الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي9%

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 611

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 177654 / تحميل: 7836
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

المرتبطة بهذا الجزء »(1) .

ويقول الفيلسوف اليوناني اشين(2) :

« الآن قد بلغت الشيخوخة ، كنت اتصور انني تعلمت ما كان عليّ ان اتعلمه ، ولم يبق شيء مجهول بالنسبة لي ، لكني ارىٰ انني لا افهم شيئاً ، فأنا اعجز عن ادراك وفهم الذرّة ، لكنني عندما شابّاً ورغم ان معلوماتي كانت قليلة ، كنت اتصور انني اعلم كل شيء ».

ويقول العالم الانجليزي المعروف اسحاق نيوتن(3) :

« كأنني طفل صغير يقف علىٰ ساحل بحر ، يرىٰ احياناً حجراً أو رملاً براقاً ، لكنَّ امامه بحراً عظيماً من المعرفة مجهولاً ».

ويقول احد فلاسفة بريطانيا المعروفين وهو ليدج(4) :

« ان الذي نعلمه حالياً ضئيل جداً مقابل ما يجب علينا معرفته ، لربما يردد هذه الكلمات البعض دون الايمان بها ، لكني اقولها مؤمناً بها تام الايمان ، والذين يرون العلم في المعلومات الحالية فقط ، هم في الحقيقة خانوا اولئك الذين ناضلوا في سبيل المعرفة ».

________________

(1) تكامل علم الفيزياء ، ص 266.

(2) Echin

(3) Nivoton ، الدكتور اراني أيضاً قال بذلك ، لكنه أخذه من نيوتن.

(4) Ledeg

٢١

لا أعلم

يقول الدكتور الكسيس كارل(1) :

( لم تتطوّر العلوم التي تتحدث عن الكائن الحيّ بشكل عام وعن الانسان علىٰ نحو خاص كثيراً ، ولا زالت في مرحلة الوصف ).

ويضيف في بحث آخر :

( مع ان البشرية بذلت جهوداً كبيرة لنفسها ، ومع اننا اليوم نرث خزائن من دراسات العلماء والفلاسفة والعرفاء والشعراء ، لكن معلوماتنا لا تزال ضئيلة ووليدة الأساليب العلمية التي اخترعناها نحن انفسنا ، ولا زالت حقيقة وجودنا مجهولة بين الاشباح التي صنعتها ايدينا ، والحقيقة ان جهلنا بانفسنا كبير ولا زالت نواح كثيرة من عالمنا الداخلي غير معروفة بالنسبة لنا ، كما لازالت اكثر التساؤلات التي يطرحها الباحثون في حياة الانسان متروكة دون جواب ).

ثم يطرح الدكتور كارل بعد ذلك تساؤلات لم يستطيع العلم المعاصر الاجابة عليها رغم تقدمه ، يقول الدكتور كارل :

( لا نزال نجهل كيفية ارتباط الاعمال النفسية بالخلايا المخية ، بل ولا زلنا نجهل الفيزيولوجيا الحقيقية لخلايا المخِّ ، فما هي حدود سيطرة الارادة علىٰ الجسم ؟ لا نعلم.

كيف يؤثر وضع الاعضاء على حالتنا النفسية ؟ لا نعلم.

ما هي العلاقة بين نمو العظام والعضلات واجزاء الجسم الاُخرىٰ بالنشاط

________________

(1) الانسان ذلك المجهول.

٢٢

النفسي والروحي ؟ لا نعلم.

وما هو العامل الذي يضمن توازن الجهاز العصبي ومقاومة الجسم امام الامراض والارهاق ؟

وما حجم الاهمية النسبية للنشاطات الفكرية والاخلاقية والجمالية والعرفانية في حياتنا ؟ لا نعلم ).

في النهاية وبعد طرحه للعديد من التساؤلات ، يقول :

( هذه والعديد من التساؤلات الاُخرىٰ التي يمكن طرحها علىٰ اساس القضايا التي تهتم بها الانسانية ولكن دون الاجابة عليها ).

بعد ذلك أيضاً يتحدّث الدكتور كارل في بحث آخر عن الفكر وتأثيره والعوامل المكونة له والقضايا المرتبطة به ويطرح تساؤلات اخرىٰ ، ثم يقول :

( هناك فلاسفة كبار في كل عصر وفي كل بلد ، صرفوا سنوات عمرهم لحلِّ هذه القضايا ، لكن أيّاً منهم لم يوفّق في حلِّ هذا اللغز ).

فيلسوف آخر من المعاصرين يقول في مقدمة كتاب له ، وبعد طرح سلسلة من التساؤلات الفلسفية المتنوعة :

( المسائل التي ذكرتها هي الموضوع في الفلسفة القديمة والجديدة ، الشرقية والغربية ، لقد ضلت هذه الافكار في مخيلة البشر منذ ظهورهم ، ومن اجل فهم هذا السرِّ استخدموا جميع الطرق من العقل والفكر والشعور والتجربة الىٰ الوهم والخيال في اليقظة والمنام ، لقد تجاوز عدد فلاسفة كل عصر عشرات بل مئات الآلاف اما وزن الكتب التي ألفوها فهو بالاطنان ، وقد بقيت منهم

٢٣

كلمات كثيرة ومتنوعة لا يمكن احصاؤها ، لكنهم يتفقون في واحدة ، وهي خلاصة وحصيلة جهودهم ، تلك الجملة هي : « لا نستطيع ان نفهم »(1) ).

أصدقائي الاعزاء !

اذا اردت ان انقل لكم نماذج من اعترافات اشهر العلماء فيما يتعلق بالمجهولات البشرية ، سوف احتاج الىٰ اطنان من الورق !

خلاصة الكلام ، فيما لو سألتم اعظم بروفسور أو فيلسوف أو افضل عالم في الكيمياء أو الفيزياء : هل هناك ما يجهله الانسان ولم يُحط به علماً ؟

بالتأكيد سوف يجيبكم مستهزئاً : ما هذا السؤال الساذج ؟ هذا سؤال الأطفال.

أيُّها السادة !

لكم الآن ان تحكموا : هذا العالم المليء بالالغاز والتعقيد ، العالم الذي يعترف كبار علمائه بالمجاهيل التي لا زال البشر لا يستطيع الوصول إليها ، كما انه لا يعرف متىٰ ستحلَّ بالنسبة له ، أليس بعيداً عن العقل والمنطق ، ان ننفي قانون مسلَّم جاء به الاسلام ، ذلك الدين المقدّس الذي لا يخفىٰ دوره في حياة الانسانية العلمي ، لمجرد إنّ أحد العلماء لم يستطيع فهمه أو انه لم يرَهُ مطابقاً

________________

(1) فيلسوفي الشرق والغرب.

٢٤

لبعض القواعد العلمية الناقصة أو بعض النظريات العلمية المعاصرة ؟!

رفيق السفر : من باب الانصاف ، الحق ما تقوله ، لكن ذلك بالنسبة للذين

يمتلكون عقلاً سليماً ، وليس لمجموعات تتحرك عقولها الناقصة بصعوبة في ضجيج الحضارة المعاصرة.

تأييد الجميع : لا يحق لأي شخص التدخل في أي عمل.

الشيخ : لا شك ان بلدنا فيه الكثير من المتعلمين والفضلاء والمتخصصين في شتىٰ المجالات ، لكن الطامّة الكبرىٰ هي ان الشخص الذي يتخصّص في احد الفروع العلمية ، يتصوّر عقله معياراً لجميع حقائق العالم ، لذلك تراه يتدخل باستعجال خاص في كل موضوع ويسمح لنفسه بالحكم فيه ! فإذا تخصّص شخص في مجال الطب وحاز علىٰ شهادة دكتوراه في الطب بعد اتمامه فترة الدراسة ، فإن بعضهم يتصوّر انه سيكون بالاضافة الىٰ انه طبيب جيد ، مهندساً وتاجراً وقاضياً ومجتهداً وسياسياً ومزارعاً و الخ ، جيداً أيضاً ، لذلك فهو يحاول حل مشكلة كلّ تخصص بعقله هو ، وإذا ما لم يستطع عقله حل تلك المشكلة أو فهمها. سوف ينفيها ولن يقبل بها ، غافلاً عن ضرورة الرجوع في كل الىٰ المتخصص فيها ، وانه لا يحق لأي شخص التدخل في اي مسألة.

خطأ اديسون(1)

يقول الدكتور الكسيس كارل ضمن احد المواضيع :

________________

(1) Edison

٢٥

« المتخصّص في مجال معين لا يحق له التدخل في مجال آخر لا يمت اليه بصلة ».

وفي موضع آخر يقول :

« العلماء الذين يمتازون علىٰ غيرهم بواسطة كشفياتهم واختراعاتهم ، يتصورون انهم متبحرون في سائر المجالات كما هو الحال في مجال تخصصهم ، علىٰ سبيل المثال ، « اديسون » احياناً كان يتحدث للناس عن الفلسفة والدين ويطرح نظريات في ذلك ، فكان الناس يستمعون باحترام الىٰ آرائه لاعتقادهم بتبحره في هذين المجالين ايضاً ، لانه كاشف ومخترع كبير.

وبهذا الشكل نرىٰ ان بعض العظماء الذين مهدوا السبيل لرقي وتقدم البشرية من خلال اختراعاتهم وعلومهم ، يصبحون من جهة اخرىٰ سداً امام ذلك التقدم عندما يتكلمون في مجالات ليست من اختصاصهم وليسوا ملمين بها جيداً »(1) .

اصدقائي الاعزاء !

في ضوء ما قلته ، اليس من العجيب ان تنظروا الىٰ الدين الاسلامي المقدس والملتزمين به نظرة تشاؤمية بهذا الشكل ؟! في حين وعلىٰ حدّ قولكم انكم لم تطالعوا علىٰ مدىٰ حياتكم كتاباً في التعاليم الدينية وكذلك لم تلتقوا بعالم دين ولا اي مسلم واع يحملان معلومات وافرة عن الاسلام.

________________

(1) الانسان ذلك المجهول.

٢٦

ورغم ذلك ، تنفرون من الاسلام وتحقدون عليه للحد الذي اغضبكم وجودي معكم لفترة يوم واحد في هذا القطار لأن مظهري يوحي بأني متدين ، بشكل اخذتم بالاستهزاء بي ، وعدم احترام شيبتي ، وصرتم تتهامسون وتتغامزون فيما بينكم ؟! فمرّة تشيرون الىٰ قبعة الصوف التي اضعها علىٰ رأسي ، واُخرىٰ تتضاحكون علىٰ لحيتي.

أيُّها السادة :

انا وكما تقولون رجعي ، أمّا أنتم المتربّون في أحضان الحضارة الغربية ، لماذا كل تلك التصرفات القبيحة وغير الصحيحة ، علىٰ رجل لم تكونوا تعرفونه ولا رأيتموه من قبل ولم يصدر منه ذنب أو خيانة ؟!

هل هذه الحضارة التي ابتلينا بها والتي لا تستطيع ان تربي ابناءها إلّا بهذا الشكل ؟!

رفاق السفر : كان لكلام الشيخ تأثير قوي في نفوسهم ، اخذ بعضهم ينظروا الىٰ بعض ويوافقون الشيخ كلامه ، واعتذر كل واحد منهم مباشرة من الشيخ بكلمات ودّ واحترام خجولة عمّا بدر منهم من قبل ، ثم قالوا : من دواعي سعادتنا ان نلتقي شخصاً عالماً مثلك ، نأمل ان نسعد ونستفيد من وجودك خلال هذه السفرة القصيرة ـ للأسف

ودار حديث بين رفقة السفر : قال أحد الرفاق :

اصدقائي ! أتصوّر انّنا اليوم اُتيحت لنا فرصة مناسبة ، بوجود هذا الشيخ

٢٧

العالم الذي يجب علينا احترامه ، للبحث والكلام الاسلام وقوانينه ، لكي نطلع علىٰ منطق الدين والمؤمنين به.

باقي الاصدقاء : أنّنا سعيدون باقتراحك هذا ، ونستقبله بكل شوق ، لان ما تحدث به الشيخ يظهر فضل هذا الرجل وسعة اطلاعه بالاسلام وغزارة علمه.

الشيخ : من دواعي الاعتزاز ان تحيطوني بكل هذا اللطف والود ، ولكن قبل البدء بالبحث ، ومن أجل تطبيق حكم الاسلام الاخلاقي في التعامل مع الاشخاص ، لابدّ من ان نتعرّف علىٰ بعضنا ، لكي نبدأ هذا البحث والمناظرة بجو من الود.

التعارف

في البداية ، اعرف لكم نفسي ، اسمي تقي رستگار من مدينة همدان ، مهني.

احد الحاحزين : انا رضا سخنوّر ، أحمل شهادة الدكتوراء في القانون.

الثاني : احمد تاجور ، ضابط برتبة عقيد.

الثالث : حسن سماوي ، طالب في كلية الطب.

الرابع : علي امامي ، موظف في دائرة المخازن ( السايلو ).

الخامس : عباس بيضاوي ، رئيس دائرة التربية والتعليم في بندر شاه.

٢٨

الشيخ : من دواعي السرور ان اكون برفقة مجموعة من المتعلمين والمطلعين علىٰ العصر ، خاصة سعادة السيد الدكتور رضا سخنور الذي يحمل شهادة في القانون والذي سنستفيد كثيراً من آرائه في بحثنا ( البحث في قوانين الدين الاسلامي المقدّس ). فهو يستطيع ، ومن خلال المامه الواسع بالقانون ، ادراك القيمة الحقيقية للقوانين الاسلامية ، من مقارنتها بقوانين الشعوب المتقدّمة في العالم.

الدكتور : يا عمّ ! أودُّ في البداية ان نتحدث حول الرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وموضوع نبوته ورسالته ، لكي نتناول فيما بعد مسألة القوانين الاسلامية ، بعد ان ترتفع الشبهات العالقة في اذهاننا ( انا وسائر اصدقائي ) حول النبوة.

٢٩

محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل فذّ

الشيخ : سعادة الدكتور ! من اجل توضيح الموضوع الذي سألتموه ، لا بدّ من بحث عدة نواحي ، لكي نصل الىٰ هذه النتيجة وهي إنَّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل فذّ في تاريخ الانسانية ، ورسول من جانب الله سبحانه وتعالىٰ ، وإنّ القوانين التي جاء بها الىٰ البشرية ، جميعها اُوحيت إليه من قبل رب العالمين ، وهذه النواحي التي لابدّ من بحثها هي بالترتيب التالي(1) :

أ ـ وضع الرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل فترة الرسالة.

ب ـ البلاد التي ولد ونشأ فيها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من حيث الجغرافيا والسكان.

ج‍ ـ دراسة مختصرة في وضع القوم الذين نشأ وعاش رسول الاسلام بينهم.

الناحية الاُولىٰ : ولد محمد بن عبداللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من اسرة طاهرة وشريفة في مكّة ، ولأن اُمّه آمنةعليها‌السلام لم تستطع ارضاعه لشحة حليبها ، فقد اعطاه جدّه

________________

(1) في هذا الصدد يمكنكم الرجوع الىٰ كتابنا « القادة الصديقون » ( بالفارسية ) فقد بحثت هذه المسائل بالتفصيل هناك.

٣٠

عبد المطلب إلىٰ مرضعة تسمىٰ حليمة السعدية(1) حتىٰ ترضعه ، فأخذته الىٰ قومها وبقي مع تلك القبيلة حتىٰ بلغ الخامسة من العمر ، وبعد ذلك عاش مع جدّه عبدالمطلب ثلاثة سنوات ، ومنذ سن الثامنة حيث توفي جدّه عبد المطلب ، عاش في كنف عمّه أبي طالب حتىٰ بُعث بالرسالة وهو في سن الأربعين ، إلّا انّ ما يهمنا من ذلك هو أنّ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يرسل الىٰ مدرسة ، ولم يدرس عند أي استاذ إلى أن بُعث رسولاً ، وخلال تلك الاربعين سنة لم يقرأ ويكتب سطراً واحداً ولا كان يدعي ذلك ، وهذا ما يعترف به جميع المؤرخين واصحاب السير. وانما كانت له حياته العادية كسائر العرب ( سوىٰ انه لم يرَ منه ذنب أو خيانة في كل فترة حياته ) ، وهنا يكمن السرّ ، فلو كان محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله قد ذهب الىٰ مدرسة أو تتلمذ علىٰ يد احد العلماء ، لربما شُكَّ في الأحكام التي جاء بها كنبي.

( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) (2) .

وهذه القضية من أهم القضايا التي احتارت الدنيا بتفسيرها وجعلت علماء العالم يستسلمون أمامها ، لأنه لم يسبق ان رأت البشرية شخصاً اُمّيّاً ينشأ في بيئة مثل الجزيرة العربية وبعد أربعين سنة من حياة عادية ، يأتي وكرجل إلهي ومرسل من قبل الله بأحكام وقوانين لسعادة الانسان ، وبعد اربعة عشر

________________

(1) حليمة ، امرأة من قبيلة بني ساعدة التي تسكن اطراف مكة المكرمة ، وكانت قد جاءت الىٰ مكة بعد القحط الذي أصاب قبيلتها ، لأخذ طفل ترضعه ، فتنال من عملها ذلك مالاً ترمّ به معاشها.

(2) سورة العنكبوت : 48.

٣١

قرناً عجز البشر ان يأتي بمثلها وبعظمتها رغم جميع التطورات العلمية والفكرية التي حدثت.

أجل ، فهذا الأمر هو اكبر دليل علىٰ ان الرجل كان رسولاً من قبل ربّ العالمين ، وانه كان مرتبطاً بمبدأ الوحي.

٣٢

التشريع في عالمنا المعاصر

اصدقائي الاعزاء !

رغم اننا نعيش في عصر العلم والمعرفة ، وقد وصل فيها البشر الىٰ كل هذا التطور العلمي ، إلّا انّ تدوين مادة قانونية في الدول المتقدّمة يحتاج الرجوع الىٰ أصحاب الاختصاص والعلماء الكبار واساتذة الجامعات ، وهؤلاء بعد مشاورات عديدة يقدمونها علىٰ شكل لائحة الىٰ البرلمان ، هناك ايضاً يطرحونها في لجانهم المختصّة(1) وبعد مداولات عديدة تطرح اللائحة في البرلمان للتصويت عليها ، فيتكلم العديد من النواب حولها(2) ثم يصوت عليها بعد ان صرفت اموال طائلة من اجل وضعها ، هذه المادة وبعد فترة قد تكون شهراً أو بضع سنين وعندما تظهر نواقصها الواحدة بعد الاُخرىٰ ، يجبرون علىٰ الغاءها.

فهذا هو الاسلوب المتّبع في التشريع اليوم في العالم المتحضر الذي ينظر

________________

(1) Fraction

(2) هذا الكلام يصدق في الدول التي ينتخب فيها اعضاء البرلمان بشكل حرٍّ ومن قبل الشعب ، وأن يكون الانتخاب ايضاً علىٰ اساس العلم والكفاءة والاخلاص ، وليس في الدول التي تحكمها دكتاتوريات فردية تتسلط علىٰ مقدرات الشعوب ، والتي فيها الاجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية الّا ديكورات وكاريكاتورات ليس إلّا.

٣٣

الىٰ الاُمور من زاوية العلم.

نظرة الىٰ عالم الامس

مع الأخذ بأسلوب التشريع في عالمنا المعاصر ، ننظر الىٰ الوراء الىٰ عالم الظلمات قبل الف وأربعمائة سنة ، في ذلك العصر لم يكن هناك علم ومعرفة فاكثر البلدان تطوراً آنذاك ـ مثل ايران ـ كانوا بمستوىٰ من الانحطاط الفكري بحيث يعبدون النار ، وفي ذروة تطورهم أي العصر الساساني كان تحصيل العلم والمعرفة مقتصراً علىٰ أبناء الاُمراء وعلماء الدين المجوسي ، في حين انّ بعض البلدان الاُخرىٰ كانوا يعبدون البقر! فقد كانت آفاق افكارهم محصورة بشكل يصنعون من التمر آلهة يأكلونها إذا ما جاعوا ، فكانوا يحضرون تمراً من جديد ويصنعون آلهة أُخرىٰ للاستغفار أمامها علىٰ ما قاموا به.

وفي تلك الحقبة المظلمة ظهر رجل يسمىٰ محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك الماضي الذي ذكرناه عنه ، كرسول من قبل الله عزّ وجلّ ، وجاء بأحكام وقوانين للبشرية جعلت عصر الذرة الحالي يستسلم امام دقتها العلمية ، فإذا كنّا اليوم نشاهد في بعض الموارد قوانين مشابهة لقوانين الاسلام وذلك في اكثر الدول تقدّماً ، فهذا لا يبعث علىٰ العجب ، لانّنا نعيش في عصر العلم والمعرفة ، في حين ان العصور الماضية كانت مظلمة مليئة بالجهل والخرافة.

فلو استطاع الشخاص اليوم التعليم وقضوا عمرهم في المدارس والجامعات وزوايا المكتبات ، فقرأوا لكبار العلماء ، ونشأوا في بيئة ساعدتهم

٣٤

في تنمية افكارهم ، هؤلاء الاشخاص لو تمكنوا من الوصول الىٰ حقائق في عالم الوجود ، او قاموا بوضع قانون ذا فائدة فهو ليس امراً مستغرباً وليس كما يسمىٰ « طفرة علمية » ، لأن عملهم ذلك يتناغم وينسجم مع المرحلة التاريخية والظروف البيئة والثقافية والاجتماعية التي يعيشونها.

لكن إذا ظهر شخص اُمّي في عصر مظلم قبل الف واربعمائة عام ومن بيئة متوحشة وملوّثة بمعنىٰ الكلمة ، وتمكن من ايجاد ذلك التغيير الفكري والعلمي في العالم الذي يتّسع شعاعه بمرور الأيام والقرون ، وكلّما اتّسعت دائرة العلم والمعرفة ، اتّضحت عظمة الاسلام العلمية مع تطور العلم في شتىٰ المجالات ، فهذا هو الذي يبعث علىٰ العجب والدهشة ، وهو الذي لم يسبق ان حدث مثله.

مثل هذه الحادثة ، ومع الأخذ بالحالة الثقافية ، والظروف التاريخية والاجتماعية لذلك العصر ، لهو دليل قاطع في ان الذي جاء بكل تلك القوانين مرسل من جانب الله سبحانه وتعالىٰ ، وانه يوحىٰ اليه من مبدأ العلم المطلق( الله ) ، لأن ذلك غير ممكناً بالحسابات المادية ، وهو كيف يمكن لرجل أُمّي أن يؤسس ديانة علمية تتعامل وواقع العالم والانسانية ، فهذا الامر حتىٰ في البيئة العلمية والثقافية تماماً غير ممكناً.

فلو كانت القضية « نبوغاً فكرياً » وتتعلّق بالظروف البيئية ، لحدث مثل ذلك ولو لمرة اُخرىٰ في تاريخ البشرية ، لكن هذا الامر لم يحدث في اكبر واهم المراكز العلمية وبين من لهم افضل الظروف العلمية والفكرية ، فضلاً عن ذلك العصر المظلم وتلك البيئة المتخلفة ، وهذا دليل قاطع علىٰ ارتباط الذي جاء

٣٥

بتلك القوانين والاحكام بمبدأ العلم ومصدره ، أي رب العالمين ، فهو نبي وما يقوله هو وحي إلهي :

( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (1)

اعتراف الدكتور لورافاكسيا فاغليري

الدكتور لورافاكسيا فاغليري ، البروفيسور الايطالي المعروف واستاذ جامعة نابل ، يقول في كتابه حول القرآن : ( نشاهد في هذا الكتاب خزائن وذخائر من المعرفة فوق قابليات واستعداد اذكىٰ الاشخاص واعظم الفلاسفة واقوىٰ رجال السياسة ، ولذلك لا يمكن ان يكون القرآن نتاج رجل متعلم ، افنىٰ عمره في مجتمع غير ديني ، لأن هذا الأمر لا يقوىٰ عليه رجال العلم والدين ، ذلك الرجل كان يؤكد علىٰ الدوام انه بشر مثل الآخرين ، لذا فبدون الله القادر لا يستطيع القيام بأية معجزة ، ومصدر القرآن ومنشأه لا يمكن ان يكون غير الله الذي احاط بعلمه السموات والارض وما بينهما ).

اصدقائي الاعزاء !

حقيقة الأمر هي كما قال الدكتور فاغليري ، لأنَّه إذا أراد شخص ان يصبح عالماً كبيراً ومعروفاً في عصرنا من خلال الانصراف بجميع سنوات عمره الىٰ كسب العلم ، فأن تخصصه في النهاية ايضاً سيكون في فرع معين ، فهو اما طبيب ـ مثلاً ـ أو خبير اقتصادي ، او عالم في القانون أو صاحب رتبة عالية في الجيش

________________

(1) سورة النجم : 3.

٣٦

أو الخ ، فلا يمكن ان تجدوا اليوم في كل العالم شخصاً تخصص في مختلف الفروع والمجالات.

لكن رسول الاسلام العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان فرداً بلا مستشار ، جاء من قبل الباري عزّ وجلّ تلك القوانين المتنوعة ، من المسائل العبادية حتىٰ المسائل القانونية ، ومن الاحكام الفردية حتىٰ المسائل الاقتصادية والاجتماعية ، وجميعها علىٰ اساس مسلَّمات حقائق عالم الوجود.

أليس ذلك دليل علىٰ ان محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله رسول من قبل رب العالمين ، وليس عصارة ظروف تاريخية خاصة ؟!

الدكتور : النقطة التي اشرت اليها جديرة جداً بالالتفات ، لأننا نرىٰ في اكثر دول العالم تقدماً ، يوجهون كل فرد أو مجموعة الىٰ مجال معيَّن ، فالقضايا القانونية ـ علىٰ سبيل المثال ـ يوكلونها الىٰ اصحاب الاختصاص في القانون. ولم نشاهد الرجوع اليهم في قضايا الاقتصاد او الامور العسكرية. لأنهم لا يملكون معلومات فيها. اما فيما يتعلّق بالرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فكما تفضلت ، لم يحدث ذلك من قبل وهو أن يأتي شخص ويقدم للبشرية قوانين محكمة وغير قابلة للأنكار في جميع المجالات.

الشيخ : أجل ، هكذا الدين الاسلامي ، له قوانين حيّة وغنية في مختلف شؤون الحياة الاجتماعية والسياسية والأقتصادية ، وهو ما يميّز ديننا عن سائر الأديان ، ويقدّمه عليها.

فالانجيل ـ مثلاً ـ الذي يعتبر الكتاب الديني المقدّس لجميع الدول الغربية ، اذا تصفحتموه بدقّة ستجدون اكثر احكامه اخلاقية ، ويحتوي

٣٧

علىٰ مباحث روحية ، بحيث لو تركت البلدان الغربية قوانينها الاجتماعية وارادت ان تعمل علىٰ ضوء تعاليم الانجيل ، ستشلّ وتقف عن الحركة جميع مؤسساتها ومرافقها الاجتماعية والاقتصادية ، وستسقط دفعة واحدة ، لانّه لا نجد في الانجيل كلّه حتىٰ خمسين مادة قانونية حول القضايا الاجتماعية(1) .

في حين ان الدين الاسلامي المقدس ، ليس فقط يملك اسمىٰ التعاليم الاخلاقية والروحية ، بل ان قوانينه واحكامه تشمل جميع المجالات ، مثل : الزراعة والاقتصاد والسياسة والاُمور العسكرية والجيش والصحة والثقافة والتجارة والقضاء. وبشكل عام فهو يمتلك كل وافضل القوانين التي تحتاجها اُمة متحضرة ، حتىٰ في السباقات.

محطة بندرگز

في تلك اللحظة وصل القطار الىٰ محطة بندرگز ، كانت جماعة من الناس مستعدة للركوب ، ومجموعة من المسافرين أيضاً مستعدة للنزول ، ولذلك اختل النظام العادي في القطار.

شرطي المحطة واقف الىٰ جانب السلم ، ويصيح : أيُّها السادة أرجو منكم مراعاة النظام ، افسحوا المجال للمسافرين يخرجون من داخل القطار ، ومن ثم اصعدوا.

________________

(1) لدراسة محتويات التوراة والانجيل ومقارنتها بالقرآن ، يمكنكم الرجوع إلى كتاب « الانسان وسائر الكتب السماوية ». ( بالفارسية )

٣٨

ولكن لم يكن احد يستمع اليه في تلك اللحظات ، فكرر الشرطي : أيُّها السادة ارجو ان تراعوا القانون ، لماذا تصعدون ، فلا زالوا لم ينزلوا ؟!

اهانة عقيد لسائق سيارة اجرة

أحد المسافرين كان يحمل حقيبة بيده وهو مستعد مع أخيه للصعود ، قال : دعك من هذا غفر الله لك ، اين يُراعىٰ القانون في هذا البلد ، حتىٰ يُراعىٰ هنا بجنب سلّم القطار ، إذا كان حقيقاً ما تدّعي اذهب وقل لمرؤوسيك ان لا يتصرفوا خلاف القانون.

فقال الشرطي : ما هذا الذي تقوله ؟

المسافر : ليس قول وإنّما حقيقة.

في هذا العام كان أحد أصدقاءنا يقود سيارته في احد شوارع طهران وفجأة استدارت سيارة خاصة امامه ، لم يكن يبق شيئاً ان يتصادما ، فضغط صديقنا علىٰ الكابح وأوقف السيارة قبل ان تصطدم بتلك السيارة المخالفة ، ممّا ادىٰ الىٰ جرح احد الركاب الذين كانوا معه برأسه ، فنزل من سيارته واتّجه الىٰ سائق تلك السيارة فوجده يحمل علىٰ صدره واكتافه طناً من الميداليات والأوسمة وإلىٰ جانبه سيدة نصف عارية ، فقال له : أيُّها السيد المحترم ، ما هذا الذي عملته ، لماذا استدرت هنا ؟

صدقني أيُّها الشرطي ! ما ان أتم كلامه حتىٰ أتته صفعة قوية من ذلك

٣٩

الرجل ، فردّها صديقنا المسكين إليه بصفعة مماثلة.

عند ذلك قال له الرجل : يجب ان نذهب الىٰ مركز الشرطة ، فقبل صديقنا بذلك ، وذهبوا جميعاً الىٰ هناك ، وما أن وصلوا المركز حتىٰ رأىٰ صديقنا ان جميع الضباط والشرطة قد وقفوا احتراماً لذلك الرجل ، فتبيّن ان ذلك الرجل برتبة عقيد.

فأمر الشرطة ، الذين قاموا بضرب صديقنا للحد الذي لم يتمكن النهوض من فراشه ليومين ، ثم أمرهم بحلق رأسه وسجنوه ليلة عندهم ، مع ان ضابط المرور كان قد أشار بالتقصير الىٰ العقيد ، فما كان عليه ان يستدير في ذلك المكان ، لكن سيادة العقيد لا يهمه القانون ، لانه يعتبر نفسه فوق القانون ، القانون يجب ان يكون للجميع وليس لي ولأمثالي من المساكين.

هنا قال اخو المسافر : أخي ، ما هذا الذي تقوله ، لا حاجة لنا بوجع الرأس ، فلو القوا القبض عليك الآن بتهمة الاستهزاء بالمقدّسات الوطنية ! والتجاسر علىٰ ، من الذي سينجيك ؟!

وبعد دقائق من التوقّف ، تحرك القطار ثانية وعاد النظام الىٰ ما كان عليه.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

سفيان بن عيينه كان قد ولد سنة ١٠٧ هـ وكان عمره يوم توفي الباقرعليه‌السلام سنة ١١٤ سبع سنوات ، اما زرارة فقد كان عمره آنذاك اربعا وثلاثين سنة ، ولم ينقل لنا الرواة عن ابن عيينة انه نقل قوله فيه ذاك في زرارة عن آخرين. وبذلك يسقط قوله ويكون هو المتهم به محاولة منه في تطويق عَلَم من اعلام الرواية عن أهل البيتعليهم‌السلام .

قال بعض الباحثين المعاصرين وقع بعنوان (زرارة) في اسناد كثير من الروايات تبلغ ألفين وأربعة وتسعين مورداً وقد جمعها في كتاب سماه مسند زرارة بن اعين ورتبها على أبواب العقائد والفقه.

وبلغت رواته عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ألف ومائتين وستة وثلاثين مورداً بل تزيد.(١)

قال ابن حزم فهذا يدل على انه (أي زرارة) رجع عن التشيع.

أقول : لقد اخطأ ابن حزم خطأين.

الأول : في عبد الله الافطح حسبه بن محمد الباقرعليه‌السلام بينما هو ابن جعفر الصادقعليه‌السلام .

والثاني : ان زرارة كان ممن قدم إلى المدينة ولقي الافطح فان الذي قدم المدينة هو عبيد بن زرارة وكان قدمها ليسأل من الامام الكاظم هل يجوز لزرارة ان يظهر أمر الكاظمعليه‌السلام أم يعمل بالتقية(٢) .

روى البسوي قال حدثنا سفيان قال : قال : ابن السماك : اردت الحج فقال لي زرارة بن اعين اخو عبد الملك بن اعين : إذا لقيت جعفر بن محمد فأقرئه مني السلام وقل له : اخبرني في الجنة أنا أم في النار؟ قال : فلقيت جعفر بن محمد فقلت له : يا ابن رسول الله اتعرف زرارة بن اعين؟ قال : نعم رافضي خبيث. قال : قلت : انه يقرئك السلام ويقول : اخبرني في الجنة أنا أم في النار؟ قال : فأخبره انه في النار. ثم قال : وتعلم من أين عملت انه رافضي انه يزعم اني اعلم الغيب ، ومن زعم ان احداً يعلم الغيب لا الله عز وجل فهو كافر ، والكافر في النار.

قال : فلما قدمت الكوفة جاءني مع الناس يسلمون عليَّ ، فقال ما فعلت في

__________________

(١) بشير المحمدي ،مسند زرارة ص ٣٠ ـ ٣١.

(٢) بحثنا ذلك مفصلا في كتابناشبهات وردود الحلقة الأولى الفصل الرابع.

٤٨١

حجتي؟ فأخبرته بما قال. فقال : فان ابن رسول الله اتقي(١) .

أقول :

وليس من شك ان هذه الرواية موضوعة على زرارة ، ومحمد بن السماك كوفي احد وعاظ السلاطين ترجم له الذهبي في سير اعلامه وان هارون الرشيد كان يحضر مجالس وعظه وكان الرشيد يبكي لوعظه!(٢) . ونقل ابن نعيم في حليته بعض احاديثه بحضور الرشيد.(٣)

توفي ابن السماك سنة ١٨٣ وقد اسن فهو من اقران ابن عينة ومن معاصريه. قال ابن نمير عنه : صدق :

قال الذهبي ما وقع له شيء في الكتب الستة.

أقول :

اما روايات لقائه بأبي جعفرعليه‌السلام فقد مرت رواية الكشي عن زرارة انه قدم المدينة وهو شاب امرد ودخل سرادق أبي جعفرعليه‌السلام بمنى ويبدو ان ذلك أول لقائه به ومعناه انه ارتبط بالباقرعليه‌السلام اكثر من خمس عشرة سنة.

ومنها ما رواه البرقي عن بكير عن زرارة قال تغديت مع أبي جعفرعليه‌السلام خمسة عشر يوما بلحم.(٤)

ومنها رواية الكليني عن زرارة قوله : قلت لابي جعفرعليه‌السلام اني ظاهرت من أم ولد لي ثم واقعت عليها ثم كفَّرت فقال : هكذا يصنع الرجل الفقيه إذا وقع كفَّر.(٥)

ومنها رواية الكليني أيضا عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الحَدّ؟ فقال : ما احد؟ قال : فيه الا برأيه لا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قلت : اصلحك الله فما قال فيه أمير

__________________

(١) الفسوي ،كتاب المعرفة والتاريخ ج ٢ / ٦٧١ ـ ٦٧٢ ورواها الذهبي فيميزان الاعتدال ج ٢ ص ٦٩ عن يحيى بن أبي ميسرة عن سعيد بمن منصور عن ابن السماك مع تفاوت في بعض العبارات وكذا ابن حجر في لسان الميزان بترجمة زرارة وليس فيها كلام الصادقعليه‌السلام : ذاك رافضي خبيث يريد زرارة.

(٢) الذهبي ،سير اعلام النبلاء ج ٨ ص ٣٢٨ ـ ٣٣٠.

(٣) أبو نعيم ،حلية الأولياء ج ٨ ص ٢٠٨ ـ ٢٤٧.

(٤) البرقي ، أبي جعفر أحمد بن محمد بن خالد ،المحاسن ج ١ ص ٤١٨.

(٥) الكليني ،الكافي ج ١ ص ١٢٨.

٤٨٢

المؤمنينعليه‌السلام ؟ فقال إذا كان غداً فالقني حقتى اقرئكه في كتاب عليعليه‌السلام (١)

ومنها رواية الكليني عني زرارة قال رأيت قميص عليعليه‌السلام الذي قتل فيه عند ابي جعفرعليه‌السلام فإذا اسفله ثني عشر شبرهاً وبدنه ثلاثة اشبار ورأية فيه نضح دم.(٢)

وغير ذلك كثير جداً مما يزيد على ألف ومائتين وستة وثلاثين مورداً.

اما قول ابن عيينة : ولكنه كان يتتبع حديثه : فهي شهادة منه على ان زرارة كان احد اوعية علم أبي جعفر الباقرعليه‌السلام وممن عرفه حق معرفته ولم يكن قد استوطن المدينة ليسجل عن الباقرعليه‌السلام كل صغيرة وكبيرة من قوله وفعله وتقريره فلماذا لا يتتبع احاديثه وسيرته مما غاب عنه ووعاه الآخرون من الشيعة؟

ولهذه الصفة في زرارة قال الصادقعليه‌السلام لولا زرارة لظننت ان أحاديث أبي ستذهب(٣) وفي رواية أخرى قال الصادقعليه‌السلام : ان أصحاب ابي كانوا زينا احياءً وامواتا اعين زرارة ومحمد بن سلم ومنهم ليث المرادي وبريد العجلي ، هؤلاء القوامون بالقسط. هؤلاء القوامون بالصدق.

وفي رواية ثالثة : ما أحدا حين ذكرنا وأحاديث أبي الا زرارة وابو بصير ليث المرادي ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي ولولا هؤلاء ما كان احد يستنبط هذا ، هؤلاء حفاظ الجين وامناء ابيعليه‌السلام على حلال الله وحرامه وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة.

وفي رواية رابعة : كان ابيعليه‌السلام ائتمنهم على حلال الله وحرامه وكانوا عيبة علمه وكذلك اليوم هم عندي مستودع سري هم نجوم شيعتي إحياء وامواتا يحيون ذكر أبيعليه‌السلام ، بهم يكشف الله كل بدعة ، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأول الغالين ثم بكى.(٤)

كلام ابن عيينة في أهل العراق :

واخيرا نذكر عنه موقفه من حديث أهل العراق : فقد روى ابن عساكر ، تاريخ

__________________

(١) الكليني ،الكافي ج ٢ ص ٢٦١ ، الطوسي ، التهذيب ج ٩ ص ٢٧١.

(٢) الكليني ، الكافي ج ٢ ص ٢٠٧.

(٣) التستري ،قاموس الرجال ج ٤ ترجمة زرارة.

(٤) المصدر السابق.

٤٨٣

مدينة دمشق ج ١ ص ٣٣٠ عن الأصمعي عن سفيان بن عيينة قال من أراد الإسناد والحديث الذي يسكن إليه فعليه بأهل المدينة ومن أراد المناسك والعلم بها والمواقيت فعليه بأهل مكة ومن أراد المقاسم وأمر الغزو فعليه بأهل الشام ومن أراد شيئا لا يعرف حقه من باطله فعليه بأهل العراق.

محمد بن إسماعيل البخاري (تـ ٢٥٦ هـ)

قال الذهبي : البخاري شيخ الإسلام وامام الحفاظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي مولاهم البخاري صاحب الصحيح والتصانيف مولده في شوال سنة أربع وتسعين ومائة وأول سماعه للحديث سنة خمس ومائتين وحفظ تصانيف بن المبارك وهو صبي ، وتوفي سنة ٢٥٦ هـ وله من المصنفات : الجامع الصحيح وكتاب التاريخ في تراجم رواة الحديث وغيرها.

قال الذهبي : البخاري يتجنب الرافضة كثيرا ، كأنه يخاف من تدينهم بالتقية ولا نراه يتجنب القدرية ولا الخوارج ولا الجهمية ، فإنهم على بدعهم يلزمون الصدق.(١)

أقول :

ان البخاري قد تجنب الرواية عن الرافضة مسايرة للعباسيين في موقفهم من الامام الحسنعليه‌السلام وموقفهم من الامام الصادقعليه‌السلام . بل هو لا يحتج برواية الامام الصادق عظيم أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في وقته ، كما ترك الرواية عن ولده الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام ، كما ترك الرواية عن الامام الرضا وولده الجواد وولده الهاديعليه‌السلام وقد كان معاصرا لهم.

قال الذهبي في ترجمة جعفر بن محمدعليه‌السلام : احد الأئمة الأعلام بر صادق كبير الشأن لم يحتج به البخاري.(٢)

أقول :

ولم يقف البخاري عند ذلك بل امتد إلى الصحابة الذين عرفوا بتشيعهم فقد ترك

__________________

(١) الذهبي ،ميزان الاعتدال ج ٣ ص ١٦٠ ترجمة علي بن هاشم بن البريد ، أبو الحسن الكوفي الخزاز ، مولى قريش. وثقه ابن معين ، وغيره. وقال أبو داود : ثبت يتشيع.

وقال البخاري : كان هو وأبوه غاليين في مذهبهما. قال الذهبي : ولغلوه ترك البخاري إخراج حديثه.

(٢) الذهبي ،ميزان الإعتدال في نقد الرجال ج ٢ ص ١٤٤.

٤٨٤

أحاديث أبي الطفيل عامر بن واثلة وهو من صغر الصحابة توفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وله ثماني سنوات ، روى ابن عساكر قال سئل محمد بن يعقوب الاخرم : لم ترك البخاري حديث أبي الطفيل : قال كان يفرط في التشيع.(١)

خاتمةالفصل الثامن في وضع الاخبار على عهد

الأمويين والعباسيين

تبنى الاعلام الأموي منذ سنة ٥٠ هجرية وهي سنة وفاة الحسنعليه‌السلام وضع روايات في تشويه الحقائق عن تاريخ الإسلام ورموزه / النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام والحسنعليه‌السلام وبعد نهضة الحسينعليه‌السلام وشهادته اضيف الحسينعليه‌السلام / وكانت الدائرة الأولى التي اهتم بها الاعلام هي شخصية علي وموقعه من الإسلام لتسويع لعنه ، ثم سيرة النبي الذاتية لتسويغ سيرة خلفائه من بني أمية ، وتشويه صلح الحسن بالدرجة الثانية ، اما في العهد العباسي فصار تشويه صلح الحسنعليه‌السلام والسيرة الذاتية له ، وتاريخ الكوفيين زمن علي والحسن والحسين ، واصل التشيع في الدائرة الأولى. وصار تشويه علي الشخصية في الدائرة الثانية ، نعم تاريخ علاقة مع الخلفاء ووصفه بانه رابعهم ، وانه كان يعتقد بانه افضلهم كان جزءا من الدائرة الأولى.

يهمنا من هذا التقديم فهم تطور وضع الاخبار السيئة في تشويه صلح الامام الحسن ،

كان الزهري عالم البلاط الأموي قريبا من أربعين سنة / منذ عهد عبد الملك وولده إلى زمن هشام وفي عهده كان مربيا لأولاده إلى وفاته سنة ١٢٤ هـ / ، وقد كتب في سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خالية من موقع عليعليه‌السلام وامتيازاته فيها ورواها عنه تلميذه معمر بن راشد وقد مرت علينا في الفصل الأول من هذا الباب ،

واشهر ما نجده في مصادر الحديث والرجال والتاريخ المهمة كالمصنف لعبد الرزاق الصنعاني ت ٢١١ هـ) والمعرفة والتاريخ للبسوي والتاريخ للطبري هو حديث الزهري في الصلح برواية من لا يتهم في روايته عنه :

__________________

(١) تهذيب ابن عساكر ج ١١ / ٢٩٤.

٤٨٥

ـ معمر بن راشد (ت ١٥٤ هـ) (في اليمن) ،

ـ ويونس الايلي (ت ١٦٠ هـ) (في مصر)

ـ وعبيد الله بن أبي زياد الرصافي (ت ١٥٨ هـ). (في الشام)

ورواية ضمرة بن ربيعة القرشي الحمصي الفلسطيني ٢٠٢ هـ (في فلسطين) ،

ثم حذا حذو رواية الزهري آخرون بالرزون ولم ينسبوها إلى الزهري بل نسبوها إلى آخرين :

ـ عوانة بن الحكم ت ١٥٨ هـ ولم ينسبها إلى الزهري رواها له الطبري عن زياد البكائي ت ١٨٣ هـ. في بغداد

ـ عثمان الطرائفي الجزري ت ٢٠٣ هـ (في الجزيرة) رواها له الطبري في تاريخه والطبراني في معجمه الكبير ،

ـ محمد بن عبيد ت ٢٠٢ هـ رواها له ابن سعد في طبقاته عن يونس بن أبي إسحاق ت ١٦١ هـ عن أبيه. وعن مجالد ت ١٤٤ هـ عن الشعبي ت ١٠٢ هـ) والشعبي. (في بغداد)؟

ـ سفيان بن عيينة ت ١٩٨ هـ (في بغداد ومكة) لم يروها عن الزهري مع تلمذته له وقد عرفه البعض ب (غُلَيم الزهري) تعبيرا عن قصر المدة معه ، بل تفرد بروايتها عن إسرائيل أبي موسى البصري عن الحسن البصري رواها له البخاري. روى البلاذري قريبا منها عن جرير بن حازم عن أبي الحسن البصري بتخمين ولده وهب.

ـ ثم جاء الشراح الكبار للبخاري أمثال ابن حجر والعيني وغيرهما وجعلوا رواية ابن عيينة المحور في بيان قصة صلح الحسنعليه‌السلام مع معاوية واضافوا إليها الروايات الآنفة الذكر مقطعة بحسب حاجة النص إلى الشاهد الاوصال من سنخها عن تلاميذ الزهري أيضا أمثال معمر بن راشد.

يبقى السؤال المهم عن مقدار الاضافات في العهد العباسي لأصل رواية الزهري ، والذي نطرحه كرأي أولي في هذه المسالة هو انابن عيينة كان له النصيب الاكبر في تطوير فكرة قضية اغراء معاوية للحسنعليه‌السلام بالمال تأييدا لكلام الخليفة الدوانيقي

٤٨٦

ان الحسنعليه‌السلام باع الخلافة بدراهم وقد لقبه الخليفة هارون حفيد المنصور بكونه سيد الناس ، واحسب ان هذه الروايات تحتاج إلى مقارنات تفصيلية مع استقصاء للاسانيد ورجالها ومهما يكن من أمر فان الثابت هو مسؤولية بني العباس في خلق جو يساعد على نمو الاعلام الأموي الكاذب في حق الحسن سواء كان قليلا أو كثيرا ليأخذ صيغته المستقرة في صحيح البخاري وتاريخ الطبري وطبقات ابن سعد وانساب الاشراف للبلاذري وكتاب المعرفة والتاريخ للبسوي وغيرها وهي مصادر أساسية في الرواية والتاريخ لكل من جاء بعدها كتاريخ ابن خلدون وتاريخ ابن الاثير وتاريخ المقريزي وتاريخ ابن عساكر ومن ثم اعتمدها المستشرقون وغيرهم في الكتابة عن الحسن ومما يؤسف هو اعتماد الباحثين الشيعة عليها في قليل أو كثير وقد عصمهم من الوقوع في الخطأ ازاء الامام الحسن هو ايمانهم بعصمته ، ومن ثم التساهل فيما عداه.

٤٨٧

الباب الثالث / الفصل التاسع

الروايات التي تطعن في أهل الكوفة

رواية عبيد الله بن أبي زياد الرصافي ت ١٥٨ هـ

روى يعقوب بن سفيان عن الحجاج بن أبي منيع (يوسف) عن جده (عبيد الله بن أبي زياد ت ١٥٨ هـ) عن الزهري قتل علي وبايع أهل العراق الحسن بن علي على الخلافة فطفق يشترط عليهم حين بايعوه إنكم لي سامعون مطيعون تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت فارتاب أهل العراق في أمره حين اشترط هذا الشرط قالوا ما هذا لكم بصاحب وما يريد هذا القتال فلم يلبث حسن بعدما بايعوه إلا قليلا حتى طعن طعنة أشوته فازداد لهم بغضا وازداد منهم ذعراً.(١)

وروى يعقوب بن سفيان عن حجاج أيضا قال حدثني جدي عن الزهري : قال فكاتب الحسن لما طعن معاوية وارسل يشترط شرطه فقال ان اعطتني هذا فاني سامع مطيع وعليك ان تفي به ، فوقعت صحيفة الحسن في يد معاوية وقد ارسل معاوية إلى الحسن بصحيفة بيضاء مختوم على اسفلها وكتب إليه ان اشترط في هذه ما شئتفما اشترطت فهو لك ، فلما اتت حسنا جعل يشترك اضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك وأمسكها عنده وامسك معاوية صحيفة حسن التي كتب إليه يسأله ما فيها.

__________________

(١) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ١٣ ص ٢٦٣.

٤٨٨

فلما التقيا وبايعه الحسن سأل حسن معاوية أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذي ختم معاوية في أسفله فأبى معاوية أن يعطيه ذلك ، وقال لك ما كنت كتبت إلي تسالني أن أعطيك ، فاني قد أعطيتك حين جاءني كتابك. فقال له الحسن وانا قد اشترطت عليك حين جاءني سجلك واعطيتني العهد على الوفاء ما فيه ، فاختلفا في ذلك فلم ينفذ معاوية للحسن من الشروط شيئا.(١)

رواية يونس الايلي (ت ١٥٢ ـ ١٥٩ ـ ١٦٠ هـ)

ورواية النعمان بن راشد (ت في حدود ١٥٠ هـ)

روى الطبري قال حدثني عبد الله بن أحمد المروذي قال أخبرني أبي قال حدثنا سليمان قال حدثني عبد الله عن يونس الأيلي(٢) قال :

بايع أهل العراق الحسن بن علي بالخلافة فطفق يشترط عليهم الحسن إنكم سامعون مطيعون تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت فارتاب أهل العراق في أمرهم حين اشترط عليهم هذا الشرط ، وقالوا ما هذا لكم بصاحب وما يريد هذا القتال ، فلم يلبث الحسنعليه‌السلام بعدما بايعوه إلا قليلا حتى طعن طعنة أشوته ، فازداد لهم بغضا وازداد منهم ذعرا.

فكاتب معاوية وأرسل إليه بشروط قال إن أعطيتني هذا فأنا سامع مطيع وعليك

__________________

(١) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ج ١٣ ص ٢٧٢.

(٢) ابن سعد ،الطبقات الكبرى ج ٧ ص ٥٢٠ : يونس بن يزيد الأيلي وكان حلو الحديث كثيره وليس بحجة وربما جاء بالشيء المنكر.

وقال المزي في تهذيب الكمال : ع يونس بن يزيد بن أبي النجاد ويقال يونس بن يزيد بن مشكان بن أبي النجاد الأيلي أبو يزيد القرشي مولى معاوية بن أبي سفيان ، وصحب الزهري ثنتي عشرة سنة وقيل أربع عشرة سنة ذكره خليفة بن خياط في الطبقة الثالث من أهل مصر وقال علي بن المديني سألت عبد الرحمن بن مهدي عن يونس بن يزيد فقال كان بن المبارك يقول كتابه صحيح قال بن مهدي وأنا أقول كتابه صحيح وقال عبدان عن بن المبارك اني إذا نظرت في حديث مهمر ويونس يعجبني كأنهما خرجا من مشكاة واحدة وقال عبد الرزاق عن بن المبارك ما رأيت أحدا أروى للزهري من معمر إلا أن يونس أحفظ للمسند وفي رواية إلا ما كان من يونس فإنه كتب الكتب على الوجه ، وقال أبو زرعة الدمشقي سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول في حديث يونس بن يزيد منكرات عن الزهري ، توفي بصعيد مصر سنة اثنتين وخمسين ومئة ...

٤٨٩

أن تفي لي به ووقعت صحيفة الحسن في يد معاوية وقد أرسل معاوية قبل هذا إلى الحسن بصحيفة بيضاء مختوم على أسفلها وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك.

فلما أتت الحسن اشترط أضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك وأمسكها عنده وأمسك معاوية صحيفة الحسنعليه‌السلام التي كتب إليه يسأله ما فيها.

فلما التقى معاوية والحسنعليه‌السلام ، سأله الحسن أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذي ختم معاوية في أسفله فأبى معاوية أن يعطيه ذلك ، فقال لك ما كنت كتبت إلي أولا تسألني أن أعطيكه ، فاني قد أعطيتك حين جاءني كتابك.

قال الحسنعليه‌السلام وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك وأعطيتني العهد على الوفاء بما فيه فاختلفافي ذلك فلم ينفذ للحسنعليه‌السلام من الشروط شيئا.(١)

وروى البلاذري ٣ / ٦٧ هذا الخبر بسند آخر عن جرير بن حازم (ت ١٧٥ هـ) عن النعمان بن راشد(٢) (توفي في حدود سنة ١٥٠) عن الزهري.

وروى الطبري ٤ / ١٢١ أيضا بسنده عن يونس الايلي قال :

(وكان الحسن لا يرى القتال ولكنه يريد أن يأخذ لنفسه ما استطاع من معاوية ثم يدخل في الجماعة. وعرف الحسن أن قيس بن سعد لا يوافقه على رأيه فنزعه وأمر عبد الله بن عباس. فلما علم عبد الله بن عباس بالذي يريد الحسنعليه‌السلام أن يأخذه لنفسه كتب إلى معاوية يسأله الأمان ويشترط لنفسه على الاموال التي أصابها فشرط ذلك له معاوية. وبعث معاوية إليه عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها.

ثم قام الحسن في أهل العراق فقال يا أهل العراق إنه سخى بنفسى عنكم ثلاث قتلكم أبى وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي ودخل الناس في طاعة معاوية ودخل معاوية الكوفة فبايعه الناس).

__________________

(١) الطبري ،تاريخ الطبري ، ج ٤ ص ١٢٣.

(٢) ابن عدي ، الكامل في ضعفاء الرجال ج ٧ ص ١٣ : النعمان بن راشد الجزري من أهل الرقة سمعت بن حماد يقول ثنا معاوية عن يحيى قال النعمان بن راشد ضعيف.

٤٩٠

رواية عوانة بن الحكم (١٥٨ هـ)

قال الطبري : قال زياد بن عبد الله عن عوانة ت ١٥٨ هـ : وذكر نحو حديث المسروقي عن عثمان بن عبد الحميد او ابن عبد الرحمن قال حدثنا إسماعيل بن راشد.

أقول : اما حديث المسروقي الانف الذكر فهو رواية عثمان عن إسماعيل بن راشد وهي قوله :

قال بايع الناس الحسن بن عليعليه‌السلام بالخلافة ثم خرج بالناس حتى نزل المدائن وبعث قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر ألفا وأقبل معاوية في أهل الشام حتى نزل مسكن فبينا الحسن في المدائن إذ نادى مناد في العسكر ألا إن قيس بن سعد قد قتل فانفروا فنفروا ونهبوا سرادق الحسنعليه‌السلام حتى نازعوه بساطا كان تحته وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن

وكان عم المختار بن أبي عبيد عاملا على المدائن وكان اسمه سعد بن مسعود فقال له المختار وهو غلام شاب هل لك في الغنى والشرف قال وما ذاك قال توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية فقال له سعد عليك لعنة الله أثب على ابنب بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأوثقه بئس الرجل أنت

فلما رأى الحسنعليه‌السلام تفرق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح وبعث معاوية إليه عبد الرحمن بن عامر وعبد الرحمن ابن سمرة بن حبيب بن عبد شمس فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها

ثم قام الحسن في أهل العراق فقال يا أهل العراق إنه سخى بنفسى عنكم ثلاث قتلكم أبى وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي ودخل الناس في طاعة معاوية ودخل معاوية الكوفة فبايعه الناس.

قال زياد بن عبد الله عن عوانة وذكر نحو حديث المسروقي عن عثمان بن عبد الرحمن هذا وزاد فيه (عوانه) : وكتب الحسن إلى معاوية في الصلح وطلب الأمان وقال الحسن للحسين ولعبد الله بن جعفر إني قد كتبت إلى معاوية في الصلح وطلب الأمان

٤٩١

فقال له الحسين نشدتك الله أن تصدق أحدوثة معاوية وتكذب أحدوثة علي فقال له الحسن اسكت فأنا أعلم بالأمر منك فلما انتهى كتاب الحسن بن عليعليه‌السلام إلى معاوية أرسل معاوية عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة فقدما المدائن وأعطيا الحسن ما أراد فكتب الحسن إلى قيس بن سعد وهو على مقدمته في اثني عشر ألفا يأمره بالدخول في طاعة معاوية فقام قيس بن سعد في الناس فقال يا أيها الناس اختاروا الدخول في طاعة إمام ضلالة أو القتال مع غير إمام قالوا لا بل نختار أن ندخل في طاعة إمام ضلاضة فبايعوا لمعاوية وانصرف عنهم قيس بن سعد وقد كان صالح الحسن معاوية على أن جعل له ما في بيت ماله وخراج دار ابجرد على أن لا يشتم علي وهو يسمع فأخذ ما في بيت ماله بالكوفة وكان فيه خمسة آلاف ألف.(١)

وعن زياد بن عبد الله (ت ١٨٢ هـ) عن عوانة بن الحكم (ت ١٥٨ هـ)(٢) : بايع أهل العراق الحسن بن علي فسار حتى نزل المدائن وبعث قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري على المقدمات وهم اثنا عشر ألفا وكانوا يسمون شرطة الخميس قال فبينا الحسن بالمدائن إذ نادى مناد في عسكر الحسن ألا إن قيس بن سعد بن عبادة قد قتل فانتهب الناس سرادق الحسن حتى نازعوه بساطا تحته ووثب على الحسن رجل من الخوارج من بني أسد فطعنه بالخنجر ووثب الناس على الأسدي فقتلوه ثم خرج الحسن حتى نزل القصر الأبيض بالمدائن وكتب إلى معاوية في الصلح قال ثم قام الحسن فيما بلغني الناس فقال : يا أهل العراق إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث في قتلكم أبي وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي.(٣)

__________________

(١) الطبري ،تاريخ الطبري ١٢٣ ، وقد رواها البلاذري بسنده عن وهب بن جرير عن أبيه جرير بن حازم قال سمعت النعمان بن راشد يحدث عن الزهري قال : بويع الحسن بعد أبيه فقال لأصحابه في بيعته : تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت ....

(٢) ابن حجر ،لسان الميزان ، عوانة بن الحكم بن عوانة بن عياض الأخباري المشهور الكوفي يقال كان أبوه عبدا خياطا وأمه أمة وهو كثير الرواية عن التابعين قال إن روى حديثا مسندا وأكثر المدايني عنه وقد روى عن عبد الله بن المعتز عن الحسن بن عليل العنزي عن عوانة بن الحكم أنه كان عثمانيا فكان يضع الأخبار لبني أمية مات سنة ثمان وخمسين ومائة.

(٣) ابن عساكر ،تاريخ مدينة دمشق ، ترجمة الحسن.

٤٩٢

رواية عثمان بن عبد الرحمن الحراني (٢٠٣ هـ)

وقال الطبري وحدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي (ت ٢٥٨ هـ)(١) قال حدثنا عثمان بن عبد الحميد أو ابن عبد الرحمن المجازي الخزاعي أبو عبد الرحمن(٢) قال حدثنا إسماعيل بن راشد(٣) قال : بايع الناس الحسن بن عليعليه‌السلام بالخلافة ثم خرج بالناس حتى نزل المدائن وبعث قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر ألفا وأقبل معاوية في أهل الشام حتى نزل مسكن فبينا الحسن في المدائن إذ نادى مناد في العسكر ألا إن

__________________

(١) هو موسى بن عبد الرحمن بن سعيد بن مسروق بن معدان بن المرزبان الكندي المسروقي أبو عيسى الكوفي.

(٢)أقول : الرواية في المعجم الكبير للطبراني عن عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي ، وفي الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي ج ٥ ص ١٧٣ قال : عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي الحراني يكنى أبا عبد الرحمن. سمعت أبا عروبة ينسبه إلى الصدق وقال لا بأس به متعبد ويحدث عن قوم مجهولين بالمناكير. حدثنا أبو عروبة قال ثنا علي بن ميمون قال ثنا عثمان بن عبد الرحمن بن مسلم الطرائفي مولى بني أمية وسمعت أبا عروبة يقول عثمان بن عبد الرحمن بن مسلم مولى منصور بن محمد بن مروان كذلك ينتسب ولده. وكنيته أبو عبد الرحمن يعرف بالطرائفي سمعت محمد بن الحارث يقول كان أبيض الرأس واللحية ، وصورة عثمان بن عبد الرحمن انه لا بأس به كما قال أبو عروبة إلا أنه يحدث عن قوم مجهولين بعجائب وتلك العجائب من جهة المجهولين. وهو في أهل الجزيرة كبقية في أهل الشام وبقية أيضا يحدث عن مجهولين بعجائب وهو في نفسه ثقة لا بأس به صدوق ما يقع فيه حديثه من الإنكار فإنما يقع من جهة من يروي عنه. قال ابن حبان في المجروحين ج ٢ ص ٩٦ : عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي القرشي كنيته عبد الرحمن من أهل حران وكان معلما يروي عن أقوام ضعاف أششياء يدلسها عن الثقات حتى إذا سمعها المستمع لم يشك في وضها فلما كثر ذلك في أخباره ألزقت به تلك الموضوعات وحمل عليه الناس في الجرح فلا يجوز عندي الاحتجاج بروايته كلها على حالة من الأحوال لما غلب عليها من المناكير عن المشاهير والموضوعات عن الثقات مات سنة ثلاث ومائتين وهو أبيض الرأس واللحية. وفي تهذيب الكمال ج ١٩ ص ٤٢٨ : د س ق عثمان بن عبد الرحمن بن مسلم الحراني أبو عبد الرحمن ويقال أبو عبد الله ويقال أبو محمد ويقال أبو هاشم المكتب المعروف الطرائفي وإنما قيل له ذلك لأنه كان يتتبع طرائف الحديث مات سنة اثنتين ومائتين د س ق.

(٣) قال ابن سعد فيالطبقات الكبرى ج ٦ ص ٣٤٦ في ترجمة محمد بن أبي إسماعيل السلمي واسم أبي إسماعيل راشد وكانوا إخوة ثلاثة يروى عنهم. أسنهم وأقدمهم موتا إسماعيل بن راشد روى عنه حصين ، وأخوه محمد بن أبي إسماعيل أيضا ومات محمد سنة اثنتين وأربعين ومائة في خلافة أبي جعفر وقد روى الثوري أيضا عن محمد بن أبي إسماعيل والآخر عمر بن راشد روى عنه حفص بن غياث وعبد الله بن نمير ويحيى القطان والثوري.أقول : حصين هو حصين بن عمر الاحمسي ت ١٨٠ ـ ١٩٠ هجرية.

٤٩٣

قيس بن سعد قد قتل فانفروا فنفروا ونهبوا سرداق الحسنعليه‌السلام حتى نازعوه بساطا كان تحته.

وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن وكان عم المختار بن أبي عبيد عاملا على المدائن وكان اسمه سعد بن مسعود ، فقال له المختار وهو غلام شاب هل لك في الغنى والشرف ، قال وما ذاك قال توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية ، فقال له سعد عليك لعنة الله أثب على ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأوثقه بئس الرجل أنت.

فلما رأى الحسنعليه‌السلام تفرق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح وبعث معاوية إليه عبد الله بن عامر وعبد الرحمن ابن سمرة بن حبيب بن عبد شمس فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها ثم قام الحسن في أهل العراق فقال يا أهل العراق إنه سخى بنفسه عنكم ثلاث قتلكم أبي وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي ودخل الناس في طاعة معاوية ودخل معاوية الكوفة فبايعه الناس.(١)

رواية ابن جُعدبة (توفي زمن المهدي ١٥٦ ـ ١٦٩ هـ)

عن وهب بن جرير(٢) (٢٠٦ هـ) عن يزيد بن عياض بن جعدبة(٣) عن صالح بن

__________________

(١) الطبري ،تاريخ الطبري ج ٤ ص ١٢٣.

(٢) قال الذهبي فيتذكرة الحفاظ : وهب بن جرير بن حازم المحدث الحافظ أبو العباس الأزدي مولاهم البصري أحد الأثبات. وقال أحمد العجلي بصري ثقة كان عفان يتكلم فيه مات منصرفا عن الحج قال بن سعد مات سنة ست ومائتين. وفي الكامل في ضعفاء الرجال : وهب بن جرير بن حازم بن زيد الجهضمي البصري يكنى أبا العباس ثنا بنحماد حدثني عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول قال عبد الرحمن بن مهدي ها هنا قوم يحدثون عن شعبة ما رايناهم عند شعبة قلت له من تعني بهذا قال وهب بن جرير قال أبي ما رأى وهب عند شعبة قط ولكن وهي كان صاحب سنة.

(٣) الخطيب البغدادي ،تاريخ بغداد ، يزيد بن عياض بن الجعدية أبو الحكم الليثي من أنفسهم حجازي انتقل البصرة فسكنها وقدم بغداد وحدث بها عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وسعيد بن أبي سعيد المقبري وأبي الزبيرالمكي ومحمد بن المنكدر وابن شهاب الزهري روى عنه يزيد بن هارون وشبابة بن سوار الهيثم بن جميل وعبد الصمد بن النعمان وعلي بن الجعد ، أنبأنا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب أخبرنا محمد بن حميد المخرمي حدثنا علي بن الحسين بن حبان قال وجدت في كتاب أبي

٤٩٤

كيسان(١) قال : لما قتل علي بن أبي طالب وبايع أهل الشام معاوية بالخلافة سار معاوية بالناس إلى العراق وسار الحسن بن علي بمن معه من أهل الكوفة ووجه عبيد الله بن العباس وقيس بن سعد بن عبادة في جيش عظيم حتى نزلوا مسكن من ارض العراق وقد رق أمر الحسن وتواكل فيه أهل العراق فوثبوا عليه فانتزع رداؤه عن ظهره وأخذ بساطه من تحته ومزق سرادقه فارسل عبيد الله بن العباس إلى عبد الله بن عامر يأمره أن يأتيه إذا أمسى بأفراس حتى يصير معه إلى معاوية فيصالحه ففعل ابن عامر فلحق

__________________

بخط يده سئل أبو زكريا عن يزيد بن عياض فقال ليس حديثه بشيء قلت له يا أبا زكريا ما كان قصته قال أفسدوه ههنا ببغداد جعلوا يدخلون له الأحاديث فيقراها فأفسدوه بهذا كان لا يعقل ما سمع مما لم يسمع فكيف يكتب عن مثل هذا ، قال يزيد بن عياض بن جعدية وسمه مالك بالكذب ، عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا حدثنا محمد بن سعد قال يزيد بن عياض بن جعدية الليثي من أنفسهم ويكنى أبا الحكم إنتقل إلى البصرة مات بها في زمن المهدي. قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج ١١ ص ٣٠٨ قال أحمد بن صالح المصري : أظنُّه كان يضع للناس وقال النسائي : متروك الحديث وقال في موضوع آخر : كذّاب وقال مرَّة : ليس بثقة ولا يكتب حديثه. وقال ابن عدي : عامّة ما يرويه غيرمحفوظ.

(١) تهذيب الكمال : ع صالح بن كيسان المدني أبو محمد ويقال أبو الحارث مولى بني غفار ويقال مولى بني عامر ويقال مولى آل معيقيب الدوسي وهو مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز ، عن مصعب بن عبد الله الزبيري كان مولى امرأة من دوس وكان عالما ضمه عمر بن عبد العزيز إلى نفسه وهو أمير فكان يأخذ عنه ثم بعث إليه الوليد بن عبد الملك فضمه إلى ابنه عبد العزيز بن الوليد وكان يأخذ عنه وكان صالح جامعا من الحديث والفقه والمروءة وقال حرب بن إسماعيل سئل أحمد بن حنبل عنه فقال بخ بخ ، قال يحيى بن معين ليس في أصحاب الزهري أثبت من مالك ثم صالح بن كيسان ثم معمر ثم يونس وقال يعقوب في موضع آخر صالح بن كيسان ثقة ثبت ، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سئل أبي صالح بن كيسان أحب إليك أو عقيل قال صالح أحب إلي لأنه حجازي وهو أسن وقال عبد الرزاق عن معمر عن صالح بن كيسان اجتمعت أنا وابن شهاب ونحن نطلب العلم فاجتمعنا على أن نكتب السنن فكتبنا كل شيء سمعنا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال نكتب ما جاء عن أصحابه فقلت ليس بسنة فقال بل هو سنة فكتب ولم أكتب فأنجح وضيعت ، وقال الحاكم أبو عبد الله مات زيد بن أبي أنيسة وهو بن ثلاثين سنة وصالح بن كيسان وهو بن مائة ونيف وستين سنة وكان قد بقي جماعة من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم بعد ذلك تلمذ للزهري وتلقن عنه العلم وهو بن تسعين سنة ابتدأ بالتعلم وهو ابن سبعين سنة قال الهيثم بن عدي مات في زمن مروان بن محمد وقال محمد بن سعد قال الواقدي أخبرني عبد الله بن جعفر قال دخلت على صالح بن كيسان وهو يوصي فقال أشهد أن ولائي لامرأة مولاة لآل معيقيب بن أبي فاطمة من دوس قال ومات بعد الأربعين والمئة وقبل مخرج محمد بن عبد الله بن حسن وخرج محمد بن عبد الله سنة خمس وأربعين ومئة وكان ثقة كثير الحديث روى له الجماعة.

٤٩٥

عبيد الله بمعاوية وترك جنده لا أمير لهم(١)

رواية جرير بن حازم (١٧٥ هـ)

روى البلاذري قال حدثنا خلف بن سالم ، حدثنا وهب (بن جرير) (ت ٢٠٦) قال : قال أبي (جرير بن حازم(٢) ـ وأحسبه رواه عن الحسن البصري ـ قال :

لما بلغ أهل الكوفة (بيعة) الحسن أطاعوه وأحبوه أشد من حبهم لأبيه ، واجتمع له خمسون ألفا ، فخرج بهم حتى أتى المدائن ، وسرح بين يديه قيس ابن سعد بن عبادة الأنصاري في عشرين ألفا ، فنزل بمسكن ، وأقبل معاوية من الشام في جيش.

ثم إن الحسن خلا بأخيه الحسين فقال (له : يا) هذا إني نظرت في أمري [٢] فوجدتني لا أصل إلى الأمر ، حتى تقتل من أهل العراق والشام من لا أحب أن أحتمل دمه ، وقد رأيت أن أسلم الأمر إلى معاوية فأشاركه في إحسانه [٣] ويكون عليه إساءته (ظ). فقال الحسين : إني لا أرى ما تقول ووالله لئن لم تتابعني لأسندتك في الحديد فلا تزال فيه حتى أفرغ من أمري. قال : فشأنك.

فقام الحسن خطيبا فذكر رأيه في الصلح والسلم لما كره من سفك الدماء وإقامة

__________________

(١) البلاذري ،انساب الاشراف ، ج ٣ ص ٥٠ ، وفي المصدر أبي جعدبة تحريف لابن جعدبة وهو يزيد بن عياض بن جعدبة.

(٢) جرير بن حازم الامام الحافظ أبو النضر الأزدي مولاهم البصري محدث البصرة أحد الاعلام روى عن أبي رجاء العطاردي والحسن وابن سيرين وطاووس وعطاء وابن أبي مليكة ونافع وحميد بن هلال وعنه ابنه وهب وشيخه أيوب السختياني والسفيانان وابن وهب وشيبان بن فروخ وأبو الربيع الزهراني وأبو نصر التمار وخلائق واحتج به أصحاب الكتب قال موسى بن إسماعيل ما رأيت حماد بن سلمة يعظم أحدا تعظيمه جرير بن حازم وقال وهب كان شعبة يأتي أبي يسأله وقال وهب عن أبيه جلست إلى الحسن سبع سنين لم أخرم منها يوما واحدا قال بن مهدي اختلط جرير قبل موته فأحس بذلك بنوه فحجبوه فلم يسمع منه شيء في اختلاطه قلت في بعض حديثه عن قتادة ما هو منكر وهو من أوعية العلم وغيره احفظ منه مات في سنة سبعين ومائة وهو في عشر التسعين ، وذكر انه حج فشهد جنازة أبي الطفيل بمكة قال بن داسة أنا المغيرة بن محمد المهلبي سمعت علي بن المديني سمعت وهب بن جرير عن أبيه قال رأيت أبا الطفيل بمكة قلت فلم لم تسمع منه قال كان طواف واحد يا بني أحب إلي من ذلك ، قال أحمد بن حنبل جرير بن حازم صاحب سنة.

٤٩٦

الحرب. فوثب عليه أهل الكوفة وانتهبوا ماله وخرقوا سرادقه وشتموه وعجّزوه ثم انصرفوا عنه ولحقوا بالكوفة!

فبلغ الخبر قيسا فخرج إلى أصحابه فقال : يا قوم إن هؤلاء القوم كذّبوا محمد وكفروا به ما وجدوا إلى ذلك سبيلا! فلمّا أخذتهم الملائكة من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم دخلوا في الإسلام كرها ، وفي أنفسهم ما فيها من النفاق! فلمّا وجدوا السبيل إلى خلافه ، أظهروا ما في أنفسهم! وإن الحسن عجز وضعف وركن إلى صلح معاوية ، فإن شئتم أن تقاتلوا بغير إمام فعلتم؟! وإن شئتم ان تدخلوا في الفتنة دخلتم؟ قالوا : فإنّا ندخل في الفتنة! فأعطى معاوية حسنا ما أراد ، في صحيفة بهث بها إليه مختومة ، اشترط الحسن فيها شروطا ، فلما بايع معاوية لم يعطه مما كتب شيئا (ظ)! فانصرف الحسن إلى المدينة ومعاوية إلى الشام.(١)

رواية زهير بن معاوية (١٦٤ ـ ١٧٣ هـ)

وقال أسود بن عامر حدثنا زهير بن معاوية قال حدثنا أبو روق الهمداني قال حدثنا أبو الغريف قال كنا مقدمة الحسن بن علي اثنا عشر ألفا بمسكن مستميتين تقطر أسيافنا من الحد على قتال أهل الشام وعلينا أبو العَمَرّطة(٢) فلما جاءنا صلح الحسن بن علي ، كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ :

فلما قدم الحسن بن علي الكوفة ، قال له رجل منا يقال له أبو عامر سفيان بن الليل السلام عليك يا مذل المؤمنين ، فقال لا تقل ذلك يا أبا عامر لست بمذل المؤمنين ، ولكن كرهت أن اقتلهم على الملك.(٣)

رواية عون بن موسى الليثي : (توفي قبل المائتين)

وروى ابن سعد أيضا عن موسى بن اسماعيل (ت ٢٢٣ هـ) قال حدثنا (عون بن موسى الليثي البصري) قال سمعت هلال بن خباب يقول جمع الحسن بن علي رؤوس

__________________

(١) البلاذري ،انساب الاشراف ج ٣ ص ٥١ ـ ٥٢.

(٢) هو عمير بن يزيد الكندي. الطبري :تاريخ الطبري ج ٥ ص ٣٠ ، ٢٥٨.

(٣) الفسوي ،المعرفة والتاريخ ، ج ١ ص ٣١٧ ، الخطيب البغدادي ،تاريخ بغداد ج ١٠ ص ٣٥.

٤٩٧

أصحابه في قصر المدائن فقال : يا أهل العراق لو لم تذهل نفسي عنكم الا لثلاث خصال لذهلت ، مقتلكم أبي ومطعنكم بغلتي وانتهابكم ثقلي او قال ردائي عن عاتقي وانكم بايعتموني على تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت واني قد بايعت معاوية فاسموا له واطيعوا ثم نزل فدخل القصر.(١)

سكين بن عبد العزيز القطان البصري (ت قبل المائتين)

وروى يعقوب البسوي الخبر الانف الذكر بسند آخر قال حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي ت ٢١٣ عن سكين بن عبد العزيز(٢) عن هلال بن خباب قال قال الحسن يا أهل العراق ...

شريك بن عبد الله النخعي القاضي (ت ١٧٧ هـ)

وقد رواه احمد بن حنبل في الفضائل بسند آخر : قال حدثنا عبد الله حدثنيعثمان بن أبي شيبة ثنا شريك(٣) (بن عبد الله النخعي القاضي) عن أبي إسحاق عن عاصم بن

__________________

(١) رواه الخطيب البغدادي فيتاريخ بغداد ج ١ ص ١٣٩ بطرقه عن يعقوب بن سفيان وعنابن سعد ، ورواه ابن حجر في الاصابة عن يعقوب بن سفيان ، ورواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ للفسوي ج ٣ ص ٣١٧ عن سعيد بن منصور عن عون بن موسى.

(٢) ابن عدي ، الكامل في ضعفاء الرجال : سكين بن عبد العزيز بن قيس العبدي بصري سمعت بن حماد يقول سكين بن عبد العزيز ليس بالقوي قاله النسائي ، قال الشيخ ولسكين غيرما ذكرت وليس بالكثيروفيما يرويه بعض النكرة وأرجو أن بعضها يحمل بعضا وأنه لا بأس به لأنه يروي عن قوم ضعفاء وليس هم بمعروفين ولعل البلاء منهم ليس منه.

(٣) الذهبي تذكرة الحفاظ : م ٤ شريك بن عبد الله القاضي أبو عبد الله النخعي الكوفي أحد الأئمة الاعلام مات في ذي القعدة سنة سبع وسبعين ومائة وله اثنتان وثمانونسنةرحمه‌الله . قال يحيى أتيته بالكوفة فأملى علي فإذا هو لا يدرى يعني شريك ، حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا معاوية بن صالح قال سألت أحمد بن حنبل عن شريك فقال كان عاقلا صدوقا محدثا عندي وكان شديدا على أهل الريب والبدع ، قلت له كيف كان مذهبه في علي وعثمان قال لا أدري. وعن علي بن قادح قال جاء عتاب وآخر إلى شريك فقال له عتاب الناس يقولون إنك شاك قال يا أحمق كيف أكون شاكا لوددت أني كنت مع على فخضبت يدي بسيفي من دمائهم ، حدثنا عبد الله بن حمدويه البغلاني قال حدثنا علي بن خشرم قال حدثنيحفص بن غياث قال سمعت شريكا يقول قبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فاستخلف المسلمون أبا بكر فلو علموا أن فيهم أحدا أفضل منه قالوا قد غشونا ثم استخلف أبو بكر عمر فقام بما قام به من الحق والعدل فلما حضرته الوفاة جعل الأمر شورى بين ستة نفر من أصحاب

٤٩٨

ضمرة قال قلت للحسن بن علي ان الشيعة يزعمون ان عليا رضي الله تعالى عنه يرجع قال كذب أولئك الكذابون لو علمنا ذاك ما تزوج نساؤه ولا قسمنا ميراثه.

الاحتجاج مرسلا عن زيد بن وهب الجهني قال : «لما طُعِن الحسنعليه‌السلام بالمدائن أتيته وهو متوجع وقلت ما ترى يا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فان الناس متحيرون ، فقال الامام الحسنعليه‌السلام أرى والله معاوية خيرا لي من هؤلاء. يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي ، والله لان آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي وآمن به في أهلي خيرا من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأنهم والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما في الله ، لان أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير أويمن علي فتكون سبة على بني هاشم إلى آخر الدهر ، ومعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت.».(١)

أقول :

مر علينا في الفصل الرابع نموذج من الروايات الموضوعة في الطعن بالعقيدة بالوصية لعليعليه‌السلام .

وفي الفصل الخامس روايات أبي مخنف في القاء تبعة قتل الحسين على أهل الكوفة بخلاف أحاديث الأئمة من ذرية الحسين إذ يلقون التبعة على جيش أهل الشام.

وفي الفصل السادس نموذج من الروايات الموضوعة الطاعنة في الكوفيين على لسان عليعليه‌السلام والحسن وفي الفصل السابع نموذج من الروايات الموضوعة الطاعنة في الحسنعليه‌السلام .

__________________

النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فاجتمعوا على عثمان فلو علموا أن فيهم أفضل منه كانوا قد غشونا قال علي وأخبرني بعض أصحابنا من أهل الحديث أنه عرض هذا الحديث على عبد الله بن إدريس فقال عبد الله بن إدريس أنت سمعت هذا من حفص بن غياث قال قلت نعم قال الحمد لله الذي أنطق بهذا لسانه فوالله إنه لشيعي وإن شريكا لشيعي ، حدثنا محمد بن عثمان قال حدثنا عبد الله بن محمد بن سالم قال حدثنا محمد بن سعيد قال ذكر قوم معاوية عند شريك فقال بعضهم كان حليما فقال ليس بحليم من سفه الحق وقاتل علي بن أبي طالب ، قال محمد بن يحيى بن سعيد القطان قال قال أبي نظرت في أصول شريك فإذا الخطأ في أصوله.

أحمد بن حنبل ،مسند أحمد ، ج ١ ص ١٤٨ ، وفي فضائل الصحابة أيضا باسناد آخر.

(١) المجلسي ،بحار الانوار ، ج ٤٤ ص ٢١. عن الاحتجاج للطبرسي.

٤٩٩

وفي الفصل الثامن ايضا.

فلِمَ لا تكون الروايات الطاعنة في الكوفيين التي اوردناها انفا موضوعة أيضا وبخاصة وان رواتها قد ظهروا في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري وما بعده وهي فترة قمة مواجهة الاعلام العباسي لخصومهم الحسنيين والشيعة والتشيع الذي كان يتزعمه الامام الصادق والأئمة من ولده والكوفة كما مر علينا كانت قلعتهم الحصينة وقد استهدفها الخليفة الدوانيقي وابناؤه إلى ابن المعتز الذي نظم سياسة آبائه في ارجوزته المعروفة؟.

أقول :

ان الحلكم بالوضع على هذه الروايات لا يحتاج إلى دراسة تفصيلية للاسانيد ما دامت تلتقي هذه الروايات مع سياسة الاعلام العباسي في مواجهة المدينة التي تشكل قلعة خصومهم ، وتشويه شخصية الحسنعليه‌السلام وصلحه وانه كان من اجل المال لتجريد الحسنيين من تاريخ ابيهم المشرق وغيره ذلك مما لا يخفى على القارئ سقمه وكذبه.

ولكني تناولت ترجمة بعض رواتها ليكون القارئ في الصورة من كون بعث رواية الزهري التي شوهت صورة الصلح ثم وضع روايات إلى جنبها تؤيدها شاهد لايُردّ على صحة النظرية التي قدمتها في قراءتي الجديدة من ان هذا الكم الهائل من الروايات قد جاء تلبية لرغبة العباسيين في تطويق خصومهم الحسنيين ، ولعل الله تعالى يهيء باحثين يجدوا في البحث متعة واهمية ان يكملوا المشروع بدراسة أسانيد كل الروايات فان في ذلك نتائج أخرى جديدة لا تقل أهمية عن النتائج التي عرضناها في الكتاب.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611