الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام27%

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 216

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65673 / تحميل: 6457
الحجم الحجم الحجم
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

تقضي بنفي بنوة الحسنينعليهما‌السلام للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فراجع كلامهعليه‌السلام في ذلك(١) .

هذا ولهمعليهم‌السلام احتجاجات أخرى بآية المباهلة على خلافة أمير المؤمنين ، وعلى أفضليتهعليه‌السلام ، وغير ذلك ، لا مجال لذكرها هنا(٢) .

مفارقة :

وبعد أن اتضح : أن السياسة الأموية كانت تقضي أن يستبعد اسم عليعليه‌السلام من جملة من باهل بهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نفي بنوة الحسنينعليهما‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فإننا نجدهم يصرون على خؤولة معاوية للمؤمنين ، ويجعلون ذلك ذريعة للإنكار على من ذكر معاوية بسوء ، ولكنهم إذا ذكر محمد بن أبي بكر بسوء رضوا أو أمسكوا ومالوا مع ذاكره ، وخؤولته ظاهرة بائنة وقد نفرت قلوبهم من علي بن أبي طالب لأنه حارب معاوية وقاتله ، وسكنت قلوبهم عند قتل عمار ومحمد بن أبي بكر ، وله حرمة الخؤولة ، وهو أفضل من معاوية ، وأبوه خير من أبي معاوية ، وما ذلك إلا خديعة أو جهالة ، وإلا فلماذا لا يستنكرون قتل محمد بن أبي بكر ولا يذكرون خؤولته للمؤمنين؟(٣) .

من مواقف الإمام الحسنعليه‌السلام :

نعم ولم يقتصر الائمة في تصديهم للمغرضين والحاقدين ، والوقوف في وجه سياساتهم تلك بحزم وصلابة ـ على مواقف الحجاج هذه ، بل تعدَّوا ذلك

__________________

١ ـ راجع ـ تفسير القمي ج ١ ص ٢٠٩.

٢ ـ لا بأس بمراجعة البحار ج ٤٩ ص ١٨٨ وتفسير الميزان ج ٢ ص ٢٣٠ و ٣٢٩ وتفسير البرهان ج ١ ص ٢٨٦ و ٢٨٧ وغير ذلك.

٣ ـ مقتبس من كتاب : المعيار والموازنة ص ٢١.

٤١

إلى المناسبات الأخرى ، واستمروا يعلنون بهذا الأمر على الملأ ، ويؤكدون عليه في كثير من المناسبات والمواقف الحساسة ، وكشفوا زيف تلك الدعاوى بشكل لا يدع مجالاً لأي شك أو ريب

وقد صدع الإمام الحسنعليه‌السلام بهذا الأمر في أكثر من مناسبة ، وأكثر من موقف

ولم يكن يكتفي بإظهار وإثبات بنوَّته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحسب وإنما كان يهتم في التأكيد على أن حق الإمامة والخلافة له وحده ، ولا تصل النوبة إلى معاوية وأضرابه ، لان معاوية ليس فقط يفقد المواصفات الضرورية لهذا الامر ، وإنما هو يتصف بالصفات التي تنافيها وتنقضها بصورة أساسية وكمثالٍ على كل ذلك نذكر :

١ ـ أنهعليه‌السلام يخطب فور وفاة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فيقول : « أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا الحسن بن علي ، وأنا ابن النبي ، وأنا ابن الوصي »(١) .

لاحظ كلمة : « الوصي » في هذه العبارة الأخيرة.

وفي نصٍ آخر أنه قال : « فأنا الحسن بن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٢) .

وقال حينئذٍ أيضاً : « أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، انا ابن السراج المنير ، انا ابن من اذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيراً ، انا من اهل بيت افترض الله طاعتهم في كتابه »

__________________

١ ـ مستدرك الحاكم ج٣ ص ١٧٢ وذخائر العقبى ص ١٣٨ عن الدولابي ، وكشف الغمة للأربلي ج ٢ ص ١٧٣ عن الجنابذي على ما يظهر.

٢ ـ مقاتل الطالبيين ص ٥٢ وتفسير فرات ص ٧٢ و٧٠ وفي مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٢٦ : انا ابن نبي الله الخ وحياة الصحابة ج ٣ ص ٥٢٦ ومجمع الزوائد ج ٩ ١٤٦ وقال ك ورواه احمد باختصار كثير ، وإسناد احمد وبعض طرق البزار والطبراني في الكبير حسان. وتيسير المطالب ص ١٧٩. وعن أمالي الطوسي ص ١٦٩ وعن إرشاد المفيد وعن طبقات ابن سعد ج ٢ ص ٢٥ ، وعن جمهرة الخطب ج ٢ ص ٧.

٤٢

الخ(١) ثم قام ابن عباس ، فقال : « هذا ابن بنت نبيكم ، ووثي إمامكم فبايعوه »(٢) .

٢ ـ وفي مناسبة اخرى في الشام ، طلب منه معاوية ـ بمشورة عمرو بن العاص ـ ان يصعد المنبر ، ويخطب ـ رجاء أن يحصر ـ فصعد المنبر ، فحمد الله ، واثنى عليه ، ثم اورد خطبة هامة ، تضمنت ما تقدم ، وسواه الشيء الكثير ، قال الراوي : « ولم يزل به حتى أظلمت الدنيا على معاوية ، وعرف الحسن من لم يكن عرفه من أهل الشام وغيرهم ، ثم نزل. فقال له معاوية : أما إنك يا حسن قد كنت ترجو ان تكون خليفة ، ولست هناك!

فقال الحسنعليه‌السلام : اما الخليفة فمن سار بسيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعمل بطاعة الله عز وجل. وليس الخليفة من سار بالجور، وعطل السنن ، واتخذ الدنيا أماً وأباً ، وعباد الله خولاً ، وماله دولاً ، ولكن ذلك أمر ملك أصاب ملكاً ، فتمتع منه قليلاً ، كَأَنْ قد انقطع عنه » إلى آخر كلامه عليه

__________________

١ ـ راجع : الفصول المهمة للمالكي ص ١٤٦ وتفسير فرات ص ٧٠ و ٧٢ وكشف الغمة للأربلي ج ٢ ص ١٥٩ وينابيع المودة ص ٢٢٥ و ٣٠٢ و ٢٧٠ و ٤٧٩ و ٤٨٢ عن أبي سعد في شرف النبوة ، والطبراني في الكبير ، والبزار ، والزرندي المدني ، وغيرهم ، وارشاد المفيد ص ٢٠٧ وفرائد السمطين ج ٢ ص ١٢٠ ومستدرك الحكام ج ٣ ص ١٧٢ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٤٦ وحياة الصحابة ج ٣ ص ٥٢٦ وذخائر العقبى ص ١٣٨ و ١٤٠ وعن الدولابي في الذرية الطاهرة ، ونزهة المجالس ج ٢ ص ١٨٦ ، والمحاسن والمساوي ج ا ص ١٣٢ / ١٣٣ والمناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ١١ و ١٢ والاحتجاج ج ١ ص ٤١٩ والبحار ج ٤٤ وامالي الشيخ الطوسي ج ١ ص ١٢ واعلام الورى ص ٢٠٨ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٣٠.

٢ ـ ستأتي المصادر لذلك إن شاء الله تعالى

٣ ـ البحار ج ٤٣ ص ٣٦٣.

٤٣

السلام(١) .

ونفس هذه القضية تذكر له مع معاوية ، حينما جرى الصلح بينهما في الكوفة(٢) .

وهذا يؤيد ما ذكره البعض : من أن معاوية قد دس السم الى الإمام الحسنعليه‌السلام ، لأنه كان يقدم عليه الى الشام(٣) .

٣ ـ وفي نص آخر : أن معاوية طلب من الإمام الحسنعليه‌السلام : ان يصعد على المنبر ، ويخطب فصعد المنبر وخطب ، وصار يقول : أنا ابن ، أنا ابن إلى أن قال : « لو طلبتم ابناً لنبيكم ما بين لابتيها لم تجدوا غيري وغير أخي »(٤) . ومن أراد الرواية بطولها فليراجع المصادر.

٤ ـ وفي نص آخر : أن معاوية طلب منه : ان يصعد المنبر وينتسب ، فصعد ، وصار يقول : بلدتي مكة ومنى ، وانا ابن المروة والصفا ، وانا ابن النبي المصطفى الى ان قال : فاذن المؤذن ، فقال : اشهد ان محمداً رسول الله ، فالتفت الى معاوية ، فقال : أمحمد أبي؟ أم أبوك؟! فإن قلت : ليس بأبي ، كفرت ، وإن قلت : نعم ، فقد أقررت ثم قال : أصبحت العجم تعرف حق العرب بأنَّ محمداً منها ، يطلبون حقنا ، ولا يردون إلينا حقنا »(٥) .

__________________

١ ـ الاحتجاج ج ١ ص ٤١٩ والخرائج والجرائح ص ٢١٨ والكلام الاخير موجود أيضاً في مصادر أخرى فراجع الهامش التالي.

٢ ـ ذخائر العقبى ص ١٤٠ عن أبي سعد ، وراجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ص ١٢٦ لكن فيه : أن ذلك كان بالمدينة ، والبحار ج ٤٤ ص ١٢٢ والمحاسن والمساوي ج ١ ص ١٣٣ وليراجع شرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٤٩ ومقاتل الطالبيين ص ٧٣ والإمام الحسن لآل يس ص ١١٠ ـ ١١٤ وتحف العقول ص ١٦٤.

٣ ـ الغدير ج ١١ ص ٨ عن طبقات ابن سعد.

٤ ـ المناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ١٢ عن العقد الفريد والمدائني. وليراجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ١٢٦ والبحار ج ٤٣ ص ٣٥٥ / ٣٥٦ وعيون الاخبار لابن قتيبة ج ٢ ص ١٧٢.

٥ ـ المناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ١٢ والبحار ج ٤٣ ص ٣٥٦ وليراجع ج ٤٤ ص ١٢١ و١٢٢ وعن تحف العقول ص ٢٣٢ والخرايج والجرايح ص ٢١٧ / ٢١٨.

٤٤

٥ ـ وفي مناسبة أخرى ، طلب منه معاوية أن يخطب ويعظهم ، فخطب وصار يقول : أنا ابن رسول الله ، أنا ابن صاحب الفضايل ، أنا ابن صاحب المعجزات والدلايل ، أنا ابن أمير المؤمنين ، أنا المدفوع عن حقي إلى أن قال : أنا إمام خلق الله ، وابن محمد رسول الله ، فخشي معاوية أن يتكلم بما يفتن به الناس ، فقال : إنزل ، فقد كفى ما جرى ، فنزل »(١) .

٦ ـ بل لقد رأينا معاوية يعترف له بهذا الأمر ، فيقول له مرة في كلام له : « ولا سيما أنت يا أبا محمد ، فإنك ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيد شباب أهل الجنة »(٢) .

ويدخل في هذا المجال أيضاً قول الإمام الحسنعليه‌السلام لأبي بكر ، وقول الإمام الحسينعليه‌السلام لعمر : انزل عن منبر أبي ، حسبما سيأتي ، إن كان المقصود بأبي : هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما يظهر من اعترافهما لهما. وإن كان المقصود به أباهما أمير المؤمنين ـ كما احتمله بعض المحققين ـ(٣) فيدخل في مجال احتجاجاتهماعليهما‌السلام على أحقيتهم بالأمر ، دون كل أحد سواهم ويكونان قد انتزعا منهما اعترافاً صريحاً وهاماً في هذا المجال.

مواقف أخرى للأئمة وذريتهم الطاهرة :

وبعد ذلك ، فإنا نجد الإمام الحسينعليه‌السلام يخطب الناس ، ويقول : « أقررتم بالطاعة ، وآمنتم بالرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته ، تريدون قتلهم إلى أن قال : ألست أنا ابن بنت

__________________

١ ـ أمالي الصدوق ص ١٥٨.

٢ ـ المحاسن والمساوي ج ١ ص ١٢٢.

٣ ـ هو المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني حفظه الله

٤٥

نبيكم ، وابن وصيه ، وابن عمه »(١) .

ويقول في موضع آخر ،حينما اشتد به الحال : « ونحن عترة نبيك ، وولد نبيك ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي اصطفيته بالرسالة الخ »(٢) .

ويقول في وصف جيش يزيد ، في يوم عاشوراء : « فإنما أنتم طواغيت إلى أن قال : وقتلة أولاد الأنبياء ، ومبيري عترة الأوصياء »(٣)

وقد اعترفوا له بذلك حينما ناشدهم ، فقال : انشدكم الله ، هل تعرفوني؟. : نعم ، أنت ابن رسول الله وسبطه »(٤) .

وللإمام السجاد موقف هام في الشام ، حينما ألقى خطبته الرائعة ، فقال : « أيها الناس ، انا ابن مكة ومنى ، انا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا إلى أن قال : أنا ابن من حُمِلَ على البراق ، وبلغ به جبرائيل سدرة المنتهى » إلى آخر الخطبة التي كان من نتيجتها : أن « ضجَّ الناس بالبكاء ، وخشي يزيد الفتنة ، فأمر المؤذن أن يؤذن للصلاة » ولكنهعليه‌السلام قد تابع خطبته ، واحتجاجاته الدامغة على يزيد ، وتفرق الناس ، ولم ينتظم لهم صلاة في ذلك اليوم(٥) .

وبعد ذلك فإننا نجد العقيلة زينب تقف في وجه يزيد لتقول له : « أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك وإماءك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا؟ »

وفيها : « واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دماء ذرية رسول الله صلى الله عليه

__________________

١ ـ مقتل الحسين للمقرم ص ٢٧٤ عن مقتل محمد بن أبي طالب الحايري.

٢ ـ المصدر السابق عن الإقبال ، ومصباح المتهجد ، وعنهما في مزار البحار ص ١٠٧ باب زيارته يوم ولادته.

٣ ـ مقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٧ وراجع : مقتل الحسين للمقرم ص ٢٨٢ للاطلاع على مصادر أخرى.

٤ ـ أمالي الصدوق ص ١٤٠.

٥ ـ راجع مقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٦٩ / ٧٠ ومقتل الحسين للمقرم ص ٤٤٢ /٤٤٣ عنه ، وعن نفس المهموم ص ٢٤٢.

٤٦

وآله وسلم » ، إلى أن قالت : « ولتردنَّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته ولحمته »(١) .

وفي خطبة لها لأهل الكوفة : « الحمد لله ، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ». وفي نص آخر : « والصلاة عن أبي رسول الله »(٢) .

وتقول فاطمة بنت الحسين في خطبة لها في الكوفة أيضاً : « وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، وأنَّ اولاده ذبحوا بشط الفرات »(٣) .

على خطى النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وبعد بإنَّ ذلك لم يكن منهمعليهم‌السلام إلا أسوة منهم بالنبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذيكان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق ، وقد ورد عنه الثير مما يدل على إصراره صلى عليه وآله على تركيز فضية بنوة الحسنينعليهما‌السلام لهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ضمير الأمة ووجدانها ، بشكل لا يبقى معه أي مجال للشبهة ، أو الشك والترديد وكنموذج على ذلك نشير إلى :

١ ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذان ابناي من أحبهما فقد أحبني(٤) . وفي نص آخر : هذان ابناي ، وابنا ابنتي ، اللهم إني أحبهما ، وأحب

__________________

١ ـ بلاغات النساء ط دار النهضة ص ٣٥ و ٣٦ ومقتل الحسين للخوارزمي ج ٢ ص ٦٤ و ٦٥ ومتل الحسين للمقرم ص ٤٥٠ / ٤٥١.

٢ ـ راجع : الأمالي للشيخ الطوسي ج ١ ص ٩٠ ومقتل الحسين للمقرم ص ٣٨٥ عنه وعن أمالي ابنه ، وعن اللهوف ، وابن نما ، وابن شهر آشوب ، والاحتجاج للطبرسي.

٣ ـ مقتل الحسين للمقرم ص ٣٩٠.

٤ ـ ذخائر العقبى ص ١٢٤ ، وصفة الصفوة ج ١ ص ٧٦٣ ، وتاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ٢٠٦ وكنز العمال ط ٢ ج ٦ ص ٢٢١ والغدير ج ٧ ص ١٢٤ عن مستدرك الحكام ج ٣ ص ١٦٦ ونقل عن الترمذي ، رقم ٣٧٧٢.

٤٧

من يحبهما(١) .

وفي رواية أخرى عن عائشة : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأخذ حسناً ، فيضمه إليه ، ثم يقول : اللهم إن هذا ابني ، وأنا أحبه ، فأحببه ، وأحب من يحبه(٢) .

٢ ـ كما أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمجرد ولادة أحدهما يقول لأسماء : هلمي ابني ، كما تقدم.

٣ ـ وقول : إن ابني هذا سيد(٣) .

٤ ـ كما أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجلس في المسجد ، ويقول : أدعوا لي ابني ، قال : فأتى الحسن يشتد إلى أن قال : وجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفتح فمه في فمه ، ويقول : اللهم إني أحبه ، فأحبَّه ، وأحبَّ من يحبه ، ثلاث مرات(٤) .

٥ ـ وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه قال : كل ابن آدم ينتسبون إلى عصبة أبيهم ، إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم ، وأنا عصبتهم(٥) .

__________________

١ ـ ينابيع المودة ص ١٦٥ عن الترمذي ، وتاريخ الخلفاء ص ١٨٩ والمعجم الصغير للطبراني ج ١ ص ٢٠٠ وخصائص الإمام علي للنسائي ص ١٢٤ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٨٠ وراجع : مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٦٦ و ١٧١ وذخائر العقبى ص ١٢٤ وفي هامش الخصائص للنسائي عن كفاية الطالب ص ٢٠٠ وكنز العمال ج ٦ ص ٢٢٠ وعن الترمذي ج ٢ ص ٢٤٠ وغيرهم.

٢ ـ كنز العمال ج ١٦ ص ٢٦٢ ط ٢ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٧٦ ، وترجمة الإمام الحسن بن علي عليهما لابن عساكر ، بتحقيق المحمودي ص ٥٦ ، وفي هامشه عن المعجم الكبير للطبراني ج ١ ص ٢٠ ط ١.

٣ ـ مصادر ذلك كثيرة ، لايكاد يخلو منها كتاب ، ولذا فلا حاجة لتعدادها

٤ ـ ذخائر العقبى ص ١٢٢ عن الحافظ السلفي

٥ ـ الصواعق المحرقة ص ١٥٤ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٦٤ ، وتاريخ بغداد ج ١١ ص ٢٨٥ ، وينابيع المودة ص ٢٦١ وفرائد السمطين ج ٢ ص ٦٩ ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٦٨ وإحقاق الحق ج ٩ ص ٦٤٤ ـ ٦٥٥ عن مصادر كثيرة حداً وذخائر العقبى ص ١٢١ وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ٣ ص ١٤٩ ، وعن كنز

٤٨

وحسبنا ما ذكرناه في هذا المجال ، فإن استقصاء ذلك مع مصادرة متعسر ، بل متعذر في هذه العجالة ، لا سيما وأن علينا أن نوفر الفرصة لبحوث أخرى عن الحياة السياسية للإمام الحسن المجتبى عليه الصلاة والسلام. ومن أراد المزيد من النصوص الداله على بنوة الحسنينعليهما‌السلام فليراجع الغدير ج ٧ ص ١٢٤ ـ ١٢٩(١) .

ج : شهادة الحسنين على كتابٍ لثقيف :

وبعد كل ما تقدم فإننا نجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يكتب كتاباً لثقيف ، ويثبت فيه شهادة علي والحسنين صلوات الله وسلامه عليهم.

قال أبو عبيد : « وفي هذا الحديث من الفقه إثباته شهادة الحسن والحسين. وقد كان يروى مثل هذا عن بعض التابعين أن شهادة الصبيان تكتب ويستنسبون : فيستحسن ذلك. فهو الأن في سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٢) .

وقال الكتاني : « فيه من الفقه إثباتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادة الصبيان ، وكتابة أسماهم قبل البلوغ. وإنما تقبل شهادتهم إذا أدوها بعد البلوغ. وفيها أيضاً شهادة الإبن أيضاً مع شهادة أبيه في عقد واحد ١ هـ نقله في نور النبراس » انتهى(٣) .

__________________

= العمال ج ٦ ص ٢١٦ و ٢١٥ وعن مجمع الزوائد ج ٩ / ١٧٢.

١ ـ وليراجع أيضاً ـ على ما ذكره المحقق العلامة الاحمدي ـ : ينابيع المودة ص ٢٥٩ و١٣٨ و ١٤٦ و ٢١٤ و ١٨٣ و ١٨٢ و ٢٥٥ و ١٣٦ و ٢٢١ و ٢٥٨ و ٢٢٢ و ٣٣١ و ٢٥٠ وإسعاف الراغبين ص ١٣٢ و ١٣٣ وكفاية الطالب ص ٢٣٥ و ٢٣٧ والفصول المهمة لابن الصباغ ص ١٥٨ و ١٥٩ وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٢٦ وابن عساكر ج ٤ ص ١٥٢ و ٢٠٣ و ٢٠٤.

٢ ـ الاموال ص ٢٨٩ /٢٨٠ وراجع : التراتيب الإدارية ج ١ ص ٢٧٤ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٢٧٣ وراجع : طبقات ابن سعد ج ١ ص ٣٣.

٣ ـ التراتيب الإدارية ج ١ ص ٢٧٤.

٤٩

وقال محمد خليل هراس في تعليقه له على الأموال : « ولا يجوز القول بأن تلك خصوصية لهما رضي الله عنهما : إذ لا دليل عليها ومادام الطفل مميزاً يجب أن تعتبر شهادته فإنه قد يحتاج إليها »(١) .

ونقول : ألم يجد النبي أحداً من الصحابة يستشهده على ذلك الكتاب الخطير الذي يرتبط بمصير جماعة كثيرة سوى هذين الصبيين؟! وهل كان وحيداً فريداً حينما جاءه وفد ثقيف ، وكتب لهم ذلك الكتاب حتى احتاج إلى استشهاد ولدين صغيرين لم يبلغا الخمس سنوات؟!

إن أدنى مراجعة للنصوص التاريخية لتبعد كل البعد هذا الاحتمال الأخير ، حيث إنها صريحة في أن رسول الله صلى عليه وآله وسلم قد ضرب لهم قبة في المسجد ليسمعوا القرآن ، ويروا الناس إذا صلوا وكان خالد بن سعيد بن العاص حاضراً وكان خالد بن الوليد هو الكاتب ، ومع ذلك لم يشهدا على الكتاب

أخيراً فقد نص ابن رشد على أن العدالة تشترط في الشاهد بإجماع المسلمين. ثم قال : « وأما البلوغ فإنهم اتفقوا على أنه يشترط حيث تشترط العدالة. واختلفوا في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح وفي القتل : فردها جمهور فقهاء الأمصار لما قلناه من وقوع الإجماع على أن من شرط الشهادة العدالة ، ومن شرط العدالة البلوغ : ولذلك ليست في الحقيقة شهادة عند مالك ، وإنما هي قرينة حال »(٢) .

وبعد كل ما تقدم فإننا نفهم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد أن يظهر امتيازاً للحسنينعليهما‌السلام ، وأنهما كانا على درجة عالية من التمييز والتعقل التام في هذا الوقت المبكر جداً من سنهما ، وأنهما مؤهلان لأن يتحملا مسؤوليات جسام حتى في المعاهدات السياسية الخطيرة كهذه المعاهدة بالذات ، وبالأخص بالنسبة لقبيلة ثقيف المعروفة بعدائها القوي للإسلام وللمسلمين.

__________________

١ ـ الأموال هامش ص ٢٨٠.

٢ ـ بداية المجتهد ج ٢ ص ٤٥٧.

٥٠

د : بيعة الرضوان :

١ ـ قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه ، عن الحسنين عليهما الصلاة والسلام : « وكان من برهان كمالهماعليهما‌السلام ، وحجة اختصاص الله تعالى لهما ، بعد الذي ذكرناه من مباهلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بهما ، بيعة رسول الله لهما ، ولم يبايع صبياً في ظاهر الحال غيرهما ، ونزول القرآن بإيجاب ثواب الجنة لهما على عملهما ، مع ظاهر الطفولية فيهما ، ولم ينزل بذلك في مثلهما ، قال الله تعالى :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلَى حْبِّهِ مِسكيناً ، وَيَتِيماً وَأَسيراً ) (١) .

٢ ـ وقال الخليفة المأمون العباسي ، في ضمن احتجاجاته على أهل بيته فيما يتعلق بالإمام الجوادعليه‌السلام :

« ويحكم ، إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل. وإن صغر السن لا يمنعهم من الكمال. أما علمتم : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الإسلام ، وحكم له به ، ولم يدعُ أحداً في سنه غيره؟ وبايع الحسن والحسينعليهما‌السلام وهما دون الست سنين ، ولم يبايع صبياً غيرهما؟ أو لا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم ، وأنهم ذرية بعضهما من بعض ، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم الخ »(٢) .

وروي عن الصادق أيضاً : أنه « لم يبايع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من لم يحتلم إلا الحسن والحسين ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن عباس رضي

__________________

١ ـ الإرشاد ص ٢١٩ وفدك للقزويني هامش ص ١٦عنه.

٢ ـ الاحتجاج ج ٢ ص ٢٤٥ والبحار ج ٥٠ ص ٧٨ عنه ، والإرشاد للمفيد ص ٣٦٣ ، وتفسير القمي ج ١ ص ١٨٤ / ١٨٥ وراجع : الحياة السياسية للإمام الجوادعليه‌السلام ، حين الكلام حول قضية تزويج المأمون ابنته للإمام ، فقد ذكرنا عنه مصادر كثيرة.

٥١

الله عنهم » قال : ولم يبايع صغيراً إلا منا(١) .

وذلك بكذِّب دعوى البعض : بايع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله بن الزبير ، وهو ابن سبع سنين(٢) وقد كان انتحال الفضائل أمراً معروفاً عن الزبيريين وبني أمية.

ولكن ما تقدم عن المأمون ، وعن الشيخ المفيد يوضح : أن إضافة ابن عباس ، وابن جعفر إنما هي من تزيُّد الرواة ، حيث ينفي المأمون بشكل قاطع ـ وكذلك ينفي المفيد ـ أن يكونصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بايع صبياً غيرهما ، وذِكر ذلك في مقام الاحتجاج ، يدل على التسالم على ذلك الأمر آنئذٍ. وأن ما ورد في هذا النص الأخير ، قد أضيف إليه بعد ذلك الزمان

وواضح : أنه إذا كانت البيعة تتضمن إعطاء التزام وتعهد للطرف الآخر ، بتحمل مسؤوليات معينة ، ترتبط بمستقبل الدعوة والمجتمع ، وحمايتهما من كثير من الأخطار التي ربما يتعرضان لها ، فإن معنى ذلك هو أن النبي صلى عليه وآله وسلم قد رأى في الحسنينعليهما‌السلام ـ على صغر سنهما ـ أهلية وقابلية لتحمل تلك المسؤوليات الجسام ، والوفاء بالالتزامات التي أخذا على عاتقهما الوفاء بها

وقد يتخيل البعض هنا : أن التكليف قد كان حينئذٍ منوطاً بالتمييز ، فأخذ البيعة منهما لا يعبر عن امتياز ذي شأن لهما ، سوى أنهما قد امتلكا صفة التمييز في وقت مبكر ، فتبعها تعلق التكليف بهما ...

والجواب عن ذلك :

__________________

١ ـ ينابيع المودة ص ٣٧٥ عن فصل الخطاب لمحمد پارسا البخاري ، عن النووي على ما يبدو وترجمة الإمام الحسين لابن عساكر بتحقيق المحمودي ص ١٥٠ وفي هامشه عن المعجم الكبير للطبراني ، ترجمة الإمام الحسين الحديث رقم ٧٧ وحياة الصحابة ج ١ ص ٢٥٠ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٤٠ عن الطبراني وقال : هو مرسل ورجاله ثقات والعقد الفريد ج ٤ ص ٣٨٤ من دون ذكر ابن عباس.

٢ ـ التراتيب الإدارية ج ١ ص ٢٢٢ عن القرطبي.

٥٢

أولاً : إن ما يقال من إناطة التكليف بالتمييز قد انتهى امده قبل ذلك بزمان وبالذات في عام الخندق ـ في السنة الخامسة أو الرابعة للهجرة النبوية(١) ـ في قضية قبول ابن عمر في الغزو ، حيث انيط التكليف بالسن منذئذ حسبما ذكروه

وثانياً : أننا لو سلمنا ذلك فيرد سؤال ، وهو : لماذا اختص ذلك بالحسنين صلوات الله عليهما ، دون غيرهما من سائر الناس؟. أم يعقل : أنه لم يكن ثمة مميز غيرهما؟ حتى ولو كان له من العمر إثنا عشر أو ثلاثة عشر سنة ، أونحو ذلك؟ إن ذلك يكشف ولا شك عن امتياز خاص لهما ، لم يشركهما فيه أحد من الخلق ، كما قرره المأمون ، والشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه

وثالثاً : إن التمييز ومجرد التكليف لا يكفي في أحيان كثيرة ، وذلك لأن طبيعة المسؤوليات التي يراد الاضطلاع بها في بعض المواضع تقتضي وجود قدرات وملكات وإمكانات إيمانية وفكرية معينة ، لا بد من توفرها في ذلك الشخص الذي يعدُّ لذلك ومورد بيعة الرضوان من هذا القبيل.

ومما يوضح ذلك : أننا نجد كثيرين ممن أظهروا قدرتهم على تحمل تلك المسؤوليات ، وقبلت منهم البيعة ـ كما كان الحال بالنسبة لبيعتهم لأمير المؤمنين يوم الغدير ، وحينما أصبح خليفة ، وغير ذلك ـ لم يفوا ببيعتهم ، واتضح أنهم لم يكونوا حائزين على تلك القدرات التي ينبغي توفرها في من يعطي التزاماً ، ويتحمل مسؤوليات كبيرة ذات طبيعة رسالية رائدة

الحسن والحسين إمامان :

وبعد كل ماتقدم ، فإننا نعرف المغزى العميق لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

١ ـ راجع : حديث الإفك ( تاريخ ودراسة ) ص ٩٦ ـ ٩٩.

٥٣

« الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ». أو ما هو بمعنى ذلك ، حسبما تقدم في أوائل هذه الدراسة ، رغم أنهماعليهما‌السلام ربما لم يكن عمرهما حينئذٍ قد تجاوز عدد اصابع اليد الواحدة ونجد الإمام الحسنعليه‌السلام يستدل بهذا القول على من يعترض عليه في صلحه مع معاوية(١) .

وإذا كان البعض يريد أن يدعي : أن خلافة الإمام الحسنعليه‌السلام إنما كانت باختيار من المسلمين وبيعتهم ، ولم تكن بوصية حتى من أبيه(٢)

فإن هذا القول ، وسائر ما تقدم ، يدفع كل ذلك ويدحضه

ولدينا من النصوص التي تؤكد على وصاية أمير المؤمنينعليه‌السلام بالخلافة له من بعده الشيء الكثير

ويمكن أن نذكر منها هنا :

١ ـ قول الإمام الحسنعليه‌السلام في كتابه لمعاوية : « وبعد فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما نزل به الموت ولاّني هذا الأمر بعده »(٣) .

٢ ـ وقال ابن عباس ، بعد استشهاد أمير المؤمنينعليه‌السلام : هذا ابن بنت نبيكم ، ووصي إمامكم ، فبايعوه »(٤) .

__________________

١ ـ راجع علل الشرايع ج ١ ص ٢١١.

٢ ـ جاء ذلك في مجلة المجتمع الكويتية ، في بعض أعدادها قبل سنوات ، وفي مروج الذهب ج ٢ ص ٤١٤ : إن أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يعهد..

٣ ـ راجع : مقاتل الطالبيين ص ٥٥ / ٥٦ والفتوح لابن اعثم ج ٤ ص ١٥١ والمناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٣١ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٦ ص ٣٦ ـ ٤٠ والبحار ج ٤٤ ص ٦٤ هم كشف الغمة ، وحياة الحسن بن عليعليه‌السلام للقرشي ج ٢ ص ٢٩ ، وراجع : همش أنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي) ج ٣ ص ٣١ وفي بعض المصادر « ولاَّني المسلمون الأمر ».

٣ ـ الفصول المهمة للمالكي ص ٤٦ وأعلام الورى ص ٢٠٩ والإرشاد للمفيد ص ٢٠٧ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج ١٦ ص ٣٠ وكشف الغمة للأربلي ج ٢ ص ١٦٤ ومقاتل الطالبيين ص ٣٤ و ٥٢ ، وحياة الحسن للقرشي ج ٢ ص ١٠ وعن إثبات الهداة ج ٥ ص ١٣٩ و ١٣٤ و ١٣٦ والبحار عن أبي مخنف.

٥٤

٣ ـ عن الهيثم بن عدي ، قال « حدثني غير واحد ممن أدركت من المشايخ : أن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أصار الأمر إلى الحسن »(١) .

٤ ـ وقال ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي عن أمر الخلافة : « وعهد بها إلى الحسنعليه‌السلام عند موته »(٢) .

٥ ـ « وذكروا : أن جندب بن عبد الله دخل على عليعليه‌السلام : فقال : ياأمير المؤمنين ، إن فقدناك فلا نفقدك ، فنبايع الحسن؟ قال : نعم »(٣) .

٦ ـ وقال ابن كثير : « الخلفاء الأربعة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي. خلافتهم محققة ، بنص حديث سفينة : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم بعدهم الحسن بن علي ، كما وقع ، لأن علياً أوصى إليه ، وبايعه أهل العراق الخ...»(٤) .

٧ ـ وعند أبي الفرج ، وغيره : أنه لما أتى أبا الأسود نعي أمير المؤمنين ، والبيعة للإمام الحسنعليه‌السلام ، قام أبو الأسود خطيباً ، فكان مما قال :

« وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله ، وابنه ، وسليله ، وشبيهه في خلقه وهديه الخ »(٥) .

٨ ـ وعند المسعودي : أن أمير المؤمنينعليه‌السلام « وإني أوصي إلى الحسن والحسين ؛ فاسمعوا لهما ، وأطيعوا أمرهما »(٦) . هذا ، وقد ذكر وصية الإمام عليعليه‌السلام إلى ولده الإمام الحسنعليه‌السلام غير واحد من

____________

١ ـ العقد الفريد ج ٤ ص ٤٧٤ / ٤٧٥.

٢ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ٥٧.

٣ ـ المناقب للخوارزمي ص ٢٧٨.

٤ ـ البداية والنهاية ج ٦ ص ٢٤٩.

٥ ـ راجع : تيسير المطالب ص ١٧٩ وقاموس الرجال ج ٥ ص ١٧٢ والأغاني ج ٦ ص ١٢١ وفي الخرائج والجرائح ما يدل على ذلك.

٦ ـ إثبات الوصية ص ١٥٢.

٥٥

المؤلفين في كتبهم(١) فلتراجع.

٩ ـ هذا كله عدا عما تقدم من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ، وعدا عن الأحاديث الكثيرة ، التي تنص على الأئمة بأسمائهم(٢) .

وعدا عن نصوص كثيرة من طرق أهل البيت وشيعتهم ، لا مجال لذكرها هنا

١٠ ـ ولما مات أمير المؤمنينعليه‌السلام ، جاء الناس إلى الحسنعليه‌السلام ، فقالوا : أنت خليفة أبيك ، وصيُّه(٣) .

١١ ـ وقال المسعودي : « وقد ذكرت طائفة من الناس : أن علياً رضي الله عنه أوصى إلى ابنه الحسن والحسين ، لأنهما شريكاه في آية التطهير. وهذا قول كثير ممن ذهب إلى القول بالنص »(٤) .

١٢ ـ وعن عليعليه‌السلام : أنت يا حسن وصيي ، والقائم بالأمر بعدي(٥) .

وفي نص آخر : يا بُنيَّ ، أنت وليُّ الأمر ، وولي الدم(٦) .

__________________

١ ـ راجع : البحار ج ١٠ ص ٨٩ ، وإثبات الهداة ج ٥ ص ١٤٠ وراجع ص ١٢١ حتى ص ١٤٣ ، وأنساب الأشراف ج ٢ ص ٥٠٢ ـ ٥٠٤ بتحقيق المحمودي ، وصلح الحسنعليه‌السلام لآل يس والكافي ج ١ ص ٢٩٧ ـ ٣٠٠ ،

٢ ـ راجع منتخب الأثر وكحديث أهل بيتي كسفينة نوح ، وحديث الثقلين وغير ذلك

٣ ـ إثبات الهداة ج ٥ ص ١٣٥ والبحار ج ١٠ ط قديم ، باب مصالحة الحسن ، عن الخرائج والجرائح.

٤ ـ مروج الذهب ج ٢ ص ٤١٣.

٥ ـ إثبات الهداة ج ٥ ص ١٤٠.

٦ ـ إثبات الهداة ج ٥ ص ١٢٦ وكشف الغمة ، وأصول الكافي ج ١ ص ٢٩٩ وصلح الحسن ج ١ ص ٥٢.

٥٦

١٣ ـ وفي نصٍّ آخر : الحسن والحسين في عترتي ، وأوصيائي ، وخلفائي(١) .

١٤ ـ إن الشيعة أطبقت : على أن علياً نص على ابنه الحسن(٢) .

١٥ ـ ويفهم من رواية ذكرها ابن سعد : أن أمر الوصاية قد اشتهر عن آل علي ، في عهد التابعين فراجع وكانوا يتَّقون الناس في إظهارها(٣) .

إلى غير ذلك مما لا محال لتتبعه واستقصائه

وقد تقدم في أوائل هذا الكتاب بعض ما يدل على ذلك أيضاً.

وحسبنا ما ذكرنا هنا ، فيما يتعلق بالحياة السياسية للإمام الحسنعليه‌السلام ، في حياة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن استيفاء ذلك مما لا يمكن في هذه العجالة ولننتقل الآن إلى حياته السياسية في عهد الشيخين

فإلى الفصل التالي :

__________________

١ ـ إثبات الهداة ج ٥ ص ١٣٩.

٢ ـ إثبات الهداة ج ٥ ص ١٣٣و ١٣٥ و ١٣٨ عن الشافي للسيد المرتضى ، وكشف الغمة وأعلام الورى

٣ راجع : الطبقات الكبرى ج ٥ ص ٢٣٩ ط ليدن.

٥٧
٥٨

الفصل الثاني :

في عهد الشيخين

٥٩
٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

دينه وإبادة أنصاره، وهو ابن أعدى قريش لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أبو سفيان الذي قاد حروب المشركين ضدّ النَّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم تكن عند معاوية الصلاحية الذاتية للخلافة الإسلامية، ولا الأهلية الموضوعية التي تجعله راجحاً في ميزان العقلاء وعند رجال الإسلام.

ولقد قال له الإمام عليعليه‌السلام في كتاب إليه: «ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرعيَّة، وولاة الاُمّة؟ بغير قدم سابق، ولا شرف باسق »(15) .

السابع: بيّن الإمامعليه‌السلام في المقابل انّه الأحقّ بالخلافة المستوعب لجميع صفات الخليفة الشرعي التي لم تكن متوفرة في معاوية، فهو من جهة النسب سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وابن فاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشبل عليعليه‌السلام ، وهو الذي قال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه وفي أخيه الإمام الحسينعليهما‌السلام : «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجَنّة » وانّهما إمامان قاما أو قعدا، فهو الممثّل الرسمي لجدّه وأبيه، ثم انّه الذي بايعه المسلمون طائعين غير مُكرَهين الأمر الذي كان المدار عندهم(16) في الصعود إلى عرش الخلافة، وانّ معاوية نفسه يعلم بأحقّيتهعليه‌السلام : «فانّك تعلم أنّي أحقّ بهذا الأمر منكَ عند الله وعند كل أوّاب حفيظ، ومَن له قلب منيب ».

ولقد قال معاوية يوماً لابنه يزيد جواباً على استغراب له في معاملته مع الإمام الحسنعليه‌السلام في أحد المواقف بعد الصلح: يا بني إنّ الحقّ فيهم(17) .

وقد أشار إلى هذا الإمامعليه‌السلام في كلام له مع معاوية بعد الصلح، حيث عقّب معاوية على كلام للإمامعليه‌السلام يذكر فيه فضله بقوله: «أظن نفسك يا حسن تنازعك إلى الخلافة »، فقال الإمامعليه‌السلام : «ويلك يا معاوية إنّما الخليفة مَن سار بسيرة رسول الله وعمل بطاعة الله، ولعمري إنّا لأعلام الهدى ومنار التقى، ولكنّك يا معاوية ممّن أباد السنن، وأحيا البدع، واتخذ عباد الله خولا، ودين الله لعباً »(18) .

الثامن: بيّن الإمامعليه‌السلام ما عليه معاوية من الباطل وسأله أن يدع التمادي

١٢١

فيه فقال له: «فدع التمادي في الباطل » ووصفه بأنّه باغ والبغي هو تجاوز الحق إلى الباطل، قال تعالى:( انّما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق ) (19) ، يُقال بغى الجرح أي تجاوز الحد في إفساده، وبغت المرأة بغاء إذا فجرتْ وذلك لتجاوزها إلى ما ليس لها(20) .

وإنّ معاوية ممّن يتمادى في الغي أيضاً حيث قال له الإمامعليه‌السلام : «وإن أبيتَ إلاّ التمادي في غيّكَ » وقد وصفه من قبل بهذا الوصف الإمام عليعليه‌السلام بقوله في رسالة له: «وانّ نفسكَ قد أولجتْكَ شراً، وأقحمتْكَ غياً، وأوردتْكَ المهالك، وأوعرتْ عليكَ المسالك »(21) ، وقال له في رسالة اُخرى إليه: «وأرديتَ جيلاً من الناس كثيراً، خدعتهم بغيّك، وألقيتهم في موج بحرك، تغشاهم الظلمات، وتتلاطم بهم الشُّبهات »(22) .

التاسع: إنّ الذي حمل الإمامعليه‌السلام على كتابة هذه الرسالة إلى معاوية إنّما هو الإعذار في ما بينه وبين الله عزّ وجل في أمره، ولتكون الحجّة على معاوية أوقع عند أهل الرأي والحجى.

العاشر: بيّن الإمامعليه‌السلام انّ خلافته هي الأصلح للمسلمين، فكل فعل مضاد يبديه معاوية فهو خروج على مصلحتهم العليا.

الحادي عشر: دعوة من الإمامعليه‌السلام إلى معاوية أن يكف عن الولوغ في دماء المسلمين، وأن يحقنها فلقد شرب منها حتى الثّمالة وغرق فيها إلى الآخر.

• جواب معاوية:

« من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الحسن بن علي ..

فهمتُ ما ذكرتَ به محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أحقّ الأوّلين والآخرين بالفضل كلّه ..

وذكرتَ وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتنازع المسلمين الأمر من بعده وتغلبهم على

١٢٢

أبيك، فصرحتَ بتهمة فلان وفلان وأبي عبيدة وحواري رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصلحاء والمهاجرين والأنصار فكرهتُ ذلك لكَ، إنّكَ امرؤ عندنا وعند الناس غير الظنين ولا المسيء ولا اللّئيم، وأنا أحب لكَ القول السديد والذكر الجميل، انّ هذه الاُمّة لما اختلفتْ بعد نبيها لم تجهل فضلكم ولا سابقتكم ولا قرابتكم من نبيّكم ولا مكانكم في الإسلام وأهله، فرأت الاُمّة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيّها، ورأى صلحاء الناس من قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس وعوامهم أن يولوا هذا الأمر من قريش أقدمها إسلاماً وأعلمها بالله وأحبّها له وأقواها على أمر الله فاختاروا أبا بكر، وكان ذلك رأي ذوي الدين والفضل، والناظرين للاُمّة، فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة، ولم يكونوا متّهمين ولا في ما أتوا بالمخطئين، ولو رأى المسلمون أن فيكم مَن يغني غناءه ويذب عن حريم الإسلام ذبّه ما عدلوا بالأمر إلى غيره رغبة عنه.

وقد فهمتُ الذي دعوتني إليه من الصلح، والحال في ما بيني وبينكم اليوم مثل الحال التي كنتم عليها أنتم وأبو بكر بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلو علمت أنّكَ أضبط منّي للرعية، وأحوط على هذه الاُمّة، وأحسن سياسة، وأقوى على جمع الأموال، وأكيد للعدو، لأجبتُكَ إلى ما دعوتني إليه، ورأيتُكَ لذلك أهلاً، ولكن قد علمتُ أنّي أطول منك ولاية، وأقدم منك بهذه الاُمّة تجربة، وأكبر منك سناً فأنت أحقّ أن تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني، فأدخل في طاعتي ولك الأمر من بعدي، ولك ما في مال العراق بالغاً ما يبلغ، تحمله إلى حيث أحببت، ولك خراج أي كور العراق شئت، معونة لك على نفقتك، يجبيها أمينك، ويحملها إليك في كل سنة، ولك أن لا نستولي عليك بالإساءة ولا تقضى دونك الاُمور، ولا تُعصى في أمر أردتَ به طاعة الله، أعاننا الله وإيّاك على طاعته إنّه سميع مجيب الدعاء والسلام »(23) .

لا يخفى على مَن خبر كتب التاريخ والسير، واطّلع على حوادث السقيفة،

١٢٣

ثم عرف النفسية التي يتمتّع بها بنو عبد الدار، أن يدرك المغالطات التي اندست في هذه الرسالة والتلاعب بالعواطف والإثارات، ولذا قال الكاتب المصري توفيق أبو علم: « وكما يقول الدكتور أحمد رفاعي في كتابه ( عصر المأمون ) إنّ هذه الرسالة حوت بعض المغالطات، فقد جاء فيها: « إنّ هذه الاُمّة لما اختلفت بينها، لم تجهل فضلكم، ولا سابقتكم للإسلام، ولا قرابتكم من نبيّكم الخ »(24) .

• ونذكر هنا بعض ما يلاحظ على هذه الرسالة:

الأوّل: إنّ معاوية أضاف لقب أمير المؤمنين إلى نفسه وهو لم ينص على خلافته ولم يُبايَع من قِبَل المسلمين، وهذا تحدّ صارخ منه في وجه الاُمّة وعدم المبالاة بقوانين الإسلام ولا الاحترام لمشاعر المسلمين.

الثاني: إنّه موّه الأمر ولم يذكر حوادث ما بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبرز في معرض الدفاع عن صحابة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّه الرجل المؤمن الذي يربأ بالإمام الحسنعليه‌السلام عن الكلام عن أولئك المتقدمين، بينما لم يذكر الإمامعليه‌السلام إلاّ ما جرى بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأي محدّث ينقل حدثاً تاريخياً خطيراً لعب دوره الكبير في حياة الاُمّة الإسلامية وأثّر في اتجاه سيرها، وإنّما ذكره لينبّه معاوية وأتباعه بأنّ الأمر الذي نطلبه منك هو حقّ لنا في أعناق المسلمين وإن خرج عن دائرته حفنة من السنين لظروف طارئة، فهو تذكير وإشارة لمَن ألقى السمع وهو منيب، ولم يكن خافياً على معاوية ذلك الأمر، ولذا كان يعيب الإمام علياًعليه‌السلام بما صنع به في تلك الأيام في كتاب له إليه، فأجابه الإمامعليه‌السلام بقوله: «وقلتَ: انّي كنتُ اُقاد كما يُقاد الجمل المخشوش حتّى اُبايع؛ ولعمر الله لقد أردتَ أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت! وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكّاً في دينه، ولا مرتاباً بيقينه! وهذه حجتي إلى غيرك

١٢٤

قصدها، ولكنّي أطلقتُ لك منها بقدر ما سنح من ذكرها »(25) .

الثالث: إنّ قوله: « فرأت الاُمّة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيها...الخ »، فيه الكثير من الإعلام المزيّف الذي طالما حارب به معاوية واتّخذه سلاحاً حاداً في كثير من المواقع التي مرّ بها وكادت تعصف به رياحُ الحقّ، فهل اجتمعت الاُمّة على الأوّل؟! إذن ما الذي حمل الثلاثة من المهاجرين على الذهاب إلى سقيفة بني ساعدة وإجراء المفاوضات الحادّة مع الأنصار وترك الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسجى على فراش الموت لم يوار الثرى بعد، وهو صهر أوّلهما وثانيهما! وهل كان غيرهم من قريش بل من المهاجرين هناك؟ وهل بايع علي والعباس والفضل بن العباس وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمّار و و ..

مَنْ أهل الدين والسبق وعلِّية المسلمين؟! ألم تقل الأنصار في لحظة من لحظات السقيفة: « لا نبايع إلاّ علياً »(26) ألم يقل الخليفة الثاني كانت بيعة أبي بكر فلتة!(27) وحسبنا في التعليق ما ورد في الكتاب السابق للإمام عليعليه‌السلام : «وكتاب الله يجمع لنا ما شذّ عنّا، وهو قوله سبحانه وتعالى: ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) (28) وقوله تعالى: ( انّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ) (29) ،فنحن مرة أولى بالقرابة وتارة أولى بالطاعة .

ولمّا احتجّ المهاجرون على الأنصار في يوم السقيفة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلجُّوا عليهم، فإن يكن الفلج به فالحقّ لنا دونكم، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم ».

الرابع: كيف اختارت الاُمّة أفضلها وأحبّها إلى الله وأعلمها به وأذبّها عن حريم الإسلام، وعليعليه‌السلام فيهم وهو الذي قال عنه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليّ مع الحق والحق مع علي، وأنا مدينة العلم وعليّ بابها، أقضاكم عليّ، لأعطينّ الراية

١٢٥

غداً رجلاً كراراً غير فرار يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله »، بعد ان رجع الأوّل والثاني يجبّن كل منهما أصحابه وأصحابه يجبنونه، ومَن الذي وقف يدافع عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم اُحد؟ ومَن الذي قام لعمرو بن ود يوم الأحزاب حينما اقتحم الخندق وطلب المبارزة فشلّت حركة المسلمين وقبضوا على أنفاسهم، أقام غير عليعليه‌السلام فأردى عمرو صريعاً؟ حتى سجّل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلمتيه الخالدتين: «برز الإسلام كلُّه إلى الشرك كلِّه، وضربة علي يوم الخندق تعدل عمل الثقلين! »، ومَن الذي قال فيه جبرئيل: «لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي! » ثم ألم يقل الخليفة الثاني أقيلوني فلستُ بخيركم؟(30) .

وكان معاوية كثيراً ما يردّد هذه الإفضلية جرياً على عادة الإعلام الاُموي فذكر ذلك إلى الإمام عليعليه‌السلام في كتابه السابق فأجاب عنه: «وزعمتَ أنّ أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان، فذكرتَ أمراً إن تمّ اعتزلك كُلّه وإن نقص لم يلحقك ثلمه، وما أنتَ والفاضل والمفضول، والسائس والمسوس! وما للطلقاء وأبناء الطلقاء، والتمييز بين المهاجرين الأوّلين، وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم! هيهات لقد حنّ قدح ليس منها، وطفق يحكم فيها مَن عليه الحكم لها! ألا تربع أيّها الإنسان إلى ظلعك، وتعرف قصور ذرعك، وتتأخّر حيث أخّرك القدر! فما عليك غلبة المغلوب ولا ظفر الظافر »(31) .

الخامس: ادعى أنّه فهم من كتاب الإمامعليه‌السلام دعوته إلى الصلح، ولم يكن في كتاب الإمامعليه‌السلام للصلح عين ولا أثر، فهل ترى فهم دعوى الصلح من قول الإمامعليه‌السلام : «فدع التمادي في الباطل، وادخل في ما دخل فيه الناس من بيعتي »؟!.

السادس: التناقض الواضح في كلمات معاوية، فهو يستفيد دعوته إلى الصلح في الوقت الذي يقول فيه: فأنتَ أحقّ أن تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني.

١٢٦

السابع: إذا لم يكن الإمام الحسنعليه‌السلام أحوط على اُمّة جدّه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غيره، كائناً مَن كان، فهل الأحوط عليها معاوية! الذي فعل ما فعل أيام صفّين، وقتل مَن قتل من الصحابة الكرام والبدريين الأجلاّء؟

الثامن: قوله: « وأقوى على جمع الأموال » إن كان الجمع من مصادره المشروعة فالإمامعليه‌السلام أعرف بها من معاوية لأعرفيته بكتاب الله وسنّة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو ربيب الرسالة ورضيعها، وابن صوت العدالة الإنسانية في الأرض. وإن لم يكن الجمع من مصادره المشروعة فما أبعد الإمامعليه‌السلام عن ذلك.

التاسع: إنّ الاُمور التي جعلها مرجّحاً له في طرف الميزان لم تكن كذلك في الرؤية الإسلامية الهادفة لأعلاء كلمة الله في الأرض، فما قيمة كبر السن وطول الولاية وما إلى ذلك أن لم تكن في رضا الله وطاعته. ولو كان لكبر السن أهمية في المنظور الإسلامي لما كان اُسامة بن زيد أميراً على جيش مؤتة وفيه أكابر الصحابة وشيوخهم، ولقد قال أبو قحافة حينما سمع بتنصيب ابنه خليفة على المسلمين: « ..لم ولوه؟ قالوا: لسنه. قال: أنا أسنّ منه »(32) .

العاشر: إنّ منطق معاوية في قوله: « ولك ما في بيت مال العراق » منطق المخادع الذي يريد أن يستولي على الملك بأي طريق، وليس منطقه منطق الطالب للحقّ ومَن تهمّه مصلحة المسلمين، وإلاّ فما يعني قوله: ولك ما في بيت مال العراق بالغاً ما يبلغ! أليست هي المساومة بعينها على شيء ليس له؟ وقد أخطأ معاوية مرماه حينما عرض على الإمامعليه‌السلام هذا العرض الدنيوي الزائل، وهل كان الإمامعليه‌السلام إلاّ كأبيه القائل: «يا صفراء يا بيضاء غرّي غيري »؟!

هذا بعض ما يؤخذ على رسالة معاوية ومنطقها، والذي يظهر أنّ الإمامعليه‌السلام لم يعبأ بهذه الرسالة فلم يجب عنها بشيء، ممّا أثار حفيظة معاوية فظهر بصورة اُخرى غير الصورة التي حاول أن يبرز بها في الرسالة الاُولى، فكتب إلى الإمامعليه‌السلام كما

١٢٧

يروي ابن أبي الحديد: « أما بعد فانّ الله يفعل في عباده ما يشاء لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، فاحذر أن تكون منيتك على أيدي رعاع من الناس، وايأس من أن تجد فينا غميزة، وإن أنت أعرضتَ عمّا أنت فيه وبايعتني وفيتُ لك ما وعدتُ، وأجريت لك ما شرطت، وأكون في ذلك كما قال أعشى بن قيس بن ثعلبة:

وإن أحدٌ أسدى إليك أمانةً

فأوفِ بها تدعى إذا متَّ وافيا

ولا تحسد المولى إذا كان ذا غنىً

ولا تُجفهِ إن كان في المال فانيا

ثم الخلافة لك من بعدي وأنت أولى الناس بها »(33) .

قال توفيق أبو علم: « ويقول بعض رجال التاريخ إنّ هذه الرسالة المشتملة على مثل هذا اللون من التهديد والتوعيد، إنّما بعثها معاوية إلى الإمام الحسنعليه‌السلام بعدما اتصل اتصالاً وثيقاً برجال العراق وقادته وضمنوا له تنفيذ خطّته، فالغالب أنّه لم يكتب ذلك إلاّ بعد الاتصال بزعماء العراق وانقطاع أمله من إجابة الحسن له »(34) .

ولكن المحتمل غير ذلك كما سيظهر عن قريب من تتابع الحوادث ومجريات الاُمور.

والذي تجدر الإشارة إليه تهديد معاوية للإمام الحسنعليه‌السلام بالقتل إن هو لم يسلم الأمر إليه، وفيه الشيء الكثير من أخلاق آل اُميّة وروح معاوية.

الرسالة الثانية:

أجاب الإمامعليه‌السلام معاوية برسالة مختصرة:

«أمّا بعد فقد وصل إليّ كتابك فيه ما ذكرت، وتركتُ جوابك خشية البغي، وبالله أعوذ من ذلك، فاتبع الحقّ فانّك تعلم من أهله: وعليّ إثم أن أقول فأكذب »(35) .

قال توفيق أبو علم: « وكانت هذه الرسالة هي آخر الرسائل التي دارت بين

١٢٨

الإمام ومعاوية.

وعلى أثرها علم معاوية أنّه لا يجديه خداعه وأباطيله، ولا تنفع مغالطاته السياسية »(36) .

وليس الأمر كما قال، بل هناك رسائل اُخرى متبادلة بينهما كما ستأتي، وقد صدق حكمه في أنّ الإمامعليه‌السلام لم ينخدع باُطروحة معاوية ومغالطاته السياسية، وكيف ينخدع ابن أبي طالب الذي عرف معاوية وما يحمله من طموحات الرياسة والملك، وما يتلوّن به من أساليب الخديعة والمكر، وأين يبعد عن الإمام الحسنعليه‌السلام قول أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام في معاوية وهو يحذّر زياد ابن أبيه منه: «فاحذره، فإنّما هو الشيطان، يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ليقتحم غفلته ويستلب لبّه » (37) .

• ظرف الرسالة:

ظرف هذه الرسالة يقرب من ظرف الرسالة السابقة، مع وضوح الرؤية في موقف معاوية وإصراره على التمادي في باطله، وانّه سوف يفعل كل ما يخدم سياسته، ويمهّد له طريق الاستيلاء ولو كان ذلك هو قتل الإمام الحسن نفسه.

• زمن الرسالة:

يحتمل أنّها كانت في أواخر شهر شوال أو أوّل شهر ذي القعدة، من السنة نفسها، فانّ مدّة السير بين الكوفة والشام تستغرق سبعة إلى عشرة أيام، وقد كتب الإمامعليه‌السلام رسالته الاُولى في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك أو أوائل شهر شوال كما احتملناه سابقاً، فإذا ما وضعنا ذلك في الحسبان مع أيام السفر ذهاباً وإياباً، وبقاء الرسول في الشام ولو لأيام معدودة، والمدة الفاصلة بين

١٢٩

جواب معاوية ورسالته الثانية للإمامعليه‌السلام يكون الوقت التقريبي لزمن الرسالة يحوم حول ما ذكرناه.

• الرسالة الثالثة:

لمّا بلغ معاوية ابن أبي سفيان وفاة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وبيعة الناس لابنه الإمام الحسنعليه‌السلام ، دسّ رجلاً من حمير إلى الكوفة، ورجلاً من القين إلى البصرة ليكتبا إليه بالأخبار، ويفسدا على الحسن الاُمور، فانكشف أمرهما لدى الإمام الحسنعليه‌السلام بأمر باستخراج الحميري من عند لحّام ( حجّام ) بالكوفة فاُخرج وأمر بضرب عنقه، وكتب إلى البصرة باستخراج القيني من بني سُلَيم فأخرج وضربت عنقه.

• ثم كتب الإمامعليه‌السلام إلى معاوية:

«أمّا بعد فانّك دسست الرجال للاحتيال والاغتيال وأرصدت العيون كأنّك تحبّ اللقاء، وما أشك في ذلك فتوقعه إن شاء الله، وبلغني أنّك شمتّ بما لم يشمت به ذو الحجى، وإنّما مثلك في ذلك كما قال الأوّل:

فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى

تزوّد لاُخرى مثلها فكأن قَدِ

فانّا ومن قد مات منّا لكالذي

يروح فيمسي في المبيت ويغتدي(38)

• زمن الرسالة:

يظهر أنّ هذه الرسالة جاءت عقيب الرسالة المذكورة ثانياً، فانّ تلك كانت جواباً على كتاب، وهذه ابتداء خطاب، ثم انّ المستفاد من كلام مجموعة من المؤرخين انّ هذه هي الرسالة الاُولى للإمامعليه‌السلام ، وهو جدّ بعيد، فانّ المقارنة بين

١٣٠

لسانها ولسان الرسالة التي ذكرناها أوّلاً تقضي بما أثبتناه، فانّ طبيعة الاُمور ومجاريها قائمة على أن يرسل الخليفة الجديد إلى ولاة المناطق بخبر استخلافه ويطلب منهم البيعة، ثم انّه من المستبعد جداً أن يرسل الإمامعليه‌السلام إلى معاوية بهذه اللّهجة الصارخة والشدة في الخطاب وبيان الاستعداد لحربه - كما في هذه الرسالة -، ثم يرسل له بعد ذلك بالمطالبة وأنّه الأحقّ منه.

• ظرف الرسالة:

اتضحت ملامح الأزمة وخيوطها بشكل أكبر، فالظرف ظرف تأزّم واستعداد للحرب وتهيؤ للقتال، فانّ الإمامعليه‌السلام ثابت على موقفه وطريقته في الأمت والعوج وإظهار الدّين وإبقاء الحق عند أهله، ورفض معاوية جملة وتفصيلاً، وفي المقابل يقف معاوية متمنياً الخلافة مصرّاً على الملك، طالباً لما يريد بأي ثمن كان، ويحتمل أنّ الإمامعليه‌السلام قد وصل إلى مسامعه ما أرسله معاوية إلى عمّاله في هذه الآونة، فقد أرسل إليهم بعد أن جاءه جواب الإمامعليه‌السلام السابق وعرف منه العزم على الحرب وعدم التفكير في قبوله أبداً: « من عبد الله أمير المؤمنين إلى فلان بن فلان، ومن قبله من المسلمين، سلام عليكم فإنّي أحمد الله الذي لا إله إلاّ هو، أمّا بعد فالحمد لله الذي كفاكم مؤنة عدوّكم وقاتل خليفتكم: إنّ الله بلطفه وحسن صنيعه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلاً من عباده فاغتاله فقتله فترك أصحابه متفرقين مختلفين، وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم فأقبلوا إليّ حين يأتيكم كتابي هذا بجهودكم وجندكم وحسن عدّتكم، فقد أصبتم بحمد الله الصبر وبلغتم الأمل وأحلّ الله أهل البغي والعدوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته »(39) .

وقد علّق الاستاذ توفيق أبو علم على هذه الرسالة بقوله: « والذي يلفت النظر

١٣١

في هذه الرسالة أن ينسب معاوية البغي والعدوان إلى الإمام عليعليه‌السلام ، مع أنّ جنود معاوية هم الباغون ولقد قتلوا الصحابي الجليل عمّار بن ياسر وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له: «تقتلك الفئة الباغية » كما يلفت النظر شماتة معاوية في الإمامعليه‌السلام .

ولمّا وصلت هذه الرسالة إلى عمّاله وولاته قاموا بتحريض الناس وحثّهم على الخروج والاستعداد لحرب ريحانة رسول اللهعليه‌السلام وسبطه »(40) .

• معطيات الرسالة:

الأوّل: إنّ معاوية أرسل الأعين إلى أهم مركزين سياسيين في حكومة الإمامعليه‌السلام - الكوفة والبصرة - للاحتيال والاغتيال، فهو يريد بذلك التجسّس على الإمامعليه‌السلام ومعرفة ما يدور في أوساط دولته، وأن يفسد الأمر على الإمامعليه‌السلام بإشاعة الأخبار الكاذبة، وإحباط المعسكر الإسلامي وتخويفه، وإحداث البلبلة في صفوفه، وغرس الفتنة في داخل حكومة الإمامعليه‌السلام والوسطين الكوفي والبصري، وأمّا الاغتيال فلعل معاوية كانت تمنيه نفسه باغتيال الإمامعليه‌السلام من ذلك الوقت ليستتب له الأمر، كما يظهر من تحذيره السابق، أو اغتيال بعض الشخصيات الشيعية المهمّة اجتماعياً وعسكرياً حتى تضعف قوة جيش الإمام وتنهار معنوياته، أو هما معاً.

الثاني: إنّ حنكة الإمامعليه‌السلام وحزمه في مواجهة الاُمور اقتضيا أن يسلك طريق الشدّة ممّا أفشل مخطط معاوية المشؤوم، فأمر بإعدام الجاسوسين طبقاً لقوله تعالى:( إنّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقتَّلوا ) (41) .

الثالث: استعداد الإمامعليه‌السلام لحرب معاوية بدون أي تردّد أو خوف، فهذه الأعين القادمة رسل حرب وليست برسل سلام.

١٣٢

الرابع: إنّ معاوية قد شمت بقتل الإمامعليه‌السلام ، وذو الحجى لا ينبغي له أن يشمت بموت أحد أو قتله، لا سيما وأنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام قد ضرب وهو قائم يصلّي في محرابه وقد تعلّقت روحه بالعالم الآخر على يقين ممّا هو عليه قائلاً: «فزتُ وربّ الكعبة ».

• جواب معاوية:

«أمّا بعد فقد وصل كتابك وفهمت ما ذكرتَ فيه، ولقد علمتُ بما حدث فلم أفرح ولم أحزن ولم أشمت ولم آس، وإنّ علياً أباك لكما قال الأعشى:

فأنت الجواد وأنت الذي

إذا ما القلوب ملأن الصدورا

جدير بطعنة يوم اللقا

ء يضرب منها النساء النمورا

وما مزبد من خليج البحا

ريعلو الأكام ويعلو الجسورا

بأجود منه بما عنده

فيعطي الألوف ويعطي البدورا »(42)

وقد علّق على هذه الرسالة أيضاً توفيق أبو علم بقوله: « وتلمس في هذه الرسالة دهاء معاوية وخداعه وخوفه من الحسنعليه‌السلام ، وذلك لمدحه وثنائه على الإمام عليعليه‌السلام ، وإنكاره لما أظهره من الفرح بموته، ولولا ذلك لما سجّل لخصمه هذا الثناء العاطر »(43) .

• الرسالة الرابعة:

كتب معاوية إلى الإمام الحسنعليه‌السلام : « يا بن عم، لا تقطع الرحم الذي بينك وبيني، فإنّ الناس قد غدروا بك وبأبيك من قبلك »(44) .

• جواب الإمامعليه‌السلام :

«إنّما هذا الأمر لي والخلافة لي ولأهل بيتي، وإنّها لمحرّمة عليك وعلى

١٣٣

أهل بيتك، سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله لو وجدتُ صابرين عارفين بحقّي غير منكرين، ما سلمتُ لك ولا أعطيتك ما تريد »(45) .

• ظرف الرسالة:

يقول المؤرخون: لمّا توفرت لمعاوية القوّة الهائلة من الجند وأصحاب المطامع توجّه إلى العراق فلمّا انتهى إلى جسر منبج، وعلم الإمامعليه‌السلام بذلك أمر بالصلاة جامعة ثم اعتلى المنبر فقال:

«أمّا بعد، فانّ الله كتب الجهاد على خلقه وسمّاه كرهاً، ثم قال لأهل الجهاد: اصبروا إنّ الله مع الصابرين، فلستم أيّها الناس نائلين ما تحبّون إلاّ بالصبر على ما تكرهون، إنّه بلغني أنّ معاوية بلغه ما أزمعنا على المسير إليه فتحرّك لذلك، أخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم في النخيلة حتى ننظر وتنظرون ونرى وترون ».

وتباطأ الناس واثّاقلوا عن الذهاب خوفاً من جيش الشام، وبعد مداولات كلامية بين بعض الشخصيات الشجاعة وعامّة الناس أزمعوا على المسير، ثم لمّا ركب الإمامعليه‌السلام تخلّف عنه الكثير ولم يوفوا بما وعدوه به، فقام خطيباً وقال:

«غررتموني كما غررتم مَن كان قبلي، مع أي إمام تقاتلون بعدي؟ مع الكافر الظالم الذي لم يؤمن بالله ولا برسوله قط، ولا أظهر الإسلام هو وبنو اُميّة إلاّ فرقاً من السيف؟ لو لم يبق لبني اُميّة إلاّ عجوز درداء، لبغت دين الله عوجاً، وهكذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

ثم وجّه إليه قائداً من كندة في أربعة آلاف، وأمره أن يعسكر في الأنبار، وعلم به معاوية فأرسل إليه رسلاً وكتب إليه معهم: انّك إن أقبلت إليّ اُولِّك كور الشام والجزيرة، غير منفس عليك، وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم فقبض

١٣٤

الكندي المال وقلب على الإمام الحسنعليه‌السلام ، وصار إلى معاوية في مائتي رجل من خاصّته وأهل بيته.

فبلغ ذلك الإمام الحسنعليه‌السلام فقام خطيباً وقال:

«هذا الكندي توجّه إلى معاوية وغدر بي وبكم، وقد أخبرتكم مرّة بعد مرّة أنّه لا وفاء لكم، أنتم عبيد الدنيا ».

ثم أرسل آخر من مراد وأخبره أنّه سيغدر كما غدر الكندي فحلف له بالإيمان المغلظة التي لا تقوم لها الجبال - على حدّ تعبير المؤرخين -، أنّه لا يفعل، فقال الإمامعليه‌السلام انّه سيغدر، وصدقت نبوءة الإمامعليه‌السلام فيه، ففعل كما فعل الأوّل إزاء ثمن بخس. حينها بعث معاوية إلى الإمام برسالته المتقدّمة.

ظرف رسالة الإمامعليه‌السلام :

ثم انّ الإمامعليه‌السلام أخذ طريق النخيلة فعسكر عشرة أيام فلم يحضره إلاّ أربعة آلاف فانصرف إلى الكوفة فصعد المنبر وقال:

«يا عجباً من قوم لا حياء لهم ولا دين، ولو سلّمتُ له الأمر فأيم الله لا ترون فرجاً أبداً مع بني اُميّة، والله ليسومونكم سوء العذاب حتى تتمنّوا أنّ عليكم جيشاً جيشاً، ولو وجدتُ أعواناً ما سلّمتُ له الأمر، لأنّه محرّم على بني اُميّة فأف وترحاً يا عبيد الدنيا ».

ثم انّ القائد العام لجيش الإمامعليه‌السلام ابن عمّه عبيد الله بن العباس المثكول من معاوية بولديه قد غدر هو الآخر بثلثي مقدمة الجيش الذي سار إلى معاوية.

وكتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية: إنّا معك وإن شئت أخذنا الحسن وبعثناه إليك.

١٣٥

هذه ظرف رسالة الإمامعليه‌السلام ، والذي يظهر من البحار نقلاً عن الخرايج(46) :

أنّ الإمامعليه‌السلام كتبها بعد طعنه في فخذه والهجوم على الفسطاط، والذي يترجّح لمَن يراقب الأحداث أنّها كُتبت بعدما ذكرناه، والرسالة الاُخرى وهي الخامسة تقريباً كانت بعد الهجوم على الفسطاط.

وفي هذه الفترة بالذات نشر معاوية شائعة الصلح بينه وبين الإمامعليه‌السلام في أوساط مقدّمة الجيش، كما نشر شائعة التحاق قيس بن سعد القائد العام لجيش الإمامعليه‌السلام بعد عبيد الله بن العباس بمعاوية في أوساط مَن بقي مع الإمامعليه‌السلام ، ممّا أدى إلى زعزعة جيش الإمامعليه‌السلام وانهيار ما تبقّى عندهم من معنويات، وقد أخذت شائعات معاوية محلها في النفوس المريضة ممّن يحبون الدعة والراحة.

• معطيات الرسالة:

الأوّل: ركّز الإمامعليه‌السلام على عدم شرعية خلافة معاوية، وأنّها محرّمة عليه وعلى أهل بيته - بني اُميّة - كما جاء عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما سوف يحصل لمعاوية إنّما هو ملك لا يلبث أن يزول.

الثاني: إنّ لكثير من الذين مع الإمامعليه‌السلام ليسوا على شيء من ناحية العقيدة، والقليل منهم مَن يعرف الإمامعليه‌السلام حقّ معرفته، وأنّه إمام مُفترَض الطاعة من قِبَل الله يُسمَع له ويُطاع، وهذا ما بيّنه الإمامعليه‌السلام بعد الصلح أيضاً، وانّهم غير صابرين على الحرب، وإلاّ فعلى أسوأ التقادير وعدم الإيمان منهم بأنّه إمام مُفترَض الطاعة فلا أقل أنّه قائدهم وزعيمهم وأميرهم الذي بايعوه.

• الرسالة الخامسة:

كتب معاوية إلى الإمامعليه‌السلام في الهدنة والصلح وأنفذ إليه كتب أصحابه

١٣٦

الذين ضمنوا له الفتك به وتسليمه إلى معاوية، واشترط على نفسه عند استجابته إلى الصلح شروطاً كثيرة وعقد له عقوداً.

• فكتب إليه الإمام الحسنعليه‌السلام بعدما سيأتي من الحوادث في ظروف الرسالة:

«أمّا بعد فإنّ خطبي انتهى إلى اليأس من حقّ أحييه وباطل أميته، وخطبك خطب مَن انتهى إلى مراده، وإنّني اعتزل هذا الأمر، ولي شروط اشترطها لا تبهظك إن وفيت لي بها بعهد، ولا تخف إن غدرت، وستندم يا معاوية كما ندم غيرك ممّن نهض في الباطل، أو قعد عن الحقّ حين لم ينفع الندم، والسلام »(47) .

• ظروف الرسالة:

ذكر الشيخ الصدوق في العلل: دسّ معاوية إلى عمرو بن حريث والأشعث بن قيس وحجر بن الحارث وشبث بن ربعي دسيساً، أفرد كل واحد منهم بعين من عيونه، إنّك إن قتلتَ الحسن بن علي فلك مائتا ألف درهم، وجند من أجناد الشام، وبنت من بناتي، فبلغ الحسنعليه‌السلام فاستلأم ولبس درعاً وكفرها(48) ، وكان يحترز ولا يتقدّم للصلاة بهم إلاّ كذلك، فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يلبث فيه، لما عليه من اللأمة، ثم لمّا صار الإمامعليه‌السلام في مظلم ساباط ضرب الإمامعليه‌السلام بخنجر أو معول مسموم فعمل فيه(49) .

فقال الحسنعليه‌السلام : «ويلكم والله إنّ معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي، وإنّي أظن أنّي إن وضعت يدي في يده فأسالمه لم يتركني أدين لدين جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّي أقدر أن أعبد الله عزّ وجل وحدي، ولكنّي كأنّي أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم، يستسقونهم ويستطعمونهم، بما جعله الله لهم

١٣٧

فلا يسقون ولا يطعمون، فبعداً وسحقاً لما كسبت أيديهم، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون »(50) .

• معطيات الرسالة:

الأوّل: إنّ طلب الإمامعليه‌السلام للخلافة الظاهرية أعني السلطة الزمنية لم يكن هو الهدف والغاية التي يطمح لها، بل كان طلبه لها ما هو أسمى من ذلك بكثير، فإنّ الهدف الأساس للإمامعليه‌السلام إنّما هو إحياء الحق وإماتة الباطل ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، أمّا وقد بلغ الأمر إلى أن يسلم الإمامعليه‌السلام أسيراً إلى معاوية فيقتله أو يطلقه فتكون سبّة على بني هاشم إلى أبد الدهر، أو يقتل غيلة بدون أي فائدة تجنى من وراء ذلك، فالصلح مع معاوية خير وأولى، حفاظاً على نفسه وإبقاء على أهل بيته والخلّص من شيعته، مع الشروط التي ستقيّد معاوية إن هو عمل بها، أو يبقى عار التخلّف عنها صورة ماثلة أمام الأجيال تحكي ما انطوت عليه سريرته من حب المُلك والسلطان بأي طريق أتى ومن أي مسلك حصل.

الثاني: قدّم الإمامعليه‌السلام استعداده للتنازل لمعاوية بالأمر، وإنّه شرّ لمعاوية في معاده، فإنّه جاء إلى الأمر بغير طريقه المشروع وأخذه من أهله بالمكر والخديعة والقهر والغلَبَة.

فلا يعني تنازل الإمامعليه‌السلام عن الخلافة الظاهرية إعطاء الشريعة لمعاوية.

الثالث: إنّ معاوية سوف يندم على سيّئ صنيعه كما ندم غيره ممّن نهض في الباطل أو قعد عن الحق حيث لم ينفع الندم.

وقد علّق الشيخ الصدوقرحمه‌الله على هذه النقطة من كلام الإمامعليه‌السلام بقوله: « فإن قال قائل: مَن هو النادم القاعد؟ قلنا: هو الزبير، ذكره أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ما أيقن بخطأ ما أتاه، وباطل ما قضاه وبتأويل ما عزاه، فرجع

١٣٨

عنه القهقرى، ولو وفى بما كان في بيعته لمحا نكثه، ولكنّه أبان ظاهراً الندم، والسريرة إلى عالمها.

والنادم القاعد عبد الله بن عمر بن الخطاب، فانّ أصحاب الأثر رووا في فضائله بأنّه قال: مهما آسى من شيء فإنّي لا آسى على شيء أسفي على أنّي لم أقاتل الفئة الباغية مع علي. وهذه عائشة روى الرواة أنّها لما أنّبها مؤنّب في ما أتته، قالت:

« قضي القضاء وجفّت الأقلام.

والله لو كان لي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشرون ذكراً مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فثكلتهم بموت وقتل، كان أيسر عليّ من خروجي على ( علي ) ومسعاي التي سعيت فإلى الله شكواي لا إلى غيره ».

وهذا سعد بن أبي وقاص لما أنهي إليه أن علياًعليه‌السلام قتل ذا الثدية، أخذه ما قدم وما أخر، وقلق ونزق وقال: والله لو علمتُ أنّ ذلك كذلك لمشيت إليه ولو حبوا(51) .

هذه آخر الرسائل قبل كتاب الصلح، فيما وجدته بين يدي من مصادر.

• المعطيات الرئيسة للرسائل:

الأوّل: تركيز الإمامعليه‌السلام على شرعية خلافته دون معاوية، وانّه هو الأحقّ بتولّي زعامة المسلمين لما يتمتع به من صفات جسدية ونفسية، ظاهرية ومعنوية، ذاتية ونسبية، مضافاً إلى النص عليه من قِبَل صاحب الرسالة الخاتمة، الذي هو المدار في عملية الاستخلاف الشرعي.

وأمّا معاوية فهو طالب مُلك وسلطان يتمتّع به قليلاً ثم ما يبرح حتى يسأل عن ما اقترفته يداه، وانّ الخلافة محرّمة عليه وعلى أهل بيته بنصّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٣٩

الثاني: إنّ المجتمع الكوفي ولا سيما الجيش المفترض أن يكون هو المعتمد في القيادة وتثبيت أركان الدولة والمحافظة على أمن واستقرار البلاد، لم يكن جيشاً مؤهّلاً لهذه المهام، كما أنّه لم يكن مؤهّلاً للدخول في حرب مع معاوية وأهل الشام المجتمعين على باطلهم - على حدّ تعبير الإمام عليعليه‌السلام -، فإنّه جيش مذبذب قد تنازعته الأهواء وعصفت به رياح الفتن وتناوشته الإشاعات من مكان قريب، ففيه الخوارج الطالبون ثأراً من معاوية، فهم ينتظرون راية تظلهم ينطوون تحت لوائها لإنجاز مهمتهم، ولا يهمّهم - بعد ذلك - الانقلاب على قائدهم بعد ذلك، لا سيما وأن قائدهم هو الإمام الحسنعليه‌السلام بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قاتل آبائهم وإخوانهم وأصحاب الرأي عندهم، وفيه رؤساء القبائل والقادة الذي غرتهم الدنيا بزخارفها فكتبوا إلى معاوية ما كتبوا في شأن الإمام الحسنعليه‌السلام ، وفيه أعين بني اُميّة الذين انبثّوا داخل معسكر الكوفة ليثيروا الإشاعات ويثبّطوا العزائم ويضعّفوا الهمم، وفيه عامّة الناس وغوغاؤهم الذين لم يؤمنوا بالإمام الحسنعليه‌السلام كإمام مفترَض الطاعة، وقد سئموا الحرب وملّوها، فلم تعد عندهم طاقة عليها كما لا صبر لهم على الجهاد، فلم يبق مع الإمامعليه‌السلام ممّن يعرف حقّه إلاّ أفراد قلائل.

وقد حاول الإمامعليه‌السلام بشدّته في رسالته، وصلابته في موقفه، وتوبيخه لهم وخطبه فيهم، أن يرفع من معنوياتهم، وينفخ في نفوسهم العزيمة من جديد، ويضخ في عروقهم الدم الحر، ويبث في قلوبهم الحماس والإقدام، إلاّ انّهم لم يعطوه النصف من أنفسهم فلم يجد لكلامه آذاناً صاغية ولا قلوباً واعية تعي عواقب الاُمور، وتدرك مغبّة الوهن والضعف، فباؤوا بغضب من الله وخسران مبين، وانتهت حالهم إلى أن صاروا أذلاّء تحت سيطرة بني اُميّة يسومونهم سوء العذاب، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وقد صدقت نبوءة الإمامعليه‌السلام في خطبته فيهم.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216