الراتب في شروطه على معاوية بقوله ان يجرى في اسر قتلى صفين والجمل ،

وقوله (من لي بهذا) أي من يضمن لي الوفاء من معاوية فقالا نحن نضمن لان معاوية كان فوض لهما ذلك ويحتمل ان يكون قوله (أصبنا من هذا المال) أي فرقنا منه في حياة علي وبعده ما رأينا في ذلك صلاحا فنبه على ذلك خشية ان يرجع عليه بما تصرف فيه.

قال البدري : وهذا الكلام من ابن حجر اسوأ من كلام ابن بطال.

قال ابن حجر :

وفي رواية إسماعيل بن راشد عند الطبري فبعث إليه معاوية عبد الله بن عامر وعبد الله بن سمرة بن حبيب كذا قال عبد الله وكذا وقع عند الطبراني والذي في الصحيح (البخاري) أصح ولعل عبد الله كان مع أخيه عبد الرحمن قال فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء أشترطها.

ومن طريق عوانة بن الحكم نحوه وزاد وكان الحسن صالح معاوية على أن يجعل له ما في بيت مال الكوفة وأن يكون له خراج دار أبجرد.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611