الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام0%

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 216

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف:

الصفحات: 216
المشاهدات: 59932
تحميل: 5079

توضيحات:

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59932 / تحميل: 5079
الحجم الحجم الحجم
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

مؤلف:
العربية

والى هذه الأرض ترجف تحت أقدامنا »(1) .

__________________

1 ـ راجع تفسير القمي ج 1 ص 104 وحياة الحسنعليه‌السلام للقرشي ج 1 ص 49 51 وقد روى قضية المباهلة بأهل الكساء بالاختصار تارة ، وبالتفصيل اخرى جم غفير من الحفاظ والمفسرين.

ونذكر على سبيل المثال منهم هنا : تفسير العياشي ج 1 ص 176 و 177 ، ومجمع البيان ج2 ص 452 و 453 ، وتفسير ابن كثير ج 1 ص 370 و 371 وتفسير الطبري ( جامع البيان ) ج 3 ص 211 و 213 و 212 وفيه : « حدثنا جرير : قال فقلت للمغيرة : إن الناس يروون في حديث أهل نجران : ان علياً كان معهم. فقال : اما الشعبي فلم يذكره ، فلا أدري : لسوء رأي بني أمنة في علي ، او لم يكن في الحديث؟ » ونقول له : الصحيح هو الأول : لأن ذكره في الحديث متواتر ولاشك ، كما رأينا ، سنرى وراجع ايضاً تفسير النيسابوري ( بهامش جامع البيان ) ج 3 ص 213 و 214 وتفسير الرازي ج 8 ص 80 وبعد ذكره حديث عائشة في المباهلة بأهل البيتعليهم‌السلام ، وأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل حينئذٍ الجميع تحت المرط الأسود ، حيث قرأ آية التطهير قال الرازي : « وهذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث ». والتفسير الحديث لمحمد عزت دروزة ج 8 ص 108 عن التاج الجامع للأصول ج 3 ص 296 عن مسلم والترمذي. والكشاف للزمخشري ج 1 ص 368 ـ 370 ، والإرشاد للمفيد ص 97 ، والصواعق المحرقة ص 153 و 154 وأسباب النزول للواحدي ص 58 و 59 ، وصحيح مسلم ج 7 ص 120 / 121 والبداية والنهاية ج 5 ص 54 وحياة الصحابة ج 2 ص 492 و ج 1 / 130 وصحيح الترمذي ج 5 ص 638 ، والمناقب لابن شهر اشوب ج 3 ص 370 و 368 و 369 عن كثيرين جداً ، وينابيع المودة ص 52 و 232 وعن ص 479 ودلائل النبوة لأبي نعيم ص 298 / 299 وحقائق التأويل للشريف الرضيرحمه‌الله ص 110 و 112 وفرائد السمطين ج 1 ص 378 و ج 2 ص 23 و 24 ، وشواهد التنزيل ج 1 ص 126 و 124 و 123 و ج 2 ص 20 والمسترشد في الإمامة ص 60 وترجمة الإمام عليعليه‌السلام من تاريخ دمشق بتحقيق المحمودي ج 1 ص 206 ط 1 و ط 2 ص 225 والمناقب للخوارزمي ص 59 و 60 ، كشف الغمة للأربلي ج ص 232 / 233 والإصابة ج 2 ص 503 ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص 50 وتفسير فرات ص 15 و 14 و 16 و 117 وأمالي الشيخ الطوسي ج 2 ص 172 و ج 1 ص 265 والجوهرة في نسب عليعليه‌السلام وآله ص 69 وذخائر العقبى ص 25 وروضة الواعظين ص 164 وما نزل من القرآن في أهل البيت لابن الحكم ص 50 والفصول المهمة لابن الصباغ ص 110 ، ومستدرك الحاكم ج 3 ص 150 وأُسد الغابة ج 4 ص 26 وسنن البيهقي ج 7 ص 63 ومسند أحمد ج 1

=

٢١

قال الطبرسي : « أجمع المفسرون على أن المراد بأبنائنا : الحسن والحسين »(1) .

__________________

=

ص 185 ومناقب الإمام عليعليه‌السلام لابن المغازلي ص 263 وفي هامشه عن نزول القرآن لأبي نعيم ( مخطوط ) والدر المنثور ج 2 ص 38 ـ 40 عن بعض من تقدم وعن البيهقي في الدلائل ، وابن مردويه ، وابن أبي شيبة ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وتفسير البرهان ج 1 ص 286 ـ 290 عن بعض من تقدم وعن موفق بن أحمد ، في كتاب فضائل الإمام علي ، وأمالي الشيخ ، والاختصاص ، وعن الصدوق وعن الثعلبي ، عن مقاتل ، والكلبي ، وفي تفسير الميزان ج 2 ص 228 ـ 235. عن كثير ممن تقدم ، وعن عيون أخبار الرضا ، واعلام الورى ، والخرائج والجرائح ، وحلية الأولياء ، والطيالسي. وهو أيضاً في فتح القدير ج 1 ص 347 و 348 وتفسير التبيان ج 2 ص 485 وتفسير نور الثقلين ج 1 ص 288 ـ 290 عن بعض من تقدم وعن الخصال وروضة الكافي وغيرهما وعن نور الأبصار ص 100 وعن المنتقى باب 38 وفي تفسير الميزان ج 3 ص 235 قال : « قال ابن طاووس في كتاب السعود : رأيت في كتاب تفسير ما نزل في القرآن في النبي واهل بيته ، تأليف محمد بن العباس بن مروان : أنه روى خبر المباهلة من أحد وخمسين طريقاً عمن سماه من الصحابة وغيرهم ، وعد منهم الحسن بن علي ،عليهما‌السلام ، وعثمان بن عفان ، وسعد بن أبي وقاص ، وبكر بن سمال ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن عباس ، وأبا رافع مولى النبي ، وجابر بن عبد الله ، والبراء بن عازب ، وأنس بن مالك » انتهى. وأضاف ابن شهر آشوب في مناقبه ج 3 ص 368 ـ 369 : أبا الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس ، وابن البيع في معرفة علوم الحديث ، واحمد في الفضائل ، وابن بطة في الإبانة ، والأشفهي في اعتقاد أهل السنة ، والخركوشي في شرف النبي ، ومحمد بن اسحاق ، وقتيبة بن سعيد ، والحسن البصري ، والقاضي أبا يوسف ، والقاضي المعتمد أبا العباس ، وأبا الفرج الأصبهاني في الأغاني عن كثيرين وهامش حقائق التأويل ص 110 عن بعض من تقدم ، وعن تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 65 وعن الكامل لابن الأثير ج 2 ص 112 وعن كنز العمال ج 6 ص 407 وعن تفسير الخازن ، وعن تفسير البغوي بهامشه.

وثمة مصادر كثيرة أخرى ذكرها في مكاتيب الرسول ج 1 ص 180 / 181 فليراجعها من أراد.

1 ـ مجمع البيان ج 2 ص 452 وراجع التبيان ج 2 ص 485 وتفسير الرازي ج 8 ص 80 وحقائق التأويل ص 114 وفيه : أجمع العلماء الخ

٢٢

وقال الزمخشري : « وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء »(1) .

ويلاحظ : أن رواية الشعبي لقضية المباهلة لم تذكر علياًعليه‌السلام ، فتحير الراوي في ذلك ، وعزا ذلك إما إلى سقط في رواية الشعبي أو لسوء رأي بني أمية في علي(2) ولاريب في أن الثاني هو الأصوب ، حسبما عرفناه وألفناه من أفاعيلهم.

ونحن لا نستطيع في هذه العجالة أن نتعرض لجميع الجوانب التي لابد من بحثها في حديث المباهلة ، فإن ذلك يحتاج إلى تأليف مستقل ، ولكننا نكتفي هنا بالإشارة إلى الأمور التالية :

الأمر الأول : النموذج الحي :

إن إخراج الحسنينعليهما‌السلام في قضية المباهلة لم يكن بالأمر العادي ، أو الإتفاقي وإنما كان مرتبطاً بمعان ومداليل هامة ، ترتبط بنفس شخصية الحسنينعليهما‌السلام ، فقد كانا صلوات الله وسلامه عليهما ذلك المصداق الحقيقي ، والمثل الأعلى ، والثمرة الفضلى التي يعنى الإسلام بالحفاظ عليها ، وتقديمها على أنها النموذج الفذ لصناعته الخلاقة ، والبالغة أعلى درجات النضج والكمال حتى إنه ليصبح مستعداً لتقديمها على أنها أعز وأغلى ما يمكن أن يقدمه في مقام التدليل على حقانيته وصدقه ، بعد أن فشلت سائر الأدلة والبراهين ـ رغم وضوحها ، وسطوع نورها ، وقاطعيتها لكل عذر ـ في التخفيف من عنت أولئك الحاقدين ، وصلفهم ، وصدودهم عن الحق الأبلج

فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما يكون على استعداد للتضحية بنفسه

__________________

1 ـ الكشاف ج1 ص 370 وراجع : الصواعق المحرقة ص 153 عنه ، وراجع الإرشاد للمفيد ص 99 وتفسير الميزان ج 3 ص 238.

2 ـ راجع : جامع البيان ج 3 ص 211.

٢٣

وبهؤلاء ، الذين يعتبرهم القمة في النضج الرسالي بالإضافة إلى أنهم أقرب الناس إليه ، فإنه لا يمكن أن يكون كاذباً ـ والعياذ بالله ـ في دعواه ، كما لاحظه نفس رؤساء أولئك الذين جاؤا ليباهلوه ، وذلك لأن محبة الأقارب ، وإن كنت بحد ذاتها أمراً طبيعياً ، وقد تجعل الإنسان على استعداد للتفريط بكل شيء ، قبل أن يفكر في التفريط بهم إلا أن مما يزيد هذه المحبة ويؤكدها ، ويقلل كثيراً من احتمالات التفريط بالأهل والأقارب ، بل ويجعل ذلك في عداد المحالات ـ هو أن يكون لذلك القريب ، بالإضافة الى عامل القربى النسبية ، شخصية متميزة ، تملك من المزايا والفضائل والكمالات ، ما لا يملكه كل من عداها(1) . فإذا كان على استعداد للتضحية بنفسه ، وبنوعيات كهذه ـ من أهل بيته ـ فإن ذلك يكون أدل دليل على صدقه ، وعلى فنائه المطلق في هذا الدين ، وعلى ثقته بما يدعو إليه ـ وليس هدفه هو الدنيا الفانية ، وحطامها الزائل

وهذا بالذات هو ما حصل في قضية المباهلة ، التي كان النزاع يدور فيها حول بشرية عيسى عليه الصلاة والسلام ، وإبطال ما يقوله النصارى فيه ، تمهيداً للتأكيد على صحة الإسلام ، وأحقية ما جاء به النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الامر الثاني : التخطيط في خدمة الرسالة :

هذا ولربما يتصور البعض : ان اعتبارنا هذا الوليد اليافع ، وأخاه عليهما الصلاة والسلام ذلك المثل الأعلى ، والنموذج الفذ لصناعة الإسلام وخلاقيته نابع عن متابعة غير مسؤولة للعواطف والأحاسيس المتأثرة بتعصب مذهبي ،

__________________

1 ـ ويرى المحقق العلامة الأحمدي : ان من الممكن ان يكون العباس قد اقتدى بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حينما أخرج الحسنين للاستسقاء ، ومنع عمر من الالتحاق بهم ، وقال له : لا تخلط بنا غيرنا ـ وذلك حينما تبرك عمر بهم في هذه القضية راجع : تبرك الصحابة والتابعين ص 283 ـ 287.

٢٤

أثارته لجاجة الخصوم

لكن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً ، فإن ما ذكرناه نابع عن وعي عقائدي سليم ، فرضته الأدلة والبراهين ، التي تؤكد ـ بشكل قاطع ـ على أن الأئمة الأطهارعليهم‌السلام كانوا حتى في حال طفولتهم في المستوى الرفيع الذي يؤهلهم لتحمل الأمانة الإلهية وقيادة حكيمة وواعية ، كما كان الحال بالنسبة لإمامنا الجواد عليه الصلاة والسلام ، وكذلك الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ، حيث شاءت الإرادة الإلهية أن يتحملا مسؤولياتهما القيادية في السنين المبكرة من حياتهما.

تماماً كما كان الحال بالنسبة لنبي الله عيسىعليه‌السلام ، الذي قال الله تعالى عنه :( فأشارَتْ إِلَيهِ ، قَالُوا : كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي المَهدِ صَبِيّاً. قَالَ : إنّي عَبْدُ الله ، آتَانِيَ الكِتَابَ ، وَجَعَلَنِي نَبِيّاً ..) الآيات »(1) .

وكما كان الحال بالنسبة لنبي الله يحيى عليه الصلاة والسلام ، الذي قال الله سبحانه عنه :( يَا يَحيىَ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ، وآتَينَاهُ الحُكمَ صَبِياً ) (2) .

نعم لقد كان الحسنانعليهما‌السلام حتى في أيام طفولتهما الأولى في المستوى الرفيع من النضج والكمال الإنساني ، ويملكان كافة المؤهلات التي تجعلهما محلاً للعناية الإلهية ، وأهلاً للأوسمة الكثيرة التي منحهما إياها الإسلام على لسان نبيه الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتجعلهما قادرين على تحمل المسؤوليات الجسام ، حتى لصح إشراكهما في الدعوى ، وفي المباهلة لإثباتها حسبما أشار إليه العلامة الطباطبائي والمظفر رحمهما الله تعالى ، على اعتبار أن قوله تعالى :( فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبين ) يراد منه : الكاذبون الذين هم في أحد طرفي المباهلة ، وإذا كانت الدعوى ، والمباهلة عليها هي بين شخص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبين السيد والعاقب والأهتم ، فكان ثجب أن يأتي بلفظ صالح للانطباق على المفرد والجمع معاً ، كأن يقول :

__________________

1 ـ مريم : 29 ـ 30.

2 ـ مريم : 12.

٢٥

( فنجعل لعنة الله على الكاذب ) ، أو( على من كان كاذباً ) مثلاً أما ما ورد في الآية ، فيدل على تحقق كاذبين ( بوصف الجمع ) في كلا الفريقين المتباهلين.

وهذا يعطي : أن الحاضرين للمباهلة شركاء في الدعوى ، فإن الكذب لا يكون إلا فيها وعليه فعليِّ ، وفاطمة ، والحسنانعليهم‌السلام شركاء في الدعوى ، وفي الدعوة إلى المباهلة لإثباتها. وهذامن أفضل المناقب التي خص الله بها أهل بيت نبيه(1) .

قال الزمخشري : « وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء » ، كما تقدم.

وقال الطبرسي وغيره : « قال ابن أبي علان ـ وهو أحد أئمة المعتزلة ـ : هذا يدل على أن ، الحسن والحسين كانا مكلفين في تلك الحال ، لأن المباهلة لا تجوز إلا مع البالغين.

وقال أصحابنا : إن صغر السن ونقصانها عن حد البلوغ لا ينافي كمال العقل ، وإنما جعل بلوغ الحلم حداً لتعلق الأحكام الشرعية(2) . وقد كان سنهما في تلك الحال سناً لا يمتنع معها أن يكونا كاملي العقل. على أن عندنا يجوز أن يخرق الله العادات للأئمة ، ويخصهم بما لا يشاركهم فيه غيرهم ، فلو صح أن كمال العقل غير معتاد في تلك السن ، لجاز ذلك فيهم : إبانة لهم عمن سواهم ، ودلالة على مكانهم من الله تعالى ، واختصاصهم. ومما يؤيده من الأخبار قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ابناي هذان إمامان ، قاما ، أو قعدا »(3) .

أضف إلى ما تقدم : أن مما يدل على ما ذكره الطباطبائي والمظفر وغيرهما : نزول سورة هل أتى ، في أهل الكساء ، ومنهم الحسنان عليهما

__________________

1 ـ راجع : تفيسر الميزان ج 3 ص 224 ودلائل الصدق ج 3 قسم 1 ص 84 ..

2 ـ ومن الواضح : أنه قد لوحظ في ذلك عامة الناس وغالبهم

3 ـ مجمع البيان ج 2 ص 452 و 453 وراجع : المناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 368. وكلام ابن أبي علان موجود في التبيان أيضاً ج 2 ص 485 ، وراجع الإرشاد للمفيد. وفي البحار للمجلسي بحث حول إيمان عليعليه‌السلام ، وهو لم يبلغ الحلم

٢٦

السلام ، ووعد الله تعالى لهم جميعاً بالجنة.

ويؤيد ذلك أيضاً : إشراكهماعليهما‌السلام في بيعة الرضوان ، ثم استشهاد الزهراء بهما في قضية نزاعها مع أبي بكر حول فدك(1) ، إلى غير ذلك من أقوال ومواقف للنبي صلى عليه وآله وسلم منهما في المناسبات المختلفة

كما أن ذلك كله ـ كان يتحه نحو إعداد الناس نفسياً ووجدانياً لقبول إمامة الأئمةعليهم‌السلام ، حتى وهم صغار السن ، كما كان الحال بالنسبة للإمامين : الجواد والمهديعليهما‌السلام .

الأمر الثالث : سياسات لا بد من مواجهتها :

هذا وقد كان ثمة سياسات ومفاهيم منحرفة ، لا بد من مواجهتها ، والوقوف في وجهها

ونشير هنا إلى مايلي :

الأول : إن إخراج عنصر المرأة ممثلة بفاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها ، والتي تعتبر النموذج الفذ للمرأة المسلمة ـ في أمر ديني ومصيري كهذا. من شأنه أن يضرب ذلك المفهوم الجاهلي البغيض ، الذي كان لا يرة للمرأة أية قيمة أو شأن يذكر ، بل كانوا يرون فيها مصدر شقاء وبلاء ، ومجلبة للعار ، ومظنة للخيانة(2) ؛ : فلم يكن يتصور أحد منهم : أن يرى المرأة تشارك في مسألة حساسة وفاصلة ، بل ومقدسة كهذه المسألة ، فضلاً عن أن تعتبر شريكة في الدعوى ، وفي الدعوة لإثباتها.

ويرى البعض : أن إخراج الزهراء للمباهلة ، دون سائر نسائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رغم أن ، الآية قد جاءت عامة ، حيث عبرت بـ « نساءنا » ومع أن زوجاته

__________________

1 ـ ستأتي بعض المصادر لذلك إن شاء الله تعالى

2 ـ راجع كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ج 1 ص 45 ـ 47.

٢٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله من أجلى مصاديق هذا التعبير ـ إن ذلك ـ له مغزى يشبه إلى حد كبير المغزى من إرسال أبي بكر بآيات سورة براءة ، ثم عزله ، استناداً إلى قول جبرئيل : لا يُبَلِّغُ عنك إلا أنت أو رجل منك!!.

هكذا يقال بالنسبة للعموم في قوله : « وأنفسنا » ، ولم يخرج سوى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وفي قوله : « وأبناءنا » ولم يخرج سوى الحسنينعليهما‌السلام . انتهى.

ونقول :

أولاً : إن بعض نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كأم سلمة ـ لم يكنَّ ممن يستحق التعريض بهم لأنها كانت من خيرة النساء ، ومن فضلياتهنَّ.

إلا ان يقال : إن المقصود : أنه ليس أحد منهن أهلاً لأن يباهل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به سوى فاطمةعليها‌السلام .

وثانياً : إن هذا المحقق يريد : أن قوله : « نساءنا » لا يقصد به الزوجات ، وإن كان قد أطلق في القرآن عليهن في بعض الموارد. بل المقصود : المرأة المنسوبة إليه ، وبنت الرجل تنسب إليه ، ويطلق عليها : انها من نسائه.

وعلى هذا نقول : إن ما ذكره هنا يناقض ما ذكره هو نفسه في موضع آخر حيث قال : إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخرج فاطمة للمباهلة بعنوان : « المرأة المسلمة من ذوات الازواج ، من أهل هذه الدعوة ، لا باعتبار أنها من نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وإن كان كلامه هذا الأخير ليس في محله ، كما ستأتي الإشارة إليه ، ولكنه على أي حال لا ينسجم مع ما ذكره هنا كما قلنا.

الثاني : إن إخراج الحنينعليهما‌السلام إلى المباهلة بعنوان أنهما أبناء الرسول الأكرم ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع أنهما ابنا ابنته الصديقة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليها له دلالة هامة مغزى عميق كما سنرى

٢٨

سؤال وجوابه :

وكننا قبل أن نشير إلى ذلك ، والى مغزاه ، لا بد من الإجابة على مناقشة طرحها بعض المحققين(1) ، مفادها :

أن الآية لا تدل على أكثر من أن المطلوب هو إخراج أبناء أصحاب هذه الدعوة الجديدة ، كما يدل عليه قوله : « ابناءنا » ، ولم يقل « ابنائي ». وليس في الآية ما يدل على لزوم إخراج ابني صاحب الدعوة نفسه ، فكون الحسنين ابنين لبعض أصحاب الدعوة كاف في الصدق انتهى.

أما نحن فنقول في الجواب :

1 ـ إن الإمام علياًعليه‌السلام قد استدل بهذه الآية يوم الشورى على أن الله سبحانه قد جعله نفس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعل إبنيه إبنيه ، ونساءه نساءه واحتج بها أيضاً الإمام الكاظمعليه‌السلام على الرشيد ، واحتج بها أيضاً يحيى بن يعمر ، وكذلك سعيد بن جبير على الحجاج ـ كما سيأتي ـ فلم يكن استدلالهم بأمر تعبدي بحت ، وإنما بظهور الآية ، الذي لم يجد الخصم سبيلاً إلا التسليم به ، والخضوع له

2 ـ لو كان المراد مطلق أبناء أصحاب الدعوة ، لكان المقصود بأنفسنا مطلق الرجال الذين قبلوا بهذا الدين ، وليس ضخص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقط وعليه فقد كان الأنسب أن يقول : « ورجالنا ورجالكم » بدل قوله : « وأنفسنا »

أضف إلى ذلك : أن من غير المناسل أن يقصد من الأنفس شخص النبي ، ثم يقصد من الأبناء والنساء ابناء ونساء رجال آخرين ، إذ الظاهر : أن الأبناء والنساء هم لنفس من أرادهم بقوله : « وأنفسنا » ، فلو كان المقصود بأنفسنا شخص النبي ، وبأبنائنا أبناء الآخرين ، لكان من قبيل قولنا : « إن لم يكن ما أدعيه

__________________

1 ـ هو المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني دام تأييده

٢٩

صحيحاً فليمت ابن فلان » مثلاً!!

3 ـ وبعدكل ما تقدم فإن كلمات : « أنفسنا » ، و « أبناءنا » ، و « نساءنا » كلها جاءت بصيغة الجمع فلماذا اقتصر من الأنفس على اثنين ، وكذلك من الأبناء ، ومن النساء ، على واحدة؟! فإن ذلك إنما يدل على مزيد من الخصوصية لهؤلاء الذين أخرجهم بالذات

ولو كان المقصود مجرد النموذج ، فلماذا لم يكتف بواحد واحدٍ من الأنواع الثلاثة؟.

لو كان المقصود تخصيص جماعة بشرف معين ، للتعبير عن أنهم وحدهم هم الذين بلغوا الذروة في فنائهم بهذه الدعوة ، التي يراد المباهلة من أجلها.

فيصح قولهم : إن هذه الآية تدل على فضيلة لا أعظم منها لأصحاب الكساء. ولا سيما بملاحظة ما تقدم عن العلامتين : الطباطبائي والمظفر ، من أن هؤلاء شركاء في الدعوى ، وفي الدعوة للمباهلة لإثباتها

وهكذا يتضح : أن دعوى : أن الآية لا تدل على أكثر من الأمر بإخراج نموذج من أبناء من اعتنق هذه الدعوة لا يمكن القبول بها ، ولا الاعتماد عليها بوجه.

عود على بدء :

كانت تلك هي المناقشة التي أببنا الإشارة إليها ، وكان ذلك هو بعض ما يمكن أن يقال في الإجابة عنها

وبعد ذلك فإننا نشير إلى أن إخراج الحسنينعليهما‌السلام في المباهلة ، على أنهما ابنان للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع أنهما ابنا ابنته ، بخيث لا بقى مجال لإنكار ذلك ، او للتشكيك فيه ، حتى ليعترفون بأن :

« في الآية دلالة على أن الحسن والحسين ، وهما إبنا البنت يصح أن يقال :

٣٠

إنهما ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنه وعد أن يدعو أبناءه ، ثم جاء بهما »(1) .

وظاهر الآية : أن كلمة الأبناء قد أريد منها المعنى الحقيقي ، سواء بالنسبة إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين ، أو بالنسبة إلى النصارى والكافرين.

نعم ، ان ذلك له دلالات هامة ، كما قلنا فقد كان يهدف بالإضافة إلى ما أشير إليه آنفاً.

أولاً : إلى ضرب المفهوم الجاهلي البغيض ، القائل بأن أبناء الأبناء هم الأبناء في الحقيقة ، دون بني البنات ، الأمر الذي ينشأ عنه أن يتعرض الكثيرون لكثير من المشاكل النفسية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، وغيرها. تلك المشاكل الي لا مبرر لها ، ولا منطق يساعدها ، إلا منطق الجاهلية الجهلاء ، والعصبية العمياء

ولكن مما يؤسف له هو أنه قد أصروا بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الأخذ بذلك المفهوم الجاهلي البغيض ، حتى لقد انعكس ذلك على آرائهم الفقهية أيضاً.

ومن ذلك : أنهم قد جعلوا قوله تعالى :( يُوصِيكمُ اللهُ فِي أوْلادِكُمْ لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ) (2) مختصاً بعقب الأبناء ، دون من عقبته البنات.

قال ابن كثير : « قالوا : إذا أعطى الرجل بنيه ، أو وقف عليهم ، فإنه يختص بذلك بنوه لصلبه وبنو بنيه ، «أي دون بني بنته » ، واحتجوا بقول الشاعر :

بنــونـا بنو أبنائــنا ، وبناتنــا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد(3)

_________________

1 ـ تفسير الرازي ج 8 ص 81 ، وفتح القدير ج 1 ص 347 ، وتفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري ج 3 ص 214 والتبيان ج 2 ص 485 عن أبي بكر الرازي ( وهو غير الفخر الرازي ) ، ومجمع البيان ج 2 ص 452 ، والغدير ج 7 ص 122 عنه ، وعن تفسير القرطبي ج 4 ص 104.

2 ـ سورة النساء الآية : 11.

3 ـ تفسير ابن كثير ج 2 ص 155 والغدير ج 7 ص 121 عنه.

٣١

« وقال العيني : هذا البيت استشهد به النحاة على جواز تقديم الخبر ، والفرضيون على دخول أبناء الأبناء في الميراث ، وأن الانتساب إلى الآباء ، والفقهاء كذلك في الوصية ، وأهل المعاني والتيان في التشبيه »(1)

ونقل القرطبي : أن الإمام مالك بن أنس هو الذي لا يدخل ولد البنات في الوقف الذي يكون على الولد ، وولد الولد(2) .

نعم مالك ، الذي بلغ من اهتمام العباسيين بأمره : أن أرادوا حمل الناس على العمل بالموطأ بالقوة(3) .

وحينما أخذ المنصور أموال عبد الله بن الحسن ، وباعها ، وجعلها في بيت مال المدينة « أخذ مالك بن أنس الفقيه رزقه من ذلك المال بعينه اختياراً »(4) .

كما أن المنصور كان إذا أراد أن يولي أحداً على المدينة يستشيره أولاً(5) .

ـ الإمام مالك هذا ـ هو الذي يذهب الرأي يتبناه!!

كما ان محمد بن الحسن الشيباني يقول : إن من أوصى لولد فلان ، وله ابن ، وولد بنت « إن الوصية لولد الابن ، دون ولد البنت »(6) .

نعم لقد ألغى الله سبحانه ذلك المفهوم الجاهلي البغيض ، ولكن هؤلاء قد احتفظوا به ، حتى حكًّموه في آرائهم الفقهية ، وذلك انصياعاً للجو السياسي ، وتنفيذاً لمآرب الحكام الذين كانوا ـ سواء منهم الأموميون أو العباسيون ـ يحاولون

__________________

1 ـ الغدير : ج 7 ص 122 خزانة الأدب ج 1 ص 300.

2 ـ الغدير : ج 7 ص 123 عن تفسير القرطبي ج 7 ص 31.

3 ـ جامع بيان العلم ج 1 ص 160 ، والإمام الصادق والمذاهب الأربعة ، المجلد الأول ص 165 ، وأضواء على السنة المحمدية ص 298 عن الانتقاء ص41 وعن الشافعي.

4 ـ أنساب الأشراف ، بتحقيق المحمودي ج 3 ص 88.

5 ـ الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ، المجلد الأول ص 494 ، 504 ، 505 ، 506 و507 ، 164 ، 165.

6 ـ حقائق التأويل ص 115.

٣٢

تركيز هذا المفهوم وتثبيته ، كما سنرى

وثانياً : لقد كان لابد من تفويت الفرصة على أولئك الحاقدين والمنحرفين ، الذين سوف يستفيدون من ذلك المفهوم الجاهلي لمقاصد سياسية ، فيما يتعلق بموضوع الإمامة والخلافة والزعامة بعد رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبالذات فيما يختص بشخص هؤلاء الذين أخرجهم عليه وآله الصلاة والسلام للمباهلة ، وكرمهم في حديث الكساء ، وآية التطهير ، وغير ذلك مما لا مجال له هنا

وذلك لأن الذين تصدوا للاستئثار بالأمر بعد النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله قد احتجوا في السقيفة بأنهم : أولياء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعشيرته ، وبأنهم عترة النبي ، وبأنهم أمسُّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رحماً(1) .

وجاء الأمويون أيضاً ، واتبعوا نفس الخط ، وساروا على نفس الطريق ، وكانت الخطط الجهنمية لهؤلاء وأولئك تتجه نحو تضعيف شأن أهل البيتعليهم‌السلام ، وعزلهم عن الساحة ، بل والقضاء عليهم وتصفيتهم بشكل نهائي : إعلامياً وسياسياً ، واجتماعياً ، ونفسياً ، بل وحتى جسدياً ، أيضاً وكان رأس الحربة يتجه أولاً وبالذات إلى أولئك الذين طهرهم الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه ، وأخرجهم نبيه الأكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ليباهل بهم أهل الكفر ، واللجاج والعناد

حيث إن تصفية هؤلاء على النحو الذي قدمناه هو الأصعب ، وهو الأهم ، وذلك بسبب ما سمعته الأمة من النبي الأكرم صلى عليه وآله وسلم ، وبسبب

__________________

1 ـ راجع : نهاية الإرب ج 8 ص 168 وعيون الأخبارلابن قتيبة ج 2 ص 233 والعقد الفريد ج 4 ص 258 ، وتاريخ الطبري ط دار المعارف بمصر ج 3 ص 220 والإمامة والسياسة ج 1 ص 14 / 15 ط الحلبي بمصر ، وشرح النهج للمعتزلي ج 6 ص 7 و 8 و 9 و 11 والأدب في ظل التشيع ص 24 نقلاً عن البيان والتبيين للجاحظ ، والإمام الحسين للعلايلي ص 186 و 190 ، وغيرهم ، والحياة السياسية للإمام الرضا للمؤلف ص 53 عمن تقدم.

٣٣

ما عرفته من آيات قرآنية نزلت في حقهم وبيان فضلهم فضلاً عن كثير من المواقف التي لا يمكن تجاهلها أو على الأقل لا يمكن تشويهها ، أو التعتيم عليها بيسرٍ وسهولة

نعم لقد كان الأمويون يحاولون إظهار أنفسهم على أنهم هم دون غيرهم أهل بيت النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذوو قرباه حتى ليحلف للسفاح عشرة من قواد أهل الشام ، وأصحاب الرياسة فيها : أنهم ما كانوا يعرفون إلى ان قُتِل مروان أقرباء للننبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا أهل بيت يرثونه غير بني أمية(1) .

كما أن أروى بنت عبد المطلب تُذكِّر معاوية بهذا الأمر ، وتقول له : « ونبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله هو المنصور ، فوليتم علينا من بعده ، تحتجون بقرابتكم من رسول الله الخ »(2) .

ويقول الكميت :

وقالوا : ورثنـاهـا ، أبانـا وأمنـا

ولا ورثتــهــم ذاك أم ولا أب

وقال إبراهيم بن المهاجر ، الذي كان في يسير الاتجاه العباسي :

أيها الناس اسمعوا أخبــركــم

عجـباً زاد على كـل عـجــب

عجباً من عبـد شمــس إنهـم

فتحـوا لـلـناس أبواب الكـذب

ورثوا أحمـد فيما زعمــــوا

دون عـباس بـن عبـد المطلـب

كذبـوا والله ما نـعـلـمـه

يحـرز الميـراث إلا مـن قرب(3)

__________________

1ـ النزاع والتخاصم للمقريزي ص 28 ، ومروج الذهب ج 3 ص 33 والفتوح لابن اعثم ج 8 ص 195 ، وشرح النهج للمعتزلي ج 7 ص 159 وأنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج 3 ص 159.

2 ـ العقد الفريد ج 2 ص 120 وراجع الغدير ج 10 ص 167.

3 ـ مروج الذهب ج 3 ص 33 والنزاع والتخاصم ص 28.

٣٤

هذا كله رغم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخرج بني عبد شمس من قرباه ، حينما قسَّم خمس بني النضير ، أو خيبر ، وحينما اعترض عليه عثمان ، وجبير بن مطعم ، بأن : قرابة بني أمية وبني هاشم واحدة ، لم يقبل النبي ذلك منه. والقصة معروفة ومتواترة(1) .

وبعد هذا فإن العباسيين قد اتبعوا نفس الأسلوب ، فأظهروا أنفسهم على أنهم هم ذوو قربى النبي محمد صلى عليه وآله وسلم ، بهدف إضفاء صفة الشرعية على حكمهم وسلطانهم ، حتى لنجد الرشيد يأتي إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيقول : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا ابن عم ، فيتقدم الإمام الكاظمعليه‌السلام إلى القبر ويقول : السلام عليك ياأبه ، فتغير وجه الرشيد ، وتبين الغيظ فيه(2) .

__________________

1 ـ السيرة الحلبية ج ص 209 ومجمع الزوائد ج 5 ص 341 عن أحمد ، ونيل الأوطار ج 8 ص 228 عن أحمد ، والبخاري ، والنسائي ، وابن ماجة ن وابي داود ، والبرقاني. وسنن أبي داود ج 3 ص 146 و 145 وسنن ابن ماجة ج 2 ص 961 والمغازي للواقدي ج 2 ص 696 والإصابة ج 1 ص 226 وبداية المجتهد ج 1 ص 402 والخراج لأبي يوسف ص 21 ، والبداية والنهاية ج 4 ص 200 عن البخاري ومسند أحمد ج 4 ص 85 و83 و 81 وشرح النهج للمعتزلي ج 15 ص 284 وتشييد المطاعن ج 2 ص 818 ، و819 عن زاد المعاد ، وسنن البيهقي ـ بأسانيد ـ ج 6 ص 340 و 341 و 342 والر المنثور ج 3 ص 186 عن ابن أبي شيبة والبحر الرائق ج 5 ص 98 وتبيين الحقائق ج 3 ص 257 ونصب الراية ج 3 ص 425 و 426 عن كثيرين جداً ، فليراجع. ومصابيح السنة ج 2 ص 70 والبخاري ط سنة 1311 ج 4 ص 111 وج 6 ص 174 وتفسير ابن كثير ج 2 ص 312 وفتح القدير ج 2 ص 310 وتفسير الخازن ج 2 ص 185 والنسفي بهامشه ج 2 ص 186 وتفسير الطبري ج 10 ص 5 والكشاف ج 2 ص 221 ، وسنن النسائي ج 7 ص 130 و 131 ومقدمة مرآة العقول ج 1 ص 118 ونقل ذلك بعض المحققين عن المصادر التالية : الأموال لأبي عبيد ص 461 / 462 وتفسير القرطبي ج 7 ص 12 وفتح الباري ج 7 ص 174 وج 6 ص 150 وتفسير المنار ج 10 ص 7 وترتيب مسند الشافعي ج 2 ص 125 / 126 وإرشاد الساري ج 5 ص 202 والمحلى ج 7 ص 328.

2 ـ كشف الغمة : ج 3 ص 20

٣٥

هذا وقد ربط العباسيون دعوتهم وحبل وصايتهم في البداية بأمير المؤمنينعليه‌السلام ، ونجحوا في الاستفادة من عواطف الناس تجاه ما تعرض له العلويون وأهل البيت من ظلم ، واضطهاد ، وآلام ، على يد أسلافهم الأمويين

ولكنهم بعد ذلك رأوا : أنهم في مجال التمكين لأنفسهم لا يسعهم الاستمرار بربط دعوتهم بأمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام ، لوجود من هم امسّ بعليعليه‌السلام رحماً منهم ، فاتجهوا نحو التلاعب ببعض الركائز والمنطلقات الفكرية والعاقائدية للناس ، فأسس المهدي ـ والظاهر أن هذه هي فكرة ابيه المنصور من قبل ـ فرقه تَدَّعي : أن الإمام بعد رسول الله صلى عليه وآله وسلم هو العباس بن عبد المطلب ، ثم ولده عبد الله ، ثم ولده وهكذا إلى أن ينتهي الأمر إلى العباسيين. ولكنهم أجازوا بيعة عليعليه‌السلام ، لأن العباس نفسه كان قد أجازها وادَّعوا : أن الإرث للعم دون البنت ، ولذلك فإن حق الخلافة لا يصل إلى الحسن والحسين ، عن طريق فاطمة صلوات الله وسلامه عليها. واهتموا في إظهار هذا الأمر وتثبيته كثيراً ، حتى قال شاعرهم :

أنـى يكـون وليـس ذاك بكـائن

لبنـي البنـات وراثـة الأعمـام

فنال على هذا البيت مالاً عظيماً.

وهذا موضوع واسع ومتشعب ، وقد استوفينا الحديث عنه ـ نسبياً ـ في كتابنا : « الحياة السياسية للإمام الرضاعليه‌السلام » ص 78 ـ 81 فليراجعه من أراد.

الخطة ومواجهتها :

ولكن هذا الخط السياسي ، وإن حظي بكثير من الدعم والإصرار من قبل

٣٦

الحكام ، وكل أعوانهم وقد جندوا كل طاقاتهم المعنوية والمادية من أجل تأكيده وتثبيته إلا أنه قد كان ثمة عقبة كؤود تواجههم ، وتعترض سبيل نجاحهم في تشويه الحقيقة ، وتزوير التاريخ ، وهي وجود أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، الذين يملكون أقوى الحجج ، وأعظم الدلائل والشواهد من القرآن ، ومن الحديث المتواتر ، ومن المواقف النبوية المتضافرة ، التي يعرفها ورآها وسمعها عدد هائل من صحابة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسمعها منهم التابعون ، ثم من بعدهم

وكان من جملة تلك الحجج الدامغة « آية المباهلة » بالذات وكم رأينا من مواقف للأمويين وللعباسيين على حد سواء يصرون فيها على نفي بنوة الحسنينعليهما‌السلام لهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكانت تواجه من قبل أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم ، والمنصفين من غيرهم بالاحتجاجات القوية والفاصلة الأمر الذي جعل « السحر ينقلب على الساحر »

وأدركوا : أن أسلوب الحجاج والمنطق ، من شأنه أن يظهر الحق الذي يجهدون في إخفائه ، وتشويهه فكانوا يعملون على عزل الأئمة وشيعتهم عن الساحة ، وإبعادهم عن الأنظار ، عن طريق الإرهاب والاضطهاد والتنكيل ، حتى إذا وجدوا أن ذلك لا يجدي ، تصدوا لتصفيتهم جسدياً بالسم تارة ، وبالسيف أخرى

أمثلة تاريخية هامة:

ونستطيع أن نذكر هنا بعض ما يتضمن محاولتهم نفي بنوة الحسنين لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واحتجاجات الأئمة وغيرهم عليهم في هذا المجال وبعضه يتضمن الاستدلال بآية المباهلة وذلك في ضمن النقاط التالية :

1 ـ « عن ذكوان ، مولى معاوية ، قال : قال معاوية : لا أعلمنَّ أحداً سمى

٣٧

هذين الغلامين(1) إبني رسول الله عليه وآله وسلم. ولكن قولوا : ابني عليعليه‌السلام .

قال ذكوان : فلما كان بعد ذلك ، أمرني أن أكتب بنيه في الشرف. قال : فكتبت بنيه وبني بنيه ، وتركت بني بناته ثم أتيته بالكتاب ، فنظر فيه ، فقال : ويحك ، لقد أغفلت كُبر بني ّ!

فقلت : من؟

فقال : أما بنو فلانة ـ لابنته ـ بَنيَّ؟. أما بنو فلانة ـ لابنته ـ بنيّ؟.

قال : قلت : الله!! أيكون بنو بناتك بنيك ، ولا يكون بنو فاطمة بني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

قال : ما لك؟ قاتلك الله! لا يسمعنَّ هذا أحد منك؟! »(2) .

2 ـ جاء عن الإمام الحسنعليه‌السلام محتجاً على معاوية قوله : « فأخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأنفس معه أبي ، ومن البنين أنا وأخي ، ومن النساء فاطمة أمي ، من الناس جميعاً ، فنحن أهله ، ولحمه ودمه ، ونفسه ، ونحن منه وهو منا »(3) .

3 ـ قال الرازي في تفسير قوله تعالى :( ومن ذريته داود ، وسليمان ، وأيوب ، ويوسف ) إلى قوله :( وزكريا ، ويحيى ، وعيسى ) (4) . ـبعد أن ذكر دلالة الآية على بنوة الحسنين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال ـ :

« ويقال : إن أبا جعفر الباقر استدل بهذه الآية عند الحجاج بن يوسف »(5) .

__________________

1 ـ الغلام : الكهل. والطار الشارب ، فهو من الأضداد ، راجع : أقرب الموارد ج 2 ص 484.

2 ـ كشف الغمة للأربلي ج 2 ص 176.

3 ـ ينابيع المودة ص 479 عن الزرندي المدني ،وص 482 و 52 ، وتفسير البرهان ج 2 ص 286 وأمالي الطوسي ج 2 ص 172.

4 ـ سورة الأنعام آية : 84.

5 ـ تفسير الرازي ج 13 ص 66 ، وفضائل الخمسة من الصحيح الستة ج 1 ص 241 عنه

٣٨

4 ـ احتج أمير المؤمنين عليعليه‌السلام يوم الشورى على المجتمعين ، بأن الله تعالى جعله نفس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعل إبنيه إبنيه ، ونساءه نساءه(1) .

5 ـ عن الشعبي ، قال : كنت عند الحجاج ، فأتِيَ بيحيى بن يعمر ، فقيه خراسان ، من بلخ ، مكبلاً بالحديد فقال له الحجاج : أنت زعمت : أن الحسن والحسين من ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فقال : بلى.

فقال الحجاج : لتأتيني بها واضحة بيّنة من كتاب الله (!!) ، أو لأقطعنَّك عضواً عضواً.

فقال : آتيك بها بيّنة واضحة من كتاب الله يا حجاج.

قال : فتعجبت من جرأته بقوله : يا حجاج.

فقال له : ولا تأتني بهذه الآية : ندع أبناءنا وأبنائكم.

فقال : اتيك بها بيّنة واضحة من كتا الله ، وهو قوله : ونوحاً هديناه من قبل ، ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله : وزكريا ، ويحيى ، وعيسى. فمن كان أبو عيسى ، وقد ألحق بذرية نوح؟!. قال : فأطرق الحجاج ملياً ، ثم رفع رأسه فقال : كأني لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله حلُّوا وثاقه إلخ »(2) .

__________________

1 ـ ينابيع المودة ص 266 عن الدارقطني والصواعق المحرقة ص 154 وفضائل الخمسة ج 1 ص 250 ، وحياة أمير المؤمنين للسيد محمد صادق الصدر ص 205 عن الصواعق.

2 ـ تفسير الرازي ج 2 ص 194 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 164 وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 2 ص 247 / 248 ، والدر المنثور ج 3 ص 28 عن ابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، والحاكم ، والبيهقي ، والغدير ج 7 ص 123 عن تفسير ابن كثير ج 2 / 155 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 89 ، وراجع العقد الفريد ج 5 ص 20 ونور القبس ص 21 / 22 والكنى والألقاب ج 1 ص 12.

٣٩

وفي نور القبس : أنَّ الحجاج طلب منه أن لا يعود لذكر ذلك ، ونشره.

6 ـ لسعيد بن جبير قصة مع الحجاج شبيهة بقصة يحيى بن يعمر ، فلا نطيل بذكرها(1) .

7 ـ سأل هارون الرشيد الإمام الكاظمعليه‌السلام ، فقال له : كيف قلتم : إنَّا ذرية النبي ، والنبي لم يعقب ، وإنما العقب للذكر لا للأنثى ، وانتم ولد البنت ، ولا يكون له قعب؟ فسألهعليه‌السلام أيعفيه ، فلم يقبل ، فاحتج عليه ،عليه‌السلام بأن القرآن قد اعتبر عيسى من ذرية إبراهيم في آية سورة الأنعام ، مع أنه ينتسب إليه عن طريق الأم. ثم احتج عليه بآية المباهلة ، حيث قال الله تعالى فيها : (وأبناءنا )(2) .

8 ـ إن عمرو بن العاص أرسل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام يعيبه بأشياء ، منها : أنه يسمة حسناً وحسيناً ولَدَيْ رسول الله صلى عليه وآله. فقال لرسوله : « قُلْ للشانيء ابن الشانيء : لو لم يكونا ولديه لكان أبتر ، كما زعم أبوك »(3) .

9 ـ قال الحسين صلوات الله وسلامه عليه في كربلاء : « اللهم إنا أهل بيت نبيك ، وذريته وقرابته ، فأقصم من ظلمنا ، وغصبنا حقنا ، إنك سميع قيب.

فقال محمد بن الأشعث : أي قرابة بينك وبين محمد؟!.

فقال الحسين : اللهم إن محمد بن الأشعث يقول : ليس بيني وبين محمد قرابة ، اللهم أرني فيه هذا اليوم ذلاً عاجلاً ، فاستجاب الله دعاءه الخ »(4) .

10 ـ وقد أوضح الباقرعليه‌السلام لنا أنه قد كانت سياسات الآخرين

__________________

1 ـ مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 89 / 90.

2 ـ نور الأبصار ص 148 / 149 وعيون أخبار الرضا ج 1 ص 84 و 85 تفسير نور الثقلين ج 1 ص 289 /290 وتفسير الميزان ج 3 ص230 وتفسير البرهان ج 1 ص 289.

3 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 20 ص 334.

4 ـ مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 249 ومقتل الحسين للمقرم ص 278 عنه.

٤٠