الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام27%

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 216

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65615 / تحميل: 6443
الحجم الحجم الحجم
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

لاحظنا طبيعة القوم في أول الدعوة ، والظروف المحيطة بالمنطقة العربية مما كان يستدعي هذا الحث ، وهذا التأكيد.

لقد أطل الاسلام بنوره على الجزيرة العربية والقوم غارقون في ظلمات تقاليدهم الموحشة من الغزو ، والنهب ، وتقديم القوي على الضعيف ليكون هذا طعمة سائغة له فيرزح تحت الضغط الذي يواجهه من الطبقة المتجاوزة.

المنطقة المتكالبة لا عمل لها سوى الغزو ، والنهب والحروب المستعرة تجرها النعرات القبلية لتعيش على أسمال الغنيمة المغتصبة ولذلك كان الضعيف طعمة للقوي فكيف باليتيم ، والذي يأتي في الرعيل الاول من مسيرة الضعفاء والبائسين.

مجتمع قاسٍ لا يرى كرامة الانسان مهما كانت شخصيته ما دام لا يتمكن من حفظ نفسه أمام تيارات القوة والتعدي.

مجتمع يضفي على نفسه شكل مرير من التقوقع القبلي فتتخذ كل قبيلة لها شاعراً يمجد بها ، ويصوغ من غزوها ، ونهبها درراً يشب الصغير على ترتيلها ليكبر ، وتكبر معه روح التجاوز والانتقام.

في هذا الجو المليء بالشجون ، والمآسي يقبع اليتيم يندب حظه العاثر ليخضع لتجاوز الاولياء ، والاقوياء فلم يجد له من يمد له العون ليحفظ له حقوقه ، ويراعي شؤونه ، وقد بقي وحيداً في معركة الحياة ولكن الاسلام :

دين العدل ، والمساواة ، ومبدأ الرحمة ، والعطف جاء ليأخذ بيد الضعفاء فيرفع بهم إلى المستوى الذي يجدون فيه حقوقهم كاملة غير منقوصة مهما كلف الثمن فالقوي عنده ضعيف حتى يأخذ منه الحق ، والضعيف في نظره قوي حتى يأخذ له حقه.

٢١

بهذا المنطق القويم جاء الاسلام ليحل بين ظهراني تلك القبائل المتمردة على العرف الانساني لذلك لا نجد غرابة لو كانت حصة اليتيم وافرة في مقام التشريع فيلقى الاهمية البالغة من جانبه سواءاً في الكتاب المجيد ، أو في السنة على لسان أمناء الوحي النبي الاكرم ، وأهل بيته ومن تبعه على حق.

اليتيم والتقييم التشريعي :

تناولت الموسوعة التشريعية تقييم اليتيم من الجهتين : الاجتماعية والمالية.

فشرعت له في هذين المجالين ما يحقق رعايته كفرد فقد كفيله ، فأصبح إلى من يبادله العطف ، والحنان ، والتربية الصالحة ليكون فرداً صالحاً لا تؤثر على نفسيته حياة اليتيم ولا تترك الوحدة في سلوكه انحرافاً يسقطه عن المستوى الذي يتحلى به بقية الافراد ممن يتنعم بحنان الابوة ، وعطفها.

ومن جهة أخرى أحكمت له حقوقه المالية حيث يكون ـ والحالة هذه ـ عرضة للاستيلاء من جانب الاقوياء.

١ ـ اليتيم وحقوقه الاجتماعية:

لقد تنوع الاسلوب التشريعي في بيان حقوق اليتيم الاجتماعية : ولكنه شرع معه من حين الطفولة المبكرة لما لهذه المرحلة من الاهمية البالغة في احتضان اليتيم ، وإيوائه ليعيش في جو من الحنان الدافىء لينسيه مرارة اليتم ، وليعوض عليه ما فاته من عواطف الابوة.

ولذلك نرى الكتاب الكريم يسلك طريقاً جديداً للوصول إلى بيان

٢٢

حقوق اليتيم الاجتماعية ذلك هو توجيه الخطاب إلى النبي الاكرم متخذاً من الواقع المرير الذي مر به وهو طفل خير درس يوجهه إلى الأفراد لرعاية هذه الزهور الذابلة.

من هذه النقطة سيكون المنطلق لمسيرة الاسلام مع الحملة التوجيهية لليتيم.

لقد مرت هذه الادوار بالرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله ـ يوم فقد أباه وهو طفل فقيض الله له جده عبد المطلب ( شيخ الابطح ) ليقوم برعايته ، وتربيته فقد شاءت الحكمة الإِلهية أن يذوق المنقذ الاول للانسانية مرارة اليتم ، فيفقد الحنان الابوي لولا أن يعوضه الله بمن سد له هذه الخله ليطبق الدرس تطبيقاً عملياً فتسير الامة على هداه ، وتنحو هذا النحو من السلوك الذي تتمخض نتائجه بالتوجيه الصالح للافراد.

١ ـ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ ) .

٢ ـ( وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَىٰ ) .

٣ ـ( وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَىٰ ) .

٤ ـ( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ) (١) .

هذه الآيات الكريمة جمعت بين طياتها درساً كاملاً لكل ما يحتاجه اليتيم في الحياة الاجتماعية.

فهي الدستور الذي لا بد من تطبيقه للوصول إلى الغاية السامية من رعاية حقوق الضعفاء.

وهي بمجموعها تشكل بيان المراحل التي لابد للكبار من اجتيازها للوصول بهذا الانسان إلى الهدف المنشود.

__________________

(١) سورة الضحى : الآيات ( ٦ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ).

٢٣

فالمشاكل التي يواجهها اليتيم في بداية الشوط ثلاث :

ـ المسكن الذي يلجأ إليه.

ـ والتربية الصالحة بما تشتمل عليه من تأديب وتعليم.

ـ والمال الذي ينفق عليه منه.

١ ـ إيواء اليتيم :

( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ ) .

أول ما يحتاجه اليتيم في هذه الحياة هو :

الحضن الذي يضمه.

والصدر الذي يغمره بدفئه.

والبيت الذي يمرح فيه.

فإذا تهيأت هذه الثلاث كان بالامكان أن يحفظ هذا الطفل المهمل ليقوم بالانفاق عليه مادياً ، ومعنوياً.

ومن هنا جاءت فكرة الملاجيء للأيتام ومدى ما تسديه من خدمة للمجتمع في محافظتها على هذه الفئة من الاطفال.

لذلك يبدأ الكتاب المجيد بتذكير المشرع الاعظم بأولى مراحل احتياجاته وهو طفل يتيم فيخاطبه بهذا الاسلوب الهاديء لينقله إلى ذلك الدور الذي مر عليه.

أنت أيها المشرّع أحسست بهذا الشعور يوم ودع أبوك هذه الدنيا وهو في ريعان شبابه فكنت مشتبكاً لهذه الحوادث القاسية فأواك الله ، وعطف عليك قلوب الحواضن ، وإذا بجدك عبد المطلب يحتضنك فيوليك من حنانه ما يعوضك عن حنان الابوة ، ويوصي بك لعمك أبي طالب فيكفلك ويفضلك على أولاده وليكن بعد ذلك خير ساعد لك على دعوتك المقدسة ووسط هذا العطف تنعمت بما أنساك مرارة الوحدة الابوية وذل اليتم.

٢٤

هذا العم الحنون الذي جاهد ، وكافح في سبيل رعاية ابن أخيه في الوقت الذي كانت العرب تنظر إليه كسير الجناح مهيض الجانب يتيماً لا أب له.

ان أبناء الجزيرة ـ كما أسلفنا ـ كانوا قد فقدوا القيم الرفيعة بتكالبهم الوحشي على اغتصاب الآخرين.

لذلك كانت الشريعة المقدسة قد غيرت المفاهيم الخاطئة وأصلحت ما كان منها فاسداً ، فاختارت من بين هذه المجموعة الضعيفة يتيماً كان محطاً للرحمة الإِلهية في تبليغ رسالة السماء إلى أبناء الارض ليعطي صورة واضحة عن القيم ، والاخلاق وليزيل عن الاذهان الصور الخاطئة ، والتي كانت تعبر عن الانحراف الذهني لابناء الجزيرة العربية في عصورها المظلمة.

إذاً فلا بد من المأوى لليتيم ، ولا بد من تهيئة الملجأ لليتيم فبلا مأوىً سيصبح هذا الطفل متسولاً تتلاقفه ارصفة الشوارع ، ومنعطفات الأزقة ، فيكون عالة على بلده ، ويكون هذا التسيب مبدأ مسيرته الاجرامية ، فلا مخدع يؤيه ، ولا رقيب ينتظره يقطع ساعات الليل متسكعاً ليلحقها في نهارة منبوذاً تحتضنه تكايا الرذيلة فاذا به عضو فاسد تخسره الامة ، ويكون وبالاً عليها وعلى أبنائها.

وقد جاء في الخبر عن النبي (ص) قوله « خير بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه »(١) .

فلماذا هذه الاساءة لطفل لا ذنب له ، ولا دخل له في تحقق اليتم ،

__________________

(١) أخرجه ابن ماجة تحت رقم (٣٦٧٩).

٢٥

وإنطباقه عليه. إنه كبقية الاطفال ، وقد شاءت الاقدار أن تخطف منه من يحنو عليه ، فهل يكون ذلك سبباً في تسويغ الاساءة إليه.

إن العطف الانساني ، واللطف ، والرعاية ليدعو كل ذلك إلى تقديم هذا المحروم على بقية الاولاد ممن يضمهم البيت لئلا يشعر اليتيم بذل الوحدة ، ومرارة الوحشة. وإلا فإن البيت الذي لا يجد هذا الصغير فيه المعاملة الحسنة هو شر البيوت كما يحدث عنه الخبر ، وبالعكس إن وجد اليتيم اليد الحانية في ذلك البيت ، والعطف الذي يدغدغ قلبه الكسير كان ذلك البيت خير بيت تحوطه البركة ، وتشمله الرعاية الإِلهية.

٢ ـ الانفاق على اليتيم :

( وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَىٰ ) .

وسواء كان الغنى المقصود هو الانفاق من أبي طالب ، أو الاموال التي صرفتها خديجة على النبي الاكرم فان المال هو العصب الذي يقوم بحفظ حياة الانسان ليحقق له احتياجاته كإنسان يأكل ، ويشرب ، ويلبس.

ان الغنى هو ما يقابل الفقر على كل حال ، ولذلك أخذت الآية الكريمة تذكر نبي الرحمة بهذه النقطة الحساسة لتدفع في نفسه الهمة على مساعدة الضعفاء ممن مروا بهذه المرحلة العسيرة.

فاليتيم وهو فقير بحاجة إلى من يمد له يد العون فيشبع له بطنه ، ويستر له عريه ولذلك تنوعت دعوة القرآن إلى مساعدة الضعفاء ، والاخذ بأيديهم لتأمين احتياجاتهم المعاشية.

ولنستعرض معاً هذه الطرق التي سلكها الكتاب الكريم لحث الناس على الانفاق والعطاء.

٢٦

التجارة مع الله

ومن بين تلك الاساليب التي تجلب الانتباه هو ما يسلكه القرآن في سبيل تشويق الافراد الى الانفاق بجعل عملية العطاء عملية مقايضة بين الانفاق ، والجزاء منه على هذا العمل الانساني.

وبذلك يكون المنفق قد سد خلة اجتماعية بمساعدته لهؤلاء المحتاجين والله لا يحرمه على هذه الاريحية بل يعوضه في الدارين :

في هذه الدنيا بزيادة الربح ، والبركة في ماله. وفي الآخرة بالثواب الجزيل.

وتتوالى الآيات الكريمة لتعطينا صورة واضحة عن هذه الاتفاقية بين العبد ، وربه.

( وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ) (١) .

( آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ) (٢) .

( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (٣) .

( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (٤) .

__________________

(١) سورة فاطر : آية (٢٩).

(٢) سورة الحديد : آية (٧).

(٣) سورة البقرة : آية (٢٦١).

(٤) سورة البقرة : آية (٢٦٥).

٢٧

ولم تكن هذه الآيات الكريمة هي كل ما تعرض له القرآن الكريم في التشويق على الانفاق ، بل هناك أمثالها تحتوي عليها السور القرآنية ، وهي بمجموعها تصور اسلوباً دقيقاً في الحث على المساعدة ، ودفع الافراد إلى سبيل الخير.

وبهذا الاسلوب كانت الآيات تستنهض همم الاغنياء إلى مساعدة البائسين من الايتام وغيرهم.

ولكن الروعة النفسية تظهر في اختيار هذا النوع من الحث على المساعدة بهذا الاطار الترغيبي المحبب.

فالآيات الكريمة تحرك من الافراد جوانبهم العاطفية فتبدأ معهم بلهجة يلاحظ القارىء فيها آثار الشدة ، وأن الله ليس بمحتاج إلى العبد في ترغيبه إلى هذه المشاريع الخيرية ، بل على العكس من ذلك فان الله يمن على العبد بإرشاده إلى ما فيه خيره ، وصلاحه.

( هَا أَنتُمْ هَٰؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ) (١) .

وإذا ما التفت الفرد ، وعرف أنه الفقير إلى تقديم الخير لينتفع بهذا الاحسان ، فيخفف به عما يلحقه من الذنوب رأينا هناك حقيقة أخرى تتكشف له لتدفعه بشكل عنيف إلى اعتناق مبدأ الانفاق ، والاحسان ، وتتجسد في قوله تعالى :

( وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ) .

أنها ليست مسألة خسارة من جانب المنفقين ، كما وأنها ليست

__________________

(١) سورة محمد : آية (٣٨).

٢٨

عملية كاسدة حينما يجد العبد جزاء ما يقدمه موجوداً عند الله فهو بهذه العملية يتاجر مع الله عز وجل وهي تجارة ـ حتماً ـ رابحة ، ومضمونة تجر لصاحبها الربح الوفير.

ان العمليات التجارية المتضمنة لمبدأ الربح هي الطريقة التي يسير عليها في حياتهم المعاشية لتأمين الكسب ، والنفع ولذلك اختار الاسلوب القرآني هذه الطريقة ليصل إلى النتائج المطلوبة من النافذة التي يطل منها الفرد في حياته اليومية.

وأنها صورة حية مستوحاة من الحياة العملية الدارجة ليلتفت اليها الفرد فيقارن بينها ، وبين ما هو مألوف له فيما يسير عليه كل يوم لئلا تحتاج العملية إلى تصور دقيق وبحث عميق.

( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (١) .

وهذه صورة أخرى من صور الحياة التي يمارسها الفرد.

أنها حياة الزراعة ، والنمو.

وحياة الربح ، والاستفادة.

ومن منّا لم يشاهد الزرع ، وكيفية نموه ، والربح المتوخى من وراء الزرع أنها حبة واحدة إذا بارك الله فيها تقدم لزارعها سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة. والنسبة الحسابية لهذه العملية هي.

واحد في قبال سبعمائة ، وهو ربح وفير مغرٍ يناله الزارع من الارض الميتة ، والانفاق في سبيل الله مثله كمثل الحبة تزرع في الارض.

__________________

(١) سورة البقرة : آية (٢٦١).

٢٩

وليقارن الفرد بين العمليتين الحبة يزرعها في الارض فيجني من وراء هذه النبتة سبعمائة حبة.

والدرهم ينفقه الانسان في سبيل الله يجني من ورائه سبعمائة درهم ، أو بمقدار هذه النسبة من الأجر عند الله.

فما ينفقه الملي لانتشال الضعيف من برائن المرض ، والجهل والفقر يساعده على السير إلى الامام ، ومن ثم تحويله إلى المجتمع عضواً صالحاً تستفيد الامة من مواهبه ينتج له بالاضافة إلى هذه الخدمة التي ترضي ضميره ربحاً من الثواب ينتفع به يوم لا ينفع مال ، ولا بنون ، ومن ثم فلطف الله لم يقف عند حد ورحمته أوسع من أن تقدر بقدر ، وبعد كل هذا الربح المعاوضي.

( وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ) .

وليقدر العبد هذه المضاعفة حيث لم تحدها الآية الكريمة إلى مرة ، أو مرتين بل الله يضاعف ، ولتقر عين العبد إذا كان ربه أحد طرفي هذه العملية ، وليس كأحد التجار يحسب معه الحساب الدقيق ، بل هو كريم بلطفه ، ورحيم بعطفه.

ولربما يستكثر البعض أن يكون هذا العمل الانساني مثمراً بهذه الكثرة كمثل الحبة تنبت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ، وبعد كل ذلك فالله يضاعف لمن يشاء.

ويجاب عن ذلك : وهل يحد فضل الله ، وإحسانه ، أو تقف رحمته عند حد أنها العناية الإِلهية هي التي تؤلف بين هذه القلوب الانسانية فتهب الخير ، والثواب ازاء عمل يخدم به مصلحة الآخرين ليكون أداة لتشجيع الباقين.

وتتوالى الصور الحية يعرضها القرآن الكريم ليهيج مشاعر الانسان

٣٠

لتوجيهه نحو عمل الخير ، ومن جملة هذه الصور المعروضة.

( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ ) .

ويحاول القرآن الكريم أن يعيش مع الافراد ليدخل إلى قلوبهم ، ويعرض عليهم صوراً من الدروس الحية فيمثل لهم أمثلة نابعة من صميم حياتهم اليومية ليكون ذلك أبلغ في الوصول إلى المقصود.

فمرة يمثل الانفاق بالتجارة.

وأخرى يمثله بالزراعة.

وثالثة يعرض أمام القارىء صوراً لحبة على ربوة وإذا بالمطر يغمرها فتقدم نتاجها المضاعف.

كل ذلك ليصل ممن وراء هذه الصور الى القلوب ليغرس فيها حُب الخير بالانفاق الى الضعفاء ، والمعوزين لئلا يبقى فقير جائع بين المجموعة.

وإذا ما أذكى نغم القرآن العذب لهب العزم على الخير في تلك القلوب التي استجابت لنداء الحق ، وقرب إلى أذهانهم نتائج أعمالهم الطيبة كحبة أثمرت سبعمائة حبة ، أو كحبة أتت أكلها ضعفين.

وأنهم بذلك يربحون صفقة تجارية رابحة أحد طرفيها ـ الله عز وجل ـ هرع الناس إلى النبي الاكرم يسألونه عن بنود هذه العملية الرابحة ، ويتكشفون منه حقيقة هذا الانفاق الذي يريده الله.

ماذا ولمن ؟.

فنوعية الانفاق ، وكيفيته ، وجنس ما ينفق ، ولمن يكون الانفاق ، وعلى من يلزمهم الصرف ، والعطاء.

٣١

( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ) (١) .

والسؤال في ظاهر الآية عما ينفق بينما جاء الجواب عمن ينفق عليه ولرفع هذا الالتباس يقول علماء التفسير.

فان قلت : كيف طابق الجواب السؤال في قوله( مَا أَنفَقْتُم ) وهم قد سألوا عن بيان ما ينفقون واجيبوا ببيان المصرف.

قلت : قد تضمن قوله( مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ ) بيان ما ينفقونه وهو كل خير ، وبين الكلام على ما حداهم وهو بيان المصرف لأن النفقة لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها »(٢) .

وقال الطبرسي : « السؤال عن الانفاق يتضمن السؤال عن المنفق عمله فانهم قد علموا أن الأمر وقع بإنفاق المال فجاء الجواب ببيان كيفية النفقة وعلى من ينفق »(٣) .

لقد كان التحضير من الآيات الكريمة السابقة في الترغيب والتشويق الى الانفاق هو الذي دعاهم للسؤال عن كيفية الإِنفاق.

لذلك بدأ القرآن يبين لهم مراحل الإِنفاق بجهتيه :

نوعيته ، ومصرفه.

فعن النوعية لم يحدد لهم شيئاً يفرض فيه الانفاق ، بل ترك ذلك إلى تقديرهم.

فالاطعام خير ، والكساء خير ، والمال خير.

__________________

(١) سورة البقرة : آية (٢١٥).

(٢) الكشاف للزمخشري : في تفسيره لهذه الآية.

(٣) مجمع البيان في تفسيره لهذه الآية.

٣٢

وهكذا نرى الشارع المقدس يترك الباب مفتوحاً ، فلم يحدد نوعية الانفاق ، بل يصفه بالخير جاء ذلك في آيات عديدة قال تعالى فيها :

( وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ ) (١) .

( وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ) (٢) .

( وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ) (٣) .

وعن المصرف ، وهو المنفق عليه : بدأ الكتاب الكريم بأسرتي الإِنسان الخاصة ، والعامة ليحيط بره جميع الاطراف التي تضم الانسان.

فالاسرة الخاصة : وتتألف من الابوين العمودين ومن ثم الحواشي ، وهم الاطراف النسبية قال تعالى :

( قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ) .

واذا ما تجاوزنا أسرة الانسان الخاصة رأينا القرآن الكريم يلحق بهذه الاسرة المكونة من الوشائج النسبية الاسرة العامة ، وتتألف من :

اليتامى ، والمساكين ، وأبناء السبيل.

وهذا التدرج هو الذي تقتضيه طبيعة الاجتماع في هذه الحياة ، وقوانينه.

فالوالدان عمودا الانسان ، ومن ثم حواشيه وهم أطرافه وكلالته على حد تعبير الفقهاء لهم حصة في الميراث حسب التدرج في الطبقات لانهم يحيطون بالرجل كالاكليل الذي يحيط بالرأس.

ومن ثم يتعدى في المراحل إلى الجماعة العامة من أصناف المعوزين.

__________________

(١ ، ٢ ، ٣) سورة البقرة : الآيات ( ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ).

٣٣

ولا بد للمنفق من السير على هذا الخط الذي رسمته الآية الكريمة فانه من الايحاءات في البيئة المتقاربة ، والتي هي كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً كما يقوله الحديث الشريف.

واذا ما عرضنا فقرات الآية الكريمة على هذا النحو من الاجمال فلا بد لنا من الاحاطة بكل فقرة على نحو من التفصيل لنصل من وراء ذلك إلى ما يعطيه هذا التموج التدريجي في التركيب الفني الجميل.

الأسرة الخاصة :

وقد قلنا بانها تتكون من الوالدين ، والاقربين حسبما جاء في الآية الكريمة من قوله تعالى :

( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ) (١) .

الوالدان :

الابوة : لفظة بنفسها تعطي ما تحمله هذه الكلمة بين طياتها من الحنان ، والعطف نحو زهرة الحياة ، وبراعم العمر.

والامومة : أنها الشمعة الزاهية باضوائها الحلوة تذيب نفسها لتنير الطريق إلى الآخرين.

ولا يمكن لاي وليدٍ أن يؤدي بعض الحق المفروض عليه تجاه أبويه ، فلطالما سهر الليالي لينعم الوليد بلذة النوم ، ولكم ضمه صدر أم

__________________

(١) سورة البقرة : آية (٢١٥).

٣٤

حنون ليشعر بدفء لذيذ حتى قال الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يخاطب ولده الامام الحسن (ع).

« وجدتك بعضي بل وجدتك كلي ، حتى لو أن شيئاً أصابك أصابني »(١) .

هذا الانصهار في الكيان بين الوليد ، ووالده ، وهذه الوحدة في الذات هما اللذان أوجبا أن يصور لنا الامام (ع) هذا الانشداد ليبين أن ما يصيب الولد يصيب الوالد لانهما شيء واحد بفارق يميز أحدهما أنه فرع ، والآخر أنه الأصل ، والنبتة التي كانت منشأ ، لذلك الفرع الجميل.

وإنما أولادنا في الورى

أكبادنا تمشي على الارض

وإذا ما أردنا أن نتبع هذه العواطف الجياشة الكامنة في قلب الاب تجاه وليده لوجدنا مشهداً من هذه المشاهد حيث تنعكس على صفحاته آيات الحب ، والعطف الابوي بين وليد يتمتع بنظارة الشباب ، وشيخ أحنت عليه السنون.

ففي خضم من القلق ، والاضطراب يتجه الشيخ الكبير يحمل فوق كتفيه متاعب القرون الماضية ليستعطف ربه بلهجة كلها الرقة ، والكلمات تتكسر بين شفتيه :

( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ ) .

إنه نوح ( نبي الله ) أبو البشر الثاني كما تعتبر عنه كتب التأريخ والعبد الصالح المجاهد في سبيل الله. دعى قومه إلى عبادة الله والتوحيد به ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعاؤه إلا فراراً.

__________________

(١) مقطع من وصية الامير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) أوصى بها ولده الامام الحسن (ع) قالها عند رجوعه من صفين.

٣٥

وكان يضربه قومه حتى يغشى عليه فلما يفيق يتجه إلى ربه وبفمٍ تتصاعد منه الحسرات يناجي ربه قائلاً :

« اللهم إهدِ قومي فانهم لا يعلمون ».

وتشاء القدرة الإِلهية أن ينزل العذاب على هؤلاء المعاندين ويكتب لهم الغرق.

( وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ *وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ) .

وانتهى كل شيء وأصبحت السفينة ، وهي سفينة الامان ، جاهزة ووقت اليوم المعلوم لينفذ العذاب في هؤلاء.

( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ) .

وكانت هذه العلامة ساعة الصفر. ولندع المفسرين ، وخلافاتهم في هذا التنور أين كان ، وفي أي بقعة من الأرض كان قابعا. المهم أنه كان مصدر نبع الماء ، وإندفعت المياه من السماء ضباباً بلا قطرات ، وتفجرت الأرض عيوناً منهمرة ، وفاضت البحار ، وطفحت الانهار ، وكان نوح قد أمر أن يحمل في سفينته :

( مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) .

من كل جنس من الحيوان زوجين أي ذكراً ، وأنثى.

( وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ) .

أي من سبق الوعد بإهلاكه ، والمقصود بذلك أمرئته الخائنة وأضيف إلى أسرة السفينة من الراكبين فيها.

( وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ) .

٣٦

واقصر ما قيل في عدد من آمن به ثمانين نفر.

وتكامل العدد ، وسارت السفينة وسط دنياً من المياه المنهمرة من كل حدب ، وصوب.

( وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالجِبَالِ ) .

والرياح العاتية تهبط بالسفينة ، وترفعها ، وكسفت الشمس.

تمر تلك اللحظات ، ويتفقد ربان السفينة ، نبي الله نوح فلم يجد إبنه كنعان من ضمن الراكبين ، وحانت منه التفاتة وإذا بالولد يهرب صوب الجبال التي بعد لم يصل إليها الماء والهلع يأخذ منه مأخذه.

( وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ) .

يا بني : إنه نداء الابوة الحنون ينبثق من القلب العطوف يرتل هذا النغم الهاديء ليصل إلى مسامع الولد المذهول من هذا المنظر المخيف يطلب إليه أن يلحتق بسفينته لينجو من عذاب الله المحتم.

ولكن الولد المذعور يهرب من هذا النداء الابوي ليطلقها صيحة مدوية تضيع بين زمجرة الامواج العالية.

( قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المَاءِ ) .

فهو يحاول عبثاً أن يأوي إلى جبلٍ يعصمه من الماء ، ويبعد عنه شبح الموت الذي يتراءى له من بين هذه المياه المتدفقة من جميع الجهات.

وعلى العكس فلم ييأس الشيخ الوقور ، وأعاد الكرة ، وظن أنه سيفلح في إقناع ولده ، فعاد إليه ، والحسرة تأكل قلبه متوسلاً وهو يقول :

( لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ ) .

٣٧

وضاعت التوسلات وسط الامواج ، وبعد الشبح ، وذهب الولد هارباً ، وأسدل الستار على الحوار العاطفي.

( وَحَالَ بَيْنَهُمَا المَوْجُ فَكَانَ مِنَ المُغْرَقِينَ ) .

وابتلعت المياه كل شيء ، ولم يبق من مخلوقات الله إلا :

( مَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ) .

وهم ركاب السفينة.

وصدرت الأوامر الإِلهية :

( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

وتنفس الشيخ الهرم الصعداء ، فلقد أخذت المياه كل أولئك الذين كفروا برسالته ، واذاقوه ألوان العذاب.

ولم تشغل هذه المناظر المرعبة ، والنتائج التي حصل عليها في التغلب على الاعداء من التفكير في ولده بعد أن ضاعت توسلاته بابنه المغرور لذلك اتجه إلى ربه يذكره بوعده بأن أهله من ضمن الناجين من العذاب إلا إمرأته التي خانته في الإِيمان به ، وولده من أهله.

( وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ ) .

أنه بهذا التضرع يعترف من طرف خفي بحقيقة العاطفة الطاغية على مركز النبوة ، والعصمة.

وماتت البسمة ، وانطفأ الأمل ، ومات شبح الابن حينما جاءه النداء :

( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا

٣٨

لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ ) .

لقد أرخى الشيخ الكبير لعاطفته العنان فتجاوز الحد المرسوم ، وطالب بما ليس له أن يطالب فيه ، وها هو يتلقى التهديد بالترك عما يطلب ، وإذا به يعود إلى لطفه وعطفه فيتضرع من أجل هذا الالحاح قائلاً :

( رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ) (١) .

بماذا تجازى هذه العواطف الجياشة من الآباء.

وما هو الاسلوب الذي يلزمنا تجاه هذا البركان المتفجر من العطف أنه القرآن الكريم حدد لنا ، وتكفل ببيان هذه الكيفية التي لا بد من تطبيقها نحو هذين الملاكين في المجالين التربوي ، والمالي.

( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ،وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) (٢) .

درس بليغ في الادب نستوضحه من خلال هذه الآية الكريمة حيث تدرج الشارع المقدس ببيان المراحل السلوكية مع الابوين على النحو التالي :

الاولى :

بيان مكانة الابوين ، وقيمتهما المعنوية ، ويبدو هذا واضحاً في اعتبار الاحسان اليهما بالدرجة التالية مباشرة لعبادة

__________________

(١) الآيات المتقدمة من سورة هود : ( ٣٦ ، ٤٧ ).

(٢) سورة الاسراء آية ( ٣٣ ـ ٣٤ ).

٣٩

الله ، وبذلك نعرف مدى الواجب على الابناء في تقدير الابوين ، وقد جاء مثل هذا الايصاء في آيات أخرى فقد قال تعالى :

( وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) (١) .

( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ ) (٢) .

لقد أتى رجل إلى رسول الله (ص) فقال : ( يا رسول الله : أوصني فقال : لا تشرك بالله شيئاً ، وإن حرقت بالنار ، وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالايمان. ووالديك ، فأطعمهما ، وبرهما حيين كانا ، أو ميتين ، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ، ومالك فافعل ، فان ذلك من الايمان »(٣) .

إن هذه الوصية من النبي (ص) تعطينا مدى اهتمام المشرع بالوالدين ، فقد قرن الايصاء بالاحسان إليهما بعبادة الله وعدم الشرك به ، وجعل ذلك من الايمان ، ثم أنه لم يكتف بالايصاء بالبر بهما في حياتهما بل أمر بذلك بعد موتهما. ولما يتسائل عن كيفية البر بالوالدين بعد الموت ذلك لأن الاحسان إنما يكون لمن هو حي يتقبل ما يجود به الانسان عليه ، أما إذا مات الانسان فقد انقطعت عنه الحياة ومات فيه الشعور فكيف يكون الاحسان إليه ؟

لقد أوضح الامام أبو عبد الله الصادق ( عليه السلام ) هذه الجهة عندما قال :

« من يمنع الرجل منكم أن يبر بوالديه حيين ، وميتين يصلي عنهما ، ويتصد عنهما ، ويحج عنهما ، ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع

__________________

(١) سورة : آية (٣٦).

(٢) سورة لقمان آية (١٤).

(٣) اصول الكافي : حديث (٢) باب البر بالوالدين.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

قال : فقال عمر بن الخطاب : صدقت يا خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إن علياً كما ذكرت ، وفوق ما وصفت ، ولكني أخاف عليك خصلة منه واحدة.

قال له أبو بكر : ما هذه الخصلة التي تخاف علي منها منه؟.

فقال عمر : أخاف أن يأبى القتال القوم ، فلا يقاتلهم ، فإن أبى ذلك ، فلن تجد أحداً يسير إليهم(١) إلاَّ على المكروه منه. ولكن ذر علياً يكون عندك بالمدينة ، فإنك لا تستغني عنه ، وعن مشورته. واكتب إلى عكرمة الخ »(٢) .

وبعد فأن يجدوا أمير المؤمنينعليه‌السلام قائداً عسكرياً ، يراه الناس تحت أمرهم ، وفي خدمتهم أحب إليهم من أن يجدوه منافساً قوياً ، يحتج عليهم بأقوال ومواقف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقه(٤) .

وأما عن مشورة أمير المؤمنين على عمر في ما يرتبط بحرب الفرس ، فإنما كان يهدف منها إلى الحفاظ على بيضة الإسلام ، كما يظهر من نفس نص كلامه

__________________

١ ـ هذه الكلمات تدل على مدى ما ككان يتمتع به أمير المؤمنين من احترام وتقدير لدى الناس جميعاً ، بحيث لو لم يقاتل لم يقاتل أحد من الناس!! وإن كانوا ربما لا يقاتلون معه لو أرادهم على ذلك.

٢ ـ الفتوح لابن أعثم ج ١ ص ٧٢.

٣ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٧٨.

٤ ـ وقد قال المحقق البحاثة الشيخ علي الأحمدي الميانجي هنا ما يلي : إنه هل يمكن للخليفة الذي عزل خالد بن سعيد بن العاص عن امارة الجيش ، لميله إلى عليعليه‌السلام ـ هل يمكن ـ أن يرغب في تولية عليعليه‌السلام هنا؟! اللهم إلا أن يكون هناك تخطيط بأن يقوم بعرض ذلك عليه ، فإن قبله ، فإن ذلك يكون تأييداً لخلافتهم ، ثم يعزلونه إيذاناً منهم للناس بعدم كفايته فيربحون في الحالتين أو يقال : إن الظروف في عهد أبي بكر تختلف عنها في عهد عمر.

١٦١

عليه‌السلام فيها فمن أراد ذلك فليراجعه في مصادره

وبعد فإن أخذ سائر ما قدمناه بنظر الاعتبار ، يجعلنا نطمئن ، بل نقطع بعدم صحة ما ينسب إلى الحسنينعليهما‌السلام من الاشتراك في الغزوات آنئذٍ.

وقد قال السهمي : « وذكر عباس بن عبد الرحمن المروزي في كتابه : التاريخ ، قال : قدم الحسن بن علي ، وعبد الله بن الزبير اصبهان ، مجتازين إلى جرجان ، فإن ثبت هذا يدل : على أنه كان في أيام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه »(١) .

وأما بالنسبة لاشتراك بعض المخلصين من كبار الصحابة في الفتوح ، فالظاهر هو أنهم كانوا غافلين عن حقيقة الأمر ، فكانوا يقصدون بذلك خدمة الدين ، ونصرة الإسلام والمسلمين ، مع عدم إطلاعهم على رأي الأئمةعليهم‌السلام في هذه الفتوحات ، كما يظهر مما تقدم ، حيث نجد اهتماماً واضحاً في أن لا يعرف الناس رأي عليعليه‌السلام في هذا المجال ، أو لعل السلطة كانت تهتم في إرسالهم في مهمات كهذه ، وتمارس عليهم بعض الضغوط في ذلك.

الإمام الحسن عليه‌السلام وحصار عثمان :

ويروي المؤرخون : أنه حينما حاصر الثائرون عثمان ، بعث الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام بولديه : الحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهما ، للدفاع عنه ، كما وبعث طلحة والزبير بولديهما أيضاً.

ويقولون : إن الإمام الحسنعليه‌السلام قد جرح ، وخضب بالدماء على باب عثمان ، من جراء رمي الناس عثمان بالسهام ، ثم تسوّر الثائرون الدار على عثمان ، وقتلوه.

وجاء الإمام علي أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كالواله الحزين ، فلطم

__________________

١ ـ تاريخ جرجان ص ٩.

١٦٢

الحسن ، وضرب صدر الحسينعليهما‌السلام ، وشتم آخرين ، منكراً عليهم أن يقتل عثمان ، وهم على الباب(١) .

وقد استبعد البعض ذلك ، استناداً إلى أن خطة عثمان وسيرته ، تبعد كل البعد ما نسب إلى علي وولديهعليهم‌السلام . كما ويبعدها : أن يتخذوا موقفاً يخالف موقف البقية الصالحة من الصحابة ، وينفصلوا عنهم. ولو فرض صحة ذلك ، فإنه لم يكن إلا لتبرير موقفه وموقف أبنيه عليهما الصلاة والسلام من الاشتراك في دمه ، وأن لا يتهمه المغرضون بشيء(٢) .

ويلوح من كلام السيد المرتضىرحمه‌الله أيضاً شكه في إرسال أمير المؤمنينعليه‌السلام ولديه للدفاع عن عثمان ، قال : « فإنما أنفذهما ـ إن كان أنفذهما ـ ليمنعا من انتهاك حريمه ، وتعمد قتله ، ومنع حرمه ونسائه من الطعام والشراب. ولم ينفذهما ليمنعا من مطالبته بالخلع »(٣) .

وعلى حد تعبير العلامة الحسنيرحمه‌الله : « ومن المستبعد أن يزج بريحانتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك المعركة للدفاع عن الظالمين ، وهو الذي وهب نفسه وكل حياته للحق والعدالة ، وإنصاف المظلومين(٤) .

ويرى باحث آخر : « أن الخليفة كان مستحقاً للقتل بسوء فعله ، كما أن

__________________

١ ـ راجع : الصواعق المحرقة ص ١١٥ / ١١٦ ، ومروج الذهب ج ٢ ص ٣٤٤ / ٣٤٥ ، والإمامة والسياسة ج ١ ص ٤٤ و ٤٣ وأنساب الأشراف ج ٥ ص ٧٠ و ٦٩ و ٧٤ و ٨٠ و ٩٣ و ٩٥ والبدء والتاريخ ج ٥ ص ٢٠٦ ، وتاريخ مختصر الدول ص ١٠٥ وسيرة الأئمة الإثني عشر ج ١ ص ٥٢٧ و ٥٤٠ عن ابن كثير ، وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٤١٨ و ٤١٩ ودلائل الصدق ج ٣ قسم ١ ص ١٩٣ عن بعض من تقدم وعن ابن الأثير ، وابن عبد البر ، والفخري في الأداب السلطانية ص ٩٨ وفيه : أن الحسن قاتل قتالاً شديداً ، حتى كان يستكفه ، وهو يقاتل عنه ، ويبذل نفسه دونه والعقد الفريد ج ٤ ص ٢٩٠ و ٢٩١.

٢ ـ راجع : حياة الحسنعليه‌السلام للقرشي ج ١ ص ١١٥ / ١١٦.

٣ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ٣ ص ٨.

٤ ـ سيرة الأئمة الإثني عشر ج ١ ص ٤٢٨.

١٦٣

قتلته ، أو الراضون بقتله هم جمهرة الصحابة الأخيار ، ولا يعقل أن يقف الحسنان في وجه هؤلاء وضدهم »(١) .

ونقول :

١ ـ أما ما ذكره هؤلاء من أن الصحابة الأخيار كانوا هم قتلة عثمان ، أو الراضون بقتله ، فهو صحيح ، ولكن مما لا شك فيه ، هو أنه قد كان من بينهم أيضاً بعض من ثار على عثمان ، من أمثال الزبير ، وطلحة وغيرهما ولكن لا لأجل الانتصار للحق ، وللمظلومين ، وإنما من أجل الحصول على بعض المكاسب الدنيوية.

٢ ـ وأما ماذكرته الرواية : من أن طلحة والزبير قد أرسلا بإبنيهما للدفاع عن عثمان ، فهو مما لا ريب في بطلانه ، فإن المصادر الموثوقة قد أطبقت : على أن طلحة ، والزبير ، وعائشة ، وغيرهم ، كانوا من أشد الناس على عثمان ( ولا نرى حاجة لذكر مصادر ذلك ، فإنه من بديهيات التاريخ ).

٣ ـ وأما أنهعليه‌السلام قد ضرب الحسنعليه‌السلام ، ودفع في صدر الحسين ، فهو غير صحيح أيضاً ، فإن علياًعليه‌السلام قد كرر غير مرة : أن قتل عثمان لم يسره ولم يسؤه(٢) كما أنه لم يكن ليتهم الحسنينعليهما‌السلام بالتواني في تنفيذ الأوامر التي يصدرها إليهما ، وهما من الذين نصَّ الله سبحانه على تطهيرهم ، وأكد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على عظيم فضلهم ، وسامق مجدهم ، وعلى محبته العظيمة لهم.

وأما بالنسبة للدفاع عن عثمان. فإنَّ ثمة وجهة نظر أخرى جديرة بالتقدير ، وقمينة بأن تقدم تفسيراً صحيحاً ، ومنطلقاً موضوعياً ومنطقياً لموقف أمير المؤمنينعليه‌السلام في هذه القضية. لا مجرد عدم توجيه أصابع الاتهام إليهعليه‌السلام ، في موضوع قتل عثمان.

وملخص ما يمكن اعتباره كافياً لتبرير دفاع أمير المؤمنينعليه‌السلام عن

____________

١ ـ الإمام الحسن بن عليعليه‌السلام لآل يس ص ٥٠ / ٥١.

٢ ـ راجع : الغدير ج ٩ ص ٦٩ ـ ٧٧ عن مصادر كثيرة.

١٦٤

عثمان ، هو :

أن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وإن كان لا يرى خلافة عثمان شرعية من الأساس ، وكان كذلك على اطلاع تام على جميع المخالفات والتجاوزات ، التي كانت تصدر من الهيئة الحاكمة باستمرار. ويرى رأي العين : أن فسادها قد استشرى ، وتفاقم خطره ، حتى لم يعد من السهل تحمله ، أو الإغضاء عنه

إنه وإن كان يرى ذلك ـ إلا أنه لم يكن يرى : أن علاج الأمر بهذا الأسلوب الانعالي العنيف هو الطريقة المثلى والفضلى وقد نقل عنهعليه‌السلام قوله عن عثمان : إنه استأثر فأساء الأثرة ، وجزعوا فأساؤوا الجزع(١) .

وما ذلك إلا أن هذا الأسلوب بالذات ، وقتل عثمان في تلك الظروف ، وعلى النحو الذي كان ، لم يكن بالذي يخدم القضية ، قضية الإسلام ، بل كان من شأنه أن يلحق بها ضرراً فادحاً ، وجسيماً إذ أنه سوف يعطي الفرصة لأولئك المترصدين من أصحاب المطامع والأهواء لركوب الموجة ، واستغلال جهل الناس ، وضعفهم ، وظروف حياتهم ، بملاحظة ما تركت عليهم السياسية من آثار في مفاهيمهم ، وفي عقليتهم ، ونظرتهم ، وفي عقائدهم ، وغير ذلك ـ لسوف يعطي هؤلاء الفرصة ، لاستغلال كهذا. ورفع شعار الأخذ بثارات عثمان ، واتخاذ ذلك ذريعة للوقوف في وجه الشرعية المتمثلة بأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وإلقاء الشبهات والتشكيكات حول علي ، وأصحاب عليعليه‌السلام الأمر الذي نشأ عنه حروب الجمل ، وصفين ، والنهروان ، على النحو الذي سجله التاريخ

وقد كان أمير المؤمنينعليه‌السلام مدركاً ذلك كله ، ومطلعاً عليه بصورة تامة ، حتى انه حينما جاءه اليمنيون لتهنئته بالخلافة ، قال لهم : « إنكم صناديد اليمن وساداتها ، فليت شعري ، إن دهمنا أمر من الأمور كيف صبركم على ضرب الطلا ، وطعن الكلا »(٢) الأمر الذي يعني : أنه كان يتوقع منذئذٍ حروباً ، لا بد

__________________

١ ـ نهج البلاغة ج ١ ص ٧٢ بشرح عبده ، الخطبة رقم ٢٩.

٢ ـ الفتوح لابن أعثم ج ٢ ص ٢٥٥.

١٦٥

له من خوضها ، ضد أصحاب المطامع والمنحرفين.

وقد كان ذلك بطبيعة الحال وَبَالاً على الإسلام ، وعلى المسلمين ، وسبباً للكثير من المصائب والبلايا ، التي لا يزال يعاني الإسلام والمسلمون من آثارها

وإذا كان علي أمير المؤمنينعليه‌السلام لا يرغب في قتل عثمان يهذه الصورة التي حدثت ، وإذا كان قد أرسل الحسنينعليهما‌السلام للدفع والذب عنه ، وإذا كان قد بلغ في دفاعه عنه حداً جعل مروان يعترف بذلك ويقول :

« ما كان أحد أدفع عن عثمان من علي ، فقيل له : ما لكم تسبونه على المنابر؟ قال : إنه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك »(١) .

ويقول عليعليه‌السلام : « واللهِ ، لقد دفعت عنه ، حتى خشيت أن أكون آثماً »(٢) .

إنه إذا كان كذلك فإنه لم يكن يريد أن يكون ذلك الدفع عن عثمان ، موجباً لفهم خاطيء لحقيقة رأيه في عثمان ، وفي مخالفته فكان يذكر تلك المخالفات تصريحاً تارة ، وتلويحاً أخرى ، كما أنه كان يجيب سائليه عن أمر عثمان بأجوبة صريحة أحياناً ، ومبهمة أحياناً أخرى ، أو على الأقل لا تسمح بالتشبث بها واستغلالها ، من قبل المغرضين والمستغلين(٣)

كما أن دفاعهعليه‌السلام عن عثمان ، ومحاولته دفع القتل عنه ، لا يعني : أنه كان يسكت عن تلك المخالفات الشنيعة ، التي كانت تصدر منه ، ومن أعوانه ولا أنه لا يرى بها خطراً داهماً ومدمراً بل ما فتىءعليه‌السلام

__________________

١ ـ الصواعق المحرقة ص ٥٣ والنصائح الكافية ص ٨٨ عن الدارقطني.

٢ ـ نهج البلاغة ، بشرح عبده ج ٢ ص ٢٦١ ، ومصادر نهج البلاغة ج ٣ ص ١٨٩ عن العديد من المصادر ، وبهج الصباغة ج ٦ ص ٧٩ عن الطبري ، وفيه : والله ، ما زلت أذب عنه حتى إني لأستحي الخ

٣ ـ راجع هذه الأجوبة في : كتاب الغدير ج ٩ ص ٧٠ ـ بل راجع من ص ٦٩ حتى ص ٧٧.

١٦٦

يجهر بالحقيقة مرة بعد أخرى ، وقد حاول إسداء النصيحة لعثمان في العديد من المناسبات ، حتى ضاق عثمان به ذرعاً ، فأمره أن يخرج إلى أرضه بينبع(١) .

كما أنه ـ أي عثمان ـ قد واجه الإمام الحسنعليه‌السلام بأنه لا يرغب بنصائح أبيه ، وذلك لأنه :

« كان علي كلما اشتكى الناس إليه أمر عثمان ، أرسل إبنه الحسنعليه‌السلام إليه ، فلما أكثر عليه ، قال : أن أباك يرى : أن أحداً لا يعلم ما يعلم؟ ونحن أعلم بما نفعل ، فكف عنا ، فلم يبعث علي ابنه في شيء بعد ذلك »(٢) .

وهكذا يتضح : أن نصرة الحسنينعليهما‌السلام لعثمان ، بأمر من أبيهما أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ، قد كانت منسجمة كل الانسجام مع خطهمعليهم‌السلام ، الذي هو خط الإسلام الصافي ، والصحيح. وهو يدخل في عداد تضحياتهما الجسام ـ وما أكثرها ـ في سبيل هذا الدين ، ومن أجل إعلاء كلمة الحق كما أنه دليل واضح على بعد نظرهم ، وعلى دقة وعمق تفكيرهم

معاوية هو قاتل عثمان :

ولا نذهب بعيداً إذا قلنا : إن معاوية قد أدرك منذ البداية : أن قتل عثمان يخدم مصالحه وأهدافه ، وأنه كان يرغب في أن يتم على عثمان ما تم وقد استنجده عثمان ، فتلكأ عنه ، وتربص به ، ثم أرسل جيشاً ، وأمره بالمقام بذي خشب ، ولا يتجاوزها. وحذر قائده من أن يقول :

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، بشرح عبده ج ٢ ص ٢٦١ وبهج الصباغة ج ٦ ص ٧٩ عن الطبري ، ومصادر نهج البلاغة ج ٣ ص ١٨٩ عن العديد من المصادر ، والغدير ج ٩ ص ٦٠ ـ ٦٢ و ٦٩ عن مصادر أخرى أيضاً.

٢ ـ الغدير ج ٩ ص ٧١ عن العقد ج ٢ ص ٢٧٤ وعن الإمامة والسياسة ج ١ ص ٣٠.

١٦٧

« الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ، فإنني أنا الشاهد وأنت الغائب. قال : فأقام بذي خشب ، حتى قتل عثمان ، فاستقدمه حينئذٍ معاوية ، فعاد إلى الشام بالجيش الذي كان أرسل معه. وإنما صنع ذلك معاوية ليقتل عثمان ، فيدعو إلى نفسه »(١) .

وكتب علي أمير المؤمنينعليه‌السلام إليه : « ولعمري ، ما قتله غيرك ، ولا خَذَلَهُ سواك ، ولقد تربصت به الدوائر ، وتمنيت له الأماني »(٢) .

وعنهعليه‌السلام فيما كتبه له : « إنك إنما نصرت عثمان حينما كان النصر لك ، وخذلته حينما كان النصر له »(٣) .

وكتب أبو أيوب الأنصاري لمعاوية : « فما نحن وقتلة عثمان؟ إن الذي تربص بعثمان ، وثبط أهل الشام عن نصرته لأنت الخ »(٤) .

وكتب إليه شبث بن ربعي : « إنك لا تجد شيئاً تستغوي به الناس ، وتستميل له أهواءهم ، وتستخلص به طاعتهم ، إلا أن قلت لهم : قتل إمامكم مظلوماً ، فهلموا نطلب بدمه ، فاستجاب لك سفهاء طغام رذال ، وقد علمنا أنك قد أبطأت عنه بالنصر ، وأحببت له القتل بهذه المنزلة التي تطلب »(٥) .

__________________

١ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ١٥٤ والنصائح الكافية ص ٢٠ عن البلاذري ، والإمام علي بن أبي طالب سيرة وتاريخ ص ١٦٦.

٢ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ٣ ص ٤١١ ط قديم ، والغدير ج ٩ ص ١٥٠ والنصائح الكافية ص ٢٠ عن الكامل ، والبيهقي في المحاسن والمساوي ، والإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام سيرة وتاريخ ص ١٦٧ عن الأول.

٣ ـ راجع : نهج البلاغة ج ٣ ص ٧٠ ط عبده والنصائح الكافية ص ٢٠ وشرح النهج للبحراني ج ٥ ص ٨١ وعن شرح المعتزلي ج ٤ ص ٥٧.

٤ ـ الإمامة والسياسة ج ١ ص ١٠٩ / ١١٠ والغدير ج ٩ ص ١٥١ عنه ، وعن شرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ٢٦٠.

٥ ـ وقعة صفين ص ١٨٧ / ١٨٨ ، وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٥٧٠ ، والغدير ج٩ ص ١٥١ ، عنهما وعن الكامل لابن الأثير ج ٣ ص ١٢٣ وعن شرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ٣٤٢.

١٦٨

وقال الطبري : فلما جاء معاوية الكتاب تريض به ، وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد علم اجتماعهم. فلما أبطأ أمره على عثمان الخ(١) .

وكتب إليه ابن عباس : « فأقسم بالله ، لأنت المتربص بقتله ، والمحب لهلاكه ، والحابس الناس قِبَلك عنه ولقد أتاك كتابه وصريخه يستغيث بك ويستصرخ فما حفلت به فقتل كما كنت أردت فإن يك قتل مظلوماً فأنت أظلم الظالمين »(٢) .

ولابن عباس كتاب آخر يذكر له فيه ذلك أيضاً(٣) .

كما أن المنقري يقول : إنه لما نُعِيَ عثمان إلى معاوية : « ضاق معاوية صدراً بما أتاه ، وندم على خذلانه عثمان ، وقال في جملة أبيات له:

ندمـت علـى ما كان من تبعي الهوى

وقصـري فيـه حسـرة وعـويـل(٤)

الأبيات.

وحينما سأل معاوية أبا الطفيل الكناني عن سبب عدم نصره عثمان ، قال له : « منعني ما منعك ، إذ تربَّص به ريب المنون ، وأنت بالشام. قال : أو ما ترى طلبي بدمه نصرة له؟ فضحك أبو الطفيل ، ثم قال : أنت وعثمان كما قال الشاعر الجعدي :

__________________

١ ـ تاريخ الطبري ج ٣ ص ٤٠٢.

٢ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ١٥٥ ، والإمام علي بن أبي طالب سيرة وتاريخ ص ١٦٧ عنه.

٣ ـ الفتوح لابن أعثم ج ٣ ص ٢٥٦ والمناقب للخوارزمي ص ١٨١ والإمامة والسياسة ج ١ ص ١١٣ وشرح النهج للمعتزلي ج ٨ ص ٦٦ والغدير ج ١٠ ص ٣٢٥.

٤ ـ وقعة صفين ص ٧٩ والإمام علي بن أبي طالب سيرة وتاريخ ص ١٦٦ / ١٦٧ عنه والغدير ج ٩ ص ١٥١ والفتوح لابن أعثم ج ٢ ص ٢٦٦.

١٦٩

لا ألفينك بعد المـوت تـنـدبـني

وفي حياتي ما زودتـنـي زادا(١)

بل لقد ذكر اليعقوبي : أن معاوية أمر الجيش بالمقام في أوائل الشام ، وأن يكونوا مكانهم ، حتى يأتي عثمان ليعرف صحة الأمر ، فأتى عثمان وسأله عن المدة ، فقال : قد قدمت لأعرف رأيك وأعود إليهم ، فأجيئك بهم. قال : « لا والله ، ولكنك أردت أن أقتل فتقول : أنا ولي الثار. إرجع فجئني بالناس ، فرجع ولم يعد إليه حتى قتل »(٢) .

وقد اعترف معاوية نفسه للحجاج بن خزيمة بأنه قد قعد عن عثمان ، وقد استغاث به فلم يجبه ، وأنه قال في ذلك أبياتاً(٣) ، وهي الأبيات اللامية التي أشرنا إليها آنفاً.

وصرح الشهرستاني بأن جميع عمال عثمان وأمراءه قد « خذلوه ، ورفضوه حتى أتى قدره عليه » ، وهم : معاوية ، وسعد بن أبي وقاص ، والوليد بن عقبة ، وعبد الله بن عامر ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح(٤) .

وقال له ابن عباس في المدينة ، حينما اتهم بني هاشم بقتل عثمان : « أنت قتلت عثمان ، ثم قمت تغمص على الناس أنك تطلب بدمه ، فانكسر معاوية »(٥) .

وكتب محمد بن مسلمة لمعاوية : « ولعمري يا معاوية ، ما طلبت إلا الدنيا ، ولا اتبعت إلا الهوى ، ولئن كنت نصرت عثمان ميتاً ،

__________________

١ ـ مروج الذهب ج ٣ والنصائح الكافية ص ٢١ والعقد الفريد ج ٤ ص ٣٠ عن تاريخ الخلفاء ، والإمام علي بن أبي طالب سيرة وتاريخ ص ١٦٨ والغدير ج ٩ ص ١٣٩ / ١٤٠ عن تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٣٣ وعن تاريخ ابن عساكر ج ٧ ص ٢٠١ وعن الاستيعاب ، في الكنى ، والإمامة والسياسة ج ١ ص ١٥١ والمسعودي.

٢ ـ تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٧٥.

٣ ـ الفتوح لابن أعثم ج ٢ ص ٢٦٥.

٤ ـ الملل والنحل للشهرستاني ج ١ ص ٢٦ وراجع هامش : الشيعة في التاريخ ص ١٤٢.

٥ ـ تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٢٣.

١٧٠

خذلته حياً »(١) .

ومن كتاب لأمير المؤمنينعليه‌السلام إليه : « أما بعد ، فوالله ما قتل ابن عمك غيرك ، وإني لأرجو أن ألحقك به على مثل ذنبه ، وأعظم من خطيئته »(٢) .

كما أن الاصبغ بن نباته قد واجهه بمثل ما تقدم عن غير واحد(٣) .

وكذلك فإن الإمام الحسنعليه‌السلام قال له : « ثم ولاك عثمان فتربصت عليه »(٤) . وقال معاوية لعمرو بن العاص : « صدقت ، ولكننا نقاتله على ما في أيدينا ، ونلزمه قتل عثمان. قال عمرو : واسوأتاه ، ان أحق الناس ألا يذكر عثمان لا أنا ولا أنت. قال : ولم؟ ويحك. قال : أما أنت فخذلته ومعك أهل الشام ، حتى استغاث بيزيد بن أسد البجلي ، فسار إليه : وأما أنا فتركته عياناً ، وهربت إلى فلسطين. فقال معاوية : دعني من هذا الخ »(٥) .

ولما وصلت رسالة عثمان الاستنجادية إلى معاوية ، قال له المسور بن مخرمة : « يا معاوية، إن عثمان مقتول ، فانظر فيما كتبت به إليه ، فقال معاوية : يا مسور ، إني مصرح : إن عثمان بدأ فعمل بما يحب الله ويرضاه ، ثم غير وبدل ، فغير الله عليه ، أفيتهيأ لي أن أرد ما غير الله عز وجل؟ »(٦) .

فهو يستدل بالجبر من أجل تبرير تخاذله عن نصر عثمان!!.

هل جرح الإمام الحسن عليه‌السلام في الدفاع عن عثمان :

ويبقى أن نشير : إلى أننا نشك في صحة ما ذكرته الرواية من أن الإمام

__________________

١ ـ الإمامة والسياسة ج ١ ص ١٠١ والغدير ج ١٠ ص ٣٣٣.

٢ ـ الغدير ج ٩ ص ٧٦ والعقد الفريد ج ٤ ص ٣٣٤.

٣ ـ تذكرة الخواص ص ٨٥ ومناقب الخوارزمي ص ١٣٤ / ١٣٥.

٤ ـ تذكرة الخواص ص ٢٠١.

٥ ـ تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٨٦ والإمامة والسياسة ج ١ ص ٩٨.

٦ ـ الفتوح لابن أعثم ج ٢ ص ٢٢٨.

١٧١

الحسنعليه‌السلام قد جرح في الدفاع عن عثمان ، وذلك لان الامام علياعليه‌السلام ، وإن كان يمكن أن يكون قد أرسل ابنيه ـ أو الإمام الحسن وحده ـ للدفاع عن عثمان وقد جاءا إليه ، وعرضا له المهمة التي أوكلها إليهما أبوهما إلا أن الظاهر : هو أن عثمان قد ردهما ، ولم يقبل منهما ذلك ويوضح ذلك النصوص التالية :

١ ـ « قال : ثم دعا علي بابنه الحسن ، فقال : انطلق يا ابني إلى عثمان ، فقل له : يقول لك أبي : أفتحب أن أنصرك؟ فأقبل الحسن إلى عثمان برسالة أبيه ، فقال عثمان : لا ، ما أريد ذلك ، لأني قد رأيت رسول الله إلى أن قال : فسكت الحسن ، وانصرف إلى أبيه فأخبره بذلك »(١) .

٢ ـ « ثم اقتحم الناس الدار على عثمان وهو صائم إلى أن قال : والتفت عثمان إلى الحسن بن علي ، وهو جالس عنده ، فقال : سألتك بالله يا ابن الأخ إلا ما خرجت؟ فإني أعلم ما في قلب أبيك من الشفقة عليك ، فخرج الحسن رضي الله عنه ، وخرج معه عبد الله بن عمر »(٢) .

٣ ـ « كان علي كلما اشتكى الناس إليه أمر عثمان أرسل ابنه الحسن إليه ، فلما أكثر عليه قال : إن أباك يرى : أن أحداً لا يعلم ما يعلم؟ ونحن أعلم بما نفعل ، فكف عنا. فلم يبعث علي ابنه في شيء بعد ذلك »(٣) .

وقال ابن قتيبة : « ثم دخل عليه الحسن بن علي ، فقال : مرني بما شئت ، فإني طوع يديك. فقال له عثمان ارجع يا ابن أخي ، اجلس في بيتك حتى يأتي الله بأمره »(٤) .

__________________

١ ـ الفتوح لابن اعثم ج ٢ ص ٢٢٨.

٢ ـ الفتوح لابن اعثم ج ٢ ص ٢٣١.

٣ ـ تقدمت المصادر لذلك.

٤ ـ الإمامة والسياسة ج ١ ص ٣٩ وحياة الصحابة ج ٢ ص ١٣٤ عن الرياض النضرة ج ٢ ص ٢٦٩.

١٧٢

٤ ـ « وشمَّر أناس من الناس ، فاستقتلوا ، منهم سعد بن مالك ، وأبوهريرة ، وزيد بن ثابت ، والحسن بن علي ، فبعث إليهم عثمان بعزمه لما انصرفوا ، فأنصرفوا »(١) .

٥ ـ « بعث عثمان إلى علي بن أبي طالب : أن ائتني ، فبعث حسيناً ابنه ، فلما جاءه ، قال له عثمان : يا ابن أخي اتقدر على أن تمنعني من الناس؟ قال : لا. قال : فأنت في حلٍ من بيعتي ، فقل لأبيك يأتني ، فجاء الحسين إلى عليَّ فأخبره بقول عثمان ، فقام علي ليأتيه. فقام إليه ابي الحنفية فأخذ بضبعيه ، يمنعه من ذلك ». وفي هذه الأثناء جاء الصريخ : أن قد قتل عثمان(٢) .

٦ ـ « قال أبو مخنف في روايته : نظر مروان بن الحكم إلى الحسين بن علي فقال : ما جاء بك؟ قال : الوفاء ببيعتي. قال : اخرج عنا ، أبوك يؤلب الناس علينا ، وأنت هاهنا معنا؟. وقال له عثمان : انصرف ، فست أريد قتالاً ولا آمر به »(٣) .

وما تقدم يشير إلى أن عثمان قد رفض مساعدة الإمام الحسن ، أو هو مع الحسينعليهما‌السلام ولم يشاركاعليهما‌السلام في الحرب ضد الثائرين. ـ ولعل العرض والرفض قد تعدد عدة مرات ـ. وذلك يوجب الريب في تلك الرواية القائلة بأن الإمام الحسنعليه‌السلام قد جرح في هذه القضية ، ثم كان من عليعليه‌السلام بالنسبة إليه ولأخيه ما كان ، مما تقدمت الإشارة إلى عدم صحته أيضاً.

نعم ربما يكون الإمام الحسنعليه‌السلام قد ساعد على نجاة البعض ، من دون اشتراك في القتال ، وإنما بما له من أحترام خاص في النفوس ، ففي محاورة جرت بينه وبين مروان بن الحكم ، قالعليه‌السلام لمروان : « أفلا أرقت دم من

__________________

١ ـ تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٨٩.

٢ ـ أنساب الأشراف ج ٥ ص ٩٤.

٣ ـ أنسب الأشراف ج ٥ ص ٧٨.

١٧٣

وثب على عثمان في الدار ، فذبحه كما يذبح الجمل ، وأنت تثغو ثغاء النعجة ، وتنادي بالويل والثبور ، كالأمة اللكعاء. ألا دفعت عنه بيد؟ أو ناضلت عنه بسهم؟ لقد ارتعدت فرائصك ، وغشي بصرك ، فاستغثت بي كما يستغيث العبد بربه ، فأنجيتك من القتل ، ومنعتك منه ، ثم تحث معاوية على قتلي؟! ولو رام ذلك لذبح كما ذبح ابن عفان الخ »(١) .

قوة موقف الإمام الحسن عليه‌السلام :

هذا وإن النص المتقدم آنفاً ، ليدل دلالة واضحة على قوة لا يستهان بها في موقف الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام.

وقد تقدم قول ابن العاص لمعاوية عن الإمام الحسن (ع) : « خفقت النعال خلفه ، وأمر فأطيع ، وقال فصدق ، وهذان يرفعان إلى ما هو أعظم ، فلو بعثت إليه ، فقصرنا به وبأبيه ، وسببناه وأباه ، وصغرنا بقدره وقدر أبيه الخ ».

وقال سفيان بن أبي ليلى للإمام الحسنعليه‌السلام في ضمن كلام له : « فقد جمع الله عليك أمر الناس »(٢) .

وروى أبو جعفر قال : قال ابن عباس : « أول ذل دخل على العرب موت الحسنعليه‌السلام »(٣) .

وقال أبو الفرج : « قيل لأبي إسحاق السبيعي : متى ذل الناس؟ فقال : حين مات الحسن ، وادعي زياد ، وقتل حجر بن عدي »(٤) .

وقد اعترف معاوية نفسه : بأن الحسنعليه‌السلام ليس ممن يُرمي به

__________________

١ ـ المحاسن والمساوي ج ١ ص ١٣٥ وفي هامشه عن المحاسن والأضداد

٢ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٤٤.

٣ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ١٠.

٤ ـ مقاتل الطالبيين ص ٧٦ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٥١.

١٧٤

الرجوان(١) أي ليس ممن يستهان به ، والنصوص التي تدخل هذا المجال كثيرة ، لا مجال لتتبعها فعلاً.

ولعل ما تقدم من نصرة الإمام الحسنعليه‌السلام لعثمان ، بالإضافة إلى أنه لم يكن قد ساهم في قتل مشركي قريش وغيرها على عهد الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بسبب صغر سنه آنئذٍ. ثم ما سمعته الأمة ورأته من أقوال ومواقف النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله تجاههعليه‌السلام ثم علم الجميع بنزول العديد من الآيات القرآنية ، التي تعرب عن فضله ، وتشيد بكريم خصاله ، وتؤكد على ما يؤهله الله له من دورٍ قيادي في مستقبل الأمة

ـ إن كل ذلك وسواه ـ قد جعل موقفهعليه‌السلام في قبال معاوية والأمويين ، أكثر قوة ، وأعظم أثراً ، حيث لم يكن ثمة شبهات يستطيع خصومه التشبث بها لتضعيف مركزه ، وزعزعة سلطانه ، كما أنه لم يواجه ما يشبه قضية التحكيم ، التي فُرِضَت على أمير المؤمنينعليه‌السلام من قبل

نعم هو ابن لذلك الذي وَتَرَ قريشاً ، وقتل صناديدها ، الذين أرادوا أن يطفئوا نور الله سبحانه ، بكل ما يملكون من حيلة ووسيلة.

ولعل مدى ضعف حجة معاوية في مقابل الإمام الحسنعليه‌السلام ، يتجلى أكثر ، بالمراجعة إلى أقوال معاوية نفسه ، وذلك حينما لا يجد حجة يحتج بها لتصديه لهذا الأمر ، سوى أنه أطول من الإمام الحسنعليه‌السلام ولاية ، وأقدم تجربة ، وأكثر سياسة ، وأكبر سناً(٢) .

قال بعض الباحثين : « وهكذا صارت مقاييس الخلافة كمقاييس الأزياء ، أو الكمال الجسماني : أطول ، وأكبر ، وأقدم ، وأكثر »(٣) .

إلا أن جيش الإمام الحسنعليه‌السلام ، وكذلك الظروف الخاصة التي

__________________

١ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ١٩ و ١٩٥.

٢ ـ مقاتل الطالبيين ص ٥٨ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٣٦ ، وحياة الحسن بن علي ، للقرشي ج ٢ ص ٣٣ و ٣٥.

٣ ـ حياة الإمام الحسن بنعليه‌السلام ، لآل يس ص ٨٥.

١٧٥

مرت بها الأمة ، والعراق خاصة ، والنواحي العقيدية والاجتماعية ، وغير ذلك ـ كل ذلك وسواه ـ هو الذي أضعف من موقف الإمام الحسنعليه‌السلام ، وقوى من شوكة معاوي ، وإن كان العامل الزمني قد كان ـ على ما يبدو ـ لصالح الإمام الحسنعليه‌السلام على المدى الطويل. ولا سيما بعد وجود بعض التحول في المجتمع العراقي تجاه أهل البيت ، بعد جهود أمير المؤمنينعليه‌السلام في هذا المجال

وقد شرحنا بعض ما يرتبط المجتمع العراقي في بحث لنا آخر حول الخوارج ، وفيما تقدم بعض ما يمكن أن يفيد في ذلك. وليس هذا موضع بحثنا الآن ، لأنه يرتبط بظروف صلح الإمام الحسنعليه‌السلام مع معاوية كما هو معلوم

هل كان الإمام الحسن عليه‌السلام عثمانياً؟ !

ويحاول البعض أن يدعي : أن الإمام الحسنعليه‌السلام « كان عثمانياً بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة » ، قال : « وربما غلا في عثمانيته ، حتى قال لأبيه ذات يوم ما لا يحب ، فقد روى الرواة : أن علياً مر بابنه الحسن ن وهو يتوضأ ، فقال له : أسبغ الوضوء يا حسن ، فأجابه الحسن بهذه الكلمة المرة : « لقد قتلتم بالأمس رجلاً كان يسبغ الوضوء » ، فلم يزد على أن قال : لقد أطال الله حزنك على عثمان ». وفي نص آخر للبلاذري : « لقد قتلت رجلاً كان يسبغ والوضوء »(١) .

وفي قصة أخرى يقولون : « إن الحسن بن علي ، قال لعلي : يا أمير المؤمنين ، إني لا أستطيع أن أكلمك ، وبكى ، فقال علي : تكلم ، ولا تحنَّ حنين

__________________

١ ـ راجع : الفتنة الكبرى ، قسم : علي وبنوه ص ١٧٦ ، وأنساب الأشراف ج ٣ ص ١٢ بتحقيق المحمودي و ج ٥ ص ٨١ وراجع : الإمام الحسن بن علي لآل يس ص ٥٠ وسيرة الأئمة الإثني عشر ج ١ ص ٥٤٣.

١٧٦

المرأة ، فقال : إن لناس حصروا عثمان ، فأمرتك أن تعتزلهم وتلحق بمكة ، حتى تؤوب إلى العرب عوازب أحلامها ، فأبيت. ثم قتله الناس ، فأمرتك أن تعتزل الناس فلو كنت في جحر ضب لضربت إليك العرب آباط الإبل حتى يستخرجوك ، فغلبتني. ثم أمرتك اليوم : أن لا تقدم العراق ، فإني أخاف عليك أن تقتل بمضيعة فقال علي الخ »(١) .

وثمة روايات أخرى تفيد هذا المعنى ، لا مجال لإيرادها وهي تدل على أنهعليه‌السلام كان يكره أن يذهب أبوه إلى العراق لحرب طلحة والزبير ، كما قاله البعض(٢) .

ونقول : إن كل ذلك لا يمكن أن يصح ، فـ :

أولا ً : كيف يمكن أن نجمع بين ما قيل هنا ، وبين قولهم الآنف الذكر : إن أمير المؤمنينعليه‌السلام قد أرسل الإمام الحسن وأخاهعليهم‌السلام للدفاع عن عثمان وأنه لما علم بمصيره جاء كالواله الحزين ، ولطم الحسن المخضب بالدماء ، ودفع في صدر الحسينعليهما‌السلام ، بتخيُّل : أنهما قد قصرا في أداء مهمتهما الخ؟!.

ثانيا ً : غن المتتبع لعامة مواقف الإمام الحسنعليه‌السلام يجده ـ باستمرار وبمزيد من الإصرار ـ يشدُّ أزر أبيه ، ويدافع عن حقه ، ويهتم في دفع حجج خصومه ، بل ويخوض غمرات الحروب في الجمل ، وفي صفين ، ويعرِّض نفسه للأخطار الجسام ، في سبيل الدفاع عنهعليه‌السلام ، وعن قضيته ، حتى لقد قال الإمامعليه‌السلام : أملكوا عني هذا الغلام لا يهدني ـ حسبما تقدم

وبالنسبة لدفاعه عن قضية أهل البيتعليهم‌السلام ، وحقهم بالخلافة ، دون كل من عداهم ، فإننا لا نستطيع استقصا جميع مواقفه وأقواله فعلاً ، ولكننا

__________________

١ ـ أنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ٢١٦ / ٢١٧ وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٤٧٤ وليراجع : شرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ٢٢٦ / ٢٢٧ و ج ١٩ ص ١١٧ وسيرة الأئمة الاثني عشر ج ١ ص ٥٤٣ عن طه حسين وغيره.

٢ ـ راجع : سيرة الأئمة الاثني عشر علي بن أبي طالب ١ ص ٥٤٢ ـ ٥٤٤ وغير ذلك.

١٧٧

نذكر نموذجاً منها :

١ ـ عن الحسنعليه‌السلام : « إن أبا بكر وعمر عمدا إلى هذا الأمر ، وهو لنا كله ، فأخذاه دوننا ، وجعلا لنا فيه سهماً كَسَهم الجدة ، أما والله ، لتهمنهما أنفسهما ، يوم يطلب الناس فيه شفاعتنا »(١) .

قال التستري : « والظاهر : أن المراد بقولهعليه‌السلام : كسهم الجدة : أنهما جعلا لهم من الخلافة ، وباقي حقوقهم ، مجرد طعمة ، كالجدة مع الوالدين »(٢) .

٢ ـ وعنهعليه‌السلام في خطبة له : « ولولا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوصياؤه ، كنتم حيارى ، لا تعرفون فرضاً من الفرائض الخ » قال هذا بعد أن عدد الفرائض ، وكان منها الولاية لأهل البيتعليهم‌السلام (٣) .

٣ ـ وتقدم قولهعليه‌السلام في خطبة له بعد بيعة الناس له : « فإن طاعتنا مفروضة ، إذ كانت بطاعة الله عز وجل ورسوله مقرونة ، قال الله عز وجل :( يا أيها الذين آمنوا ، أطيعوا الله ، وأطيعوا الرسول ، وأولي الأمر منكم ، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) الخ(٤) .

٤ ـ وقال الأربلي : عن معاوية : « وكان بينه وبين الحسن مكاتبات ، واحتج عليه الحسن ، في استحقاقه الأمر ، وتوثب من تقدم على أبيه ، وابتزازه سلطان ابن عمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٥) .

وقد كتبعليه‌السلام لمعاوية ، بعد ذكره ، مجاهدة قريش لهم ، بعد وفاة

__________________

١ ـ أمالي المفيد ص ٤٩ وبهج الصباغة ج ٤ ص ٥٦٩.

٢ ـ بهج الصباغة ج ٤ ص ٥٦٩.

٣ ـ ينابيع المودة ص ٤٨٠ وعن الأمالي للطوسي ص ٥٦.

٤ ـ ينابيع المودة ص ٢١ وأمالي المفيد ص ٣٤٩ ومروج الذهب ج ٢ ص ٤٣٢ وحياة الحسن بن علي للقرشي ج ١ ص ١٥٣ وأمالي الشيخ الطوسي ج ١ ص ١٢١ ، وصلح الحسن لآل يس ، ص ٥٩ وعن جمهرة الخطب ج ٢ ص ١٧ عن المسعودي.

٥ ـ كشف الغمة ج ٢ ص ١٦٥.

١٧٨

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مايلي :

« وقد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا ، في حقنا ، وسلطان نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن قال : فأمسكنا عن منازعتهم ، مخافة على الدين : أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزاً يثلمونه به. إلى أن قال : وبعد ، فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، لما نزل به الموت ولاَّني الأمر بعده »(١) .

٥ ـ وحسبنا أن نذكر هنا : أن أباه أرسله إلى الكوفة ، فعزل أبا موسى الأشعري ، الذي كان يثبط الناس عن أمير المؤمنينعليه‌السلام . وجاء إلى أبيه بعشرة آلاف مقاتل. وجرت في هذه القضية حوادث مثيرة وهامة ، عبر فيها الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام عن فنائه المطلق في قضية أبيه ، التي هي قضية الإسلام والإيمان ، والتي نذر نفسه للدفاع عنها ، مهما كلفه ذلك من تضحيات(٢) .

٦ ـ ثم هناك موقفهعليه‌السلام في تفنيد ما احتج به المعترضون على قضية التحكيم ، حيث أورد بهذه المناسبة احتجاجات هامة ، جديرة بالبحث والدراسة ، وهي تدل على بعد نظره ، وثاقب فكره ، وعمق وعيه لكل الأمور والقضايا فلتراجع في مصادرها(٣) .

__________________

١ ـ راجع : مروج الذهب ج ٢ ص ٤٣٢ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٣٤ ومقاتل الطالبيين ص ٥٥ / ٥٦ والفتوح لابن اعثم ج ٤ ص ١٥١ والمناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٣١ وحياة الحسن بن علي للقرشي ج ٢ ص ٢٩ والبحار ج ٤٤ ص ٥٤ وصلح الإمام الحسن لآل يس ص ٨٢ والأحمدي عن ناسخ التواريخ ج ٥ ص ٨٤ وعن جمهرة رسائل العرب ج ٢ ص ٩ وعن مكاتيب الأئمة ص ٣ و ٤ و ٧.

وفي بعض تلك المصادر : « ولاني المسلمون الأمر بعده » وراجع : الغدير ج ١٠ ص ١٥٩.

٢ ـ راجع حياة الحسن بن علي للقرشي ، وسيرة الأئمة الاثني عشر ج ١ ص ٥٤٦ / ٥٤٨.

٣ ـ العقد الفريد ج ٤ ص ٣٥٠ والبحار ط قديم ج ٨ ص ٥٦٤ والإمامة والسياسة ج ١ ص ١٣٨ والمناقب لابن شهر آشوب ج ٣ ص ١٩٣ وحياة الحسن بن علي للقرشي ج ١ ص ٢٦١ و ٢٦٢ وعن جمهرة خطب العرب ج ١ ص ٣٩٢.

١٧٩

٧ ـ وعنهعليه‌السلام : نحن أولى الناس بالناس ، في كتاب الله ، وعلى لسان نبيه(١) .

٨ ـ وقالعليه‌السلام في خطبة له : « إن علياً باب من دخله كان مؤمناً ، ومن خرج عنه كان كافراً »(٢) .

٩ ـ وفي موقف له من حبيب بن مسلمة ، قال له : « رُب مسير لك في غير طاعة الله ، فقال له حبيب : أما مسيري إلى أبيك فليس من ذلك ، قال : بلى والله ، ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة ، فلئن قام بك في دنياك لقد قعد بك في آخرتك ، ولو كنت إذ فعلت شراً ، قلت خيراً الخ »(٣) .

١٠ ـ ولتراجع خطبة الإمام الحسنعليه‌السلام ، التي يُكَّذِب فيها : أن يكون يرى معاوية أهلاً للخلافة. وقد تقدمت إشارة إلى ذلك مع مصادره ، حين الكلام تحت عنوان : « الأئمة في مواجهة الخطة » فلا نعيد.

وحسبنا ما ذكرناه هنا ، فإننا لم لم نقصد إلا إلى ذكر نماذج من ذلك ، ومن أراد المزيد فعليه بمراجعة كتب الحديث والتاريخ.

ثالثا ً : إن تطهير الله سبحانه وتعالى للإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه ، وكلمات النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقه ، ثم ما عرف عنهعليه‌السلام من أخلاق فاضلة ، وسجايا كريمة ليكذب كل ما ينسب إليه صلوات الله وسلامه عليه من أمور وكلمات ؛ مثل قوله : أمرتك ، ونحو ذلك تتنافى مع أبسط قواعد الأدب الإسلامي الرفيع ، والخلق الإنساني الفاضل ، ولا سيما مع أبيه الذي يعرف هو قبل كل أحد قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه : أنه مع الحق ، والحق معه ، يدور معه حيث

____________

١ ـ نقل ذلك العلامة الأحمدي عن ناسخ التواريخ ج ١ ص ١٠١ ط حجرية وعن البحار باب احتجاجاتهعليه‌السلام .

٢ ـ كشف الغمة للأربلي ج ٢ ص ١٩٨ والبحار ج ٤٣ ص ٣٥٠ و ٣٥١ عن تفسير فرات. ونقل عن ناسخ التواريخ ج ٥.

٣ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ١٨.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216