الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام27%

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 216

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65581 / تحميل: 6432
الحجم الحجم الحجم
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الآيات

( إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨) )

التّفسير

أوصاف المؤمنين :

بعد ذكر أوصاف الصالحين وجوانب من أنواع العذاب في يوم القيامة ، يأتي هنا وصف المؤمنين للتعرف عن سبب انقسام النّاس إلى صنفين ، وهنا : المعذبون والناجون ، يقول أوّلا :( إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً ) .

( إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ) .

يراد بـ «الهلوع» كما يقول المفسّرون وأصحاب اللغة «الحريص» ، وآخرون

٢١

فسّروه بالجزع ، وبناء على التّفسير الأوّل فإنّه يشار إلى ثلاثة أمور رذيلة يتصف بها هؤلاء وهي : الحرص ، والجزع ، والبخل ، وللتّفسير الثّاني صفتان هما : الجزع ، والبخل ، لأنّ الثّانية والثّالثة هي تفسير لمعنى الهلوع.

وهنا احتمال آخر وهو أنّ المعنيين يجتمعان في هذه الكلمة ، لأنّ هاتين الصفتين متلازمتان مع بعضهما ، فالناس الحريصون غالبا ما يكونون بخلاء ، ويجزعون عند الشدائد ، بالعكس أيضا صحيح.

وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو كيف أنّ الله خلق الإنسان للسعادة والكمال وجعل فيه الشرّ والسوء؟

وهل يمكن أن يخلق الله شيئا ذا متصفا بصفة ، ثمّ وبعد يذم خلقه؟ بالإضافة إلى ذلك فإنّ القرآن الكريم يصرّح في سورة التين الآية (٤) :( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) .

بالتأكيد ليس من أن ظاهر الإنسان حسن وباطنه سيء ، بل إنّ الخلقة الكلية للإنسان هي في صورة «أحسن تقويم». وهناك كذلك آيات أخرى تمدح المقام الرفيع للإنسان ، فكيف تتفق هذه الآيات مع الآية التي نحن بصددها؟

أجوبة هذه الأسئلة تتّضح بالالتفات إلى نقطة واحدة ، وهي أنّ الله خلق القوى والغرائز والصفات في الإنسان كوسائل لتكامل الإنسان وبلوغ سعادته ، لكن عند ما يستخدمها الإنسان في الطريق المنحرف ويسيء تدبيرها والاستفادة منها فستكون العاقبة هي التعاسة والشرّ والفساد ، فمثلا الحرص هو الذي لا يتيح فرصة الإنسان للتوقف عن السعي والحركة والاكتفاء بما لديه من نعمة وهو العطش المحرق الذي يسيطر على الإنسان ، فلو أنّ هذه الصفة وقعت في الطريق العلم لوجدنا الإنسان حريصا على التعلم ، أو بعبارة أخرى يتعطش العلم ويعشقه ، وبذلك سوف يكون سببا لكماله ، وأمّا إذا أخذت مسيرها في الماديات فإنّها ستكون سببا للتعاسة والبخل ، وبتعبير آخر : إنّ هذا الصفة فرع من فروع حبّ

٢٢

الذات ، وحبّ الذات غريزة توصل الإنسان إلى الكمال ، ولكن إذا انحرف في مسيرة فإنّه سوف يجرّه إلى الحسد والبخل وإلى غير ذلك.

وفي هذا الشأن هناك مواهب أخرى أيضا بهذا الشكل : إنّ الله أودع قدرة عظيمة في قلب الذرة ، من المؤكد أنّها نافعة ومفيدة ، ولكن إذا ما اسيء استخدام هذه القدرة وصنع من ذلك القنابل الفتاكة ولم يستخدم في توليد الطاقة الكهربائية والوسائل الصناعية والسلية الأخرى ، فسيكون مدعاة للشرّ والفساد ، وبالتعمق فيما ذكرنا يمكن أن الجمع في ما ورد في الإنسان وذلك من خلال الآيات القرآنية المبيّنة لحالات الإنسان(١) .

ثمّ تذكر الآيات الكريمة صفات الأشخاص الجيدين على شكل استثناء ، وتبيّن لهم تسع صفات ايجابية بارزة ، فيقول تعالى :( إِلَّا الْمُصَلِّينَ ) .

( الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ) .

هذا هي الخصوصية الأولى لهم وأنّهم مرتبطين بالله بشكل دائم ، وهذه الرابطة تتوثق بالصلاة ، الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والصلاة التي تربي روح الإنسان وتذكره دائما بالله تعالى ، والسير بهذا الاتجاه سوف يمنعه من الغفلة والغرور ، والغرق في بحر الشهوات ، والوقوع في قبضة الشيطان وهوى النفس.

ومن الطبيعي أنّ المراد من الإدامة على الصلاة ليس أن يكون دائما في حال الصلاة ، بل هو المحافظة على أوقات الصلاة المعينة.

من المعروف أنّ كل عمل جيد يقوم به الإنسان إنّما يترك فيه أثرا صالحا فيما لو كان مستديما ، ولهذا نقرأ في الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّ أحبّ الأعمال إلى الله ما دام وإنّ قلّ»(٢) .

__________________

(١) هناك توضيح آخر أوردناه تحت عنوان «الإنسان في القرآن الكريم» في ذيل الآية (١٣) لسورة يونس من هذا التّفسير.

(٢) المعجم المفهرس لألفاظ الحديث ، ج ٢ ، ص ١٦٠.

٢٣

ونلاحظ في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «إذا فرض على نفسه شيئا من النوافل دام عليه»(١) .

وورد في حديث عنهعليه‌السلام أنّه قال : «هذه الآية تعني النافلة ، آية( وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ) (والتي تأتي فيما بعد) تعني صلاة الفريضة». وتجوز هذه المراعاة هنا ، إذ أنّ التعبير بالمحافظة هو ما يناسب الصلاة الواجبة والتي يجب المحافظة على أوقاتها المعينة ، وأمّا التعبير بالمداومة فهو ما يناسب الصلاة المستحبة وذلك بأنّ الإنسان يمكنه الإتيان بها أحيانا وتركها أحيانا أخرى.

على كل حال بعد توضيح أهميّة الصلاة وأنّها من أهم الأعمال ومن أهم أوصاف المؤمنين تنتقل الآيات إلى ذكر الصفة الثّانية فيضيف تعالى :( وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) .

وبهذا سوف يحافظون على ارتباطهم بالخالق من جهة ، وعلاقتهم بخلق الله من جهة اخرى.

ويعتقد بعض المفسّرين أنّ المراد هنا من «حقّ المعلوم» هو الزّكاة المفروضة التي فيها المقدار المعين ، وموارد صرف ذلك المقدار هو السائل والمحروم ، ولكن هذه السورة مكّية وحكم الزّكاة لم يكن قد نزل في مكّة ، ولو فرض نزوله لم يكن هناك تعيّن للمقدار ، ولذا يعتقد البعض أنّ المراد من حقّ المعلوم هو شيء غير الزّكاة والذي يجب على الإنسان منحه للمحتاجين ، والشّاهد على هذا ما نقل عن الإمام الصّادقعليه‌السلام عند ما سئل عن تفسير هذه الآية وهل هذا شيء غير الزّكاة فقالعليه‌السلام : «هو الرجل يؤتيه الله الثروة من المال ، فيخرج منه الألف والألفين والثلاثة وآلاف والأقل والأكثر ، فيصل به رحمه ، ويحمل به الكلّ عن قومه»(٢) .

والفرق بين «السائل» و «المحروم» هو أنّ السائل يفصح عن حاجته ويسأل ،

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤١٥.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤١٧ ، حديث ٢٥ ـ ٢٧.

٢٤

والمحروم هو الذي لا يسأل لتعففه وحيائه ، وجاء في حديث عن الإمام الصّادقعليه‌السلام : «المحروم من يجد المشقّة في كسبه وعمله وهو محارف»(١) .

هذا الحديث هو أيضا يوافق ذلك التّفسير المذكور سلفا ، لأن مثل هؤلاء يكونون متعففين.

في جاء في تفسيرنا هذا في ذيل الآية (١٩) من سورة الذرايات بحث حول الحقّ المذكور وتفسير السائل والمحروم.

على كلّ ، فإنّ هذا العمل له أثره الاجتماعي في مجاهدة الفقر والحرمان من جهة ، ومن جهة أخرى يترك آثارا خلقية جيدة على الذين يؤدّون ذلك العمل ، وينتزع ما في قلوبهم وأرواحهم من أدران الحرص والبخل وحبّ الدنيا.

الآية الأخرى أشارت الى الخصوصية الثّالثة لهم فيضيف :( وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ )

والخصوصية الرّابعة هي :( وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ) .

( إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ) .

إنّهم يؤمنون من جهة بيوم الدين ، ومع الالتفات الى كلمة «يصدقون» وهو فعل مضارع يدل على الاستمرارية ، فهذا يعني إنّهم باستمرار يدركون أنّ في الأمر حسابا وجزاء ، بعض المفسّرين فسّر ذلك المعنى «بالتصديق العملي» أي الإتيان بالواجبات وترك المحرمات ، ولكن الآية ظاهرها الإطلاق ، أي أنّها تشمل التصديق العلمي والعملي.

ولكن من الممكن أن هناك من يؤمن بيوم الدين ويرى نفسه ممن لا يعاقب ، لذا تقول :( وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ) يعني أنّهم يدركون أهمية الأمر ، فلا يستكثرون حسناتهم ولا يستصغرون سيئاتهم ، ولهذا ورد في الحديث

__________________

(١) المصدر السابق.

٢٥

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو ينصح ولده : «بني خف الله أنّك لو أتيته بحسنات أهل الأرض لم يقبلها منك ، وأرج الله رجاء أنّك لو أتيته بسيئات أهل الأرض غفرها لك»(١) .

وحتى أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول : «لن يدخل الجنّة أحدا عمله».

قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟

قال : «ولا أنا ، إلّا أن يتغمدني الله برحمته».

* * *

__________________

(١) جامع الأخبار ص ١١٣

٢٦

الآيات

( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥) )

التّفسير

القسم الآخر من صفات أهل الجنّة :

في الآيات السابقة ذكرت أربعة أوصاف من الأوصاف الخاصّة بالمؤمنين الصادقين من أهل الجنان ، وفي هذه الآيات ذكر لخمسة من الأوصاف الأخرى فيكون المجموع تسعة أوصاف.

في الوصف الأوّل يقول اللهعزوجل :( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ (١) حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) .

__________________

(١) «فروج» جمع «فرج» وهو كناية عن الآلة التناسلية.

٢٧

لا شك في أنّ الغريزة الجنسية من غرائز الإنسان الشديدة والطاغية ، والكثير من الجرائم الكبيرة سببها هي هذه الغريزة ، ولذا كانت السيطرة على هذه الغريزة وحفظ حدودها من العلامات المهمّة للتقوى ، وبهذا ذكرت أهمية السيطرة على هذه الغريزة بعد تبيان أهمية الصلاة وإعانة المحتاجين والإيمان بيوم القيامة والإشفاق من عذاب الله.

وقد جاء في الذيل الآية استثناء يدلّ على أنّ منطق الإسلام يرفض أن يقف الإنسان موقفا سلبيا تماما من هذه الغريزة ويكون كالرهبان والقسيسين يسير بخلاف قانون الخلقة ، وهذا العمل غالبا ما يكون محالا وعلى فرض إمكانه فهو أمر غير منطقي ، ولهذا نجد الرهبان من لم يستطيعوا أيضا حذف هذه الغريزة من حياتهم ، وإذا لم يكونوا قد تزوجوا بالطريقة الرسمية فإنّ الكثير منهم ينصرف إلى ارتكاب الفحشاء عند الاختلاء.

الفضائح الناتجة من هذا المسلك ليست قليلة ، فقد كشف المؤرخون المسيحيون مثل (ول دورانت) وغيره النقاب عن ذلك.

المراد ب ـ «الأزواج» الزوجات الدائمة والمؤقتة فإنّه يشمل الإثنين ، وقد ظنّ البعض أنّ هذه الآية تنهى عن الزواج المؤقت وللم يعلموا أنّ ذلك هو نوع من الزواج.

وفي الآية الأخرى يؤكّد بشكل أكثر على نفس الموضوع فيضيف :( فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ )

وبهذه الطريقة فإنّ الإسلام يخطط لمجتمع يحافظ على غرائزه الفطرية ، ولا يؤدّي به إلى الغرق بالفحشاء والفساد الجنسي والمضارّ الناتجة منه ، وبالطبع أنّ للجواري في نظر الإسلام كثيرا من شرائط الزوجة والضوابط القانونية للزوج وإن كان الموضوع منتف أساسا في زماننا الحاضر.

عندئذ يشير إلى الصفات السادسة والسابعة ، فيقول :( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ

٢٨

وَعَهْدِهِمْ راعُونَ )

من الطبيعي أنّ لأمانة معنى واسع وليست هي الأمانات المادية المتنوعة للناس فحسب ، بل أنّها تشمل الأمانات الإلهية وأمانات الأنبياء وكلّ الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام .

إنّ كلّ نعمة من النعم الإلهية هي من أماناته تعالى ، منها المقامات الاجتماعية وبالخصوص المسؤولون في الدولة فإنّها تعتبر من أهم الأمانات ، ولهذا ورد في الحديث عن الإمام الباقر والإمام الصّادقعليهما‌السلام في تفسير الآية( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) ، بأنّ المراد من الأمانات هنا «الولاية والحاكمية»(١) ، وقرأنا كذلك في سورة الأحزاب (٧٢) ، إنّ التكليف والمسؤولية تعني الأمانة الإلهية الكبيرة.( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) والأهم من ذلك كله هو الدين والشريعة الإلهية وكتاب الله ، وهو من الأمانات الكبيرة التي يجب الحفاظ عليها بالسعي.

«العهد» : وله مفهوم واسع أيضا ، يشمل العهود الإنسانية وكذلك العهود الإلهية ، لأنّ العهد هو كل ما التزم به الإنسان لغيره ، وممّا لا شك فيه أنّ الإيمان بالله وبرسوله يعني الالتزام بما كلّف به.

الإسلام أعطى أهمية بالغة لحفظ الأمانات والعهود والالتزام بها ، وقد عرف ذلك بأنّه أهمّ علامات الإيمان.

ولمزيد من الاطلاع راجع تفسيرنا هذا ، ذيل الآية (٥٨) من سورة النساء.

ويضيف في الوصف الثامن :( وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ ) لأنّ القيام بالشهادة العادلة وترك كتمانها من أهم بنود إقامة العدل في المجتمع البشري.

وقد يرفض بعض الناس أداء الشهادة بحجّة إننا لماذا نشتري عداوة هذا

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ١ ، ص ٣٨٠.

٢٩

وذاك ، ونسبب المتاعب لأنفسنا بأداء الشهادة ، هؤلاء أشخاص لا يبالون بالحقوق الإنسانية ويفقدون الروح الاجتماعية ، ولا يؤمنون بتطبيق العدالة ، ولهذا نرى القرآن الكريم في كثير من آياته يدعو المسلمين إلى أداء الشهادة ويعدّ كتمانها ذنبا(١) .

وفي الوصف الأخير ، وهو الوصف التاسع من هذه المجموعة ، يعود مرّة أخرى إلى موضوع الصلاة ، كما كان البدء بالصلاة ، يقول تعالى :( وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ) .

وكما أشرنا سابقا أنّ الصلاة هنا بملاحظة القرائن تشير إلى الفريضة ، وفي الآية السابقة تشير إلى النافلة.

ومن الطبيعي أن الوصف الأوّل كان إشارة إلى المداومة ، ولكن الخطاب هنا حول حفظ آداب وشروط الصلاة وخصائصها ، والآداب التي تكمن في ظاهر الصلاة والتي تنهى عن الفحشاء والمنكر من جهة ، وتقوي روح الصلاة بحضور القلب من جهة أخرى وتمحو الأخلاق الرذيلة التي تكون كحجر عشرة أمام قبولها ، ولهذا لا يعتبر ذكرها مرّة أخرى من قبيل التكرار.

هذه البداية والنهاية تشير إلى أنّ الصلاة من بين الصفات الحميدة المذكورة هي الأهم ، ولم لا تكون كذلك والصلاة هي المدرسة العالية للتربية ، وأهم وسيلة لتهذيب النفوس المجتمع.

وفي النهاية تبيّن الآية الأخيرة عاقبة المتّصفين بهذه الأوصاف ، كما بيّنت في الآيات السابقة المسير النهائي للمجرمين ، فيقول تعالى هنا في جملة مختصرة وغنية بالمعاني :( أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ) .(٢)

__________________

(١) البقرة ، ٢٨٣ و١٤٠ ، المائدة ، ١٠٦ ، الطلاق ، ٢.

(٢) «في جنات» خبر ب ـ «أولئك» و «مكرمون» خبر ثان أو أنّه خبر و «في جنات» متعلق به «تمعن».

٣٠

لماذا لا يكونون مكرمين؟ وهم ضيوف الله ، وقد وفرّ الله القادر الرحمن لهم جميع وسائل الضيافة ، وفي الحقيقة أنّ هذين التعبيرين «جنات» و «مكرمون» إشارة إلى النعم المادية والمعنوية التي يغرق فيها هؤلاء المكرمين.

* * *

٣١

الآيات

( فَما لـ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) )

التّفسير

الطمع الواهي في الجنّة :

جاء البحث في الآيات السابقة من هذه السورة حول علامات المؤمنين والكفار ، ومصير كلّ من المجموعتين ، في الآيات يعود ليوضح أحوال الكفار واستهزاءهم بالمقدسات.

قال البعض : إنّ هذه الآيات نزلت في جماعة من المشركين فعند ما كان الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتلو على المسلمين آيات المعاد ، كان هؤلاء الكفار يقدمون من كلّ صوب وحدب ويقولون : إذا كان هناك معاد فإنّ حالنا في الآخرة أحسن من حال من آمن بك ، كما أنّ حالنا في هذه الدنيا أحسن منهم.

٣٢

يقول القرآن الكريم في جوابهم :( فَما لـ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ) أي يقبلون نحوك من كل جانب مسرعين.

( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ ) أي جماعات متفرقين.

( أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ) بأي إيمان وبأي عمل يستحقون ذلك؟!

«مهطعين» : جمع مهطع ، وتعني الذي يمدّ عنقه مقبلا على شيء بسرعة للبحث عنه ، وأحيانا تأتي ـ فقط ـ بمعنى مدّ العنق لاستطلاع الأمر.

«عزين» : جمع عزة ، على وزن «هبة» وتعني جماعات في متفرقين ، وأصلها «عزو» ـ على وزن جذب ـ بمعنى النسبة ، وبما أنّ كلّ جماعة يرتبط أفرادها بعضهم ببعض بنسبة معينة : أو يهدفون إلى غرض معين أطلقت كلمة «عزة» على الجماعة.

على كل حال فإنّ المشركين المتكبرين كان لهم الكثير من الادعاءات الباطلة الواهية ، وكانت الرّفاهية في حياتهم الدنيوية وغالبا ما كان يتمّ ذلك بطريق غير مشروع كالإغارة والسلب وغير ذلك ما كان يجعلهم يظنون بأنّهم قد حصلوا على هذه المقامات العالية ولمكانتهم عند الله ، فكانوا ينسبون إلى أنفسهم المقامات الرفيعة في يوم القيامة.

صحيح أنّهم لم يكونوا يعتقدون بالمعاد بتلك الصورة التي يبيّنها القرآن ، ولكنّهم كانوا يحتملون وقوعه أحيانا ، ويقولون : إذا وقع المعاد فإنّ حالنا في العالم الآخر سيكون كذا كذا ، ولعلهم كانوا يريدون بذلك الاستهزاء.

وهنا يجيبهم القرآن المجيد فيقول :( كَلَّا ) ليس الأمر كذلك وليس لهم حقّ الدخول إلى الجنّة( إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ) .

في الحقيقة أنّ الله يريد بهذه الجملة أن يحطم غرورهم ، لأنّه يقول : إنّكم تعلمون جيدا مم خلقناكم؟ من نطفة قذرة ، من ماء آسن مهين ، فلما ذا كلّ هذا

٣٣

الغرور؟ ويجيب ثانيا على المستهزئين بالمعاد فيقول : إذا كنتم في شك من المعاد فتمعنوا في حال هذه النطفة ، وانظروا كيف خلقنا موجودا بديعا من قطرة ماء قذرة يتطور فيها الجنين كلّ يوم يتّخذ شكلا جديدا ، ألم يقدر خالق الإنسان من هذه النطفة أن يعيد إليه الحياة بعد دفنه.

ثالثا : كيف يطمعون في الجنّة وفي صحائفهم كل هذه الذنوب؟ لأنّ الموجود الذي خلق من نطفة لا يمكن أن يكون له قيمة مادية ، وإذا كانت له قيمة وكرامة فإنّ ذلك لإيمانه وعمله الصالح ، وأولئك قد فقدوا هذه الصفات ، فكيف ينتظرون الدخول إلى الجنّة؟!(١)

ثمّ يقول تعالى مؤكّدا ذلك :( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ) .

لعل هذه الجملة إشارة إلى أنّنا لسنا قادرين على أن نعيد لهم الحياة بعد الموت فحسب ، بل إنّنا نستطيع أن نبدله إلى أكمل الموجودات وأفضلها ، ولا يمنعنا من ذلك شيء.

وعلى هذا فإنّ السياق هو إدامة لبحث المعاد ، أو هو إشارة إلى أنّنا نهلككم جزاء لأعمالكم ولا يمنعنا من ذلك شيء ، ونستبدل بكم مؤمنين وأعين ، ليكونوا أنصارا للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يضرّنا ذلك شيئا ، ولهذا إن كنّا نلح عليكم أن تؤمنوا فليس من باب العجز والاحتياج ، بل من أجل تربية البشرية وهدايتها.

يمكن أن يكون المراد ب ـ( بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ ) بأن الله الذي يقدر على أن يجعل للشمس العظيمة مشرقا ومغربا جديدين في كل يوم ، ويكون بنظام دقيق من دون أية زيادة ونقصان مدى ملايين السنين قادر على أن يعيد الإنسان

__________________

(١) هناك احتمالات أخرى في تفسير هذه الآية : أنّ المراد من جملة «ممّا يعلمون» هو أنّنا خلقناهم ووهبنا لهم العقل والشعور لا كالحيوانات والبهائم ، ولهذا فإنّهم مسئولون عن أعمالهم ، وهناك مراد آخر وهو أنّنا خلقناهم لأهداف هم يعلمونها وهي التكليف والطاعة ، ولكن هذه الاحتمالات بعيدة ، ولذا فإنّ أكثر المفسّرين ذهبوا إلى المعنى المذكور سابقا.

٣٤

مرّة أخرى إلى الحياة الجديدة ويستبدلهم بقوم أفضل منهم.

* * *

ملاحظة

ربّ المشارق والمغارب :

قد يأتي تعبير المشرق والمغرب في أحيانا بصيغة المفرد كالآية (١١٥) من سورة البقرة :( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) وأحيانا بصيغة المثنى كما في الآية (١٧) من سورة الرحمن :( رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ) وأحيانا أخرى بصيغة الجمع( الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ ) كالآية التي هو مورد بحثنا.

البعض من ذوي النظرات الضيقة يظنون تضاد هذه التعابير ، في حين أنّها مترابطة ، وكل منها يشير إلى بيان خاص ، فالشمس في كلّ يوم تطلع من نقطة جديدة ، وتغرب من نقطة جديدة أخرى ، وعلى هذا الأساس لدينا بعدد أيّام السنة مشارق ومغارب ، ومن جهة أخرى فإنّ من بين كل هذه المشارق والمغارب هناك مشرقان ومغربان ممتازان ، إذ أن أحدهما يظهر في بدء الصيف أي الحد الأعلى لبلوغ ذروة ارتفاع الشمس في المدار الشمالي ، والآخر في بدء الشتاء أي الحد الأدنى لنزول الشمس في المدار الجنوبي ، (ويعبرون عن أحدهما بمدار «رأس السرطان» ، وعن الآخر بمدار «رأس الجدي» ،) وقد اعتمد على ذلك لأنّهما واضحان تماما ، بالإضافة إلى هذين المشرقين والمغربين الآخرين الّذين سمّيا بالمشرق والمغرب والاعتداليان (وهو أوّل الربيع وأوّل الخريف ، عند تساوي ساعات الليل والنهار في جميع الدنيا) ولذا ذهب البعض إلى هذا المعنى في تفسير الآية : «ربّ المشرقين والمغربين» وهو معنى مقبول أيضا.

وأمّا ما جاء بصيغة المفرد فإنّ المراد به ماهيته ، لأنّ الملاحظ فيه أصل

٣٥

المشرق والمغرب بدون الالتفات إلى الأفراد ، وبهذا الترتيب فإنّ لكلّ من العبارات المختلفة أعلاه مسألة تلفت نظر الإنسان إلى التغييرات المختلفة لطلوع وغروب الشمس ، والتغيير المنتظم لمدارات الشمس.

* * *

٣٦

الآيات

( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (٤٤) )

التّفسير

كأنّهم يهرعون إلى الأصنام!!

هذه الآيات وهي آخر آيات سورة المعارج جاءت لتنذر وتهدد الكفار المعاندين والمستهزئين ، يقول سبحانه :( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ) (١) .

لا يلزم الاستدلال والموعظة أكثر من هذا ، فإنّهم لا يتعضون وليس لهم الاستعداد للاستيقاظ ، دعهم يخوضون في أباطيلهم وأراجيفهم كما يلعب الأطفال حتى يحين يومهم الموعود ، يوم البعث ويرون كل شيء بأعينهم!

__________________

(١) «يخوضوا» من أصل خوض ـ على وزن حوض ـ وتعني في الأصل الحركة في الماء ، ثمّ جاءت بصيغة الكناية في موارد يغطس فيه الإنسان في الباطل.

٣٧

هذه الآية وبهذا التعبير وردت في سورة الزخرف (٨٣).

ثمّ تبيّن الآية التالية اليوم الموعود ، وتذكر بعض علامات ذلك اليوم المرعب فيقول تعالى :( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) .

يا له من تعبير عجيب ، إنّه وصف يوم القيامة في وقت يتجهون فيه سراعا إلى محكمة العدل الإلهي اتجاها يشبه إسراعهم في يوم احتفال أو عزاء باتجاه أصنام ، ولكن أين ذلك من هذا؟ إنّه في الحقيقة استهزاء بعقائدهم المجونة التي كانوا يعتقدون بها في الدنيا.

«الأجداث» : جمع جدث ـ على وزن (عبث) ـ وتعني القبر.

«سراع» : جمع سريع ، مثل (ظراف وظريف) وتعني الحركة السريعة للشيء أو الإنسان.

«نصب» : جمع نصيب ، ويقول البعض : إنّه جمع نصب ـ على وزن (سقف) ـ المراد منه هو ما ينصب كعلامة ، وتطلق على الأصنام الحجرية إذ كانوا ينصبونها في مكان ما ليعبدوها ويقدّم لها القرابين ثمّ يلطخون دماءها عليها ، واختلافه مع الصنم هو أنّ الصنم كان على هيئة صورة وشكل خاص ، وأمّا النصب فهو قطعة من الحجر لا شكل له ، وكانوا يعبدونه لسبب ما ، ونقرأ في الآية (٣) من سورة المائدة :( وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ) أي أنّ من جملة اللحوم المحرّمة هي ما يذبحون من الحيوانات على النصب.

«يوفضون» : من (إفاضة) وتعني الحركة السريعة المشابهة لحركة الماء المنحدر من العين ، وقال البعض : إنّ المراد من النصب في الآية التي نحن بصددها هو الأعلام التي ينصبونها في وسط الجيش أو القوافل ، وعلى كل منهم أن يوصل نفسه بسرعة إليها ، ولكن التّفسير الأوّل هو الأنسب.

ثمّ تذكر الآيات حالات أخرى لهؤلاء فتضيف :( خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ

٣٨

ذِلَّةٌ ) (١) من شدّة الهول والوحشة وقد غرقوا في ذلّة مهينة وفي آخر الآية يتابع قوله :( ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ ) .

نعم هذا هو اليوم الموعود الذي كان يسخرون منه ويقولون أحيانا : لنفترض أنّ هناك يوما كهذا ، فإنّ حالنا في ذلك اليوم هو أفضل من حال المؤمنين ، ولكنّهم لا يجرؤون أن يرفعوا رؤوسهم في ذلك اليوم لشدّة الخوف والوحشة ، وقد تعفرت وجوههم ورؤوسهم بغبار الذلّة ، وغرقوا في كل الهموم الهائلة ، ومن المؤكّد أنّهم يندمون في ذلك اليوم ، ولكن ما الفائدة؟

اللهم : ألبسنا ثوب رحمتك في ذلك اليوم المهول.

ربّنا : إنّ مصائد الشيطان وحبائله قوية ، وهوى النفس غالب ، والآمال الطويلة والبعيدة خداعة ، فترحم علينا باليقظة وعدم الانحراف عن المسار الصحيح.

اللهم : اجعلنا ممن آمن ووفى بعهده وبذل عمره في طاعتك.

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المعارج

* * *

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المعارج

__________________

(١) «ترهقهم» من أصل (رهق) على وزن (سقف) ويراد به غشيان الشيء بقهر.

٣٩
٤٠

تقضي بنفي بنوة الحسنينعليهما‌السلام للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فراجع كلامهعليه‌السلام في ذلك(١) .

هذا ولهمعليهم‌السلام احتجاجات أخرى بآية المباهلة على خلافة أمير المؤمنين ، وعلى أفضليتهعليه‌السلام ، وغير ذلك ، لا مجال لذكرها هنا(٢) .

مفارقة :

وبعد أن اتضح : أن السياسة الأموية كانت تقضي أن يستبعد اسم عليعليه‌السلام من جملة من باهل بهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نفي بنوة الحسنينعليهما‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فإننا نجدهم يصرون على خؤولة معاوية للمؤمنين ، ويجعلون ذلك ذريعة للإنكار على من ذكر معاوية بسوء ، ولكنهم إذا ذكر محمد بن أبي بكر بسوء رضوا أو أمسكوا ومالوا مع ذاكره ، وخؤولته ظاهرة بائنة وقد نفرت قلوبهم من علي بن أبي طالب لأنه حارب معاوية وقاتله ، وسكنت قلوبهم عند قتل عمار ومحمد بن أبي بكر ، وله حرمة الخؤولة ، وهو أفضل من معاوية ، وأبوه خير من أبي معاوية ، وما ذلك إلا خديعة أو جهالة ، وإلا فلماذا لا يستنكرون قتل محمد بن أبي بكر ولا يذكرون خؤولته للمؤمنين؟(٣) .

من مواقف الإمام الحسنعليه‌السلام :

نعم ولم يقتصر الائمة في تصديهم للمغرضين والحاقدين ، والوقوف في وجه سياساتهم تلك بحزم وصلابة ـ على مواقف الحجاج هذه ، بل تعدَّوا ذلك

__________________

١ ـ راجع ـ تفسير القمي ج ١ ص ٢٠٩.

٢ ـ لا بأس بمراجعة البحار ج ٤٩ ص ١٨٨ وتفسير الميزان ج ٢ ص ٢٣٠ و ٣٢٩ وتفسير البرهان ج ١ ص ٢٨٦ و ٢٨٧ وغير ذلك.

٣ ـ مقتبس من كتاب : المعيار والموازنة ص ٢١.

٤١

إلى المناسبات الأخرى ، واستمروا يعلنون بهذا الأمر على الملأ ، ويؤكدون عليه في كثير من المناسبات والمواقف الحساسة ، وكشفوا زيف تلك الدعاوى بشكل لا يدع مجالاً لأي شك أو ريب

وقد صدع الإمام الحسنعليه‌السلام بهذا الأمر في أكثر من مناسبة ، وأكثر من موقف

ولم يكن يكتفي بإظهار وإثبات بنوَّته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحسب وإنما كان يهتم في التأكيد على أن حق الإمامة والخلافة له وحده ، ولا تصل النوبة إلى معاوية وأضرابه ، لان معاوية ليس فقط يفقد المواصفات الضرورية لهذا الامر ، وإنما هو يتصف بالصفات التي تنافيها وتنقضها بصورة أساسية وكمثالٍ على كل ذلك نذكر :

١ ـ أنهعليه‌السلام يخطب فور وفاة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فيقول : « أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا الحسن بن علي ، وأنا ابن النبي ، وأنا ابن الوصي »(١) .

لاحظ كلمة : « الوصي » في هذه العبارة الأخيرة.

وفي نصٍ آخر أنه قال : « فأنا الحسن بن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٢) .

وقال حينئذٍ أيضاً : « أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، انا ابن السراج المنير ، انا ابن من اذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيراً ، انا من اهل بيت افترض الله طاعتهم في كتابه »

__________________

١ ـ مستدرك الحاكم ج٣ ص ١٧٢ وذخائر العقبى ص ١٣٨ عن الدولابي ، وكشف الغمة للأربلي ج ٢ ص ١٧٣ عن الجنابذي على ما يظهر.

٢ ـ مقاتل الطالبيين ص ٥٢ وتفسير فرات ص ٧٢ و٧٠ وفي مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٢٦ : انا ابن نبي الله الخ وحياة الصحابة ج ٣ ص ٥٢٦ ومجمع الزوائد ج ٩ ١٤٦ وقال ك ورواه احمد باختصار كثير ، وإسناد احمد وبعض طرق البزار والطبراني في الكبير حسان. وتيسير المطالب ص ١٧٩. وعن أمالي الطوسي ص ١٦٩ وعن إرشاد المفيد وعن طبقات ابن سعد ج ٢ ص ٢٥ ، وعن جمهرة الخطب ج ٢ ص ٧.

٤٢

الخ(١) ثم قام ابن عباس ، فقال : « هذا ابن بنت نبيكم ، ووثي إمامكم فبايعوه »(٢) .

٢ ـ وفي مناسبة اخرى في الشام ، طلب منه معاوية ـ بمشورة عمرو بن العاص ـ ان يصعد المنبر ، ويخطب ـ رجاء أن يحصر ـ فصعد المنبر ، فحمد الله ، واثنى عليه ، ثم اورد خطبة هامة ، تضمنت ما تقدم ، وسواه الشيء الكثير ، قال الراوي : « ولم يزل به حتى أظلمت الدنيا على معاوية ، وعرف الحسن من لم يكن عرفه من أهل الشام وغيرهم ، ثم نزل. فقال له معاوية : أما إنك يا حسن قد كنت ترجو ان تكون خليفة ، ولست هناك!

فقال الحسنعليه‌السلام : اما الخليفة فمن سار بسيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعمل بطاعة الله عز وجل. وليس الخليفة من سار بالجور، وعطل السنن ، واتخذ الدنيا أماً وأباً ، وعباد الله خولاً ، وماله دولاً ، ولكن ذلك أمر ملك أصاب ملكاً ، فتمتع منه قليلاً ، كَأَنْ قد انقطع عنه » إلى آخر كلامه عليه

__________________

١ ـ راجع : الفصول المهمة للمالكي ص ١٤٦ وتفسير فرات ص ٧٠ و ٧٢ وكشف الغمة للأربلي ج ٢ ص ١٥٩ وينابيع المودة ص ٢٢٥ و ٣٠٢ و ٢٧٠ و ٤٧٩ و ٤٨٢ عن أبي سعد في شرف النبوة ، والطبراني في الكبير ، والبزار ، والزرندي المدني ، وغيرهم ، وارشاد المفيد ص ٢٠٧ وفرائد السمطين ج ٢ ص ١٢٠ ومستدرك الحكام ج ٣ ص ١٧٢ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٤٦ وحياة الصحابة ج ٣ ص ٥٢٦ وذخائر العقبى ص ١٣٨ و ١٤٠ وعن الدولابي في الذرية الطاهرة ، ونزهة المجالس ج ٢ ص ١٨٦ ، والمحاسن والمساوي ج ا ص ١٣٢ / ١٣٣ والمناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ١١ و ١٢ والاحتجاج ج ١ ص ٤١٩ والبحار ج ٤٤ وامالي الشيخ الطوسي ج ١ ص ١٢ واعلام الورى ص ٢٠٨ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٣٠.

٢ ـ ستأتي المصادر لذلك إن شاء الله تعالى

٣ ـ البحار ج ٤٣ ص ٣٦٣.

٤٣

السلام(١) .

ونفس هذه القضية تذكر له مع معاوية ، حينما جرى الصلح بينهما في الكوفة(٢) .

وهذا يؤيد ما ذكره البعض : من أن معاوية قد دس السم الى الإمام الحسنعليه‌السلام ، لأنه كان يقدم عليه الى الشام(٣) .

٣ ـ وفي نص آخر : أن معاوية طلب من الإمام الحسنعليه‌السلام : ان يصعد على المنبر ، ويخطب فصعد المنبر وخطب ، وصار يقول : أنا ابن ، أنا ابن إلى أن قال : « لو طلبتم ابناً لنبيكم ما بين لابتيها لم تجدوا غيري وغير أخي »(٤) . ومن أراد الرواية بطولها فليراجع المصادر.

٤ ـ وفي نص آخر : أن معاوية طلب منه : ان يصعد المنبر وينتسب ، فصعد ، وصار يقول : بلدتي مكة ومنى ، وانا ابن المروة والصفا ، وانا ابن النبي المصطفى الى ان قال : فاذن المؤذن ، فقال : اشهد ان محمداً رسول الله ، فالتفت الى معاوية ، فقال : أمحمد أبي؟ أم أبوك؟! فإن قلت : ليس بأبي ، كفرت ، وإن قلت : نعم ، فقد أقررت ثم قال : أصبحت العجم تعرف حق العرب بأنَّ محمداً منها ، يطلبون حقنا ، ولا يردون إلينا حقنا »(٥) .

__________________

١ ـ الاحتجاج ج ١ ص ٤١٩ والخرائج والجرائح ص ٢١٨ والكلام الاخير موجود أيضاً في مصادر أخرى فراجع الهامش التالي.

٢ ـ ذخائر العقبى ص ١٤٠ عن أبي سعد ، وراجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ص ١٢٦ لكن فيه : أن ذلك كان بالمدينة ، والبحار ج ٤٤ ص ١٢٢ والمحاسن والمساوي ج ١ ص ١٣٣ وليراجع شرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٤٩ ومقاتل الطالبيين ص ٧٣ والإمام الحسن لآل يس ص ١١٠ ـ ١١٤ وتحف العقول ص ١٦٤.

٣ ـ الغدير ج ١١ ص ٨ عن طبقات ابن سعد.

٤ ـ المناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ١٢ عن العقد الفريد والمدائني. وليراجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٢٦ والبحار ج ٤٣ ص ٣٥٥ / ٣٥٦ وعيون الاخبار لابن قتيبة ج ٢ ص ١٧٢.

٥ ـ المناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ١٢ والبحار ج ٤٣ ص ٣٥٦ وليراجع ج ٤٤ ص ١٢١ و١٢٢ وعن تحف العقول ص ٢٣٢ والخرايج والجرايح ص ٢١٧ / ٢١٨.

٤٤

٥ ـ وفي مناسبة أخرى ، طلب منه معاوية أن يخطب ويعظهم ، فخطب وصار يقول : أنا ابن رسول الله ، أنا ابن صاحب الفضايل ، أنا ابن صاحب المعجزات والدلايل ، أنا ابن أمير المؤمنين ، أنا المدفوع عن حقي إلى أن قال : أنا إمام خلق الله ، وابن محمد رسول الله ، فخشي معاوية أن يتكلم بما يفتن به الناس ، فقال : إنزل ، فقد كفى ما جرى ، فنزل »(١) .

٦ ـ بل لقد رأينا معاوية يعترف له بهذا الأمر ، فيقول له مرة في كلام له : « ولا سيما أنت يا أبا محمد ، فإنك ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيد شباب أهل الجنة »(٢) .

ويدخل في هذا المجال أيضاً قول الإمام الحسنعليه‌السلام لأبي بكر ، وقول الإمام الحسينعليه‌السلام لعمر : انزل عن منبر أبي ، حسبما سيأتي ، إن كان المقصود بأبي : هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما يظهر من اعترافهما لهما. وإن كان المقصود به أباهما أمير المؤمنين ـ كما احتمله بعض المحققين ـ(٣) فيدخل في مجال احتجاجاتهماعليهما‌السلام على أحقيتهم بالأمر ، دون كل أحد سواهم ويكونان قد انتزعا منهما اعترافاً صريحاً وهاماً في هذا المجال.

مواقف أخرى للأئمة وذريتهم الطاهرة :

وبعد ذلك ، فإنا نجد الإمام الحسينعليه‌السلام يخطب الناس ، ويقول : « أقررتم بالطاعة ، وآمنتم بالرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته ، تريدون قتلهم إلى أن قال : ألست أنا ابن بنت

__________________

١ ـ أمالي الصدوق ص ١٥٨.

٢ ـ المحاسن والمساوي ج ١ ص ١٢٢.

٣ ـ هو المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني حفظه الله

٤٥

نبيكم ، وابن وصيه ، وابن عمه »(١) .

ويقول في موضع آخر ،حينما اشتد به الحال : « ونحن عترة نبيك ، وولد نبيك ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي اصطفيته بالرسالة الخ »(٢) .

ويقول في وصف جيش يزيد ، في يوم عاشوراء : « فإنما أنتم طواغيت إلى أن قال : وقتلة أولاد الأنبياء ، ومبيري عترة الأوصياء »(٣)

وقد اعترفوا له بذلك حينما ناشدهم ، فقال : انشدكم الله ، هل تعرفوني؟. : نعم ، أنت ابن رسول الله وسبطه »(٤) .

وللإمام السجاد موقف هام في الشام ، حينما ألقى خطبته الرائعة ، فقال : « أيها الناس ، انا ابن مكة ومنى ، انا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا إلى أن قال : أنا ابن من حُمِلَ على البراق ، وبلغ به جبرائيل سدرة المنتهى » إلى آخر الخطبة التي كان من نتيجتها : أن « ضجَّ الناس بالبكاء ، وخشي يزيد الفتنة ، فأمر المؤذن أن يؤذن للصلاة » ولكنهعليه‌السلام قد تابع خطبته ، واحتجاجاته الدامغة على يزيد ، وتفرق الناس ، ولم ينتظم لهم صلاة في ذلك اليوم(٥) .

وبعد ذلك فإننا نجد العقيلة زينب تقف في وجه يزيد لتقول له : « أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك وإماءك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا؟ »

وفيها : « واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دماء ذرية رسول الله صلى الله عليه

__________________

١ ـ مقتل الحسين للمقرم ص ٢٧٤ عن مقتل محمد بن أبي طالب الحايري.

٢ ـ المصدر السابق عن الإقبال ، ومصباح المتهجد ، وعنهما في مزار البحار ص ١٠٧ باب زيارته يوم ولادته.

٣ ـ مقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٧ وراجع : مقتل الحسين للمقرم ص ٢٨٢ للاطلاع على مصادر أخرى.

٤ ـ أمالي الصدوق ص ١٤٠.

٥ ـ راجع مقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٦٩ / ٧٠ ومقتل الحسين للمقرم ص ٤٤٢ /٤٤٣ عنه ، وعن نفس المهموم ص ٢٤٢.

٤٦

وآله وسلم » ، إلى أن قالت : « ولتردنَّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته ولحمته »(١) .

وفي خطبة لها لأهل الكوفة : « الحمد لله ، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ». وفي نص آخر : « والصلاة عن أبي رسول الله »(٢) .

وتقول فاطمة بنت الحسين في خطبة لها في الكوفة أيضاً : « وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، وأنَّ اولاده ذبحوا بشط الفرات »(٣) .

على خطى النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وبعد بإنَّ ذلك لم يكن منهمعليهم‌السلام إلا أسوة منهم بالنبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذيكان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق ، وقد ورد عنه الثير مما يدل على إصراره صلى عليه وآله على تركيز فضية بنوة الحسنينعليهما‌السلام لهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ضمير الأمة ووجدانها ، بشكل لا يبقى معه أي مجال للشبهة ، أو الشك والترديد وكنموذج على ذلك نشير إلى :

١ ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذان ابناي من أحبهما فقد أحبني(٤) . وفي نص آخر : هذان ابناي ، وابنا ابنتي ، اللهم إني أحبهما ، وأحب

__________________

١ ـ بلاغات النساء ط دار النهضة ص ٣٥ و ٣٦ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٦٤ و ٦٥ ومتل الحسين للمقرم ص ٤٥٠ / ٤٥١.

٢ ـ راجع : الأمالي للشيخ الطوسي ج ١ ص ٩٠ ومقتل الحسين للمقرم ص ٣٨٥ عنه وعن أمالي ابنه ، وعن اللهوف ، وابن نما ، وابن شهر آشوب ، والاحتجاج للطبرسي.

٣ ـ مقتل الحسين للمقرم ص ٣٩٠.

٤ ـ ذخائر العقبى ص ١٢٤ ، وصفة الصفوة ج ١ ص ٧٦٣ ، وتاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ٢٠٦ وكنز العمال ط ٢ ج ٦ ص ٢٢١ والغدير ج ٧ ص ١٢٤ عن مستدرك الحكام ج ٣ ص ١٦٦ ونقل عن الترمذي ، رقم ٣٧٧٢.

٤٧

من يحبهما(١) .

وفي رواية أخرى عن عائشة : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأخذ حسناً ، فيضمه إليه ، ثم يقول : اللهم إن هذا ابني ، وأنا أحبه ، فأحببه ، وأحب من يحبه(٢) .

٢ ـ كما أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمجرد ولادة أحدهما يقول لأسماء : هلمي ابني ، كما تقدم.

٣ ـ وقول : إن ابني هذا سيد(٣) .

٤ ـ كما أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجلس في المسجد ، ويقول : أدعوا لي ابني ، قال : فأتى الحسن يشتد إلى أن قال : وجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفتح فمه في فمه ، ويقول : اللهم إني أحبه ، فأحبَّه ، وأحبَّ من يحبه ، ثلاث مرات(٤) .

٥ ـ وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه قال : كل ابن آدم ينتسبون إلى عصبة أبيهم ، إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم ، وأنا عصبتهم(٥) .

__________________

١ ـ ينابيع المودة ص ١٦٥ عن الترمذي ، وتاريخ الخلفاء ص ١٨٩ والمعجم الصغير للطبراني ج ١ ص ٢٠٠ وخصائص الإمام علي للنسائي ص ١٢٤ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٨٠ وراجع : مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٦٦ و ١٧١ وذخائر العقبى ص ١٢٤ وفي هامش الخصائص للنسائي عن كفاية الطالب ص ٢٠٠ وكنز العمال ج ٦ ص ٢٢٠ وعن الترمذي ج ٢ ص ٢٤٠ وغيرهم.

٢ ـ كنز العمال ج ١٦ ص ٢٦٢ ط ٢ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٧٦ ، وترجمة الإمام الحسن بن علي عليهما لابن عساكر ، بتحقيق المحمودي ص ٥٦ ، وفي هامشه عن المعجم الكبير للطبراني ج ١ ص ٢٠ ط ١.

٣ ـ مصادر ذلك كثيرة ، لايكاد يخلو منها كتاب ، ولذا فلا حاجة لتعدادها

٤ ـ ذخائر العقبى ص ١٢٢ عن الحافظ السلفي

٥ ـ الصواعق المحرقة ص ١٥٤ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٦٤ ، وتاريخ بغداد ج ١١ ص ٢٨٥ ، وينابيع المودة ص ٢٦١ وفرائد السمطين ج ٢ ص ٦٩ ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٦٨ وإحقاق الحق ج ٩ ص ٦٤٤ ـ ٦٥٥ عن مصادر كثيرة حداً وذخائر العقبى ص ١٢١ وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ٣ ص ١٤٩ ، وعن كنز

٤٨

وحسبنا ما ذكرناه في هذا المجال ، فإن استقصاء ذلك مع مصادرة متعسر ، بل متعذر في هذه العجالة ، لا سيما وأن علينا أن نوفر الفرصة لبحوث أخرى عن الحياة السياسية للإمام الحسن المجتبى عليه الصلاة والسلام. ومن أراد المزيد من النصوص الداله على بنوة الحسنينعليهما‌السلام فليراجع الغدير ج ٧ ص ١٢٤ ـ ١٢٩(١) .

ج : شهادة الحسنين على كتابٍ لثقيف :

وبعد كل ما تقدم فإننا نجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يكتب كتاباً لثقيف ، ويثبت فيه شهادة علي والحسنين صلوات الله وسلامه عليهم.

قال أبو عبيد : « وفي هذا الحديث من الفقه إثباته شهادة الحسن والحسين. وقد كان يروى مثل هذا عن بعض التابعين أن شهادة الصبيان تكتب ويستنسبون : فيستحسن ذلك. فهو الأن في سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٢) .

وقال الكتاني : « فيه من الفقه إثباتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادة الصبيان ، وكتابة أسماهم قبل البلوغ. وإنما تقبل شهادتهم إذا أدوها بعد البلوغ. وفيها أيضاً شهادة الإبن أيضاً مع شهادة أبيه في عقد واحد ١ هـ نقله في نور النبراس » انتهى(٣) .

__________________

= العمال ج ٦ ص ٢١٦ و ٢١٥ وعن مجمع الزوائد ج ٩ / ١٧٢.

١ ـ وليراجع أيضاً ـ على ما ذكره المحقق العلامة الاحمدي ـ : ينابيع المودة ص ٢٥٩ و١٣٨ و ١٤٦ و ٢١٤ و ١٨٣ و ١٨٢ و ٢٥٥ و ١٣٦ و ٢٢١ و ٢٥٨ و ٢٢٢ و ٣٣١ و ٢٥٠ وإسعاف الراغبين ص ١٣٢ و ١٣٣ وكفاية الطالب ص ٢٣٥ و ٢٣٧ والفصول المهمة لابن الصباغ ص ١٥٨ و ١٥٩ وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٢٦ وابن عساكر ج ٤ ص ١٥٢ و ٢٠٣ و ٢٠٤.

٢ ـ الاموال ص ٢٨٩ /٢٨٠ وراجع : التراتيب الإدارية ج ١ ص ٢٧٤ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٢٧٣ وراجع : طبقات ابن سعد ج ١ ص ٣٣.

٣ ـ التراتيب الإدارية ج ١ ص ٢٧٤.

٤٩

وقال محمد خليل هراس في تعليقه له على الأموال : « ولا يجوز القول بأن تلك خصوصية لهما رضي الله عنهما : إذ لا دليل عليها ومادام الطفل مميزاً يجب أن تعتبر شهادته فإنه قد يحتاج إليها »(١) .

ونقول : ألم يجد النبي أحداً من الصحابة يستشهده على ذلك الكتاب الخطير الذي يرتبط بمصير جماعة كثيرة سوى هذين الصبيين؟! وهل كان وحيداً فريداً حينما جاءه وفد ثقيف ، وكتب لهم ذلك الكتاب حتى احتاج إلى استشهاد ولدين صغيرين لم يبلغا الخمس سنوات؟!

إن أدنى مراجعة للنصوص التاريخية لتبعد كل البعد هذا الاحتمال الأخير ، حيث إنها صريحة في أن رسول الله صلى عليه وآله وسلم قد ضرب لهم قبة في المسجد ليسمعوا القرآن ، ويروا الناس إذا صلوا وكان خالد بن سعيد بن العاص حاضراً وكان خالد بن الوليد هو الكاتب ، ومع ذلك لم يشهدا على الكتاب

أخيراً فقد نص ابن رشد على أن العدالة تشترط في الشاهد بإجماع المسلمين. ثم قال : « وأما البلوغ فإنهم اتفقوا على أنه يشترط حيث تشترط العدالة. واختلفوا في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح وفي القتل : فردها جمهور فقهاء الأمصار لما قلناه من وقوع الإجماع على أن من شرط الشهادة العدالة ، ومن شرط العدالة البلوغ : ولذلك ليست في الحقيقة شهادة عند مالك ، وإنما هي قرينة حال »(٢) .

وبعد كل ما تقدم فإننا نفهم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد أن يظهر امتيازاً للحسنينعليهما‌السلام ، وأنهما كانا على درجة عالية من التمييز والتعقل التام في هذا الوقت المبكر جداً من سنهما ، وأنهما مؤهلان لأن يتحملا مسؤوليات جسام حتى في المعاهدات السياسية الخطيرة كهذه المعاهدة بالذات ، وبالأخص بالنسبة لقبيلة ثقيف المعروفة بعدائها القوي للإسلام وللمسلمين.

__________________

١ ـ الأموال هامش ص ٢٨٠.

٢ ـ بداية المجتهد ج ٢ ص ٤٥٧.

٥٠

د : بيعة الرضوان :

١ ـ قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه ، عن الحسنين عليهما الصلاة والسلام : « وكان من برهان كمالهماعليهما‌السلام ، وحجة اختصاص الله تعالى لهما ، بعد الذي ذكرناه من مباهلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بهما ، بيعة رسول الله لهما ، ولم يبايع صبياً في ظاهر الحال غيرهما ، ونزول القرآن بإيجاب ثواب الجنة لهما على عملهما ، مع ظاهر الطفولية فيهما ، ولم ينزل بذلك في مثلهما ، قال الله تعالى :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلَى حْبِّهِ مِسكيناً ، وَيَتِيماً وَأَسيراً ) (١) .

٢ ـ وقال الخليفة المأمون العباسي ، في ضمن احتجاجاته على أهل بيته فيما يتعلق بالإمام الجوادعليه‌السلام :

« ويحكم ، إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل. وإن صغر السن لا يمنعهم من الكمال. أما علمتم : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الإسلام ، وحكم له به ، ولم يدعُ أحداً في سنه غيره؟ وبايع الحسن والحسينعليهما‌السلام وهما دون الست سنين ، ولم يبايع صبياً غيرهما؟ أو لا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم ، وأنهم ذرية بعضهما من بعض ، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم الخ »(٢) .

وروي عن الصادق أيضاً : أنه « لم يبايع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من لم يحتلم إلا الحسن والحسين ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن عباس رضي

__________________

١ ـ الإرشاد ص ٢١٩ وفدك للقزويني هامش ص ١٦عنه.

٢ ـ الاحتجاج ج ٢ ص ٢٤٥ والبحار ج ٥٠ ص ٧٨ عنه ، والإرشاد للمفيد ص ٣٦٣ ، وتفسير القمي ج ١ ص ١٨٤ / ١٨٥ وراجع : الحياة السياسية للإمام الجوادعليه‌السلام ، حين الكلام حول قضية تزويج المأمون ابنته للإمام ، فقد ذكرنا عنه مصادر كثيرة.

٥١

الله عنهم » قال : ولم يبايع صغيراً إلا منا(١) .

وذلك بكذِّب دعوى البعض : بايع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله بن الزبير ، وهو ابن سبع سنين(٢) وقد كان انتحال الفضائل أمراً معروفاً عن الزبيريين وبني أمية.

ولكن ما تقدم عن المأمون ، وعن الشيخ المفيد يوضح : أن إضافة ابن عباس ، وابن جعفر إنما هي من تزيُّد الرواة ، حيث ينفي المأمون بشكل قاطع ـ وكذلك ينفي المفيد ـ أن يكونصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بايع صبياً غيرهما ، وذِكر ذلك في مقام الاحتجاج ، يدل على التسالم على ذلك الأمر آنئذٍ. وأن ما ورد في هذا النص الأخير ، قد أضيف إليه بعد ذلك الزمان

وواضح : أنه إذا كانت البيعة تتضمن إعطاء التزام وتعهد للطرف الآخر ، بتحمل مسؤوليات معينة ، ترتبط بمستقبل الدعوة والمجتمع ، وحمايتهما من كثير من الأخطار التي ربما يتعرضان لها ، فإن معنى ذلك هو أن النبي صلى عليه وآله وسلم قد رأى في الحسنينعليهما‌السلام ـ على صغر سنهما ـ أهلية وقابلية لتحمل تلك المسؤوليات الجسام ، والوفاء بالالتزامات التي أخذا على عاتقهما الوفاء بها

وقد يتخيل البعض هنا : أن التكليف قد كان حينئذٍ منوطاً بالتمييز ، فأخذ البيعة منهما لا يعبر عن امتياز ذي شأن لهما ، سوى أنهما قد امتلكا صفة التمييز في وقت مبكر ، فتبعها تعلق التكليف بهما ...

والجواب عن ذلك :

__________________

١ ـ ينابيع المودة ص ٣٧٥ عن فصل الخطاب لمحمد پارسا البخاري ، عن النووي على ما يبدو وترجمة الإمام الحسين لابن عساكر بتحقيق المحمودي ص ١٥٠ وفي هامشه عن المعجم الكبير للطبراني ، ترجمة الإمام الحسين الحديث رقم ٧٧ وحياة الصحابة ج ١ ص ٢٥٠ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٤٠ عن الطبراني وقال : هو مرسل ورجاله ثقات والعقد الفريد ج ٤ ص ٣٨٤ من دون ذكر ابن عباس.

٢ ـ التراتيب الإدارية ج ١ ص ٢٢٢ عن القرطبي.

٥٢

أولاً : إن ما يقال من إناطة التكليف بالتمييز قد انتهى امده قبل ذلك بزمان وبالذات في عام الخندق ـ في السنة الخامسة أو الرابعة للهجرة النبوية(١) ـ في قضية قبول ابن عمر في الغزو ، حيث انيط التكليف بالسن منذئذ حسبما ذكروه

وثانياً : أننا لو سلمنا ذلك فيرد سؤال ، وهو : لماذا اختص ذلك بالحسنين صلوات الله عليهما ، دون غيرهما من سائر الناس؟. أم يعقل : أنه لم يكن ثمة مميز غيرهما؟ حتى ولو كان له من العمر إثنا عشر أو ثلاثة عشر سنة ، أونحو ذلك؟ إن ذلك يكشف ولا شك عن امتياز خاص لهما ، لم يشركهما فيه أحد من الخلق ، كما قرره المأمون ، والشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه

وثالثاً : إن التمييز ومجرد التكليف لا يكفي في أحيان كثيرة ، وذلك لأن طبيعة المسؤوليات التي يراد الاضطلاع بها في بعض المواضع تقتضي وجود قدرات وملكات وإمكانات إيمانية وفكرية معينة ، لا بد من توفرها في ذلك الشخص الذي يعدُّ لذلك ومورد بيعة الرضوان من هذا القبيل.

ومما يوضح ذلك : أننا نجد كثيرين ممن أظهروا قدرتهم على تحمل تلك المسؤوليات ، وقبلت منهم البيعة ـ كما كان الحال بالنسبة لبيعتهم لأمير المؤمنين يوم الغدير ، وحينما أصبح خليفة ، وغير ذلك ـ لم يفوا ببيعتهم ، واتضح أنهم لم يكونوا حائزين على تلك القدرات التي ينبغي توفرها في من يعطي التزاماً ، ويتحمل مسؤوليات كبيرة ذات طبيعة رسالية رائدة

الحسن والحسين إمامان :

وبعد كل ماتقدم ، فإننا نعرف المغزى العميق لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

١ ـ راجع : حديث الإفك ( تاريخ ودراسة ) ص ٩٦ ـ ٩٩.

٥٣

« الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ». أو ما هو بمعنى ذلك ، حسبما تقدم في أوائل هذه الدراسة ، رغم أنهماعليهما‌السلام ربما لم يكن عمرهما حينئذٍ قد تجاوز عدد اصابع اليد الواحدة ونجد الإمام الحسنعليه‌السلام يستدل بهذا القول على من يعترض عليه في صلحه مع معاوية(١) .

وإذا كان البعض يريد أن يدعي : أن خلافة الإمام الحسنعليه‌السلام إنما كانت باختيار من المسلمين وبيعتهم ، ولم تكن بوصية حتى من أبيه(٢)

فإن هذا القول ، وسائر ما تقدم ، يدفع كل ذلك ويدحضه

ولدينا من النصوص التي تؤكد على وصاية أمير المؤمنينعليه‌السلام بالخلافة له من بعده الشيء الكثير

ويمكن أن نذكر منها هنا :

١ ـ قول الإمام الحسنعليه‌السلام في كتابه لمعاوية : « وبعد فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما نزل به الموت ولاّني هذا الأمر بعده »(٣) .

٢ ـ وقال ابن عباس ، بعد استشهاد أمير المؤمنينعليه‌السلام : هذا ابن بنت نبيكم ، ووصي إمامكم ، فبايعوه »(٤) .

__________________

١ ـ راجع علل الشرايع ج ١ ص ٢١١.

٢ ـ جاء ذلك في مجلة المجتمع الكويتية ، في بعض أعدادها قبل سنوات ، وفي مروج الذهب ج ٢ ص ٤١٤ : إن أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يعهد..

٣ ـ راجع : مقاتل الطالبيين ص ٥٥ / ٥٦ والفتوح لابن اعثم ج ٤ ص ١٥١ والمناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٣١ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٣٦ ـ ٤٠ والبحار ج ٤٤ ص ٦٤ هم كشف الغمة ، وحياة الحسن بن عليعليه‌السلام للقرشي ج ٢ ص ٢٩ ، وراجع : همش أنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي) ج ٣ ص ٣١ وفي بعض المصادر « ولاَّني المسلمون الأمر ».

٣ ـ الفصول المهمة للمالكي ص ٤٦ وأعلام الورى ص ٢٠٩ والإرشاد للمفيد ص ٢٠٧ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج ١٦ ص ٣٠ وكشف الغمة للأربلي ج ٢ ص ١٦٤ ومقاتل الطالبيين ص ٣٤ و ٥٢ ، وحياة الحسن للقرشي ج ٢ ص ١٠ وعن إثبات الهداة ج ٥ ص ١٣٩ و ١٣٤ و ١٣٦ والبحار عن أبي مخنف.

٥٤

٣ ـ عن الهيثم بن عدي ، قال « حدثني غير واحد ممن أدركت من المشايخ : أن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أصار الأمر إلى الحسن »(١) .

٤ ـ وقال ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي عن أمر الخلافة : « وعهد بها إلى الحسنعليه‌السلام عند موته »(٢) .

٥ ـ « وذكروا : أن جندب بن عبد الله دخل على عليعليه‌السلام : فقال : ياأمير المؤمنين ، إن فقدناك فلا نفقدك ، فنبايع الحسن؟ قال : نعم »(٣) .

٦ ـ وقال ابن كثير : « الخلفاء الأربعة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي. خلافتهم محققة ، بنص حديث سفينة : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم بعدهم الحسن بن علي ، كما وقع ، لأن علياً أوصى إليه ، وبايعه أهل العراق الخ...»(٤) .

٧ ـ وعند أبي الفرج ، وغيره : أنه لما أتى أبا الأسود نعي أمير المؤمنين ، والبيعة للإمام الحسنعليه‌السلام ، قام أبو الأسود خطيباً ، فكان مما قال :

« وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله ، وابنه ، وسليله ، وشبيهه في خلقه وهديه الخ »(٥) .

٨ ـ وعند المسعودي : أن أمير المؤمنينعليه‌السلام « وإني أوصي إلى الحسن والحسين ؛ فاسمعوا لهما ، وأطيعوا أمرهما »(٦) . هذا ، وقد ذكر وصية الإمام عليعليه‌السلام إلى ولده الإمام الحسنعليه‌السلام غير واحد من

____________

١ ـ العقد الفريد ج ٤ ص ٤٧٤ / ٤٧٥.

٢ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ٥٧.

٣ ـ المناقب للخوارزمي ص ٢٧٨.

٤ ـ البداية والنهاية ج ٦ ص ٢٤٩.

٥ ـ راجع : تيسير المطالب ص ١٧٩ وقاموس الرجال ج ٥ ص ١٧٢ والأغاني ج ٦ ص ١٢١ وفي الخرائج والجرائح ما يدل على ذلك.

٦ ـ إثبات الوصية ص ١٥٢.

٥٥

المؤلفين في كتبهم(١) فلتراجع.

٩ ـ هذا كله عدا عما تقدم من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ، وعدا عن الأحاديث الكثيرة ، التي تنص على الأئمة بأسمائهم(٢) .

وعدا عن نصوص كثيرة من طرق أهل البيت وشيعتهم ، لا مجال لذكرها هنا

١٠ ـ ولما مات أمير المؤمنينعليه‌السلام ، جاء الناس إلى الحسنعليه‌السلام ، فقالوا : أنت خليفة أبيك ، وصيُّه(٣) .

١١ ـ وقال المسعودي : « وقد ذكرت طائفة من الناس : أن علياً رضي الله عنه أوصى إلى ابنه الحسن والحسين ، لأنهما شريكاه في آية التطهير. وهذا قول كثير ممن ذهب إلى القول بالنص »(٤) .

١٢ ـ وعن عليعليه‌السلام : أنت يا حسن وصيي ، والقائم بالأمر بعدي(٥) .

وفي نص آخر : يا بُنيَّ ، أنت وليُّ الأمر ، وولي الدم(٦) .

__________________

١ ـ راجع : البحار ج ١٠ ص ٨٩ ، وإثبات الهداة ج ٥ ص ١٤٠ وراجع ص ١٢١ حتى ص ١٤٣ ، وأنساب الأشراف ج ٢ ص ٥٠٢ ـ ٥٠٤ بتحقيق المحمودي ، وصلح الحسنعليه‌السلام لآل يس والكافي ج ١ ص ٢٩٧ ـ ٣٠٠ ،

٢ ـ راجع منتخب الأثر وكحديث أهل بيتي كسفينة نوح ، وحديث الثقلين وغير ذلك

٣ ـ إثبات الهداة ج ٥ ص ١٣٥ والبحار ج ١٠ ط قديم ، باب مصالحة الحسن ، عن الخرائج والجرائح.

٤ ـ مروج الذهب ج ٢ ص ٤١٣.

٥ ـ إثبات الهداة ج ٥ ص ١٤٠.

٦ ـ إثبات الهداة ج ٥ ص ١٢٦ وكشف الغمة ، وأصول الكافي ج ١ ص ٢٩٩ وصلح الحسن ج ١ ص ٥٢.

٥٦

١٣ ـ وفي نصٍّ آخر : الحسن والحسين في عترتي ، وأوصيائي ، وخلفائي(١) .

١٤ ـ إن الشيعة أطبقت : على أن علياً نص على ابنه الحسن(٢) .

١٥ ـ ويفهم من رواية ذكرها ابن سعد : أن أمر الوصاية قد اشتهر عن آل علي ، في عهد التابعين فراجع وكانوا يتَّقون الناس في إظهارها(٣) .

إلى غير ذلك مما لا محال لتتبعه واستقصائه

وقد تقدم في أوائل هذا الكتاب بعض ما يدل على ذلك أيضاً.

وحسبنا ما ذكرنا هنا ، فيما يتعلق بالحياة السياسية للإمام الحسنعليه‌السلام ، في حياة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن استيفاء ذلك مما لا يمكن في هذه العجالة ولننتقل الآن إلى حياته السياسية في عهد الشيخين

فإلى الفصل التالي :

__________________

١ ـ إثبات الهداة ج ٥ ص ١٣٩.

٢ ـ إثبات الهداة ج ٥ ص ١٣٣و ١٣٥ و ١٣٨ عن الشافي للسيد المرتضى ، وكشف الغمة وأعلام الورى

٣ راجع : الطبقات الكبرى ج ٥ ص ٢٣٩ ط ليدن.

٥٧
٥٨

الفصل الثاني :

في عهد الشيخين

٥٩
٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216