الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام0%

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 216

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف:

الصفحات: 216
المشاهدات: 59895
تحميل: 5079

توضيحات:

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59895 / تحميل: 5079
الحجم الحجم الحجم
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

مؤلف:
العربية

هذا وإن سلوك الحكام والولاة مع الناس آنئذٍ لم يكن إسلامياً على وجه العموم. وإن إلقاء نظرة سريعة على معاملتهم للناس آنئذٍ ، تكفي لإطاء صورة عن ذلك وكنموذج على ذلك نذكر النص التالي :

« لم يزل أهل أفريقية من أطوع البلدان وأسمعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك ، حتى دب إليهم أهل العراق ، واستثاروهم ، فشقوا العصا ، وفرقوا بينهم إلى اليوم ، وكانوا يقولون : لا نخالف الأئمة بما تجني العمال ، فقالوا لهم : إنما يعمل هؤلاء بأمر أولئك ، فقالوا حتى نَخْبُرَهُم.

فخرج ميسرة في بضعة وعشرين رجلاً ، فقدموا على هشام ، فلم يؤذن لهم ، فدخلوا على الأبرش ، فقالوا : أبلغ أمير المؤمنين : أن أميرنا يغزو بنا ، وبجنده ، فإذا غنمنا نفّلهم ، ويقول : هذا أخلص لجهادنا وإذا حاصرنا مدينة قدمنا وأخرهم ، ويقول : هذا ازدياد في الأجر ، ومثلنا كفى إخوانه. ثم إنهم عمدوا إلى ماشيتنا ، فجعلوا يبقرون بطونها عن سخالها ، يطلبون الفراء البيض لأمير المؤمنين ، فيقتلون ألف شاة في جلد ، فاحتملنا ذلك. ثم إنهم سامونا أن يأخذوا كل جميلة من بناتنا. فقلنا : لم نجد هذا في كتاب ولاسنة ، ونحن مسلمون ، فأحببنا أن نعلم : أعن رأي أمير المؤمنين هذا ، أم لا؟!

فطال عليهم المقام ، ونفدت نفقاتهم ، فكتبوا أسماءهم ودفعوها إلى وزرائه ، وقالوا : إن سأل أمير المؤمنين ، فأخبروه ، ثم رجعوا إلى أفريقية ، فخرجوا على عامل هشام ، فقتلوه ، واستولوا على افريقية ، وبلغ الخبر هشاماً ، فسأل عن النفر ، فعرف أسماءهم ، فإذا هم الذين صنعوا ذلك »(1) .

ويذكر نص آخر : أن قتيبة بن مسلم أوقع باهل الطالقان ، فقتل من أهلها مقتلة عظيمة ، لم يسمع بمثلها ، وصلب منهم سماطين : أربعة فراسخ في نظام واحد ، الرجل بجنب الرجل ، وذلك مما كسر جموعهم »(2) .

__________________

1 ـ الكامل لابن الأثير ، ج 3 ص 92 و 93 وتاريخ الطبري ج 3 ص 313.

2 ـ البداية والنهاية ج 9 ص 78 و 81 والكامل لابن الأثير ج 4 ص 545.

١٤١

كما أن بعضهم يعطي أماناً لبلد في معالمة جرجان ، على أن لا يقتل منهم رجلاً واحداً ، فيقتلهم جميعاً إلا رجلاً واحداً(1) .

وآخر يصالح أهل مدينة قنسرين ، ويجعل من جملة الشروط : أن يهدم المدينة من الأساس وهكذا كان(2) .

وأيضاً : فقد دعا نائب خراسان : « أهل الذمة بسمرقند ، ومن وراء النهر إلى الدخول في الإسلام ، ويضع عنهم الجزية ، فأجابوه إلى ذلك ، وأسلم غالبهم ، ثم طالبهم بالجزية ، فنصبوا له الحرب ، وقاتلوه »(3) .

كما أن عقبة بن نافع ، الذي ولاَّه معاوية ابن أبي سفيان على افريقية ، حينما دخلها « وضع السيف في أهل البلاد ، لأنهم كانوا إذا دخل إليهم أمير أطاعوا ، وأظهر بعضهم الإسلام ، فإذا عاد الأمير عنهم نكثوا ، وارتد من أسلم »(4) .

وقال ابن الأثير : « لما رأى أهل فارس ما يفعل المسلمون بالسواد ، قالوا لرستم والفيرزان ، وهما على أهل فارس : لم يبرح بكما الاختلاف حتى وهنتما أهل فارس الخ »(5) .

وأمثال ذلك كثير جداً.

ولأجل ذلك ، فقد اشتدت مقاومة أهل البلاد المفتوحة ، وكثر نقض العهود ، حتى اضطر المسلمون إلى فتح كثير من البلاد أكثر من مرة ، كما ألمحنا إليه فيما سبق.

__________________

1 ـ تاريخ الطبري ج 3 ص 324 والكامل لابن الأثير ج 3 ص 110 والبداية والنهاية ج 7 ص 154.

2 ـ الفتوحات الإسلامية لدحلان ج 1 ص 53 والكامل لابن الأثير ج 2 ص 493 وتاريخ الطبري ج 3 ص 98.

3 ـ البداية والنهاية ج 9 ص 259 / 260.

4 ـ الكامل لابن الأثير ج 3 ص 465.

5 ـ الكامل لأبن الأثير ج 2 ص 448.

١٤٢

ب : آثار الفتوح على الفاتحين :

وبعد كل ما تقدم فإن سياسات التمييز في العطاء ، وتفضيل العرب على غيرهم ، ثم حبس كبار الصحابة في المدينة ، وتولية الأعمال الجليلة ، وقيادة الجيوش خاصة ، لفئة خاصة ، لم تكن على الأغلب تملك رصيداً روحياً ، ولا ثقافياً إسلامياً ، سوى أنها تتمتع بثقة الهيئة الحاكمة ، أو انها رأت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لبرهة وجيزة جداً ، أو أنها من قريش.

ـ إن كل ذلك وسواه من سياسات ، ليس فقط قد جعل من هذه الأمة المنتصرة أمة مغرورة ، معجبة بنفسها ، لا تقف عند حدٍ ، ولا تنتهي إلى غاية وخلق طبقة من الأثرياء ، الذين اتخمهم المال ، وأبطرتهم النعمة ، مع عدم وجود روادع دينية أو وجدانية كافية لديهم. وقد كان معظمهم من أبناء واعضاء الهيئة الحاكمة ، وأعوانهم المقربين ، ومن قريش بصورة خاصة ، فنال الأمة منهم كل مكروه ، وأصيب الإسلام على أيديهم في مقاتله

نعم لقد بهرتهم المناصب ، وأسالت لعابهم الفتوحات ، بما فيها من غنائم وسبايا ، وبسط نفوذ ، فشمخ كل منهم بأنفه ، ونظر في عطفه ، وتكبر ، وتجبر ، لأنه كان يتعامل مع الواقع الجديد بعقليته الجاهلية ، التي تعتبر القبيلة ، لا الأمة أساساً ، والفرد ـ لا الجماعة ـ ميزاناً ، ومنطلقاً لمجمل تعامله ، وعلاقاته ، وكل مواقفه وحركاته وصاروا يهتمون بتقوية أمرهم ، وتثبيت سلطانهم ، فصاروا يجمعون الأنصار بالمال ، وبالإغراء بالمناصب(1) ، ثم بالإصهار إلى القبائل ، وبغير ذلك من سياسات ، ليس الترهيب والقمع في كثير من الأحيان إلا واحداً منها(2) واستمروا في بسط نفوذهم وسلطانهم على

__________________

1 ـ قد تقدم نموذج من ذلك بالنسبة لأبي سفيان ، وغيره.

2 ـ كما جرى لأبي ذر ، وابن مسعود ، وعمار وغيرهم ولا سيما في عهد معاوية فمن بعده

١٤٣

أساس أنه ملك قبلي فردي بالدرجة الأولى(1) .

وإذا كان أبو بكر ، وكذلك عمر لا يدري : أخليفة هو أم ملك(2) فإن معاوية بن أبي سفيان كان نفسه ملكاً بالفعل ، وكذلك كان يعتبره الكثيرون(3) . بل إن عمر نفسه قد اعتبر نفسه ملكاً في بعض المناسبات(4) .

نعم لقد كان معاوية ، والأمويون يعتبرون أنفسهم ـ بل ويعتبوهم كثيرون ـ ملوكاً قيصريين..وأن على الدين والإسلام ـ بنظرهم ـ أن يكون مجرد شعار ن يخدم هذا الملك ويقويه ، وإذا وجدوا فيه أنه سيكون مانعاً لهم من الوصول إلى ما يطمحون إليه ، ويعملون في سبيل الحصول عليه ، فلا بد من تدميره ، واستئصاله من جذوره.

فالمستفيدون الحقيقيون من تلك الفتوحات ـ ولاسيما على المدى البعيد ـ هم خصوص هذه الطبقة دون سواها ، كانوا يحصلون على النفائس ، والأقطاع ، والذهب ، وصوافي الغنائم وهم الذين لا بد أن يختصوا بالحسناوات من النساء ، بعنوان سبايا وجواري وقد بلغت الثروات في عهد الخلفاء الثلاثة الأول أرقاماً خيالية ، كما تدل عليه الكثير من النصوص التاريخية(5) . وقد زادت هذه الأرقام وتضاعفت في عهد الحكم الاموي ، الذي

__________________

1 ـ حتى كانوا يعتبرون السواد بستاناً لقريش ، والقضية معروفة..

2 ـ راجع : طبقات ابن سعد ج 3 قسم 1 ص 221 وشرح النهج للمعتزلي ج 2 ص 66 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 4 ص 383 و 389 وحياة الصحابة ج 3 ص 476 و ج 2 ص 36 و 37 و 256 والتراتيب الإدارية ج 1 ص 13 وعن كنز العمال ج 2 ص 317 ج 3 ص 454 وعن نعيم بن حماد في الفتن والطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 ص 306 ط صادر وتاريخ الخلفاء ص 140.

3 ـ قد تقدم بعض المصادر لذلك.

4 ـ الفتوحات الإسلامية لدحلان ج 2 ص 290 وحياة الصحابة ج 2 ص 256 عن كنز العمال ج 2 ص 317. وطبقات ابن سعد ج 3 ص 219 وعن ابن جرير وابن عساكر.

5 ـ راجع : مشاكلة الناس لزمانهم ص 12 حتى 18 ومروج الذهب والغدير ج 8 و 9 وجامع بيان العلم ج 2 ص 17 و 16 والبداية والنهاية ج 7 ص 164 وربيع الأبرار ج 1 ص 830 والتراتيب الإدارية ج 2 ص 32 ـ 24 ـ 29 ـ و 395 و 424 و 397 حتى

=

١٤٤

لم يكن يقف عند حدود ، ولا يرجع إلى دين ، حتى أن خالداً القسري كان يتقاضى راتباً سنوياً قدره عشرون مليون درهم ، بينما كان ما يختلسه كان يتجاوز المئة مليون(1) .

بل إننا نجد : أن من يقال عنه : أنه من أزهد الناس ، وهو عمر بن الخطاب ، بل يقولون : إنه لم يترك صامتاً(2) . وكان يرتزق من بيت المال ، ويقتر على نفسه كثيراً ، كما ذكرته بعض النصوص ، وكانت قد أصابته خصاصة ، فاستشار الصحابة فأشاروا عليه أن يأكل من بيت المال ما يقوته(3) .

ولما حج فبلغت نفقته ستة عشر ديناراً قال : أسرفنا في هذا المال(4) .

إن عمر هذا قد أصدق زوجته أربعين ألف درهم أو دينار(5) . وقيل مئة ألف(6) . كما أنه أعطى صهراً له قدم من مكة عشرة آلاف درهم

__________________

= ص 405 و 420 و 424 و 435 والعقد الفريد ج 4 ص 322 ـ 324 وحياة الصحابة ج 2 ص 241 ـ 250. وغير ذلك كثير.

1 ـ السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات ص 32 و 25 و 24 وغير ذلك من صفحات ، ترجمة الدكتور حين إبراهيم حسن ، ومحمد زكي إبراهيم.

وفي البداية والنهاية ج 9 ص 325 : أن دخل خالد القسري كان عشرة ملايين دينار سنوياً.

2 ـ جامع بيان العلم ج 2 ص 17.

3 ـ راجع طبقات ابن سعد ج 3 قسم 1 ص 221 و 222 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ص 411 وحياة الصحابة ج 2 ص 301.

4 ـ تاريخ الخلفاء ص 141 وطبقات ابن سعد ط صادر ج 3 ص 308 و 279 ودلائل الصدق ج 3 قسم 1 ص 212 عن تاريخ الخلفاء والصواعق المحرقة.

5 ـ الفتوحات الإسلامية لدحلان ج 2 ص 55 والتراتيب الإدارية ج 2 ص 405 والبحر الزخار ج 4 ص 100 وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج 2 ص 190 وعدة رسائل للشيخ المفيد ص 227.

وقيل : عشرة آلاف.

6 ـ أنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 2 ص 190 وعدة رسائل للشيخ المفيد ، المسائل السروية ص 227.

١٤٥

من صلب ماله(1) .

بل يقولون : « إن ابناً لعمر باع ميراثه من عمر بماءة ألف درهم »(2) .

ويؤيد ذلك ما يذكره أبو يوسف : من أنه « كان لعمر بن الخطاب أربعة آلاف فرس موسومة في سبيل الله تعالى ، فإذا كان في عطاء الرجل خفة ، أو كان محتاجاً ، أعطاه الفرس ، وقال له : إن أعييته ، أو ضيَّعته من علف ، أو شرب ، فأنت ضامن ، وإن قاتلت عليه فأُصيب ، أو أصبت ، فليس عليك شيء »(3) .

فإن الظاهر هو : أن هذه الأفراس كانت له ، وقد فعل ذلك تقرباً إلى الله ، ولا يبعد ذلك ، إذا كان إرث واحد ـ من أولاده مئة ألف فقط.

ولقد كان هذا في الوقت الذي كان يعيش فيه البعض أقسى حياة يعيشها إنسان ، فلم يكن يملك سوى رقعتين ، يستر بإحداهما فرجه ، وبالأخرى دبره(4) .

ولعله لاجل هذا ، ولأجل الحفاظ على الوجه الزهدي للخليفة ، نجد الحسن البصري ، يحاول الدفاع عن الخليفة الثاني في هذا المجال بالذات ، حيث إنه حينما يسأله البعض ، إن كان عمر بن الخطاب أوصى بثلث ماله : أربعين ألفاً ، يحاول إنكار ذلك ، ثم توجيهه بقوله :

لا والله ، لمالهُ كان أيسر من أن يكون ثلثه اربعين ألفاً. ولكن أوصى بأربعين ألفاً ، فأجازوها »(5) .

وعلى كل حال ، فإننا نستطيع أن نحشد الكثير الكثير من الشواهد والأدلة

__________________

1 ـ طبقات ابن سعد ج 3 ص 219 والفتوحات الإسلامية لدحلان ج 2 ص 390 وحياة الصحابة ج 2 ص 256 عن ابن سعد ، وعن كنز العمال ج 2 ص 317 وعن ابن جرير وابن عساكر.

2 ـ جامع بيان العلم ج 2 ص 17.

3 ـ الخراج ص 51.

4 ـ المصنف لعبد الرزاق ج 6 ص 367 وراجع ص 268 والبيهقي ج 7 ص 209.

5 ـ جامع بيان العلم ج 2 ص 17.

١٤٦

على مدى اهتمام الحكام وأعوانهم ، وكل من ينتسب إليهم بجمع الأموال ، والحصول على الغنائم ، بحق أو بغير حق. ويكفي أن نذكر : أن زياداً بعث « الحكم بن عمر الغفاري على خراسان ، فأصابوا غنائم كثيرة ، فكتب إليه زياد : أما بعد ، فإن أمير المؤمنين كتب : أن يصطفي له البيضاء والصفراء ، ولا يقسم بين المسلمين ذهباً ولا فضة » فرفض الحكم ذلك ، وقسمه بين المسلمين ، فوجه إليه معاية من قيده ، وحبسه. فمات في قيوده ، ودفن فيها. « وقال : إني مخاصم »(1) .

هذا وقد بدأ التعذيب في الجزية من زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب(2) .

بل لقد رأيناهم يضربون الجزية حتى على من أسلم من أهل الذمة ، وذلك بحجة : أن الجزية بمنزلة الضريبة على العبد ، فلا يسقط إسلام العبد ضريبته. لكن عمر بن عبد العزيز شذّ عن هذه السياسة ، وأسقطها عنهم ، كما يذكرون(3) .

كما أن عمر بن الخطاب قد حاول أخذ الجزية من رجل أسلم ، على اعتبار : أنه : إنما أسلم متعوذاً ، فقال له ذلك الشخص : إن في الإسلام لمعاذاً. فقال عمر : صدقت ، إن في الإسلام لمعاذاً(4) .

____________

1 ـ مستدرك الحاكم ج 3 ص 442 / 443 وتلخيصه للذهبي بهامشه وحياة الصحابة ج 2 ص 80 و 81 عنه وراجع : الاستيعاب ج 1 ص 316 والإصابة ج 1 ص 347.

2 ـ راجع : المصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 245 فما بعدها ، وراجع : تاريخ جرجان ص 107 / 108.

3 ـ راجع ذلك ، وحول ضرب الجزية على من أسلم : تاريخ الدولة العربية ص 235 وتاريخ التمدن الإسلامي ، المجلد الأول ص 273 / 274 والمجلد الثاني ص 360 عن ابن الأثير ج 4 ص 261 و 68 و 225 و ج 5 ص 111 و 48 و 24 وابن خلكان ج 2 ص 277 والعراق في العصر الأموي ص 66 عن الأموال لأبي عبيد ص 48 والفتوحات الإسلامية ج 1 ص 249 ، وفجر الإسلام ص 96 عن ابن الأثير 4 / 179. وأحكام القرآن للجصاص ج 1 ص 102.

4 ـ المصنف لعبد الرزاق ج 6 ص 94 ولا بأس بمراجعة : السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات ص 26 ـ 56.

١٤٧

وأما مضاعفته الجزية على نصارى تغلب ، فهي معروفة ومشهورة(1) .

وقال خالد ين الوليد ، يخاطب جنوده ، ويرغبهم بأرض السواد : « ألا ترون إلى الطعام كرفغ(2) التراب؟. وبالله ، لو لم يلزمنا الجهاد في الله ، والدعاء إلى الله عز وجل ، ولم يكن إلا المعاش لكان الرأي : أن نقارع على هذا الريف ، حتى نكون أولى به ، ونولي الجوع والإقلال من تولى ، ممن اثاقل عما أنتم عليه »(3) .

وفي فتح شاهرتا ، يعطي بعض عبيد المسلمين أماناً لأهل المدينة ، فلا يرضى المسلمون ، وينتهي بهم الأمر : إلى أن رفعوا ذلك إلى عمر بن الخطاب ، فكتب : « إن العبد المسلم من المسلمين ، أمانه أمانهم. قال : ففاتنا ما كنا أشرفنا عليه من غنائمهم »(4) .

وقال أحد الشعراء عند وفاة المهلب :

الا ذهـب الغـزو المقـرب للغـنـى

ومـات النـدى والجـود بعد المهلـب



وعدا عن ذلك كله ، فإن قبيلة بجيلة تأبى الذهاب إلى العراق ، حتى ينفلها الحاكم ربع الخمس من الغنائم(5) .

نعم إن ذلك كله ، لم يكن إلا من أجل ملء جيوبهم ، ثم التقوي ـ أحياناً ـ على حرب خصومهم.

ولكن ما ذكره خالد بن الوليد آنفاً ليس هو كل الحقيقة ، وذلك لأن ما كان

__________________

1 ـ سنن البيهقي ج 9 ص 216 والمصنف لعبد الرزاق ج 6 ص 50.

2 ـ الرفغ : الأرض الكثيرة التراب ، يقال : « جاء بمال كرفغ التراب : أي في كثرته » أقرب الموارد ج 1 ص 419.

3 ـ العراق في العصر الأموي ص 11 عن الطبري ج 4 ص 9 ، ولا بأس بمراجعة الكامل لابن الأثير ج 2 ص 488.

4 ـ المصنف ج 5 ص222 و 223 وسنن البيهقي ج 9 ص 94.

5 ـ راجع : الكامل في التاريخ ج 2 ص 441.

١٤٨

يصل إلى الطبقة المستضعفة من الجند ، لم يكن إلا أقل القليل ، مما لا يكفي لسد خلتهم ، ورفع خصاصتهم ، بل كان محدوداً جداً ، لا يلبث أن ينتهي ويتلاشى ، مع أنهم كانوا هم وقود تلك الحروب ، وهم صانعوا النصر والظفر فيها وقد يكون الكثيرون منهم ممن قد افتتحت أرضهم بالأمس القريب. ثم هم يحرمون من كثير من الامتيازات ، حسبما تقدم بالنسبة لأهل افريقية ، الذين قدموا ليشتكوا للخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.

ولكن أكثر هؤلاء قد أصبحوا يجدون في هذه الحروب مصدر عيش لهم ، يحصلون عن طريقه على المال ، مهما كان ضئيلاًوزهيداً ، وذلك مما يرضيهم بطبيعة الحال ، ويجعلهم ـ لو كان فيهم من له أدنى اطلاع على الإسلام وأحكامه ـ يغمضون العين عن جميع ممارسات الحكام ، وأعمالهم الشيطانية واللاإسلامية

وبعض الانتفاضات وإن كانت قد حصلت في بعض الفترات ولكنها لا تلبث أن تنتهي ، وسرعان ما تسحق ، أمام الضربات الماحقة ن التي يسددها إليها الحكام آنئذٍ.

وعلى كل حال فإن الحرب من أجل الغنائم والأموال ، كانت هي الصفة المميزة لأكثر تلك الفتوحات ، وكأنني أتذكر ـ وإن كنت لم أستطع العثور على ذلك الآن رغم بحثي الجاد ـ إن في بعض المعارك يعلن الفريق الآخر إسلامه ، فلا يلتفتون إليهم ، ويعتبرونهم كاذبين ، وذلك طمعاً في أموالهم ونسائهم.

وقد نجد آثار هذه الظاهرة ، حتى في زمن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً ، حيث إن المسلمين لم يكونوا قد بلغوا مرحلة النضج الرسالي بعد ، ولا تفاعلوا مع الأسلام وأحكامه على النحو المطلوب. بل كانت لا تزال فيهم بعض النزعات الجاهلية ن والأطماع الدنيوية ، فيقول الحارث بن مسلم التميمي : إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أرسلهم في سرية ، قال :

« فلما بلغنا المغار استحثثت فرسي ، وسبقت أصحابي ، واستقبلنا الحي بالرنين ، فقلت لهم : قولوا لا إله إلا الله تحرزوا؟ فقالوها.

١٤٩

فجاء أصحابي ، فلاموني ، وقالوا : حرمتنا الغنيمة بعد أن بردت في أيدينا. فلما قفلنا ذكروا ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعاني ، فحسَّن ما صنعت ، وقال : أما إن الله قد كتب لك من كل إنسان منهم كذا و كذا الخ »(1) .

وقال الزبير للذي سأله عن مسيره لحرب علي (ع) : « حدثنا أن هاهنا بيضاء وصفراء ـ يعني دراهم ودنانير ، فجئنا لنأخذ منها »(2) .

وبعد ذلك كله ، فقد قال المعتزلي في مقام إصراره على لزوم دخول علي في الشورى ، لأن الأحقاد عليه من قريش والعرب كانت على أشهدها ـ قال ـ : « لا كإسلام كثير من العرب ، فبعضهم تقليداً وبعضهم للطمع والكسب ، وبعضهم خوفاً من السيف ، وبعضهم على طريق الحمية والانتصار ، أو لعدواة قوم آخرين من أضداد الإسلام وأعدائه »(3) .

وبعد كل ما تقدم فطبيعي : أن حياة النعيم والرفاهية لدى الهيئة الحاكمة وأعوانها ، وكذلك التمتع بالحسناوات والجواري ، من شأنه أن يزرع بذور الخمول ، وحب السلامة ، والإخلاد للراحة ، بحثاً عن الملذات ثم يستتبع ذلك : العمل على دفع الآخرين ليخوضوا الغمرات ، ويقدموا التضحيات ، في سبيل تأمين المزيد من تلك الامتيازات ، وفي سبيل حمايتها أيضاً :

تربية النشء على أيدي غير المسلمات :

هذا كله عدا عن أن الجواري اللواتي لم يسلمن ، أو لم يتعمق الإسلام في قلوبهن على الأكثر قد كن يعشن في قلب ذلك المجتمع ، وكن يتولين

__________________

1 ـ كنز العمال ج 15 ص 330 عن أبي نعيم ، والحسن بن سفيان.

2 ـ أنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 2 ص 271.

3 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 13 ص 300.

١٥٠

تربية النشء الجديد فيه ، سواء كان من أولادهن ، أو من أولاد الأخريات من الحرائر.

وقد رأينا : أن الكثيرين من الأشراف والرؤساء قد كانوا من أمهات نصرانيات ، فقد :

1 ـ كان لأولاد سعد بن أبي وقاص معلم نصراني(1) .

2 ـ يوسف بن عمرو الذي كانت أمه نصرانية ، كما نص عليه كثير من المؤرخين(2) .

3 ـ خالد القسري ، الذي بنى لأمه كنيسة كما نص عليه كثير من المؤرخين أيضاً(3) وكان خالد يهدم المساجد ، ويبني البيع والكنائس ، ويولي المجوس الخ(4) وكان جد خالد من يهود تيماء(5) .

4 ـ الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي.

5 ـ عبيدة السلمي.

6 ـ أبو الأعور السلمي.

7 ـ حنظلة بن صفوان.

8 ـ عبد الله بن الوليد بن عبد الملك.

9 ـ يزيد بن أسيد.

10 ـ عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان.

11 ـ العباس بن الوليد بن عبد الملك.

12 ـ مالك بن ضب الكلبي.

__________________

1 ـ أنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 2 ص 292.

2 ـ راجع على سبيل المثال : أنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 3 ص 88.

3 ـ راجع على سبيل المثال : وفيات الأعيان ج 1 ص 169 والأغاني ج 19 ص 59 ط ساسي والبداية والنهاية ج 10 ص 20 و 21 والغدير ج 5 ص 294 وطبقات الشعراء لابن سلام ص 80.

4 ـ راجع : العراق في العصر الأموي ص 240.

5 ـ الأغاني ط ساسي ج 19 ص 57.

١٥١

13 ـ شقيق بن سلمة أبو وائل.

14 ـ عبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي(1) .

15 ـ عمر بن أبي ربيعة(2) .

16 ـ وأبو سلمة بن عبد الرحمن(3) .

وذكر ابن حبيب طائفة من أبناء اليهوديات من قريش مثل : :

1 ـ عاصم بن الوليد بن عتبة.

2 ـ هاشم بن عتبة بن نوفل.

3 ـ عامر بن عتبة بن نوفل.

4 ـ قويت بن حبيب بن أسد.

5 ـ عيسى بن عمارة بن عقبة.

6 ـ عمرو بن قدامة بن مظعون.

7 ـ أبو عزة الجمحي الشاعر.

8 ـ الخيار بن عدي.

9 ـ الحصين بن سفيان بن أمية وغيرهم(4) .

وكان حبيب بن أبي هلال الذي يروي عن سعيد بن جبير قد عشق امرأة نصرانية فكان يأتي إلى البيعة لأجلها ، فجرحه علماء الرجال بذلك.

بل قيل إنه قد تنصر وتزوج بها(5) .

بل إن طلحة قد تزوج بيهودية في زمن عمر(6) .

__________________

1 ـ المحبَّر : ص 305 / 306. وراجع : الاعلاق النفيسة : ص 213. ونسب قريش لمصعب : ص 319 / 318. وربيع الأبرار : ج 1ص 328.

2 ـ الشعر والشعراء : ص 349

3 ـ حياة الصحابة : ج 1 ص 104. والإصابة : ج 1 ص 108.

4 ـ المنمق : ص 506 و 507.

5 ـ المجروحون : ج 1 ص 264.

6 ـ المصنف لعبد الرزاق : ج 7 ص 177 / 178. وتفسير الخازن : ج 1 ص 439.

١٥٢

وتزوج عبد الله بن أبي ربيعة بنصرانية أيضاً وذلك في زمن عمر(1) .

وعثمان أيضاً تزوج بنائلة بنت الفرافصة على نسائه وهي نصرانية(2) .

ومع أنه قد كان لعمر غلام نصراني لم يسلم ، وقد أعتقه حين وفاته(3) .

إلا أننا نجده يعترض على أبي موسى ، لأن كاتبه غلام نصراني(4) .

ويقول الجاحظ : « اكثر من قتل في الزندقة ممن كان ينتحل الإسلام ويظهره هم الذين كان آباؤهم نصارى ، على أنك لو عددت اليوم أهل الظنة ومواضع التهمة لم تجد أكثرهم إلا كذلك »(5) .

ولو أردنا استقصاء هذه الأمور لطال بنا الأمر

وعلى كل حال فإن تربية تلك الجواري للنشء الجديد ـ قد كان من شأنه أن يخفض من المستوى الديني ، ومن مستوى الالتزام بالأحكام الإسلامية لدى ذلك النشء بالذات وهذا بطبيعة الحال ـ من شأنه أن يشكل خطراً جدياً على الإسلام وعلى المسلمين ، ولذلك فإننا نجد الأئمةعليهم‌السلام يهتمون بتربية العبيد والجواري تربية إسلامية صالحة ، ثم عتقهم(6) .

وقد شجع الإسلام العتق على نطاق واسع. وجعل له من الإسباب الإلزامية والراجحة الشيء الكثير ، الذي من شأنه أن يقضي على ظاهرة العبودية من اساسها. بل لقد اعتبر العتق في نفسه راجحاً ، ومن دون أي سبب.

__________________

1 ـ نسب قريش : ص 318 و 319.

2 ـ تفسير الخازن : ج 1 ص 439.

3 ـ التراتيب الإدارية : ج 1 ص 102 عن ابن سعد : ج 6 ص 109 ط ليدن وص 155 ط صادر. وحلية الأولياء ج 9 ص 34 وعن كنز العمال : ج 5 / 50 عن ابن سعد وسعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي شيبة ، وابن أبي حاتم.

4 ـ عيون الأخبار لابن قتيبة : ج 1 ص 43 والدر المنثور : ج 2 ص 291. عن ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان.

5 ـ ثلاث رسائل للجاحظ. رسالة الرد على النصارى : ص 17.

6 ـ راجع كتابنا : دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام المجلد الأول : بحث الإمام السجاد باعث الإسلام من جديد.

١٥٣

طموحات الشباب :

ومن جهة أخرى فإننا نجد : أن الحكام كانوا يستفيدون من تلك الفتوحات في مجال إرضاء طموحات الشباب ، وإشباع غرورهم ، إذا كانوا بصدد تأهيلهم لمناصب عالية ، وإظهار شخصياتهم بل لقد رأينا معاوية يجبر ولده يزيد لعنه الله على قيادة جيش غاز لبعض المناطق(1) والظاهر أن ذلك لأجل ما ذكرناه.

ابعاد المعترضين :

أضف إلى ذلك : أنهم كانوا يستفيدون منها كذلك في إبعاد المعترضين على سياساتهم ، والناقمين على أعمالهم ، وتصرفاتهم ، وكشاهد على ذلك نذكر : أنه لما تفاقمت النقمة على عثمان استدعى بعض عماله ومستشاريه ، وهم : معاوية وعمرو بن العاص ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وسعيد بن العاص ، وعبد الله بن عامر(2) . واستشارهم فيما ينبغي له عمله لمواجهة نقمة الناس على سياساته ، ومطالبتهم له بعزل عماله(3) ، واستبدالهم بمن هم خير منهم ، فأشار عليه عبد الله بن عامر بقوله :

« رأيي لك يا أمير المؤمنين : أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك ، وأن تجمرهم(4) في المغازي ، حتى يذلوا لك ، فلا يكون همة أحدهم إلا نفسه ، وما

__________________

1 ـ راجع المحاسن والمساويء ج 2 ص 222 ونسب قريش لمصعب ص 129 / 130 وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 229.

2 ـ يلاحظ : أن هؤلاء قد كانوا عماله باستثناء عمرو بن العاص. فإنه كان معزولاً آنئذٍ.

3 ـ إن من الطريف جداً : أن يستشير عثمان نفس أولئك الذين يطالب الناس بعزلهم في نفس أمر العزل هذا؟!.

4 ـ التجمير : حبس الجيش في أرض العدو.

١٥٤

هو فيه من دَبَرة دابته ، وقَمَلِ فروه ».

وأضاف في نص آخر قوله :

« فرد عثمان عماله على أعمالهم ، وأمرهم بالتضييق على من قبلهم ، وأمرهم بتجمير الناس في البعوث ، وعزم على تحريم أعطياتهم ، ليطيعوه ، ويحتاجوا إليه »(1) .

وحينما أنكر الناس على عثمان بعض أفعاله ، وأشار عليه معاوية بقتل عليعليه‌السلام ، وطلحة ، والزبير ، فأبى عليه ذلك ، قال له معاوية : « فثانية؟ قال : وما هي؟ قال : فرقهم عنك ، فلا يجتمع منهم اثنان في مصر واحد. واضرب عليهم البعوث والندب ، حتى يكون دَبَر بعير كل واحد منهم أهم عليه من صلاته.

قال عثمان : سبحان الله شيوخ المهاجرين والأنصار ، وكبار أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبقية الشورى ، أخرجهم من ديارهم ، وأفرق بينهم وبين أهليهم؟ الخ »(2) .

ويقول اليعقوبي عن معاوية : « وكان إذا بلغه عن رجل ما يكره قطع لسانه بالإعطاء ، وربما احتال عليه ، فبعث به في الحروب ، وقدمه ، وكان أكثر فعله المكر والحيلة »(3) . إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه في عجالة كهذه

ج : الأئمة عليهم‌السلام وتلك الفتوحات :

1 ـ وبعد كل ما تقدم فإنه يتضح لنا : لماذا لم يتقدم أمير المؤمنين عليه

__________________

1 ـ تاريخ الطبري ج 3 ص 373 و 374 حوادث سنة 34 هـ. وراجع : الفتوح لابن اعثم ج 2 ص 179 ومروج الذهب ج 2 ص 337 وأنساب الأشراف ج 5 ص 89 والكامل في التاريخ ج 3 ص 149.

2 ـ النصائح الكافية ص 86 والإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 31.

3 ـ تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 238.

١٥٥

الصلاة والسلام خطوة واحدة نحو الفتوحات ، وتوسعة رقعة البلاد الإسلامية ، حتى في أيام خلافته ، بل كان يهتم بتركيز العقيدة ، وتثبيت المنطلقات والمثل الإسلامية الرفيعة والنبيلة ، ونشر الفكر القرآني المحمدي الصافي ، وإعطاء خط الإسلام الصحيح للأمة ، وللمتصدين لإدراة شؤونها على حد سواء سواء في نظرتهم ، أو في تعاملهم ومواقفهم ، أو حتى في مجال تربية أنفسهم ، وتهذيبها ، ما وجد إلى ذلك سبيلاً

وقد نوه بذلكعليه‌السلام في خطبة له ، فقال : « وركزت فيكم راية الإيمان ، ووقفتكم على حدود الحلال والحرام الخ »(1) .

هذا كله عدا عن أنهعليه‌السلام كان ـ أيام خلافته منشغلاً بتصفية الجبهة الداخلية من العناصر الفاسدة ، التي لا تزال تعيش المفاهيم الجاهلية ، وتريد أن تحكم الأمة ، وتتحكم بمقدراتها ، وتستخدمها في سبيل أهدافها اللاإنسانية البغيضة

2 ـ وأمر آخر مهم ، لا بد من الإشارة إليه هنا ، وهو : أن الجهاد الابتدائي يحتاج إلى إذن الأمام العادل(2) ونحن نرى : أن أئمة الحق كانوا لا يرون في الاشتراك في هذه الحروب مصلحة ، بل لا يرون نفس تلك الحروب خيراً : فقد روي : أن أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام قال لعبد الملك بن عمرو :

« يا عبد الملك ، ما لي لا أراك يخرج إلى هذه المواضع التي يخرج إليها أهل بلادك؟

قال : قلت : وأين؟.

قال : حدة ، وعبادان ، والمصيصة ، وقزوين!.

فقلت : انتظاراً لأمركم ، والاقتداء بكم.

__________________

1 ـ نهج البلاغة ، بشرح عبده ج 1 ص 153.

2 ـ راجع : الوسائل ج 11 ص 32 فصاعداً والكافي ج 5 ص 20 والتهذيب ج 6 ص 134 فصاعداً.

١٥٦

فقال : إي والله ، لو كان خيراً ما سبقونا إليه »(1) .

وثمة عدة روايات تدل على أنهمعليهم‌السلام كانوا لا يشجعون شيعتهم ، بل ويمنعونهم من الاشتراك في تلك الحروب ، ولا يوافقون حتى على المرابطة في الثغور أيضاً ، ولا يقبلون منهم حتى ببذل المال في هذا السبيل ، حتى ولو نذروا ذلك(2)

نعم لو دهمهم العدو ، فإن عليهم أن يقاتلوا دفاعاً عن بيضة الأسلام ، لا عن أولئك الحكام(3) .

بل إننا نجد رواية عن عليعليه‌السلام تقول : « لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم ، ولا ينفذ في الفيئ أمر الله عز وجل »(4) .

ويؤيد ذلك : أننا نجد : أن عثمان جمع يوماً أكابر الصحابة ، مثل : عليعليه‌السلام ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واستشارهم في غزو افريقية ، فرأوا ـ في الأكثر ـ : أن المصلحة في أن لا تقع افريقية بأيدي أصحاب الأغراض والأهواء والمنحرفين(5) .

فالأئمةعليهم‌السلام وإن كانوا ـ ولا شك ـ يرغبون في توسعة رقعة الإسلام ، ونشره ليشمل الدنيا بأسرها ، ولكن الطريقة والأسلوب الذي كان يتم ذلك بواسطته ، وغير ذلك مما تقدم ، كان خطأً ومضراً بنظرهم ، حسبما يفهم مما تقدم ومما سيأتي

__________________

1 ـ التهذيب ج 6 ص 127، والكافي ج 5 ص 19 ، والوسائل ج 11 ص 32.

2 ـ راجع الوسائل ج 11 ص 21 و 22 عن قرب الإسناد ص 105 والتهذيب ج 6 ص 134 و 125 و 126 والكافي ج 5 ص 21.

3 ـ الوسائل ج 11 ص 22 عن قرب الإسناد ص 150 والكافي ج 5 ص 21 والتهذيب ج 6 ص 125.

4 ـ الوسائل ج 11 ص 34 عن علل الشرايع ص 159 وعن الخصال ج 1 ص 163.

5 ـ الفتوح لابن أعثم ، الترجمة الفارسية ص 126.

١٥٧

وعلى كل حال فإن جميع ماتقدم وسواه ليكفي في أن يلقي ظلالاً ثقيلة من الشك والريب فيما ينسب إلى الإمامين الهمامين : الحسن ، والحسين عليهما الصلاة والسلام ، من الاشتراك في فتح جرجان ، أوفي فتح افريقية ـ مع أن عدداً من كتب التاريخ التي عددت أسماء كثير من الشخصيات المشتركة في فتح افريقية لم تذكرهما ، مع أنهما من الشخصيات التي يهم السياسة التأكيد على ذكرها في مقامات كهذه.

وذلك يسعر بأن وراء الأكمة ما وراءها ، وأن الاطمئنان لما يذكر في هذا المجال ، من دون تحقيق أو تمحيص ، مما لا يحسن جداً ، بل وفيه ظلم للحقيقة والتاريخ

3 ـ ويؤيد ذلك أيضاً : ما ذكره بعض المحققين(1) ، « من أنهعليه‌السلام قد منع ولديه من الخوض في معارك صفين ، وقال وقد رأى الحسن يتسرع إلى الحرب : « املكوا عني هذا الغلام لا يهدني ، فإنني أنفس بهذين ( يعني الحسنينعليهما‌السلام ) على الموت ، لئلا ينقطع بهما نسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » فأسرعت إليه خيل من أصحاب علي فردوا الحسن(2) .

وقد كان هذا منهعليه‌السلام في وقت كان له كثير من الأولاد ، فكيف يسمح بخروجهما مع أمير أموي ، أو غير أموي ، ولم يكن قد ولد لهما أولاد بعد ، أو كان ، ولكنهم قليلون؟!! » انتهى.

وكل ما تقدم يوضح لنا : أن ما استند إليه بعض الأعلام لقبول ما قيل من اشتراك الحسنينعليهما‌السلام في فتح اقريقية وجرجان ، لا يمكن القبول به ، ولا يصح التعويل عليه

__________________

1 ـ هو المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني حفظه الله.

2 ـ راجع : المصادر التالية : المعيار والموازنة ص 151 ونهج البلاغة بشرح عبده ج 2 212 وتاريخ الطبري حوادث سنة 37 ج 4 ص 44 والفصول المهمة للمالكي ص 82 وشرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 244 والاختصاص ص 179 وتذكرة الخواص ص 324.

١٥٨

ولعل الهدف من طرح أمور كهذه هو إعطاء خلافة عثمان بالذات صفة الشرعية والقبول ، حتى من قبل أهل البيتعليهم‌السلام ، كما عودنا أنصاره ومحبوه في كثير من الأحيان.

4 ـ ولو أريد الإصرار على وجهة النظر تلك ، واعتبارها قادرة على تبرير اشتراكهماعليهما‌السلام المزعوم في الفتوح فإننا نجد أن من حقنا أن نتساءل ، فنقول : إنه لا ريب في أن الجهاد ، واتساع رقعة الإسلام من الأمور الراجحة والمرضية إسلامياً. ولكن ذلك لا يعني : أن الفتوحات التي حصلت في عهد الخلفاء الثلاثة ، على ذلك النحو ، وبتلك الطريقة ، كانت راجحة ومرضية أيضاً وإلا فلماذا يترك أمير المؤمنينعليه‌السلام هذا الجهاد ويجلس في بيته مدة خمس وعشرين سنة؟! ، ألم يكن هو الذي مارس الحروب ، وجالد الأقران ، أعواماً طويلة في عهد الرسول الأكرم صلى عليه وآله وسلم ، ولم تثر حرب آنئذٍ إلا وهو حامل لوائها ، ومجندل أبطالها؟.

أم يعقل أن ذلك كان منه زهداً في الإسلام ، وتباطؤاً عن واجبه؟

أم أن الحكام أنفسهم كانوا لا يرغبون في إشراكه في تلك الفتوحات والمآثر التي كانوا يسطرونها؟!

أم أنهم حبسوه كما حبسوا كبار الصحابة في المدينة ، كما اعتذر به العلامة الحسني رضوان الله تعالى عليه(1) ؟.

__________________

1 ـ سيرة الأئمة الإثني عشر ج 1 و ص 534 و ص 317.

واعتذر بذلك أيضاً المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني ، حيث قال ما ملخصه : أنهم كانوا يخافون منه ، إذ لو كانعليه‌السلام مكان سعد بن أبي وقاص ، مع ما يتحلى به من مؤهلات تامة وكاملة ، من العلم وقوة البيان ، والسياسة ، والقرابة القريبة منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشهادة الصحابة له بالتقدم في كل فضيلة ، ومع ما له من سوابق حسنة ، ومآثر كريمة ـ إنه لو كان والحالة هذه مكان سعد بن أبي وقاص ـ هل يكون مأموناً من أن يرجع بجيشه ، أو بطائفة عظيمة منه وينحي الخليفة عن مركزه ، ويجري حكم الله فيه حسبما يراه؟!.

ونقول : إنهم لربما كانوا يفكرون بمثل ذلك ولكن الإمام علياًعليه‌السلام لم

=

١٥٩

إننا نجد في التاريخ ما يفند كل ما تقدم ، وصرح وينطق بأنهم قد أرادوه على ذلك ، فامتنع.

يحدثنا المسعودي : أنه حينما شاور عمر عثمان بن عفان في أمر الحرب مع الفرس ، قال له عثمان فيما قال : « ولكن ابعث الجيوش ، وداركها بعضاً على بعض ، وابعث رجلاً له تجربة بالحرب ، وبصربها.

قال عمر : ومن هو؟.

قال : علي بن أبي طالب.

قال : فالقه ، وكلمه ، وذاكره ذلك ، فهل تراه مسرعاً إليه ، أو لا؟!.

فخرج عثمان فلقي علياً فذاكره ذلك ، فأبى عليِّ ذلك وكرهه. فعاد عثمان ، فأخبره »(1) .

كما أن البلاذري قد ذكر هذه القضية باختصار ، مكتفياً بالإشارة إلى أن عمر قد عرض على عليعليه‌السلام الشخوص إلى القادسية ، ليكون قائداً لجيش المسلمين ، فأباه ، فوجه سعد بن أبي وقاص(2) .

وفي قصية أخرى ، نجد : أنه حينما استشار أبو بكر عمر بن الخطاب في إرسال علي أمير المؤمنينعليه‌السلام لقتال الأشعث بن قيس ، وقال : « إني عزمت على أن أوجه إلى هؤلاء القوم علي بن أبي طالب ، فإنه عدل رضا عند أكثر الناس ، لفضله ، وشجاعته ، وقرابته ، وعلمه ، وفهمه ، ورفقه بما يحاول من الأمور(3) .

__________________

=

يكن ليقدم على أمر كهذا ؛ لأن فيه خطراً على الأسلام بالإضافة إلى أنهم كانوا يعلمون بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عهد إليه أن لا يبادر إلى أي عمل من هذا القبيل.

1 ـ مروج الذهب ج 2 ص 309 / 310.

2 ـ فتوح البلدان بتحقيق صلاح الدين المنجد ، القسم الأول ص 313.

3 ـ هذه الشهادة تدفع ما يدعى : من أنه لم يكن له بصر في السياسة ، كما يحاول أن يدعي المغرضون.

١٦٠